فصل: الباب الثاني والثلاثون في المتفرقات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.الباب الثاني والثلاثون في المتفرقات:

وَإِذَا كَانَ عُلُوٌّ لِرَجُلٍ وَسُفْلٌ لِآخَرَ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتَدًا، وَلَا أَنْ يَنْقُبَ فِيهِ كُوَّةً بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْعُلُوِّ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَ فِي عُلُوِّهِ، وَلَا أَنْ يَضَعَ عَلَيْهِ جِذْعًا لَمْ يَكُنْ، وَلَا يُحْدِثَ كَنِيفًا إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ السُّفْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَقَالَا: جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَصْنَعَ مَا لَا يَضُرُّ بِهِ، وَقِيلَ: هَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَعْنِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إنَّمَا مَنَعَ عَمَّا مَنَعَ إذَا كَانَ مُضِرًّا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَمْ يَمْنَعْ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا فَكَانَ جَوَازُ التَّصَرُّفِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْآخَرُ فَصْلًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ فَيَكُونُ الْمَنْعُ لِعِلَّةِ الضَّرَرِ لِصَاحِبِهِ، وَقِيلَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِتَفْسِيرٍ لَهُ، وَإِنَّمَا الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ وَالْمِلْكُ يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ فَلَا يُمْنَعُ عَنْهُ إلَّا بِعَارِضِ الضَّرَرِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرٌ لَا يُمْنَعُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ إذَا أُشْكِلَ فَعِنْدَهُمَا لَمْ يَجُزْ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ مُتَيَقَّنٌ وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ الْحَظْرُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَحِلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ لِلْغَيْرِ، وَهُوَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ؛ لِأَنَّ قَرَارَهُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنْ الْهَدْمِ اتِّفَاقًا، وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ يَمْنَعُ الْمَالِكَ عَنْ التَّصَرُّفِ كَمَا مَنَعَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ الْمَالِكَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ، وَالْإِطْلَاقُ بِعَارِضٍ، وَهُوَ الرِّضَا بِهِ دُونَ عَدَمِ الضَّرَرِ بِهِ، فَإِذَا أَشْكَلَ لَا يَزُولُ الْمَنْعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ ضَرَرٍ بِالْعُلُوِّ مِنْ تَوْهِينِ بِنَاءٍ، أَوْ نَقْضِهِ فَيُمْنَعُ.
عَنْهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ.
وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّهُ إذَا أَشْكَلَ أَنَّهُ يَضُرُّ أَوْ لَا- يَمْلِكُ، وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ يَضُرُّ لَا يَمْلِكُ كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
وَإِذَا كَانَتْ زَائِغَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ تَتَشَعَّبُ مِنْهَا زَائِغَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ وَهِيَ غَيْرُ نَافِذَةٍ، وَكَذَلِكَ الزَّائِغَةُ الْأُولَى أَيْضًا غَيْرُ نَافِذَةٍ هَكَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
فَلَيْسَ لِأَهْلِ الزَّائِغَةِ الْأُولَى أَنْ يَفْتَحُوا بَابًا فِي الزَّائِغَةِ الْقُصْوَى؛ لِأَنَّ فَتْحَهُ لِلْمُرُورِ، وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْمُرُورِ إذْ هُوَ لِأَهْلِهَا خُصُوصًا حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَهْلِ الْأُولَى فِيمَا بِيعَ فِيهَا حَقُّ الشُّفْعَةِ، بِخِلَافِ النَّافِذَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرُورَ فِيهَا حَقُّ الْعَامَّةِ قِيلَ: الْمَنْعُ مِنْ الْمُرُورِ لَا مِنْ فَتْحِ الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ جِدَارَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْفَتْحِ لَا يُمْكِنُهُ الْمَنْعُ مِنْ الْمُرُورِ كُلَّ سَاعَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَدِيرَةً قَدْ لَزِقَ طَرَفَاهَا فَلَهُمْ أَنْ يَفْتَحُوا؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقُّ الْمُرُورِ فِي كُلِّهَا إذْ هِيَ سَاحَةٌ مُشْتَرَكَةٌ، وَلِهَذَا يَشْتَرِكُونَ فِي الشُّفْعَةِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ مِنْهَا.
وَمَنْ ادَّعَى فِي دَارٍ دَعْوَى وَأَنْكَرَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْهَا فَهُوَ جَائِزٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ وَالْمُدَّعَى وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَالصُّلْحُ عَلَى مَعْلُومٍ عَنْ مَجْهُولٍ جَائِزٌ عِنْدَنَا.
وَمَنْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ فِي وَقْتِ كَذَا فَسُئِلَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ: جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتُهَا وَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يَدَّعِي فِيهِ الْهِبَةَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِظُهُورِ التَّنَاقُضِ إذْ هُوَ يَدَّعِي الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ وَهُمْ يَشْهَدُونَ بِهِ قَبْلَهَا، وَلَوْ شَهِدُوا بِهِ بَعْدَهُ تُقْبَلُ لِوُضُوحِ التَّوْفِيقِ، وَلَوْ كَانَ ادَّعَى الْهِبَةَ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَهَا، وَلَمْ يَقُلْ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتُهَا لَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْهِبَةِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لِلْوَاهِبِ عِنْدَنَا وَدَعْوَى الشِّرَاءِ رُجُوعٌ مِنْهُ فَعُدَّ مُنَاقِضًا بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ مِلْكُهُ عِنْدَهَا.
وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: اشْتَرَيْتَ مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَأَنْكَرَ الْآخَرُ إنْ أَجْمَعَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ وَسِعَهُ أَنْ يَطَأَهَا.
وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ فُلَانٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ صُدِّقَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الْجِيَادَ، أَوْ حَقَّهُ، أَوْ الثَّمَنَ، أَوْ اسْتَوْفَى لِإِقْرَارِهِ بِقَبْضِ الْجِيَادِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً، فَلَا يُصَدَّقُ وَالنَّبَهْرَجَةُ كَالزُّيُوفِ وَفِي السَّتُّوقَةِ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ.
وَالزَّيْفُ مَا زَيَّفَهُ بَيْتُ الْمَالِ وَالنَّبَهْرَجُ مَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ وَالسَّتُّوقُ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْغِشُّ.
وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: لَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ: لَيْسَ لِي عَلَيْكَ شَيْءٌ، ثُمَّ قَالَ فِي مَكَانِهِ: بَلْ لِي عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ ارْتَدَّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ، وَالثَّانِي دَعْوَى فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ، أَوْ تَصْدِيقِ خَصْمِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ اشْتَرَيْتَ وَأَنْكَرَ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ.
وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَقَالَ: مَا كَانَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ، فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْأَلْفِ وَأَقَامَ هُوَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَضَاءِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَكَذَلِكَ عَلَى الْإِبْرَاءِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَيْسَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ، وَلَوْ قَالَ: مَا كَانَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ، وَلَا أَعْرِفُكَ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْقَضَاءِ، وَكَذَا عَلَى الْإِبْرَاءِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ تُقْبَلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُحْتَجِبَ، أَوْ الْمُخَدَّرَةَ قَدْ يُؤْذَى بِالشَّغَبِ عَلَى بَابِهِ فَيَأْمُرُ بَعْضَ وُكَلَائِهِ بِإِرْضَائِهِ، وَلَا يَعْرِفُهُ، ثُمَّ يَعْرِفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَمْكَنَ التَّوْفِيقُ.
وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ بَاعَهُ جَارِيَةً وَقَالَ لَمْ أَبِعْهَا مِنْكَ قَطُّ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ فَوَجَدَ بِهَا أُصْبُعًا زَائِدَةً وَأَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَرِئَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ.
ذِكْرُ حَقٍّ كُتِبَ فِي أَسْفَلِهِ، وَمَنْ قَامَ بِهَذَا الذِّكْرِ الْحَقِّ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ- إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى-، أَوْ كُتِبَ فِي الشِّرَاءِ فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُ ذَلِكَ وَتَسْلِيمُهُ- إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- بَطَلَ الذِّكْرُ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَقَالَا: إنْ شَاءَ اللَّهُ- تَعَالَى- هُوَ عَلَى الْخَلَاصِ، وَعَلَى مَنْ قَامَ بِذِكْرِ الْحَقِّ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ ذَكَرَهُ فِي الْإِقْرَارِ، وَلَوْ تَرَكَ فُرْجَةً قَالُوا لَا يَلْتَحِقُ بِهِ وَيَصِيرُ كَفَاصِلِ السُّكُوتِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ فِي دَارِهِ تَنُّورًا لِلْخُبْزِ الدَّائِمِ كَمَا يَكُونُ فِي الدَّكَاكِينِ، أَوْ رَحًى لِلطَّحْنِ، أَوْ مِدْقَاقَ الْقَصَّارِينَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِجِيرَانِهِ ضَرَرًا فَاحِشًا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَ فِيهَا حَمَّامًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ إلَّا بِالنَّدَاوَةِ، وَالتَّحَرُّزُ عَنْهَا مُمْكِنٌ بِأَنْ يَبْنِيَ بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ جَارِهِ حَائِطًا بِنُورَةٍ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَالْجُمْلَةُ فِي هَذِهِ أَنَّ الْقِيَاسَ لَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ لَكِنْ تَرَكَ الْقِيَاسَ وَأَخَذَ بِالِاسْتِحْسَانِ لِأَجْلِ الْمَصْلَحَةِ قَالَ: وَكَانَ وَالِدِي يُفْتِي إذَا كَانَ ضَرَرًا بَيِّنًا يُمْنَعُ وَبِهِ يُفْتَى، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- اتَّخَذَ دَارِهِ حَمَّامًا وَتَأَذَّى الْجِيرَانُ مِنْ دُخَانِهَا فَلَهُمْ مَنْعُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ دُخَانُ الْحَمَّامِ مِثْلَ دُخَانِهِمْ، وَلَوْ اتَّخَذَ دَارِهِ حَظِيرَةَ غَنَمٍ وَالْجِيرَانُ يَتَأَذَّوْنَ مِنْ نَتْنِ السِّرْقِينِ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْحُكْمِ مَنْعُهُ، وَلَوْ حَفَرَ فِي دَارِهِ بِئْرًا نَزَّ مِنْهَا حَائِطُ جَارِهٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ، وَقِيلَ: إذَا كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَلَهُ مَنْعُهُ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا.
