الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الملل والنحل **
بين العرب وغيرهم: قد ذكرنا في صدر هذا الكتاب: أن العرب والهند يتقاربان على مذهب واحد وأجملنا القول فيه حيث كانت المقاربة بين الفريقين والمقاربة بين الأمتين مقصورة على اعتبار خواص الأشياء والحكم بأحكام الماهيات والغالب عليهم الفطرة والطبع. وأن الروم والعجم يتقاربان على مذهب واحد حيث كانت المقاربة مقصورة على اعتبار كيفيات الأشياء والحكم بأحكام الطبائع والغالب عليهم الاكتساب والجهد. والآن نذكر أقاويل العرب في الجاهلية ونعقبها بذكر أقاويل الهند وبها نختم الكتاب. حكم البيت العتيق: وقبل أن نشرع في ذكر مذاهبهمم نريد أن نذكر حكم البيت العتيق حرسه الله تعالى ونصل بذلك حكم البوت المبنية في العالم فإن منها ما بني على الدين الحق قبلة للناس ومنها ما بني على الرأي الباطل فتنة للناس. وقد ورد في التنزيل: " وقد اختلفت الروايات في أول من بناه. قيل: إن آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض وقع إلى سرنديب من أرض الهند وكان يتردد في الأرض متحيراً بين فقدان زوجته ووجدان توبته حتى وافى حواء بجبل الرحمة من عرفات وعرفها وصار إلى أرض مكة ودعا وتضرع إلى الله تعالى حتى يأذن له في بناء بيت يكون قبلة لصلاته ومطافاً لعبادته كما كان قد عهد في السماء من البيت المعمور الذي هو مطاف الملائكة ومزار الروحانيين فأنزل الله تعالى عليه مثال ذلك البيت على شكل سرداق من نور فوضعه مكان البيت فكان يتوجه إليه ويطوف به. ثم لما توفي: تولى وصية شيث عليه السلام بناء البيت من الحجر والطين على الشكل المذكور حذو القذة بالقذة. ثم لما خرب ذلك بطوفان نوح عليه السلام وامتد الزمان حتى غيض الماء وقضى الأمر وانتهت النبوة إلى إبراهيم الخليل عليه السلام وحمله هاجر أم إسماعيل ابنه إلى الموضع المبارك وولادة إسماعيل عليه السلام هناك ونشوئه وتربيته ثمة وعود إبراهيم إليه واجتماعه به في بناء البيت وذلك قوله تعالى: " فاختلفت آراء العرب في ذلك. وأول من وضع فيه الأصنام عمرو بن لحي بن غالوثة بن عمرو بن عامر لما سار قومه إلى مكة واستولى على أمر البيت. ثم صار إلى مدينة البلقاء بالشام فرأى هناك قوماً يعبدون الأصنام فسألهم عنها فقالوا: هذه أرباب اتخذناها على شكل الهياكل العلوية والأشخاص البشرية: نستنصر بها فننصر ونستسقي بها فنسقي ونستشفى بها فنشفى. فأعجبه ذلك وطلب منهم صنماً من أصنامهم فدفعوا إليه هبل فسار به إلى مكة ووضعه في الكعبة وكان معه أساف ونائلة على شكل زوجين. فدعا الناس إلى تعظيمها والتقرب إليها والتوسل بها إلى الله تعالى وكان ذلك في أول ملك شابور ذي الأكتاف إلى أن أظهر الله تعالى الإسلام فأخرجت وأبطلت وبهذا يعرف كذب من قال: إن بيت الله الحرام إنما هو بيت زحل بناه الباني الأول على طوالع معلومة واتصالات مقبولة وسماه بيت زحل المعنى اقترن الدوام به بقاء والتعظيم له لقاء لأن زحل يدل على البقاء وطول العمر أكثر مما يدل عليه سائر الكواكب وهذا خطأ لأن الباني الأول كان مستنداً إلى الوحي على يدي أصحاب الوحي. البيوت المتخذة للعبادة: ثم إعلم أن البيوت تنقسم إلى بيوت الأصنام وإلى بيوت النيران. وقد ذكرنا المواضع التي كانت بيوت النيران ثم في مقالات المجوس فأما بيوت الأصنام التي كانت للعرب والهند فهي البيوت السبعة المعروفة المشهورة المبنية على السبع الكواكب. فمنها ما كانت فيه أصنام فحولت إلى النيران ومنها ما لم تحول. ولقد كان بين أصحاب الأصنام وبين أصحاب النيران مخالفات كثيرة والأمر دول فيما بينهم وكان كل من استولى وقهر غير البيت إلى مشاعر مذهبه ودينه. فمنها بيت فارس على رأس جبل بأصفهان على ثلاثة فراسخ كانت فيه أصنام إلى أن أخرجها كشتاسب الملك لما تمجس وجعله بيت نار ومنها البيت الذي بمولتان من أرض الهند فيه أصنام لم تغير ولم تبدل. ومنها بيت سدوسان من أرض الهند أيضاً وفيه أصنام كبيرة كثيرة العجب. والهند يأتون البيتين في أوقات من السنة حجاً وقصداً إليهما. ومنه النوبهار الذي بناه منوجهر بمدينة بلخ على اسم القمر فلما ظهر الإسلام خربه أهل بلخ. ومنها بيت غمدان الذي بمدينة صنعاء اليمن بناه الضحاك على اسم الزهرة وخربه عثمان بن عفان رضي الله عنه. ومنها بيت كاوسان بناه كاووس الملك بناء عجيباً على اسم الشمس بمدينة فرغانة وخربه المعتصم. أصناف العرب في الجاهلية: واعلم أن العرب أصناف شتى: فمنهم معطلة ومنهم محصلة نوع تحصيل. فصنف منهم أنكروا الخالق ولبعث والإعادة وقالوا بالطبع المحيي والدهر المفني وهم الذين أخبر عنهم القرآن المجيد: " فاستدل عليهم بضرورات فكرية وآيات فطرية في كمآية وكم سورة فقال تعالى: " منكرو: البعث والإعادة وصنف منهم أقروا بالخالق وابتداء الخلق والإبداع وأنكروا البعث والإعادة وهم الذين أخبر عنهم القرآن: " منكرو الرسل: عبّاد الأصنام وصنف منهم أقروا بالخالق وابتداء الخلق ونوع من الإعادة وأنكروا الرسل وعبدوا الأصنام وزعموا أنهم شفعاؤهم عند الله في الدار الآخرة وحجوا إليها ونحروا لها الهدايا وقربوا المقربين وتقربوا إليها بالمناسك والمشاعر. وأحلوا وحرموا وهم الدهماء من العرب إلا شرذمة منهم نذكرهم وهم الذين أخبر عنهم التنزيل: " إلى قوله: " فاستدل عليهم بأن المرسلين كلهم كانوا كذلك قال الله تعالى: " شبهات العرب وشبهات العرب كانت مقصورة على هاتين الشبهتين: إحداهما إنكار البعث: بعث الأجسام والثانية جحد البعث: بعث الرسل. فعلى الأولى قالوا: " وعن هذا: أنكر عليهم الرسول عليه السلام فقال: لا هامة ولا عدوى ولا صفر. وأما الشبهة الثانية فكان إنكارهم لبعث لرسول صلى الله عليه وسلم في الصورة البشرية أشد وإصرارهم على ذلك أبلغ. وأخبر التنزيل عنهم بقوله تعالى: " فمن كان يعترف بالملائكة كان يريد أن يأتي ملك من السماء وقالوا: لولا أنزل عليه ملك ومن كان لا يعترف بهم كان يقول: الشفيع والوسيلة لنا إلى الله تعالى هم الأصنام المنصوبة إما الأمر والشريعة من الله تعالى إلينا فهو المنكر. أصنام العرب وميولهم: فيعبدون