الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة يأتي المصلى يوم عيد وقد سبقه الإمام بالتكبير: قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم يوصي لمكاتبه، وجه قول ابن القاسم فيمن دخل مع الإمام في العيد- وهو يقرأ، أنه يكبر التكبير الذي فاته معه؛ ووجه قول ابن وهب هناك، أنه لا يكبر بعده- إذا فاته التكبير معه؛ وقوله- هاهنا فيمن فاتته الركعة الأولى من صلاة العيد: إنه يكبر إذا قام لقضائها سبعا، هو مثل ما في الحج الأول من المدونة؛ وخلاف أصله في الصلاة الأول منها فيمن جلس مع الإمام في غير موضع جلوس له، أنه يقوم بلا تكبير؛ ومثل قوله فيه فيمن أدرك الإمام جالسا في آخر صلاته، أنه يقوم بتكبير؛ لأنها إنما هي سبع تكبيرات بتكبيرة الإحرام، وهو قد كبر تكبيرة الإحرام، فإذا لم يكبر للقيام على الأصل المذكور، وجب أن يكبر ما بقي من التكبير، وذلك ست تكبيرات على ما قال في القول الثاني- وهو قوله في كتاب الصلاة الثاني من المدونة. وإذا كبر للقيام على قوله في الذي أدرك الإمام- جالسا في آخر صلاته، وجب أن يكبر سبع تكبيرات، واحدة للقيام والست التي بقيت، وهو مذهب ابن الماجشون أنه يقوم بتكبير على كل حال؛ وقد ذهب بعض الناس إلى أن قوله فيمن أدرك الإمام جالسا في آخر صلاته، أنه يقوم بتكبير، ليس بخلاف لأصله في تفرقته بين أن يجلس مع الإمام في موضع جلوس أو في غير موضع جلوس، لكنه استحب لما كان في أول الصلاة أن تتصل قراءته بتكبير، وهذا يضعف بقوله فيمن أدرك الإمام جالسا في صلاة العيد من أنه يكبر سبعا وخمسا؛ لأن الواحدة من السبع هي للقيام، وقد كان معه من بقيه التكبير ما يتصل له به القراءة في أول الصلاة، وهذا كله بين- والله الموفق. .مسألة الغلام يحتلم بعد العصر: قال محمد بن رشد: وهذا صحيح؛ لأنه إذا احتلم- وقد بقي من النهار ما يدرك أن يصلي فيه بعد فراغه من غسله- الصلاة الواحدة، وركعة واحدة من الأخرى؛ وجب عليه أن يصليهما جميعا، لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر»- الحديث- وإن كان قد صلاهما قبل أن يحتلم؛ لأنهما كانتا له قبل الاحتلام نفلا، ولا تجزئ نافلة عن فريضة- وبالله التوفيق. .مسألة الإمام يضعف عن الخطبة يوم الجمعة: من عبد الرحمن بن القاسم من كتاب الصبرة قال يحيى: قال ابن القاسم في الإمام يضعف عن الخطبة يوم الجمعة: أنه لا ينبغي له أن يصلي بالناس إن اختطب بهم غيره، وليأمر الذي يوكله بالاختطاب أن يصلي بالناس، وليصل الإمام وراءه خيرا له من أن يدع الجمعة، والأعياد مثل ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الخطبة متضمنة بالصلاة، فكانت هي والصلاة كالصلاة وحدها- في أنه لا يجوز أن يفرق على إمامين بالقصد إلى ذلك، فإن حدث للإمام ما يخرجه عن الصلاة- وقد صلى بعضها- جاز له أن يستخلف على بقيتها، فكذلك إذا حدث له ما يمنعه من الصلاة بعد أن خطب، جاز له أن يستخلف على الصلاة؛ وهذا كله بين لا إشكال فيه، وقد مضى ما دل على هذا المعنى في رسم إن خرجت- قبل هذا. وقوله: وليصل الإمام وراءه خيرا له من أن يدع الجمعة، كلام ليس على ظاهره، بل هو الواجب عليه أن يصلي وراءه الجمعة، ولا سعة له في التخلف عن ذلك- وبالله التوفيق. .