فصل: الْبَابُ الْخَامِسَ عَشَرَ فِي أَقْوَالِ الْقَاضِي وَمَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ وَمَا لَا يَفْعَلُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ فِيمَا يَقْضِي الْقَاضِي فِيهِ بِعِلْمِهِ وَمَا لَا يَقْضِي فِيهِ بِعِلْمِهِ:

وَفِي الْقَضَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ شَهَادَةِ الِاثْنَيْنِ الْقَاضِي إذَا عَلِمَ بِحَادِثَةٍ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا قَاضٍ فِي حَالِ قَضَائِهِ، ثُمَّ رُفِعَتْ إلَيْهِ تِلْكَ الْحَادِثَةُ وَهُوَ فِي قَضَائِهِ بَعْدُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا فِي الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْأَقْضِيَةِ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا عَلِمَ بِحَادِثَةٍ فِي حَالِ قَضَائِهِ وَفِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ، مِصْرَهُ لَا الْمَكَانَ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ لَا مَحَالَةَ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا عَلِمَ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا قَاضٍ فِي حَالِ قَضَائِهِ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ أَوْ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ قَضَائِهِ وَأَرَادَ بِمَجْلِسِ قَضَائِهِ الْمَكَانَ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ وَبِغَيْرِ مَجْلِسِ قَضَائِهِ الْمَكَانَ الَّذِي لَا يَقْضِي فِيهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
أَمَّا فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْوَلْوَالِجِيَّةِ نَحْوُ حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَيَقْضِي بِعِلْمِهِ قِيَاسًا وَلَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ اسْتِحْسَانًا وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إلَّا فِي السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ يَقْضِي بِعِلْمِهِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
إلَّا أَنَّهُ إذَا أُتِيَ بِالسَّكْرَانِ فَالْقَاضِي يُعَزِّرُهُ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَمَارَاتِ السُّكْرِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ حَدًّا.
وَأَمَّا إذَا عَلِمَ بِحَادِثَةٍ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ ثُمَّ اُسْتُقْضِيَ وَرُفِعَتْ إلَيْهِ تِلْكَ الْحَادِثَةُ وَهُوَ قَاضٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَقْضِي بِذَلِكَ الْعِلْمِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَقْضِي وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ عَلِمَ بِحَادِثَةٍ وَهُوَ قَاضٍ وَلَكِنْ هُوَ فِي مِصْرٍ هُوَ لَيْسَ بِقَاضٍ فِيهِ ثُمَّ حَضَرَ مِصْرَهُ الَّذِي هُوَ قَاضٍ فِيهِ ثُمَّ رُفِعَتْ إلَيْهِ تِلْكَ الْحَادِثَةُ وَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ بِذَلِكَ الْعِلْمِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي مَرَّ.
وَلَوْ عَلِمَ بِحَادِثَةٍ وَهُوَ قَاضٍ وَلَكِنْ فِي رَسَاتِيقِ الْمِصْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ قَاضٍ ثُمَّ دَخَلَ الْمِصْرَ وَرُفِعَتْ إلَيْهِ تِلْكَ الْحَادِثَةُ لَا شَكَّ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا يَقْضِي بِذَلِكَ الْعِلْمِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ بَعْضُهُمْ قَالَ: إذَا لَمْ يَكُنْ مُقَلَّدًا عَلَى الْقُرَى حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي الْمِصْرِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي الْقُرَى لَا يَقْضِي بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ عَلِمَ بِحَادِثَةٍ فِي مِصْرٍ هُوَ لَيْسَ بِقَاضٍ فِيهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِصْرِهِ الَّذِي هُوَ قَاضٍ فِيهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُقَلَّدًا عَلَى الْقُرَى بِأَنْ كَانَ فِي مَنْشُورِ تَقْلِيدِ الْبَلْدَةِ وَنَوَاحِيهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ، وَهَذَا الْقَوْلُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الْمِصْرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنْ كَانَ مُقَلَّدًا عَلَى الْقُرَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِذَلِكَ الْعِلْمِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الْقَوْلُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الْمِصْرَ شَرْطٌ لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْمُنْتَقَى.
وَمَا سَمِعَ خَارِجًا مِنْ الْمِصْرِ فِي.
أَيِّ وَجْهٍ خَرَجَ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَرَجَ لِلْعِيدَيْنِ، وَكَأَنَّهُ سَمِعَ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ وَهَذَا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا إذَا عَلِمَ وَهُوَ قَاضٍ فِي مِصْرٍ ثُمَّ عُزِلَ عَنْ الْقَضَاءِ ثُمَّ أُعِيدَ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ يَقْضِي بِذَلِكَ الْعِلْمِ لَا شَكّ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا يَقْضِي، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَقْضِي وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَاكِمٍ أَخْبَرَ بِإِعْتَاقِ رَجُلٍ عَبْدَهُ، أَوْ بِطَلَاقِ رَجُلٍ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَالَ: إنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ عَدْلَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي طَلَبِ ذَلِكَ أَشَدَّ الطَّلَبِ حَتَّى يَظْفَرَ بِهِ وَيَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ يُرِيدُ بِهَذَا إذَا أَخْبَرَ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَ عَبْدَهُ ثُمَّ اسْتَرَقَّهُ، أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَلَا يُعْزَلُ عَنْهَا وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ وَاحِدًا عَدْلًا وَكَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فَالْأَفْضَلُ فِي ذَلِكَ طَلَبُهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ فِي سِعَةٍ مِنْهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

.الْبَابُ الثَّالِثَ عَشَرَ فِي الْقَاضِي يَجِدُ فِي دِيوَانِهِ شَيْئًا لَا يَحْفَظُهُ وَفِي نِسْيَانِهِ قَضَاءَهُ وَفِي الشَّاهِدِ يَرَى شَهَادَتَهُ وَلَا يَحْفَظُ:

إذَا قَضَى الْقَاضِي بِقَضِيَّةٍ وَأَتَى عَلَى ذَلِكَ زَمَانٌ ثُمَّ احْتَاجَ الْمَقْضِيُّ لَهُ إلَى تِلْكَ الْقَضِيَّةِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ عِنْدَ ذَلِكَ الْقَاضِي إنَّك قَدْ قَضَيْت لِهَذَا عَلَى هَذَا بِكَذَا وَالْقَاضِي لَا يَتَذَكَّرُ ذَلِكَ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْقَاضِي لَا يَقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَلَا يَقْضِي إلَّا بِمَا حَفِظَ، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوَّلًا يَقُولُ: الْقَاضِي يَقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةَ ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ: لَا يَقْبَلُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُمَا إذَا لَمْ يُبَيِّنَا الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِأَنْ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّك قَضَيْت لِهَذَا بِكَذَا وَلَمْ يَقُولَا عَلَى مَنْ قَضَيْت: إنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمَا، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
إذَا وَجَدَ الْقَاضِي شَهَادَةَ شُهُودٍ فِي دِيوَانِهِ أَيْ فِي خَرِيطَةٍ مَخْتُومَةٍ بِخَتْمِ الْقَاضِي وَالشَّهَادَةُ مَكْتُوبَةٌ بِخَطِّهِ أَوْ بِخَطِّ نَائِبِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَذَكَّرُ تِلْكَ الشَّهَادَةَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَقْضِي بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَقْضِي وَكَذَلِكَ إذَا وَجَدَ سِجِلًّا فِي خَرِيطَةٍ وَالْخَرِيطَةُ مَخْتُومَةٌ بِخَتْمِهِ وَالسِّجِلُّ مَكْتُوبٌ بِخَطِّهِ أَوْ بِخَطِّ نَائِبِهِ؛ فَالْقَاضِي لَا يُمْضِي ذَلِكَ السِّجِلَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا يُمْضِي، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
