فصل: باب الصيد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



6- عن أبي ثعلبة رضي الله عنه قال: (حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية).
7- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله بما يريد أن يأكل (فقالوا: هو ضب يا رسول الله) فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: «لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه», قال خالد: فاجتررته فأكلته والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر.
قال رضي الله عنه: المحنوذ المشوي بالرضيف: وهي الحجارة المحماة.
فيه دليل على جواز أكل الضب لقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل: أحرام هو؟ قال: «لا» ولتقرير النبي صلى الله عليه وسلم على أكله مع العلم بذلك وهو أحد الطرق الشرعية في الأحكام- أعني الفعل والقول والتقرير مع العلم-.
وفيه دليل على الإعلام بما يشك في أمره ليتضح الحل فيه فإن كان لا يمكن أن لا يعلم النبي صلى الله عليه وسلم عين ذلك الحيوان وأنه ضب فقصد الإعلام بذلك ليكونوا على يقين من إباحته إن أكله أو أقر عليه.
وفيه دليل على أن ليس مطلق النفرة وعدم الاستطابة دليلا على التحريم بل أمر مخصوص من ذلك إن قيل: إن ذلك من أسباب التحريم أعني الاستخباث كما يقول الشافعي.
8- عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد.
فيه دليل على إباحة أكل الجراد ولم يتعرض في الحديث لكونها ذكيت بذكاة مثلها كما يقوله المالكية من أنه لابد من سبب يقتضي موتها كقطع رؤوسها مثلا فلا يدل على اشتراط ذلك ولا على عدم اشتراطه فإنه لا صيغة للعموم ولا بيان لكيفية أكلهم.
9- عن زهدم بن مضرب الجرمي قال: (كنا عند أبي موسى الأشعري فدعا بمائدة وعليها لحم دجاج فدخل رجل من بني تيم الله أحمر شبيه بالموالي فقال: هلم فتلكأ فقال: هلم فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منه).
زهدم: بفتح الزاي والدال المهملة وسكون الهاء بينهما ومضرب بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وكسر الراء المهملة المشددة والجرمي بفتح الجيم وسكون الراء المهملة.
وفي الحديث: دليل على إباحة أكل الدجاج ودليل على البناء على الأصل فإنه قد بين برواية أخرى: أن هذا الرجل علل تأخره بأنه رآه يأكل شيئا فقذره فإما أن يكون كما قلناه في البناء على الأصل ويكون أكل الدجاج الذي يأكل القذر مكروها أو يكون ذلك دليلا على أنه لا اعتبار بأكله للنجاسة وقد جاء النهي عن لبن الجلالة وقال الفقهاء: إذا تغير لحمها بأكل النجاسة لم تؤكل.
وهلم: كلمة استدعاء والأكثر فيها: أنها تستعمل للواحد والجماعة والمذكر والمؤنث بصيغة واحدة وتلكأ أي تردد وتوقف.
10- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها».
«يلعقها» بفتح الياء متعديا إلى مفعول واحد «ويلعقها» الثاني: بضمها متعديا إلى مفعولين وقد جاءت علة هذا مبينة في بعض الروايات: «فإنه لا يدري في أي طعامه البركة».
وقد يعلل بأن مسحها قبل ذلك: فيه زيادة تلويث لما مسح به مع الاستغناء عنه بالريق ولكن إذا صح الحديث بالتعليل لم نعدل عنه.

.باب الصيد:

1- عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم؟ وفي أرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم وبكلبي المعلم فما يصلح لي؟ قال: «أما ما ذكرت- يعني من آنية أهل الكتاب- فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل».
أبو ثعلبة الخشني بضم الخاء وفتح الشين المعجمة منسوب إلى بني خشين بطن من قضاعة وهو وائل بن نمر بن وبرة بن تغلب بالغين المعجمة ابن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة وخشين تصغير أخشن مرخما قيل: اسمه جرثوم بن ناشب- أعني اسم أبي ثعلبة.
وفي الحديث مسائل:
الأولى: أنه يدل على أن استعمال أواني أهل الكتاب يتوقف على الغسل واختلف الفقهاء في ذلك بناء على قاعدة تعارض الأصل والغالب وذكروا الخلاف فيمن يتدين باستعمال النجاسة من المشركين وأهل الكتاب كذلك وإن كان فرق بينهم وبين أولئك لأنهم يتدينون باستعمال الخمر أو يكثرون ملابستها فالنصارى لا يجتنبون النجاسات ومنهم من يتدين بملابستها كالرهبان فلا وجه لإخراجهم ممن يتدين باستعمال النجاسات والحديث جار على مقتضى ترجيح غلبة الظن فإن المستفاد من الغالب راجح على الظن المستفاد من الأصل.
