فصل: الْبَابُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِيمَا يَقْضِي بِهِ الْقَاضِي وَيُرَدُّ قَضَاؤُهُ وَمَا لَا يُرَدُّ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.الْبَابُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحَبْسِ وَالْمُلَازَمَةِ:

وَإِذَا جَاءَ رَجُلٌ بِرَجُلٍ إلَى الْقَاضِي وَأَثْبَتَ عَلَيْهِ مَالَهُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ أَقَرَّ الرَّجُلُ لَهُ فَالْقَاضِي لَا يَحْبِسُهُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالِ الْمُدَّعِي هَذَا هُوَ مَذْهَبُنَا.
وَإِذَا سَأَلَ الْمُدَّعِيَ ذَلِكَ ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْبِسُهُ فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ وَلَكِنْ يَقُولُ لَهُ: قُمْ فَأَرْضِهِ، فَإِنْ عَادَ مَرَّةً أُخْرَى حَبَسَهُ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الدَّيْنِ الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ وَبَيْنَ الدَّيْنِ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ فِي فَصْلِ الْبَيِّنَةِ يُحْبَسُ فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ.
وَفِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ لَا يُحْبَسُ فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ حَتَّى تَظْهَرَ مُمَاطَلَتُهُ ثُمَّ فِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ إذَا لَمْ يَحْبِسْهُ فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ هَلْ يَحْبِسُهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ يَحْبِسُهُ وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ لَا يَحْبِسُهُ، إنَّمَا يَحْبِسُهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ إذَا جَاءَ أَوَانُ الْحَبْسِ فَإِنْ عَرَفَ الْقَاضِي يَسَارَهُ حَبَسَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ يَسَارَهُ لَا يَسْأَلُهُ: أَلِك مَالٌ؟ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- وَهَلْ يَسْأَلُ الْمُدَّعِيَ أَلَهُ مَالٌ؟ فَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَسْأَلُ إلَّا إذَا طَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ سَأَلَ الْمَدْيُونَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ صَاحِبَ الدَّيْنِ أَلَهُ مَالٌ؟ سَأَلَهُ الْقَاضِي بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ: هُوَ مُعْسِرٌ لَا يَحْبِسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِعُسْرَتِهِ بَعْدَ الْحَبْسِ أَخْرَجَهُ وَقَبْلَ الْحَبْسِ لَا يَحْبِسُهُ، فَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ: هُوَ مُوسِرٌ قَادِرٌ عَلَى الْقَضَاءِ.
وَقَالَ الْمَدْيُونُ: أَنَا مُعْسِرٌ تَكَلَّمُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَدْيُونِ أَنَّهُ مُعْسِرٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ وَاجِبًا.
بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْيَسَارِ مَرْوِيٌّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ كَانَتْ ثَابِتَةً بِالْمُبْدَلِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي زَوَالِ تِلْكَ الْقُدْرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَدْيُونِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ مَا وَجَبَ بِعَقْدِهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَدْيُونِ أَنَّهُ مُعْسِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ إلَّا فِيمَا كَانَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ فَلَا يُحْبَسُ فِي الْمَهْرِ، وَالْكَفَالَةُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَهُوَ خِلَافُ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمُفْتَى بِهِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ فِيمَا الْتَزَمَهُ بِعَقْدِهِ وَلَمْ يَكُنْ بَدَلَ مَالٍ وَالْعَمَلُ عَلَى مَا هُوَ فِي الْمُتُونِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ مَا فِي الْمُتُونِ وَالْفَتَاوَى فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمُتُونِ، وَكَذَا يُقَدَّمُ مَا فِي الشُّرُوحِ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي كِتَابِ الْحَوَالَةِ: وَيَحْبِسُ فِي الدُّيُونِ كُلِّهَا كَائِنًا مَنْ كَانَ مِنْ أَخٍ أَوْ عَمٍّ أَوْ خَالٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا أَوْ صَحِيحًا أَوْ زَمِنًا أَوْ مُقْعَدًا أَوْ مَقْطُوعَ الْيَدِ، قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبًا أَوْ أُمًّا فَإِنَّهُ لَا يُحْبَسُ وَاحِدٌ مِنْ الْأَبَوَيْنِ بِدَيْنِ الِابْنِ، وَكَذَلِكَ لَا يُحْبَسُ الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ وَإِنْ عَلَوْا.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ يُحْبَسُ.
قَالَ: إلَّا أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِمَا نَفَقَتُهُ وَكُلُّ مَنْ أُجْبِرَ بِهِ عَلَى النَّفَقَةِ وَأَبَى؛ حَبَسَهُ أَبًا كَانَ أَوْ أُمًّا أَوْ جَدًّا أَوْ جَدَّةً أَوْ زَوْجًا.
وَالْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ التَّاجِرُ فِي الْحَبْسِ بِمَنْزِلَةِ مَا وَصَفْت لَك وَالْعَبْدُ لَا يُحْبَسُ لِمَوْلَاهُ، وَكَذَا لَا يُحْبَسُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا حُبِسَ فِيهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْحُرُّ فَبَعْضُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَالُوا إلَى الْحَبْسِ وَجَعَلُوهُ كَالْبَالِغِ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: إذَا كَانَ لَهُ وَصِيٌّ يُحْبَسُ تَأْدِيبًا حَتَّى لَا يَعُودَ لِمِثْلِهِ وَلِيَضْجَرَ الْوَصِيُّ فَيَتَسَارَعُ إلَى إلْقَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ لَمْ يُحْبَسْ، فَأَمَّا إذَا كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ يُحْبَسُ بِدَيْنِهِ يَعْنِي الْأَبَ أَوْ الْوَصِيَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ نَصَبَ الْقَاضِي قَيِّمًا لِيَبِيعَ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَيُوفِي الْغُرَمَاءَ حَقَّهُمْ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
وَالْمُكَاتَبُ يَحْبِسُ مَوْلَاهُ إلَّا فِيمَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكِتَابَةِ وَالْمَوْلَى لَا يَحْبِسُ الْمُكَاتَبَ فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَحْبِسُهُ فِي غَيْرِ مَالِ الْكِتَابَةِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَيُحْبَسُ الْمُسْلِمُ بِدَيْنِ الذِّمِّيِّ وَالذِّمِّيُّ بِدَيْنِ الْمُسْلِمِ وَكَذَا الْمُسْتَأْمَنُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَفِي الْكُبْرَى وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ وَيُحْبَسُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ، فَأَمَّا قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْبِسُهُ، فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ عَدْلٌ بِذَلِكَ حَبَسَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا لَا يَحْبِسُهُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَفِي كَفَالَةِ الْأَصْلِ لَا تُحْبَسُ الْعَاقِلَةُ فِي دِيَةٍ وَلَا أَرْشٍ وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ وَامْتَنَعُوا مِنْ الْأَدَاءِ يُحْبَسُونَ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَإِنْ طَلَبَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ فِي الْقِصَاصِ فَامْتَنَعَ عَنْهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَكَلَ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَكَذَلِكَ فِي الْيَمِينِ فِي الْقَسَامَةِ، وَيُحْبَسُ الدَّعَّارُونَ الَّذِينَ هُمْ مُخَوَّفُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلُ الْفَسَادِ حَتَّى تُعْرَفَ مِنْهُمْ التَّوْبَةُ وَالدَّعَّارُ مَنْ يَقْصِدُ إتْلَافَ أَمْوَالِ النَّاسِ أَوْ أَنْفُسَهُمْ أَوْ كِلَيْهِمَا، فَإِذَا كَانَ يُخَافُ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ حُبِسَ فِي السِّجْنِ حَتَّى تَظْهَرَ مِنْهُ التَّوْبَةُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلنِّسَاءِ مَحْبِسٌ عَلَى حِدَةٍ تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّ الْمَرْأَةَ تُحْبَسُ فِي مَحْبِسِ النِّسَاءِ وَلَكِنْ يَحْفَظُهَا الرَّجُلُ وَفِي مُخْتَصَرِ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَيُحْبَسُ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ كَمَا يُحْبَسُ فِي الدَّيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَإِذَا حُبِسَ كَفِيلُ الرَّجُلِ بِأَمْرِهِ بِالْمَالِ فَلِلْكَفِيلِ أَنْ يَحْبِسَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَفِيلَ إذَا طُولِبَ بِالْمَالِ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْأَصِيلَ فَإِذَا لُوزِمَ كَانَ لَهُ أَنْ يُلَازِمَ الْأَصِيلَ، فَإِذَا أَخَذَ مِنْ الْكَفِيلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْأَصِيلِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَا يَأْخُذُ الْمَالَ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَحْبِسَ الْكَفِيلَ وَالْأَصِيلُ لَهُ ذَلِكَ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى، وَكَذَا يُحْبَسُ كَفِيلُ الْكَفِيلِ وَإِنْ كَثُرُوا، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
فَإِنْ حُبِسَ رَجُلٌ فِي دَيْنٍ وَجَاءَ آخَرُ يُطَالِبُهُ بِالدَّيْنِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُ الْمَطْلُوبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي، فَإِنْ قَامَتْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ أَوْ أَقَرَّ أَعَادَهُ إلَى السِّجْنِ وَكَتَبَ فِي دِيوَانِهِ أَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِحَقِّ هَذَا الْمُدَّعِي أَيْضًا مَعَ الْأَوَّلِ، حَتَّى إذَا قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا يَبْقَى مَحْبُوسًا بِدَيْنِ الْآخَرِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
لَهُمَا عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ لِأَحَدِهِمَا الْقَلِيلُ وَلِلْآخَرِ الْأَكْثَرُ لِصَاحِبِ الْقَلِيلِ حَبْسُهُ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْأَكْثَرِ إطْلَاقُهُ بِلَا رِضَاهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا إطْلَاقَهُ بَعْدَ مَا رَضِيَا بِحَبْسِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَضْرِبَ مَحْبُوسًا فِي دَيْنٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا يُصَفِّدَ وَلَا يُقَيِّدَ وَلَا يَغِلَّ وَلَا يَمُدَّ وَلَا يُجَرِّدَ وَلَا يُقِيمَهُ فِي الشَّمْسِ، وَإِذَا خَافَ الْقَاضِي عَلَى الْمَحْبُوسِ فِي السِّجْنِ أَنْ يَفِرَّ مِنْ حَبْسِهِ حَوَّلَهُ إلَى حَبْسِ اللُّصُوصِ، إلَّا إذَا كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللُّصُوصِ عَدَاوَةٌ، وَعَرَفَ لَوْ حَوَّلَهُ إلَيْهِمْ لَقَصَدُوهُ لَا يُحَوَّلُ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ وَلَا يُقَامُ بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِ الْحَقِّ إهَانَةً، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَحْبُوسُ لَا يَزَالُ يَهْرُبُ مِنْ السِّجْنِ يُؤَدِّبُهُ الْقَاضِي بِأَسْوَاطٍ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَمَتَى حَبَسَهُ الْقَاضِي يَكْتُبُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ فِي دِيوَانِهِ وَيَكْتُبُ مَنْ يُحْبَسُ لِأَجْلِهِ وَيَكْتُبُ مِقْدَارَ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ وَيَكْتُبُ التَّارِيخَ فَيَكْتُبُ حُبِسَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا يَوْمَ كَذَا وَمِنْ شَهْرِ كَذَا فِي سَنَةِ كَذَا، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
قَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي كِتَابِ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ: إذَا حُبِسَ الرَّجُلُ فِي الدَّيْنِ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُ فِي السِّرِّ، وَإِنْ شَاءَ سَأَلَ عَنْهُ فِي السِّرِّ أَوَّلَ مَا يَحْبِسُهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي تَقْدِيرِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَدَّرَهَا بِشَهْرَيْنِ إلَى ثَلَاثَةٍ وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَدَّرَهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- بِرِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَدَّرَهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَعَنْهُ بِرِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ قَدَّرَهَا بِشَهْرٍ، وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- أَخَذُوا بِرِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- قَالُوا: الْقَاضِي يَنْظُرُ إلَى الْمَحْبُوسِ إنْ رَأَى عَلَيْهِ زِيَّ الْفَقْرِ وَهُوَ صَاحِبُ عِيَالٍ تَشْكُو عِيَالُهُ إلَى الْقَاضِي الْبُؤْسَ وَضِيقَ النَّفَقَةِ وَكَانَ لَيِّنًا عِنْدَ جَوَابِ خَصْمِهِ حَبَسَهُ شَهْرًا ثُمَّ يَسْأَلُ، وَإِنْ كَانَ وَقَّاحًا عِنْدَ جَوَابِ خَصْمِهِ وَعَرَفَ تَمَرُّدَهُ وَرَأَى عَلَيْهِ أَمَارَةَ الْيَسَارِ حَبَسَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَسْأَلُ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ حَبَسَهُ شَهْرَيْنِ إلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَسْأَلُ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ وَهُوَ يَحْكِي عَنْ عَمِّهِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْأُوزْجَنْدِيِّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- قَالُوا: لَيْسَ فِي هَذَا تَقْدِيرٌ لَازِمٌ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي فَإِنْ مَضَى سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَعَلِمَ تَعَنُّتَهُ يُدِيمُ الْحَبْسَ، وَإِنْ مَضَى شَهْرٌ وَظَهَرَ عَجْزُهُ وَعُسْرَتُهُ بِأَنْ شَهِدُوا بِإِفْلَاسِهِ خَلَّاهُ ثُمَّ إذَا سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُ فَإِنَّمَا يَسْأَلُ أَهْلَ الْخِبْرَةِ مِنْ جِيرَانِهِ وَمَنْ يُخَالِطُهُمْ فِي الْمُعَامَلَةِ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
وَإِنَّمَا.
