الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمامة بنت زينب في الصلاة: قال محمد بن رشد: حمل مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا على أنه إنما فعله لحاجة وضرورة، فأجاز ذلك عند الضرورة، ولم يجز ذلك لغير الضرورة ولا على حب الرجل ولده. فإن فعل ولم يشغله عن صلاته فلا إعادة عليه، قاله ابن القاسم في سماع موسى بن معاوية، وينبغي أن يحمل على التفسير؛ لقول مالك: وليس في الأحاديث ما يدل على أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل ذلك من ضرورة، وظاهرها العموم. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن ذلك كان في أول الإسلام، وحين كان يجوز في الصلاة الكلام، ثم نسخ ذلك كما نسخ الكلام، فروي «عن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، فأمرنا بالسكوت والقنوت والخشوع والإقبال على الصلاة وترك الاشتغال بغيرها من فعل ومن قول». وقد مضى العمل في الصدر الأول وما بعده على ترك مثل هذه الأفعال في الصلاة، فدل على أنهم علموا النسخ فيها؛ إذ لا يجمعون على خلاف ما فعله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بعد ثبوت نسخ ذلك عندهم، والله أعلم. .مسألة الرجل يدخل المسجد يصلي والصبي أمامه في الصف: قال محمد بن رشد: قوله: أرجو أن يكون ذلك واسعا يدل على أن الاختيار عنده أن يتنحى عنه حتى لا يكون في قبلته، وسيأتي بيان هذا في رسم الجواب من سماع عيسى. .مسألة المسافرين ينزلون بالقرية فيحبسهم الرجل فيقدموه ليتم بهم الصلاة: قال الإمام أبو الوليد: قد مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم وفي رسم شك في طوافه منه القول في تقديم المسافرين للمقيم ليتم بهم الصلاة، وفي رسم باع غلاما منه الوجه في كون صاحب المنزل أولى بالإمامة فيه، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك هنا، وبالله التوفيق. .مسألة يأتي المسجد المرتفع المعلق والصلاة قائمة أيصلي تحته بصلاته: قال محمد بن رشد: مذهب مالك رَحِمَهُ اللَّهُ أن الإمام إذا صلى بقوم في موضع مرتفع جاز للرجل أن يصلي بصلاته في موضع أخفض منه، إلا أن يكون أمام الإمام، فإنه يكره ذلك له ابتداء، فإن فعل أجزأته صلاته. هذا معنى قوله في المدونة، وهو نص قوله في هذه الرواية في المسجد المرتفع المعلق على العمد. وأجاز في السفينة إذا صلى الإمام فوقها بمن معه أن يصلي من فيها بصلاتهم وإن كانوا أمام الإمام؛ إذ لا يجدون من ذلك بدا كما قال؛ لأنه موضع ضرورة. وكذلك على مذهبه إذا صلى الإمام بقوم في موضع منخفض جاز للرجل أن يصلي صلاتهم في مكان أرفع منه؛ لأنه لم يكره في المدونة الصلاة على قيقعان وأبي قبيس بصلاة الإمام في المسجد الحرام إلا من أجل بعدهما عن الإمام مع ارتفاعهما، لا من أجل ارتفاعهما خاصة، إلا أن يكون الموضع الذي صلى عليه ظهر المسجد والإمام مع جماعته داخل المسجد، فاختلف في ذلك قول مالك في المدونة أجازه مرة وكرهه أخرى، بخلاف الجمعة؛ إذ لم يختلف قوله في أن الجمعة لا يصليها أحد فوق ظهر المسجد، فإن فعل أعاد في الوقت وبعده، قاله ابن القاسم في المدونة، ومالك في المبسوطة، وقيل: لا إعادة عليه، وهو قول أشهب ومطرف وابن الماجشون وأصبغ في المدنية، وقال ابن الماجشون: جائز للمؤذن أن يصلي الجمعة فوق ظهر المسجد؛ لأنه موضع أذانه، وظهر السفينة هو موضع الركوب، فإن ضاقت السفينة عن أهلها فكان بعضهم فوقها وبعضهم أسفلها صلى الذين فوق بإمام، والذي أسفل بإمام، قاله في المدونة؛ لأنهما موضعان، فإن لم يكن لهم إلا إمام واحد فالاختيار أن يكون فوق حيث معظم الناس، وهو ظاهر قوله في هذه الرواية: أرأيت لو لم تضق السفينة أين كان يكون الإمام؟ بخلاف المسجد إذا كان له طبقتان لا يجوز أن يصلي في كل طبقة إمام، ويصلي الإمام بالجماعة في إحدى الطبقتين، فإن لم تحمل الطبقة الواحدة الجماعة فالاختيار أن يصلي الإمام أسفل، ويصلي فوق من الناس من ضاقت عنهم الطبقة، فإن صلى الإمام فوق وصلى أسفل من الناس من ضاقت عليهم الطبقة العليا جاز، ولا ينبغي أن يكون الإمام وحده دون الجماعة في موضع أرفع منهم ولا أخفض إلا أن يكون ذلك يسيرا، فإن فعل بقصد إلي ذلك لتكبره عليهم أو تكبرهم عليه أعادوا في الوقت وبعده؛ لأنهم عابثون. وإن صلى الإمام في مكان أرفع ممن خلفه من غير قصد إلى ذلك، مثل أن يكون الإمام فوق سقف السفينة والقوم تحته فيصلون على حالهم فقد أساؤوا، وصلاتهم تامة. وكذلك لو افتتح الرجل صلاته في موضع مرتفع فأتى قوم فائتموا به. واختلف إذا كان الإمام أسفل والقوم فوق السقف، فقال في المدونة: لا بأس بذلك. وعلى ما في سماع موسى بن معاوية لا ينبغي ذلك؛ لأنه قال: إذا كان الإمام أرفع ممن خلفه، أو كان من خلفه أرفع منه فلا بأس به إذا تقارب ذلك فساوى بين الوجهين. .مسألة يشد جبهته بالأرض حتى يؤثر فيها السجود فيبدو ذلك للناس: قال محمد بن رشد: كره له سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن يشد جبهته بالأرض حتى يؤثر فيها السجود فيبدو ذلك للناس؛ إذ ليس ذلك المراد بقول الله عز وجل: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29]، وإنما هو ما يعتريهم من الصفرة والنحول بكثرة العبادة أو سهر الليل، وقيل: إن ذلك في الآخرة لا في الدنيا، ولعله اتهمه أن يكون قصد بذلك ليعرف به؛ فلذلك وبخه بما قرره عليه في الرواية، والله أعلم. وقد روي أن عمر بن عبد العزيز استعمل عروة بن عياض على مكة، فاستعداه عليه رجل ذكر أنه سجنه في حق، فلم يخرجه من السجن حتى باع ماله منه بثلاثة آلاف وقد كان أعطاه به ستة آلاف، فأبى أن يبيعه منه واستحلفه بالطلاق ألا يخاصمه في ذلك أبدأ، فنظر عمر إلى عروة ونكت بالخيزران بين عينيه في سجدته ثم قال: هذه غرتني منك- لسجدته- ولولا أني أخاف أن تكون سنة من بعدي لأمرت بموضع السجود فقور، ثم قال للرجل: اذهب فقد رددت عليك مالك ولا حنث عليك. وبالله التوفيق. .مسألة أذان الصبي وإقامته وإمامته للبالغين: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المؤذن معلم بالأوقات، مؤتمن على مراعاتها، مصدق قوله فيها؛ لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن» فلا يصح أن يؤتمن ويصدق إلا من تعلم أمانته وتجوز شهادته، وبالله التوفيق. .مسألة يسهو فيتكلم وهو جالس قبل السلام: قال محمد بن رشد: هذا صحيح على المذهب لا يخرج من الصلاة إلا بالسلام؛ لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تحريم الصلاة التكبير، وتحليلها السلام» فسواء على المذهب تكلم أو أحدث بعد التشهد قبل السلام أو في أثناء صلاته. وأهل العراق يقولون: إذا جلس في آخر صلاته مقدار التشهد فقد خرج من الصلاة وإن لم يسلم، ويتعلقون بما روي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إذا أحدث الرجل وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته». فعلى قولهم لا يضره الحدث ولا الكلام بعد الجلوس وقبل السلام. وقد راعى ابن القاسم قولهم في رسم يدير ماله من سماع عيسى فقال: إن الإمام إذا أحدث بعد التشهد، فتمادى حتى سلم بهم متعمدا أن صلاتهم مجزئة، يريد: وتبطل عليه هو. .