فصل: الباب الثلاثون في نصب الوصي والقيم وإثبات الوصية عند القاضي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.الْبَابُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ فِي بَيَانِ حُكْمِ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ:

قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَامِعِ: عَبْدٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ جَاءَ وَادَّعَى أَنَّهُ عَبْدُهُ وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْيَدِ دَعْوَاهُ فَذَهَبَ الْمُدَّعِي لِيَأْتِيَ بِالشُّهُودِ فَبَاعَ صَاحِبُ الْيَدِ الْعَبْدَ مِنْ رَجُلٍ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ أَوْدَعَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ مِنْ الْبَائِعِ وَغَابَ ثُمَّ إنَّ الْمُدَّعِيَ أَعَادَ صَاحِبَ الْيَدِ عِنْدَ الْقَاضِي هَذَا لِيُقِيمَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِحَقِّهِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَمَّا إنْ عَلِمَ الْقَاضِي بِمَا صَنَعَ ذُو الْيَدِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَكِنْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي، وَفِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لَا خُصُومَةَ لِلْمُدَّعِي مَعَ صَاحِبِ الْيَدِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ صَاحِبُ الْيَدِ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى مَا صَنَعَ فَذَكَرَ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ فِي يَدِهِ لِفُلَانٍ بِشِرَاءٍ كَانَ بَعْدَ الْخُصُومَةِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ بَيِّنَتَهُ وَلَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ، وَإِذَا لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي وَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي، لَوْ حَضَرَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ لَا يَسْمَعُ بَيِّنَتَهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ إذَا اتَّصَلَ بِهِمَا الْقَبْضُ، كَذَا فِي الْكُبْرَى وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي لَمْ يَقْضِ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الْمُدَّعِي حَتَّى حَضَرَ الْمُشْتَرِي دَفَعَ ذُو الْيَدِ الْعَبْدَ إلَيْهِ، وَيَجْعَلُ الْقَاضِي الْمُشْتَرِيَ خَصْمًا لِلْمُدَّعِي وَلَا يُكَلِّفُ الْمُدَّعِيَ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَى الْمُشْتَرِي لِلْمُدَّعِي يَبْطُلُ الْبَيْعُ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذِي الْيَدِ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ رَجُلٌ وَاحِدٌ ثُمَّ حَضَرَ الْمُشْتَرِي.
وَدَفَعَ الْعَبْدَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا آخَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَضَى لَهُ بِالْعَبْدِ وَلَا يُكَلِّفُ إعَادَةَ الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ ذَا الْيَدِ بَاعَ الْعَبْدَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى حَضَرَ الْمُدَّعِي وَأَقَامَ فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَ الْعَبْدَ مِنْ فُلَانٍ وَلَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ لَا يُلْتَفَتُ إلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ، وَيَكُونُ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ ثُمَّ الْإِيدَاعِ مِنْهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَامِعِ: رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ عَبْدٌ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ عَبْدُهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الَّذِي فِي يَدَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُ فُلَانٍ أَوْدَعَهُ فَإِنَّ الْخُصُومَةَ لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ وَيُقْضَى بِالْعَبْدِ لِلْمُدَّعِي، فَلَوْ لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْعَبْدِ لِلْمُدَّعِي حَتَّى حَضَرَ الْمُقَرُّ لَهُ وَصَدَّقَ ذَا الْيَدِ فِيمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ ذَا الْيَدِ بِدَفْعِ الْعَبْدِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ ثُمَّ يَقْضِي الْقَاضِي لِمُدَّعِي الشِّرَاءِ بِالْعَبْدِ وَلَا يُكَلِّفُهُ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ، فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: أَنَا أُعِيدُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَكَانَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْمُقَرَّ لَهُ لَا ذَا الْيَدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: أَنَا لَا أُعِيدُ الْبَيِّنَةَ؛ فَإِنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ذُو الْيَدِ لَا الْمُقَرُّ لَهُ.
وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَقْضِ بِالْعَبْدِ لِلْمُدَّعِي عَلَى الَّذِي حَضَرَ حَتَّى أَقَامَ الَّذِي حَضَرَ بَيِّنَةً أَنَّهُ عَبْدِي أَوْدَعْتُهُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ أَوْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِيدَاعِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَبَطَلَتْ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الشِّرَاءِ، ثُمَّ إذَا أَعَادَ مُدَّعِي الشِّرَاءِ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَبِّ الْعَبْدِ أَنَّهُ لِلَّذِي فِي يَدَيْهِ وَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَقَدَ الثَّمَنَ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَمَّا إنْ أَعَادَ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَبِّ الْعَبْدِ بَعْدَ مَا قَضَى الْقَاضِي لِرَبِّ الْعَبْدِ بِبَيِّنَةٍ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ يَقْبَلُ بَيِّنَةَ مُدَّعِي الشِّرَاءِ مَتَى أَعَادَهَا عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ.
(ثُمَّ هُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ):
إحْدَاهَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ مُدَّعِيَ الشِّرَاءِ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَقَبْلَ الْقَضَاءِ لَهُ أَقَرَّ صَاحِبُ الْيَدِ بِالْعَبْدِ لِإِنْسَانٍ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ.