سَقَطَ حَائِطٌ بَيْنَ دَارَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا عَوْرَاتٌ وَطَلَبَ مِنْ جَارِهِ أَنْ يُسَاعِدَهُ فِي الْبِنَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُجْبَرُ وَقَالَ الْفَقِيهُ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: يُجْبَرُ فِي زَمَانِنَا، وَقِيلَ: إنْ كَانَ يَقَعُ بَصَرُهُ فِي الصُّعُودِ فِي دَارِ جَارِهِ فَلَهُ مَنْعُهُ عَنْ الصُّعُودِ حَتَّى يَتَّخِذَ سُتْرَةً، وَإِنْ كَانَ يَقَعُ فِي سَطْحِهِ فَلَا كَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
شَافِعِيُّ الْمَذْهَبِ إذَا جَاءَ إلَى الْقَاضِي وَادَّعَى الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ فَالْقَاضِي هَلْ يَقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ؟ لَا ذِكْرَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- فِيهَا بَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يَقْضِي، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقْضِي، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إذَا تَقَدَّمَ إلَى الْقَاضِي فَالْقَاضِي يَقُولُ: هَلْ تَعْتَقِدُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ؟ إنْ قَالَ نَعَمْ يَقْضِي لَهُ بِهَا، وَإِنْ قَالَ لَا أَقَامَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلَمْ يَسْمَعْ كَلَامَهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- هَذَا أَوْجَهُ الْأَقَاوِيلِ وَأَحْسَنُهَا.
وَفِي الْمُنْتَقَى: قُضَاةٌ ثَلَاثَةٌ بِبَغْدَادَ كُلُّ قَاضٍ عَلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ دَعْوَى وَاخْتَلَفَا فِيمَنْ يَخْتَصِمَانِ إلَيْهِ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ مَنْزِلُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ يَخْتَصِمَانِ إلَى الْقَاضِي الَّذِي هُوَ فِي مَوْضِعِهِمَا، وَإِنْ كَانَ مَنْزِلَاهُمَا مُخْتَلِفَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ هَذَا الْجَانِبِ وَالْآخَرُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: ذَلِكَ إلَى الْمُدَّعِي حَيْثُ شَاءَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: ذَلِكَ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ عَسْكَرِيًّا فَقَالَ نَذْهَبُ إلَى قَاضِي الْعَسْكَرِ وَالْخَصْمُ الْآخَرُ كَانَ بَلَدِيًّا فَقَالَ نَذْهَبُ إلَى قَاضِي الْبَلْدَةِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قَالَ: إذَا قَالَ الْقَاضِي لِرَجُلٍ: قَدْ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ هَذَا سَرَقَ فَاقْطَعْ يَدَهُ، أَوْ قَالَ إنَّهُ زَنَى فَحُدَّهُ، أَوْ قَالَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَاقْتُلْهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ وَيَحُدَّهُ وَيَرْجُمَهُ وَيَسَعُهُ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: لَا يَسَعُهُ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ الْقَاضِي عِنْدَهُ عَدْلًا وَحَتَّى يَشْهَدَ مَعَهُ رَجُلٌ آخَرُ إنْ كَانَ فِي حَقٍّ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ وَإِلَى ثَلَاثَةٍ أُخْرَى إنْ كَانَ هَذَا فِي الزِّنَا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي عَالِمًا عَادِلًا، أَوْ عَالِمًا ظَالِمًا، أَوْ عَادِلًا جَاهِلًا، أَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا عَادِلًا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَفْسِرَ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا ظَالِمًا فَإِنَّهُ لَا يَأْتَمِرُ بِأَمْرِهِ سَوَاءٌ فَسَّرَهُ، أَوْ لَمْ يُفَسِّرْهُ، وَإِنْ كَانَ عَادِلًا جَاهِلًا فَإِنَّهُ لَا يَأْتَمِرُ بِأَمْرِهِ حَتَّى يُفَسِّرَهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُخْطِئُ فِي الْقَضَاءِ فَيَسْأَلُهُ عَنْ الْحُجَّةِ.
وَالْمَسْأَلَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- مُصَوَّرَةٌ فِي الْقَاضِي الْعَالِمِ الْعَادِلِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْقَاضِي: أَقَرَّ هَذَا الرَّجُلُ عِنْدِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لِهَذَا وَالْمُقِرُّ يُنْكِرُ فَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
وَإِذَا أَرَادَ إثْبَاتَ قَضَاءِ الْخَلِيفَةِ عِنْدَ قَاضِي الْأَصْلِ يَقُولُ النَّائِبُ عِنْدَ قَاضِي الْأَصْلِ: أَقَرَّ فُلَانٌ لِفُلَانٍ بِكَذَا حَكَمْتُ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا فَثَبَتَ إقْرَارُ فُلَانٍ وَحُكْمُ النَّائِبِ وَجَمِيعُ مَا أَخْبَرَ النَّائِبُ عِنْدَ قَاضِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ قَاضٍ فِي الْمَكَانِ الَّذِي الْأَصْلُ فِيهِ قَاضٍ وَقَوْلُ الْقَاضِي فِي مَكَانِ قَضَائِهِ مَقْبُولٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِحَضْرَةِ وَكِيلِ الْغَائِبِ، أَوْ بِحَضْرَةِ وَصِيِّ الْمَيِّتِ يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ، وَعَلَى الْمَيِّتِ، وَلَا يَقْضِي عَلَى الْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَيَكْتُبُ فِي السِّجِلِّ أَنَّهُ قَضَى عَلَى الْمَيِّتِ، وَعَلَى الْغَائِبِ وَلَكِنْ بِحَضْرَةِ وَكِيلِهِ وَبِحَضْرَةِ وَصِيِّهِ.
ذَكَرَ الْخَصَّافُ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ الْعَدْوَى: إذَا أَمَرَ الْقَاضِي رَجُلًا بِمُلَازَمَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِاسْتِخْرَاجِ الْمَالِ وَيُسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ مُوَكَّلٌ فَمُؤْنَتُهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ.
وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: هِيَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ تَعُودُ إلَى الْمُدَّعِي.
وَإِذَا أَقَرَّ رَجُلٌ لِإِنْسَانٍ بِمَالٍ وَمَاتَ الْمُقِرُّ فَقَالَتْ وَرَثَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إنَّ أَبَانَا أَقَرَّ بِمَا أَقَرَّ كَذِبًا فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمُقِرُّ لَهُ عَالِمٌ بِذَلِكَ وَأَرَادُوا تَحْلِيفَهُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُحَلِّفُوهُ، وَإِذَا قَالَ الْمَدْيُونُ أَبِيعُ عَبْدِي هَذَا وَأَقْضِي حَقَّهُ ذَكَرَ صَاحِبُ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْعِصَامِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي أَوَّلِ مَكَاتِبِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْبِسُهُ بَلْ يُؤَجِّلُهُ يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً.
ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ أَنَّكَ اسْتَمْهَلْتَ مِنِّي هَذَا الْمَالَ وَصِرْتَ مُقِرًّا بِالْمَالِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُنْكِرُ الْمَالَ وَالِاسْتِمْهَالَ جَمِيعًا فَالْقَاضِي يُحَلِّفُهُ عَلَى الْمَالِ، أَوْ عَلَى الِاسْتِمْهَالِ، وَقَدْ قِيلَ: يُحَلِّفُهُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِمْهَالِ يُعْتَبَرُ مُقِرًّا وَالْإِقْرَارُ حُجَّةُ الْمُدَّعِي، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَحْلِفُ عَلَى حُجَّةِ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ.
وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ لِي عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إنْ حَلَفْتَ أَنَّهَا لَكَ عَلَيَّ أَدَّيْتُهَا فَحَلَفَ الرَّجُلُ فَأَدَّاهَا إلَيْهِ إنْ أَدَّاهَا عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي شَرَطَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا دَفَعَ إلَيْهِ.