مسألة يصلي المرء جالسا أو متوكئا على عصا: قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا لم يقدر على أن يستقل قائما إلا أن يعتمد على شيء فقد سقط عنه فرض القيام، وجاز له أن يصلي جالسا في المكتوبة، وإن كان أحب إليه أن يصلى قائما متوكئا؛ لأنه لما سقط عنه فرض القيام صار له نافلة وفضيلة كما هو في النافلة. .مسألة الرجل الضعيف أترى أن يصلي قائما بالسورة القصيرة: قال محمد بن رشد: قوله: أحب إلي أن يصلي قائما، لفظ فيه تجاوز وليس على ظاهره، بل الواجب عليه أن يصلي قائما ولو لم يقدر منه إلا على قدر ما يقع فيه أم القرآن لم تجزئه صلاته جالسا؛ لأن القيام عليه فرض، والتطويل مستحب، فلا يسقط الفرض عنه بضعفه عن الاستحباب، وهذا بين، والله أعلم. .مسألة المريض لا يجد من يعطيه الماء ولا يقدر على أخذه: وسألته عن أبي لؤلؤة حين طعن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طعنه وهو في الصلاة أو قبل؟ فقال: قبل أن يدخل في الصلاة. قال محمد بن رشد: قوله: إن المريض الذي لا يجد من يعطيه الماء ولا يقدر على أخذه يتيمم ويصلي، صحيح لا اختلاف فيه؛ لأنه غير واجد للماء ولا قادر عليه، والله عز وجل يقول: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. وإنما اختلفوا في المريض الذي لا يقدر على مس الماء لمرضه وهو واجد له، فمن حمل الآية على ظاهرها ولم يقدر فيها تقديما ولا تأخيرا رآه من أهل التيمم، وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، ومن قدر فيها تقديما وتأخيرا لم يره من أهل التيمم؛ لأنه يعيد شرط عدم الماء على المرض والسفر، وهو قول مالك في أول رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من كتاب الوضوء، وقد مضى القول عليه هناك. وقوله: إنه يؤخر إلى وسط، القول هو مثل ما في المدونة، ويريد به وسط الوقت المختار. والوجه في ذلك أن فضيلة الماء أفضل من فضيلة أول الوقت، فهو يؤخر الصلاة عن أول وقتها رجاء أن يجد الماء الذي هو أفضل، فإن لم يجده إلى وسط الوقت المختار أمر أن يتيمم ليدرك فضيلة ما بقي من الوقت مخافة أن يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت فلا يجد الماء، فتفوته الفضيلتان جميعا. وذهب ابن حبيب إلى أنه يؤخر إلى آخر الوقت المستحب ثم يتيمم ويصلي، فإن وجد الماء في بقية من الوقت أعاد. وقول مالك أظهر؛ لما ذكرناه، وبالله التوفيق. .مسألة الرجل يدخل المسجد والإمام ساجد: الصواب أن يسجد ولا يعتد بذلك من صلاته، قيل له: أرأيت الذي إذا رآهم سجودا أرفق في المشي حتى يسبقوه بتلك السجدة؟ فقال: ما أرى أن يفعل. قيل: أرأيت إذا جاء وهو ساجد فكبر ثم سجد معه إذا قام، أيبتدئ بتكبيرة الإحرام أم تكفيه تلك التكبيرة؟ فقال: تكفيه تلك التكبيرة. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يسجد السجدة التي أدركها مع الإمام ولا يعتد بها، هو مثل ما في المدونة وغيرها، ولا اختلاف فيه، وإنما أوجب عليه أن يسجدها مع الإمام؛ لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون واتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا» وهو مدرك لها مع الإمام فوجب أن يصليها، وإنما وجب أن يلغيها ولا يعتد بها ويقضيها لأن الركوع والسجود كشيء واحد، فإذا وجب أن يقضي الركوع الذي لم يدرك وجب أن يقضي السجود المتصل به؛ لقول عبد الله بن عمر: إذا فاتتك الركعة فقد فاتتك السجدة، فهو مدرك للسجدة في وجوب اتباع الإمام فيها، وفي حكم من لم يدركها في وجوب قضائها بعد سلام الإمام. وقوله: إنه يكتفي بتلك التكبيرة التي كبر حين دخل مع الإمام، ولا يكبر إذا قام خلاف ما في المدونة من أنه إذا أدرك الإمام في التشهد الآخر قام بتكبير، إلا أنه صحيح على قياس ما أصله فيها من أنه إذا جلس مع الإمام في موضع ليس له موضع جلوس قام بغير تكبير، فهو تناقض من قوله في المدونة، وقد فرق بين المسألتين بتفاريق لا تسلم من الاعتراض، وبالله التوفيق. .مسألة يقرأ في نفسه في الصلاة لا يسمع أحدا: قال محمد بن رشد: أما قراءة الرجل في نفسه ولم يحرك بها لسانه ليست بقراءة، صحيح؛ لأن القراءة إنما هي النطق باللسان، وعليها تقع المجازاة. والدليل على ذلك قول الله عز وجل: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286]، وقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تجاوز الله لأمتي عفا حدثت به أنفسها مما لم ينطق به لسان أو تعمل به يد»، فكما لا يؤاخذ الإنسان بما حدثت به نفسه من الشر ولا يضره، فكذلك لا يجازى على ما حدث به نفسه من القراءة أو الخير المجازاة التي يجازى بها على تحريك اللسان بالقراءة وفعل الخير. وأجاز للذي يصلي من الليل أن يرفع صوته بالقراءة، وإن كان في ذلك إظهار لعمله؛ لما في ذلك من العون له على الصلاة والنشاط عليها؛ لقوله: لا بأس بذلك، واستحب ذلك له في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم، وقد مضى القول هنالك في وجه ذلك، وبالله التوفيق. .مسألة يجد الإمام راكعا قبل أن يصل إلى الصف: قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم اغتسل على غير نية من سماع ابن القاسم مستوفى، فلا وجه لإعادته. .مسألة متى يكبر في عيد الفطر: قال محمد بن رشد: قد مضى في آخر رسم حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم القول في التكبير في العيدين، وفي رسم صلاة الاستسقاء من هذا السماع القول في حد النزول إليها وإلى الجمعة، فأغنى ذلك عن إعادتها هنا. .مسألة كان خلف الإمام فقال: سبحان الله بكرة وأصيلا: قال القاضي أبو الوليد: هذا من التسبيح الحسن، فإنما كرهه- والله أعلم- إذا قاله والإمام يسمع كالجواب لما سمعه من قراءته، كنحو ما مضى في هذا الرسم من قول القائل في صلاته إذا قرأ الإمام: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]: كذلك الله، وما أشبه ذلك. وسيأتي في سماع ابن معاوية نحو هذا المعنى. .مسألة امرأة انقطع عنها الحيض سنين ثم رأت صفرة أترى أن تدع الصلاة: قال المؤلف: الصفرة من الدم، فإن رأته وهي في سن من تحيض من النساء أمسكت عن الصلاة، ولما لم يكن في ذلك حد يرجع إليه في القرآن والسنة، وجب أن يرجع فيه إلى العادة؛ ولذلك قال: إنه يسأل عنه النساء، وهذا معنى ما في المدونة وغيرها، وبالله التوفيق. .