مسألة يدخل في أول صلاة الإمام يوم الجمعة وينسى التكبير للإحرام في الركعة الأولى: مسألة وسئل عن الرجل يدخل في أول صلاة الإمام يوم الجمعة وينسى التكبير للإحرام في الركعة الأولى: أيجزئه أن يكبر في الثانية ويجعلها أول صلاته؟ قال: ذلك مجزئ عنه في الجمعة خاصة، لئلا تفوته، ولا يجزئ ذلك في غيرها. قال محمد بن رشد: قوله في السؤال أيجزئه، وقوله في الجواب ذلك مجزئ عنه، لفظ غير محرر، وصوابه: أيجوز له، قال: ذلك يجوز له، ولا يجوز له ذلك في غيرها- وهو الذي أراد؛ لأن ذلك إن فعله يجزئه في الجمعة وغيرها، ويجوز له في الجمعة، ولا يجوز له في غيرها؛ لأن الاختيار له في غير الجمعة أن يتمادى مع الإمام على صلاته- رجاء أن تجزئه على قول من يرى تكبيرة الركوع تجزئ عن تكبيرة الإحرام، ثم يعيد مخافة أن لا تجزئه على قول من لا يرى تكبيرة الركوع تجزئ من تكبيرة الإحرام، والاختيار له في الجمعة، أن يقطع ويحرم في الثانية، فتكون له جمعة باتفاق. وقد وقع في أصل السماع من كتاب الصلاة أيضا، وقال في الرجل يذكر في صلاة الجمعة بعد ركعة، أنه لم يحرم- وقد كبر للركوع: إن ذلك التكبير يجزئه- ولا شيء عليه، نواه للإحرام أو لم ينوه، وذلك بعيد؛ لأنه إذا أجزأه في الجمعة، كان أحرى أن يجزئه في غيرها، وليس ذلك موجودا لمالك، وإنما هو قول سعيد بن المسيب، وابن شهاب. .مسألة يركع ويسجد وهو مغلق اليدين: قال محمد بن رشد: قوله يستغفر الله ولا يعد يريد إذا فعل ذلك متعمدا من غير عذر؛ وأما إذا فعله من عذر فلا استغفار عليه في ذلك؛ إذ لم يأت بما يكره له ويستغفر منه، وإيجاب الاستغفار في ذلك عليه، يدل على أنه عنده من سنن الصلاة، لا من فضائلها؛ فيتخرج في ترك ذلك متعمدا من غير عذر- قولان، وبالله تعالى التوفيق. .مسألة المرأة تصلي العصر وتنسى الظهر ثم تحيض: مسألة وسئل عن المرأة تصلي العصر وتنسى الظهر، ثم تحيض وعليها من النهار ما تصلي فيه صلاة واحدة، فقال: سواء عليها؛ إذا حاضت ولم يبق من النهار إلا ما كانت تصلي فيه صلاة واحدة وهي ناسية للظهر قبل ذلك، صلت العصر أولم تصلها، فليس عليها أن تعيد إلا الظهر وذلك أنها لو نسيتهما جميعا، فحاضت ولم يبق من النهار إلا قدر ما تصلي فيه صلاة واحدة، فإنما عليها إذا طهرت إعادة الظهر التي قد كان فرط وقتها، وتكون إعادة صلاة العصر عنها موضوعة؛ لأنها حاضت في وقتها؛ كما أنها لو حاضت وقد بقي من النهار ما تصلي فيه الظهر والعصر، لم يكن عليها إذا طهرت أن تعيد شيئا، وإنما تعد الوقت الآخر؛ إذا لم يبق من النهار إلا قدر ما كانت تصلي صلاة واحدة لآخر الصلاتين، ولا تعد ذلك الوقت للظهر، بل قد فرط وقت الظهر وبقي وقت العصر، فما فرط قبل أن تحيض، فعليها إعادته إذا طهرت، وما بقي وقته قبل أن تحيض فليس عليها أن تعيد إذا طهرت، كما لو بقي وقتهما جميعا قبل أن تحيض، لم