فصل: الْبَابُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ فِيمَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَضَعَهُ عَلَى يَدِي عَدْلٍ وَمَا لَا يَضَعُهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.الْبَابُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ فِيمَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَضَعَهُ عَلَى يَدِي عَدْلٍ وَمَا لَا يَضَعُهُ:

إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ الطَّلَاقَ عَلَى زَوْجِهَا وَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَضَعَهَا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ لِتَجِيءَ بِالشُّهُودِ فَالْقَاضِي لَا يَضَعُهَا عَلَى يَدِي عَدْلٍ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَإِنْ جَاءَتْ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَضَعَهَا عَلَى يَدِي عَدْلٍ حَتَّى تَأْتِيَ بِالشَّاهِدِ الْآخَرِ يَنْظُرَانِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لَا يَحُولُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا إنْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ: شَاهِدِي الْآخَرُ غَائِبٌ وَلَيْسَ فِي الْمِصْرِ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ لَا يَحُولُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ وَإِنْ قَالَتْ: شَاهِدِي الْآخَرُ فِي الْمِصْرِ، إنْ كَانَ الشَّاهِدُ الْحَاضِرُ فَاسِقًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ لَا يَحُولُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَاسِقِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ أَصْلًا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا فِي حَقِّ الْعَبْدِ؛ فَصَارَ وُجُودُهَا وَالْعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ فَأَمَّا إذَا كَانَ عَدْلًا فَالْقَاضِي يُؤَجِّلُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ حَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا فَحَسَنٌ، هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ وَذُكِرَ فِي الْجَامِعِ بِخِلَافِهِ.
قَالَ فِي الْجَامِعِ: إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ فَالْقَاضِي يَمْنَعُ الزَّوْجَ عَنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا اسْتِحْسَانًا، وَأَمَّا إذَا أَقَامَتْ شَاهِدَيْنِ شَاهِدًا عَلَى الطَّلَاقِ الْبَائِنِ أَوْ عَلَى الثَّلَاثِ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا الْفَصْلُ فِي الْأَصْلِ، وَذُكِرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَمْنَعُ الزَّوْجَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَالْخَلْوَةِ مَعَهَا مَا دَامَ مَشْغُولًا بِتَزْكِيَةِ الشُّهُودِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَلَا يُخْرِجُهَا الْقَاضِي مِنْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا، وَلَكِنْ يَجْعَلُ الْقَاضِي مَعَهَا امْرَأَةً أَمِينَةً تَمْنَعُ الزَّوْجَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ عَدْلًا وَنَفَقَةُ الْأَمِينَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ زُكِّيَتْ الشُّهُودُ فَرَّقَ.
بَيْنَهُمَا وَإِلَّا رُدَّتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الزَّوْجِ، فَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ كَانَتْ لَهَا نَفَقَةٌ مَفْرُوضَةٌ لِكُلِّ شَهْرٍ؛ فَالْقَاضِي يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ وَيَأْمُرُ الزَّوْجَ بِإِعْطَاءِ الْمَفْرُوضِ.
وَلَكِنْ إنَّمَا يَفْرِضُ لَهَا نَفَقَةَ مُدَّةِ الْعِدَّةِ لَا غَيْرَ، فَإِذَا أَخَذَتْ قَدْرَ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ إنْ عُدِّلَ الشُّهُودُ سَلَّمَ لَهَا مَا أَخَذَتْ، وَإِنْ رُدَّتْ الشَّهَادَةُ وَرُدَّتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي عَتَاقِ الْأَصْلِ: وَإِذَا ادَّعَى الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ الْعِتْقَ عَلَى مَوْلَاهُ وَلَيْسَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فَإِنَّهُ لَا يُحَالُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَوْلَى، وَإِنْ أَقَامَا شَاهِدًا وَاحِدًا فَإِنْ قَالَا: الشَّاهِدُ الْآخَرُ غَائِبٌ عَنْ الْمِصْرِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ.
وَإِنْ قَالَا: الشَّاهِدُ الْآخَرُ حَاضِرٌ فِي الْمِصْرِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الشَّاهِدُ الَّذِي أَقَامَا فَاسِقًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يُحَالُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْعَبْدِ، أَمَّا فِي الْأَمَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: لَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا فَحَسَنٌ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ يُحَالُ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا إذَا أَقَامَا شَاهِدَيْنِ مَسْتُورَيْنِ فَيُحَالُ بَيْنَهُمَا جَمِيعًا إلَى أَنْ تَظْهَرَ عَدَالَةُ الشُّهُودِ، وَهَذَا الْجَوَابُ فِي الْأَمَةِ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّ فِي الْأَمَةِ يُحَالُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ فَاسِقًا فَشَهَادَةُ الْمَسْتُورَيْنِ أَوْلَى وَفِي الْعَبْدِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى مَخُوفًا يَخَافُ مِنْهُ الِاسْتِهْلَاكَ وَتَغْيِيبَ الْعَبْدِ وَكَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ وَبِنَفْسِ الْعَبْدِ، ثُمَّ طَرِيقُ الْحَيْلُولَةِ فِي الْأَمَةِ الْوَضْعُ عَلَى يَدِي امْرَأَةٍ ثِقَةٍ، وَالْأَمَةُ تُخَالِفُ الْمَرْأَةَ فَإِنَّ هُنَاكَ طَرِيقُ الْحَيْلُولَةِ أَنْ تُجْعَلَ مَعَهَا امْرَأَةٌ ثِقَةٌ وَلَا يُخْرِجُهَا مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِ، فَإِذَا وَضَعَتْ الْجَارِيَةُ عَلَى يَدِي الْعَدْلِ وَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي النَّفَقَةَ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ الْمَوْلَى بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَخَذَتْ نَفَقَتَهَا شَهْرًا ثُمَّ لَمْ تُزَكَّ الشُّهُودُ وَرُدَّتْ الْأَمَةُ عَلَى مَوْلَاهَا لَا يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَيْهَا بِمَا أَنْفَقَ، وَإِنْ زُكِّيَتْ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ أَنْفَقَ الْمَوْلَى عَلَيْهَا عَلَى.
وَجْهِ التَّبَرُّعِ أَوْ أَكَلَتْ فِي بَيْتِ الْمَوْلَى فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهَا كَمَا فِي سَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ، وَإِنْ أَجْبَرَ الْقَاضِي الْمَوْلَى عَلَى ذَلِكَ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدَانِ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ فَاسِقَيْنِ فَلَا شَكَّ أَنَّ فِي الْأَمَةِ يُحَالُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَوْلَى، وَأَمَّا فِي الْعَبْدِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ يُحَالُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُحَالُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلٌ ادَّعَى جَارِيَةً فِي يَدِ رَجُلٍ وَادَّعَتْ الْأَمَةُ أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ لَمْ يُقِمْ الشُّهُودَ، أَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا، أَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ مَسْتُورَيْنِ.
فَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ وَسَأَلَ الْقَاضِي الْحَيْلُولَةَ إلَى أَنْ يُحْضِرَ شُهُودَهُ لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ وَإِنْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدًا وَاحِدًا يَنْظُرَانِ قَالَ: لَا شَاهِدَ لِي سِوَى هَذَا الْوَاحِدِ لَا يَحُولُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ذِي الْيَدِ.
وَإِنْ قَالَ: لِي شَاهِدٌ آخَرُ فِي الْمِصْرِ آتِي بِهِ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي لَا يَحُولُ بَيْنَهُمَا قِيَاسًا وَيَحُولُ بَيْنَهُمَا اسْتِحْسَانًا إذَا كَانَ الشَّاهِدُ عَدْلًا وَأَمَّا إذَا أَقَامَ شَاهِدَيْنِ مَسْتُورَيْنِ فِيهِ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَضَعَ الْجَارِيَةَ عَلَى يَدِي امْرَأَةٍ ثِقَةٍ مَأْمُونَةٍ تَحْفَظُهَا حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ وَلَا يَتْرُكَهَا فِي يَدِي الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ، وَسَوَاءٌ فِيهِ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَدْلًا أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ وَهَذَا إذَا سَأَلَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَضَعَهَا عَلَى يَدِي عَدْلٍ، فَأَمَّا بِدُونِ سُؤَالِهِ فَلَا يَضَعُهَا، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ فِي يَدِي رَجُلٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِي امْرَأَةٍ وَادَّعَاهَا رَجُلٌ فَلَا يَضَعُهَا عَلَى يَدِي عَدْلٍ وَإِنْ سَأَلَ.
وَكَذَلِكَ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى أَيِّمٍ نِكَاحًا فَالْقَاضِي يَكْفُلُهَا وَلَا يَضَعُهَا عَلَى يَدِي عَدْلٍ؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ مَالِكَةٌ نَفْسَهَا لَا يَخَافُ مِنْهَا الْوَطْءَ الْحَرَامَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً بِكْرًا فِي مَنْزِلِ أَبِيهَا فَالْقَاضِي لَا يَعْزِلُهَا.
امْرَأَةٌ مَعَ رَجُلٍ ادَّعَتْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا فَاسِدًا وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا صَحِيحًا فَإِنَّهُ يَعْزِلُهَا وَيَضَعُهَا عَلَى يَدِي عَدْلٍ.
وَكَذَلِكَ رَجُلٌ ادَّعَى أَمَةً فِي يَدِ رَجُلٍ وَقَالَ: بِعْتُهَا مِنْ هَذَا الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ بَيْعًا فَاسِدًا وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً، وَقَالَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ: اشْتَرَيْتُهَا شِرَاءً صَحِيحًا، أَوْ قَالَ: هِيَ جَارِيَتِي لَمْ أَشْتَرِهَا مِنْهُ فَالْقَاضِي يَعْزِلُهَا، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
عَبْدٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ ادَّعَاهُ رَجُلٌ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ لَا يَعْرِفُهُمَا الْقَاضِي لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ الْقَاضِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَبِنَفْسِ الْعَبْدِ، ثُمَّ يَأْمُرُ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ الْكَفِيلَ بِنَفْسِهِ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ، حَتَّى أَنَّهُ إذَا غَابَ وَلَمْ يَقْدِرْ الْكَفِيلُ عَلَى إحْضَارِهِ فَالْمُدَّعِي يُخَاصِمُ الْكَفِيلَ وَيَقْضِي الْقَاضِي عَلَيْهِ وَلَكِنْ إنْ أَبَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ وَكِيلًا فَالْقَاضِي لَا يُجْبِرُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَى إعْطَاءَ الْكَفِيلِ حَيْثُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَفِيلًا فَالْقَاضِي يَقُولُ لِلْمُدَّعِي: الْزَمْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْعَبْدَ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَخُوفًا عَلَى مَا فِي يَدِهِ بِالْإِتْلَافِ فَرَأَى الْقَاضِي أَنْ يَضَعَ الْعَبْدَ عَلَى يَدِي عَدْلٍ يَضَعُهُ صِيَانَةً لِحَقِّ الْمُدَّعِي، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَاسِقًا مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ مَعَ الْغِلْمَانِ فَالْقَاضِي يَضَعُهُ عَلَى يَدِي عَدْلٍ وَلَكِنْ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ بَلْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ صَاحِبُ الْغُلَامِ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ مَعَ الْغِلْمَانِ يُخْرِجُهُ الْقَاضِي عَنْ يَدِهِ وَيَضَعُهُ عَلَى يَدِي عَدْلٍ بِطَرِيقِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، ثُمَّ إذَا وَضَعَهُ عَلَى يَدِي عَدْلٍ أَمَرَهُ أَنْ يَكْتَسِبَ وَيُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ وَلَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ هَذَا فِي الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنْ الْكَسْبِ عَادَةً حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ قَادِرَةً عَلَى الْكَسْبِ بِأَنْ كَانَتْ غَسَّالَةً مَعْرُوفَةً بِذَلِكَ أَوْ خَبَّازَةً تُؤْمَرُ بِالْكَسْبِ أَيْضًا.
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ لِمَرَضِهِ أَوْ صِغَرِهِ يُؤْمَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ.
فَإِذَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْأَمَةِ، كَذَا حُكِيَ عَنْ.
الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ وَالْفَقِيهِ أَبِي إِسْحَاقَ الْحَافِظِ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى-.
وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَجُلٌ ادَّعَى جَارِيَةً فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَنَّهَا لَهُ وَأَقَامَ عَلَى دَعْوَاهُ بَيِّنَةً فَزُكِّيَتْ بَيِّنَتُهُ، وَقَدْ كَانَ الْقَاضِي وَضَعَهَا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ وَهَرَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ: أَمَرْتُ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ يَعْنِي الْعَدْلَ أَنْ يُؤَاجِرَهَا وَيُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ أَجْرِهَا، فَإِنْ كَانَ لَا يُؤَاجَرُ مِثْلُهَا أَمَرْته أَنْ يَسْتَدِينَ فِي النَّفَقَةِ عَلَيْهَا، فَإِذَا حَصَلَ الْيَأْسُ مِنْ صَاحِبِهَا أَمَرْتُ بِبَيْعِهَا فَبَدَأْت مِنْ الثَّمَنِ بِالدَّيْنِ فَأَدَّيْته وَوَقَفْت الْبَاقِيَ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِذَا جَاءَ الَّذِي كَانَتْ فِي يَدِهِ قَضَيْتُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنِّي بِعْتهَا عَلَى الَّذِي هِيَ كَانَتْ فِي يَدَيْهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَمُسْتَحِقُّ الْجَارِيَةِ أَحَقُّ بِهَذَا الثَّمَنِ مِنْ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ حِينَ وَضَعَهَا الْقَاضِي عَلَى يَدِي عَدْلٍ.
دَابَّةٌ أَوْ ثَوْبٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ ادَّعَاهُ آخَرُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً وَطَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ لَمْ يُجِبْهُ الْقَاضِي وَلَكِنْ يَأْخُذُ الْقَاضِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَبِمَا وَقَعَ فِيهِ الدَّعْوَى، وَيَجْعَلُ الْكَفِيلَ بِالنَّفْسِ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ إذَا طَابَتْ نَفْسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يُجْبَرُ ذُو الْيَدِ عَلَى النَّفَقَةِ عِنْدَنَا بِخِلَافِ الرَّقِيقِ فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: لَا كَفِيلَ لِي؛ قِيلَ لِلْمُدَّعِي: الْزَمْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعَى بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِيَصُونَ بِهِ حَقَّكَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي يَدِهِ فَاسِقًا مَخُوفًا عَلَى مَا فِي يَدِهِ وَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا وَكَانَ الْمُدَّعِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُلَازَمَةِ؛ فَالْقَاضِي يَقُولُ لِلْمُدَّعِي: أَنَا لَا أُجْبِرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الدَّابَّةِ لَكِنْ إنْ شِئْتَ أَنْ أَضَعَهَا عَلَى يَدِي عَدْلٍ فَأُنْفِقَ عَلَيْهَا وَإِلَّا لَا أَضَعَهَا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
قَالَ هِشَامٌ: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ فِي يَدِهِ رُطَبٌ أَوْ سَمَكٌ طَرِيٌّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَادَّعَاهُ إنْسَانٌ أَنَّهُ لَهُ وَقَدَّمَهُ إلَى الْقَاضِي وَهُوَ مِمَّا يَفْسُدُ إنْ تَرَكَهُ، وَقَالَ الْمُدَّعِي: بَيِّنَتِي فِي الْمِصْرِ أُحْضِرُهُمْ؛ قَالَ: لَا أُوقِفُ إلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ أَقُولُ لَهُ يَعْنِي لِلْمُدَّعِي: إنْ شِئْتَ أُحَلِّفُهُ، عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ وَإِنْ قَالَ: أَنَا أُحْضِرُ الْبَيِّنَةَ يَعْنِي الْيَوْمَ فَإِنِّي أُؤَجِّلُهُ إلَى قِيَامِ الْقَاضِي فَأَقُولُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا تَبْرَحْ إلَى قِيَامِهِ، فَإِنْ فَسَدَ الشَّيْءُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَضْمَنُهُ الْمُدَّعِي بِحَبْسِهِ عَلَيْهِ.
عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ سَمَكًا أَوْ لَحْمًا طَرِيًّا أَوْ فَاكِهَةً أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، ثُمَّ جَحَدَ الْبَائِعُ وَأَقَامَ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدًا وَاحِدًا وَاحْتَاجَ الْقَاضِي إلَى أَنْ يَسْأَلَ الشُّهُودَ فَقَالَ الْبَائِعُ هَذَا يَفْسُدُ إنْ تُرِكَ حَتَّى يُعَدَّلَ الشُّهُودُ، قَالَ: إنْ كَانَ شَهِدَ لِلْمُدَّعِي شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَقَالَ: الشَّاهِدُ الْآخَرُ حَاضِرٌ؛ أُجِّلَ فِي شَهَادَةِ الْآخَرِ مَا لَمْ يَخَفْ الْفَسَادَ فَإِنْ أَحْضَرَ شَاهِدَهُ الْآخَرَ وَإِلَّا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ وَنَهَى الْمُشْتَرِيَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ أَمَرَ الْبَائِعَ بِدَفْعِهِ إلَى الْمُشْتَرِي إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ فَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي أَخَذَهُ الْقَاضِي وَأَمَرَ أَمِينًا بِبَيْعِهِ وَقَبْضِ ثَمَنِهِ وَوَضْعِ الثَّمَنِ عَلَى يَدِي عَدْلٍ، فَإِنْ زُكِّيَتْ الْبَيِّنَةُ قَضَى بِالثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي وَأَمَرَ الْعَدْلَ بِدَفْعِ الثَّمَنِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ تُزَكَّ الْبَيِّنَةُ سَلَّمَ الْقَاضِي ذَلِكَ الثَّمَنَ الَّذِي عَلَى يَدِي الْعَدْلِ إلَى الْبَائِعِ.
ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مَنْقُولًا وَطَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَضَعَهُ عَلَى يَدِي عَدْلٍ وَلَمْ يَكْتَفِ بِإِعْطَاءِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَبِنَفْسِ الْمُدَّعَى بِهِ، فَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَالْقَاضِي لَا يُجِيبُهُ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَجَابَهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
لَوْ ادَّعَى عَقَارًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً لَا يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِالْوَضْعِ عَلَى يَدِي عَدْلٍ وَلَا بِالْكَفِيلِ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرْضًا فِيهَا شَجَرٌ فِيهِ ثَمَرٌ فَيُوضَعُ عَلَى يَدِي عَدْلٍ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ فِي بَابِ مَا لَا يَضَعُهُ الْقَاضِي عَلَى يَدِي عَدْلٍ.
إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِلْقَاضِي: لَسْتُ آمَنُ عَلَى نَفْسِي مِنْ زَوْجِي أَنْ يَقْرَبَنِي فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فَضَعْنِي عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ؛ فَالْقَاضِي لَا يَلْتَفِتُ إلَى ذَلِكَ.
أَمَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ خَافَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَلَيْهَا؛ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: تَكُونُ عِنْدَكَ يَوْمًا وَعِنْدِي يَوْمًا.
وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ نَضَعُهَا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ؛ فَإِنِّي أَجْعَلُهَا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَوْمًا فَلَا أَضَعُهَا عَلَى يَدِي عَدْلٍ، قَالَ مَشَايِخُنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى-: وَيُحْتَاطُ فِي بَابِ الْفُرُوجِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ نَحْوَ الْعِتْقِ فِي الْجَوَارِي وَالطَّلَاقِ فِي النِّسَاءِ فِي الشَّهَادَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاطُ لِحِشْمَةِ مِلْكِهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

.الْبَابُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي:

إذَا تَقَدَّمَ رَجُلٌ إلَى الْقَاضِي فَسَأَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ بَيِّنَةً عَلَى حَقٍّ عَلَى رَجُلٍ فِي بَلَدٍ آخَرَ لِيَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا إلَى قَاضِي ذَلِكَ الْبَلْدَةِ فَالْقَاضِي يَسْمَعُ شُهُودَهُ عَلَى حَقِّهِ الَّذِي يَدَّعِي، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ عِنْدَ شَطْرِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ أَقَامَ رَجُلٌ عِنْدَ الْقَاضِي شَاهِدًا وَاحِدًا بِحَقٍّ لَهُ قِبَلَ رَجُلٍ أَوْ شَهِدَتْ لَهُ امْرَأَةٌ أَوْ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ فَالْقَاضِي يَكْتُبُ بِذَلِكَ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي صَارَ حُجَّةً شَرْعًا فِي الْمُعَامَلَاتِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ قَدْ يُفْتَعَلُ وَيُزَوَّرُ وَالْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ وَالْخَاتَمُ يُشْبِهُ الْخَاتَمَ، وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ حُجَّةً بِالْإِجْمَاعِ وَلَكِنْ إنَّمَا يَقْبَلُهُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ عِنْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهِ وَمِنْ جُمْلَةِ الشَّرَائِطِ الْبَيِّنَةُ، حَتَّى أَنَّ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ لَا يَقْبَلُ كِتَابَ الْقَاضِي مَا لَمْ يَثْبُتْ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا عُمِلَ فِيهِ بِالْقِيَاسِ الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ وَالْمَنْقُولَاتُ نَحْوُ الْعُرُوضِ وَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَوَّلِ، حَتَّى لَمْ يُجَوِّزُوا كِتَابَ الْقَاضِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ: يَجُوزُ فِي الْعَبِيدِ فِي الْإِبَاقِ وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِمْ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ الْمَنْقُولَاتِ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا، وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ الْمُنْتَسِبِ إلَى إسْبِيجَابَ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي وَيُجَوِّزُ كِتَابَ الْقَاضِي فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَفِي كُلِّ حُكْمٍ يُمْكِنُ تَحَقُّقُ شَرَائِطِ كِتَابِ الْقَاضِي فِيهِ مِنْ إعْلَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَفِي سَائِرِ النَّقْلِيَّاتِ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ كِتَابُ الْقَاضِي عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ إعْلَامَ الْمَشْهُودِ بِهِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالْإِشَارَةِ وَلَا إشَارَةَ عِنْدَ الْكِتَابِ فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ فَلَمْ يَجُزْ الْكِتَابُ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
إذَا قَالَ الرَّجُلُ: إنَّ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ بِبَلَدِ كَذَا زَوْجَتِي وَإِنَّهَا تَجْحَدُ نِكَاحِي وَإِنْ شُهُودِي عَلَى النِّكَاحِ هَهُنَا فَلَا يُمْكِنِّي الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ شُهُودِي؛ فَاكْتُبْ لِي فِي هَذَا كِتَابًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُ شَهَادَةَ شُهُودِهِ وَيَكْتُبُ لَهُ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّهَا امْرَأَةُ فُلَانٍ الْغَائِبِ أَوْ ادَّعَى وَلَاءَ عَتَاقَةٍ أَوْ وَلَاءَ مُوَالَاةٍ.
وَكَذَا لَوْ ادَّعَى نَسَبًا بِأَنْ قَالَ رَجُلٌ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ أَبِي وَهُوَ يُنْكِر نَسَبِي وَلِي بَيِّنَةٌ هَهُنَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمِّي وَأَنِّي قَدْ وُلِدْت عَلَى فِرَاشِهِ وَنُسِبْتُ إلَيْهِ فَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ كِتَابًا.
وَكَذَا لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ: أَنَّهُ أَبُو فُلَانٍ الْغَائِبِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَطَلَبَ مِنْهُ الْكِتَابَ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخُو فُلَانٍ الْغَائِبِ، أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ عَمُّهُ وَطَلَبَ الْكِتَابَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَكْتُبُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ إرْثًا أَوْ نَفَقَةً أَوْ يَدَّعِيَ مِنْ الْحَضَانَةِ وَالتَّرْبِيَةِ فِي اللَّقِيطِ أَوْ فِي الْأَبِ وَالِابْنِ يَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَامْرَأَةً ادَّعَيَا ابْنًا أَوْ ابْنَةً وَقَالَا: هُوَ مَعْرُوفُ النَّسَبِ مِنَّا وَهُوَ فِي يَدِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْغَائِبِ فِي بَلْدَةِ كَذَا، وَهُوَ يَسْتَرِقُّهُ وَأَقَامَا عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَطَلَبَا فِي ذَلِكَ كِتَابًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ يَكْتُبُ فِي النَّسَبِ إلَّا أَنَّ هَهُنَا لَا يَكْتُبُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي دَعْوَى الْبُنُوَّةِ دَعْوَى الِاسْتِرْقَاقِ لَا يَكْتُبُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ فَيَقُولَ هُوَ ابْنِي غَصَبَهُ فُلَانٌ الْغَائِبُ فَإِنَّهُ يَكْتُبُ فِي قَوْلِهِمْ وَفِي الدَّارِ وَالْعَقَارِ.