الأصنام التي هي وسائل وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً. وكان ود لكلب وهو بدومة الجندل وسواع لهذي وكانوا يحجون إليه وينحرون له ويغوث لذحج ولقبائل من اليمن ويعوق لهمدان ونسر لذي الكلاع بأرض حمير. وكانت اللات لثقيف بالطائف والعزي لقريش وجميع بني كنانة وقوم من بني سليم ومناة للأوس والخزرج وغسان. وهبل أعظم الأصنام عندهم وكان على ظهر الطعبة وأساف ونائلة على الصفا والمروة وضعهما عمر بن لحي وكان يذبح عليهما نجاة الكعبة وزعموا: أنهما كانا من جرهم: أساف بن عمرو ونائلة بنت سهل تعاسقا ففجرا الكعبة فمسخا حجرين وقيل: لا بل كانا صنمين جاء بهما عمرو بن لحي فوضعهما على الصفا. وكان لبني ملكان من كنانة صنم يقال له سعد وهو الذي يقول فيه قائلهم: أتينا إلى سعد ليجمع شملنا فشتتنا سعد فلا نحن من سعد وهل سعد إلا صخرة بتنوفة من الأرض لا يدعو لغي ة لا رشد وكانت العرب إذا لبت وهللت: قالت: لبيك اللهم لبيك لبيك لاشريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ومن العرب من كان يميل إلى اليهودية ومنهم من كان يميل إلى النصرانية ومنهم من كان يصبو إلى الصابئة ويعتقد في الأنواء اعتقاد المنجمين في السيارات حتى لا يتحرك ولا يسكن ولا يسافر ولا يقيم إلا بنوء من الأنواء ويقول: مطرنا بنوء كذا ومنهم من كان يصبوا إلى الملائكة فيعبدهم بل كانوا يعبدون الجن ويتعقدون فيهم أنهم بنات الله. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. اعلم أن العرب في الجاهلية كانت على ثلاثة أنواع من العلوم: أحدها علم الأنساب والتواريخ والأديان ويعدونه نوعاً شريفاً خصوصاً معرفة أنساب أجداد النبي عليه الصلاة والسلام والإطلاع على ذلك النور الوارد من صلب إبراهيم إلى إسماعيل عليهما الصلاة وتواصله في ذريته إلى أن ظهر بعض الظهور في أسارير عبد المطلب: سيد الوادي: شيبة الحمد وسجد له الفيل الأعظم وعليه قصة أصحاب الفيل. وببركة ذلك النور: دفع الله تعالى شر أبرهة وأرسل عليهم طيراً أبابيل. وببركة ذلك النور: رأى تلك الرؤيا في تعريف موضع زمزم ووجدان الغزالة والسيوف التي دفنتها جرهم. وببركة ذلك النور: ألهم عبد المطلب النذر الذي نذر في ذبح العاشر من أولاده وبه افتخر النبي عليه الصلاة والسلام حين قال: أنا ابن الذبيحين: أراد بالذبيح الأول إسماعيل عليه السلام وهو أول من انحدر إليه النور فاختفى وبالذبيح الثاني عبد الله بن عبد المطلب وهو آخر من انحدر إليه النور فظهر كل الظهور. وببركة ذلك النور: كان عبد المطلب يأمر أولاده بترك الظلم والبغي. ويحثهم على مكارم الأخلاق وينهاهم عن دنيات الأمور. وببركة ذلك النور: كان قد سلم إليه النظر في حكومات العرب والحكم بين المتخاصمين فكان يوضع له وسادة عند الملتزم فيستند إلى الكعبة وينظر في حكومات القوم. وببركة ذلك النور: قال لأبرهة: إن لهذا البيت رباً يحفظه ويذب عنه وفيه قال وقد صعد إلى جبل أني قبيس: لا هم إن المرء يمنع حله فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم و محالهم عدواً محالك إن كنت تاركهم وكعبتنا فأمر ما بدا لك وببركة ذلك النور: كان يقول في وصاياه: إنه لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم الله منه وتصيبه عقوبة إلى أن هلك رجل ظلوم حتف أنفه لم تصبه عقوبة فقيل عبد المطلب في ذلك ففكر وقال: والله إن وراء هذه الدار دار يجزي فيها المحسن بإحسانه ويعاقب فيها المسيء بإساءته. ومما يدل على إثباته المبدأ والمعاد: أنه كان يضرب بالقداح على ابنه عبد الله ويقول: يا رب أنت الملك المحمود و أنت ربي المبدىء والمعيد من عندك الطارف والتليد ومما يدل على معرفته بحال الرسالة وشرف النبوة: أن أهل مكة لما اصابهم ذلك الجدب العظيم وأمسك السحاب عنهم سنتين أمر أبا طالب ابنه أن يحضر المصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم فأحضره وهو رضيع في قماط فوضعه على يديه واستقبل الكعبة ورماه إلى السماء وقال: يا رب! بحق هذا الغلام ورماه ثانياً وثالثاً. وكان يقول: بحق هذا الغلام اسقنا غيثاً مغيثاً دائماً هطلاً فلم يلبث ساعة أن طبق السحاب وجه السماء وأمطر حتى خافوا على المسجد. وأنشد أبو طالب ذلك الشعر اللامي الذي منه: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل يطيف به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل و لا نسلمه حتى نصرع حوله ز نذهل عن أبنائنا والحلائل وقال العباس بن عبد المطلب في النبي عليه الصلاة والسلام: قصيدة منها: من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حين يخصف الورق ثم هبطت البلاد: لا بشر أنت ولا مضغة ولا علق بل نطفة تركب السفين وقد ألجم نسراً وأمهله الغرق تنقل من صلب إلى رحم إذا مضى عالم بدا طبق حتى احتوى بيتك المهيمن في خندف علياء تحتها النطق و أنت لما ظهرت أشرقت الأ رض وضاءت بورك الأفق فنحن في ذلك الضياء وفي النور وسبل الرشاد: نخترق وأما النوع الثاني من العلوم فهو علم الرؤيا وكان أبو بكر رضي الله عنه ممن يعبر الرؤيا في الجاهلية ويصيب فيرجعون إليه ويستخبرون عنه. وأما النوع الثالث فهو علم الأنواء وذلك مما يتولاه الكهنة والقافة منهم وعن هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من قال: مطرنا بنوء كذا فقد كفر بما أنزل على محمد ". معتقداتهم وم العرب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر وينتظر النبوة. وكانت لهم سنن وشرائع قد ذكرناها لأنها نوع تحصيل. فممن كان يعرف النور الظاهر والنسب الطاهر ويعتقد الدين الحنيفي وينتظر المقدم النبوي. زيد بن عمرو بن نفيل كان يسند ظهره إلى الكعبة ويقول: أيها الناس هلموا إلي فإنه لم يبق على دين إبراهيم أحد غيري. وسمع أمية بن أبي الصلت يوماً ينشد: كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة: زور فقال له: صدقت. وقال زيد أيضاً: فلن تكون لنفس منك واقية يوم الحساب إذا ما يجمع البشر وممن كان يعتقد التوحيد ويؤمن بيوم الحساب: قس بن ساعدة الإيادي قال في مواعظه: كلا ورب الكعبة! ليعودون