يكن عليها إعادة واحدة منهما- بعد أن تطهر؛ ألا ترى أنها لو صلت الظهر ونسيت العصر وحاضت- وعليها من النهار وقت صلاة واحدة، لم تعد العصر؛ إذا طهرت، وقد قال في سماع عيسى: ليس عليها إعادة الظهر لأنها لما صلت العصر ونسيت الظهر وحاضت وبقي عليها من النهار بقية، جعل وقت ما حاضت فيه الظهر، وقاسها ابن القاسم بالرجل ينسى الظهر في السفر ويصلي العصر، فيدخل الحضر وعليه بقية من النهار، ففيما يتوضأ غربت الشمس، أن عليه الظهر أربعا؛ قال ابن القاسم: ومن قال خلاف هذا، فقد أخطأ. قال محمد بن رشد: عبر ابن القاسم في هذه المسألة عن القضاء بالإعادة، حيثما وقع منها، وذلك تجوز في العبارة؛ لأن الإعادة إنما تستعمل فيما قد فعل، وأما ما لم يفعل حتى خرج وقته من الصلوات، فإنما يقال فيه قضاء لا إعادة؛ فذلك تجوز في العبارة- كما قلناه. وقوله في سماع عيسى: وقاسها ابن القاسم بالرجل ينسى الظهر في السفر إلى آخر قوله، ليس بوجه القياس؛ لأن حقيقة القياس أن يرد ما اختلف فيه إلى ما اتفق عليه عند الجميع، أو مع المنازع؛ ومسألة المسافر التي قاس عليها مسألة الحائض ليست بمتفق عليها فتجعل أصلا لها، وإنما هي نظيرة لها، فيدخلها من الخلاف ما دخلها؛ وكذلك مسألة الحاضر يسافر لمقدار ركعتين فأقل، وقد صلى العصر ولم يصل الظهر؛ ومسألة الذي يصلي العصر بثوب طاهر، والظهر بثوب نجس، ثم يعلم ذلك قبل الغروب بمقدار أربع ركعات، فأقل؛ هذه الأربع مسائل الاختلاف فيها واحد، قيل: إن الوقت فيها كلها وقت للعصر، صليت أولم تصل؛ قال: هذا من ذهب إلى أن العصر تختص بأربع ركعات قبل الغروب، لا يشاركها فيها الظهر، وهي رواية عيسى هذه عن ابن القاسم، فلا تسقط على هذا القول عن الحائض صلاة الظهر؛ إذ قد خرج وقتها قبل أن تحيض؛ وتسقط إعادتها عن الذي صلاها بثوب نجس؛ إذ قد خرج وقتها قبل أن يعلم؛ ويصليها المسافر سفرية إذ قد خرج وقتها قبل أن يدخل؛ ويصليها الحاضر حضرية؛ إذ قد خرج وقتها قبل أن يخرج؛ وقيل: إن الوقت فيها كلها وقت للظهر التي لم تصل، قال: هذا من ذهب إلى أن الظهر يشارك العصر في الوقت إلى الغروب، وهي رواية عيسى هذه، ورواية أصبغ في سماعه، فعلى هذا القول لا تصليها الحائض؛ لأنها حاضت في وقتها، ويعيدها الذي صلاها بثوب نجس؛ لأنه قد علم في وقتها، ويصليها المسافر حضرية؛ لأنه قد دخل في وقتها؛ والحاضر سفرية؛ لأنه قد خرج في وقتها؛ فهذا هو أصل الاختلاف في هذه المسألة، فوجه القول باختصاص العصر بالوقت دون الظهر، قوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر». فأضاف الوقت إلى العصر دون الظهر، ووجه القول باشتراك الظهر معها فيه، إجماعهم على أنه يصلي الظهر في ذلك الوقت من آخره إليه. وأخذ ابن حبيب برواية يحيى أن الوقت وقت للعصر في مسألة الحاضر يخرج خاصة؛ لأن الصلاة تجب على هذا حضرية، وبرواية عيسى وأصبغ: أن الوقت وقت للظهر في سائر المسائل، لوجوب الصلاة على ذلك والإتمام احتياطا للصلاة على غير قياس؛ وكذلك اختلف قول ابن القاسم في المرأة تطهر لمقدار