يَكْتُبُ فِي قَوْلِهِمْ، سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى أَوْ فِي بَلْدَةِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ.
وَإِذَا مَرِضَ شُهُودُ الْكِتَابِ فِي الطَّرِيقِ أَوْ بَدَا لَهُمْ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِمْ أَوْ أَرَادُوا السَّفَرَ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى فَأَشْهَدُوا قَوْمًا عَلَى شَهَادَتِهِمْ يَجُوزُ ذَلِكَ، كَمَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ كِتَابِ الْقَاضِي وَتَفْسِيرُ إشْهَادِهِمْ أَنْ يَقُولُوا: هَذَا كِتَابُ قَاضِي بَلَدِ كَذَا فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إلَى قَاضِي بَلْدَةِ كَذَا فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ فِي دَعْوَى الْمُدَّعِي هَذَا عَلَى غَائِبٍ هُوَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ قَرَأَهُ عَلَيْنَا وَخَتَمَهُ بِحَضْرَتِنَا وَأَشْهَدْنَا عَلَيْهِ فَاشْهَدُوا أَنْتُمْ عَلَى شَهَادَتِنَا هَذِهِ، وَكَذَا لَوْ أَشْهَدَ هَذِهِ الشُّهُودُ شُهُودًا أُخَرَ ثَالِثًا وَرَابِعًا وَعَاشِرًا وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
الْعُلُومُ الْخَمْسَةُ شَرْطُ جَوَازِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مِنْ مَعْلُومٍ يَعْنِي الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ إلَى مَعْلُومٍ يَعْنِي الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ فِي مَعْلُومٍ يَعْنِي الْمُدَّعَى بِهِ لِمَعْلُومٍ يَعْنِي الْمُدَّعِيَ عَلَى مَعْلُومٍ يَعْنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
أَمَّا الْقَاضِي الْكَاتِبُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَإِعْلَامُهُ إنَّمَا يَكُونُ بِكِتَابَةِ اسْمِ الْقَاضِي وَاسْمِ أَبِيهِ وَاسْمِ جَدِّهِ أَوْ قَبِيلَتِهِ فَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ لَا يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ ذَكَرَ اسْمَ أَبِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ جَدِّهِ أَوْ قَبِيلَتِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ، وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا اكْتَفَى بِالِاسْمِ الَّذِي كَانَ مَشْهُورًا بِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَتَبَ مِنْ أَبِي فُلَانٍ إذَا كَانَ مَشْهُورًا بِتِلْكَ الْكُنْيَةِ كَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَكَذَلِكَ إذَا كَتَبَ مِنْ ابْنِ فُلَانٍ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِهِ كَابْنِ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَكْتَفِي بِهِ وَلَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ الشُّهُودِ عَلَى اسْمِ الْقَاضِي وَنَسَبِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا فِي الْكِتَابِ، وَكَذَلِكَ إعْلَامُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ شَرْطٌ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِمَا يُوجِبُ تَعْرِيفَهُ مِنْ ذِكْرِ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَلَا يُكْتَفَى بِالشَّهَادَةِ عَلَى الِاسْمِ وَالنَّسَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا، وَكَذَلِكَ إعْلَامُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَرْطٌ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ بِذِكْرِ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ بَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ ذِكْرُ الْجَدِّ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُ الْجَدِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ.
وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُضْطَرِبٌ وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ السُّغْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَشْتَرِطُ ذِكْرَ الْجَدِّ ثُمَّ رَجَعَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَكَانَ يَشْتَرِطُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَإِنْ لَمْ.
يَذْكُرْ اسْمَ الْجَدِّ وَنَسَبَهُ إلَى الْقَبِيلَةِ فَإِنْ كَانَ أَدْنَى الْقَبَائِلِ وَالْأَفْخَاذِ الَّذِي يُعْرَفُ بِذَلِكَ فَقَدْ كَفَى بِلَا خِلَافٍ، وَيَقُومُ مَقَامَ اسْمِ الْجَدِّ لِحُصُولِ الْإِعْلَامِ بِهِ، فَإِنَّهُ قَلَّمَا يَتَّفِقُ اثْنَانِ فِي أَدْنَى الْأَفْخَاذِ فِي اسْمِهِمَا وَاسْمِ أَبِيهِمَا وَإِنْ نَسَبَهُ إلَى أَعْلَى الْأَفْخَاذِ وَالْقَبَائِلِ بِأَنْ قَالَ: تَمِيمِيٌّ، أَوْ مَا أَشْبَهَهُ لَا يُكْتَفَى بِهِ.
وَإِنْ نَسَبَهُ إلَى بَلَدِهِ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إلَى جَدِّهِ وَلَا إلَى قَبِيلَتِهِ فَقَالَ: كُوفِيٌّ أَوْ مِصْرِيٌّ؛ فَذَلِكَ لَا يَكْفِي لَهُ وَإِنْ نَسَبَهُ إلَى حِرْفَتِهِ وَصِنَاعَتِهِ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إلَى الْقَبِيلَةِ وَالْجَدِّ لَا يَكْفِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَتْ صِنَاعَةٌ يُعْرَفُ بِهَا لَا مَحَالَةَ يَكْفِي وَإِنْ ذَكَرَ اسْمَ أَبِيهِ وَلَقَبَهُ وَإِنَّهُ يُعْرَفُ بِذَلِكَ اللَّقَبِ لَا مَحَالَةَ فَإِنَّهُ يَكْفِي وَبِدُونِ ذَلِكَ لَا يَكْفِي، وَإِنْ ذَكَرَ اسْمَهُ وَاسْمَ جَدِّهِ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ أَبِيهِ لَا يَكْفِي وَإِنْ كَتَبَ مِنْ قَاضِي بَلَدِ كَذَا فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إلَى قَاضِي بَلَدِ كَذَا فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ فَذَلِكَ يَكْفِي بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ قَاضِيًا مِنْ أَسْبَابِ التَّعْرِيفِ فَيُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ ذِكْرِ الْجَدِّ.
وَلَوْ كَتَبَ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ قَاضِي بَلَدِ كَذَا إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَوَسَّعَ حِينَ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَرَأَى أَحْوَالَ النَّاسِ وَاسْتَحْسَنَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ تَسْهِيلًا لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ مِنْ جُمْلَتِهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَعَلَيْهِ عَمَلُ.
النَّاسِ الْيَوْم، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَإِنْ كَتَبَ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ السِّنْدِيِّ غُلَامُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ كَذَا وَكَذَا جَازَ؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْمَمْلُوكِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَالِكِ فَإِذَا نَسَبَهُ إلَى مَالِكٍ مَعْرُوفٍ بِالشُّهْرَةِ أَوْ ذَكَرَ اسْمَ الْمَوْلَى وَنَسَبَهُ إلَى أَبِيهِ وَجَدِّهِ أَوْ إلَى قَبِيلَتِهِ، فَقَدْ تَمَّ تَعْرِيفُهُ بِذَلِكَ.
وَإِنْ ذَكَرَ اسْمَ الْعَبْدِ وَاسْمَ أَبِي الْمَوْلَى وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ جَدِّ الْمَوْلَى وَلَا قَبِيلَتَهُ، ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكْفِي.
وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَكْفِي؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ يَحْصُلُ بِذِكْرِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ كَمَا فِي الْحُرِّ، وَقَدْ وُجِدَ ذِكْرُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: وَهِيَ اسْمُ الْعَبْدِ، وَاسْمُ الْمَوْلَى، وَاسْمُ أَبِي الْمَوْلَى.
وَإِنْ ذَكَرَ اسْمَ الْعَبْدِ وَاسْمَ الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَنْسُبْ الْمَوْلَى إلَى قَبِيلَتِهِ الْخَاصَّةِ لَا يَكْفِي وَإِنْ نَسَبَهُ إلَى قَبِيلَتِهِ الْخَاصَّةِ فَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَا يَكْفِي وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ يَكْفِي.
وَإِنْ كَتَبَ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ وَهُوَ الْعَبْدُ السِّنْدِيُّ الْحَائِكُ الَّذِي فِي يَدِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ أَوْ السَّاكِنُ فِي دَارِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ إنَّمَا يَقَعُ بِالنِّسْبَةِ اللَّازِمَةِ وَذَلِكَ بِالْمِلْكِ دُونَ الْيَدِ؛ لِأَنَّهَا عَسَى تَكُونُ بِغَيْرِ حَقٍّ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ لِيَعْرِفُوا مَا فِيهِ أَوْ لِيُعْلِمَهُمْ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ إذْ لَا شَهَادَةَ بِلَا عِلْمٍ ثُمَّ يُخْتَمُ بِحَضْرَتِهِمْ وَيُسَلَّمُ إلَيْهِمْ؛ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ التَّغْيِيرُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ عِلْمَ الشُّهُودِ بِمَا فِي الْكِتَابِ وَالْخَتْمِ بِحَضْرَتِهِمْ شَرْطُ جَوَازِ الْقَضَاءِ بِذَلِكَ، وَكَذَا حِفْظُ مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ وَقْتِ التَّحَمُّلِ إلَى وَقْتِ.
الْأَدَاءِ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى آخِرًا: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِشَرْطٍ، وَالشَّرْطُ أَنْ يُشْهِدَهُمْ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ وَخَاتَمُهُ.
وَعَنْهُ أَنَّ الْخَتْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَيْضًا فَسَهَّلَ فِي ذَلِكَ حِينَ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ.
وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كَذَا فِي الْكَافِي.
ذَكَرَ الْخَصَّافُ وَعَمَلُ الْقُضَاةِ الْيَوْمَ أَنَّهُمْ يُسَلِّمُونَ الْمَكْتُوبَ إلَى الْمُدَّعِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَإِذَا ثَبَتَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ شَهَادَةَ الشُّهُودِ بِمَا فِي الْكِتَابِ شَرْطٌ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي الْكَاتِبِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الشُّهُودِ نُسْخَةَ مَا فِي الْكِتَابِ لِيَكُونَ عِنْدَهُمْ فَتُمْكِنُهُمْ الشَّهَادَةُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ قَبْلَ فَتْحِ الْكِتَابِ فَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى احْتِيَاطٌ.
وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَوَسُّعٌ، وَمِنْ الشَّرَائِطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مُعَنْوَنًا بِأَنْ يَكْتُبَ: هَذَا كِتَابٌ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْقَاضِي إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْقَاضِي.
حَتَّى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكْتُبْ فِيهِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا كَتَبَ فِيهِ عَافَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ فَالْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ لَا يَقْبَلُهُ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْعِنْوَانُ لَيْسَ بِشَرْطٍ إنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّ هَذَا كِتَابُ الْقَاضِي فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إلَيْك وَخَتْمُهُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعُنْوَانَ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا فَنَقُولُ: إنْ كَانَ الْعُنْوَانُ فِي الْبَاطِنِ وَعَلَى الظَّاهِرِ فَالْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ يَعْمَلُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعُنْوَانُ فِي.
الْبَاطِنِ لَا غَيْرُ يَعْمَلُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الظَّاهِرِ لَا غَيْرُ فَالْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ لَا يَعْمَلُ بِهِ.
وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى اكْتَفَوْا بِعُنْوَانِ الظَّاهِرِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَيَكْتُبُ الْأَسْمَاءَ وَالْأَنْسَابَ فِي الْعُنْوَانَيْنِ جَمِيعًا فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ فِي الْعُنْوَانِ الْبَاطِنِ لَا يَصِحُّ، وَصُورَةُ الْعِنْوَانِ الظَّاهِرِ فِي زَمَانِنَا أَنْ يَكْتُبَ قَبْلَ كِتَابِ التَّسْمِيَةِ مِنْ جَانِبِ الْيَسَارِ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ قَاضِي بَلَدِ كَذَا وَكَذَا، وَيَكْتُبُ فِي جَانِبِ الْيَمِينِ فَوْقَ كِتَابِ التَّسْمِيَةِ بِسْمِ اللَّهِ الْمَلِكِ الْحَقِّ الْمُبِينِ وَنَحْوَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي الْإِمَامِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ قَاضِي بَلَدِ كَذَا، وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ أَدَامَ اللَّهُ تَوْفِيقَهُ وَتَوْفِيقَهُمْ.