ما باد ولئن ذهب ليعودن يوماً. وقال أيضاً: كلا بل هو الله إله واحد ليس بمولود ولا والد أعاد وأبدى و إليه المآب غداً وأنشد في معنى الإعادة: يا باكي الموت والأموات في جدث عليهم من بقايا بزهم خرق حتى يجيئوا بحال غير حالهم خلق مضى ثم هذابعد ذا خلقوا منهم عراة ومنهم في ثيابهم منها الجديد ومنها الأزرق الخلق ومنهم: عامر بن الظرب العدواني وكان من شعراء العرب وخطبائهم وله وصية طويلة يقول في آخرها: ني ما رايت شيئاً قط خلق نفسه ولا رأيت موضوعاً إلا مصنوعاً ولا جاثياً إلا ذاهباً ولو كان يميت الناس الداء لأحياهم الدواء. ثم قال: إني أرى أموراً شتى وحتى قيل له: وما حتى قال: حتى يرجع الميت حياً ويعود لا شيء شيئاً ولذلك خلقت السموات والأرض فتولوا عنه ذاهبين وقال: ويل إنها نصيحة لو كان من يقبلها!. وكان عامر قد حرم الخمر على نفسه فيمن حرمها وقال فيها: إن أشرب الخمر أشربها للذتها و إن أدعها فإني ماقت قال لولا اللذاذة والقينات لم أرها و لا رأتني إلا من مدى عالي سآله للفتى ما ليس في يده ذهابه بعقول القوم والمال تورث القوم أضغاناً بلا إحن مزرية بالفتى ذي النجدة الحالي أقسمت بالله: اسقيها وأشربها حتى يفرق ترب الأرض أوصالي وممن كان قد حرم الخمر في الجاهلية: قيس بن عاصم التميمي وصفوان ابن أمية بن محرث الكناني وعفيف بن معدي كرب الكندي وقالوا فيها أشعاراً. وقال الاسلوم اليالي وقد حرم الخمر والزنا على نفسه: سالمت قومي بعد طول مضاضة و السلم أبقى في الأمور وأعرف وتركت شرب الراح وهي أثيرة و المومسات وترك ذلك أشرف وعففت عنه يا أميم تكرماً وكذاك يفعل ذو الحجى المتعفف وممن كان يؤمن بالخالق تعالى وبخلق آدم عليه السلام: عبد لطابخة بن ثعلب ابن وبرة من قضاعة وقال فيه: وأدعوك يا ربي بما أنت أهله دعاء غريق قد تشبث بالعصم لأنك اهل الحمد والخير كله و ذو الطول لم تعجل بسخط ولم تلد وأنت الذي لم يحيه الدهر ثانياً و لم ير عبد منك في صالح وجم وأنت القديم الأول الماجد الذي تبدأت خلق الناس في أكثم العدم وأنت الذي أحللتني غيب ظلمة إلى ظلمة من صلب آدم في ظلم من هؤلاء النابغة الذبياني آمن بيوم الحساب فقال: فعلتهم: ذات الإله ودينهم قويم فما يرجون غير العواقب ز من هؤلاء زهير بن أبي سلمى المزني وكان يمر بالعصاة وقد أورقت بعد يبس فيقول: لولا أن تسبني العرب لآمنت أن الذي أحياك بعد يبس سيحيي العظام وهي رميم ثم آمن بعد ذلك وقال في قصيدته التي أولها أمن أم أوفى دمنة لم تكلم. وهي من السبعيات: يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ليوم حساب أو يعجل فينقم ومنهم علاف بن شهاب التيمي كان يؤمن بالله تعالى وبيوم الحساب وفيه قال: ولقد شهدت الخصم يوم رفاعة فأخذت منه خطة المقتال وعلمت أن الله جاز عبده يوم الحساب بأحسن الأعمال وكان بعض العرب إذا حضره الموت يقول لولده: ادفنوا معي راحلتي حتى أحشر عليها فإن لم تفعلوا حشرت على رجلي. قال جريبة بن الأشيم الأسدي في الجاهلية وقد حضره الموت يوصي ابنه سعداً: يا سعد إما أهلكن فإنني أوصيك إن أخا الوصاة الأقرب لا تتركن أباك يعثر راجلاً في الحشر يصرع لليدين وينكب واحمل أباك على بعير صالح و ابغ المطية إنه هو أصوب وقال عمرو بن زيد بن المتمني يوصي ابنه عند موته: ابني! زودني إذا فارقتني في القبر راحلة برحل قاتر للبعث أركبها إذا قيل اظعنوا متساوقين معاً لحشر الحاشر من لا يوافيه على عشرائه فالخلق بين مدفع أو عاثر وكانوا يربطون الناقة معكوسة الرأس إلى مؤخرها مما يلي ظهرها أو مما يلي كأكلها وبطنها ويأخذون ولية فيشدون وسطها ويقلدونها عنق الناقة ويتركونها حتى تموت عند القبر ويسمون الناقة: بلية والخيط الذي تشد به: ولية. وقال بعضهم يشبه رجالاً في بلية: كالبلايا في أعناقها الولايا. سننهم التي وافقهم القرآن عليها وبعض عاداتهم قال محمد بن السائب الكلبي: كانت العرب في جاهليتها تحرم أشياء نزل القرآن بتحريمها. كانوا لا ينكحون الأمهات ولا البنات ولا الخالات ولا العمات. وكان أقبح ما يصنعون أن يجمع الرجل بين الأختين أو يختلف على امرأة أبيه وكانوا يسمون من فعل ذلك الضيرن قال: اوس بن حجر التميمي يعير قوماً من بني قيس بن ثعلبة تناوبوا على امرأة أبيهم ثلاثة واحداً بعد آخر: نيكوا فكيهة وامشوا حول قبتها مشي الزرافة في آباطها الحجف وكان أول من جمع بين الأختين من قريش أبو أحيحة سعيد بن العاص جمع بين هند وصفية ابنتي المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم. قال: وكان الرجل من العرب إذا مات عن المرأة أو طلقها قام أكبر بنيه فإن كان له فيها حاجة طرح ثوبه عليها وإن لم يكن له فيها حاجة تزوجها بعض أخوته بمهر جديد قال: وكانوا يخطبون المرأة إلى أبيها أو إلى أخيه أو عمها أو بعض بني عمها. وكان يخطب الكفء إلى الكفء فإن كان أحدهما أشرف من الآخر في النسب رغب له في المال وإن كان هجيناً خطب إلى هجين فزوجه هجينة مثله ويقول الخاطب إذا أتاهم: أنعموا صباحاً ثم يقول نحن أكفاؤكم ونظراؤكم فإن زوجتمونا فقد أصبنا رغبة وأصبتموها وكنا لصهركم حامدين وإن رددتمونا لعلة نعرفها رجعنا عاذرين فإن كان قريب القرابة من قومه قال لها أبوها أو أخوها: إذا حملت إليه أيسرت وأذكرت ولا أنثت جعل الله منك عدداً وعزاً وحلباً. أحسني خلقك وأكرمي زوجك وليكن طيبك الماء. وإذا زوجت في غربة قال لها: لا أيسرت ز لا أذكرت فإنك تدنين البعداء وتلدين الأعداء. أحسني خلقك وتحببي إلى احمائك فإن لهم عيناً ناظرة إليك وأذناً سامعة. وكانوا يطلقون ثلاثاً على التفرقة قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أول من طلق ثلاثاً على التفرقة إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. وكان العرب يفعلون ذلك فيطلقها واحدة وهو أحق الناس بها حتى إذا استوفى الثلاث: انقطع السبيل عنها ومنه قول الأعشى: ميمون بن قيس حين تزوج امرأة فرغب قومها عنه فآتاه قومها فهددوه بالضرب أو يطلقها: أيا جارتي بيني فإنك طالقة كذاك أمور الناس غاد وطارقة قالوا: تنه فقال: وبيني فإن البين خير من العصا و