صلاة واحدة، فتذكر أن عليها صلاة منسية، فمرة جعل الوقت الذي طهرت فيه للصلاة المنسية بصلاتها فيه، ويسقط عنها الأخرى؛ ومرة جعل الوقت للصلاة التي طهرت في وقتها فتصلي الصلاة المنسية، ثم تصلي الصلاة التي طهرت في وقتها- وإن خرج الوقت. واختار أصبغ القول الأول، وذكره من قول مالك؛ ووجهه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «إذا نام أحدكم عن الصلاة»- الحديث، فجعل وقت الصلاة المنسية وقت ذكرها. واختار ابن المواز القول الثاني، وقال: إن القول الأول مخالف لأصل قول مالك في موطئه في المسافر يخرج في سفره لمقدار ركعتين من النهار- وهو ناس للظهر والعصر، إنه يصلي الظهر أربعا، والعصر ركعتين. إذ ينبغي على القول الأول أن يجعل الوقت للظهر فيصليها ركعتين، ويصلي العصر أربعا؛ وهذا مما لم يقل به مالك، ولا أحد من أصحابه؛ ووجهه قوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر». بدليل حمله على عمومه- وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. .مسألة الجنب يجز شعره ثم يصلي وفي ثوبه بعضه: مسألة قال: وسألته عن الجنب يجز شعره ثم يصلي- وفي ثوبه بعضه، قال: ليس عليه أن يعيد في وقت ولا غيره، إلا أن يكون في الشعر بعينه نجس أصابه، وقد يصلي الرجل على بساط شعر ميتة فلا يكون عليه شيء. قال محمد بن رشد: هذا استدلال مقلوب؛ لأنه بنى الأصل على فرعه، وذلك لا يصح إلا بعد تسليمه والقول بصحته؛ إذ لا اختلاف بين أحد من أهل العلم في جواز أخذ الشعر من الحي وأنه طاهر، لقوله عز وجل: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا} [النحل: 80]- الآية. وإنما اختلفوا في جواز أخذه من الميت؛ إذ من أهل العلم من رآه نجسا يموت بموت الميتة؛ إذ قد حله الروح عنده؛ والدليل على أنه طاهر، وأن الروح لم يحله، جواز أخذه من الحي، فهذا هو القياس الصحيح؛ ووجه التنظير بين المسألتين، أن الشعر كما لا ينجس بالموت، لا ينجس بالجنابة. .مسألة القريب العهد بالإسلام يصلي المغرب أياما أربعا أربعا: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الجاهل لا يعذر بجهله في الصلاة، فهو كالمتعمد العالم، وهو أصل من الأصول في المذهب. .مسألة المريض أيجوز له أن يصلي المكتوبة على المحمل: قال محمد بن رشد: هذه الرواية عن مالك خلاف رواية ابن القاسم عنه في رسم سن: أنه لا يجوز له أن يصلي المكتوبة على المحمل- أصلا، وخلاف رواية أشهب عنه في آخر رسم الصلاة الثاني، أنه يجوز له أن يصلي المكتوبة على المحمل- إذا لم يقدر على السجود- وإن قدر على الجلوس، فهي ثلاثة أقوال، وقد مضى بيان ذلك في رسم سن المذكور. .مسألة المسافر يريد مسيرة أربعة برد فإذا صار عشرين ميلا أجمع إقامة أربع ليال: قال محمد بن رشد: لا فرق بين المسألتين، فقول سحنون خلاف لقول ابن القاسم: ينظر إلى ما بقي من سفره بعد الإقامة في المسألتين جميعا، فلا يقصر فيهما إلا إن كان بقي من سفره ما تقصر في مثله الصلاة، وسحنون ينظر إلى نيته في ابتداء سفره، فإن كان ذلك ما يجب فيه قصر الصلاة، قصر في مسيرة ذلك، وإن تخلله إقامة أربعة أيام، نوى الإقامة من أول سفره أو لم ينوها- وبالله التوفيق. .