فَإِنْ كَتَبَ إلَى قَاضِي بَلَدِ كَذَا وَلَمْ يَكُنْ فِي الْبَلْدَةِ إلَّا قَاضٍ وَاحِدٌ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزْدَوِيُّ: يَصِحُّ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ لَمْ يَصِحَّ، ثُمَّ يَكْتُبُ عَلَى ظَهْرِ الْكِتَابِ مِنْ قِبَلِ الْيَسَارِ عَلَى الصَّدْرِ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ قَاضِي بَلْدَةِ كَذَا وَنَوَاحِيهَا، وَيَكْتُبُ عَلَى الظَّهْرِ مِنْ قِبَلِ الْيَمِينِ بِسْمِ اللَّهِ الْمَلِكِ الْحَقِّ الْمُبِينِ إلَى قَاضِي بَلْدَةِ كَذَا فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ أَدَامَ اللَّهُ تَوْفِيقَهُ وَتَوْفِيقَهُمْ، ثُمَّ يَكْتُبُ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ كِتَابِي أَطَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَقَاءَ فُلَانٍ الْقَاضِي إلَى آخِرِهِ كَمَا هُوَ الرَّسْمُ فِي الْكِتَابِ، ثُمَّ يَكْتُبُ أَمَّا بَعْدُ، ثُمَّ إذَا كَانَ الْقَاضِي يَعْرِفُ الْمُدَّعِي بِوَجْهِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ يَكْتُبُ فِي كِتَابِهِ: حَضَرَ فِي مَجْلِسِ قَضَائِي فِي بَلْدَةِ كَذَا وَأَنَا مُقِيمٌ بِهَا نَافِذَ الْقَضَاءِ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ كَمَا هُوَ الرَّسْمُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ وَيَذْكُرُ حِلْيَتَهُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَهُ: مَجْلِسُ قَضَائِي لَيْسَ بِأَمْرٍ لَازِمٍ بَلْ إذَا كَتَبَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فِي كُورَةِ كَذَا كَفَاهُ إلَّا إذَا كَانَ بَلْدَةٌ فِيهَا قَاضِيَانِ كُلُّ قَاضٍ عَلَى نَاحِيَةٍ.
عَلَى حِدَةٍ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي لَا يَعْرِفُهُ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ يَسْأَلُ عَنْهُ الْبَيِّنَةَ وَيَذْكُرُ فِي كِتَابِهِ حَضَرَ رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَلَمْ أَعْرِفْهُ فَسَأَلْت عَنْهُ الْبَيِّنَةَ، وَيَذْكُرُ أَسْمَاءَ الشُّهُودِ وَأَنْسَابَهُمْ وَحِلَاهُمْ وَمَسَاكِنَهُمْ إنْ كَتَبَ ذَلِكَ كَانَ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَسْمَاءَهُمْ وَأَنْسَابَهُمْ وَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ: شُهُودٌ عُدُولٌ عَرَفَتْهُمْ بِالْعَدَالَةِ، أَوْ سَأَلْت عَنْهُمْ فَعُدِّلُوا وَعُرِفُوا بِالْعَدَالَةِ جَازَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَذْكُرُ بَعْد ذَلِكَ فَشَهِدُوا أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، وَيَسْتَقْصِي فِي تَعْرِيفِهِ فَإِنْ ذَكَرَ قَبِيلَتَهُ مَعَ ذَلِكَ كَانَ أَبْلَغَ وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ ثُمَّ يَكْتُبُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ أَحْضَرَهُ وَلَا نَائِبٍ عَنْ خَصْمٍ حَضَرَ مَعَهُ وَادَّعَى لَهُ دَارًا فِي بَلْدَةِ كَذَا فِي مَحَلَّةِ كَذَا حُدُودُهَا كَذَا فِي يَدِ رَجُلٍ يُقَالُ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ يُعَرِّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ وَإِنْ كَانَ رَجُلًا مَشْهُورًا لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا بَلْ يَكْتُبُ فَادَّعَى عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ ادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ غَائِبٌ عَنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ مَسِيرَةَ سَفَرٍ؛ لِأَنَّ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ اخْتِلَافًا فِي تَقْدِيرِ الْمَسَافَةِ الَّتِي يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي فِيهَا وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا: لَا يَجُوزُ فِيمَا دُونَ مَسِيرَةِ السَّفَرِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِيمَا دُونَ مَسِيرَةِ سَفَرٍ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ غَدَا إلَى بَابِ الْقَاضِي لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَى مَنْزِلِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ يُقْبَلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَيَكْتُبُ: وَقَدْ ثَبَتَتْ غَيْبَتُهُ عِنْدِي بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ لِيُعْلِمَ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ أَنَّ كِتَابَةَ الْكِتَابِ كَانَتْ بِشَرَائِطِهِ.
ثُمَّ يَكْتُبُ: وَإِنَّهُ الْيَوْمَ مُقِيمٌ بِكُورَةِ كَذَا، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ ثُمَّ يَكْتُبُ: وَهُوَ جَاحِدٌ لِدَعْوَى الْمُدَّعِي هَذَا وَشُهُودُهُ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ هَهُنَا وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَسَأَلَنِي الِاسْتِمَاعَ إلَى شَهَادَتِهِمْ لَأَمْلَيْت بِمَا صَحَّ عِنْدِي مِنْ شَهَادَتِهِمْ إلَى الْقَاضِي فُلَانٍ فَأَجَبْته إلَيْهِ فَأَحْضَرَهُمْ وَهُمْ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، يَكْتُبُ اسْمَ كُلِّ وَاحِدٍ وَنَسَبَهُ وَقَبِيلَتَهُ وَتِجَارَتَهُ إنْ كَانَ تَاجِرًا وَمَسْكَنَهُ وَمُصَلَّاهُ وَمَحَلَّتَهُ بِتَمَامِ التَّعْرِيفِ، فَشَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الشُّهُودِ بَعْدَ دَعْوَى الْمُدَّعِي هَذَا.
وَالِاسْتِشْهَادُ مِنْهُمْ شَهَادَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ مُتَّفِقَةُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِهَذَا الْقَدْرِ بَلْ يُفَسِّرُ الشَّهَادَةَ وَيُبَيِّنُهَا فَيَكْتُبُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَشَهِدَ بِكَذَا وَيُفَسِّرُ شَهَادَتَهُ وَيُصَحِّحُهَا، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَقَارًا يَذْكُرُ مَوْضِعَهُ وَحُدُودَهُ الْأَرْبَعَةَ وَإِنْ كَانَ غُلَامًا يَذْكُرُ اسْمَ الْعَبْدِ وَحِلْيَتَهُ وَصِفَتَهُ وَحِرْفَتَهُ وَاسْمَ الْمَوْلَى وَاسْمَ أَبِيهِ وَاسْمَ جَدِّهِ، وَكَذَلِكَ فِي الدَّيْنِ يَذْكُرُ جِنْسَهُ وَقَدْرَهُ وَصِفَتَهُ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ؛ فَيَكْتُبُ: شَهِدُوا أَنَّ لِفُلَانٍ الْمُدَّعِي هَذَا عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ اسْمُهُ وَنَسَبُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي دَعْوَى الْمُدَّعِي هَذَا،
وَكَذَا يَذْكُرُ جِنْسَ الدَّيْنِ وَنَوْعَهُ وَصِفَتَهُ وَجَمِيعَ مَا ذَكَرْنَا فِي الدَّعْوَى.
ثُمَّ يَكْتُبُ فَوَاجِبٌ عَلَى فُلَانٍ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي ذُكِرَ اسْمُهُ وَنَسَبُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَدَاءُ هَذَا الْمَالِ لِيَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ هَذَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ سَبَبِ الدَّيْنِ لِتَكُونَ الشَّهَادَةُ مُوَافِقَةً لِدَعْوَى الْمُدَّعِي، ثُمَّ يَكْتُبُ: وَشَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَاقِينَ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِ هَذِهِ وَأَشَارَ فِي جَمِيعِ مَوَاضِعِ الْإِشَارَاتِ وَلَا يَكْتُبُ عَلَى مِثْلِ شَهَادَتِهِ، ثُمَّ يَكْتُبُ: فَأَتَوْا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا وَسَاقُوهَا عَلَى سُنَنِهَا وَسَمِعْتهَا وَأَثْبَتُّهَا فِي الْمَحْضَرِ الْمُخَلَّدِ فِي دِيوَانِ الْحُكْمِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ عَرَّفَ الْقَاضِي الشُّهُودَ أَثْبَتَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَهُمْ مَعْرُوفُونَ عِنْدِي بِالْعَدَالَةِ وَالرِّضَا، وَإِنْ لَمْ يُعَرِّفْهُمْ سَأَلَ الْمُزَكِّي عَنْ حَالِهِمْ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ فَإِنْ أَثْنَوْا عَلَيْهِمْ بِالْعَدَالَةِ؛ يَكْتُبُ: وَرَجَعْت فِي التَّعْرِيفِ عَنْ حَالِهِمْ إلَى مَنْ إلَيْهِ التَّزْكِيَةُ وَالتَّعْدِيلُ وَهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَنَسَبَاهُمْ إلَى الْعَدَالَةِ وَالرِّضَا وَقَبُولِ الْقَوْلِ.
ثُمَّ الْقَاضِي الْكَاتِبُ بَعْدَ مَا ظَهَرَتْ عِنْدَهُ عَدَالَةُ الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَهُ بِالْحَقِّ لِلْمُدَّعِي يُحَلِّفُ الْمُدَّعِي بِاَللَّهِ مَا قَبَضْتَ هَذَا الْمَالَ مِنْهُ وَلَا تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَك أَوْ وَكِيلَك قَبَضَ مِنْهُ، وَإِذَا كَتَبَ الْكَاتِبُ الْكِتَابَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا يَكْتُبُ فِي آخِرِ الْكِتَابِ يَقُولُ الْقَاضِي فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ قَاضِي بَلْدَةِ كَذَا: كُتِبَ هَذَا الْكِتَابُ عَنِّي بِأَمْرِي، إنْ كَانَ كَتَبَ الْكِتَابَ غَيْرُهُ وَجَرَى الْأَمْرُ عَلَى مَا بَيَّنَ فِيهِ مِنِّي وَعِنْدِي وَهُوَ كَمَا كَتَبَ فِيهِ وَهُوَ مُعَنْوَنٌ بِعُنْوَانَيْنِ عُنْوَانٍ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعُنْوَانٍ فِي بَاطِنِهِ وَهُوَ مَخْتُومٌ.
بِخَاتَمِي وَنَقْشِ خَاتَمِي كَذَا، وَهُوَ مَكْتُوبٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْصَافٍ مِنْ الْكَاغِدِ وَهُوَ مُوَقَّعٌ بِتَوْقِيعِي وَتَوْقِيعِي هَكَذَا كُتِبَ التَّوْقِيعُ عَلَى صَدْرِهِ، وَأَشْهَدْت عَلَيْهِ شُهُودًا وَهُمْ فُلَانُ بْنُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَفُلَانُ بْنُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ يَذْكُرُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَنْسَابَهُمْ وَحِلَاهُمْ وَقَرَأْتُ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ وَأَعْلَمْتهمْ بِمَا فِيهِ وَخَتَمْت الْكِتَابَ بِمَحْضَرٍ مِنْهُمْ وَأَشْهَدْتهمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَكَتَبْت هَذِهِ الْأَسْطُرَ فِي آخِرِهِ وَهِيَ كَذَا خَطًّا بِخَطِّي فِي تَارِيخِ كَذَا.