لَوْ تَقَدَّمَ رَجُلٌ إلَى الْقَاضِي وَمَعَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّك قَضَيْت لِي عَلَى هَذَا الرَّجُلِ بِكَذَا مِنْ الْمَالِ أَوْ بِضَيْعَةِ كَذَا أَوْ بِحَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ وَالْقَاضِي لَمْ يَذْكُرْ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ شُهُودًا عُدُولًا يَشْهَدُونَ أَنَّ الْقَاضِيَ أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ قَضَى لِهَذَا الْمُدَّعِي عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي مَعَهُ بِالْحَقِّ الَّذِي ادَّعَاهُ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ وَلَا يَقْضِي بِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَوَاهُ عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَبِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَإِذَا وَجَدَ الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ مَكْتُوبَةً بِخَطِّهِ وَلَا يَتَذَكَّرُ الْحَادِثَةَ فَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ هَذَا الْفَصْلَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي مَرَّ ذِكْرُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ وَعَلَى قَوْل مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَفِي الْوَلْوَالِجِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمُخَالِفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي النَّوَازِلِ وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ شَاهِدٍ عَلَى إقْرَارِ رَجُلٍ يَقُولُ: أَعْرِفُ خَطِّيَّ وَأَعْرِفُ الرَّجُلَ غَيْرَ أَنِّي لَا أَذْكُرُ الْوَقْتَ وَالْمَكَانَ قَالَ: إذَا عَلِمَ أَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى ذَلِكَ وَعَرَفَ الْمُقِرَّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَلَوْ كَانَ أُمِّيًّا وَكَتَبَ لَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ رِوَايَةُ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا وَجَدَ الرَّجُلُ سَمَاعَهُ مَكْتُوبًا فِي مَوْضِعٍ لَكِنْ لَا يَتَذَكَّرُ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا لَهُ أَنْ يَرْوِيَ فَشَرْطُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَحْفَظَ الْحَدِيثَ مِنْ حِينِ سَمِعَ إلَى أَنْ يَرْوِيَ وَعِنْدَهُمَا الْحِفْظُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
ذَكَرَ الْخَصَّافُ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَوْ ضَاعَ مَحْضَرُ رَجُلٍ مِنْ دِيوَانِ الْقَاضِي وَفِيهِ شَهَادَةُ شُهُودٍ لَهُ بِحَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ وَالْقَاضِي لَا يَذْكُرُ ذَلِكَ فَشَهِدَ كَاتِبَاهُ عَلَى قَضَائِهِ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ شَهِدُوا عِنْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ.
فَرْقٌ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا ضَاعَ سِجِلٌّ مِنْ دِيوَانِ الْقَضَاءِ فَشَهِدَ كَاتِبَاهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ أَمْضَى ذَلِكَ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِرَجُلٍ فَشَهِدَ الْكَاتِبَانِ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ هَذَا أَقَرَّ عِنْدَك لِهَذَا بِكَذَا وَقَدْ سَمِعْنَاهُ قَبِلَ الْقَاضِي وَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا وَمَا وَجَدَ الْقَاضِي فِي دِيوَانِ قَاضٍ كَانَ قَبْلَهُ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَعْمَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُنَفِّذُهُ حَتَّى يَسْتَقْبِلُوا الْخُصُومَةَ عِنْدَهُ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِمَا يَجِدُ فِي دِيوَانِ قَاضٍ قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ مَخْتُومًا، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
وَلَوْ أَنَّ قَاضِيًا عُزِلَ عَنْ الْقَضَاءِ ثُمَّ رُدَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ فِي دِيوَانِهِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقَضَاءِ لِإِنْسَانٍ عَلَى إنْسَانٍ إذَا لَمْ يَذْكُرْ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ ذَكَرَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا لَهُمَا، فَأَمَّا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِحَقٍّ عِنْدَهُ لِإِنْسَانٍ عَلَى إنْسَانٍ فَقَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ بِهَا عُزِلَ ثُمَّ أُعِيدَ إلَى الْقَضَاءِ فَرُفِعَتْ إلَيْهِ تِلْكَ الْخُصُومَةُ، فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ يُكَلَّفُ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ تَذَكَّرَ أَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

.الْبَابُ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي الْقَاضِي يَقْضِي بِقَضِيَّةٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهَا وَفِي وُقُوعِ الْقَضَاءِ بِغَيْرِ حَقٍّ:

إذَا قَضَى الْقَاضِي بِقَضِيَّةٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهَا فَإِنْ كَانَ الَّذِي قَضَى بِهِ خَطَأً لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْفُقَهَاءُ رَدَّهُ لَا مَحَالَةَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْفُقَهَاءُ أَمْضَاهُ لَا مَحَالَةَ وَقَضَى فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِمَا يَرَى، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
وَاعْلَمْ بِأَنَّ التَّحَوُّلَ مِنْ رَأْيٍ إلَى رَأْيٍ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ جَائِزٌ.
ثُمَّ قَضَاءُ الْقَاضِي إذَا وَقَعَ بِخِلَافِ الْحَقِّ لَا يَخْلُو عَنْ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ أَخْطَأَ فِيمَا قَضَى أَوْ تَعَمَّدَ الْجَوْرَ فِيمَا يَقْضِي وَأَقَرَّ بِذَلِكَ فَإِنْ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، فَإِنْ أَخْطَأَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ إنْ أَمْكَنَ التَّدَارُكُ وَالرَّدُّ بِأَنْ قَضَى بِمَالٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ ثُمَّ ظَهَرَ خَطَؤُهُ بِأَنْ ظَهَرَ بِأَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي الْقَذْفِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ ذَلِكَ الْقَضَاءُ وَيَرُدُّ الْعَبْدَ رَقِيقًا وَيَرُدُّ الْمَرْأَةَ إلَى زَوْجِهَا وَيَرُدُّ الْمَالَ إلَى مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ وَإِنْ أَخْطَأَ فِيمَا لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بِأَنْ كَانَ قَضَى بِالْقِصَاصِ وَاسْتُوْفِيَ لَا يَقْتُلُ الْمَقْضِيَّ لَهُ بِالْقِصَاصِ وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ قُتِلَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَتَصِيرُ صُورَةُ الْقَضَاءِ شُبْهَةً مَانِعَةً مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَلَكِنْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْمَقْضِيِّ، لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا ظَهَرَ خَطَأُ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارٍ مِنْ الْمَقْضِيِّ لَهُ فَأَمَّا إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِ الْقَاضِي لَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَقْضِيِّ لَهُ حَتَّى لَا يَبْطُلَ قَضَاؤُهُ فِي حَقِّ الْمَقْضِيِّ لَهُ، وَهُوَ نَظِيرُ الشَّاهِدِ إذَا رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ لَا يَعْمَلُ رُجُوعُهُ فِي حَقِّ الْمَقْضِيِّ لَهُ حَتَّى لَا يَنْقُضَ الْقَضَاءَ وَلَكِنَّ الشَّاهِدَ يَضْمَنُ كَذَا هُنَا، وَإِنْ أَخْطَأَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ قَضَى بِحَدِّ الزِّنَا أَوْ بِحَدِّ السَّرِقَةِ أَوْ بِحَدِّ شُرْبِ الْخَمْرِ وَاسْتُوْفِيَ الْقَطْعُ وَالرَّجْمُ وَالْحَدُّ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي الْقَذْفِ فَضَمَانُ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي تَعَمَّدَ الْجَوْرَ فِيمَا قَضَى وَأَقَرَّ بِهِ فَالضَّمَانُ فِي مَالِهِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا.