مسألة الرجل يرى في ثوب الإمام نجاسة: قال محمد بن رشد: قوله في الذي رأى في ثوب الإمام نجاسة- إن أطاق أن يريه ذلك فليفعل، يريد فيخرج الإمام ويستخلف، ويتمادى هو مع المستخلف على صلاته، إلا أن يكون عمل من الصلاة معه عملا بعد أن رآه وقبل أن يريه إياه، فيكون قد أفسد على نفسه صلاته بذلك، فيقطع ويبتدئ- قاله يحيى بن يحيى؛ وهو صحيح على ما قال: إذا لم يطق أن يريه إياه فصلى معه، إنه يعيد في الوقت، وبعده أحب إلي؛ وإنما قال: وإن لم يعد إلا في الوقت أجزأه، مراعاة لقول من يرى أن صلاة المأمومين غير مرتبطة بصلاة إمامهم، مع ما في أصل المسألة من الاختلاف؛ إذ قد قيل في رفع النجاسات من الثياب والأبدان أنه فرض، وهو قول ابن وهب؛ فعلى قوله يعيد من صلى بثوب نجس عامدا أو جاهلا أو ناسيا أبدا؛ وقيل: إنه سنة- وهو المشهور في المذهب، فعلى هذا يعيد من صلى بثوب نجس في الوقت إن كان ناسيا، أولم يجد غيره، وإن صلى به متعمدا أو جاهلا- وهو يجد ثوبا طاهرا، أعاد أبدا، لتركه السنة عامدا مستخفا بصلاته، أو جاهلا فلا يعذر بجهله، ومن الناس من يعبر عن رفع النجاسات من الثياب والأبدان- على هذا- بأنه فرض بالذكر مع القدرة، يسقط بالنسيان، أو عدم القدرة، وليست بعبارة مخلصة. وقد روى البرقي عن أشهب أن من صلى بثوب نجس عامدا، فلا إعادة عليه إلا في الوقت، وهو ظاهر قوله في المدونة فيمن مسح مواضع المحاجم ولم يغسلها، أنه يعيد في الوقت،- إذ لم يفرق في ذلك بين النسيان والعمد، وعلى ذلك حملها أبو عمران فقال: ناسيا كان أو عامدا، للاختلاف في المسح؛ إذ قد روي عن الحسن وغيره، أنه قال: ليس عليه غسل موضع المحاجم. وقد قال ابن أبي زيد: معناه ناسيا؛ وجعل ذلك ابن حبيب أخف من الدم الذي يفتله الراعف ويتمادى على صلاته، وحكم الذي يعلم في الصلاة- أن الإمام غير متوضئ، حكم الذي يرى في ثوب الإمام نجاسة- ولا يقدر على أن يريه إياه، لبعد ما بينه وبينه؛ يعلم الإمام بذلك، ويستأنف الصلاة عند سحنون؛ وسكت ابن القاسم عن الجواب في هذا الذي يأتي على مذهبه في ذلك أن يكلمه ويبني على صلاته- على أصله في إجازة الكلام فيما تدعو إليه الضرورة من إصلاح الصلاة على حديث ذي اليدين؛ وقد قيل: إنه إن قدر أن يفهم الإمام أنه على غير وضوء، وأن في ثوبه نجاسة، بأن يتلو آية الوضوء، أو أول المدثر، فعل ذلك وتمادى على صلاته مع مستخلف الإمام، وهو قول الأوزاعي؛ وقد قيل: إنه لا يمنع الرجل أن يرى الإمام النجاسة في ثوبه بعدما بينه وبينه، وله أن يخرق الصفوف إليه، ثم يرجع إلى الصف، ولا يستدبر القبلة في رجوعه إلى الصف، قاله يحيى بن يحيى، وهو خلاف ظاهر قول سحنون. .مسألة يختم القرآن وهو في نافلة ثم يريد أن يبتدئ القرآن من سورة البقرة: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال- لأن السنة أن يقرأ أم القرآن في كل ركعة مرة، كما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للذي علمه الصلاة. .