وَلَا يَكْتُبُ فِي آخِرِ الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ نُسْخَتَيْنِ نُسْخَةً فِي يَدَيْ الْمُدَّعِي مَخْتُومًا بِتِلْكَ النُّسْخَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، وَنُسْخَةً أُخْرَى فِي يَدِ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِمَا فِي الْكِتَابِ شَرْطٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَالْمُغْنِي، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَلَوْ لَمْ يَكْتُبْ فِي الْكِتَابِ تَارِيخًا لَمْ يَقْبَلْهُ وَإِنْ كَتَبَ فِيهِ تَارِيخًا يَنْظُرُ هَلْ هُوَ كَانَ قَاضِيًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَمْ لَا، وَلَا يَكْتَفِي بِالشَّهَادَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا وَكَذَا كَوْنُهُ كِتَابَ الْقَاضِي لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ شَهَادَتِهِمْ بِدُونِ الْكِتَابَةِ، وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى أَصْلِ الْحَادِثَةِ وَلَمْ يَكْتُبْ مَكْتُوبًا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
ثُمَّ إذَا انْتَهَى الْكِتَابُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ يَنْبَغِي لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الَّذِي جَاءَ بِالْكِتَابِ وَبَيْنَ خَصْمِهِ بِطَلَبِهِ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْبَلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَّا وَمَعَهُ خَصْمُهُ ثُمَّ إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَالْمُدَّعِي يَدَّعِي حَقَّهُ عَلَيْهِ فَلْيَسْأَلْ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ دَعْوَاهُ فَإِنْ أَقَرَّ بِهَا أَلْزَمُهُ الْقَاضِي ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ وَوَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ الْكِتَابِ، وَإِنْ جَحَدَ دَعْوَاهُ حَتَّى احْتَاجَ الْمُدَّعِي إلَى إقَامَةِ الْحُجَّةِ يَعْرِضُ الْكِتَابَ عَلَى الْقَاضِي، فَإِذَا عَرَضَ فَالْقَاضِي يَقُولُ لَهُ: مَا هَذَا؟ فَيَقُولُ: كِتَابُ الْقَاضِي فُلَانٍ؛ فَيَقُولُ لَهُ الْقَاضِي: هَاتِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ هَذَا كِتَابُ ذَلِكَ الْقَاضِي، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
فَلَوْ قَبِلَ الْكِتَابَ مِنْ غَيْرِ حَضْرَةِ خَصْمِهِ جَازَ، وَلَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ هَذَا كِتَابُ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ حَضْرَةِ خَصْمِهِ لَا يَجُوزُ، فَحَضْرَةُ الْخَصْمِ شَرْطُ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْكِتَابِ لَا شَرْطُ قَبُولِ الْكِتَابِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الشُّرُوطِ وَإِنْ قَبِلَ ذَلِكَ وَلَيْسَ مَعَهُ خَصْمٌ جَازَ أَرَادَ بِهِ قَبُولَ الْكِتَابِ لَا قَبُولَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْكِتَابِ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
فَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إلَيْك وَهُوَ مَخْتُومٌ بِخَاتَمِهِ فَحِينَئِذٍ يَقْبَلُ الْكِتَابَ وَيَقُولُ: هَلْ قَرَأَ عَلَيْكُمْ؟ وَهَلْ خَتَمَ بِحَضْرَتِكُمْ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا أَوْ قَرَأَ عَلَيْنَا وَلَمْ يَخْتِمْ بِحَضْرَتِنَا، أَوْ عَلَى الْعَكْسِ لَا يَأْخُذُ الْكِتَابَ، وَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ قَرَأَ عَلَيْنَا وَخَتَمَ بِحَضْرَتِنَا وَأَشْهَدَنَا يَفْتَحُ الْكِتَابَ.
وَلَا يَكْتَفِي بِقَوْلِهِمْ: خُتِمَ عِنْدَنَا وَبِمَشْهَدِنَا، كَذَا فِي النِّهَايَة لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي وَخَاتَمُهُ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهِ لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تُقْبَلُ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ وَإِذَا فَتَحَ الْكِتَابَ يَنْظُرُ فِي الْكِتَابِ فَإِنْ كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ مُخَالِفَةً لِمَا فِي الْكِتَابِ رَدَّهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُوَافِقَةً إنْ كَانَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ عَدَالَةَ الشُّهُودِ أَوْ عَرَّفَهُمْ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِالْعَدَالَةِ يَقْضِي عَلَى الْخَصْمِ بِالْحَقِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ سَأَلَ الْقَاضِي عَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ فَإِنْ عُدِّلُوا قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْفَتْحُ بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ وَإِنْ فَتَحَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ جَازَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْكِتَابِ ظُهُورُ الْعَدَالَةِ لِلْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: فَإِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ الْقَاضِي سَلَّمَهُ إلَيْنَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ إلَى أَنْ قَالَ: فَتَحَهُ الْقَاضِي، فَلَمْ يَقُلْ: فَإِذَا شَهِدُوا وَعُدِّلُوا فَعَلِمَ بِهَذَا أَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ الْعَدَالَةُ لِلْفَتْحِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُفَضُّ الْكِتَابُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ لَكِنَّ هَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ بِأَنْ يُفَضَّ الْكِتَابُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَمُخَالِفٌ لِمَا اخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي حَيْثُ قَالَ فِيهِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَدَبِ الْقَاضِي.
أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَفْتَحُ الْكِتَابَ قَبْلَ ظُهُورِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ، ثُمَّ قَالَ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصَحُّ أَيْ تَجْوِيزُ الْفَتْحِ عِنْدَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ مُطْلَقًا بِأَنَّ هَذَا كِتَابُ الْقَاضِي وَخَتْمُهُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِعَدَالَةِ الشُّهُودِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا جَاءَ بِكِتَابٍ فِي حَقٍّ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُحْضِرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِذَا حَضَرَ سَأَلَ الَّذِي جَاءَ بِالْكِتَابِ أَهُوَ هَذَا الَّذِي تَدَّعِي عَلَيْهِ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ سَأَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوَكِيلٌ أَنْتَ فِي الْكِتَابِ أَمْ صَاحِبُ الْكِتَابِ؟ فَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الْكِتَابِ: سَأَلَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي، وَإِنْ قَالَ: أَنَا وَكِيلُ الطَّالِبِ وَأَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ؛ فَإِنَّهُ يُسْأَلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَأَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْكِتَابِ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى بِبَيِّنَةِ وَكَالَتِهِ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُقْبَلُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رِوَايَتَانِ، قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا سَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْكِتَابِ فَقَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ عَدَالَةُ الشُّهُودِ عَزَلَ الْكَاتِبَ ثُمَّ ظَهَرَتْ عَدَالَتُهُمْ قَضَى الْقَاضِي بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَإِنْ عَدَلَتْ بَيِّنَةُ الْوَكَالَةِ وَلَمْ تَعْدِلْ بَيِّنَةُ الْكِتَابِ حَتَّى عَزَلَ الْقَاضِي الْكَاتِبَ فَأَرَادَ الْوَكِيلُ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أُخْرَى عَلَى الْكِتَابِ وَالْخَتْمِ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ وَإِنْ عَدَلَتْ بَيِّنَةُ الْكِتَابِ وَلَمْ تَعْدِلْ بَيِّنَةُ الْوَكَالَةِ حَتَّى عَزَلَ الْكَاتِبَ فَأَرَادَ الْوَكِيلُ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ فُلَانًا قَدْ كَانَ وَكَّلَهُ يَوْمَئِذٍ وَعَدَلَتْ الشُّهُودُ قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ وَقَضَى بِالْوَكَالَةِ، وَهَذَا التَّفْرِيعُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ إنْ قَبِلَ الْقَاضِي الْكِتَابَ وَفَتَحَهُ وَأَتَى بِجَمِيعِ الشَّرَائِطِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا هَلْ يَقْضِي.
بِمَا فِي الْكِتَابِ؟ إنْ عَلِمَ الْقَاضِي إنَّ الَّذِي جَاءَ بِالْكِتَابِ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ أَوْ أَقَرَّ بِهِ الْخَصْمُ وَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ يَقْضِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا سَأَلَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَإِنْ سَأَلَ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ أَحْسَنُ قَصْرًا لِلْمَسَافَةِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
فِي الْخَانِيَّةِ فَإِذَا جَاءَ الْمُدَّعِي بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَأَحْضَرَ خَصْمَهُ وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي وَخَاتَمِهِ بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ وَفَتَحَ الْكِتَابَ وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَفَعَلَ كُلَّ مَا هُوَ شَرْطُ الْقَضَاءِ بِالْكِتَابِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ حَتَّى غَابَ الْخَصْمُ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى وَطَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْ هَذَا الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ إلَى الْقَاضِي الَّذِي الْخَصْمُ فِي بَلَدِهِ لَا يَكْتُبُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَكْتُبُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَيَسْمَعُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ دَفْعَ الْخَصْمِ إذَا قَالَ: لِي دَفْعٌ.
وَلَا تَجُوزُ الرِّسَالَةُ مَكَانَ الْكِتَابِ وَإِنْ وُجِدَتْ جَمِيعُ الشَّرَائِطِ وَيَجُوزُ اسْتِعَانَةُ الْقَاضِي مِنْ أَمِيرِ الْمِصْرِ الَّذِي وَلَّاهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْكِتَابِ بِكِتَابَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ يَبْعَثُ مَعَهُ أَمِينًا وَإِنْ كَانَ الْأَمِيرُ فِي مِصْرٍ آخَرَ يَعْتَبِرُ الشَّرَائِطَ مِنْ خَتْمِ الْكِتَابِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَإِذَا انْكَسَرَ خَاتَمُ الْقَاضِي الَّذِي عَلَى الْكِتَابِ أَوْ كَانَ الْكِتَابُ مَنْشُورًا وَفِي أَسْفَلِهِ خَاتَمُ الْقَاضِي فَإِنَّ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ يَقْبَلُ الْكِتَابَ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ هَذَا كِتَابُ الْقَاضِي فُلَانٍ، وَأَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِمْ.
قَالَ الْخَصَّافُ عُقَيْبَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ: هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَالْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ لَا يَقْبَلُ الْكِتَابَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُومًا غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إذَا كَانَ الْكِتَابُ غَيْرَ مَخْتُومٍ لَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ مَا لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ بِمَا فِي الْكِتَابِ ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ قَبُولَ الْكِتَابِ مَعَ كَسْرِ الْخَاتَمِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ هَذَا مَا يُبْتَلَى بِهِ النَّاسُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ.
فِي الْكُبْرَى امْرَأَةٌ وَكَّلَتْ غَائِبًا وَأَشْهَدَتْ شُهُودًا بِذَلِكَ فَشَهِدُوا بَيْنَ يَدَيْ قَاضِي بَلْدَتِهَا لِيَكْتُبَ إلَى قَاضِي بَلْدَةِ الْوَكِيلِ لِيَحْكُمَ بِالْوَكَالَةِ تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي دَارًا بِالْإِرْثِ فَالْقَاضِي الْكَاتِبُ يَكْتُبُ فِي كِتَابِهِ، وَذُكِرَ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ مَاتَ ثُمَّ يَكْتُبُ وَتَرَكَ دَارًا فِي الْكُوفَةِ فِي بَنِي فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا، وَكَانَتْ هَذِهِ الدَّارُ مِلْكًا وَحَقًّا لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَفِي يَدِهِ وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَخَلَّفَ فُلَانًا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَتَرَكَ هَذِهِ الدَّارَ الْمَحْدُودَةَ مِيرَاثًا لَهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى بِذِكْرِ الْمُدَّعِي لَا أَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرِي ثُمَّ يَذْكُرُ وَأَتَانِي فُلَانٌ الْمُدَّعِي بِفُلَانٍ وَفُلَانٍ فَشَهِدَا إنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ قَدْ تُوُفِّيَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا.
وَإِذَا وَقَعَتْ الدَّعْوَى فِي الْعَقَارِ وَطَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ إلَيْهِ بِذَلِكَ كِتَابًا فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَقَارُ فِي بَلْدَةِ الْمُدَّعِي وَيَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي بَلَدٍ آخَرَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَقَارُ فِي بَلَدٍ آخَرَ غَيْرَ الْبَلْدَةِ الَّتِي فِيهَا الْمُدَّعِي وَأَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي فِيهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ آخَرَ غَيْرَ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا الْقَاضِي يَكْتُبُ لَهُ بِذَلِكَ كِتَابًا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي هَذِهِ الْغَيْبَةِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَقَارُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَوَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَالْمَكْتُوبُ إلَيْهِ يَعْمَلُ بِهِ بِشَرَائِطِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَيَحْكُمُ بِهِ لِلْمُدَّعِي وَأَمَرَ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُدَّعِي، وَإِنْ امْتَنَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ التَّسْلِيمِ فَالْقَاضِي يُسَلِّمُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ فِي وِلَايَتِهِ فَيَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَإِنْ كَانَ الْعَقَارُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُدَّعِي فَالْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ يَبْعَثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ وَكِيلَهُ.
مَعَ الْمُدَّعِي إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ، حَتَّى يَقْضِيَ لَهُ عَلَيْهِ وَيُسَلِّمَ الْعَقَارَ وَإِنْ شَاءَ حَكَمَ بِهِ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَسَجَّلَ لَهُ وَكَتَبَ لَهُ الْقَاضِي قَضِيَّةَ الْعَقَارِ لِيَكُونَ فِي يَدِهِ، وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الْعَقَارَ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ لَيْسَ فِي وِلَايَتِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ.