أن لا ترى لي فوق رأسك بارقة قالوا: ثلث فقال: وبيني حصان الفرج غير ذميمة و موموقة قد كنت فينا ووامقة قال وكان أمر الجاهلية في نكاح النساء على أربع: رجل يخطب فيتزوج وامرأة يكون لها خليل يختلف إليها فإن ولدت قالت: هو لفلان فيتزوجها بعد هذا وامرأة يختلف إليها النفر وكلهم يواقعها في طهر واحد فإذا ولدت ألزمت الولد أحدهم وهذه تدعى المقسمة وامرأة ذات راية: يختلف إليها الكثير وكلهم يواقعها فإذا ولدت جمعوا لها القافة فيلحقون الولد بشبيهه. قال: وكانوا يحجون البيت ويعتمرون ويحرمون قال زهير: وكم بالقيان من محل ومحرم. ويطوفون بالبيت سبعاً ويمسحون بالحجر ويسعون بين الصفا والمروة قال أبو طالب: وأشواط بين المروتين إلى الصفا و ما فيهما من صورة وتخايل وكانوا يلبون إلا أن بعضهم كان يشرك في تلبيته في قوله: إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ويقفون المواقف كلها قال العدوي: فأقسم بالذي حجت قريش و موقف ذي الحجيج على اللآلي وكانوا يهدون الهدايا ويرمون الجمار ويحرمون الأشهر الحرم فلا يغزون ولا يقاتلون فيها. إلا طي وخثعم وبعض بني الحارث بن كعب: فإنهم كانوا لا يحجون ولا يعتمرون ولا يحرمون الأشهر الحرم ولا البلد الحرام. وإنما سمت قريش الحرب التي كانت بينها وبين غيرها: عام الفجار لأنها كانت في الأشهر الحرم حيث لا تقاتل فلما قاتلوا فيها قالوا: قد فجرنا فلذلك سموها: حرب الفجار. وكانوا يكرهون الظلم في الحرم وقالت امرأة منهم تنهي ابنها عن الظلم: ابني! لا تظلم بمكة لا الصغير ولا الكبير ابني! من يظلم بمكة يلق أطراف الشرور لبني! أمن طيرها و الوحش تامن في ثبير ومنهم من كان ينسىء الشهور وكانوا يكبسون في كل عامين شهراً وفي كل ثلاثة أعوام شهراً وكانوا إذا حجوا في شهر من السنة لم يخطئوا أن يجعلوا يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر كهيئة ذلك في شهر ذي الحجة حتى يكون يوم النحر اليوم العاشر من ذلك الشهر ويقيمون بمني فلا يبيعون في يوم عرفة ولا في أيام منى وفيهم أنزلت: " وكانوا إذا ذبحوا للأصنام لطخوها بدماء الهدايا يلتمسون بذلك الزيادة في أموالهم. وكان فصي بن كلاب ينهى عن عبادة غير الله من الأصنام وهو القائل: أباً واحداً أم ألف رب أدين إذا تقسمت الأمور تركت اللات والعزي جميعاً كذلك يفعل الرجل البصير فلا العزي أدين ولا أبنتيها و لا صنمي بني غنم أزور وقيل هي لزيد بن عمرو بن نفيل فلقي في ذلك من قريش شراً حتى أخرجوه عن الحرم فكان لا يدخله إلا ليلاً. وقال القلمس بن أمية الناني يخطب للعرب بفناء مكة: أطيعوني ترشدوا قالوا: وما ذاك! قال: إنكم قد تفرقتم بآلهة شتى وإني لأعلم ما الله راض به وإن الله رب هذه الآلهة وإنه ليجب قال: وكانوا يغتسلون من الجنابة ويغسلون موتاهم قال الأفوه الأودي ألا عللاني واعلما أنني غرر فما قلت ينجيني الشقاق ولا الحذر وما قلت يجديني ثيابي إذا بدت مفاصل أوصالي وقد شخص البصر وجاءوا بماء بارد يغسلونني فيالك من غسل سيتبعه غبر قال: وكانوا يكفنون موتاهم ويصلون عليهم وكانت صلاتهم: إذا مات الرجل حمل على سريره ثم يقوم وليه فيذكر محاسنه كلها ويثنى عليه ثم يدفن ثم يقول: عليك رحمة الله وبركاته. وقال رجل من كلب في الجاهلية لإبن ابن له: أعمرو إن هلكت وكنت حيا فإني مكثر لك في صلاتي وأجعل نصف مالي لابن سام حياتي إن حييت وفي مماتي قال: وكانوا يداومون على طهارات الفطرة التي ابلي بها غبراهيم عليه السلام وهي الكلمات العشر فإنهن: خمس في الرأس وخمس في الجسد. فأما اللواتي في الرأس: فالمضمضة والاستنشاق وقص الشارب والفرق والسواك. وأما اللواتي في الجسد: فالاستنجاء وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة والختان. فلما جاء الإسلام قررها سنة من السنن. وكانوا يقطعون يد السارق اليمنى إذا سق. وكانوا يوفون بالعهود ويكرمون الجار ويكرمون الضيف. قال حاتم الطائي: إلههم ربي وربي ألههم فأقسمت لا ارسو ولا اتعذر وقال أيضاً: لقد كان في البرايا الناس أسوة كأن لم يسق جحش بعير ولا حمر وكانوا أناساً موقنين بربهم بكل مكان فيهم: عابد بكر ميول الهند وفرقهم: قد ذكرنا أن الهند أمة كبيرة وملة عظيمة وآراؤهم مختلفة. فمنهم البراهمة وهم المنكرون للنبوات أصلاً ومنهم من يميل إلى الدهر ومنهم من يميل إلى مذهب الثنوية ويقول بملة إبراهيم عليه السلام. وأكثرهم على مذهب الصابئة ومناهجها: فمن قائل بالروحانيات ومن قائل بالهياكل ومن قائل بالأصنام إلا أنهم مختلفون في شكل الهياكل التي ابتدعوها وكيفية أشكال وضعوها ومنهم حكماء على طريق اليونانيين: علماً وعملاً. فمن كانت طريقته على منهاج الدهرية والثنوية والصابئة فقد أغنانا حكاية مذاهبهم قبل عن حكاية مذهبه ومن انفرد عنهم بمقالة ورأي فهم خمس فرق: البراهمة وأصحاب الروحانيات وأصحاب الهياكل وعبدة الأصنام والحكماء. ونحن نذكر مقالات هؤلاء كما قد وجدنا في كتبهم المشهورة. انتساب البراهمة وما يجمعهم: من الناس من يظن أنهم سموا براهمة لا نتسابهم إلى إبراهيم عليه السلام وذلك خطأ فإن هؤلاء القوم هم المخصوصون بنفي النبوات أصلاً ورأساً فكيف يقولون بإبراهيم عليه السلام والقوم الذين اعتقدوا نبوة إبراهيم عليه السلام من أهل الهند فهم الثنوية منهم القائلون بالنور والظلمة على رأي أصحاب الاثنين وقد ذكرنا مذاهبهم. وهؤلاء البراهمة إنما انتسبوا إلى رجل منهم يقال له براهم وقد مهد لهم نفي النبوات أصلاً وقرر استحالة ذلك في العقول بوجوه. منها أن قال: إن الذي يأتي به الرسول لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون معقولاً وإما أن لا يكون معقولاً فإن كان معقولاً فقد كفانا العقل التام بإدراكه والوصول إليه فأي حاجة لنا إلى الرسول وإن لم يكن معقولاً فلا يكون مقبولاً إذ قبول ما ليس بمعقول خروج عن حد الإنسانية ودخول في حريم الهيمية. ومنها أن قال: قد دل العقل على أن الله تعالى حكيم والحكيم لا يتعبد الخلق إلا بما تدل عليه عقولهم وقد دلت الدلائل العقلية على أن للعالم صانعاً عالماً قادراً حكيماً وأنه أنعم على عباده