يَسْأَلُ مِنْ جِيرَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَأَهْلِ سُوقِهِ مِنْ الثِّقَاتِ دُونَ الْفُسَّاقِ فَإِذَا قَالُوا: لَا نَعْرِفُ لَهُ مَالًا كَفَى ذَلِكَ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا السُّوَالُ مِنْ الْقَاضِي بَعْدَ مَا حَبَسَهُ احْتِيَاطًا وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، فَإِذَا سَأَلَ عَنْهُ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى عُسْرَتِهِ أَخْرَجَهُ الْقَاضِي مِنْ الْحَبْسِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى لَفْظَةِ الشَّهَادَةِ بَلْ إذَا أُخْبِرَ بِذَلِكَ يَكْفِي، وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ ثِقَةٌ عَمِلَ بِقَوْلِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ السِّجْنِ وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ قَالُوا: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالُ حَالَ مُنَازَعَةٍ بِأَنْ لَمْ تَجْرِ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ مُنَازَعَةٌ بِأَنْ ادَّعَى الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ أَعْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ الطَّالِبُ: إنَّهُ مُوسِرٌ، لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَمَتَى كَانَتْ الْحَالَةُ هَذِهِ فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ مُعْسِرٌ خَلَّى سَبِيلَهُ وَلَا تَكُونُ هَذِهِ شَهَادَةً عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الْعِسَارَ بَعْدَ الْيَسَارِ أَمْرٌ حَادِثٌ فَتَكُونُ شَهَادَةً بِأَمْرٍ حَادِثٍ لَا بِالنَّفْيِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
فَإِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَوْ اثْنَانِ بِإِعْسَارِهِ قَبْلَ الْحَبْسِ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَقْبَلُ وَلَا يَحْبِسُهُ، وَفِي رِوَايَةِ الْخَصَّافِ لَا يَقْبَلُ وَيَحْبِسُهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَبَعْدَ مَا خَلَّى سَبِيلَهُ هَلْ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يُلَازِمَهُ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُلَازِمَهُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَحْسَنُ الْأَقَاوِيلِ فِي الْمُلَازَمَةِ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: يُلَازِمُهُ فِي مَشَيَاتِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ إلَى أَهْلِهِ وَلَا مِنْ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ وَلَا مِنْ الْوُضُوءِ وَالْخَلَاءِ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَيَجْلِسُ عَلَى بَابِ دَارِهِ حَتَّى يَخْرُجَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجْلِسَهُ فِي مَوْضِعٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَبْسٌ وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ.
قَالَ هِشَامٌ: سَأَلْت مُحَمَّدًا- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فَإِنْ كَانَتْ الْمُلَازَمَةُ تَضُرُّ بِعِيَالِهِ وَهُوَ مِمَّنْ يَكْتَسِبُ فِي سَقْيِ الْمَاءِ فِي طَوْفِهِ قَالَ: آمُرُ صَاحِبَ الْحَقِّ أَنْ يُوَكِّلَ غُلَامًا لَهُ يَكُونُ مَعَهُ وَلَا أَمْنَعُهُ عَنْ طَلَبِ قَدْرِ قُوتِ يَوْمِهِ لِنَفْسِهِ وَلِعِيَالِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ يَعْمَلُ فِي سُوقِهِ قَالَ: وَإِنْ شَاءَ تُرِكَ أَيَّامًا يَعْنِي هَذَا الْمُفْلِسَ ثُمَّ يُلَازِمُهُ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ قُلْت لَهُ: فَإِنْ كَانَ عَامِلًا يَعْمَلُ بِيَدِهِ، قَالَ: إنْ كَانَ عَمَلًا يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَهُ حَيْثُ يُلَازِمُهُ أَيْ حَيْثُ يَجْلِسُ لَازَمَهُ وَيَعْمَلُ هُوَ ثَمَّةَ، وَإِنْ كَانَ عَمَلًا لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى الطَّلَبِ خَرَجَ وَطَلَبَ فَإِنْ كَانَ فِي مُلَازَمَتِهِ ذَهَابُ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ؛ أَمَرْته أَنْ يُقِيمَ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ثُمَّ يُخَلَّى سَبِيلُهُ فَلْيَسْتَرْزِقْ اللَّهَ تَعَالَى.
وَفِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ إنْ كَانَ الْعَمَلُ سَقْيَ الْمَاءِ وَنَحْوَهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ أَمَّا أَنْ يَلْزَمَهُ أَوْ يَلْزَمَهُ نَائِبُهُ أَوْ أَجِيرُهُ أَوْ غُلَامُهُ إلَّا إذَا كَفَاهُ نَفَقَتُهُ أَوْ نَفَقَةُ عِيَالِهِ وَأَعْطَاهُ حِينَئِذٍ، كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَلْزُومِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَفِيهِ أَيْضًا لَيْسَ.
لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَمْنَعَ الْمَلْزُومَ أَنْ يَدْخُلَ فِي بَيْتِهِ لِغَائِطٍ أَوْ غَدَاءٍ إلَّا إذَا أَعْطَاهُ الْغَدَاءَ وَأَعَدَّ مَوْضِعًا آخَرَ لِأَجْلِ الْغَائِطِ حِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ وَفِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ قَالَ الْمَدْيُونُ: لَا أَجْلِسُ مَعَ غُلَامِك وَأَجْلِسُ مَعَك قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ فِي الْمُلَازَمَةِ الرَّأْيَ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ لَا إلَى الْمَدْيُونِ إنْ شَاءَ لَازَمَهُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ لَازَمَهُ بِغَيْرِهِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ الطَّالِبَ لَا يُلَازِمُ الْمَطْلُوبَ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بُنِيَتْ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِلْمُلَازِمَةِ وَحُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّ الطَّالِبَ لَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ بِاللَّيَالِيِ.
وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مِمَّنْ يَكْتَسِبُ بِاللَّيَالِيِ يُلَازَمُ فِي اللَّيَالِي، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ رَجُلٌ حَبَسَ غَرِيمًا لَهُ ثُمَّ غَابَ فَسَأَلَ الْقَاضِي عَنْ الْمَحْبُوسِ فَوَجَدَهُ مُعْسِرًا يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَغِيبُ الطَّالِبُ وَيُخْفِي نَفْسَهُ وَيُرِيدُ أَنْ يَطُولَ حَبْسُهُ فَيَتَضَرَّرُ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّ لِلطَّالِبِ أَنْ يُلَازِمَ الْغَرِيمَ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْقَاضِي بِمُلَازَمَتِهِ وَلَا فَلَسِهِ إذَا كَانَ مُقِرًّا بِحَقِّهِ فَإِنْ قَالَ الْغَرِيمُ: احْبِسْنِي، وَأَبَى الطَّالِبُ إلَّا الْمُلَازَمَةَ؛ قَالَ: يُلَازِمُهُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَيْسَ لِلطَّالِبِ أَنْ يُقِيمَ فِي الشَّمْسِ أَوْ عَلَى الثَّلْجِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَضُرُّ بِهِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
عَنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- سُئِلَ عَنْ مُلَازَمَةِ الْمَرْأَةِ قَالَ: آمُرُ غَرِيمَهَا أَنْ يَأْمُرَ امْرَأَةً حَتَّى تُلَازِمَهَا، فَقِيلَ لَهُ: إنْ لَمْ يَقْدِرْ الْغَرِيمُ عَلَى امْرَأَةٍ تُلَازِمُهَا، قَالَ: أَقُولُ لِغَرِيمِهَا اجْعَلْ مَعَهَا امْرَأَةً، فَتَكُونَ فِي بَيْتِهَا وَتَكُونَ أَنْتَ عَلَى الْبَابِ أَوْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ نَفْسِهَا وَحْدَهَا وَيَكُونُ الْغَرِيمُ عَلَى الْبَابِ، قِيلَ لَهُ: إذًا تَهْرُبُ الْمَرْأَةُ وَتَذْهَبُ قَالَ: لَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ وَذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يُلَازِمُهَا فِي مَوْضِعٍ لَا يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتْنَةُ كَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إنْ شَاءَ بِرِجَالٍ وَإِنْ شَاءَ بِنِسَاءٍ وَهَذَا فِي النَّهَارِ، وَأَمَّا فِي اللَّيْلِ فَيُلَازِمُهَا بِالنِّسَاءِ لَا مَحَالَةَ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُلَازِمُ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ الْأَمْنُ مِنْ الْفِتْنَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ذَكَرَ هِلَالٌ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَنَّهُ فَقِيرٌ فَالْقَاضِي لَا يُخَلِّي سَبِيلَهُ حَتَّى يَسْأَلَ فِي السِّرِّ، وَأَنَّهُ حَسَنٌ فَإِنْ وَافَقَ خَبَرُ السِّرِّ شَهَادَةَ الشُّهُودِ لَا يُخَلِّي سَبِيلَهُ أَيْضًا حَتَّى يَسْتَحْلِفَ الْمَحْبُوسَ، ثُمَّ يُخَلِّي سَبِيلَهُ وَإِنْ خَالَفَ خَبَرُ السِّرِّ شَهَادَةَ الشُّهُودِ أَخَذَ بِخَبَرِ الْعُدُولِ فِي السِّرِّ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَذَكَرَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِنْ رَأَى الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ بَعْدَ الْحَبْسِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِفْلَاسِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ بَعْدَ الْحَبْسِ مَقْبُولَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَإِنْ أَقَامَ الْمَحْبُوسُ بَيِّنَةً عَلَى عُسْرَتِهِ وَأَقَامَ صَاحِبُ الْحَقِّ بَيِّنَةً عَلَى يَسَارِهِ أَخَذَ بِبَيِّنَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ كَيْفِيَّةَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِفْلَاسِ.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْوَقْفِ كَيْفِيَّةَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِفْلَاسِ؛ فَقَالَ: يَنْبَغِي لِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ فَقِيرٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ مَالًا وَلَا عَرْضًا مِنْ الْعُرُوضِ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ حَدِّ الْفَقْرِ.
وَحُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَقُولُوا: إنَّهُ مُفْلِسٌ مُعْدِمٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ مَالًا سِوَى كِسْوَتِهِ الَّتِي عَلَيْهِ وَثِيَابِ لَيْلِهِ وَقَدْ اخْتَبَرْنَا أَمْرَهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَهَذَا أَتَمُّ وَأَبْلَغُ، ثُمَّ إذَا ثَبَتَتْ عُسْرَتُهُ فَالْقَاضِي لَا يَحْبِسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْرِفْ لَهُ مَالًا وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى عُسْرَتِهِ بَعْدَ مَا مَضَتْ مُدَّةٌ فِي الْحَبْسِ وَكَانَ الطَّالِبُ غَائِبًا فَالْقَاضِي لَا يَنْتَظِرُ حُضُورَ الْغَائِبِ بَلْ يُخْرِجُهُ مِنْ السِّجْنِ وَلَكِنْ يَأْخُذُ كَفِيلًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إعْسَارِ الْمَحْبُوسِ فَقَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِإِفْلَاسِهِ أَطْلَقَ رَبُّ الدَّيْنِ الْمَحْبُوسَ فَطَلَبَ الْمَحْبُوسُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِعُسْرَتِهِ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا بِحَضْرَةِ رَبِّ الدَّيْنِ أَجَابَهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً حَتَّى لَا يَحْبِسَهُ رَبُّ الدَّيْنِ ثَانِيًا مِنْ سَاعَتِهِ وَحَتَّى لَا يَحْبِسَهُ دَائِنٌ آخَرُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مَحْبُوسًا بِدَيْنِ رَجُلَيْنِ فَأَدَّى إلَى أَحَدِهِمَا لَا يَخْرُجُ مِنْ السِّجْنِ حَتَّى يُؤَدِّيَ حَقَّ الْآخَرِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْمَحْبُوسِ أَنْ يُؤْثِرَ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ عَلَى الْبَعْضِ وَقَدْ نُصَّ فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ عَلَى ذَلِكَ.
وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ ثَمَّةَ: رَجُلٌ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِثَلَاثَةِ نَفَرٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسُمِائَةٍ وَلِوَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَلَثُمِائَةٍ وَلِوَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَتَانِ؛ فَاجْتَمَعَ الْغُرَمَاءُ وَحَبَسُوهُ بِدُيُونِهِمْ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَمَالُهُ خَمْسُمِائَةٍ كَيْفَ يَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَهُمْ؟ قَالَ: إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ حَاضِرًا فَإِنَّهُ يَقْضِي دُيُونَهُ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ فِي الْقَضَاءِ وَيُؤْثِرَ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ أَحَدٍ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ عَلَى حَسَبِ مَشِيئَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ غَائِبًا وَالدَّيْنُ ثَابِتٌ عِنْدَ الْقَاضِي فَالْقَاضِي يَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ تَقْدِيمِ بَعْضِهِمْ عَلَى الْبَعْضِ.
الْمَرْأَةُ إذَا حَبَسَتْ زَوْجَهَا لِمَهْرِهَا أَوْ بِدَيْنٍ آخَرَ فَقَالَ الزَّوْجُ لِلْقَاضِي: احْبِسْهَا مَعِي فَإِنَّ لِي مَوْضِعًا فِي السِّجْنِ لِتَكُونَ مَعِي.
ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ الْمُطَالَبَةِ بِالْمَهْرِ أَنَّهُ لَا يَحْبِسُهَا وَبَعْضُ قُضَاةِ زَمَانِنَا اخْتَارُوا الْحَبْسَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ سَدًّا لِبَابِ الْمَعْصِيَةِ عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا إذَا لَمْ تُحْبَسْ وَقَدْ حَبَسَتْ زَوْجَهَا تَذْهَبُ حَيْثُ تُرِيدُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَفِي الْوَرَثَةِ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ وَلِلْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَحَبَسَهُ الِابْنُ الْكَبِيرُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُطْلِقَهُ لَمْ يُطْلِقْهُ الْقَاضِي حَتَّى يَسْتَوْثِقَ لِلصِّغَارِ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَحْبُوسُ فِي الدَّيْنِ مِنْ السِّجْنِ لِمَجِيءِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَا لِلْفِطْرِ وَلَا لِلْأَضْحَى وَلَا لِلْجُمُعَةِ وَلَا لِصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَلَا لِحَجَّةٍ فَرِيضَةٍ وَلَا لِحُضُورِ جِنَازَةِ بَعْضِ أَهْلِهِ وَإِنْ أَعْطَى كَفِيلًا بِنَفْسِهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَا عِيَادَةِ الْمَرِيضِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
إذَا مَاتَ لِلْمَحْبُوسِ وَالِدٌ أَوْ وَلَدٌ وَلَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ لِلْغُسْلِ وَالتَّكْفِينِ يُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ السِّجْنِ هُوَ الصَّحِيحُ أَمَّا إذَا كَانَ مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِهِ مِنْ السِّجْنِ، قِيلَ: إنَّ الْمَحْبُوسَ يَخْرُجُ بِكَفِيلٍ كَانَ ثَمَّةَ لِجِنَازَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَالْأَوْلَادِ وَلَا يَخْرُجُ لِغَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ وَقِيلَ فِي الْوَالِدَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَالْوَلَدِ: لَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِهِ.
أَمَّا فِي غَيْرِهِمْ فَلَا يَخْرُجُ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ بِكَفِيلٍ، كَذَا فِي الْكُبْرَى.
وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَحْبُوسِ فِي السِّجْنِ: إذَا جُنَّ لَمْ يُخْرِجْهُ الْحَاكِمُ مِنْ السِّجْنِ.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ الْمَحْبُوسَ فِي السِّجْنِ إذَا مَرِضَ مَرَضًا أَضْنَاهُ إنْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ يَخْدُمُهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ السِّجْنِ وَلَا يَخْرُجُ لِلْمُعَالَجَةِ.
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى قِيلَ لَهُ: وَإِنْ مَاتَ فِيهِ؟ قَالَ: وَإِنْ مَاتَ فِيهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ لَوْ مَرِضَ فِي الْحَبْسِ وَأَضْنَاهُ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَخْدُمُهُ يُخْرِجُهُ مِنْ السِّجْنِ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا إذَا كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الْهَلَاكُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ وَالْهَلَاكُ مِنْ السِّجْنِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ، وَالْفَتْوَى عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْمَحْبُوسُ يُنَوَّرُ فِي السِّجْنِ وَلَا يَخْرُجُ إلَى الْحَمَّامِ، وَلَوْ احْتَاجَ إلَى الْجِمَاعِ لَا بَأْسَ بِأَنْ تَدْخُلَ زَوْجَتُهُ أَوْ جَارِيَتُهُ فِي السِّجْنِ فَيَطَؤُهَا حَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا خَالِيًا لَا يُجَامِعُ.