ثُمَّ إذَا أَوْرَدَ الْمُدَّعِي قَضِيَّةَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَضَائِهِ فَالْقَاضِي الْكَاتِبُ لَا يَقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَنْفِيذِ ذَلِكَ الْقَضَاءِ، وَتَنْفِيذُ الْقَضَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنَّهُ إذَا قَضَى لِلْمُدَّعِي وَسَجَّلَ لَهُ يَأْمُرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ مَعَ الْمُدَّعِي أَمِينًا لِيُسَلِّمَ الدَّارَ إلَى الْمُدَّعِي، فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ كَتَبَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إلَى الْكَاتِبِ كِتَابًا وَيَحْكِي كَيْفِيَّةَ كِتَابِهِ الَّذِي وَصَلَ إلَيْهِ وَيُخْبِرُهُ بِجَمِيعِ مَا جَرَى بَيْنَ الْمُدَّعِي وَبَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحُضُورِ الْمُدَّعِي وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْعَقَارِ وَأَمْرُهُ إيَّاهُ أَنْ يَبْعَثَ مَعَهُ أَحَدًا لِيُسَلِّمَ الْعَقَارَ إلَيْهِ وَامْتِنَاعُهُ عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ يَكْتُبُ وَذَلِكَ قِبَلَك وَسَأَلَنِي الْمُدَّعِي الْكِتَابَ إلَيْك وَإِعْلَامَك بِحُكْمِي لَهُ عَلَى فُلَانٍ بِذَلِكَ لِيُسَلِّمَ إلَيْهِ هَذَا الْعَقَارَ؛ فَاعْمَلْ فِي ذَلِكَ يَرْحَمُك اللَّهُ وَإِيَّانَا بِمَا يَحِقُّ اللَّهُ عَلَيْك وَسَلِّمْ الْعَقَارَ الْمَحْدُودَ فِي الْكِتَابِ إلَى الْمُدَّعِي فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ مُوصِلِ كِتَابِي هَذَا إلَيْك.
فَإِذَا وَصَلَ هَذَا الْكِتَابُ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبُ سَلَّمَ الْعَقَارَ إلَى الْمُدَّعِي وَأَخْرَجَهُ مِنْ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَقَارُ فِي بَلَدٍ آخَرَ غَيْرَ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَعَثَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ وَكِيلَهُ مَعَ الْمُدَّعِي إلَى.
قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْعَقَارُ، وَيَكْتُبُ إلَيْهِ كِتَابًا حَتَّى يَقْضِيَ لِلْمُدَّعِي بِالْعَقَارِ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ حَكَمَ بِهِ لِلْمُدَّعِي وَسَجَّلَ لَهُ وَلَكِنْ لَا يُسَلِّمُ الْعَقَارَ إلَيْهِ.
وَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ فِي الْعَبْدِ الْآبِقِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَيْفَ يَكْتُبُ صُورَتَهُ.
إذَا كَانَ لِرَجُلِ بُخَارَى عَبْدٌ آبِقٌ إلَى سَمَرْقَنْدَ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ سَمَرْقَنْدِيٌّ فَأَخْبَرَ بِهِ الْمَوْلَى، وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى شُهُودٌ بِسَمَرْقَنْدَ إنَّمَا الشُّهُودُ بِبُخَارَى وَطَلَبَ الْمَوْلَى مِنْ قَاضِي بُخَارَى أَنْ يَكْتُبَ بِمَا شَهِدَ شُهُودُهُ عِنْدَهُ فَالْقَاضِي يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ، وَيَكْتُبُ لَهُ كِتَابًا إلَى قَاضِي سَمَرْقَنْدَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الدُّيُونِ غَيْرَ أَنَّهُ يَكْتُبُ: شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَنَّ الْعَبْدَ السِّنْدِيَّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: فُلَانٌ حِلْيَتُهُ كَذَا وَقَامَتُهُ كَذَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَسِنُّهُ كَذَا وَقِيمَتُهُ كَذَا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ مِلْكُ فُلَانٍ الْمُدَّعِي هَذَا وَقَدْ أَبَقَ إلَى سَمَرْقَنْدَ وَالْيَوْمُ فِي يَدِ فُلَانٍ بِسَمَرْقَنْدَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيُشْهِدُ عَلَى كِتَابِهِ شَاهِدَيْنِ يُشْخَصَانِ إلَى سَمَرْقَنْدَ وَيُعْلِمُهُمَا مَا فِي الْكِتَابِ حَتَّى يَشْهَدَا عِنْدَ قَاضِي سَمَرْقَنْدَ بِالْكِتَابِ وَبِمَا فِيهِ، فَإِذَا انْتَهَى هَذَا الْكِتَابُ إلَى قَاضِي سَمَرْقَنْدَ يُحْضِرُ الْعَبْدَ مَعَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ حَتَّى يَشْهَدَا عِنْدَ قَاضِي سَمَرْقَنْدَ بِالْكِتَابِ وَبِمَا فِيهِ حَتَّى يَقْبَلَ شَهَادَتَهُمَا بِالْإِجْمَاعِ.
فَإِذَا قَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمَا وَثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمَا عِنْدَهُ فَتَحَ الْكِتَابَ فَإِنْ وَجَدَ حِلْيَةَ الْعَبْدِ الْمَذْكُورِ مُخَالِفَةً لِمَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ رَدَّ هَذَا الْكِتَابَ إذْ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ غَيْرُ الْمَشْهُودِ بِهِ فِي الْكِتَابِ، وَإِنْ كَانَتْ مُوَافِقَةً قَبِلَ الْكِتَابَ وَدَفَعَ الْعَبْدَ إلَى الْمُدَّعِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِالْعَبْدِ وَيَأْخُذَ كَفِيلًا.
مِنْ الْمُدَّعِي بِنَفْسِ الْعَبْدِ وَيَجْعَلَ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ خَاتَمًا مِنْ رَصَاصٍ حَتَّى لَا يَتَعَرَّضَ لَهُ أَحَدٌ فِي الطَّرِيقِ أَنَّهُ سَرَقَ، وَيَكْتُبَ كِتَابًا إلَى قَاضِي بُخَارَى بِذَلِكَ وَيُشْهِدَ شَاهِدَيْنِ عَلَى كِتَابِهِ وَخَتْمِهِ وَعَلَى مَا فِي الْكِتَابِ فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَى قَاضِي بُخَارَى وَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ هَذَا كِتَابُ قَاضِي سَمَرْقَنْدَ وَخَاتَمُهُ، أَمَرَ الْمُدَّعِيَ أَنْ يُحْضِرَ شُهُودَهُ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَيَشْهَدُونَ بِحَضْرَةِ الْعَبْدِ أَنَّهُ مِلْكُ هَذَا الْمُدَّعِي.
فَإِذَا شَهِدُوا بِذَلِكَ مَاذَا يَصْنَعُ قَاضِي بُخَارَى؟ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ قَاضِيَ بُخَارَى لَا يَقْضِي لِلْمُدَّعِي بِالْعَبْدِ وَلَكِنْ يَكْتُبُ كِتَابًا آخَرَ إلَى قَاضِي سَمَرْقَنْدَ وَيَكْتُبُ فِيهِ مَا جَرَى عِنْدَهُ وَيُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ عَلَى كِتَابِهِ وَخَاتَمِهِ وَمَا فِيهِ وَيَبْعَثُ بِالْعَبْدِ مَعَهُ بِسَمَرْقَنْدَ حَتَّى يَقْضِيَ لَهُ قَاضِي سَمَرْقَنْدَ بِالْعَبْدِ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَى قَاضِي سَمَرْقَنْدَ وَشَهِدَ الشَّاهِدَانِ عِنْدَهُ بِالْكِتَابِ وَالْخَتْمِ وَبِمَا فِي الْكِتَابِ وَظَهَرَتْ عَدَالَةُ الشَّاهِدَيْنِ قَضَى لِلْمُدَّعِي بِالْعَبْدِ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَبْرَأَ كَفِيلَ الْمُدَّعِي.
وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: قَالَ: إنَّ قَاضِيَ بُخَارَى يَقْضِي بِالْعَبْدِ لِلْمُدَّعِي وَيَكْتُبُ إلَى قَاضِي سَمَرْقَنْدَ حَتَّى يُبْرِئَ كَفِيلَ الْمُدَّعِي، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي جَوَّزَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كِتَابَ الْقَاضِي فِي الْإِمَاءِ صُورَتُهُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْعَبْدِ غَيْرَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا لَمْ يَكُنْ ثِقَةً مَأْمُونًا فَالْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ لَا يَدْفَعُهَا إلَيْهِ وَلَكِنْ يَأْمُرُ الْمُدَّعِي حَتَّى يَجِيءَ بِرَجُلٍ ثِقَةٍ مَأْمُونٍ فِي دِينِهِ وَعَقْلِهِ يَبْعَثُ بِهَا مَعَهُ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي بَابِ الْفُرُوجِ وَاجِبٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْكِتَابُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَالْمَكْتُوبُ إلَيْهِ لَا يَعْمَلُ بِهَذَا الْكِتَابِ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَمَالِي: يَعْمَلُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَلَوْ قَبِلَهُ مَعَ هَذَا وَقَضَى بِهِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَمْضَاهُ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ صَادَفَ الِاجْتِهَادَ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِيمَا إذَا مَاتَ بَعْدَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَأَمَّا إذَا مَاتَ بَعْدَ وُصُولِ الْكِتَابِ وَالْقِرَاءَةِ فَإِنَّ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ يَعْمَلُ بِهِ، هَكَذَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ عَزَلَ الْقَاضِي الْكَاتِبَ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا مَاتَ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ لَمْ يَبْقَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهِ لَا يَقْبَلُهُ، كَذَا فِي الْكَافِي.
وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوْ عُزِلَ وَاسْتُعْمِلَ مَكَانَهُ قَاضٍ آخَرُ فَوَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الَّذِي اُسْتُعْمِلَ فَهَلْ يَعْمَلُ بِهِ؟ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي الْكِتَابِ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ الْكِتَابُ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ يَعْمَلُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَعْمَلُ بِهِ عِنْدَنَا.
قَالَ فِي كِتَابِ الْحَوَالَةِ: وَإِذَا جَاءَ الرَّجُلُ بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى قَاضٍ آخَرَ فَلَمْ يَجِدْ خَصْمَهُ ثَمَّةَ فَسَأَلَ الطَّالِبُ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ بِمَا أَتَاهُ مِنْ الْقَاضِي الْأَوَّلِ فَعَلَ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَشَرَائِطُ الثُّبُوتِ مَا ذَكَرْنَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ صَارَتْ مَنْقُولَةً إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ حُكْمًا فَيُعْتَبَرُ بِمَا لَوْ شَهِدُوا عِنْدَهُ حَقِيقَةً، وَلَوْ شَهِدُوا عِنْدَهُ حَقِيقَةً وَطَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي خَصْمُهُ هُنَاكَ أَلَيْسَ أَنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ كِتَابًا، كَذَا هُنَا إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ إنَّمَا يَكْتُبُ بِقَدْرِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَالثَّابِتُ عِنْدَهُ كِتَابُ الْقَاضِي الْأَوَّلِ بِالْحَقِّ عَلَى الْغَائِبِ لَا نَفْسَ الْحَقِّ فَيَكْتُبُ وَيَنْسَخُ كِتَابَ الْقَاضِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ أَصْلُ الْحُجَّةِ وَإِنْ شَاءَ حَكَاهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي قَالَ لِلْقَاضِي الْأَوَّلِ: إنِّي لَا أَجِدُ مِنْ الشُّهُودِ مَنْ يَصْحَبُنِي إلَى بَلَدِ الْخَصْمِ فَاكْتُبْ إلَى قَاضِي بَلَدِ كَذَا لِيَكْتُبَ ذَلِكَ الْقَاضِي إلَى قَاضِي بَلَدِ الْخَصْمِ أَجَابَهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي قَالَ لِلْقَاضِي الْأَوَّلِ: اُكْتُبْ إلَى قَاضِي مَرْوَ وَإِلَى قَاضِي نَيْسَابُورَ حَتَّى أَذْهَبَ إلَى مَرْوَ فَإِنْ وَجَدْت خَصْمِي ثَمَّةَ وَإِلَّا ذَهَبْت إلَى قَاضِي نَيْسَابُورَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقَاضِي يُجِيبُهُ إلَى.