مسألة يمنعهم شدة المطر من شهود الجمعة أيجمعون الظهر بمكانهم: مسألة قال: وسئل عن القوم يمنعهم شدة المطر من شهود الجمعة، أيجمعون الظهر بمكانهم الذي هم فيه؟ فقال: إن جاء من ذلك أمر غالب يعذرون به، جاز لهم أن يجمعوا كما جوز مالك للمرضى والمحبوسين، لما تبين من عذرهم؛ وإن كان مطرا لا يمنعهم من شهود الجمعة، فإن جمعوا أعادوا الصلاة- إذا تركوا شهود الجمعة لغير عذر غالب. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مجودا في أول رسم من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة القول في ذلك. .مسألة الإمام يرى في ثوبه دما تعاد الصلاة من مثله: قال محمد بن رشد: قوله في الإمام يرى في ثوبه نجاسة، أنه ينصرف ويستخلف من يتم بالقوم بقية صلاتهم، هو المشهور المعلوم في المذهب؛ والأصل في ذلك ما روي «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى في ثوبه دما في الصلاة فانصرف»، فإذا وجب عليه أن ينصرف لما في ثوبه من النجاسة، وجب عليه أن يستخلف كما إذا ذكر أنه على غير وضوء وأحدث؛ وقد قال ابن القصار: إن من رأى نجاسة في ثوبه- وهو في الصلاة وعليه ما تجزئه به الصلاة سواه، أنه يخلعه ويتمادى على صلاته، كما فعل النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- في النعل الذي علم في الصلاة أن فيه نجاسة؛ وقد فرق بعض الناس بين الثوب والنعل، بأن النجاسة في أسفل النعل، فأشبه أن لو بسط عليها ثوبا أو جلدا، وهي تفرقة ضعيفة، والصواب أن ذلك تعارض بين الآثار؛ ولذلك اختلف أهل العلم في طهارة الثوب والبقعة، هل هو من فرائض الصلاة، أو من سننها- وبالله التوفيق. .مسألة يدخل المكتوبة فيصلي ركعتين ثم يشك في أنه بقي عليه مسح رأسه: قال محمد بن رشد: هذا خلاف قول ابن القاسم في أول رسم بع من سماع عيسى، وقد مضى هناك وجه قوله، ووجه قول أشهب هذا أن الصلاة واجبة عليه بطهارة، فلا يصح الدخول فيها، ولا التمادي عليها، إلا بطهارة متيقنة غير مشكوك فيها. .مسألة يأتي إلى القوم وهم في الصلاة فيدخل معهم فيها وقد صلاها في البيت: قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما يأتي بعد هذا في هذا السماع من قول ابن القاسم وروايته عن مالك، وخلاف ما مضى أيضا في رسم أسلم من سماع عيسى، وقد مضى هناك من توجيه القولين ما أغنى عن إعادته ههنا. .مسألة يدخل يوم الجمعة وهو يرى أنه يوم الخميس: قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة موعبا في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا وجه لإعادته. .مسألة يدخل في الظهر فتتحول نيته وهو يظن أنه في نافلة: قال محمد بن رشد: لم يراع أشهب تحول النية في الصلاة وهو على روايته عن مالك في الذي ركع بالسجدة- ساهيا في رسم لم يدرك من سماع عيسى خلاف قول ابن القاسم فيه وفي رسم أسلم بعده، وقد مضى في الرسمين من الكلام في ذلك ما فيه كفاية لمن تدبره ووقف عليه. .