وَهَلْ يُتْرَكُ لِيَكْتَسِبَ فِي السِّجْنِ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُمْنَعُ مِنْ الِاكْتِسَابِ فِي السِّجْنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُمْنَعُ عَنْ ذَلِكَ؛ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْخَصَّافُ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَفِي الْكُبْرَى وَقَالَ الْقَاضِي فَخْرُ الدِّينِ: الْفَتْوَى الْيَوْمُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الِاكْتِسَابِ وَلَا يُمْنَعُ الْمَسْجُونُ مِنْ دُخُولِ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ أَنْ يَمْكُثُوا ثَمَّةَ طَوِيلًا وَفِي السِّغْنَاقِيِّ قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْبَسَ فِي مَوْضِعٍ خَشِنٍ لَا يُبْسَطُ لَهُ فِرَاشٌ وَلَا وِطَاءٌ وَلَا أَحَدٌ يَدْخُلُ عَلَيْهِ لِيَسْتَأْنِسَ لِيَضْجَرَ قَلْبُهُ.
الْمَحْبُوسُ فِي الدَّيْنِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَهُ مَالٌ فَإِنْ كَانَ مَالُهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَ مَالُهُ دَرَاهِمَ وَالدَّيْنُ دَرَاهِمَ فَالْقَاضِي يَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ دَرَاهِمِهِ بِلَا خِلَافٍ.
وَإِنْ كَانَ مَالُهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ دَيْنِهِ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ دَرَاهِمَ وَمَالُهُ عُرُوضٌ أَوْ عَقَارٌ أَوْ دَنَانِيرُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَبِيعُ الْعُرُوضَ وَالْعَقَارَ.
وَفِي بَيْعِ الدَّنَانِيرِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ وَلَكِنَّهُ يَسْتَدِيمُ حَبْسُهُ إلَى أَنْ يَبِيعَ بِنَفْسِهِ وَيَقْضِي الدَّيْنَ، وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُ الْقَاضِي دَنَانِيرَهُ وَعُرُوضَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَفِي الْعَقَارِ رِوَايَتَانِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَعِنْدَهُمَا فِي رِوَايَةٍ يَبِيعُ الْمَنْقُولَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَيَكُونُ الْبَيْعُ عَلَى التَّرْتِيبِ يَبِيعُ الدَّنَانِيرَ أَوَّلًا ثُمَّ الْعُرُوضَ ثُمَّ وَثُمَّ وَيَقْضِي دَيْنَهُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ أَنَّ صَاحِبَ الدَّنَانِيرِ إذَا ظَفِرَ بِدَرَاهِمَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ، هَذَا بَيَانُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- فَالْقَاضِي يَبِيعُ مَالَ الْمَدْيُونِ بِدَيْنِهِ وَلَكِنْ يَبْدَأُ بِدَنَانِيرِهِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ دَرَاهِمَ، فَإِنْ فَضَلَ الدَّيْنُ عَنْ ذَلِكَ يَبِيعُ الْعُرُوضَ أَوَّلًا دُونَ الْعَقَارِ، فَإِنْ لَمْ يَفِ ثَمَنُهُ بِدِينِهِ وَفَضَلَ الدَّيْنُ عَنْهُ حِينَئِذٍ يَبِيعُ الْعَقَارَ أَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا يَبِيعُ الْعَقَارَ أَصْلًا، وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِمَا: يَبْدَأُ بِبَيْعِ مَا يَخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفَ وَالتَّوَى مِنْ عُرُوضِهِ، ثُمَّ يَبِيعُ مَا لَا يَخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفَ، ثُمَّ يَبِيعُ الْعَقَارَ وَإِذَا كَانَ لِلْمَدْيُونِ ثِيَابٌ يَلْبَسُهَا وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَجْزِيَ بِدُونِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَبِيعُ ثِيَابَهُ فَيَقْضِي الدَّيْنَ بِبَعْضِ ثَمَنِهَا وَيَشْتَرِي بِمَا يَبْقَى ثَوْبًا يَلْبَسُهُ.
وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إذَا كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَجْزِيَ بِمَا دُونِ ذَلِكَ الْمَسْكَنِ يَبِيعُ ذَلِكَ الْمَسْكَنَ وَيَصْرِفُ بَعْضَ الثَّمَنِ إلَى الْغُرَمَاءِ وَيَشْتَرِي بِالْبَاقِي مَسْكَنًا لِنَفْسِهِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا: إنَّهُ يَبِيعُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْحَالِ، حَتَّى إنَّهُ يَبِيعُ اللَّبَدَ فِي الصَّيْفِ وَالنَّطَعَ فِي الشِّتَاءِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ كَانُونٌ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ صُفْرٍ يَبِيعُهُ وَيَتَّخِذُ كَانُونًا مِنْ طِينٍ ثُمَّ أَيُّ قَدْرٍ يُتْرَكُ لِلْمَدْيُونِ مِنْ مَالِهِ وَيُبَاعُ مَا سِوَاهُ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: قَالَ: يُتْرَكُ ثِيَابُهُ وَمَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ وَمَرْكَبُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يُتْرَكُ ثِيَابُهُ.
وَمَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ، وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَخَذَ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: يُبَاعُ جَمِيعُ مَالِهِ وَيُؤَاجَرُ وَيَصْرِفُ غَلَّتَهُ إلَى غُرَمَائِهِ، وَفِي ظَاهِرِ رِوَايَةِ أَصْحَابِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- لَا يُؤَاجَرُ، إلَّا رِوَايَةً رُوِيَتْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنْ إنْ أَجَّرَ هُوَ نَفْسُهُ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ يُتْرَكُ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ وَعِيَالِهِ وَيُصْرَفُ مَا سِوَى ذَلِكَ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ، وَمِنْ الْقُضَاةِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْحَرِّ يُبَاعُ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْبَرْدِ يُتْرَكُ لَهُ مَا يَدْفَعُ بِهِ مِنْ الْبَرْدِ حَتَّى لَا يُبَاعَ جُبَّتُهُ وَعِمَامَتُهُ وَيُبَاعُ مَا سِوَى ذَلِكَ.
وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: يُتْرَكُ لَهُ دست مِنْ الثِّيَابِ وَيُبَاعُ مَا سِوَى ذَلِكَ.
وَبِهِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُتْرَكُ لَهُ دَسْتَانِ مِنْ الثِّيَابِ حَتَّى إذَا غَسَلَ أَحَدَهُمَا لَبِسَ الْآخَرَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا بَاعَ أَمِينُ الْقَاضِي عُرُوضَ الْمَدْيُونِ فِي دَيْنِهِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَهَلَكَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ، رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَرِيمِ وَيَرْجِعُ الْغَرِيمُ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَيَجُوزُ إقْرَارُ الْمَحْبُوسِ بِالدَّيْنِ لِغَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى وَجْهِ التَّلْجِئَةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَإِذَا أَقَرَّ الْمَحْبُوسُ بِالْبَيْعِ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ صَحِيحًا وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ، وَمَا كَانَ ذَلِكَ تَلْجِئَةً، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَا يُرَوِّجُ الْمَدْيُونَةَ لِيَقْضِيَ دَيْنَهَا مِنْ مَهْرِهَا، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَجُلٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ مَلِيءٍ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُجْبِرُ الْمُعْسِرَ حَتَّى يَتَقَاضَى مَا لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ الْمُوسِرِ فَإِنْ فَعَلَ وَحَبَسَ غَرِيمَهُ الْمُوسِرَ فَإِنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْبِسُ الْمُعْسِرَ بِمَا عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إذَا كَانَ لِلْمُعْسِرِ دَيْنٌ عَلَى غَرِيمِهِ أَخَذَ الْقَاضِي غَرِيمَهُ بِدَيْنِهِ وَقَضَى دَيْنَ غُرَمَائِهِ.
ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَحْبُوسِ بِالدَّيْنِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ وَلَهُ مَالٌ بِبَلْدَةٍ أُخْرَى، يُؤْمَرُ رَبُّ الدَّيْنِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ السِّجْنِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ عَلَى قَدْرِ الْمَسَافَةِ وَيَأْمُرُ أَنْ يَخْرُجَ وَيَبِيعَ مَالَهُ وَيَقْضِيَ دَيْنَهُ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ حَبَسَهُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمَالُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فِي حَقِّ الْحَبْسِ حَتَّى أَنَّهُ يُحْبَسُ فِي الدِّرْهَمِ وَفِي أَقَلَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَانِعَ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ ظَالِمٌ، كَذَا فِي الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
تَشَاتَمَ الْخَصْمَانِ عِنْدَ الْقَاضِي إنْ شَاءَ حَبَسَهُمَا أَوْ عَزَّرَهُمَا حَتَّى لَا يَعُودَا إلَى مِثْلِهِ عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِنْ عَفَا فَحَسَنٌ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا عِنْدَهُ لَا يُعَزِّرُهُ بِلَا طَلَبِ خَصْمِهِ لَكِنْ يَمْنَعُهُ عَنْ ذَلِكَ رَجُلٌ يَشْتُمُ النَّاسَ إنْ كَانَ مَرَّةً يُوعَظُ، وَإِنْ كَانَ شَتَّى ضُرِبَ وَحُبِسَ حَتَّى يَتْرُكَ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.الْبَابُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِيمَا يَقْضِي بِهِ الْقَاضِي وَيُرَدُّ قَضَاؤُهُ وَمَا لَا يُرَدُّ:

مَا يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا- أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي مَتَى اعْتَمَدَ سَبَبًا صَحِيحًا ثُمَّ بَطَلَ السَّبَبُ مِنْ بَعْدُ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ، وَإِذَا ثَبَتَ عَدَمُ السَّبَبِ مِنْ الْأَصْلِ بَعْدَ وُجُودِهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- الْآخَرُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- الْأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَبْطُلُ الْقَضَاءُ.
وَالثَّانِي- أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي يُوجِبُ تَوَقُّفَ الْبَيْعِ السَّابِقِ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ وَلَا يُوجِبُ نَقْضَهُ وَفَسْخَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي الزِّيَادَاتِ رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ جَارِيَةً وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بِالْبَيِّنَةِ وَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي حَاضِرَانِ، وَقَضَى الْقَاضِي بِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَاعَهَا مِنْ هَذَا الْبَائِعِ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ثُمَّ بَاعَهَا الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ فَقَدْ شَرَطَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ لِلْقَضَاءِ بِالْجَارِيَةِ، لِلْمُسْتَحِقِّ حَضْرَةُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَأَنَّهُ شَرْطٌ لَازِمٌ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْبَائِعُ دُونَ الْمُشْتَرِي أَوْ حَضَرَ الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي بِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ عَلَى مَا ادَّعَيَا وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا لِعَجْزِ الْبَائِعِ عَنْ التَّسْلِيمِ أَجَابَهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ، فَإِنْ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً وَأَقَامَهَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّ أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَاهَا وَقَبَضَهَا مِنْ الْمُسْتَحِقِّ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ هَذَا الْمُشْتَرِي قَضَى الْقَاضِي بِالْجَارِيَةِ لِلْبَائِعِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الْمُشْتَرِيَ.
وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي الْكِتَابِ ثُمَّ وَجَدَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ وَأَقَامَهَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّ يُشِيرُ إلَى أَنَّ شَرْطَ قَبُولِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ إقَامَتُهَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّ.
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَبَضَ الْجَارِيَةَ مِنْ الْبَائِعِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ بِالْبَيِّنَةِ قَضَى بِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ وَتُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمُشْتَرِي لَا غَيْرُ، وَيَنْقُضُ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إذَا طَلَب الْمُشْتَرِي، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ.
عَلَى الْبَائِعِ فَإِنْ أَقَامَ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةً عَلَى الْمُسْتَحِقِّ أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَقَبَضَهَا قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا قَضَى الْقَاضِي بِالْجَارِيَةِ لِلْبَائِعِ وَبَطَلَ قَضَاءُ الْقَاضِي حَتَّى كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرِيَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- الْأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ لَا يَبْطُلُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِالْفَسْخِ، وَلَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ ثُمَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَمَّا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْجَارِيَةَ، وَإِنْ أَبَى هَلْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ الْبَائِعِ إذَا أَبَى الْبَائِعُ ذَلِكَ؟ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْفَصْلَ هُنَا.
قَالَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ.
وَإِلَيْهِ أَشَارَ بَعْدَ هَذَا فِي هَذَا الْبَابِ، هَذَا إذَا فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا فَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَفْسَخْ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا وَلَكِنَّ الْبَائِعَ مَعَ الْمُشْتَرِي اجْتَمَعَا عَلَى الْفَسْخِ حِينَ اُسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ مِنْ يَدَيْ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً عَلَى الْمُسْتَحِقِّ وَقَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالْجَارِيَةِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يُنْقِضَ الْبَيْعَ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِصِحَّةِ النَّقْضِ هَهُنَا مِنْ قَضَاءٍ أَوْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَطْلُبْ مِنْ الْقَاضِي فَسْخَ الْعَقْدِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَكِنْ طَلَبَ مِنْ الْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ عَلَيْهِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً عَلَى الْمُسْتَحِقِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَأَخَذَ الْجَارِيَةَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ- لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ إيَّاهَا.
وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يَرُدَّ الثَّمَنَ حَتَّى خَاصَمَهُ.
الْمُشْتَرِي إلَى الْقَاضِي فُسِخَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَأُلْزِمَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي فَأَخَذَهُ أَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ حَتَّى أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْمُسْتَحِقِّ عَلَى مَا قُلْنَا وَأَخَذَ الْجَارِيَةَ، كَانَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَوَّلُ.
رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ عَبْدًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَقَبَضَهُ وَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي، فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بَيِّنَةً عَلَى الْمُسْتَحِقِّ أَنَّهُ كَانَ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِكَذَا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَالْبَائِعُ الْأَوَّلُ بَاعَهُ مِنْ بَائِعِهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ خَاصَمَ بَائِعَهُ- وَهُوَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ- فِي الثَّمَنِ وَقَضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ وَأَخَذَ الْغُلَامَ مِنْهُ هَلْ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ؟ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- الْأَوَّلُ لَهُ ذَلِكَ.
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- الْآخَرُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ وَرَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ وَقَضَى لَهُ بِهِ عَلَيْهِ فَأَقَامَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَأَخَذَ الْعَبْدَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ كَانَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- الْأَوَّلُ.
وَهَلْ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ؟ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- الْأَوَّلُ ذُكِرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ غُلَامًا وَقَبَضَهُ وَنَقَدَ الثَّمَنَ فَجَاءَ مُسْتَحِقٌّ وَاسْتَحَقَّهُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي بِالْبَيِّنَةِ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْغُلَامِ لِلْمُسْتَحِقِّ ثُمَّ أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى الْمُسْتَحِقِّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَمَرَ الْبَائِعَ بِبَيْعِهِ فَبَاعَهُ بِأَمْرِهِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَرَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ وَقَضَى لَهُ بِهِ ثُمَّ إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْمُسْتَحِقِّ أَنَّهُ كَانَ أَمَرَ بِبَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ، يُنْظَرُ إنْ كَانَ مَا دُفِعَ إلَى الْمُشْتَرِي عَيْنُ مَا قَبَضَهُ مِنْهُ أَوْ أَمْسَكَ الْمَقْبُوضَ وَرَدَّ مِثْلَهُ أَوْ اسْتَهْلَكَ الْمَقْبُوضَ وَضَمِنَ مِثْلَهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ قَدْ هَلَكَ عِنْدَ الْوَكِيلِ وَضَمِنَ الْوَكِيلُ لِلْمُشْتَرِي مِثْلَهُ مِنْ مَالِهِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ فَإِنْ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ يَسْتَرِدُّ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا دَفَعَ إلَيْهِ فَيَأْخُذُ الْغُلَامَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ وَيَدْفَعُهُ إلَى الْمُشْتَرِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- الْأَوَّلُ.
وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَ الْغُلَامَ مِنْ آخَرَ فَاسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَقَضَى لَهُ بِهِ فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ بَيِّنَةً عَلَى أَمْرِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْبَائِعِ بِالْبَيْعِ- قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيَأْخُذُ الْعَبْدَ مِنْ يَدِ الْمُسْتَحِقِّ وَيُلْزِمُ الْمُشْتَرِيَ الْآخَرَ.
عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- الْأَخِيرُ فَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ لَمْ يَجِدْ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَأَقَامَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ بَيِّنَةً عَلَى أَمْرِ الْمُسْتَحِقِّ- فَهُوَ عَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: رَجُلٌ رَهَنَ مِنْ آخَرَ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيْهِ لِلْمُرْتَهِنِ وَقَبَضَهَا الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ أَخَذَهَا الرَّاهِنُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَبَاعَهَا مِنْ إنْسَانٍ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، ثُمَّ إنَّ الْمُرْتَهِنَ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الرَّهْنِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَهَلْ يَتَمَكَّنُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ فَسْخِ هَذَا الْبَيْعِ؟ رَوَى مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَفْتِكُهَا الرَّاهِنُ فَيَأْخُذُهَا فَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي فَسَخَ الْعَقْدَ وَفَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ وَقَضَى لَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ قَضَى الْمُرْتَهِنَ الْمَالَ وَاسْتَرَدَّهَا، لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ.
وَلَوْ كَانَ الرَّاهِنُ قَدْ قَضَى الدَّيْنَ وَقَبَضَ الْجَارِيَةَ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ هَذَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ إنَّ الْمُرْتَهِنَ جَحَدَ الْقَضَاءَ وَقَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالْجَارِيَةِ رَهْنًا وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ وَفَسَخَ وَرَدَّ الثَّمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ أَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَاسْتِرْدَادِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَأَخَذَهَا وَأَرَادَ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ هَلْ لَهُ ذَلِكَ، وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى اسْتَحَقَّهَا الْمُرْتَهِنُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَبَضَهَا فَلَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- الْآخَرُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- الْأَوَّلُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، فَهَذَا الْإِطْلَاقُ يَدُلُّ عَلَى وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ.
عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ-
رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- الْأَوَّلُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجَارِيَةُ مُسَلَّمَةً إلَى الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ تَكُنْ وَهُوَ الصَّحِيحُ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.