ذَلِكَ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَكْتُبُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِنْ رَجَعَ الطَّالِبُ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ الْأَوَّلِ وَقَالَ: اُكْتُبْ إلَى قَاضِي بَلْدَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ خَصْمِي فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكْتُبُ لَهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْكِتَابَ فَإِذَا رُدَّ الْآنَ يَكْتُبُ وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ ثَانِيًا قَبْلَ رَدِّ ذَلِكَ الْكِتَابِ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ قَدْ كَتَبَ لَهُ مَرَّةً إلَى قَاضِي بَلْدَةِ كَذَا بِهَذِهِ النُّسْخَةِ لِيَزُولَ بِهِ الِالْتِبَاسُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَإِذَا كَتَبَ الْقَاضِي لِرَجُلٍ يَدَّعِي دَيْنًا عَلَى غَائِبٍ كِتَابًا وَخَتَمَ الْكِتَابَ ثُمَّ جَاءَ الْمُدَّعِي وَقَالَ: فَقَدْت الْكِتَابَ وَأَلْتَمِسُ كِتَابًا آخَرَ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَتَّهِمُهُ لَا يَكْتُبُ كِتَابًا آخَرَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَّهِمْهُ كَتَبَ لَكِنْ يَذْكُرُ فِي الْكِتَابِ الثَّانِي: إنِّي كَتَبْت إلَيْك فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ كِتَابًا فِي تَارِيخِ كَذَا ثُمَّ جَاءَنِي فَقَالَ: فَقَدْت ذَلِكَ الْكِتَابَ فَطَلَبَ مِنِّي وَكَتَبْت هَذَا الْكِتَابَ وَيَذْكُرُ التَّارِيخَ كَيْ لَا يَأْخُذَ الْحَقَّ مَرَّتَيْنِ بِكِتَابَيْنِ، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي بَعْدَ مَا كَتَبَ لَهُ كِتَابًا: إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ انْتَقَلَ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى فَاكْتُبْ لِي كِتَابًا إلَى قَاضِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ يَكْتُبُ وَيَذْكُرُ فِي كِتَابِهِ كُنْت كَتَبْت لَهُ إلَى قَاضِي بَلْدَةِ، كَذَا فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ كِتَابًا آخَرَ ثُمَّ قَالَ: إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ انْتَقَلَ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ إلَى بَلَدِ كَذَا فَطَلَبَ هَذَا الْكِتَابَ احْتِيَاطًا، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَإِذَا كَتَبَ كِتَابًا بِحَقٍّ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ فَلَمْ يَخْرُجْ الْكِتَابُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى حَضَرَ الْخَصْمُ الَّذِي أَخَذَ الْكِتَابَ عَلَيْهِ فَقَدَّمَهُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ حَتَّى يُعِيدَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِ.
وَإِنْ كَتَبَ الْقَاضِي إلَى الْأَمِيرِ الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ وَهُوَ مَعَهُ فِي الْمِصْرِ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ وَقَصَّ الْقِصَّةَ وَالشَّهَادَةَ وَبَعَثَ بِالْكِتَابِ مَعَ ثِقَةٍ يَعْرِفُهُ الْأَمِيرُ فَإِنْ أَمْضَاهُ الْأَمِيرُ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَنْوَنًا وَلَا مَخْتُومًا وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ الشُّهُودُ أَنَّ هَذَا كِتَابُ الْقَاضِي وَخَتْمُهُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عُنْوَانٌ بِاسْمِ الْقَاضِي وَبِاسْمِ الْأَمِيرِ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمَا وَأَجْدَادِهِمَا وَلَا يَكُونُ مَخْتُومًا وَلَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ.
قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ قَاضِي رُسْتَاقٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ عَامِلِهَا وَإِنَّمَا يُقْبَلُ كِتَابُ قَاضِي مَدِينَةٍ فِيهَا مِنْبَرٌ وَجَمَاعَةٌ، وَهَذَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْمِصْرَ شَرْطٌ لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ وَلِكِتَابِ الْقَاضِي حُكْمُ الْقَضَاءِ، أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَمْ يُشْتَرَطْ الْمِصْرُ فِيهَا لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ فَيُقْبَلُ فِيهَا كِتَابُ عَامِلِهَا وَيُقْبَلُ كِتَابُ قَاضِي الرَّسَاتِيقِ وَقَاضِي الْقَرْيَةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فِي يَدَيْهِ أَمَةٌ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ وَقَضَى بِهَا الْقَاضِي لَهُ فَقَالَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ: إنِّي اشْتَرَيْتهَا مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ فِي بَلْدَةِ كَذَا وَقَدْ دَفَعْت إلَيْهِ الثَّمَنَ؛ فَاسْمَعْ شُهُودِي وَاكْتُبْ لِي فَإِنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ ذَلِكَ بِمَا يَصِحُّ عِنْدَهُ، وَلَوْ أَنَّ جَارِيَةً فِي يَدَيْ رَجُلٍ ادَّعَتْ أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ بَعْدَ مَا أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ وَقَضَى الْقَاضِي بِحُرِّيَّتِهَا.
فَإِنْ أَقَامَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِكَذَا وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي الْكِتَابَ يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ وَأَنَّهُ دَيْنٌ وَلَوْ أَنَّهَا لَمْ تُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى حُرِّيَّتِهَا وَلَكِنْ ادَّعَتْ الْحُرِّيَّةَ وَأَنْكَرَتْ إقْرَارَهَا بِالرِّقِّ وَلَمْ يَكُنْ لِذِي الْيَدِ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِهَا بِالرِّقِّ جَعَلَهَا الْقَاضِي حُرَّةً وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا لَهُمَا فَإِنَّهُمَا يَجْعَلَانِ عَلَيْهَا الْيَمِينَ.
وَإِنْ قَالَ ذُو الْيَدِ: إنِّي اشْتَرَيْتهَا مِنْ فُلَانٍ وَنَقَدْت الثَّمَنَ فَاسْمَعْ مِنْ شُهُودِي لِأَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ لَا يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.
وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَتْ حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ بَعْدَ مَا أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ وَصَدَّقَهَا صَاحِبُ الْيَدِ لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى.
الْبَائِعِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَنْكَرَتْ الرِّقَّ ابْتِدَاءً وَادَّعَتْ حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ حَتَّى كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا لَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يُحَلِّفَ الْبَائِعَ فِي هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ يُرِيدُ بِهِ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ يَلْزَمُهُ فَإِذَا أَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ فَإِنْ حَلَفَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَكَلَ فَقَدْ أَقَرَّ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي فَيَلْزَمُهُ رَدُّ جَمِيعِ الثَّمَنِ.
وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ لَمْ يَطْلُبْ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى حُرِّيَّتِهَا يُرِيدُ بِهِ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْرَدَ عَلَى قَاضٍ كِتَابًا مِنْ قَاضٍ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ فَوَافَى الْبَلَدَ وَقَدْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ فَأَحْضَرَ الطَّالِبُ وَرَثَةَ الْمَطْلُوبِ أَوْ وَصِيَّهُ وَجَاءَ بِالْكِتَابِ إلَى قَاضٍ، وَأَحْضَرَ شُهُودَهُ عَلَى الْكِتَابِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ فَالْقَاضِي يَقْبَلُ الْكِتَابَ وَيَسْمَعُ مِنْ شُهُودِهِ عَلَى الْكِتَابِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ وَيَنْفُذُ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ تَارِيخُ الْكِتَابِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَطْلُوبِ أَوْ قَبْلَهُ وَإِذَا أَوْرَدَ عَلَى قَاضٍ كِتَابَ قَاضٍ آخَرَ بِشَيْءٍ لَا يَرَاهُ هَذَا الْقَاضِي، وَهُوَ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُهُ فَرْقًا بَيْنَ الْكِتَابِ وَبَيْنَ السِّجِلِّ، فَإِنَّهُ إذَا أَوْرَدَ السِّجِلَّ مِنْ قَاضٍ إلَى آخَرَ وَهُوَ لَا يَرَى ذَلِكَ وَهُوَ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ فَإِنَّهُ يَنْفُذُهُ وَيُمْضِيهِ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْرَدَ عَلَى قَاضٍ كِتَابًا مِنْ قَاضٍ بِحَقٍّ عَلَى رَجُلٍ وَكَانَ فِي الْكِتَابِ اسْمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَسَبُهُ وَصِنَاعَتُهُ وَفَخِذُهُ وَفِي تِلْكَ الصِّنَاعَةِ أَوْ فِي ذَلِكَ الْفَخِذِ اثْنَانِ عَلَى ذَلِكَ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ لَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي الْكِتَابَ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَتَبَ فِيهِ الْكِتَابَ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْقَبِيلَةِ أَوْ الصِّنَاعَةِ اثْنَانِ عَلَى ذَلِكَ الِاسْمِ أَنْفَذَ الْقَاضِي عَلَيْهِ الْحُكْمَ فَإِنْ قَالَ: الْمَطْلُوبُ فِي هَذَا الْفَخِذِ أَوْ فِي هَذِهِ التِّجَارَةِ رَجُلٌ آخَرُ عَلَى هَذَا الِاسْمِ وَالنَّسَبِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَلَمْ تُدْفَعْ عَنْهُ الْخُصُومَةُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ.
وَإِنْ قَالَ: الْمَطْلُوبُ أَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ فِي هَذَا الْفَخِذِ أَوْ فِي هَذِهِ التِّجَارَةِ رَجُلٌ عَلَى هَذَا الِاسْمِ وَالنَّسَبِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ قَالَ: أَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ فِي هَذَا الْفَخِذِ أَوْ فِي هَذِهِ التِّجَارَةِ رَجُلٌ عَلَى هَذَا الِاسْمِ وَالنَّسَبِ تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَتَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ فِي هَذَا الْفَخِذِ أَوْ فِي هَذِهِ التِّجَارَةِ رَجُلٌ عَلَى هَذَا الِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَأَنَّهُ مَاتَ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْتُ فُلَانٍ بَعْدَ تَارِيخِ الْكِتَابِ وَشَهَادَةِ الشُّهُودِ بِالْحَقِّ فِي كِتَابِ الْقَاضِي الْآنَ يُقْبَلُ وَتَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ، وَإِنْ كَانَ الْكِتَابُ عَلَى مَيِّتٍ أَحْضَرَ الْقَاضِي بَعْضَ وَرَثَتِهِ وَسَمِعَ مِنْ الشُّهُودِ وَقَبِلَ الْكِتَابَ.
فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ مَالٌ مُؤَجَّلٌ وَسَأَلَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِذَلِكَ كِتَابًا فَإِنَّهُ يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ وَيَكْتُبُ لَهُ وَيَذْكُرُ فِيهِ الْأَجَلَ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ قَالَ: وَإِذَا ادَّعَى الْمَطْلُوبُ أَنَّ الطَّالِبَ قَدْ أَبْرَأَنِي عَنْ كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، أَوْ قَالَ: قَضَيْت الدَّيْنَ الَّذِي لَهُ عَلَيَّ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً، وَقَالَ لِلْقَاضِي: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقْدُمَ الْبَلْدَةَ الَّتِي فِيهَا الطَّالِبُ وَأَخَافَ أَنْ يَأْخُذَنِي بِالْمَالِ وَيَجْحَدَ الْإِبْرَاءَ وَالِاسْتِيفَاءَ وَشُهُودِي هَهُنَا، فَاسْمَعْ مِنْ شُهُودِي وَاكْتُبْ لِي إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مِنْ شُهُودِهِ؛ وَلَا يَكْتُبُ لَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَكْتُبُ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: جَحَدَنِي الِاسْتِيفَاءَ مَرَّةً وَخَاصَمَنِي مَرَّةً فَأَنَا أَخَافُ أَنْ يُخَاصِمَنِي مَرَّةً أُخْرَى فَاسْمَعْ مِنْ شُهُودِي فَاكْتُبْ إلَى قَاضِي ذَلِكَ الْبَلَدِ أَنَّهُ يَكْتُبُ.
وَمِنْ جِنْسِ مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ عَلَى الْغَائِبِ مَسْأَلَتَانِ أُخْرَيَانِ: أَحَدُهُمَا مَسْأَلَةُ الشُّفْعَةِ.
وَصُورَتُهَا رَجُلٌ قَالَ لِلْقَاضِي: إنِّي اشْتَرَيْت دَارًا وَفُلَانٌ الْغَائِبُ شَفِيعُهَا وَقَدْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ وَأَخَافُ أَنِّي إذَا ذَهَبْت ثَمَّةَ يَأْخُذُنِي بِالشُّفْعَةِ وَيُنْكِرُ التَّسْلِيمَ وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَيَكْتُبَ بِذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي قُلْنَا.