بِالْجِنَايَةِ وَالْإِتْلَافِ، وَيُعَزَّرُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ لِارْتِكَابِهِ الْجَرِيمَةَ الْعَظِيمَةَ، قَالَ: وَيُعْزَلُ عَنْ الْقَضَاءِ.
وَلَمْ يَقُلْ: وَيَنْعَزِلُ عَنْ الْقَضَاءِ فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ بِمُجَرَّدِ الْفِسْقِ لَا يَنْعَزِلُ وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

.الْبَابُ الْخَامِسَ عَشَرَ فِي أَقْوَالِ الْقَاضِي وَمَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ وَمَا لَا يَفْعَلُ:

ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ: أَقَرَّ فُلَانٌ عِنْدِي بِكَذَا لِيَقْضِيَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ قَتْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ طَلَاقٍ حَتَّى يَشْهَدَ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ رَجُلٌ عَدْلٌ، قَالَ: وَلَا أُقِيمُ حَدًّا عَلَى أَحَدٍ بِقَوْلِ قَاضٍ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا حَتَّى يَقُولَ مَعَهُ الرَّجُلُ الْعَدْلُ، فَإِذَا كَانَ الْقَاضِي عِنْدِي عَدْلًا وَالشَّاهِدُ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ عَدْلًا وَسِعَنِي أَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَا غَيْرَ عَادِلَيْنِ لَمْ نُصَدِّقْ قَوْلَهُمَا وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَاكِمُ هُوَ الَّذِي وَلِيَ قَطْعَ يَدِ هَذَا بِإِقْرَارٍ زَعَمَ مِنْهُ عِنْدَهُ كَانَ فِي الْقِيَاسِ أَنْ أَقْطَعَ يَدَهُ بِيَدِهِ وَلَكِنِّي أَدْرَأُ عَنْهُ الْقِصَاصَ لِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي: أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا، نَافِذٌ عَلَيْهِ، قَالَ: وَأَجْعَلُ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ عَلَيْهِ هَذَا جُمْلَةُ مَا ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ إخْبَارَ الْقَاضِي عَنْ إقْرَارِ رَجُلٍ بِشَيْءٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْإِخْبَارُ عَنْ إقْرَارِهِ بِشَيْءٍ يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ كَالْحَدِّ فِي بَابِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاضِي بِالْإِجْمَاعِ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْإِخْبَارُ عَنْ إقْرَارِهِ بِشَيْءٍ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ الَّتِي هِيَ لِلْعِبَادِ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ قَبْلَ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: مَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَوَّلًا، وَمَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ فَهُوَ قَوْلُهُ آخِرًا ثُمَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَقَعَتْ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ مُطْلَقَةً وَفِي بَعْضِهَا مُقَيَّدَةً فَفِي بَعْضِهَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَفِي بَعْضِهَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ عَدْلٌ آخَرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا أَخَذُوا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي زَمَانِنَا وَذَكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رُجُوعَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَكَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الزَّاهِدُ إمَامُ الْهُدَى أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ يَجْعَلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وُجُوهٍ: إنْ كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا عَدْلًا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ عَالِمٍ يَسْتَفْسِرُ إنْ أَحْسَنَ ذَلِكَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَاسِقًا أَوْ فَاسِقًا غَيْرَ جَاهِلٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ السَّبَبَ.
وَأَنْكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ.
وَقَالَ: مَعَ جَهْلِهِ أَوْ فِسْقِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ أَصْلًا هَذَا إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِي عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِالْإِقْرَارِ وَأَمَّا إذَا أَخْبَرَ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ بِأَنْ قَالَ: قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ عِنْدِي، وَعَدَلُوا.
وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ قُبِلَ قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَ الْخَصْمِ ثَمَّةَ يَعْمَلُ وَهَهُنَا رُجُوعُ الْخَصْمِ لَا يَعْمَلُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِي عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ قَاضٍ، فَأَمَّا إذَا أَخْبَرَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَ الْعَزْلِ وَصُورَتُهُ إذَا عُزِلَ الْقَاضِي فَجَاءَ رَجُلٌ وَخَاصَمَهُ إلَى الْقَاضِي الْمُقَلَّدِ، وَقَالَ إنَّهُ دَفَعَ مَالِي وَذَلِكَ كَذَا وَكَذَا إلَى هَذَا بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ قَالَ: إنَّهُ قَتَلَ وَلِيِّي فُلَانًا وَهُوَ قَاضٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَالَ الْمَعْزُولُ: فَعَلْت مَا فَعَلْت بِقَضَاءٍ قَضَيْته عَلَيْهِ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ فَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَهُوَ قَاضٍ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ بَعْدَ الْعَزْلِ، وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ كَانَتْ الْعَيْنُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا الْخُصُومَةُ قَائِمَةً، أَوْ هَالِكَةً.
وَفِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاضِي، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ لِرَجُلٍ: قَضَيْتُ عَلَيْك لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ وَأَخَذْتهَا مِنْك وَدَفَعْتهَا إلَيْهِ حِينَ مَا كُنْت قَاضِيًا، وَقَالَ الرَّجُلُ: لَا بَلْ أَخَذْتهَا بَعْدَ الْعَزْلِ ظُلْمًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي عَلَى الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ، وَهَلْ يُنْزَعُ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِنْ يَدِ الْمَقْضِيِّ لَهُ إنْ كَانَ قَائِمًا فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ يَقُولُ: هَذِهِ الْعَيْنُ مِلْكِي مِنْ الْأَصْلِ لَمْ آخُذْهَا مِنْ هَذَا وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ لِي بِهَا لَا تُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ.
وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ يَقُولُ: هَذِهِ الْعَيْنُ مِلْكِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ قَضَى لِي بِهَا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ حَالَ كَوْنِهِ قَاضِيًا تُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ وَتُسَلَّمُ إلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي: وَلِلْقَاضِي أَنْ يُقْرِضَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى، وَهَذَا مَذْهَبُنَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرِضَ قَوْمًا ثِقَاتٍ قَالَ: وَشَرْطُ الثِّقَةِ شَيْئَانِ الْمُلَاءَةُ وَحُسْنُ الْخُرُوجِ عَنْ مُعَامَلَةِ النَّاسِ وَحُقُوقِهِمْ وَأَنْ لَا يَكُونَ لَجُوجًا، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا شَرَطُوا شَرْطًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَلَهُ دَارٌ يَسْكُنُهَا، وَلَا يَكُونُ غَرِيبًا صَاحِبَ حُجْرَةٍ وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْقَاضِي الْإِقْرَاضَ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَشْتَرِي بِهِ لِلْيَتِيمِ مَا يَكُونُ لِلْيَتِيمِ مِنْهُ غَلَّةٌ، أَمَّا إذَا وَجَدَ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الشِّرَاءُ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ إذَا وَجَدَ مَنْ يَدْفَعُ إلَيْهِ مَالَهُ مُضَارَبَةً قَالَ هِشَامٌ: فَذَكَرْنَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَمْوَالٍ تَجْتَمِعُ لِلْأَيْتَامِ عِنْدَ الْقَاضِي أَيُّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لِلْقَاضِي دَفْعُهَا بِوَدِيعَةٍ أَوْ بِضَمَانٍ.