وَثَانِيَتُهَا إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ ذِي الْيَدِ فَأَقَرَّ ذُو الْيَدِ بِالْعَبْدِ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ، ثُمَّ حَضَرَ وَصَدَّقَ الْمُقِرَّ فِي إقْرَارِهِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الْعَبْدِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، فَإِنْ أَقَامَ مُدَّعِي الشِّرَاءِ شَاهِدًا آخَرَ عَلَى الشِّرَاءِ قَضَى بِالْعَبْدِ لَهُ وَلَا يُكَلِّفُهُ الْقَاضِي إعَادَةَ الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَيَكُونُ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ ذَا الْيَدِ دُونَ الْمُقَرِّ لَهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مُدَّعِي الشِّرَاءِ إذَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذِي الْيَدِ حَتَّى أَقَرَّ ذُو الْيَدِ أَنَّ الْعَبْدَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ ثُمَّ حَضَرَ الْمُقَرُّ لَهُ وَصَدَّقَهُ وَدَفَعَ الْعَبْدَ إلَيْهِ، ثُمَّ أَقَامَ مُدَّعِي الشِّرَاءِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ، كَانَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمُقَرَّ لَهُ.
وَفِي آخِرِ دَعْوَى الْجَامِعِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ دَارٌ جَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّهَا دَارُهُ وَطَلَبَ الْقَاضِي مِنْ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ فَقَامَا مِنْ عِنْدِ الْقَاضِي وَبَاعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّارَ مِنْ رَجُلٍ فَبَيْعُهُ صَحِيحٌ حَتَّى لَوْ تَقَدَّمَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي وَجَاءَ الْمُدَّعِي بِشُهُودٍ يَشْهَدُونَ أَنَّ الدَّارَ لَهُ وَقَدْ عَلِمَ الْقَاضِي بِبَيْعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا ثُمَّ قَامَا مِنْ عِنْدِ الْقَاضِي فَبَاعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّارَ مِنْ رَجُلٍ فَبَيْعُهُ صَحِيحٌ حَتَّى لَوْ تَقَدَّمَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي وَجَاءَ الْمُدَّعِي بِالشَّاهِدِ الْآخَرِ فَالْقَاضِي لَا يَسْمَعُ خُصُومَةَ الْمُدَّعِي إذَا عَلِمَ الْقَاضِي بِالْبَيْعِ أَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ.
وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي أَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَعَدَلَا فَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ قَامَا مِنْ عِنْدِ الْقَاضِي وَبَاعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّارَ مِنْ الْمُدَّعِي لَا يَصِحُّ حَتَّى لَوْ تَقَدَّمَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي، فَالْقَاضِي يَقْضِي بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ وَإِنْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي بِبَيْعِهِ أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَبَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَبَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ وَأَبْطَلَ بَيْعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيِّنَتَهُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ بِإِقَامَةِ الشَّاهِدَيْنِ إنْ لَمْ تَثْبُتْ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي فِي الْمُدَّعَى بِهِ لَكِنْ ثَبَتَ حَقُّ الْمِلْكِ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ بِكَمَالِهَا، وَحَقُّ الْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي فِي الْمُدَّعَى بِهِ يَمْنَعُ صِحَّةَ بَيْعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صِيَانَةً لِحَقِّ الْمُدَّعِي إنَّمَا أَقَرَّ بِبَيْعٍ بَاطِلٍ وَالْقَاضِي عَلِمَ بَيْعًا بَاطِلًا فَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ دَافِعًا.
خُصُومَةَ الْمُدَّعِي.
أَمَّا بِإِقَامَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فَكَمَا لَمْ تَثْبُتْ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْمِلْكِ لِنُقْصَانٍ فِي الْحُجَّةِ، فَكَانَ تَصَرُّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَاصِلًا فِي خَالِصِ مِلْكِهِ فَصَحَّ فَالْمُدَّعِي أَقَرَّ بِبَيْعٍ صَحِيحٍ وَالْقَاضِي عَلِمَ بَيْعًا صَحِيحًا فَصَلُحَ دَافِعًا خُصُومَةَ الْمُدَّعِي.
قَالَ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ عَبْدٌ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْدَعَهُ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ وَذُو الْيَدِ يَجْحَدُ ذَلِكَ أَوْ لَا يَجْحَدُ وَلَا يُقِرُّ بَلْ يَسْكُتُ فَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ لِعَدَمِ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ حَتَّى أَقَرَّ ذُو الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْدَعْنِيهِ- فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَدْفَعُ الْعَبْدَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَإِذَا عَدَلَتْ الشُّهُودُ قَضَى بِالْعَبْدِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ لِلَّذِي لَمْ يُقِرَّ لَهُ ذُو الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ لَمَّا صَدَّقَ ذَا الْيَدِ فِيمَا أَقَرَّ وَأَخَذَ الْعَبْدَ صَارَ الْعَبْدُ مِلْكًا لَهُ رَقَبَةً وَيَدًا فَصَارَ الْمُقَرُّ لَهُ مَعَ صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْخَارِجِ مَعَ ذِي الْيَدِ.
أَمَّا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَيَقْضِي بِكُلِّ الْعَبْدِ لِلْخَارِجِ وَاعْتَبَرَهُ بِمَا لَوْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ أَنْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ، ثُمَّ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَى كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ لِلَّذِي لَمْ يُقِرَّ لَهُ ذُو الْيَدِ لِمَا قُلْنَا، فَهَهُنَا كَذَلِكَ وَالْجَوَابُ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَبَيْنَهُمَا بَعْدَهَا أَنَّ التَّزْكِيَةَ لَا تَجْعَلُ الْبَيِّنَةَ حُجَّةً بَلْ يَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنَّ كَوْنَهَا حُجَّةً مُثْبِتَةً لِلِاسْتِحْقَاقِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَمَتَى كَانَ الْإِقْرَارُ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَعِنْدَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ يَظْهَرُ الِاسْتِحْقَاقُ قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الْإِقْرَارَ كَانَ بَاطِلًا لِصُدُورِهِ عَنْ شَخْصٍ ظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَمَتَى بَطَلَ الْإِقْرَارُ بَطَلَ التَّصْدِيقُ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ فَصَارَ وُجُودُ الْإِقْرَارِ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَظُهُورُ الْعَدَالَةِ لَا يُظْهِرُ الِاسْتِحْقَاقَ قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَلَا يَتَعَيَّنُ بُطْلَانُ الْإِقْرَارِ.