مسألة الصبي إذا أثغر أيؤمر بالصلاة: قال محمد بن رشد: ولا يضرب بعض الضرب، معناه: ولا يضرب بعض الضرب الذي يضربه كثير من الناس فيتعدى في الضرب، يريد: أنه لا يضرب إلا ضربا خفيفا. ووقع في بعض الكتب مكان ولا يضرب وإلا ضرب، وهو خطأ لا معنى له. قوله إنه يؤدب على الصلاة إذا أثغر خلاف ظاهر ما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قوله: «إذا بلغ الصبيان سبع سنين فمروهم بالصلاة وإذا بلغوا عشر سنين فاضربوهم عليها وفرقوا بينهم في المضاجع» وفي رسم الجواب من سماع عيسى أنه يفرق بينهم في المضاجع إذا أثغروا وهو خلاف ظاهر ما في الحديث أيضا والله أعلم. .مسألة الحامل ترى الماء الأبيض على حملها: قال محمد بن رشد: قوله ليس ذلك بشيء يدل على أنه لم ير عليها غسلا ولا وضوءا، وهو الصواب، خلاف قول ابن القاسم في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الوضوء: إن عليها الوضوء. وقد مضى القول على ذلك هناك، وبالله التوفيق. .مسألة التسليمة الواحدة في الصلاة: قال المؤلف: قد مضى القول في هذه المسألة في آخر رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم، ومضى من معناها في رسم نذر سنة ورسم المحرم منه. .مسألة رفع الصوت في المساجد: قال محمد بن رشد: ليس في قوله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إن مسجدنا هذا لا يرفع فيه الصوت- دليل على أن ذلك جائز في غيره من المساجد؛ لأن معنى قوله إن مسجدنا هذا الذي أحضره لا يرفع فيه الصوت؛ لأني أمنع من ذلك، يريد: وكذلك ينبغي لكل وال أن يفعل بمسجد موضعه. والأصل في ذلك ما روي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وخصوماتكم وبيعكم وسل سيوفكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم»، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا أداها الله إليك فإن المساجد لم تبن لهذا»، فرفع الصوت في المسجد مكروه حتى في العلم. قال ابن حبيب: ولقد كنت أرى بالمدينة رسول أميرها يقف بابن الماجشون في مجلسه إذا استعلى كلامه وكلام أهل مجلسه في العلم، يقول: يا أبا مروان اخفض من صوتك وأمر جلساءك يخفضوا أصواتهم. .مسألة يقرأ بالناس في رمضان أيكره له أن يسر بالاستعاذة أو يجهر بها: فقال: أما في نفسه فليستعذ إن شاء، وأنا أكره له أن يجهر بذلك ولا أجيزه، وأنا أحب له أن يستفتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]. ووصف الذين يقولون أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم، {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 98]، إن الله هو السميع العليم، فعابه وكرهه ونهى عنه، فقيل له: إنما يحتج بقول الله عز وجل: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98]، قال: أفرأيت قوله: {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 98]، إن الله هو السميع العليم. قلت له: أفتجيز له أن يستعيذ من الشيطان الرجيم؟ قال: لا، ولكن هو أيسر. قال محمد بن رشد: كراهة الجهر بالاستعاذة في قيام رمضان خلاف قوله في المدونة. ووجه هذا: أن الاستعاذة لما لم تكن من القرآن كره أن يجهر بها في قيامه كما يجهر بقراءة القرآن فيه، وأجاز أن يستعيذ في نفسه لقول الله عز وجل: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98]، ولم ير ذلك واجبا عليه؛ لأن الأمر بذلك عنده على الندب لا على الوجوب. ووجه ما في المدونة: الاتباع، وبذلك علل قوله فيها، ولم يزل القراء يتعوذون. وأما استحبابه له أن يستفتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]، ولا يقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فقد مضى ما في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.
|