فَأَخْبَرَنَا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَابْنَ أَبِي لَيْلَى وَأَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى كَانُوا يَرَوْنَ أَنْ يَدْفَعَهَا بِضَمَانٍ، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كَانَ الَّذِي يَضْمَنُ يُوَفِّي فِي الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَقْرِضَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَلَا يَشْتَرِيهِ، وَرَوَى أَنَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ خَيْرٌ جَازَ وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ أَنَّ قَاضِيًا بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ بِنَفْسِهِ أَوْ أَوْدَعَ مَالَ يَتِيمٍ أَوْ بَاعَ أَمِينُهُ بِأَمْرِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ هَذَا الْقَاضِي وَاسْتَقْضَى غَيْرَهُ فَشَهِدَ عِنْدَهُ قَوْمٌ أَنَّهُمْ سَمِعُوا الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ يَقُولُ: اسْتَوْدَعْتُ فُلَانًا مَالَ فُلَانٍ الْيَتِيمِ، أَوْ يَقُولُ: بِعْتُ فُلَانًا مَالَ فُلَانٍ الْيَتِيمِ بِكَذَا وَكَذَا فَجَحَدَ فُلَانٌ ذَلِكَ؛ قَالَ: يَقْبَلُ الْقَاضِي الثَّانِي هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَيُؤَاخَذُ الْمُسْتَوْدَعُ وَالْمُشْتَرِي بِالْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ قَضَاؤُهُ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ.
وَفِي مُخْتَصَرِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَلَوْ دَفَعَ الْقَاضِي مَالَ الْيَتِيمِ إلَى تَاجِرٍ فَجَحَدَهُ التَّاجِرُ قَضَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَصَدَّقَ الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ مَالَ مَيِّتٍ فَجَحَدَهُ الْمُشْتَرِي أَمْضَى عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَإِذَا قَبَضَ الْقَاضِي مَالَ يَتِيمٍ أَوْ غَائِبٍ وَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَعْلَمُ أَيْنَ هُوَ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى قَوْمٍ وَلَا يَدْرِي إلَى مَنْ دَفَعَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْقَاضِي: دَفَعْتُ إلَى وَلِيٍّ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْأَيْتَامِ، وَلَا أَدْرِي إلَى مَنْ دَفَعْتُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا مِنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ: أَوْدَعْتُ مَالَ الْيَتِيمِ فُلَانًا أَوْ بِعْتُهُ مِنْهُ بِكَذَا؛ أَخَذَهُ بِهِ.
وَلَوْ ادَّعَى الْمُودَعُ الرَّدَّ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي الْبَيْعِ إذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ بِعَيْبٍ فَادَّعَى الْقَاضِي الْبَرَاءَةَ يُصَدَّقُ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَلَوْ بَلَغَ الصَّغِيرُ وَضَمِنَ لَهُ الْقَاضِي ثَمَنَ مَا بَاعَ جَازَ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ أَمِينُهُ وَضَمِنَ الثَّمَنَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَيْهِ وَلَوْ بَاعَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ وَضَمِنَ الثَّمَنَ لِلْقَاضِي أَوْ الْيَتِيمِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يَجُزْ، كَذَا فِي الْعَتَّابِيَّةِ.
وَفِي الْقُنْيَةِ.
الْقَاضِي إذَا خَلَطَ مَالَ الصَّغِيرِ بِمَالِهِ لَا يَضْمَنُ، وَقَالَ (قض) لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ مِنْ وَالِدِهِ إذَا كَانَ مُسْرِفًا وَيَضَعَهُ عِنْدَ عَدْلٍ إلَى أَنْ يَبْلُغَ، كَذَا فِي شَرْحِ أَبِي الْمَكَارِمِ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ أَوَّلَ كِتَابِ اللُّقَطَةِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ إقْرَاضِ اللُّقَطَةِ مِنْ الْمُلْتَقَطِ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ إقْرَاضِ مَالِ الْغَائِبِ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةَ بَيْعِ مَالِ الْغَائِبِ إذَا خَافَ التَّلَفَ، وَلَكِنْ إنَّمَا يَبِيعُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَكَانِ الْغَائِبِ وَفِي الْإِبَانَةِ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا، وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْقَاضِي يَبِيعُ عَبْدَ الْمَفْقُودِ وَمَنْقُولَهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيعَ عَقَارَهُ، وَلَوْ بَاعَ جَازَ.
وَالْقَاضِي إذَا بَاعَ عَلَى الْأَيْتَامِ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ آلَافٍ بِأَلْفٍ وَكَبِرَ الْوَرَثَةُ وَرَفَعُوا إلَى آخَرَ وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ يُفْسَخُ الْبَيْعُ، وَلَوْ فُسِخَ وَكَتَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي الْأَوَّلُ أَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْبَيْعِ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ الْفَسْخِ، وَلَوْ كَانَ الْكِتَابُ قَبْلَ الْفَسْخِ وَهُوَ قَاضٍ يَقْبَلُ وَلَا تُعْتَبَرُ بَيِّنَةُ الْأَيْتَامِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَفِي النَّاصِرِيِّ وَلَوْ مَاتَ وَلَا يُعْلَمُ لَهُ وَارِثٌ فَبَاعَ الْقَاضِي دَارِهِ يَجُوزُ وَلَوْ ظَهَرَ الْوَارِثُ فَالْبَيْعُ مَاضٍ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
إذَا وَكَّلَ الْقَاضِي رَجُلًا بِبَيْعِ دَارِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي لِوَكِيلِهِ وَلَا لِوَكِيلِ وَكِيلِهِ وَلَا لِوَكِيلِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَالْقَضَاءُ لِنَفْسِهِ وَعَلَى نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَفِي الْمُنْتَقَى ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَسَبِيلُ الْقَاضِي أَنْ يَرُدَّ الْخُصُومَةَ إلَى الصُّلْحِ إذَا لَمْ يَسْتَبِنْ لَهُ فَصْلُ الْقَضَاءِ وَإِذَا اسْتَبَانَ لَهُ فَصْلُ الْقَضَاءِ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يَقْضِي وَلَا يَرُدُّهُمْ إلَى الصُّلْحِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ إذَا طَمِعَ فِي الصُّلْحِ حَالَ اسْتِبَانَةِ وَجْهَ الْقَضَاءِ رَدَّهُمْ إلَى الصُّلْحِ وَلَا يَقْضِي مَا لَمْ يَيْأَسْ عَنْ الصُّلْحِ.
وَذَكَرَ آخِرَ أَدَبِ الْقَاضِي: وَإِذَا طَمِعَ الْقَاضِي فِي إصْلَاحِ الْخَصْمَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَرُدَّهُمْ وَلَا يُنَفِّذَ الْحُكْمَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُمْ بِأَكْثَرَ مِنْ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ فِي الصُّلْحِ أَنْفَذَ الْقَضَاءَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ أَنْفَذَ الْقَضَاءَ بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرُدَّهُمْ فَهُوَ فِي سِعَةٍ مِنْهُ يُرِيدُ بِهِ وَإِنْ طَمِعَ فِي الصُّلْحِ.
وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ إذَا كَانَ الْقَاضِي يَتَوَلَّى الْقِسْمَةَ بِنَفْسِهِ حَلَّ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ وَكُلُّ نِكَاحٍ بَاشَرَهُ الْقَاضِي وَقَدْ وَجَبَتْ مُبَاشَرَتُهُ عَلَيْهِ كَنِكَاحِ الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ، وَمَا لَمْ تَجِبْ مُبَاشَرَتُهُ عَلَيْهِ حَلَّ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهِ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّهُ إذَا عَقَدَ بِكْرًا يَأْخُذُ دِينَارًا وَفِي الثَّيِّبِ نِصْفَ دِينَارٍ وَيَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ هَكَذَا قَالُوا، كَذَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ.
وَإِذَا أَذِنَ بِبَيْعِ مَالِ الْيَتِيمِ لِمَصْلَحَةِ الْيَتِيمِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَجْرَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ لِأَجْلِ هَذَا الْإِذْنِ، وَلَوْ أَخَذَ وَأَذِنَ بِالْبَيْعِ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ.
غَرِيبٌ مَاتَ فِي بَلْدَةٍ وَتَرَكَ أَمْوَالًا فَقَاضِي الْبَلْدَةِ يَتَرَبَّصُ مُدَّةً يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ لَحَضَرَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، فَإِذَا تَرَبَّصَ مِثْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَمْ يَحْضُرْ لَهُ وَارِثٌ يَضَعْهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيَصْرِفْهَا إلَى الْقَنَاطِرِ وَنَفَقَةِ الْأَيْتَامِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَإِذَا حَضَرَ الْوَارِثُ بَعْدَمَا صَرَفَهَا إلَى هَذِهِ الْمَصَارِفِ يَقْضِي حَقَّهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ قَالَ فِي الْأَصْلِ: إذَا ارْتَابَ الْقَاضِي فِي أَمْرِ الشُّهُودِ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ وَلَا يَسَعُهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَيَسْأَلُهُمْ أَيْضًا أَيْنَ كَانَ هَذَا وَمَتَى كَانَ هَذَا؟ وَيَكُونُ هَذَا السُّؤَالُ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ هَذَا عَلَى الشُّهُودِ فِي الْأَصْلِ فَإِذَا فَرَّقَهُمْ فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا يُفْسِدُ الشَّهَادَةَ رَدَّهَا وَإِنْ كَانَ لَا يُفْسِدُهَا لَا يَرُدَّهَا، وَإِنْ كَانَ يَتَّهِمُهُمْ فَالشَّهَادَةُ لَا تُرَدُّ بِمُجَرَّدِ التُّهْمَةِ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إذَا اتَّهَمْتُ الشُّهُودَ فَرَّقْتُ بَيْنَهُمْ وَلَا أَلْتَفِتُ إلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ وَعَدَدِ مَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَلَا إلَى اخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ فِي الْأَقْوَالِ، وَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَفْعَالِ فَالِاخْتِلَافُ فِي الْمَوَاضِعِ اخْتِلَافٌ فِي الشَّهَادَةِ.
قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إذَا أَتَّهَمْتُهُمْ وَرَأَيْتُ الرِّيبَةَ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ شُهُودُ الزُّورِ أُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ وَأَسْأَلُهُمْ عَنْ الْمَوَاضِعِ وَالثِّيَابِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَهَذَا عِنْدِي اخْتِلَافٌ أُبْطِلُ بِهِ الشَّهَادَةَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

.الْبَابُ السَّادِسَ عَشَرَ فِي قَبْضِ الْمَحَاضِرِ مِنْ دِيوَانِ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ:

وَمَنْ قُلِّدَ الْقَضَاءَ يَسْأَلُ، أَيْ أَوَّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ هَذَا وَهُوَ أَنْ يَسْأَلَ أَيْ يَطْلُبَ مِنْ الْقَاضِي الْمُنْعَزِلِ دِيوَانَهُ وَيَنْظُرَ فِي حَالِ الْمَحْبُوسِينَ وَيَبْعَثَ إلَى السِّجْنِ مَنْ يُحْصِيهِمْ وَيَأْتِيهِ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَخْبَارِهِمْ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْقَاضِي الْمُقَلَّدُ يَبْعَثُ رَجُلَيْنِ مِنْ ثِقَاتِهِ وَوَاحِدٌ يَكْفِي وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ فَيَقْبِضَانِ مِنْ الْمَعْزُولِ دِيوَانَهُ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ وَدِيوَانُ الْقَاضِي خَرِيطَتُهُ الَّتِي فِيهَا الصُّكُوكُ وَالْمَحَاضِرُ وَنُصَبُ الْأَوْصِيَاءِ وَالْقِوَامُ فِي الْأَوْقَافِ وَتَقْدِيرُ النَّفَقَاتِ وَمَا يُشَاكِلُهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
ثُمَّ إذَا قُبِضَ دِيوَانُ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ فَنُسَخُ السِّجِلَّاتِ تُجْمَعُ فِي خَرِيطَةٍ وَالصُّكُوكُ تُجْمَعُ فِي خَرِيطَةٍ وَالْمَحَاضِرُ فِي خَرِيطَةٍ، وَكَذَلِكَ نُصُبُ الْأَوْصِيَاءِ وَنُسْخَةُ قِيَمِ الْأَوْقَاتِ فَيَجْمَعَانِ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ فِي خَرِيطَةٍ وَيَسْأَلَانِ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ شَيْئًا فَشَيْئًا لِيَنْكَشِفَ لَهُمَا مَا أُشْكِلَ عَلَيْهِمَا وَمَتَى قُبِضَ ذَلِكَ يَجْمَعَانِ عَلَى ذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَيَأْخُذَانِ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ يَبْعَثُ أَمِينَيْنِ لِيُسَلِّمَا الدِّيوَانَ إلَى أَمِينَيْ الْمُقَلَّدِ وَسَأَلَ أَمِينَا الْمُقَلَّدِ مِنْ أَمِينَيْ الْمَعْزُولِ شَيْئًا فَشَيْئًا لِيَنْكَشِفَ لَهُمَا مَا أُشْكِلَ عَلَيْهِمَا، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ وَإِذَا قَبَضَا دِيوَانَهُ يَقْبِضَانِ الْوَدَائِعَ وَأَمْوَالَ الْيَتَامَى أَيْضًا، وَيَكُونُ عِنْدَ الْمُقَلَّدِ وَيَأْخُذَانِ أَسْمَاءَ الْمَحْبُوسِينَ أَيْضًا فَالْقَاضِي إذَا حَبَسَ رَجُلًا بِحَقٍّ يَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَالسَّبَبَ الَّذِي لِأَجْلِهِ حَبَسَهُ وَتَارِيخَ الْحَبْسِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ فِي تَذْكِرَتِهِ تَارِيخَ الْحَبْسِ.
مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ لَا مِنْ وَقْتِ عَمَلِهِ وَيَسْأَلَانِ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ عَنْ الْمَحْبُوسِينَ وَأَسْبَابِ الْحَبْسِ، وَيَسْأَلُ الْمَحْبُوسِينَ عَنْ أَسْبَابِ الْحَبْسِ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خُصُومِهِمْ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَحْبُوسِينَ جَمَاعَةٌ لَمْ يَحْضُرْ لَهُمْ خَصْمٌ.