وَإِذَا.
لَمْ يَبْطُلْ الْإِقْرَارُ صَارَ الْمُقَرُّ لَهُ صَاحِبَ يَدٍ وَغَيْرُ الْمُقَرِّ لَهُ خَارِجًا فَيَقْضِي بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ، وَلَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى مَا ادَّعَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ بِالْعَبْدِ لِأَحَدِهِمَا يُدْفَعُ الْعَبْدُ إلَيْهِ وَلَا يَبْطُلُ مَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ أَقَامَ غَيْرُ الْمُقَرِّ لَهُ شَاهِدًا آخَرَ قَضَى بِالْعَبْدِ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَقْضِ لَهُ حَتَّى جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ بِشَاهِدٍ آخَرَ قَضَى بِالْعَبْدِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، إلَّا أَنْ يَقُولَ الَّذِي لَمْ يُقِرَّ لَهُ ذُو الْيَدِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ بِالْعَبْدِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ: إنِّي أُعِيدُ شَاهِدِي الْأَوَّلَ وَأُقِيمُهَا مَعَ شَاهِدِي الْآخَرِ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ؛ فَحِينَئِذٍ يَقْضِي بِكُلِّ الْعَبْدِ لَهُ.
وَلَوْ قَالَ غَيْرُ الْمُقَرِّ لَهُ: قَدْ مَاتَ شَاهِدِي الْأَوَّلُ أَوْ غَابَ، يُقَالُ لَهُ: هَاتِ بِشَاهِدٍ آخَرَ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَيَقْضِي لَك بِكُلِّ الْعَبْدِ، فَإِذَا أَقَامَ شَاهِدًا آخَرَ يُضَمُّ الثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ فَيَقْضِي بِالْعَبْدِ كُلِّهِ لَهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُقَرُّ لَهُ شَاهِدًا آخَرَ مَعَ الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ أَوْ يُقِيمَ شَاهِدَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا.
عَبْدٌ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ وَذُو الْيَدِ جَاحِدٌ، أَوْ سَاكِتٌ فَقُضِيَ بِالْعَبْدِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، ثُمَّ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقَامَ عَلَى صَاحِبِهِ تِلْكَ الْبَيِّنَةَ أَوْ غَيْرَهَا أَنَّ الْعَبْدَ عَبْدُهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ، وَلَا يُقْضَى لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ عَدَلَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا، وَلَمْ تَعْدِلْ بَيِّنَةُ الْآخَرِ أَوْ لَمْ يُقِمْ الْآخَرُ شَاهِدًا أَصْلًا، أَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا فَقُضِيَ بِهِ لِمَنْ عَدَلَتْ بَيِّنَتُهُ، ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ قُضِيَ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِهِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْمَقْضِيِّ بِهِ لَا حَقِيقَةُ الْمِلْكِ، وَلَا حَقُّ الْمِلْكِ؛ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَضَاءِ عَلَى الْإِنْسَانِ بِإِزَالَةِ الِاسْتِحْقَاقِ الثَّابِتِ لَهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْحَقُّ ثَابِتًا لَهُ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ إزَالَتُهُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ فَلَمْ تُزَكَّ بَيِّنَتُهُ حَتَّى أَقَرَّ ذُو الْيَدِ أَنَّ الْعَبْدَ لِلَّذِي لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ وَدَفَعَ الْقَاضِي الْعَبْدَ إلَى الْمَقَرِّ لَهُ، ثُمَّ زُكِّيَتْ بَيِّنَةُ الَّذِي أَقَامَهَا وَأَخَذَ صَاحِبُ الْبَيِّنَةِ الْعَبْدَ مِنْ الْمُقِرِّ لَهُ، ثُمَّ إنَّ الْمَقَرَّ لَهُ أَتَى بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَقُضِيَ لَهُ بِالْعَبْدِ، فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي- وَهُوَ غَيْرُ الْمَقَرِّ لَهُ-: أَنَا أُعِيدُ شُهُودِي عَلَى الْمَقَرِّ لَهُ، هَلْ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؟ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَمَا قُضِيَ بِبَيِّنَتِهِ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِبَيِّنَةِ الْمَقَرِّ لَهُ قُبِلَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.الْبَابُ التَّاسِعُ وَالْعُشْرُونَ فِي بَيَانِ مَنْ يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ لِسَمَاعِ الْخُصُومَةِ وَالْبَيِّنَةِ وَحُكْمِ الْقَاضِي وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ:

قَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: إذَا اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ مِنْ يَدِ مُشْتَرِيهِ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْعَبْدِ لِلْمُسْتَحِقِّ وَقَصَرَ يَدَ الْمُشْتَرِي عَنْ الْعَبْدِ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ فَأَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ نَتَجَ فِي مِلْكِي مِنْ أَمَتِي وَأَنَّ الْقَضَاءَ لِلْمُسْتَحِقِّ وَقَعَ بَاطِلًا وَلَيْسَ لَكَ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيَّ بِالثَّمَنِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ إذَا أَقَامَهَا بِحَضْرَةِ الْمُسْتَحِقِّ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
وَكَذَا إذَا أَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ نَتَجَ فِي مِلْكِ بَائِعِي مِنْ أَمَتِهِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ إذَا أَقَامَهَا بِحَضْرَةِ الْمُسْتَحِقِّ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ، وَإِنَّ الْبَائِعَ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ عَلَى ذِي الْيَدِ قَضَاءٌ عَلَى مَنْ تَلَقَّى ذُو الْيَدِ الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، الْبَائِعُ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ وَلَكِنْ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَا بِالنَّتَاجِ، وَالْبَائِعُ هَهُنَا لَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، وَإِنَّمَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى النَّتَاجِ وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِجِهَةٍ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ لَا فِي جِهَةٍ أُخْرَى.