رَجُلٌ أَخْرَجَ صَكًّا بِإِقْرَارِ رَجُلٍ فَقَالَ الْمُقِرُّ قَدْ أَقْرَرْتُ لَكَ بِهَذَا الْمَالِ إلَّا أَنَّكَ رَدَدْتَ إقْرَارِي يَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ كَمَنْ ادَّعَى الْبَيْعَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُهُ مِنْكَ إلَّا أَنَّكَ أَقَلْتَنِي فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مُدَّعِي الشِّرَاءَ.
رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَابْنَتَهَا فِي عُقْدَتَيْنِ وَقَالَ لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا الْأُولَى يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا تَزَوَّجَهَا قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْقَاضِي يَبْدَأُ فِي التَّحْلِيفِ بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ، فَإِذَا حَلَّفَهُ لِإِحْدَاهُمَا وَحَلَفَ يَثْبُتُ نِكَاحُ الْأُخْرَى، وَإِنْ نَكِلَ لَزِمَهُ نِكَاحُ هَذِهِ وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأُخْرَى، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فَلَا يَجْرِي الِاسْتِحْلَافُ فِي النِّكَاحِ.
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّارِ إذَا قَالَ: أَنَا بَنَيْتُ هَذِهِ الدَّارَ وَالْمُدَّعِي يَعْلَمُ بِذَلِكَ وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعِي لَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْبَانِي وَيَكُونَ الْبِنَاءُ لِلْمُدَّعِي بِأَنْ يَبْنِيَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْمُدَّعِي حَتَّى لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَنَيْتُ الدَّارَ لِنَفْسِي بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُدَّعِي يُحَلِّفُ الْمُدَّعِيَ الْحَاكِمُ الْمُحَكَّمُ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحَلَفَ، ثُمَّ تَرَافَعَا إلَى قَاضٍ مُوَلًّى فَالْقَاضِي الْمُوَلَّى لَا يُحَلِّفُهُ ثَانِيًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ فَاسِقًا عِنْدَنَا كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
دَارٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ ادَّعَاهَا رَجُلٌ آخَرُ أَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْهُ، فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هَذِهِ الدَّارُ كَانَتْ لِي وَقَفْتُهَا عَلَى كَذَا، وَكَذَا وَأَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ يَحْلِفُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ غَصْبَ الدَّارِ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَكَانَ فِي التَّحْلِيفِ فَائِدَةٌ حَتَّى لَوْ نَكِلَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى الْعَيْنِ لِيَأْخُذَ الْعَيْنَ لَا يَحْلِفُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ صَارَتْ مُسْتَهْلَكَةً لِصَيْرُورَتِهَا وَقْفًا، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- دَفْعًا لِلْحِيلَةِ، وَهَذَا كَرَجُلٍ فِي يَدَيْهِ عَبْدٌ قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ اغْتَصَبَهُ مِنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي إقْرَارِهِ أَنَّهُ لِفُلَانٍ، وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّهُ اغْتَصَبَهُ مِنْ فُلَانٍ وَيُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَضْمَنَ قِيمَتَهُ لِلثَّانِي.
رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ ضَيْعَةٌ يَزْعُمُ أَنَّهَا وَقْفُ جَدِّهِ وَقَفَهَا عَلَيَّ وَعَلَى ابْنِهِ وَأَوْلَادِ ابْنِهِ خَاصَّةً فَجَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَاهَا وَقَالَ: إنَّ الْوَاقِفَ هَذَا وَقَفَهَا عَلَى جَمِيعِ أَوْلَادِهِ وَأَنَا مِنْ جُمْلَةِ أَوْلَادِهِ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ صَاحِبِ الْيَدِ لَا يُحَلَّفُ إلَّا إذَا كَانَ فِي يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ شَيْءٌ مِنْ غَلَّةِ هَذِهِ الضَّيْعَةِ فَحِينَئِذٍ يُحَلِّفُهُ عَلَى نَصِيبِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي مِلْكَ ذَلِكَ الْقَدْرِ لِنَفْسِهِ وَذُو الْيَدِ يُنْكِرُ فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، وَهَذَا الْجَوَابُ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ حَقُّ الْخُصُومَةِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْخُصُومَةِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى مِنْ الْمُتَوَلَّى حَتَّى يَحْلِفَ الْمُدَّعِي فِي الْوَجْهِ الثَّانِي.
قَاضِي الْعَسْكَرِ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى غَيْرِ الْعَسْكَرِ، وَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْعَسْكَرِ إلَّا إذَا شُرِطَ ذَلِكَ عِنْدَ التَّقْلِيدِ، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ، وَهُوَ يَعْمَلُ فِي السُّوقِ وَيَحْتَرِفُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ.
سُئِلَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- عَمَّنْ وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى عُلَمَاءِ خُوَاقَنْدَ وَسَلَّمَ إلَى الْمُتَوَلِّي، ثُمَّ ادَّعَى عَلَى الْمُتَوَلِّي فَسَادَ الْوَقْفِيَّةِ بِسَبَبِ الشُّيُوعِ بَيْنَ يَدَيْ قَاضِي خُوَاقَنْدَ فَحُكِمَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِيَّةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ وَقَاضِي خُوَاقَنْدَ مِنْ عُلَمَاءِ خُوَاقَنْدَ هَلْ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؟ قَالَ: يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ شَاهِدًا فِي هَذَا فَيَصْلُحُ قَاضِيًا، وَإِنَّمَا يَصْلُحُ شَاهِدًا فِي هَذَا اسْتِدْلَالًا بِمَا ذَكَرَ هِلَالٌ فِي وَقْفِهِ إذَا وَقَفَ الرَّجُلُ عَلَى فُقَرَاءِ جِيرَانِهِ، ثُمَّ شَهِدَ بَعْضُ فُقَرَاءِ جِيرَانِهِ عَلَى الْوَقْفِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْجِوَارَ لَيْسَ بِلَازِمٍ.
الْقَاضِي لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الصِّغَارِ إلَّا إذَا كُتِبَ فِي مَنْشُورِهِ ذَلِكَ.
إذَا مَاتَ الْقَاضِي قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الرِّزْقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يَسْقُطُ رِزْقُهُ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي أَوَّلِ بَابِ النَّفَقَةِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ.
قَاضِي كَرْخَ وَقَاضِي خَيْبَرَ أَنَّهُ إذَا الْتَقَيَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ إنَّ فُلَانًا أَقَرَّ لِفُلَانٍ بِكَذَا لَا يَقْضِي بِهِ حَتَّى يَبْعَثَ إلَيْهِ الرُّقْعَةَ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، قَالُوا: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَمَانَ الْإِخْبَارِ فِي مَكَان هُوَ قَاضٍ فِيهِ، أَمَّا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَكَان هُوَ قَاضٍ فِيهِ يَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ أَقْوَى مِنْ الرُّقْعَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قَاضٍ بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ بِنَفْسِهِ، أَوْ أَوْدَعَهُ، أَوْ بَاعَ أَمِينُهُ بِأَمْرِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ مَاتَ هَذَا الْقَاضِي وَاسْتَقْضَى غَيْرُهُ فَشَهِدَ قَوْمٌ عِنْدَهُ أَنَّهُمْ سَمِعُوا الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ يَقُولُ بِعْتُ فُلَانًا مَالَ الْيَتِيمِ بِكَذَا، وَكَذَا فَهَذِهِ الشَّهَادَةُ تُقْبَلُ وَيُؤْخَذُ الْمُشْتَرَى بِالْمَالِ، وَكَذَا الْوَدِيعَةُ فِي الْمُلْتَقَطِ.
وَلَوْ مَاتَ أَحَدٌ، وَلَا يُعْلَمُ لَهُ وَارِثٌ فَبَاعَ الْقَاضِي دَارِهِ يَجُوزُ، وَلَوْ ظَهَرَ الْوَارِثُ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ مَاضٍ فِي الْفَتَاوَى.
الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ لَهُ عَلَى آخَرَ دَعَاوَى مُتَفَرِّقَةٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالضِّيَاعِ قَالَ: تُجْمَعُ دَعَاوَاهُ كُلُّهَا وَيَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ.
رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَخْرَجَ الْمُدَّعِي خَطًّا بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْمَالِ، وَقَالَ: هَذَا خَطُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ خَطَّهُ فَاسْتُكْتِبَ وَكَتَبَ وَكَانَ بَيْنَ الْخَطَّيْنِ مُشَابَهَةٌ ظَاهِرَةٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْضِي الْقَاضِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْمَالِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَقْضِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هَذَا خَطِّي وَلَكِنْ لَيْسَ عَلَيَّ هَذَا الْمَالُ إنْ كَانَ الْخَطُّ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ مُصَدَّرًا مُعَنْوَنًا لَا يُصَدَّقُ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَخَطُّ الصَّرَّافِ وَالسِّمْسَارِ حُجَّةٌ عُرْفًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْخَطُّ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ وَلَكِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ يُكْتَبُ الصَّكُّ وَالْإِقْرَارُ، فَإِنْ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا فِيهِ يَكُونُ إقْرَارًا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ كَتَبَ الْخَطَّ بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كَانَ إقْرَارًا حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ سَوَاءٌ قَالَ لَهُمْ اشْهَدُوا عَلَيَّ، أَوْ لَمْ يَقُلْ، فَإِنْ كَتَبَ بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ، وَلَمْ يَقْرَأْ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ قَالَ لَهُمْ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ كَانَ إقْرَارًا حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا إنْ عَلِمُوا بِمَا فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهِ.