وَقَالُوا: حُبِسْنَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَالْقَاضِي الْمُقَلَّدُ لَا يُطْلِقُهُمْ وَيَأْمُرُ مُنَادِيًا بِالنِّدَاءِ إنَّا وَجَدْنَا فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا مَحْبُوسِينَ فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلْيَأْتِنَا فَإِنْ حَضَرَ رَجُلٌ فَصَلَ الْخُصُومَةَ بَيْنَهُمْ عَلَى وَجْهِهَا وَإِلَّا أَطْلَقَهُمْ بِكَفِيلٍ وَتَقْدِيرُ مُدَّةِ النِّدَاءِ وَالْمُدَّةِ الَّتِي يَسَعُ فِيهَا الطَّلَاقُ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي قِيلَ: مَا ذُكِرَ هَهُنَا مِنْ أَخْذِ الْكَفِيلِ قَوْلَهُمْ.
أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَأْخُذُ، قَالَ: الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: يَأْخُذُ الْكَفِيلَ هَهُنَا عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
الصَّحِيحُ أَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ هَهُنَا بِالِاتِّفَاقِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ.
ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّ الْحَبْسَ (أَنْوَاعٌ):
أَحَدُهَا الْحَبْسُ بِالدَّيْنِ وَأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى فُصُولٍ:
(الْأَوَّلُ) إذَا قَالَ الْمَحْبُوسُ: حُبِسْتُ بِدَيْنِ فُلَانٍ أَقْرَرْتُ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ، فَالْقَاضِي الْمُقَلَّدُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَحْبُوسِ وَبَيْنَ خَصْمِهِ فَإِنْ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ أَعَادَهُ إلَى الْحَبْسِ إذَا طَلَبَ خَصْمُهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا أَنْكَرَ الْمَحْبُوسُ الدَّيْنَ وَقَالَ: إنَّ هَذَا يَدَّعِي عَلَيَّ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَدْ حَبَسَنِي ظُلْمًا، وَخَصْمُهُ يَقُولُ: لِي عَلَيْهِ كَذَا وَقَدْ حَبَسَهُ بِحَقٍّ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ خَصْمَهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا ادَّعَى، فَإِذَا أَقَامَ وَعَرَفَهُمْ الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ أَدَامَ حَبْسَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ بِالْعَدَالَةِ وَاحْتَاجَ إلَى السُّؤَالِ أَخَذَ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَيُطْلِقُهُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمَحْبُوسِينَ: أَنَا مَحْبُوسٌ بِدَيْنِ فُلَانٍ فَمُرْهُ يَأْخُذُ مِنِّي كَفِيلًا وَيُطْلِقُنِي؛ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ بِإِحْضَارِ خَصْمِهِ فَإِذَا حَضَرَ وَصَدَّقَ الْمَحْبُوسَ فِي إقْرَارِهِ وَالْقَاضِي يَعْرِفُ الْمُقَرَّ لَهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ وَلَكِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ بِذَلِكَ، وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا الْقَاضِي يَأْمُرُ الْمَحْبُوسَ بِأَدَاءِ الْمَالِ إلَيْهِ وَلَا يُطْلِقُهُ لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ وَيَأْمُرُ مُنَادِيًا بِالنِّدَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَا فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ لَهُ خَصْمٌ آخَرُ أَطْلَقَهُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَصَّافُ أَخْذَ الْكَفِيلِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَذَكَرَهُ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا ذَكَرُوا أَخْذَ الْكَفِيلِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَجِئْ الْمَحْبُوسُ بِالْمَالِ لَكِنْ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: أَنَا أَخْتَارُ الرِّفْقَ وَأُمْهِلُهُ وَأُطْلِقُهُ فَالْقَاضِي لَا يُطْلِقُهُ وَيُحْتَاطُ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا، ثُمَّ يُطْلِقُهُ بِكَفِيلٍ وَإِنْ قَالَ: لَا كَفِيلَ لِي أَوْ قَالَ: لَا يَجِبُ عَلَيَّ إعْطَاءُ الْكَفِيلِ إذْ لَيْسَ لِي خَصْمٌ يَطْلُبُ مِنِّي الْكَفِيلَ فَالْقَاضِي يَتَأَنَّى فِي ذَلِكَ وَلَا يُعَجِّلُ بِإِطْلَاقِهِ حَتَّى يُنَادِيَ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ لَهُ خَصْمٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَطْلَقَهُ.
(النَّوْعُ الثَّانِي) الْحَبْسُ بِسَبَبِ الْعُقُوبَاتِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلْعَبْدِ كَالْقِصَاصِ إذَا قَالَ بَعْضُ الْمَحْبُوسِينَ: إنَّمَا حُبِسْتُ لِأَنِّي أَقْرَرْتُ بِالْقِصَاصِ لِفُلَانٍ وَجَمَعَ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ وَصَدَّقَهُ خَصْمُهُ فِيمَا أَقَرَّ وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ أَوْ فِي الطَّرَفِ.
فَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ يُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ السِّجْنِ وَيُمَكِّنُ خَصْمَهُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا يَتَأَنَّى وَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ يُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ السِّجْنِ أَيْضًا وَيُمَكِّنُ خَصْمَهُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَلَكِنْ لَا يُعَجِّلُ فِي إطْلَاقِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ آخَرَ عَلَيْهِ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ فَيُوَاضِعُ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ فَيُقِرُّ لَهُ بِطَرَفِهِ لِيَتَخَلَّصَ عَنْ السِّجْنِ فَيُبْطِلُ حَقَّ الْآخَرِ فِي النَّفْسِ.
(الثَّالِثُ) الْحَبْسُ بِسَبَبِ الْعُقُوبَاتِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، نَحْوُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ إذَا قَالَ بَعْضُ الْمَحْبُوسِينَ: إنَّمَا حُبِسْتُ؛ لِأَنِّي أَقْرَرْت بِالزِّنَا عِنْدَ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعِ مَجَالِسَ فَحَبَسَنِي لِيُقِيمَ عَلَيَّ الْحَدَّ، فَالْقَاضِي الْمُقَلَّدُ لَا يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ بِتِلْكَ الْأَقَارِيرِ فَإِنْ أَقَرَّ عِنْدَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعِ مَجَالِسَ أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ تَقَادَمَ الْعَهْدُ أَوْ لَمْ يَتَقَادَمْ فَيَرْجُمُهُ إنْ مُحْصَنًا وَيَجْلِدُهُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ، وَلَكِنْ لَا يُعَجِّلُ فِي إطْلَاقِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَجِيءَ خَصْمٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ صَحَّ رُجُوعُهُ، كَمَا لَوْ رَجَعَ عِنْدَ الْقَاضِي الْأَوَّلِ وَلَكِنْ لَا يُعَجِّلُ الْقَاضِي فِي إطْلَاقِهِ لِتَوَهُّمِ الْحِيلَةِ وَإِنْ قَالَ: إنَّمَا حُبِسْت؛ لِأَنَّهُ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيَّ بِالزِّنَا فَحَبَسَنِي الْقَاضِي الْمَعْزُولُ لِيُقِيمَ عَلَيَّ الْحَدَّ فَقَوْلُ الْبَيِّنَةِ الْقَائِمَةِ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ هَذَا الْقَاضِي فَلَا يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي بِزِنَاهُ لَا يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ أَيْضًا إذَا كَانَ الْعَهْدُ قَدْ تَقَادَمَ وَلَا يُعَجِّلُ فِي إطْلَاقِهِ لِتَوَهُّمِ الْحِيلَةِ بَلْ يَتَأَنَّى وَيُطْلِقُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِكَفِيلٍ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمَحْبُوسِينَ: إنَّمَا حُبِسْتُ لِأَنِّي أَقْرَرْتُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ عِنْدَهُ أَوْ لِأَنَّهُ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيَّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَحَبَسَنِي لِيُقِيمَ عَلَيَّ الْحَدَّ فَهَذَا الْقَاضِي لَا يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَإِنْ قَالَ: إنَّمَا حُبِسْتُ لِأَنِّي قَدْ أَقْرَرْتُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ لِأَنَّهُ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيَّ بِالسَّرِقَةِ مِنْ فُلَانٍ فَهَذَا الْقَاضِي يَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ لَا.
بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ وَلَا بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ، وَلَكِنْ لَوْ أَقَرَّ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ تَقَادَمَ الْعَهْدُ أَوْ لَمْ يَتَقَادَمْ وَلَا يُعَجِّلُ فِي إطْلَاقِهِ وَلَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ثَانِيًا لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ فَحَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ السَّرِقَةِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ عَلَى السَّوَاءِ.
(وَالرَّابِعُ) الْحَبْسُ بِسَبَبِ عُقُوبَةٍ هِيَ بَيْنَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَهُوَ حَدُّ الْقَذْفِ إذَا قَالَ بَعْضُ الْمَحْبُوسِينَ: إنَّمَا حُبِسْتُ؛ لِأَنِّي قَدْ قَذَفْتُ هَذَا الرَّجُلَ بِالزِّنَا وَصَدَّقَهُ هَذَا الرَّجُلُ فِي إقْرَارِهِ اسْتَوْفَى مِنْهُ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا يُعَجِّلُ الْقَاضِي فِي إطْلَاقِهِ وَلَوْ رَجَعَ عَمَّا أَقَرَّ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ بِخِلَافِ الرُّجُوعِ عَنْ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى إذَا قَالَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ عَلَى يَدِي فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْمَالِ دَفَعْته إلَيْهِ وَهُوَ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْمَالَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أُمِرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ قَالَ: دَفَعَ إلَى فُلَانٍ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْمَالِ لَكِنَّهُ لَا أَدْرِي أَنَّهُ لِمَنْ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ أُمِرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَأَيْضًا وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ كَذَّبَ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ فِي جَمِيعِ مَا قَالَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ أَيْضًا.
وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ قَالَ: دَفَعَ إلَيَّ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْمَالِ وَهُوَ لِفُلَانٍ آخَرَ غَيْرَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْقَاضِي فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْقَاضِي.
(الْوَجْهُ الثَّانِي) إذَا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِالْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ: الْمَالُ الَّذِي فِي يَدَيَّ لِفُلَانٍ غَيْرُ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ دَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي الْمَعْزُولِ أُمِرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الَّذِي أَقَرَّ لَهُ صَاحِبُ الْيَدِ فَإِنْ دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ضَمِنَ لِلثَّانِي وَإِنْ دَفَعَ بِقَضَاءٍ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَضْمَنُ وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ: فِي يَدِ فُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَصَابَهُ فُلَانٌ الْيَتِيمُ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ، وَصَدَّقَهُ ذُو الْيَدِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ مِنْ بَاقِي الْوَرَثَةِ ذَلِكَ الْمَالَ فَهُوَ لِلْيَتِيمِ.
وَإِنْ قَالَ بَاقِي الْوَرَثَةُ: لَمْ يَسْتَوْفِ مِنَّا أَحَدٌ حَقَّهُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، وَالْيَتِيمُ مِنْ جُمْلَتِهِمْ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي الْمُقَلَّدِ أَنْ يَنْظُرَ لِلْيَتِيمِ وَيُحَلِّفَ بَاقِيَ الْوَرَثَةِ بِاَللَّهِ مَا اسْتَوْفَيْتُمْ حُقُوقَكُمْ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدَكُمْ فُلَانٌ، وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ: هَذَا الْمَالُ لِفُلَانٍ الْيَتِيمِ، وَلَمْ يَقُلْ: أَصَابَهُ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ وَادَّعَى بَاقِي الْوَرَثَةُ أَنَّهُ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَوْفُوا حُقُوقَهُمْ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِمْ فَالْمَالُ لِلْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ هُنَا مَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِوَالِدِ الْيَتِيمِ لِيَصِيرَ مُقِرًّا بِكَوْنِهِ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ، بَلْ أَقَرَّ لِلْيَتِيمِ بِالْمِلْكِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةٍ كَوْنُهُ مَمْلُوكًا لِلْيَتِيمِ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ فَبَعْدَ ذَلِكَ بَاقِي الْوَرَثَةِ يَدَّعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ حَقًّا فِي هَذَا الْمَالِ وَلَا يَصَدَّقُونَ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَإِنْ كَانَ مَالًا بِصَكٍّ عَلَى رَجُلٍ قَدْ كَانَ الْقَاضِي بَيَّنَ فِي الصَّكِّ سَبَبَهُ وَأَشْهَدَ فِي الصَّكِّ أَنَّهُ لِفُلَانٍ الْيَتِيمِ وَأَصَابَهُ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ فُلَانٌ وَأَنَّ سَائِرَ الْوَرَثَةِ.
اسْتَوْفَوْا حُقُوقَهُمْ فَنَقُولُ: مُجَرَّدُ الصَّكِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ عَلَى اسْتِيفَاءِ بَاقِي الْوَرَثَةِ حُقُوقَهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.
وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ شَهَادَةُ شُهُودٍ يَشْهَدُونَ عَلَى إشْهَادِ الْقَاضِي عَلَيْهِمْ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ بِالِاسْتِيفَاءِ، فَإِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ كَانَ هَذَا الْمَالُ لِلْيَتِيمِ وَإِلَّا فَهُوَ كَسَائِرِ الْوَرَثَةِ، وَإِذَا قَالَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ: ثَبَتَ عِنْدِي بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ أَنَّ فُلَانًا وَقَفَ ضَيْعَةَ كَذَا عَلَى كَذَا وَحَكَمْت بِذَلِكَ وَوَضَعْتهَا عَلَى يَدَيْ فُلَانٍ وَأَمَرْته بِصَرْفِ غَلَّاتِهَا إلَى السَّبِيلِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْوَقْفِ وَصَدَّقَهُ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْيَدِ، فَإِنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ وَرَثَةُ الْوَاقِفِ بِذَلِكَ أَنْفَذَ الْقَاضِي الْمُقَلَّدُ هَذَا الْوَقْفَ.
وَإِنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ قَدْ جَحَدُوا ذَلِكَ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِمْ بَيِّنَةٌ كَانَ مِيرَاثًا بَيْنَهُمْ وَلَكِنْ تُسْتَحْلَفُ الْوَرَثَةُ عَلَى عِلْمِهِمْ فَإِنْ حَلَفُوا فَالْأَمْرُ مَاضٍ وَإِنْ نَكَلُوا قَضَى عَلَيْهِمْ بِالْوَقْفِيَّةِ بِإِقْرَارِهِمْ، وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِمْ بِالْوَقْفِيَّةِ كَمَا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْوَاقِفِ حَالَ حَيَاتِهِ، وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ: إنَّهُ وَقَفَ عَلَى الْأَرْبَابِ أَوْ قَالَ عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ بَيَّنَ وَجْهًا آخَرَ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ وَلَمْ يَقُلْ: وَقَفَهَا عَلَى فُلَانٍ فَالْقَاضِي الْمُقَلَّدُ يُنَفِّذُهُ وَلَا يَسْأَلُهُ عَنْ التَّفْصِيلِ وَهَذَا هُوَ السَّبِيلُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَقَعُ الِاسْتِفْسَارُ ضَارًّا فَالْقَاضِي الْمُقَلَّدُ يَتْرُكُهُ وَيَكْتَفِي بِالْإِجْمَالِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُحَاسِبَ الْأُمَنَاءَ مَا جَرَى عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَغَلَّاتِهِمْ كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ كُلَّ سَنَةٍ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى، حَتَّى يَنْظُرَ هَلْ أَدَّى الْأَمَانَةَ فِيمَا فُوِّضَ إلَيْهِ أَوْ خَانَ فَإِنْ أَدَّى الْأَمَانَةَ قَرَّرَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ خَانَ اسْتَبْدَلَهُ.
بِغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ يُحَاسِبُ الْقُوَّامُ عَلَى الْأَوْقَافِ وَيَقْبَلُ قَوْلَهُمْ فِي مِقْدَارِ مَا حَصَلَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الْغَلَّاتِ وَالْأَمْوَالِ الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ فِي ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ.
قَالَ وَالْأَصْلُ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَابِضِ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ وَفِيمَا يُخْبِرُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْيَتِيمِ أَوْ عَلَى الضَّيْعَةِ وَمَا صَرَفَ مِنْهَا فِي مُؤْنَاتِ الْأَرَاضِيِ إنْ كَانَ وَصِيًّا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْمُحْتَمَلِ وَإِنْ كَانَ فِيمَا لَا يُحْتَمَلُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي.
وَفَرْقٌ بَيْنَ الْوَصِيِّ وَبَيْنَ الْقَيِّمِ فَالْوَصِيُّ مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ وَالتَّصَرُّفُ وَالْقَيِّمُ مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ دُونَ التَّصَرُّفِ وَإِذَا عَرَفْتُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْوَصِيِّ وَبَيْنَ الْقَيِّمِ فَإِذَا ادَّعَى الْوَصِيُّ الْإِنْفَاقَ فَقَدْ ادَّعَى مَا دَخَلَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْمُحْتَمَلِ.
وَإِذَا ادَّعَى الْقَيِّمُ ذَلِكَ فَقَدْ ادَّعَى مَا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ وِلَايَتِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا سَوَّوْا بَيْنَ الْوَصِيِّ وَبَيْنَ الْقَيِّمِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ لِلضَّيْعَةِ مِنْهُ بُدٌّ قَالُوا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَيِّمِ فِي ذَلِكَ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ وَقَاسُوا عَلَى قَيِّمِ الْمَسْجِدِ أَوْ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ إذَا اشْتَرَى لِلْمَسْجِدِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ نَحْوَ الْحَصِيرِ وَالْحَشِيشِ وَالدُّهْنِ أَوْ صَرَفَ شَيْئًا مِنْ غَلَّاتِ الْمَسْجِدِ إلَى أَجْرِ الْخَادِمِ لَا يَضْمَنُ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِيهِ دَلَالَةً فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَتَعَطَّلُ الْمَسْجِدُ كَذَا هَهُنَا وَمَشَايِخُ زَمَانِنَا قَالُوا: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ فِي زَمَانِنَا فَالْقَيِّمُ فِي زَمَانِنَا مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ وَالْحِفْظُ جَمِيعًا كَالْوَصِيِّ قَالَ: وَإِنْ اتَّهَمَ الْقَاضِي وَاحِدًا مِنْهُمْ يُرِيدُ بِهِ وَاحِدًا مِنْ الْأَوْصِيَاءِ فِيمَا ادَّعَى مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْيَتِيمِ أَوْ عَلَى الْوَقْفِ حَلَّفَهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَمِينًا كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى هَلَاكَ الْوَدِيعَةِ أَوْ رَدَّهَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّمَا يُسْتَحْلَفُ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَصِحُّ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَدَعْوَى الْمَجْهُولِ لَا تَصِحُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْلِفُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْلِفُ نَظَرًا لِلْيَتِيمِ وَاحْتِيَاطًا لَهُ وَفِي مِثْلِهِ يُسْتَحْلَفُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ أَخْبَرُوا أَنَّهُمْ أَنْفَقُوا عَلَى الضَّيْعَةِ وَالْيَتِيمِ مِنْ أَمْوَالِ الْأَرَاضِيِ وَغَلَّاتِهَا كَذَا وَبَقِيَ فِي أَيْدِينَا هَذَا الْقَدْرُ.
فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ مَعْرُوفًا بِالْأَمَانَةِ فَالْقَاضِي يَقْبَلُ مِنْهُ الْإِجْمَالَ وَلَا يُجْبِرُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ.
وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُتَّهَمًا فَالْقَاضِي يُجْبِرُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ الْإِجْمَالَ وَلَيْسَ تَفْسِيرُ الْجَبْرِ هَهُنَا الْحَبْسَ وَإِنَّمَا تَفْسِيرُهُ أَنْ يُحْضِرَهُ الْقَاضِي الْمُقَلَّدُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً يُخَوِّفُهُ وَيُهَدِّدُهُ إنْ لَمْ يُفَسِّرْ احْتِيَاطًا فِي حَقِّ الْيَتِيمِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَمَعَ هَذَا لَمْ يُفَسِّرْ فَالْقَاضِي يَكْتَفِي مِنْهُ بِالْيَمِينِ وَبِنُكُولِهِ قَالَ: وَإِنْ قَالَ الْوَصِيُّ لِلْقَاضِي الْمُقَلَّدِ: إنَّ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ حَاسَبَنِي فَالْقَاضِي الْمُقَلَّدُ لَا يَدَعُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ قَالَ الْوَصِيُّ أَوْ الْقَيِّمُ: أَنْفَقْت عَلَى الْيَتِيمِ، أَوْ قَالَ: عَلَى الْوَقْفِ كَذَا مِنْ مَالِي وَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَالْوَقْفِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْإِنْفَاقَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ أَوْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ حَيْثُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْمُحْتَمَلِ قَالَ: وَإِذَا ادَّعَى الْقَيِّمُ أَوْ الْوَصِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ آجَرَنِي مُشَاهَرَةً فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا وَكَذَا أَوْ مُسَانَهَةً فِي كُلِّ سَنَةٍ كَذَا وَكَذَا وَصَدَّقَهُ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ فَالْقَاضِي الْمُقَلَّدُ لَا يُنَفِّذُ ذَلِكَ فَإِنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى فِعْلِ الْقَاضِي فِي حَالِ قَضَائِهِ قُبِلَتْ وَنَفَّذَ الْقَاضِي الْمُقَلَّدُ ذَلِكَ فَبَعْدَ هَذَا الْقَاضِي الْمُقَلَّدُ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِقْدَارَ أَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ أَوْ دُونِهِ أَنْفَذَ ذَلِكَ كُلَّهُ.
وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ أَنْفَذَ مِقْدَارَ أَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ وَأَبْطَلَ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ كَانَ الْقَيِّمُ قَدْ اسْتَوْفَى الزِّيَادَةَ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِالرَّدِّ عَلَى الْيَتِيمِ.
قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَمَا وَجَدَهُ الْقَاضِي فِي دِيوَانِ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ مِنْ شَهَادَةٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ إقْرَارٍ فَهُوَ بَاطِلٌ لَا يَعْمَلُ بِهِ.
الْقَاضِي الْمُقَلَّدُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَضَى بِهِ وَأَنْفَذَهُ وَهُوَ قَاضٍ يَوْمَئِذٍ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.