أَلَا يُرَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى دَابَّةً فِي يَدِ إنْسَانٍ مِلْكًا مُطْلَقًا وَصَاحِبُ الْيَدِ يَدَّعِي النَّتَاجَ فَلَمْ يَجِدْ بَيِّنَةً عَلَى النَّتَاجِ حَتَّى قَضَى الْقَاضِي بِالدَّابَّةِ لِلْمُسْتَحِقِّ، ثُمَّ وَجَدَ صَاحِبُ الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى النَّتَاجِ وَأَقَامَهَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَقُضِيَ بِالدَّابَّةِ لَهُ، وَإِنْ صَارَ ذُو الْيَدِ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَا بِالنَّتَاجِ فَقُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ عَلَى النَّتَاجِ لِهَذَا إلَيْهِ أَشَارَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ، ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- شَرَطَ حَضْرَةَ الْمُسْتَحِقِّ لِقَبُولِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْبَائِعِ، وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ أَبَوْا ذَلِكَ وَقَالُوا يَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ حَضْرَةُ الْمُسْتَحِقِّ، وَهَكَذَا حَكَمَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- بِفَرْغَانَةَ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- قَالُوا: لَا، بَلْ حَضْرَةُ الْمُسْتَحِقِّ شَرْطٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-.
وَفِي الذَّخِيرَةِ وَقِيلَ: عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ-
رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- الْآخَرِ تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمُسْتَحِقِّ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- الْأَوَّلِ لَا تُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ وَأَشْبَهُ وَفِي دَعْوَى الْمُسْتَأْجِرِ تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْآجِرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْآجِرِ وَالْيَدَ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَكَذَلِكَ فِي دَعْوَى الرَّهْنِ تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلرَّاهِنِ وَالْيَدَ لِلْمُرْتَهِنِ وَإِذَا أَرَادَ الشَّفِيعُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لِلْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ الْمُسْتَعَارَ رَجُلٌ بِالْبَيِّنَةِ يُشْتَرَطُ لِلْقَضَاءِ لَهُ حَضْرَةُ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ جَمِيعًا.
وَفِي دَعْوَى الضِّيَاعِ هَلْ تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمُزَارِعِينَ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- بَعْضُهُمْ اشْتَرَطَ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَبَعْضُهُمْ قَالَ: إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِمْ تُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُمْ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ لَا تُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُمْ.
وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَلَهَا زَوْجٌ ظَاهِرٌ تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الزَّوْجِ الظَّاهِرِ لِاسْتِمَاعِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ.
وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ أَشْيَاءَ يُمْكِنُ نَقْلُهَا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِتَرِكَتِهِ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ، وَلَا وَصِيٌّ فَالْقَاضِي يَنْصِبُ لَهُ وَصِيًّا لِيَبِيعَ تَرِكَتَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُ التَّرِكَةِ لِنَصْبِ الْوَصِيِّ وَهَلْ يُشْتَرَطُ إحْضَارُهَا لِإِثْبَاتِ التَّرِكَةِ؟ فَقَدْ قِيلَ: يُشْتَرَطُ، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إفْلَاسِ الْمَحْبُوسِ لَا يُشْتَرَطُ لِسَمَاعِهَا حَضْرَةُ رَبِّ الدَّيْنِ وَلَكِنْ إنْ كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ حَاضِرًا، أَوْ وَكِيلُهُ فَالْقَاضِي يُطْلِقُهُ بِحَضْرَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا حَاضِرًا فَالْقَاضِي يُطْلِقُهُ بِكَفِيلٍ، وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى صَغِيرٍ شَيْئًا وَلَهُ.
وَصِيٌّ حَاضِرٌ- يُرِيدُ بِهِ الصَّغِيرَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ- لَا تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الصَّغِيرِ هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ، وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ دَيْنًا، أَوْ عَيْنًا وَجَبَ الدَّيْنُ بِمُبَاشَرَةِ هَذَا الْوَصِيِّ، أَوْ وَجَبَ لَا بِمُبَاشَرَتِهِ وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ فِي أَجْنَاسِهِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ وَاجِبًا بِمُبَاشَرَةِ هَذَا الْوَصِيِّ لَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُ الصَّغِيرِ وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إذَا وَقَعَتْ الدَّعْوَى عَلَى الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ إنْ لَمْ تَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ لَا يَكُونُ لَهُ إحْضَارُ الصَّغِيرِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الِاسْتِهْلَاكَ فَلَهُ حَقُّ إحْضَارِهِ وَلَكِنْ يَحْضُرُ مَعَهُ أَبُوهُ حَتَّى إذَا لَزِمَ الصَّبِيَّ شَيْءٌ يُؤَدِّي عَنْهُ أَبُوهُ مِنْ مَالِهِ.
وَفِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: إنَّ إحْضَارَ الصَّبِيِّ فِي الدَّعْوَى شَرْطٌ، وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الصَّغِيرُ مُدَّعِيًا، أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَى ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ وَصِيٌّ وَطَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ عَنْهُ وَصِيًّا أَجَابَهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ وَتُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الصَّغِيرِ عِنْدَ نَصْبِ الْوَصِيِّ لِلْإِشَارَةِ إلَيْهِ، وَمِنْ مَشَايِخِ زَمَانِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- مَنْ أَبَى ذَلِكَ وَقَالَ: لَوْ الصَّبِيُّ فِي الْمَهْدِ يُشْتَرَطُ إحْضَارُ الْمَهْدِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ وَأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ وَقَعَتْ الدَّعْوَى عَلَى مَرِيضٍ، أَوْ عَلَى امْرَأَةٍ مُخَدَّرَةٍ لَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُهُمَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَفِي الْمَأْذُونِ الْكَبِيرِ إذَا لَحِقَهُ دَيْنُ التِّجَارَةِ وَطَلَبَ الْغُرَمَاءُ مِنْ الْقَاضِي بَيْعَ الْعَبْدِ فَالْقَاضِي لَا يَبِيعُ الْعَبْدَ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمَوْلَى وَفِي الْمَأْذُونِ الْكَبِيرِ أَيْضًا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِغَصْبٍ اغْتَصَبَهُ، أَوْ بِوَدِيعَةٍ اسْتَهْلَكَهَا، أَوْ جَحَدَهَا، أَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ، أَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِبَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ، أَوْ بِإِجَارَةٍ وَأَنْكَرَ الْعَبْدُ ذَلِكَ وَمَوْلَاهُ غَائِبٌ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَا تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمَوْلَى، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ عَبْدٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِاسْتِهْلَاكِ مَالٍ، أَوْ غَصْبٍ اغْتَصَبَهُ وَجَحَدَ الْعَبْدُ ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمَوْلَى.
وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ عَلَى الْمَوْلَى حَتَّى لَا يُخَاطَبَ الْمَوْلَى بِبَيْعِ الْعَبْدِ، أَمَّا عَلَى الْعَبْدِ فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ وَيَقْضِي الْقَاضِي عَلَيْهِ حَتَّى يُؤَاخَذَ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْمَأْذُونِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا مَعَ الْعَبْدِ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي ادَّعَى اسْتِهْلَاكَ مَالٍ، أَوْ غَصْبٍ قَالَ فَالْقَاضِي يَقْضِي عَلَى الْمَوْلَى، وَإِنْ ادَّعَى اسْتِهْلَاكَ وَدِيعَةٍ، أَوْ اسْتِهْلَاكَ بِضَاعَةٍ عَلَى الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- الْقَاضِي لَا يَسْمَعُ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَوْلَى، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَوْلَى.
وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ الَّذِي أَذِنَ لَهُ أَبُوهُ، أَوْ وَصِيُّ أَبِيهِ فِي التِّجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ مِنْ ضَمَانِ التِّجَارَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ إنْ كَانَ الَّذِي أَذِنَ لَهُ غَائِبًا.
وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى الْعَبْدِ.
الْمَأْذُونِ بِقَتْلٍ عَمْدًا أَوْ قَذْفِ امْرَأَةٍ، أَوْ زِنًا، أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ وَالْعَبْدُ يُنْكِرُ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا قُضِيَ لَهُ بِذَلِكَ عَلَى الْعَبْدِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ حَاضِرًا وَالْمَوْلَى غَائِبًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- الْقَاضِي لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- الْقَاضِي يَقْضِي لَهُ عَلَيْهِ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ كَمَا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِالْحَدِّ أَوْ الْقِصَاصِ قَبْلَ الْإِذْنِ، وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْعَبْدِ إنْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ- تَعَالَى- كَحَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِالْقَذْفِ، أَوْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ حَالَ حَضْرَةِ الْمَوْلَى وَيُقْضَى بِالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى غَائِبًا فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى الْخِلَافِ، وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِ الْعَبْدِ.
وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى صَبِيٍّ مَأْذُونٍ، أَوْ مَعْتُوهٍ مَأْذُونٍ لَهُ بِقَتْلِ عَمْدٍ، أَوْ قَذْفٍ، أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ، أَوْ زِنًا فَفِيمَا عَدَا الْقَتْلَ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ سَوَاءٌ كَانَ الْآذِنُ حَاضِرًا، أَوْ غَائِبًا وَفِيمَا إذَا شَهِدُوا بِالْقَتْلِ الْخَطَأِ إنْ كَانَ الْآذِنُ حَاضِرًا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ وَيُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ كَانَ الْآذِنُ غَائِبًا لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، وَقِيلَ: لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى قَتْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً إنْ كَانَ الْآذِنُ حَاضِرًا قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ وَقُضِيَ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ بِبَعْضِ مَا ذَكَرْنَا لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ سَوَاءٌ كَانَ الْآذِنُ حَاضِرًا، أَوْ غَائِبًا، وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ بِسَرِقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَكْثَرَ، وَهُوَ.
يَجْحَدُ، فَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ حَاضِرًا قُطِعَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَهَلْ يَضْمَنُ السَّرِقَةَ؟ إنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهَا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً رَدَّهَا عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى غَائِبًا لَا يُقْطَعُ الْعَبْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يُقْضَى بِالْقَطْعِ.
وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ شَهِدُوا بِسَرِقَةِ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ قَضَى الْقَاضِي بِالْمَالِ، وَلَا يَقْضِي بِالْقَطْعِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا، أَوْ غَائِبًا، وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمَأْذُونِ بِسَرِقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَالْمَوْلَى غَائِبٌ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالْمَالِ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَا يَقْضِي بِالْقَطْعِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: يَقْضِي بِالْقَطْعِ، وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى عَبْدٍ مَحْجُورٍ بِسَرِقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى غَائِبًا فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لَا بِالْقَطْعِ، وَلَا بِالْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى-، وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِالسَّرِقَةِ فَالْقَاضِي لَا يَقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ أَصْلًا إنْ كَانَ الْمَوْلَى غَائِبًا، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمَوْلَى حَتَّى لَا يُقْطَعَ الْعَبْدُ، وَلَا يُؤَاخَذُ الْمَوْلَى بِبَيْعِهِ لِأَجْلِ الْمَالِ وَلَكِنْ يُؤَاخَذُ الْعَبْدُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.الباب الثلاثون في نصب الوصي والقيم وإثبات الوصية عند القاضي:

وَإِذَا تَرَكَ الرَّجُلُ مَالًا فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا وَوَرَثَتُهُ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى فَادَّعَى عَلَيْهِ قَوْمٌ حُقُوقًا وَأَمْوَالًا هَلْ يَنْصِبُ الْقَاضِي عَنْ الْمَيِّتِ وَصِيًّا لِيُثْبِتَ لِلْغُرَمَاءِ الدُّيُونَ وَالْحُقُوقَ عَلَى الْمَيِّتِ؟ ذَكَرَ الْخَصَّافُ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ إثْبَاتِ الْحُقُوقِ عَلَى الْمَيِّتِ أَنَّ هَذِهِ الْبَلْدَةَ إنْ كَانَتْ مُنْقَطِعَةً عَنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ، وَلَا تَذْهَبُ الْعِيرُ مِنْ هُنَا إلَى ثَمَّةَ، وَلَا يَأْتِي مِنْ ثَمَّةَ إلَى هُنَا يَعْنِي فِي الْغَالِبِ فَالْقَاضِي يَنْصِبُ عَنْهُ وَصِيًّا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُنْقَطِعَةً لَا يَنْصِبُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي نَفَقَاتِهِ فِي بَابِ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ، وَلَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ وَلَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ فَالْقَاضِي يَنْصِبُ وَصِيًّا فِي مَالِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ الْأَجَلُّ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ الْوَصِيَّ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ، أَوْ تَكُونَ الْوَرَثَةُ صِغَارًا، أَوْ يَكُونَ الْمَيِّتُ أَوْصَى بِوَصَايَا فَيَنْصِبُ وَصِيًّا لِيُنَفِّذَ وَصَايَاهُ، وَإِنَّمَا يَنْصِبُ الْقَاضِي الْوَصِيَّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَفِيمَا عَدَاهَا فَلَا، وَمَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي أَدَبِ الْقَاضِي لَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِمَّا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ نَصْبُ الْوَصِيِّ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْمُرَادُ مِمَّا ذَكَرَ الْخَصَّافُ نَصْبُ الْوَصِيِّ لِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ.
وَإِذَا هَلَكَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ عُرُوضًا وَعَقَارًا وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَهُ وَرَثَةٌ كِبَارٌ فَامْتَنَعَتْ الْوَرَثَةُ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَعَنْ بَيْعِ التَّرِكَةِ وَقَالُوا لِرَبِّ الدَّيْنِ: سَلَّمْنَا التَّرِكَةَ إلَيْكَ فَأَنْت أَعْلَمُ بِهِ، فَالْقَاضِي هَلْ يَنْصِبُ وَصِيًّا لِلْمَيِّتِ؟ فَقَدْ قِيلَ: يَنْصِبُ، وَقَدْ قِيلَ: لَا يَنْصِبُ وَيَأْمُرُ الْوَرَثَةَ بِالْبَيْعِ، فَإِنْ أَبَوْا حَبَسَهُمْ حَتَّى يَبِيعُوا، فَإِذَا حَبَسَهُمْ الْقَاضِي، وَلَمْ يَبِيعُوا الْآنَ يَبِيعُ بِنَفْسِهِ، أَوْ يَنْصِبُ وَصِيًّا لِلْمَيِّتِ لِيَبِيعَ الْوَصِيُّ إيفَاءً لِصَاحِبِ الدَّيْنِ بِقَدْرِ الْمُمْكِنِ، وَإِذَا نَصَبَ الْقَاضِي وَصِيًّا فِي تَرِكَةِ الْأَيْتَامِ وَالْأَيْتَامُ فِي وِلَايَتِهِ، وَلَمْ تَكُنْ التَّرِكَةُ فِي وِلَايَتِهِ، أَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ فِي وِلَايَتِهِ وَالْأَيْتَامُ لَمْ يَكُونُوا فِي وِلَايَتِهِ، أَوْ كَانَ بَعْضُ التَّرِكَةِ فِي وِلَايَتِهِ وَالْبَعْضُ لَمْ يَكُنْ فِي وِلَايَتِهِ حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ قَالَ: يَصِحُّ النَّصْبُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيَصِيرُ الْوَصِيُّ وَصِيًّا فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ أَيْنَمَا كَانَتْ التَّرِكَةُ وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رُكْنُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: مَا كَانَ مِنْ التَّرِكَةِ فِي وِلَايَتِهِ يَصِيرُ وَصِيًّا فِيهِ وَمَا لَا فَلَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
الْقَاضِي إذَا نَصَبَ مُتَوَلِّيًا فِي وَقْفٍ، وَلَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ فِي وِلَايَتِهِ حُكِيَ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الْمُطَالَبَةُ فِي مَجْلِسِهِ صَحَّ النَّصْبُ وَقَالَ الْقَاضِي رُكْنُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: لَا يَصِحُّ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ فِي وِلَايَتِهِ، فَإِنْ كَانُوا طَلَبَةَ الْعِلْمِ أَوْ أَهْلَ قَرْيَةٍ، أَوْ أُنَاسًا مَعْدُودِينَ، أَوْ كَانَ خَانًا، أَوْ رِبَاطًا، أَوْ مَسْجِدًا، وَلَمْ تَكُنْ الضَّيْعَةُ الْمَوْقُوفَةُ فِي وِلَايَتِهِ فَنَصَبَ مُتَوَلِّيًا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: يَصِحُّ وَيُعْتَبَرُ التَّظَالُمُ وَالْمُرَافَعَةُ، وَقَالَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ: إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ حَاضِرًا لَا يَصِحُّ النَّصْبُ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا يَصِحُّ النَّصْبُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
رَجُلٌ جَاءَ إلَى قَاضٍ مِنْ الْقُضَاةِ وَقَالَ: إنَّ أَبَى فُلَانًا مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَتَرَكَ عُرُوضًا وَعَقَارًا، وَلَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ وَأَنَا لَا أَسْتَطِيعُ بَيْعَ مَا تَرَكَ لِأَقْضِيَ دَيْنَهُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ النَّاحِيَةِ لَا يَعْرِفُونَنِي.