الثانية: فيه دليل على جواز الصيد بالقوس والكلب معا ولم يتعرض في الحديث للتعليم المشترك والفقهاء تكلموا فيه وجعلوا المعلم من ينزجر بالانزجار وينبعث بالإشلاء ولهم نظر في غير ذلك من الصفات والقاعدة أن ما رتب عليه الشرع حكما لم يحد فيه حدا يرجع فيه إلى العرف.
الثالثة: فيه حجة لمن يشترط التسمية على الإرسال لأنه وقف الإذن في الأكل علىالتسمية والمعلق بالوصف ينتفي بانتفائه عند القائلين بالمفهوم وفيه هاهنا زيادة على كونه مفهوما مجردا وهو أن الأصل: تحريم أكل الميتة وما أخرج الإذن منها إلا ما هو موصوف بكونه مسمى عليه فغير المسمى عليه: يبقى على أصل التحريم داخلا تحت النص المحرم للميتة.
الرابعة: الحديث يدل على أن المصيد بالكلب المعلم لا يتوقف على الذكاة لأنه فرق بينه وبين غير المعلم في إدراك الذكاة فإذا قتل الكلب الصيد بظفره أو نابه حل وإن قتله بثقله ففيه خلاف في مذهب الشافعي وقد يؤخذ من إطلاق الحديث: جواز أكله وفيه بعض الضعف أعني أخذ الحكم من هذا اللفظ.
الخامسة: شرط عليه السلام في غير المعلم إذا صاد: أن تدرك ذكاة الصيد وهذا الإدراك يتعلق بأمرين:
أحدهما: الزمن الذي يمكن فيه الذبح فإن أدركه ولم يذبح فهو ميتة ولو كان ذلك لأجل العجز عما يذبح به: لم يعذر في ذلك.
الثاني: الحياة المستقرة كما ذكره الفقهاء فإن أدركه وقد أخرج حشوته أو أصاب نابه مقتلا فلا اعتبار بالذكاة حينئذ هذا على ما قاله الفقهاء.
2- عن همام بن الحارث عن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله إني أرسل الكلاب المعلمة فيمسكن علي وأذكر اسم الله؟ فقال: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك», قلت: وإن قتلن؟ قال: «وإن قتلن ما لم يشركها كلب ليس منها» قلت: فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب؟ فقال: «إذا رميت بالمعراض فخزق فكله وإن أصابه بعرضه فلا تأكله».
3- وحديث الشعبي عن عدي نحوه وفيه: «إلا أن يأكل الكلب فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تاكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره».
وفيه: «إذا أرسلت كلبك المكلب فاذكر اسم الله عليه فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب ذكاته».
وفيه أيضا: «إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله عليه».
وفيه: «وإن غاب عنك يوما أو يومين».
وفي رواية: «اليومين والثلاثة فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك؟».
فيه دليل على اشتراط التسمية كما ذكرناه في الحديث السابق وهو أقوى في الدلالة من الأول لأن هذا مفهوم شرط والأول مفهوم وصف ومفهوم الشرط أقوى من مفهوم الوصف.
وفيه تصريح بأكل مصيد الكلب إذا قتل بخلاف الحديث الماضي فإنه إنما يؤخذ هذا الحكم منه بطريق المفهوم وهذا الحديث يدل على أكل ما قتله الكلب بثقله بخلاف الدلالة الماضية التي استضعفناها في الحديث المتقدم.
وفيه دليل على أنه إذا شارك الكلب كلب آخر لم يؤكل وقد ورد معللا في حديث آخر: «فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك».
والمعراض: بكسر الميم وسكون العين المهملة وبالراء المهملة وبعد الألف ضاد معجمة: عصا رأسها محدد فإن أصاب بحده أكل لأنه كالسهم وإن أصاب بعرضه لم يؤكل وقد علل في الحديث بأنه وقيذ وذلك لأنه ليس في معنى السهم وهو في معنى الحجر وغيره من المثقلات.
والشعبي: بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة: اسمه عامر ابن شراحيل من شعب همدان.
وإذا أكل الكلب من الصيد ففيه قولان للشافعي.
أحدهما: لا يؤكل لهذا الحديث ولما أشار إليه من العلة فإن أكله دليل ظاهر على اختيار الإمساك لنفسه.
والثاني: أنه يؤكل لحديث آخر ورد فيه من رواية أبي الخشني.
وحمل هذا النهي في حديث عدي على التنزيه وربما علل بأنه كان من المياسير فاختير له الحمل على الأولى وأن أبا ثعلبة كان على عكس ذلك فأخذ له بالرخصة وهو ضعيف لأنه علل عدم الأكل بخوف الإمساك على نفسه وهذه علة لا تناسب إلا التحريم أعني تخوف الإمساك على نفسه.