الثَّانِيَةُ مَسْأَلَةُ الطَّلَاقِ.
وَصُورَتُهَا امْرَأَةٌ قَالَتْ لِلْقَاضِي: طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا وَهُوَ فِي بَلْدَةِ كَذَا الْيَوْمَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَذْهَبَ إلَى تِلْكَ الْبَلْدَةِ، وَأَخَافُ أَنَّ زَوْجِي يُنْكِرُ طَلَاقِي فَاسْمَعْ مِنْ شُهُودِي وَاكْتُبْ لِي إلَى قَاضِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ، فَالْقَاضِي هَلْ يُجِيبُهَا؟ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا، فَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي حَضَرَ الْقَاضِي أَخْبَرَهُ عَنْ الْجُحُودِ وَالْخُصُومَةِ مَرَّةً سَمِعَ بَيِّنَتَهُ وَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ.
وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ أَبْرَأَ الْمَطْلُوبَ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ كَانَ الشَّفِيعُ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ عِنْدَ الْقَاضِي يَكْتُبُ مَا سَمِعَ مِنْهُمْ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ظَاهِرٌ قَالُوا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكْتُبَ.
وَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ بِعِلْمِهِ فَاعْلَمْ بِأَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ بِمَنْزِلَةِ قَضَائِهِ بِعِلْمِهِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِعِلْمِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ إلَّا أَنَّ فِي فَصْلِ الْكِتَابَةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي صُورَةٍ وَهُوَ مَا إذَا عَلِمَ بِالْحَادِثَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَقْضَى ثُمَّ اُسْتُقْضِيَ.
بَعْضُهُمْ قَالُوا: لَا يَكْتُبُ بِذَلِكَ الْعِلْمِ كَمَا لَا يَقْضِي بِذَلِكَ الْعِلْمِ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: يَكْتُبُ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فِي دَارٍ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ وَبِقَبْضِهَا أَوْ بِإِجَارَتِهَا وَأَرَادَ كِتَابَ الْقَاضِي فَالْقَاضِي يَكْتُبُ لَهُ فِي ذَلِكَ فَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ الْقَاضِي عَرَّفَ الْمُوَكِّلَ أَثْبَتَ مَعْرِفَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ يَكْتُبُ، وَقَدْ سَأَلْته الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا ثُمَّ يَكْتُبُ وَقَدْ وَكَّلَ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ يَذْكُرُ اسْمَ الْوَكِيلِ وَنَسَبَهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ رَسْمِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الدَّارِ يَكْتُبُ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الدَّارِ الَّتِي بِالْكُوفَةِ فِي بَنِي فُلَانٍ، وَإِذَا وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فِيهَا يَكْتُبُ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فِي دَارِهِ الَّتِي بِالْكُوفَةِ.
(فَالْحَاصِلُ) أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَذْكُرَ فِي الْكِتَابِ مَا يُوَكِّلُهُ بِهِ.
ثُمَّ إنْ كَانَ الْوَكِيلُ حَاضِرًا حَلَّاهُ زِيَادَةً فِي التَّعْرِيفِ، وَإِنْ تَرَكَ لَا يَضُرُّهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا بِالْكُوفَةِ يَكْتُبُ: وَكَّلَ رَجُلًا ذَكَرَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ، فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تَوْكِيلَ الْغَائِبِ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِعُلَمَائِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوَكِيلَ قَبْلَ قَبُولِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ كَمَا فِي تَوْكِيلِ الْحَاضِرِ، ثُمَّ إذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَالْقَاضِي يُحْضِرُ الَّذِي.
فِي يَدِهِ الدَّارُ وَيَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْكِتَابِ وَالْخَاتَمِ بِحَضْرَتِهِ وَيَفْتَحُ الْكِتَابَ بَعْدَ مَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَيَقْرَؤُهُ عَلَى الشُّهُودِ حَتَّى يَشْهَدُوا عَلَى مَا فِيهِ، وَبَعْدَ مَا ذُكِرَ سَأَلَ الْوَكِيلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فَإِنْ أَقَامَهَا سَأَلَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الدَّارُ عَنْ الدَّارِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِلْمُوَكِّلِ أَمَرَ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ وَإِنْ سَأَلَ الْوَكِيلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْكِتَابَةِ فَحَسَنٌ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَ الْوَكِيلَ أَوَّلًا بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ثُمَّ يَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْكِتَابِ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْوَكَالَةِ فِي الدَّوَابِّ وَالرَّقِيقِ وَالْعُرُوضِ الْوَدِيعَةِ وَالدَّيْنِ.
قَالَ: وَلِلْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ فِي الدَّارِ أَنْ يُخَاصِمَ مَنْ نَازَعَهُ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ التَّوْكِيلِ.
وَلَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ سَمَّى رَجُلًا بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ غَيْرَهُ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِالْإِجَارَةِ إلَّا أَنْ يُؤَاجِرَ الدَّارَ وَيَكُونَ خَصْمًا لِمَنْ أَجَّرَهَا مِنْهُ قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ بِمَهْرِهَا وَنَفَقَتِهَا وَكِيلًا وَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي كِتَابًا فِي ذَلِكَ فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَذْكُرَ فِي كِتَابِهِ: وَذَكَرَتْ أَنَّ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ مِنْ الْمَهْرِ كَذَا، وَقَدْ وَكَّلَتْ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ بِقَبْضِ ذَلِكَ مِنْ زَوْجِهَا وَبِالْخُصُومَةِ فِيهِ إنْ أَنْكَرَ.
وَإِنَّمَا يَكْتُبُ وَبِالْخُصُومَةِ فِيهِ؛ تَحَرُّزًا عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ، وَيَكْتُبُ أَيْضًا: وَكَّلَتْهُ بَطَلَتْ نَفَقَتُهَا مِنْ زَوْجِهَا وَبِالْخُصُومَةِ فِيهَا، فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الْقَاضِي يُحْضِرُ الزَّوْجَ وَيَسْأَلُ عَنْ.
الْمَهْرِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ، وَلَوْ كَانَتْ وَكَّلَتْهُ بِمَهْرِهَا وَبِالْخُصُومَةِ فِي نَفَقَتِهَا حَتَّى يَفْرِضَ لَهَا كُلَّ شَهْرٍ نَفَقَةً مُسَمَّاةً وَكُلَّ سَنَةٍ كِسْوَةً مُسَمَّاةً، فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لَمْ يَقْبَلْ الْبَيِّنَةَ إلَّا بِحَضْرَةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْخَصْمُ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ سَأَلَهُ عَنْ الْمَهْرِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَخَذَهُ مِنْهُ وَيَفْرِضُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ مَا يَصْلُحُهَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ بِكِتَابِ الْقَاضِي فَقَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ الْقَاضِي شَهَادَةَ الشُّهُودِ عَلَى الْكِتَابِ تَوَارَى الْخَصْمُ فِي الْبَلْدَةِ قِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى-: يَبْعَثُ مُنَادِيًا يُنَادِي عَلَى بَابِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اُخْرُجْ فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ نَصَبْت عَلَيْك وَكِيلًا وَقَضَيْت عَلَى الْوَكِيلِ.
وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُصَحِّحُوا هَذَا الْقَوْلَ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
قَالَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فِي عَيْبِ خَادِمٍ اشْتَرَاهُ وَأَخَذَ بِذَلِكَ كِتَابَ الْقَاضِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْخَادِمَ لَا يُرَدُّ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْتَظِرْ يَمِينَ الْمُوَكِّلِ وَرَدَّ بِالْعَيْبِ يَلْحَقُ بِالْبَائِعِ ضَرَرٌ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَلَا يَقَعُ التَّدَارُكُ بِالنُّكُولِ بِخِلَافِ فَصْلِ الدَّيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ هَهُنَا أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ الرَّدَّ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ.
وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْبَائِعُ رِضَا الْمُشْتَرِي، وَهَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ وَالْجَصَّاصُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ إلَّا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُشْتَرِي.
وَجْهُ مَا ذُكِرَ هُنَا أَنَّ عَلَى الْقَاضِي صِيَانَةَ قَضَائِهِ عَنْ النَّقْضِ وَجَمِيعِ أَنْوَاعِ الشُّبْهَةِ وَصِيَانَةَ حَقِّ الْعِبَادِ، وَذَلِكَ بِانْتِظَارِ يَمِينِ الْمُشْتَرِي وَاعْتَبَرَهُ بِمَا إذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ مَوْتِ الْبَائِعِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْتَحْلِفُ الْمُشْتَرِيَ بِاَللَّهِ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْوَارِثُ ذَلِكَ وَوَجْهُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ لَا لِإِنْشَائِهَا وَفِي الِاسْتِحْلَافِ بِدُونِ طَلَبِ الْمُدَّعِي إنْشَاءُ الْخُصُومَةِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ الْوَلِيُّ فِي بَابِ الْقِصَاصِ بِاَللَّهِ مَا عَفَا بِدُونِ طَلَبِ الْقَاتِلِ، وَالْقِصَاصُ مِمَّا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَأَنْ لَا يُسْتَحْلَفَ هَهُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ لِلنَّظَرِ لِلْبَائِعِ وَالْبَائِعُ قَادِرٌ عَلَى النَّظَرِ لِنَفْسِهِ بِأَنْ يَدَّعِيَ الرِّضَا عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ تَرَكَ الدَّعْوَى لَمْ يَنْظُرْ لِنَفْسِهِ فَلَا.
يُنْظَرُ لَهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اُسْتُشْهِدَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ عَاجِزٌ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَالْقَاضِي نُصِبَ نَاظِرًا لِكُلِّ مَنْ عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ، فَلِهَذَا يُسْتَحْلَفُ لَهُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَالْوَالِي عَلَى بَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ عَلَى نَاحِيَةٍ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ الْكِتَابَ الْحُكْمِيَّ فَإِنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ قَدْ وَلَّاهُ الْقَضَاءَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُوَلِّهِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْوَالِي قَلَّدَ إنْسَانًا وَأَجَازَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ هَلْ يُقْبَلُ كِتَابُ هَذَا الْقَاضِي يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ أَذِنَ لِهَذَا الْوَالِي بِالتَّقْلِيدِ قُبِلَ كِتَابُهُ وَمَا لَا فَلَا.
ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ إنْ كَتَبَ الْخَلِيفَةُ إلَى قُضَاتِهِ إذَا كَانَ الْكِتَابُ فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لَا يُقْبَلُ إلَّا بِالشَّرَائِطِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.
وَأَمَّا كِتَابُهُ أَنَّهُ وَلَّى فُلَانًا أَوْ عَزَلَ فُلَانًا فَيُقْبَلُ عَنْهُ بِدُونِ تِلْكَ الشَّرَائِطِ وَيَعْمَلُ بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إذَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ حَقٌّ وَيَمْضِي عَلَيْهِ، وَهُوَ نَظِيرُ كِتَابِ سَائِرِ الرَّعَايَا بِشَيْءٍ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ بِدُونِ تِلْكَ الشَّرَائِطِ وَيَعْمَلُ بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إذَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ حَقٌّ، كَذَا هُنَا.
قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلَا يُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى كِتَابِ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ لِذِمِّيٍّ عَلَى ذِمِّيٍّ.
وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَجُلٌ جَاءَ بِكِتَابِ قَاضٍ إلَى قَاضٍ آخَرَ وَقَبِلَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْكِتَابَ وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى الْكِتَابِ ثُمَّ قَدِمَ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْحَقِّ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ مِصْرَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَإِنَّ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ لَا يَعْمَلُ بِالْكِتَابِ وَيَأْمُرُ الطَّالِبَ أَنْ يُحْضِرَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ.
إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إذَا غَلَبَ الْخَوَارِجُ عَلَى بَلْدَةٍ وَاسْتَقْضَوْا عَلَيْهَا قَاضِيًا مِنْ أَهْلِ الْبَلْدَةِ فَكَتَبَ هَذَا الْقَاضِي كِتَابًا إلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ فَإِنْ كَانَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ يَعْلَمُ أَنَّ الشُّهُودَ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَ الْكَاتِبِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ لَا يَقْبَلُ الْكِتَابَ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الشُّهُودَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ قَبِلَ الْكِتَابَ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الشُّهُودَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْخَوَارِجِ لَا يَقْبَلُ الْكِتَابَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.