الْعُيُونُ رَجُلٌ مَاتَ وَلَهُ غُلَامٌ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَعَلَى الْمَيِّتِ لِإِنْسَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَضَى الْمُكَاتَبُ الْغَرِيمَ قَضَاءً عَنْ دَيْنِهِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فِي الْقِيَاسِ بَاطِلٌ، وَلَا يَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ حَتَّى يُعْتِقَهُ الْقَاضِي الْخَانِيَّةُ.
رَجُلٌ ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَاسْتُحْلِفَ فَنَكَلَ فَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، ثُمَّ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَشَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَى الْعَبْدَ مِنْ الْمُدَّعِي قَبْلَ ذَلِكَ مِنْهُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَمَنْ قَالَ: مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ فَهُوَ عَلَى مَا فِيهِ الزَّكَاةُ.
وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ عَلَى ثُلُثِ كُلِّ شَيْءٍ وَتَدْخُلُ فِيهِ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى-، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَا تَدْخُلُ، وَلَا تَدْخُلُ أَرْضُ الْخَرَاجِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ قَالَ: مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ فَقَدْ قِيلَ: يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ لَفْظِ الْمَالِ وَالْمُقَيِّدُ إيجَابُ الشَّرْعِ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِلَفْظِ الْمَالِ، وَلَا مُخَصِّصَ فِي لَفْظِ الْمِلْكِ فَبَقِيَ عَلَى الْعُمُومِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِيجَابِ يُمْسِكُ مِنْ ذَلِكَ قُوتَهُ، ثُمَّ إذَا أَصَابَ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِمَا أَمْسَكَ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ هَذِهِ مُقَدَّمَةٌ، وَلَمْ يُقَدَّرْ بِشَيْءٍ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِيهِ، وَقِيلَ: الْمُحْتَرِفُ يُمْسِكُ قُوتَهُ لِيَوْمٍ وَصَاحِبُ الْغَلَّةِ لِشَهْرٍ وَصَاحِبُ الضِّيَاعِ لِسَنَةٍ عَلَى حَسَبِ التَّفَاوُتِ فِي مُدَّةِ وُصُولِهِمْ إلَى الْمَالِ، وَعَلَى هَذَا صَاحِبُ التِّجَارَةِ يُمْسِكُ بِقَدْرِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مَالُهُ، وَمَنْ أُوصِيَ إلَيْهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ حَتَّى بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ فَهُوَ وَصِيٌّ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ.
وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَكِيلِ حَتَّى يَعْلَمَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا وَمَنْ أَعْلَمَهُ النَّاسُ بِالْوَكَالَةِ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ حَقٍّ لَا إلْزَامُ أَمْرٍ، وَلَا يَكْفِي النَّهْيُ عَنْ الْوَكَالَةِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ، أَوْ وَاحِدٌ عَدْلٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وَقَالَا: هُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أُخْبِرَ الْمَوْلَى بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ وَالشَّفِيعِ وَالْبِكْرِ وَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا، وَإِذَا بَاعَ الْقَاضِي، أَوْ أَمِينُهُ عَبْدًا لِلْغُرَمَاءِ وَأَخَذَ الْمَالَ فَضَاعَ وَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ لَمْ يَضْمَنْ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ أَمَرَ الْقَاضِي الْوَصِيَّ بِبَيْعِهِ لِلْغُرَمَاءِ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَضَاعَ الْمَالُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ وَرَجَعَ الْوَصِيُّ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ يَرْجِعُ الْغَرِيمُ فِيهِ بِدَيْنِهِ قَالُوا وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يَرْجِعُ بِالْمِائَةِ الَّتِي غَرِمَهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَحِقَهُ فِي أَمْرِ الْمَيِّتِ، وَالْوَارِثُ إذَا بِيعَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَرِيمِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.كِتَابُ الشَّهَادَاتِ:

وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَبْوَابٍ:

.الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِهَا وَرُكْنِهَا وَسَبَبِ أَدَائِهَا وَحُكْمِهَا وَشَرَائِطِهَا وَأَقْسَامِهَا:

أَمَّا التَّعْرِيفُ فَهُوَ إخْبَارُ صِدْقٍ لِإِثْبَاتِ حَقٍّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ هَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَأَمَّا رُكْنُهَا فَلَفْظُ أَشْهَدُ بِمَعْنَى الْخَبَرِ دُونَ الْقَسَمِ هَكَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَأَمَّا سَبَبُ أَدَائِهَا فَإِمَّا طَلَبُ الْمُدَّعِي مِنْهُ الشَّهَادَةَ، أَوْ خَوْفُ فَوْتِ حَقِّ الْمُدَّعِي إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُدَّعِي كَوْنَهُ شَاهِدًا.
وَأَمَّا حُكْمُهَا فَوُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْحَاكِمِ بِمُقْتَضَاهَا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ.
وَأَمَّا الشَّرَائِطُ فَنَوْعَانِ نَوْعٌ هُوَ شَرْطُ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ، وَنَوْعٌ هُوَ شَرْطُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَمِنْهُ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا وَقْتَ التَّحَمُّلِ فَلَا يَصِحُّ تَحَمُّلُهَا مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ، وَأَنْ يَكُونَ بَصِيرًا فَلَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ مِنْ الْأَعْمَى، وَمِنْهُ أَنْ يَكُونَ التَّحَمُّلُ بِمُعَايَنَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ بِنَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ يَصِحُّ التَّحَمُّلُ فِيهَا بِالتَّسَامُعِ مِنْ النَّاسِ هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلتَّحَمُّلِ الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ وَالْعَدَالَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ وَقْتَ التَّحَمُّلِ صَبِيًّا عَاقِلًا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ كَافِرًا، أَوْ فَاسِقًا، ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَأُعْتِقَ الْعَبْدُ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ وَتَابَ الْفَاسِقُ فَشَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
أَمَّا الثَّانِي فَأَنْوَاعٌ: مِنْهَا مَا يَرْجِعُ إلَى الشَّاهِدِ، وَهُوَ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْبَصَرُ وَالنُّطْقُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ عِنْدَنَا وَأَنْ يَشْهَدَ لِلَّهِ- تَعَالَى- وَلَا يَجُرُّ الشَّاهِدُ إلَى نَفْسِهِ مَغْنَمًا، وَلَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ مَغْرَمًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ خَصْمًا، وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْمَشْهُودِ بِهِ وَقْتَ الْأَدَاءِ ذَاكِرًا لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَا عِنْدَهُمَا هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَالْعَدَالَةُ وَهِيَ شَرْطُ وُجُوبِ الْقَبُولِ عَلَى الْقَاضِي لَا جَوَازُهُ كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
وَالشَّرْطُ هُوَ الْعَدَالَةُ الظَّاهِرِيَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وَأَمَّا الْحَقِيقِيَّةُ فَهِيَ الثَّابِتَةُ بِالسُّؤَالِ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ بِالتَّعْدِيلِ، وَالتَّزْكِيَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهَا شَرْطٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ: فِي تَفْسِيرِ الْعَدْلِ.
مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّ الْعَدْلَ فِي الشَّهَادَةِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا عَنْ الْكَبَائِرِ وَلَا يَكُونَ مُصِرًّا عَلَى الصَّغَائِرِ وَيَكُونَ صَلَاحُهُ أَكْثَرَ مِنْ فَسَادِهِ وَصَوَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْكَبَائِرِ وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ مَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هَتْكُ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالدِّينِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ وَكَذَلِكَ مَا فِيهِ نَبْذُ الْمُرُوءَةِ وَالْكَرَمِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ وَكَذَلِكَ الْإِعَانَةُ عَلَى الْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ وَالْحَثُّ عَلَيْهَا مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ وَمَا عَدَاهَا فَمِنْ الصَّغَائِرِ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الدَّعْوَى فِي الشَّهَادَةِ الْقَائِمَةِ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ مِنْ الْمُدَّعِي، أَوْ نَائِبِهِ، وَأَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةً لِلدَّعْوَى، وَالْعَدَدُ فِي الشَّهَادَةِ فِيمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَاتِّفَاقُ الشَّاهِدِينَ وَالذُّكُورَةُ فِي الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَالْإِسْلَامُ إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا وَعَدَمُ التَّقَادُمِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُدُودِ كُلِّهَا إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ حَتَّى لَا تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِمَا عُرِفَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَالْأَصَالَةُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَتَعَذُّرُ حُضُورِ الْأَصْلِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ هَكَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَشْهُودِ بِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِمَعْلُومٍ، فَإِنْ كَانَ بِمَجْهُولٍ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ عِلْمَ الْقَاضِي بِالْمَشْهُودِ بِهِ شَرْطُ صِحَّةِ قَضَائِهِ فَمَا لَمْ يَعْلَمْ لَا يُمْكِنُهُ الْقَضَاءُ بِهِ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ فُلَانًا وَارِثَ هَذَا الْمَيِّتِ لَا.
وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِمَجْهُولٍ لِجَهَالَةِ أَسْبَابِ الْوِرَاثَةِ وَاخْتِلَافِ أَحْكَامِهَا هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
أَمَّا أَقْسَامُ الشَّهَادَةِ فَمِنْهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الزِّنَا وَتُعْتَبَرُ فِيهَا أَرْبَعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ، وَمِنْهَا الشَّهَادَةُ بِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، وَلَا تُقْبَلُ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
.
وَمِنْهَا الشَّهَادَةُ فِي الْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَتُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مُسْلِمَةٍ حُرَّةٍ عَدْلَةٌ وَالثِّنْتَانِ أَحْوَطُ هَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَهَلْ تُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ؟ قَالَ: مَشَايِخُ بَلْخٍ وَمَشَايِخُ بُخَارَى: تُشْتَرَطُ، وَقَالَ: مَشَايِخُ الْعِرَاقِ: لَا تُشْتَرَطُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَالْقُدُورِيُّ اعْتَمَدَ عَلَى الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَلَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ رَجُلٌ بِأَنْ قَالَ: فَاجَأْتُهَا فَاتَّفَقَ نَظَرِي إلَيْهَا فَالْجَوَابُ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ قَبُولُ شَهَادَتِهِ إذَا كَانَ عَدْلًا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ هَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الرَّجُلِ أَقْوَى مِنْ شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ فَلَمَّا ثَبَتَ الْمَشْهُودُ بِهِ هَهُنَا بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فَبِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْلَى كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
.
وَمِنْهَا الشَّهَادَةُ بِغَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَشُرِطَ فِيهَا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ مَالًا، أَوْ غَيْرَ مَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْعُقُوبَةِ، وَهُوَ الْإِحْصَانُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ حَتَّى يَثْبُتَ الْإِحْصَانُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عِنْدَنَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.الباب الثاني في بيان تحمل الشهادة وحد أدائها والامتناع عن ذلك:

لَا بَأْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَتَحَمُّلِهَا، وَفِي بَابِ الْعَيْنِ مِنْ كَرَاهِيَةِ الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ طُلِبَ مِنْهُ أَنْ يَكْتُبَ شَهَادَتَهُ، أَوْ يَشْهَدَ عَلَى عَقْدٍ فَأَبَى ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ يَجِدُ غَيْرَهُ جَازَ لَهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا يَسَعُهُ الِامْتِنَاعُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَعَلَى هَذَا أَمْرُ التَّعْدِيلِ إذَا سُئِلَ مِنْ إنْسَانٍ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ سِوَاهُ مَنْ يُعَدِّلُهُ يَسَعُهُ أَنْ لَا يُجِيبَ وَإِلَّا لَمْ يَسَعْهُ أَنْ لَا يَقُولَ فِيهِ الْحَقَّ حَتَّى لَا يَكُونَ مُبْطِلًا لِلْحَقِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَيَلْزَمُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ وَيَأْثَمُ بِكِتْمَانِهَا إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي، وَإِنَّمَا يَأْثَمُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ، أَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَأَدَّى غَيْرُهُ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَقُبِلَتْ قَالُوا لَا يَأْثَمُ، وَإِنْ أَدَّى غَيْرُهُ، وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ يَأْثَمُ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ إذَا كَانَ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَإِنْ كَانَ هُوَ أَسْرَعُ قَبُولًا مِنْ آخَرِينَ لَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْأَدَاءِ فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
وَإِذَا كَانَ مَوْضِعُ الشَّاهِدِ بَعِيدًا مِنْ مَوْضِعِ الْقَاضِي بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْقَاضِي لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَيَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ قَالُوا لَا يَأْثَمُ هَكَذَا فِي التَّبْيِينِ.
سُئِلَ خَلَفٌ عَمَّنْ لَهُ شَهَادَةٌ وَوَقَعَتْ الْخُصُومَةُ عِنْدَ قَاضٍ غَيْرِ عَدْلٍ هَلْ يَسَعُهُ أَنْ يَكْتُمَ الشَّهَادَةَ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَ قَاضٍ عَدْلٍ قَالَ: لَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَالشَّهَادَةُ فِي الْحُدُودِ يُخَيَّرُ فِيهَا الشَّاهِدُ بَيْنَ السَّتْرِ وَالْإِظْهَارِ وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمَالِ فِي السَّرِقَةِ فَيَقُولَ: أَخَذَ، وَلَا يَقُولَ: سَرَقَ، هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
مَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ عَلَى نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ بِلَا إشْهَادٍ كَالْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ وَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ، فَإِذَا سَمِعَ شَاهِدٌ الْبَيْعَ وَالْإِقْرَارَ وَحُكْمَ الْحَاكِمِ، أَوْ رَأَى الْغَصْبَ وَالْقَتْلَ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِنْ لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ، وَلَا يَقُولُ: أَشْهَدَنِي لِئَلَّا يَكُونَ كَاذِبًا.
وَنَوْعٌ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَإِذَا سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَهُ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَلَوْ سَمِعَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ، إذْ النَّغْمَةُ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ إلَّا إذَا كَانَ فِي الدَّاخِلِ وَحْدَهُ وَدَخَلَ وَعَلِمَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْمَسْلَكِ وَلَيْسَ لَهُ مَسْلَكٌ غَيْرُهُ فَسَمِعَ إقْرَارَ الدَّاخِلِ، وَلَا يَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا فَسَّرَ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي جَوَازِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ مُتَنَقِّبَةً: بَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: لَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ عَلَيْهَا بِدُونِ رُؤْيَةِ وَجْهِهَا، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا تَوَسَّعُوا فِي هَذَا وَقَالُوا: يَصِحُّ عِنْدَ التَّعْرِيفِ، وَتَعْرِيفُ الْوَاحِدِ يَكْفِي وَالْمُثَنَّى أَحْوَطُ وَإِلَى هَذَا مَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بخواهر زاده وَإِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيُّ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ.
وَضَرْبٌ مِنْ الْمَعْقُولِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا فَإِنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ فَذَلِكَ يَكْفِي، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَا تَحِلُّ لَهُ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّسَبِ مَا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَمَاعَةٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَالْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ كَانَ يُفْتِي بِقَوْلِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
فَإِنْ عَرَفَهَا بِاسْمِهَا وَنَسَبِهَا عَدْلَانِ يَنْبَغِي لِلْعَدْلَيْنِ أَنْ يُشْهِدَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا هَؤُلَاءِ الشُّهُودَ كَمَا هُوَ طَرِيقُ الْإِشْهَادِ عَلَى الشَّهَادَةِ حَتَّى يَشْهَدُوا عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى شَهَادَتِهِمَا بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَيَشْهَدُوا بِأَصْلِ الْحَقِّ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ يَقُولُ: إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ وَشَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ سَمِعَ إقْرَارَهَا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهَا إلَّا إذَا رَأَى شَخْصًا يَعْنِي حَالَ مَا أَقَرَّتْ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهَا بِشَرْطِ رُؤْيَةِ شَخْصِهَا لَا رُؤْيَةِ وَجْهِهَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
لَوْ كَشَفَتْ امْرَأَةٌ وَجْهَهَا، وَقَالَتْ: أَنَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى شُهُودِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِنْ مَاتَتْ يَحْتَاجُونَ إلَى شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهَا كَانَتْ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ وَإِذَا لَمْ تَسْفِرْ وَجْهَهَا وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِذَلِكَ يَعْنِي عَلَى إقْرَارِ فُلَانَةَ أَمَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَا أَنَّ امْرَأَةً أَقَرَّتْ بِكَذَا وَشَهِدَ عِنْدَنَا شَاهِدَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ هَكَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
إذَا شَهِدَا عَلَى امْرَأَةٍ سَمَّيَاهَا وَنَسَبَاهَا وَكَانَتْ حَاضِرَةً فَقَالَ الْقَاضِي لِلشُّهُودِ: هَلْ تَعْرِفُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهَا فَقَالَا: لَا؟ فَالْقَاضِي لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمَا، وَلَوْ قَالَا: تَحَمَّلْنَا الشَّهَادَةَ عَنْ امْرَأَةٍ نَسَبُهَا وَاسْمُهَا كَذَا وَلَكِنْ لَا نَدْرِي أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ هَلْ هِيَ بِعَيْنِهَا أَمْ لَا؟ صَحَّتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْمُسَمَّاةِ وَكَانَ عَلَى الْمُدَّعِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الَّتِي سَمَّوْهَا وَبَيَّنُوا نَسَبَهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَيَصِحُّ تَعْرِيفُ مَنْ لَا يَصْلُحُ شَاهِدًا لَهَا سَوَاءٌ كَانَ الْإِشْهَادُ لَهَا أَوْ عَلَيْهَا، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: إنْ كَانَ الْإِشْهَادُ لَهَا لَا يَصِحُّ التَّعْرِيفُ مِمَّنْ لَا يَصْلُحُ شَاهِدًا لَهَا وَاخْتَارَ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
وَسُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ امْرَأَةٍ أَقَرَّتْ عِنْدَ رَجُلَيْنِ أَنَّهَا أَعْتَقَتْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ، وَلَمْ يَرَيَا وَجْهَ الْمُعْتِقَةِ هَلْ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِذَلِكَ؟ قَالَ: لَا مَا لَمْ يَعْرِفَاهَا، فَإِنْ لَمْ يُفَارِقَاهَا مُنْذُ أَعْتَقَتْهَا وَسِعَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهَا بِالْإِعْتَاقِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَاقِلًا عَنْ الْيَتِيمَةِ.
إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَيُقِرُّ فِي السِّرِّ وَيَجْحَدُ فِي الْعَلَانِيَةِ وَعَجَزَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَنْ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ فَاحْتَالَ ذَلِكَ وَأَخْفَى قَوْمًا مِنْ الْعُدُولِ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ اسْتَخْضَرَهُ وَطَلَبُهُ الْحَقَّ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ سِرًّا وَخَرَجَ فَسَمِعَ الشُّهُودُ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عِنْدَ عُلَمَائِنَا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ حَصَلَ، وَقِيلَ: لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَدْلِيسًا وَغَدْرًا وَلَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الشُّهُودُ يَرَوْنَ وَجْهَهُ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ وَجْهَهُ وَلَكِنْ يَسْمَعُونَ كَلَامَهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا، وَإِنْ شَهِدُوا وَفَسَّرُوا لِلْقَاضِي لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُمْ إلَّا إذَا أَحَاطُوا بِهِ عِلْمًا كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَإِذَا عَايَنَ الْمِلْكَ دُونَ الْمَالِكِ بِأَنْ عَايَنَ مِلْكًا بِحُدُودِهِ يُنْسَبُ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، وَلَمْ يُعَايِنْهُ بِوَجْهِهِ، وَلَا عَرَفَهُ بِنَسَبِهِ فَعَلَى الْأَصَحِّ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَتُقْبَلُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ الْمِلْكَ وَالْمَالِكَ وَلَكِنْ سَمِعَ مِنْ النَّاسِ قَالُوا: لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ فِي قَرْيَةِ كَذَا ضَيْعَةٌ حُدُودُهَا كَذَا، وَهُوَ لَمْ يَعْرِفْ تِلْكَ الضَّيْعَةِ، وَلَا يَدُهُ عَلَيْهَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَإِنْ عَايَنَ الْمَالِكَ دُونَ الْمِلْكَ بِأَنْ عَرَفَ الرَّجُلَ مَعْرِفَةً تَامَّةً وَسَمِعَ أَنَّ لَهُ فِي قَرْيَةِ كَذَا ضَيْعَةً، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ تِلْكَ الضَّيْعَةِ بِعَيْنِهَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَإِنْ عَايَنَ الشَّاهِدُ الْمَالِكَ وَالْمِلْكَ بِأَنْ عَرَفَ الْمَالِكَ بِوَجْهِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَعَرَفَ الْمِلْكَ بِحُدُودِهِ وَحُقُوقِهِ وَرَآهُ فِي يَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَيَدَّعِي أَنَّهُ لَهُ وَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ- حَلَّ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى إذَا رَأَيْتَ فِي يَدِ رَجُلٍ مَتَاعًا، أَوْ دَارًا وَوَقَعَ فِي قَلْبِكَ أَنَّهُ لَهُ، ثُمَّ رَأَيْتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَسِعَكَ أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ فَشَهِدَ عِنْدَكَ شَاهِدَا عَدْلٍ أَنَّهُ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْيَوْمَ كَانَ هُوَ أَوْدَعَهُ الْأَوَّلَ بِحَضْرَتِهِمَا لَمْ يَسَعْكَ أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ بِهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِكَ أَنَّ هَذَا الْوَاحِدَ صَادِقٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ التَّصَرُّفَ مَعَ الْيَدِ وَالصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى.
وَكَذَلِكَ كُلُّ أَمْرٍ ظَاهِرٍ يَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ كَالْمَوْتِ وَالنِّكَاحِ وَالنَّسَبِ إذَا وَقَعَ فِي قَلْبِكَ أَنَّهُ حَقٌّ مَا سَمِعْتَهُ مِنْ الْخَبَرِ فَشَهِدَ عِنْدَكَ عَدْلَانِ بِخِلَافِ مَا وَقَعَ فِي قَلْبِكَ لَمْ يَسَعْكَ أَنْ تَشْهَدَ بِمَا وَقَعَ فِي قَلْبِكَ إلَّا أَنْ تَسْتَيْقِنَ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ، وَإِنْ شَهِدَ بِهِ عِنْدَكَ عَدْلٌ وَاحِدٌ وَسِعَكَ أَنْ تَشْهَدَ بِمَا وَقَعَ فِي قَلْبِكَ مِنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِكَ أَنَّ هَذَا الْوَاحِدَ صَادِقٌ فِيمَا يَشْهَدُ هَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُبَيِّنَ بِمَا اسْتَفَادَ الْعِلْمَ بِهِ مِنْ مُعَايَنَةِ الْيَدِ حَتَّى لَوْ بَيَّنَ ذَلِكَ تُرَدُّ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَالْقَاضِي الْإِمَامُ يَقُولُ: إذَا رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ رَجُلٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَالنَّاسُ يَقُولُونَ إنَّهُ مِلْكُهُ إلَّا أَنَّهُ وَقَعَ فِي قَلْبِ الرَّائِي أَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ لَا مِلْكُهُ، وَأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِأَمْرِ ذَلِكَ الْغَيْرِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ وَعَلَيْهِ فَتْوَى كَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِنَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا عَايَنَ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ فِي يَدِ إنْسَانٍ يَخْدُمَانِهِ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّهُمَا رَقِيقَانِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُمَا مِلْكُهُ سَوَاءٌ كَانَا صَغِيرَيْنِ، أَوْ كَبِيرَيْنِ.
وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ رَقَبَتَهُمَا، فَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لَا يُعَبِّرَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ يُعَبِّرَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا سَوَاءٌ كَانَا صَبِيَّيْنِ عَاقِلَيْنِ أَوْ بَالِغَيْنِ لَا تَحِلُّ لَهُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِمَا هَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَفِي الْوَاقِعَاتِ إذَا عَلِمَ الشَّاهِدَانِ أَنَّ الدَّارَ لِلْمُدَّعِي فَشَهِدَ عِنْدَهُمَا شَاهِدَانِ عَدْلَانِ أَنَّ الْمُدَّعِي بَاعَ الدَّارَ مِنْ الَّذِي فِي يَدَيْهِ قَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: يَشْهَدَانِ بِمَا عَلِمَا، وَلَا يَلْتَفِتَانِ إلَى شَاهِدَيْ الْبَيْعِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ عَايَنَا نِكَاحًا، أَوْ بَيْعًا، أَوْ قَتْلًا فَلَمَّا أَرَادَا أَنْ يَشْهَدَا شَهِدَ عِنْدَهُمَا عَدْلَانِ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ كَانَ الْبَائِعُ أَعْتَقَ الْعَبْدَ قَبْلَ بَيْعِهِ، أَوْ الْوَلِيُّ عَفَا عَنْهُ بَعْدَ الْقَتْلِ لَا يَحِلُّ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا عَدْلًا لَا يَسَعُهُ تَرْكُ الشَّهَادَةِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِمَالٍ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ لِرَجُلٍ آخَرَ، ثُمَّ أَنْكَرَ وَطَلَبَ الْمَقَرُّ لَهُ شَهَادَتَهُ وَأَخْبَرَ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ بِأَنَّ ذَلِكَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمُقِرُّ قَدْ صَارَ لَهُ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ قَالَ: يَشْهَدُ الشَّاهِدُ بِمَا كَانَ يَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
رَجُلٌ أَقَرَّ بَيْنَ يَدَيْ قَوْمٍ إقْرَارًا صَحِيحًا أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ جَاءَ عَدْلَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ إلَى هَؤُلَاءِ الشُّهُودِ، وَقَالَا: لَا تَشْهَدُوا لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ قَضَى جَمِيعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ- كَانَ لَهُمْ الْخِيَارُ إنْ شَاءُوا امْتَنَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ شَاءُوا شَهِدُوا بِذَلِكَ وَذَكَرُوا الْقِصَّةَ لِلْقَاضِي كَيْ لَا يَقْضِيَ بِالْبَاطِلِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَا يَشْهَدُونَ أَنَّهُ عَلَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ عِنْدَ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ قَدْ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ أَوْ أَنَّهُ أَبَرَّ الْمَطْلُوبَ عَنْ دَيْنِهِ لَا يَسَعُهُمَا أَنْ يَمْتَنِعَا عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَا سَمِعَا إقْرَارَ الطَّالِبِ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَبَعْضُ مَشَايِخِ زَمَانِنَا اخْتَارُوا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا أَنَّهُ إنْ شَهِدَ عِنْدَ الشَّاهِدِ عَدْلَانِ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُمَا صَادِقَانِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا عَلِمَ مِنْ أَصْلِ الْحَقِّ، وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، أَوْ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُمَا فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا عَلِمَ مِنْ أَصْلِ الْحَقِّ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ عِنْدَ الشَّاهِدِ بِالطَّلَاقِ، أَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ، ثُمَّ دَعَاهُ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى النِّكَاحِ، وَعَلَى الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ الشَّهَادَةِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
سُئِلَ ابْنُ مُقَاتِلٍ عَنْ اثْنَيْنِ تَحَاسَبَا بَيْنَ يَدَيْ جَمَاعَةٍ، وَقَالَا: لَهُمْ لَا تَشْهَدُوا عَلَيْنَا بِمَا تَسْمَعُونَ مِنَّا، ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ فَإِنَّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَ مِنْ إقْرَارِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَبِهِ نَأْخُذُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ سُنُونَ وَوَلَدَتْ أَوْلَادًا وَمَضَى سُنُونَ، ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ، ثُمَّ إنَّهَا اسْتَشْهَدَتْ الشُّهُودَ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ الْمُسَمَّى وَهُمْ يَتَذَكَّرُونَ يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
مَنْ عَايَنَ دَابَّةً تَتْبَعُ دَابَّةً تَرْتَضِعُ مِنْهَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالدَّابَّةِ الْمُرْتَضِعَةِ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ الْأُخْرَى وَبِالنَّتَاجِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَالشَّهَادَةُ بِالنِّتَاجِ بِأَنْ يَشْهَدَ بِأَنَّ هَذَا كَانَ يَتْبَعُ هَذِهِ النَّاقَةَ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَاقِلًا عَنْ الْيَنَابِيعِ.