لَا بَأْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ: إنْ كُنْت صَادِقًا فَبِعْ الْمَالَ وَاقْضِ الدَّيْنَ.
إنْ كَانَ صَادِقًا وَقَعَ مَوْقِعَهُ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا لَا يَعْمَلُ أَمْرَ الْقَاضِي.
وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ، وَقَدْ كَانَ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ أَيْ جَعَلَهُ وَصِيًّا وَقَبِلَ الْوَصِيُّ الْوِصَايَةَ فِي حَيَاتِهِ، أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَجَاءَ إلَى الْقَاضِي يُرِيدُ إثْبَاتَ وِصَايَتِهِ فَالْقَاضِي يَنْظُرُ فِيهِ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلْوِصَايَةِ يَسْمَعُ دَعْوَاهُ إذَا أَحْضَرَ مَعَ نَفْسِهِ مِنْ يَصْلُحُ خَصْمًا حَتَّى أَنَّ الْمُدَّعِيَ إنْ كَانَ عَبْدًا، أَوْ صَبِيًّا فَالْقَاضِي لَا يَسْمَعُ دَعْوَاهُمَا وَهَلْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُمَا؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ، فَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ فَالْقَاضِي يَسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَقْضِي بِوِصَايَتِهِ، وَإِنْ كَبِرَ الصَّبِيُّ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَا يَسْمَعُ.
وَالْخَصْمُ فِي ذَلِكَ وَارِثٌ، أَوْ مُوصًى لَهُ، أَوْ رَجُلٌ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ رَجُلٌ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ.
هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ.
وَفِي الْمُنْتَقَى رِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ رَجُلٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَأَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، أَوْ بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ لِرَجُلٍ وَأَخَذَهَا الْمُوصَى لَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْغَرِيمُ، وَالْوَرَثَةُ شُهُودٌ أَوْ غُيَّبٌ، وَقَدَّمَ الْمُوصَى لَهُ إلَى الْقَاضِي فَالْمُوصَى لَهُ لَا يَكُونُ خَصْمًا لَهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ مَتَى حَصَلَتْ بِقَدْرِ الثُّلُثِ فَالْمُوصَى لَهُ لَا يُعْتَبَرُ بِالْوَارِثِ، وَإِذَا حَصَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَارِثٍ فَالْمُوصَى لَهُ خَصْمُ الْغَرِيمِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيُعْتَبَرُ الْمُوصَى لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِالْوَارِثِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ خَصَائِصِ الْوَارِثِ وَالْوَارِثُ يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِلْغَرِيمِ فَفِي حَقِّ الْمُوصَى لَهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ.
وَصَاحِبُ الْأَقْضِيَةِ ذَكَرَ الْمُوصَى لَهُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَمَا إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ أَوْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ مَا إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ، ثُمَّ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى بَعْضِ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَيْهِ، وَأَنَّهُ قَدْ قَبِلَ وِصَايَتَهُ نَظَرَ الْقَاضِي فِيهِ، فَإِنْ كَانَ عَدْلًا مَرَضِيَّ السِّيرَةِ مُهْتَدِيًا فِي التِّجَارَةِ جَعَلَهُ الْقَاضِي وَصِيًّا وَقَضَى بِوِصَايَتِهِ، وَإِنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ وَالْخِيَانَةِ لَا يُمْضِي إيصَاءَهُ، وَإِنْ عَرَفَ مِنْهُ ضَعْفَ رَأْيٍ وَقِلَّةَ هِدَايَةٍ فِي التَّصَرُّفِ يُمْضِي وِصَايَتَهُ وَلَكِنْ يَضُمُّ إلَيْهِ أَمِينًا مُهْتَدِيًا فِي التِّجَارَةِ حَتَّى يَتَظَاهَرَا فِي التِّجَارَةِ، وَلَا يُتْلِفَا مَالَ الصَّبِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ فِسْقٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ لَكِنْ اُتُّهِمَ بِهِ فَالْقَاضِي يَشُدُّهُ بِمُشْرِفٍ، أَوْ يَضُمُّ إلَيْهِ وَصِيًّا آخَرَ حَتَّى لَا يَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ فَيَظْهَرُ النَّظَرُ لِلْيَتِيمِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ ثَبَتَتْ الْوِصَايَةُ بِالْبَيِّنَةِ.