نعماً توجب الشكر فننظر في آيات خلقه بعقولنا ونشكره بآلائه علينا. وإذا عرفناه وشكرنا له استوجبنا ثوابه وإذا أنكرناه وكفرنا به استوجبنا عقابه فما بالنا نتبع بشراً مثلنا! فإنه إن كان يأمرنا بما ذكرناه من المعرفة والشكر فقد استغنينا عنه بعقولنا وإن كان يأمرنا بما يخالف ذلك كان قوله دليلاً ظاهراً على كذبه. ومنها أن قال: قد دل العقل على أن للعالم صانعاً حكيماً والحكيم لا يتعبد الخلق بما يقبح في عقولهم وقد وردت أصحاب الشرائع بمستقبحات من حيث العقل: من التوجه إلى بيت مخصوص في العبادة والطواف حوله والسعي ورمي الجمار والإحرام والتلبية وتقبيل الحجر الأصم وكذلك ذبح الحيوان وتحريم ما يمكن أن يكون غذاء للإنسان وتحليل ما ينقص من بنيته. وغير ذلك وكل هذه الأمور مخالفة لقضايا العقول. والنفس والعقل يأكل مما تأكل ويشرب مما تشرب حتى تكون بالنسبة إليه كجماد يتصرف فيك رفعاً ووضعاً أو كحيوان يصرفك أماماً وخلفاً أو كعبد يتقدم إليك أمراً ونهياً فأي تميز له عليك وأية فضيلة أوجبت استخدامك وما دليله على صدق دعواه فإن اغتررتم بمجرد قوله فلا تمييز لقول على قول وإن حسرتم بحجته ومعجزته فعندنا من خصائص الجواهر والأجسام ما لا يحصى كثرة ومن المخبرين عن مغيبات الأمور من ساوى خبره قالت لهم رسلهم: إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده فإذا اعترفتم بأن للعالم صانعاً وخالقاً وحكيماً فاعترفوا بأنه آمر وناه: حالك على خلقه وله في جميع ما نأتي ونذر ونعمل ونفكر. حكم وأمر. وليس كل عقل إنساني على استعداد ما يعقل عنه أمره ولا كل نفس بشرى بمثابة من يقبل عنه حكمه بل أوجبت منته ترتيباً في العقول والنفوس واقتضت قسمته أن يرفع بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون فرحمة الله الكبرى هي النبوة والرسالة وذلك خير مما يجمعون بعقولهم المختالة. ثم إن البراهمة تفرقوا أصنافاً: فمنهم أصحاب البددة ومنهم أصحاب الفكرة ومنهم أصحاب التناسخ. أصحاب البددة ومعنى البد عندهم: شخص في هذا العالم: لا يولد ولا ينكح ولا يطعم ولا يشرب ولا يهرم ولا يموت. وأول بد ظهر في العالم اسمه شاكمين وتفسيره السيد الشريف ومن وقت ظهوره إلى وقت الهجرة خمسة آلاف سنة. قالوا ودون مرتبة البد: مرتبة البوديسعية ومعناه الإنسان الطالب سبيل الحق وإنما يصل إلى تلك المرتبة بالصبر والعطية وبالرغبة فيما يجب أن يرغب فيه. وبالامتناع والتخلي عن الدنيا والعزوف عن شهواتها ولذاتها والعفة عن محارمها. والرحمة على جميع الخلق وبالاجتناب عن الذنوب العشرة: قتل كل ذي روح واستحلال أموال الناس والزنا والكذب والنميمة والبذاء والشتم وشناعة الألقاب والسفه والجحد لجزاء الآخرة وباستكمال عشرة خصال: إحداها الجود والكرم والثانية العفو عن المسيء ودفع الغضب بالحلم والثالثة التعفف عن الشهوات الدنيوية والرابعة الفكرة في التخلص إلى ذلك العالم الدائم الوجود من هذا العالم الفائي الخامسة رياضة العقل بالعلم والأدب وكثرة النظر إلى عواقب الأمور والسادسة القوة على تصريف النفس في طلب العلييات والسابعة لين القول وطيب الكلام مع كل أحد والثامنة حسن المعاشرة مع الإخوان بإيثار اختيارهم على اختيار نفسه والتاسعة الإعراض عن الخلق بالكلية والتوجه إلى الحق بالكلية والعاشرة بذل الروح شوقاً إلى الحق ووصولاً إلى جناب الحق. وزعموا: أن البددة أتوهم على عدد الهياكل من نهر الكنك وأعطوهم العلوم وظهروا لهم في أجناس وأشخاص شتى ولم يكونوا يظهرون إلا في بيوت الملوك لشرف جواهرهم. قالوا: ولم يكن بينهم اختلاف في ما ذكر عنهم من ازلية العالم وقولهم في الجزاء على ما ذكرنا. وإنما اختص ظهور البددة بأرض الهند لكثرة ما فيها من خصائص التربة والإقليم ومن فيها من أهل الرياضة والاجتهاد وليس يشبه البد على ما وصفوه إن صدقوا في ذلك إلا بالخضر الذي يثبته أهل الإسلام. أصحاب الفكرة والوهم وهؤلاء أعلم منهم بالفلك والنجوم وأحكامها المنسوبة إليهم. وللهند طريقة تخالف طريقة منجمي الروم والعجم وذلك أنهم يحكمون أكثر الأحكام باتصالات الثوابت دون السيارات وينشئون الأحكام عن خصائص الكواكب دون طبائعها ويعدون زحل السعد الأكبر وذلك لرفعة مكانه وعظم جرمه وهو الذي يعطي العطايا الكلية من السعادة والجزئية من النحوسة. وكذلك سائر الكواكب لها طبائع وخواص فالروم يحكمون من الطبائع والهند يحكمون من الخواص. وكذلك طبهم فإنهم يعتبرون خواص الأدوية دون طبائعها والروم تخالفهم في ذلك. وهؤلاء أصحاب الفكرة يعظمون الفكر ويقولون: هو المتوسط بين المحسوس والمعقول فالصور من المحسوسات ترد عليه والحقائق من المعقولات ترد عليه أيضاً فهو مورد العلمين من العالمين. فيجتهدون كل الجهد حتى يصرفوا الوهم والفكر عن المحسوسات بالرياضات البليغة والاجتهادات المجهدة حتى إذا تجرد الفكر عن هذا العالم تجلى له ذلك العالم فربما يخبر عن مغيبات الأحوال وربما يقوى على حبس الأمطار وربما يوقع الوهم على رجل حي فيقتله في الحال ولا يستعبد ذلك فإن للوهم أثراً عجيباً في تصريف الأجسام والتصرف في النفوس: أليس الاحتلام في النوم تصرف الوهم في الجسم أليست إصابة العين تصرف الوهم في الشخص أليس الرجل يمشي على جدار مرتفع فيسقط في الحال ولا يأخذ من عرض المسافة في خطواته سوى ما أخذه على الأرض المستوية. والوهم إذا تجرد عمل أعمالاً عجيبة ولهذا كانت الهند تغمض عينها أياماً لألا يشتغل الفكر والوهم بالمحسوسات ومع التجرد إذا اقترن به وهم آخر اشتركا في العمل خصوصاً إذا كانا متفقين غاية الاتفاق ولهذا كانت عادتهم إذا دهمهم أمر أن يجتمع أربعون رجلاً من المهذبين المخلصين المتفقين على رأي واحد في الإصابة فيتجلى لهم المهم الذي يهضمهم حمله ويندفع عنهم البلاء الملم الذي يكادهم ثقله. ومنهم البكر نتينية يعني: المصفدين بالحديد. وسنتهم: حلق الرؤوس واللحي وتعرية الأجسام ما خلا العورة وتصفيد البدن من أوساطهم إلى صدورهم لألا تنشق بطونهم من كثرة العلم وشدة الوهم وغلبة الفكر ولعلهم رأوا في الحديد خاصية تناسب الأوهام وإلا فالحديد كيف يمنع