مسألة الحائض تطهر فتغتسل وقد بقي عليها من النهار ما تصلي فيه ثلاث ركعات: قال محمد بن رشد: قوله في الحائض التي تطهر فتغتسل بماء غير طاهر- وقد بقي من الوقت ما تصلي فيه ثلاث ركعات، أنها تصلي بهذا الغسل؛ لأن الوقت يفوتها- إن لم تصل حتى تعيد الغسل بماء طاهر معناه أن الماء الذي تطهرت به لم يتغير أحد أوصافه بما حل فيه من النجاسة، فهو ماء مختلف في طهارته، لا تجب الإعادة على من تطهر به إلا في الوقت استحبابا فهو ماء تصح به الصلاة، ولو لم تصل به واغتسلت بماء طاهر، فذهب الوقت، لوجب على قياس قوله- أن تصلي بعد ذهاب الوقت؛ لأن الصلاة قد كانت وجبت عليها قي الوقت بذلك الغسل، خلاف قول ابن القاسم في رسم كتاب السهو من سماع أصبغ فيها وفي المغمى عليه، وإن علما قبل أن يصليا، أعادا الغسل والوضوء، وعملا على ما بقي لهما بعد فراغهما، ولم ينظر إلى الوقت الأول، إلا أن تحمل رواية أصبغ على أن ذلك الماء قد تغير أحد أوصافه بالنجاسة، والأظهر أنه إنما تكلم على الماء الذي لم تغيره النجاسة، فحكم له بحكم الماء الذي غيرته النجاسة، وذلك على قياس قوله في المدونة أنه يتيمم ولا يتوضأ به؛ فهو خلاف لقول أشهب هذا، وقياسه مسألة الحائض تظن أنه إنما بقي من الوقت أربع ركعات بعد ظهرها، فتصلي العصر ويبقى من الوقت ركعة على الذي يصلي العصر- وهو ناس للظهر، ثم يذكر ولم يبق بينه وبين المغرب إلا مقدار ما يصلي فيه الظهر، أنه لا إعادة عليه للعصر، صحيح، والمعنى الجامع بينهما، أن كل واحد منهما صلى العصر- وهو يظن أن الظهر غير واجبة عليه- وإن افترق موجب ظنهما؛ لأن الحائض ظنت أنها لم يجب عليها باعتقادها أنها طهرت بعد وقتها، والآخر ظن أنه لم يجب عليه اعتقاد أنه قد كان صلاها؛ ولمالك في كتاب ابن المواز في مسألة الحائض: أنها تعيد العصر بعد الغروب. قال محمد بن المواز: وذلك عندنا- إذا علمت بالركعة قبل أن تسلم من العصر، فأما لو لم تعلم إلا بعد أن سلمت، فلا شيء عليها، إلا الظهر- وحدها فلم ير بين المسألتين فرقا؛ ويحتمل أن يفرق بينهما على مذهب من يرى أن الظهر تختص بأربع ركعات بعد الزوال، لا يشاركها فيها العصر؛ لأن ظهرها آخر الوقت أول الوقت لها، كزوال الشمس لسائر الناس، بخلاف الذي يؤخر الصلاة عن أول وقتها، فلما صلت العصر في الوقت المختص بالظهر على هذا القول، صارت كمن صلى الصلاة قبل وقتها، يجب عليه إعادتها أبدا، وهذا بين- والله أعلم؛ وأما قوله في الذي نسي الصبح فذكر قبل الغروب بمقدار ركعة، أنه يبدأ بالصبح، وإن فات وقت العصر، فذلك ما لا اختلاف فيه أحفظه في المذهب أن ترتيب الصلوات اليسيرة الفوائت مع ما هو في وقته واجب وجوب السنن؛ فإن بدأ بالعصر- جاهلا أو متعمدا، فقيل: لا إعادة عليه بعد خروج الوقت، وقيل: إنه يعيد لترك السنة- عامدا، وقيل: إنه إن بدأ بالعصر- وهو ذاكر للصبح- فلا إعادة عليه إلا في الوقت، وإن ذكر الصبح بعد أن دخل في العصر، أعادها أبدا، للحديث الذي جاء- وهو قوله عَلَيْهِ السَّلَامُ: «من ذكر صلاة في صلاة، فسدت هذه عليه»- وهو مذهبه في المدونة.
|