امْرَأَةٌ أَقَرَّتْ عَلَى نَفْسِهَا بِمَالٍ لِأَبِيهَا أَوْ لِأَخِيهَا تُرِيدُ بِهِ الْإِضْرَارَ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ وَالشُّهُودُ يَعْلَمُونَ بِذَلِكَ قَالُوا وَسِعَهُمْ أَنْ يَتَحَمَّلُوا الشَّهَادَةَ وَيَشْهَدُوا بِذَلِكَ وَيُكْرَهُ لَهَا أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
إذَا كَانَ الْمَقَرُّ لَهُ سُلْطَانًا، فَقَالَ الْمُقِرُّ: أَقْرَرْتُ خَوْفًا مِنْهُ إنْ وَقَفَ الشَّاهِدُ عَلَى خَوْفٍ لَا يَشْهَدُ، فَإِنْ لَمْ يَقِفْ شَهِدَ وَأَخْبَرَ الْقَاضِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ عَوْنٍ مِنْ أَعْوَانِ السُّلْطَانِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ سُوقَ النَّخَّاسِينَ مُقَاطَعَةً مِنْ السُّلْطَانِ كُلَّ شَهْرٍ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ وَكَتَبَ بِذَلِكَ صَكًّا هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ وَهَلْ يَحِلُّ لِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا بِذَلِكَ؟ قَالَ: قَدْ ضَلَّ الْمُقَاطِعُ وَالْمُقَاطَعُ عَنْ سَبِيلِ الرَّشَادِ، وَأَمَّا الشُّهُودُ فَلَوْ شَهِدُوا عَلَى ذَلِكَ حَلَّتْ بِهِمْ اللَّعْنَةُ قِيلَ: فَلَوْ أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِالدَّرَاهِمِ وَلَكِنْ عَرَفُوا السَّبَبَ هَلْ تَجُوزُ لَهُمْ الشَّهَادَةُ؟ قَالَ: إنْ شَهِدُوا عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ بِسَبَبِهِ فَهُمْ مَلْعُونُونَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدُوا بِمِثْلِ ذَلِكَ كَذَا فِي النَّوَازِلِ، كَذَا فِي كُلِّ إقْرَارٍ سَبَبُهُ حَرَامٌ وَبَاطِلٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ سَمِعَا قَاضِيًا يَقُولُ لِرَجُلٍ قَضَيْتُ عَلَيْكَ لِهَذَا الرَّجُلِ بِكَذَا وَشَهِدَا عَلَى قَضَائِهِ وَبَيَّنَا لِلْقَاضِي، وَقَالَا: سَمِعْنَا قَاضِيَ كَذَا قَالَ: قَضَيْتُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ بِكَذَا وَلَكِنْ لَمْ يُشْهِدْنَا عَلَى قَضَائِهِ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ خَلَلًا فِي شَهَادَتِهِمَا، وَإِنْ بَيَّنَا أَنَّهُمَا سَمِعَا مِنْهُ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ قَاضٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَلَا يَنْبَغِي لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ وَأَبُو حَامِدٍ عَنْ الْقَاضِي إذَا أَشْهَدَ شُهُودًا أَنِّي قَدْ حَكَمَتْ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا، وَلَمْ يَحْضُرُوا مَجْلِسَهُ حِينَ حَكَمَ فَلَوْ شَهِدُوا عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؟ فَقَالَ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ: هَذِهِ شَهَادَةٌ بَاطِلَةٌ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا.
قَالَ: أَبُو حَامِدٍ الْجَوَابُ كَذَلِكَ وَالْحُضُورُ شَرْطُ الْقَضَاءِ قَالَ: وَإِنَّهُ شَرْطُ الْإِشْهَادِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَاقِلًا عَنْ الْيَتِيمَةِ.
رَأَى خَطَّهُ، وَلَمْ يَتَذَكَّرْ الْحَادِثَةَ أَوْ تَذَكَّرَ كِتَابَةَ الشَّهَادَةِ، وَلَمْ يَتَذَكَّرْ الْمَالَ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: يُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- هَكَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
وَفِي النَّوَازِلِ إذَا عَرَفَ خَطَّهُ وَالْخَطُّ فِي حِرْزِهِ وَنَسِيَ الشَّهَادَةَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَبِهِ نَأْخُذُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَإِنْ كَانَ الْخَطُّ فِي يَدِ الْمُدَّعِي لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَهُوَ الْمُخْتَارِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِلشَّاهِدِ شُبْهَةٌ فِي الْخَطِّ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الْحَادِثَةَ سَوَاءٌ كَانَ الصَّكُّ فِي يَدِ الْخَصْمِ أَوْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ.
ثُمَّ إنَّ الشَّاهِدَ إذَا اعْتَمَدَ عَلَى خَطِّهِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ وَشَهِدَ وَقُلْنَا بِقَبُولِهِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُ هَلْ تَشْهَدُ عَنْ عِلْمٍ، أَوْ عَنْ الْخَطِّ؟ إنْ قَالَ: عَنْ عِلْمٍ قَبِلَهُ، وَإِنْ قَالَ: عَنْ الْخَطِّ لَا، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
.
الشَّاهِدُ إذَا كَانَ يَعْرِفُ خَطَّهُ وَيَحْفَظُ إقْرَارَهُ وَيَعْرِفُ الْمَقَرَّ لَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْوَقْتَ وَالْمَكَانَ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ.