انشقاق البطن وكثرة العلم كيف توجب ذلك أصحاب التناسخ وقد ذكرنا مذاهب التناسخية. وما من ملة من الملل إلا وللتناسخ فيها قدم راسخ وإنما تختلف طرقهم في تقرير ذلك. فأما تناسخية الهند فأشد اعتقاداً لذلك لما عاينوا من طير يظهر في وقت معلوم فيقع على شجرة معلومة فيبيض ويفرخ ثم إذا تم نوعه بفراخه حك بمنقاره ومخالبه فتبرق منه نار تلتهب فيحترق الطير ويسيل منه دهن يجتمع في أصل الشجرة في مغارة ثم إذا حال الحول وحان وقت ظهوره انخلق من هذا الدهن مثله طير فيطير ويقع على الشجرة وهو أبداً كذلك. قالوا فما مثل الدنيا وأهلها في الأدوار والأكوار إلا كذلك. قالوا: وإذا كانت حركات الأفلاك دورية فلا محالة يصل رأس الفرجار إلى ما بدأ ودار دورة ثانية على الخط الأول: أفاد لا محالة ما أفاد الدور الأول إذ لا اختلاف بين الدورين حتى يتصور اختلاف بين الأثرين فإن المؤثرات عادت كما بدأت والنجوم والأفلاك دارت على المركز الأول وما اختلفت أبعادها واتصالاتها ومناظراتها ومناسباتها بوجه فيجب أن لا تختلف المتأثرات الباديات منها بوجه وهذا هو تناسخ الأدوار والأكوار. ولهم اختلافات في الدورة الكبرى: كم هي من السنين وأكثرهم على أنها ثلاثون ألف سنة وبعضهم على أنها ثلاثمائة ألف سنة وستين ألف سنة. وإنما يعتبرون في تلك الأدوار سير الثوابت لا السيارات. وعند الهند أكثرهم: إن الفلك مركب من الماء والنار والريح وأن الكواكب فيه نارية هوائية فلم تعدم الموجودات العلوية إلا العنصر الأرضي فحسب. ومن أهل الهند جماعة أثبتوا متوسطات روحانية يأتونهم بالرسالة من عند الله في صورة البشر من غير كتاب فيأمرهم بأشياء وينهاهم عن أشياء ويسن لهم الشرائع ويبين لهم وإنما يعرفون صدقه بتنزهه عن حطام الدنيا واستغنائه عن: الأكل والشرب والبعال. الباسنوية زعموا: أن رسولهم ملك روحاني نزل من السماء على صورة بشر فأمرهم بتعظيم النار وأن يتقربوا إليها بالعطر والطيب والأدهان والذبائح ونهاهم عن القتل والذبح إلا ما كان للنار وسن لهم إن يتوشحوا بخيط يعقدونه من مناكبهم الأيامن إلى تحت شمائلهم ونهاهم أيضاً عن الكذب وشرب الخمر وأن لا يأكلوا من أطعمة غير ملتهم ولا من ذبائحهم وأباح لهم الزنا لئلا ينقطع النسل. وأمرهم أن يتخذوا بالمعازف والتبخير والغناء والرقص وأمرهم بتعظيم البقرة والسجود لها حيث رأوها وأن يفزعوا في التوبة إلى التمسح بها وأمرهم أن لا يجوزوا نهر كنك. الباهودية زعموا: أن رسولهم ملك روحاني على صورة بشر واسمه باهود أتاهم وهو راكب على ثور على رأسه إكليل مكلل بعظام الموتى من عظام الرؤوس. ومتقلد من ذلك بقلادة وبإحدى يديه قحف إنسان وبالأخرى مزراق ذو ثلاث شعب. يأمرهم بعبادة الخالق عز وجل وبعبادته معه وأن يتخذوا على مثاله صنماً يعبدونه وأن لا يعافوا شيئاً وأن تكون الأشياء كلها في طريقة واحدة لأنها جميعاً صنع الخالق عز وجل وأن يتخذوا من عظام الناس قلائد يتقلدونها وأكاليل يضعونها على رؤوسهم وأن يمسحوا أجسادهم ورؤوسهم بالرماد. وحرم عليهم الذبائح والنكاح وجمع الأموال وأمرهم برفض الدنيا ولا معاش لهم فيها إلا من الصدقة. الكابلية زعموا أن رسولهم ملك روحاني يقال له شب أتاهم في صورة بشر متمسح بالرماد على رأسه قلنسوة من لبود أحمر طولها ثلاثة أشبار مخيط عليها صفائح من قحف الناس متقلد قلادة من أعط ما يكون متمنطق من ذلك بمنطقة متسور منها بسوار متخلخل منها بخلخال. وهو عريان. فأمرهم أن يتزينوا بزينة ويتزيوا بزيه وسن لهم شرائع وحدوداً. البهادونية قالوا: إن بهادون كان ملكاً عظيماً أتانا في صورة إنسان عظيم وكان له أخوان قتلاه وعملا من جلدته الأرض ومن عظامه الجبال ومن دمه البحار وقيل: هذا رمز وإلا فحال إنسان لا تبلغ إلى هذه الدرجة. وصورة بهادون راكب على دابة كثير شعر الرأس قد أسبله على وجهه وقد قسم الشعر على جوانب رأسه قسمة مستوية. وأسبله كذلك على نواحي الرأس قفاً ووجهاً. وأمرهم أن يفعلوا ذلك. وسن لهم أن لا يشربوا الخمر وإذا رأوا امرأة هربوا منها وأن يحجوا إلى جبل يدعى جور عن وعليه بيت عظيم فيه صورة بهادون. ولذلك البيت سدنة لا يكون المفتاح إلا بأيديهم فلا يدخلون إلا بإذنهم وإذا فتحوا الباب سدوا أفواههم حتى لا تصل أنفاسهم إلى الصنم من حجهم لم يدخلوا العمران في طريقهم ولم ينظروا إلى محرم. ولم يصلوا إلى أحد بسوء وضرر من قول وفعل. ولم ينقل للهند مذهب في عبادة الكواكب إلا فرقتان توجهتا إلى النيرين: الشمس والقمر. ومذهبهم في ذلك مذهب الصابئة في توجههم إلى الهياكل السماوية دون قصر البروبية والإلهية عليها. عبدة الشمس: الدينيكيتية زعموا: أن الشمس ملك من الملائكة ولها نفس وعقل ومنها نور الكواكب وضياء العالم وتكون الموجودات السفلية وهي ملك الفلك فتستحق التعظيم والسجود والتبخير والدعاء وهؤلاء يسمون الدينتكيتية أي: عباد الشمس ومن سنتهم أن اتخذوا لها صنماً على لون النار وله بيت خاص قد بنوه باسمه ووقفوا عليه ضياعاً وقرياناً وله سدنة وقوام. فيأتون البيت ويصلون ثلاث كرات ويأتيه أصحاب العلل والأمراض فيصومون له ويصلون ويدعون ويستشفون به. عبدة القمر: الجندريكينية زعموا: أن القمر ملك من الملائكة يستحق التعظيم والعبادة وإليه تدبير هذا العالم السفلي والأمور الجزئية فيه ومنه نضج الأشياء المتكونة وإيصالها إلى كمالها وبزيادته ونقصانه تعرف الأزمان والساعات وهو تلو الشمس وقرينها ومنها نوره وبالنظر إليها تكون زيادته ونقصانه وهؤلاء يسمون الجندريكينية أي: عباد القمر. ومن سنتهم أن اخذوا له صنماً على شكل عجل يجره أربعة وبيد الصنم جوهر. ومن دينهم أن يسجدوا له ويعبدوه وأن يصوموا النصف من كل شهر ولا يفطروا حتى يطلع القمر ثم يأتون صنمه بالطعام والشراب واللبن ثم يرغبون إليه وينظرون إلى القمر ويسألونه حوائجهم فإذا استهل الشهر علوا السطوح وأوقدوا الدخن ودعوا عند رؤيته ورغبوا إليه ثم نزلوا عن السطوح إلى الطعام والشراب والفرح والسرور ولم ينظروا غليه إلا على وجوه حسنة. وفي نصف الشهر إذا فرغوا من الإفطار اخذوا في الرقص واللعب اعلم أن الأصناف التي