وَفِي كِتَابِ الْوِصَايَةِ إقْرَارُ الْمَيِّتِ لِأُنَاسٍ بِدُيُونٍ وَوَصَايَا بِأَنْوَاعِ الْبِرِّ وَحَضَرَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ وَقُضِيَ لَهُ بِحَقِّهِ، ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ هَلْ يُقْضَى بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ فِي الْوَصِيَّةِ بِأَنْوَاعِ الْبِرِّ؟ يُكْتَفَى بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْغُرَمَاءِ وَالْوَصَايَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَا يُقْضَى بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يُقْضَى كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
قَالَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا حَضَرَ عِنْدَ الْقَاضِي وَادَّعَى أَنَّ أَخَاهُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ مَاتَ وَتَرَكَ مِنْ الْوَرَثَةِ أَبَاهُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ وَأُمَّهُ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ، وَمِنْ الْبَنِينَ فُلَانًا وَفُلَانًا، وَمِنْ الْبَنَاتِ فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ وَامْرَأَتَهُ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمْ، وَأَنَّهُ أَوْصَى إلَيَّ فِي صِحَّةِ عَقْلِهِ وَجَوَازِ تَصَرُّفِهِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ وَأَنِّي قَبِلْت مِنْهُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ وَتَوَلَّيْت الْقِيَامَ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ كَانَ لِأَخِي هَذَا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي حَضَرَ كَذَا مِنْ الدَّيْنِ، وَأَنَّ أَخِي هَذَا مَاتَ قَبْلَ قَبْضِهِ شَيْئًا مِنْ هَذَا الدَّيْنِ، وَأَنَّ عَلَى هَذَا الَّذِي حَضَرَ قَضَاءَ هَذَا الدَّيْنِ إلَيَّ لِأَصْرِفَهُ إلَى وَرَثَتِهِ وَإِلَى مَا أَمَرَ بِهِ الْمَيِّتُ فَالْقَاضِي يَسْمَعُ دَعْوَاهُ وَيَسْأَلُ الْخَصْمَ أَوَّلًا عَنْ الْمَوْتِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِالْمَوْتِ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ كَانَ ثَابِتًا لِلْمَيِّتِ وَبِالْمَوْتِ تَحَوَّلَ إلَى الْوَصِيِّ، ثُمَّ يَسْأَلُهُ عَنْ الدَّيْنِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ حِينَئِذٍ يَسْأَلُهُ عَنْ الْوِصَايَةِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهَا أَيْضًا لَا يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ حَتَّى يُثْبِتَ وِصَايَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي أَدَبِ الْقَاضِي رَجُلٌ ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا مَاتَ، وَأَنَّهُ كَانَ أَوْصَى إلَيْهِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ الَّذِي لَهُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ وَالْعَيْنِ الَّتِي فِي يَدَيْهِ وَصَدَّقَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أُمِرَ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ إلَيْهِ وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَوَّلًا يُؤْمَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَى الْوَصِيِّ دُونَ الْعَيْنِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَيْهِ، وَلَا بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ فَمَا ذُكِرَ فِي الْأَقْضِيَةِ يُوَافِقُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- آخِرًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ، وَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ أَقَرَّ بِالْمَوْتِ وَأَنْكَرَ الْوِصَايَةَ وَالْمَالَ كُلِّفَ الْمُدَّعِي إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوِصَايَةِ أَوَّلًا، فَإِذَا ثَبَتَتْ الْوِصَايَةُ بِالْبَيِّنَةِ حِينَئِذٍ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَالِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ جَمِيعَ ذَلِكَ كُلِّفَ الْوَصِيُّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوِصَايَةِ وَالْمَوْتِ جَمِيعًا لِيَنْتَصِبَ خَصْمًا، فَإِذَا أَقَامَهَا حِينَئِذٍ تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ مِنْهُ عَلَى الْمَالِ فَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَوَّلًا عَلَى الْمَالِ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوِصَايَةِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْمَالِ وَيُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهَا، وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ عَلَى الْوِصَايَةِ وَالْمَوْتِ وَالْمَالِ فَرِيقًا وَاحِدًا فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ جُمْلَةً قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْمَالِ وَيُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهَا، وَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ وَلَكِنْ إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالْوِصَايَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ بِالْمَالِ هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-.
وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْقَاضِي لَا يَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ-
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَقْبَلُ.
قَالَ ثَمَّةَ: وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- مُضْطَرِبٌ، وَإِذَا أَقَرَّ بِالْوِصَايَةِ وَالْمَوْتِ وَأَنْكَرَ الْمَالَ، وَلَمْ تَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى الْمَالِ أَجَابَهُ الْقَاضِي إلَيْهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْمَالِ وَالْمَوْتِ وَأَنْكَرَ الْوِصَايَةَ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ وَصِيًّا، وَلَوْ لَمْ يَنْصِبْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْوِصَايَةِ وَالْمَالِ وَأَنْكَرَ الْمَوْتَ هَلْ يَسْتَحْلِفُهُ عَلَيْهِ؟ فَالْجَوَابُ فِيهِ نَظِيرُ الْجَوَابِ فِي الْوَارِثِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
ادَّعَى الْوَصِيُّ، أَوْ الْقَيِّمُ أَنَّ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ آجَرَهُمَا مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ الْمُوَلَّى لَا يُنَفِّذُ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ صَدَّقَهُ الْمَعْزُولُ، فَإِنْ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ حَالَ كَوْنِهِ قَاضِيًا فَعَلَ ذَلِكَ قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ قَدْرَ أَجْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ يُنَفِّذُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ يُنَفِّذُ بِقَدْرِ أَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ وَأَبْطَلَ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ اسْتَوْفَى ذَلِكَ أَمَرَهُ بِرَدِّ الزِّيَادَةِ عَلَى الْيَتِيمِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَلَوْ كَانَ أَبُو الصَّغِيرِ مُبَذِّرًا مُتْلِفًا مَالَ الصَّغِيرِ يَنْصِبُ وَصِيًّا يَحْفَظُ مَالَهُ، وَلَوْ اشْتَرَى الْوَارِثُ مِنْ مُوَرِّثِهِ شَيْئًا، ثُمَّ اطَّلَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى عَيْبٍ نَصَبَ الْقَاضِي وَصِيًّا حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى الْأَبُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ شَيْئًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا نَصَبَ الْقَاضِي وَصِيًّا حَتَّى يَرُدَّهُ الْأَبُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.