رَجُلٌ كَتَبَ صَكَّ وَصِيَّةٍ، وَقَالَ لِلشُّهُودِ: اشْهَدُوا بِمَا فِيهِ، وَلَمْ يَقْرَأْ وَصِيَّةً عَلَيْهِمْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنَّمَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِأَحَدِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ: إمَّا بِأَنْ يَقْرَأَ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ، أَوْ كَتَبَ الْكِتَابَ غَيْرُهُ وَقَرَأَهُ عَلَيْهِ بَيْنَ أَيْدِي الشُّهُودِ فَيَقُولُ هُوَ لَهُمْ اشْهَدُوا بِمَا فِيهِ، أَوْ يَكْتُبُ هُوَ بَيْنَ أَيْدِي الشُّهُودِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ بِمَا فِيهِ فَيَقُولُ هُوَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ كَتَبَ بَيْنَ أَيْدِي الشُّهُودِ صَكًّا وَعَرَفَ الشَّاهِدُ مَا كَتَبَ فِيهِ، وَلَمْ يَقُلْ هُوَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْكِتَابُ مَكْتُوبًا عَلَى الرَّسْمِ، فَإِنْ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَى الرَّسْمِ وَكُتِبَ بَيْنَ أَيْدِي الشُّهُودِ وَالشَّاهِدُ يَعْلَمُ بِمَا فِي الْكِتَابِ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ الْكَاتِبُ اشْهَدْ عَلَيَّ بِمَا فِيهِ، وَأَنَّهُ حَسَنٌ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَالْكِتَابَةُ عَلَى وُجُوهٍ مِنْهَا مَا هُوَ مُسْتَبِينٌ مَرْسُومٌ، وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَهَا عَلَى صَحِيفَةٍ وَصَدَّرَهَا وَعَنْوَنَ عَلَى وَجْهٍ يُكْتَبُ إلَى الْغَائِبِ، فَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ، أَوْ لَمْ أُرِدْ بِهِ الْإِقْرَارَ دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى-، وَلَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ حَتَّى يَجُوزَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَعَلَى مَا فِيهِ سَوَاءٌ قَالَ لِلشَّاهِدِ اشْهَدْ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَقُلْ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ كَتَبَ كِتَابَ رِسَالَةٍ إلَى رَجُلٍ فَكَتَبَ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٌ سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ كَتَبْتَ إلَيَّ بِتَقَاضِي الْأَلْفِ الَّتِي كَانَتْ لَكَ عَلَيَّ، وَقَدْ كُنْتَ قَبَضْتَ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ وَبَقِيَ لَكَ عَلَيَّ مِنْهَا خَمْسُمِائَةٍ أَنَّهُ جَازَ لِمَنْ عَلِمَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَأَمَّا الْكِتَابُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَرْسُومٍ نَحْوُ أَنْ كَتَبَ عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ صَحِيفَةٍ، أَوْ خِرْقَةٍ، أَوْ لَوْحٍ، أَوْ كَتَبَهُ بِغَيْرِ مِدَادٍ فِي صَحِيفَةٍ إلَّا أَنَّهُ يَسْتَبِينُ، وَقَالَ لَهُمْ اشْهَدُوا وَسِعَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ رَآهُ قَوْمٌ كَتَبَ ذِكْرَ حَقٍّ عَلَى نَفْسِهِ لِرَجُلٍ، وَلَمْ يُشْهِدْهُمْ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَازِمًا، وَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ عَلِمَ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّجْرِبَةِ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْمَرْسُومَةِ وَبِخِلَافِ خَطِّ السِّمْسَارِ وَالصَّرَّافِ فَإِنَّهُ حُجَّةٌ، فَإِنْ جَحَدَ الْكِتَابَ فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَتَبَهُ، أَوْ أَمْلَاهُ جَازَ كَمَا لَوْ ادَّعَى إقْرَارَهُ وَجَحَدَ، وَكَذَا سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى هَذَا بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، الْمَرْسُومُ وَغَيْرُ الْمَرْسُومِ فِيهِ سَوَاءٌ، وَلَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ فِي كِتَابٍ مَرْسُومٍ يَضْمَنُ الْمَالَ، وَلَا يُقْطَعُ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُسْتَبِينِ نَحْوُ أَنْ كَتَبَ عَلَى الْمَاءِ، أَوْ عَلَى الْهَوَاءِ، ثُمَّ قَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِذَلِكَ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمُوا مَاذَا يَكْتُبُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ الَّذِي لَا يَسْتَبِينُ كَالْكَلَامِ الَّذِي لَا يُفْهَمُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ هَكَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَلَوْ كَتَبَ رِسَالَةً عِنْدَ أُمِّيَّيْنِ لَا يَقْرَآنِ، وَلَا يَكْتُبَانِ وَأَمْسَكَا الْكِتَابَ عِنْدَهُمَا وَشَهِدَا بِهِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ الْقَاضِي يَجُوزُ كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
اشْتَرَى عَيْنًا وَادَّعَى عَلَى الْبَائِعِ أَنَّ بِهَا عَيْبًا فَلَمْ يَثْبُتْ فَبَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَيْهِ هَذَا الْعَيْبَ فَأَنْكَرَ فَاَلَّذِينَ سَمِعُوا حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى الْعَيْبِ فِي الْحَالِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
صَبَّ زَيْتًا أَوَسَمْنًا، أَوْ خَلًّا لِغَيْرِهِ بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ، وَقَالَ: مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي إنْكَارِهِ اسْتِهْلَاكَ الطَّاهِرِ، وَلَا يَسَعُ لِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ صَبَّ غَيْرَ نَجِسٍ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا عَمَدَ إلَى طَوَّافِ لَحْمٍ فَاسْتَهْلَكَهُ بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ، ثُمَّ قَالَ: كَانَتْ مَيْتَةً لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ وَيَسَعُ لِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ أَنَّهَا كَانَتْ ذَكِيَّةً كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ وَالتَّسَامُعِ تُقْبَلُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ بِالْإِجْمَاعِ: وَهِيَ النِّكَاحُ وَالنَّسَبُ وَالْمَوْتُ وَالْقَضَاءُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
فَإِذَا سَمِعَ الرَّجُلُ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، أَوْ رَأَى رَجُلًا يَدْخُلُ عَلَى امْرَأَةٍ وَسَمِعَ مِنْ النَّاسِ أَنَّ فُلَانَةَ زَوْجَةُ فُلَانٍ، أَوْ رَأَى رَجُلًا قَضَى لِرَجُلٍ بِحَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ وَسَمِعَ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُ قَاضِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ، أَوْ سَمِعَ النَّاسَ يَقُولُونَ إنَّ فُلَانًا مَاتَ، أَوْ رَآهُمْ صَنَعُوا بِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْمَوْتَى وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ الْوِلَادَةَ عَلَى فِرَاشِهِ، أَوْ عَقْدَ النِّكَاحِ، أَوْ تَقْلِيدَ الْإِمَامِ إيَّاهُ قَضَاءَ هَذِهِ الْبَلْدَةِ أَوْ الْمَوْتَ هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَكَذَا إذَا رَأَى رَجُلًا وَامْرَأَةً يَسْكُنَانِ بَيْتًا وَيَنْبَسِطُ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى الْآخَرِ انْبِسَاطَ الْأَزْوَاجِ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
أَمَّا الْوَقْفُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ عَلَى أَصْلِهِ دُونَ شَرَائِطِهِ هَكَذَا فِي الْكَافِي.
وَكُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ صِحَّةُ الْوَقْفِ فَهُوَ مِنْ أَصْلِهِ وَمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ فَهُوَ مِنْ شَرَائِطِهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ: لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ بَيَانِ الْجِهَةِ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَقْبَرَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ لَا تُقْبَلُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ.
أَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى الدُّخُولِ بِالشُّهْرَةِ وَالتَّسَامُعِ فَتَجُوزُ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ.
وَهَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَالْكَافِي؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَشْتَهِرُ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ مَشْهُورَةٌ مِنْ النَّسَبِ وَالْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ وَثُبُوتِ الْإِحْصَانِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى الْعِتْقِ بِالشُّهْرَةِ وَالتَّسَامُعِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي نِكَاحِ الْمُنْتَقَى أَنَّهُ تَجُوزُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَهُوَ الصَّحِيحُ هَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْعِتْقِ بِالشُّهْرَةِ وَالتَّسَامُعِ لَا تَحِلُّ عِنْدَنَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
أَمَّا الْوَلَاءُ فَالشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فِيهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى-، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَوَّلًا، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: تُقْبَلُ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ، وَلَا يُفَسِّرَ حَتَّى لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ كَذَا فِي الْكَافِي.
لَوْ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي، وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ مِنْ نَثِقُ بِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا هُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَهَكَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْعُدَّةِ.
إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِمَا تَجُوزُ بِهِ الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ وَقَالُوا لَمْ نُعَايِنْ ذَلِكَ لَكِنَّهُ اشْتَهَرَ عِنْدَنَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَفِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِي الْوَقْفِ بِالتَّسَامُعِ، وَإِنْ صَرَّحَا بِهِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ رُبَّمَا يَكُونُ سِنُّهُ عِشْرِينَ سَنَةً وَتَارِيخُ الْوَقْفِ مِائَةَ سَنَةٍ فَتَيَقَّنَ الْقَاضِي أَنَّ الشَّاهِدَ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ لَا بِالْعِيَانِ فَإِذًا لَا فَرْقَ بَيْنَ السُّكُوتِ وَالْإِفْصَاحِ أَشَارَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ إلَى هَذَا الْمَعْنَى كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ فِي النَّسَبِ وَغَيْرِهِ بِطَرِيقَتَيْنِ: الْحَقِيقَةُ وَالْحُكْمِيَّةُ.
فَالْحَقِيقَةُ أَنْ تَشْتَهِرَ وَتُسْمَعَ مِنْ قَوْمٍ كَثِيرٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَلَا تُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْعَدَالَةُ، وَلَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ بَلْ يُشْتَرَطُ التَّوَاتُرُ.
وَالْحُكْمِيَّةُ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عُدُولٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
هَذَا إذَا شَهِدَا عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِشْهَادِ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ إذَا لَقِيَ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَهُ عَلَى نَسَبِهِ وَعَرَفَا وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَلَوْ أَقَامَ هَذَا الرَّجُلُ عِنْدَهُ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى نَسَبِهِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ قَالَ: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ قَالَ: مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى نَسَبِهِ حَتَّى يَلْقَوْا مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ فَيَشْهَدَانِ عِنْدَهُمْ عَلَى نَسَبِهِ قَالَ الْجَصَّاصُ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ قِيلَ: فِي الْمَوْتِ يُكْتَفَى بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ، أَوْ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
مَنْ شَهِدَ أَنَّهُ حَضَرَ دَفْنَ فُلَانٍ أَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَتِهِ فَهُوَ مُعَايَنَةٌ حَتَّى لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي قَبِلَهُ كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ.
لَوْ جَاءَ خَبَرُ مَوْتِ إنْسَانٍ فَصَنَعُوا مَا يُصْنَعُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَسَعْكَ أَنْ تُخْبِرَ بِمَوْتِهِ حَتَّى يُخْبِرَكَ ثِقَةٌ أَنَّهُ عَايَنَ مَوْتَهُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
قَالَ مَشَايِخُنَا إذَا لَمْ يُعَايِنْ الْمَوْتَ إلَّا وَاحِدٌ، وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ، مَاذَا يَصْنَعُ؟ قَالُوا: يُخْبِرُ بِذَلِكَ عَدْلًا مِثْلَهُ، فَإِذَا سَمِعَ مِنْهُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَوْتِهِ فَشَهِدَ هُوَ مَعَ ذَلِكَ الشَّاهِدِ حَتَّى يَقْضِيَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.