ذكرناها مذاهبهم يرجعون آخر الأمر إلى عبادة الأصنام إذ كان لا يستمر لهم طريقة إلا بشخص حاضر: ينظرون إليه ويعكفون عليه وعن هذا اتخذت أصحاب الروحانيات والكواكب أصناماً زعموا أنها على صورتها. وبالجملة: وضع الأصنام حيث ما قدروه إنما هو على معبو غائب حتى يكون الصنم المعمول على صورته وشكله وهيأته نائباً منابه وقائماً مقامه وإلا فنعلم قطعاً: أن عاقلاً ما لا ينحت جسماً بيده ويصوره صورة ثم يعتقد أنه إلهه وخالقه وإله الكل وخالق الكل إذ كان وجوده مسبوقاً بوجود صانعه وشكله يحدث بصنعة ناحته. لكن القوم لما عكفوا على التوجه إليها وربطوا حوائجهم بها من غير إذن وحجة وبرهان وسلطان من الله تعالى. كان عكوفهم ذلك عبادة وطلبهم الحوائج منها إثبات إلهية لها. وعن هذا كانوا يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فلو كانوا مقتصرين على صورها في اعتقاد الربوبية والإلهية لما تعدوا عنها إلى رب الأرباب. لهم صنم يدعى مها كال له أربع أيد كثير شعر الرأس سبطها وبإحدى يديه ثعبان عظيم فاغر فاه وبالأخرى عصا وبالثالثة رأس إنسان وباليد الرابعة قد دفعها وفي أذنيه حيتان كالقرطين وعلى جسده ثعبانان عظيمان قد التفا عليه وعلى رأسه إكليل من عظام القحف وعليه من ذلك قلادة. يزعمون: أنه عفريت يستحق العبادة لعظمة قدره واستجماعه الخصال المحمودة المحبوبة والمذمومة من الإعطاء والمنع والإحسان والإساءة وأنه المفزع لهم في حاجاتهم. وله بيوت عظام بأرض الهند ينتابها أهل ملته في كل يوم ثلاث مرات: يسجدون له ويطوفون به. ولهم موضع يقال له اختر فيه صنم عظيم على صورة هذا الصنم يأتونه من كل موضع ويسجدون له هناك ويطلبون حاجات الدنيا. حتى إن الرجل يقول له فيما يسأل: زوجني فلانه وأعطني كذا. ومنهم من يأتيه فيقيم عنده الأيام والليالي ولا يذوق شيئاً: يتضرع إليه ويسأله الحاجة حتى إنه ربما ينفق. البركسهيكية من سنتهم أن يتخذوا لأنفسهم صنماً يعبدونه ويقربون له الهدايا. وموضع متعبدهم له: أن ينظروا إلى باسق الشجر وملتفه مثل الشجر الذي يكون في الجبال فيلتمسون منها أحسنها وأطولها فيجعلون ذلك الموضع موضع متعبدهم. ثم يأخذون ذلك الصنم فيأتون شجرة عظيمة من ذلك الشجر فينقبون فيها موضعاً فيركبونه فيها فيكون سجودهم وطوافهم نحو تلك الشجرة. الدهكينية من سننهم: أن يتخذوا صنماً على صورة امرأة وفوق رأسه تاج وله أيد كثيرة. ولهم عيد في يوم من أيام السنة عند استواء الليل والنهار ودخول الشمس الميزان فيتخذون في ذلك اليوم عريشاً عظيماً بين يدي ذلك الصنم ويقربون إليه القرابين من الغنم وغيرها ولا يذبحونها ولكن يضربون أعناقها بين يديه بالسيوف. ويقتلون من أصابوا من الناس قرباناً بالغيلة حتى ينقضي عيدهم وهم مسيئون عند عامة الهند بسبب الغيلة. الجلهكية: أي عباد الماء يزعمون أن الماء ملك ومعه ملائكة وأنه أصل كل شيء وبه كل ولادة ونمو ونشوء ويقاء وطهارة وعمارة. وما من عمل في الدنيا إلا وهو محتاج إلى الماء. فإذا أراد الرجل عبادته تجرد وستر عورته ثم دخل الماء إلى وسطه فيقيم ساعة أو ساعتين أو أكثر ويأخذ ما أمكنه من الرياحين فيقطعها صغاراً ويلقي فيه بعضها بعد بعض وهو يسبح ويقرأ. وإذا أراد الانصراف حرك الماء بيده ثم أخذ منه فنقط به: رأسه ووجهه وسائر جسده. خارجاً. ثم سجد وانصرف. الأكنواطرية: أي عباد النار زعموا: أن النار أعظم العناصر جرماً وأوسعها حيزاً وأعلاها مكاناً وأشرفها جوهراً وأنورها ضياءً وإشراقاً وألطفها جسماً وكياناً. والاحتياج إليها أكثر من الاحتياج إلى سائر الطبائع ولا كون في العالم إلا بها ولا حياة ولا نمو ولا انعقاد: إلا بممازجتها. وغنما عبادتهم لها أن يحفروا أخدوداً مربعاً في الأرض ويؤججو النار فيه ثم لا يدعون طعاماً لذيذاً ولا شراباً لطيفاً ولا ثوباً فاخراً ولا عطراً فائحاً ولا جوهراً نفيساً. إلا طرحوه فيها تقرباً إليها وتبركاً بها. وحرموا إلقاء النفوس فيها وإحراق الأبدان بها خلافاً لجماعة أخرى من زهاد الهند. وعلى هذا المذهب أكثر ملوك الهند وعطائها: يعظمون النار لجوهرها تعظيماً بالغاً ويقدمونها على الموجودات كلها. ومنهم زهاد وعباد يجلسون حول النار صائمين يسدون منافسهم حتى لا يصل إليها من أنفاسهم نفس صدر عن صدر محروم. وسنتهم: الحث على الأخلاق الحسنة والمنع من أضدادها وهي الكذب والحسد والحقد انتقال الحكمة إلى الهند: كان لفيثاغورس الحكيم اليوناني تلميذ يدعى قلانوس قد تلقى الحكمة منه وتلمذ له ثم صار إلى مدينة من مدائن الهند وأشاع فيها مذهب فيثاغورس. انتشار حكمة فيثاغورس في الهند وكان برخمنين رجلاً جيد الذهن نافذ البصيرة صائب الفكر راغباً في معرفة العوالم العلوية. قد أخذ من قلانوس الحكيم حكمته واستفاد منه علمه وصنعته. فلما توفي قلانوس ترأس برخمنين على الهند كلهم فرغب الناس في تلطيف الأبدان وتذهيب الأنفس وكان يقول: أي امرئ هذب نفسه وأسرع الخروج عن هذا العالم الدنس وطهر بدنه من أوساخه. ظهر له كل شىء وعاين كل غائب وقدر على كل متعذر وكان محبوراً مسروراً ملتذاً عاشقاً لا يمل ولا يكل ولا يمسه نصب ولا لغوب. فلما نهج لهم الطريق واحتج عليهم بالحجج المقنعة: اجتهدوا اجتهاداً شديداً. وكان يقول أيضاً: إن ترك لذات هذا العالم هو الذي يلحقكم بذلك العالم حتى تتصلوا به وتنخرطوا في سلكه وتخلدوا في لذاته ونعيمه. فدرس أهل الهند هذا افتراق أهل الهند بعد برخمينن ثم توفي عنهم برخمنين وقد تجسم القول في عقولهم لشدة الحرص والعجلة في اللحاق بذلك العالم. فافترقوا فرقتين: فرقة قالت: إن التناسل في هذا العالم هو الخطأ الذي لا خطأ أبين منه إذ هو نتيجة اللذة الجسدانية وثمرة النطفة الشهوانية فهو حرام وما يؤدي إليه من الطعام اللذيذ والشراب الصافي وكل ما يهيج الشهوة واللذة الحيوانية وينشط القوة البهيمية. فهو حرام أيضاً فاكتفوا بالقليل من الغذاء على قدر ما تثبت به أبدانهم. ومنهم من كان لا يرى ذلك القليل أيضاً ليكون لحاقه بالعالم الأعلى أسرع. ومنهم من إذا رأى عمره قد تنفس ألقى بنفسه في النار تزكية لنفسه وتطهيراً لبدنه وتخليصاً