اللهم إلا أن يقال: إنه علل بخوف الإمساك لا بحقيقة الإمساك فيجاب عن هذا بأن أصل التحريم في الميتة فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل وكذلك إذا شككنا في أن الصيد مات بالرمي أو لوجود سبب آخر يجوز أن يحال عليه الموت لم يحل كالوقوع في الماء مثلا.
بل وقد اختفوا فيما هو أشد من ذلك وهو ما إذا غاب عنه الصيد ثم وجده ميتا وفيه أثر سهمه ولم يعلم وجود سبب آخر فمن حرمه اكتفى بمجرد تجويز سبب آخر فقد ذكرنا ما دل عليه الحديث من المنع إذا وحده غريقا لأنه سبب للهلاك ولا يعلم أنه مات بسبب الصيد وكذلك إذا تردى من جبل لهذه العلة نعم يسامح في خبط الأرض إذا كان طائرا لأنه أمر لابد منه.
4- عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من اقتنى كلبا- إلا كلب صيد أو ماشية- فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان».
قال سالم: وكان أبو هريرة يقول: «أو كلب حرث» وكان صاحب حرث.
فيه دليل على منع اقتناء الكلاب إلا لهذه الأغراض المذكورة- أعني الصيد والماشية والزرع- وذلك لما في اقتنائها من مفاسد الترويع والعقر للمارة ولعل ذلك لمجانبة الملائكة لمحلها ومجانبة الملائكة أمر شديد لما في مخالطتهم من الإلهام إلى الخير والدعاء إليه.
وفيه دليل على جواز اقتناء لهذه الأغراض واختلف الفقهاء: هل يقاس عليها غرض حراسة الدروب أم لا؟.
واستدل المالكية بجواز اتخاذها للصيد من غير ضرورة على طهارتها فإن ملابستها- مع الاحتراز عن مس شيء منها- شاق والإذن في الشيء إذن في مكملات مقصودة كما أن المنع من لوازمه مناسب للمنع منه.
وقوله وكان صاحب حرث محمول على أنه أراد ذكر سبب العناية بهذا الحكم حتى عرف منه ما جهل غيره والمحتاج إلى الشيء أكثر اهتماما بمعرفة حكمه من غيره.
5- عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة من تهامة فأصاب الناس جوع فأصابوا إبلا وغنما وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أخريات القوم فعجلوا وذبحوا ونصبوا القدور, فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقدور فأكفئت ثم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير فند منها بعير فطلبوه فأعياهم وكان في القوم خيل يسيرة فأهوى رجل منهم بسهم فحبسه الله فقال: «إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما ند عليكم منها فاصنعوا به هكذا», قلت: يا رسول الله إنا لاقوا العدو غدا وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب؟ قال: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه ليس السن والظفر وسأحدثكم عن ذلك أما السن: فعظم وأما الظفر: فمدى الحبشة».
خديج: والد رافع: بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وبعد آخر الحروف جيم.
وفي الحديث دليل على أن ما توحش من المستأنس يكون حكمه حكم الوحش كما أن ما تأنس من الوحش يكون حكمه حكم المستأنس.
وهذا القسم ومقابله كل عشرة من الغنم ببعير قد يحمل على أنه قسمة تعديل بالقيمة وليس من طريق التعديل الشرعي كما جاء في البدنة أنها عن سبعة ومن الناس م حمله على ذلك.
وند بمعنى شرد والأوابد جمع آبدة وقد تأبدت: أي نفرت وتوحشت من الإنس يقال: أبدت- بفتح الباء المخففة- تأبد- بكسرها وضمها- أبودا وجاء فلان بآبدة أي كلمة غريبة أو خصلة للنفوس نفرة عنها والكلمة لازمة إلا أن تجعل فاعلة بمعنى مفعولة.
ومعنى الحديث: أن من البهائم ما فيه نفار كنفار الوحش وفيه دليل على جواز الذبح بما يحصل به المقصود من غير توقف على كونه حديدا بعد أن يكون محددا.
وقوله: «وذكر اسم الله عليه» دليل على اشتراط التسمية أيضا فإنه علق الإذن بمجموع أمرين والمعلق على شيئين ينتفي بانتفاء أحدهما وفيه دليل علة منع الذبح بالسن والظفر وهو محمول على المتصلين وقد ذكرت العلة فيهما في الحديث.
واستدل به قوم على منع الذبح بالعظم مطلقا لقوله عليه السلام: «أما السن فعظم» علل منع الذبح بالسن بأنه عظم والحكم يعم بعموم علته.