لروحه. ومنهم من يجمع ملاذ الدنيا من الطعام والشراب والكسوة فيمثلها نصب عينيه لكي يراها البصر وتتحرك نفسه البهيمية إليها فتشتاقها وتشتهيها فيمنع نفسه عنها بقوة النفس المنطقية. حتى يذبل البدن وتضعف النفس وتفارق البدن لضعف الرباط الذي كان يربطها به. وأما الفريق الآخر فإنهم كانوا يرون: التناسل والطعام والشراب. وسائر اللذات بالقدر الذي هو طريق الحق: حلالاً. وقليل منهم: من يتعدى عن الطريق ويطلب الزيادة. الفيثاغوريون الهنود وكان قوم من الفريقين سلكوا مذهب فيثاغورس من الحكمة والعلم فتلطفوا حتى صاروا يظهرون على ما في أنفس أصحابهم من الخير والشر ويخبرون بذلك فيزيدهم ذلك حرصاً على رياضة الفكر وقهر النفس الأمارة بالسوء واللحوق بما لحق به أصحابهم. ومذهبهم في الباري تعالى: أنه نور محض إلا أنه لابس جسداً ما: يستمر به لئلا يراه إلا من استأهل رؤيته واستحقها كالذي يلبس في هذا العالم جلد حيوان فإذا خلعه نظر إليه من وقع بصره عليه وإذا لم يلبسه لم يقدر أحد من النظر إليه. ويزعمون: أنهم كالسبايا في هذا العالم فإن من حارب النفس الشهوية حتى منعها عن ملاذها فهو الناجي من دنيات العالم السفلى ومن لم يمنعها بقي أسيراً في بدنها. والذي يريد أن يحارب هذا أجمع فإنما يقدر على محاربتها بنفي التجبر والعجب وتسكين الشهوة والحرص والبعد عما يدل عليها ويوصل إليها. الإسكندر وحكماء الهند ولما وصل الإسكندر إلى تلك الديار وأراد محاربتهم صعب عليه افتتاح مدينة أحد الفريقين وهم اللذين كانوا يرون استعمال اللذات في هذا العالم بقدر القصد الذي لا يخرج إلى فساد البدن فجهد حتى افتتحها وقتل منهم جماعة من أهل الحكمة فكانوا يرون جثث قتلاهم مطروحة كأنها جثث السمك الصافية النقية التي في الماء الصافي فلما رأوا ذلك ندموا على فعلهم ذلك بهم وأمسكوا عن الباقين. والفريق الثاني وهم الذين زعموا: أن لا خير في اتخاذ النساء والرغبة في النسل ولا في شئ من الشهوات الجسدانية - كتبوا إلى الإسكندر كتاباً مدحوه فيه على حب الحكمة وملابسة العلم وتعظيم أهل الرأي والعقل والتمسوا منه حكيماً يناظرهم فنفذ إليهم واحداً من الحكماء فنضلوه بالنظر وفضلوه بالعمل فانصرف الإسكندر عنهم ووصلهم بجوائز سنية وهداية كريمة. فقالوا: إذا كانت الحكمة تفعل بالملوك هذا الفعل في هذا العالم فكيف إذا لبسناها على ما يجب لباسها واتصلت بنا غاية الاتصال! ومناظراتهم مذكورة في كتب أرسطوطاليس. سجودهم للشمس ودعاؤهم عند شروقها ومن سنتهم: إذا نظروا إلى الشمس قد أشرقت سجدوا لها وقالوا: ما أحسنك من نور وما أبهاك وما أنورك لا تقدر الأبصار أن تلتذ بالنظر إليك. فإن كنت أنت النور الأول الذي لا نور فوقك فلك المجد والتسبيح. وإياك نطلب وإليك نسعى لندرك السكن بقربك وننظر إلى إبداعك الأعلى. وإن كان فوقك وأعلى منك نور آخر أنت معلول له فهذا التسبيح وهذا المجد له وإنما سعينا وتركنا جميع لذات هذا العالم لنصير مثلك ونلحق بعالمك ونتصل بساكنك. وإذا كان المعلول بهذا البهاء والجلال فكيف يكون بهاء العلة وجلالها ومجدها وكمالها!. فحق لكل طالب أن يهجر جميع اللذات فيظفر بالجوار بقربه ويدخل في غمار جنده وحزبه. في النسل ولا في شئ من الشهوات الجسدانية - كتبوا إلى الإسكندر كتاباً مدحوه فيه على حب الحكمة وملابسة العلم وتعظيم أهل الرأي والعقل والتمسوا منه حكيماً يناظرهم فنفذ إليهم واحداً من الحكماء فنضلوه بالنظر وفضلوه بالعمل فانصرف الإسكندر عنهم ووصلهم بجوائز سنية وهداية كريمة. فقالوا: إذا كانت الحكمة تفعل بالملوك هذا الفعل في هذا العالم فكيف إذا لبسناها على ما يجب لباسها واتصلت بنا غاية الاتصال! ومناظراتهم مذكورة في كتب أرسطوطاليس. سجودهم للشمس ودعاؤهم عند شروقها ومن سنتهم: إذا نظروا إلى الشمس قد أشرقت سجدوا لها وقالوا: ما أحسنك من نور وما أبهاك وما أنورك لا تقدر الأبصار أن تلتذ بالنظر إليك. فإن كنت أنت النور الأول الذي لا نور فوقك فلك المجد والتسبيح. وإياك نطلب وإليك نسعى لندرك السكن بقربك وننظر إلى إبداعك الأعلى. وإن كان فوقك وأعلى منك نور آخر أنت معلول له فهذا التسبيح وهذا المجد له وإنما سعينا وتركنا جميع لذات هذا العالم لنصير مثلك ونلحق بعالمك ونتصل بساكنك. وإذا كان المعلول بهذا البهاء والجلال فكيف يكون بهاء العلة وجلالها ومجدها وكمالها!. فحق لكل طالب أن يهجر جميع اللذات فيظفر بالجوار بقربه ويدخل في غمار جنده وحزبه. في النسل ولا في شئ من الشهوات الجسدانية - كتبوا إلى الإسكندر كتاباً مدحوه فيه على حب الحكمة وملابسة العلم وتعظيم أهل الرأي والعقل والتمسوا منه حكيماً يناظرهم فنفذ إليهم واحداً من الحكماء فنضلوه بالنظر وفضلوه بالعمل فانصرف الإسكندر عنهم ووصلهم بجوائز سنية وهداية كريمة. فقالوا: إذا كانت الحكمة تفعل بالملوك هذا الفعل في هذا العالم فكيف إذا لبسناها على ما يجب لباسها واتصلت بنا غاية الاتصال! ومناظراتهم مذكورة في كتب أرسطوطاليس. سجودهم للشمس ودعاؤهم عند شروقها ومن سنتهم: إذا نظروا إلى الشمس قد أشرقت سجدوا لها وقالوا: ما أحسنك من نور وما أبهاك وما أنورك لا تقدر الأبصار أن تلتذ بالنظر إليك. فإن كنت أنت النور الأول الذي لا نور فوقك فلك المجد والتسبيح. وإياك نطلب وإليك نسعى لندرك السكن بقربك وننظر إلى إبداعك الأعلى. وإن كان فوقك وأعلى منك نور آخر أنت معلول له فهذا التسبيح وهذا المجد له وإنما سعينا وتركنا جميع لذات هذا العالم لنصير مثلك ونلحق بعالمك ونتصل بساكنك. وإذا كان المعلول بهذا البهاء والجلال فكيف يكون بهاء العلة وجلالها ومجدها وكمالها!. فحق لكل طالب أن يهجر جميع اللذات فيظفر بالجوار بقربه ويدخل في غمار جنده وحزبه. هذا ما وجدته من مقالات أهل العالم ونقلته على ما وجدته فمن صادف فيه خللاً في النقل فأصلحه: أصلح الله عز وجل - بفضله حاله وسدد أقواله وأفعاله وهو حسبنا ونعم الوكيل. والحمد لله رب العالمين. وصلواته على سيد المرسلين: محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين وصحابته الأكرمين وسلم تسليماً كثيراً.
|