الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»
.باب فَضْلِ مَنْ يَمُوتُ لَهُ وَلَدٌ فَيَحْتَسِبُهُ: 4766- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمُوت لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَة مِنْ الْوَلَد فَتَمَسّهُ النَّار إِلَّا تَحِلَّة الْقَسَم» قَالَ الْعُلَمَاء: «تَحِلَّة الْقَسَم» مَا يَنْحَلّ بِهِ الْقَسَم، وَهُوَ الْيَمِين، وَجَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيث أَنَّ الْمُرَاد قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا} وَبِهَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء، وَالْقَسَم مُقَدَّر أَيْ وَاَللَّه إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا، وَقِيلَ: الْمُرَاد قَوْله تَعَالَى: {فَوَرَبِّك لَنحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِين} وَقَالَ اِبْن قُتَيْبَة: مَعْنَاهُ تَقْلِيل مُدَّة وِرْدهَا.قَالَ: وَتَحِلَّة الْقَسَم تُسْتَعْمَل فِي هَذَا فِي كَلَام الْعَرَب، وَقِيلَ: تَقْدِيره وَلَا تَحِلَّة الْقَسَم أَيْ لَا تَمَسّهُ أَصْلًا، وَلَا قَدْرًا يَسِيرًا كَتَحِلَّةِ الْقَسَم، وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا} الْمُرُور عَلَى الصِّرَاط، وَهُوَ جِسْر مَنْصُوب عَلَيْهَا.وَقِيلَ: الْوُقُوف عِنْدهَا.4767- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَة مِنْ الْوَلَد، ثُمَّ سُئِلَ عَنْ الِاثْنَيْنِ فَقَالَ: وَاثْنَيْنِ» مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ أَوْحَى بِهِ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد سُؤَالهَا أَوْ قَبْله، وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْر مُسْلِم: «وَوَاحِد».4768- قَوْله: «لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْث» أَيْ لَمْ يَبْلُغُوا سِنّ التَّكْلِيف الَّذِي يُكْتَب فيه الْحِنْث، وَهُوَ الْإِثْم.4769- قَوْله: «صِغَارهمْ دَعَامِيص الْجَنَّة» هُوَ بِالدَّالِ وَالْعَيْن وَالصَّاد الْمُهْمَلَات، وَاحِدهمْ (دُعْمُوص) بِضَمِّ الدَّال أَيْ صِغَار أَهْلهَا، وَأَصْل الدُّعْمُوص دُوَيْبَّة تَكُون فِي الْمَاء لَا تُفَارِقهُ، أَيْ أَنَّ هَذَا الصَّغِير فِي الْجَنَّة لَا يُفَارِقهَا.وَقَوْله (بِصَنِفَةِ ثَوْبك) هُوَ بِفَتْحِ الصَّاد وَكَسْر النُّون وَهُوَ طَرَفه، وَيُقَال لَهَا أَيْضًا صَنِيفَةِ: «فَلَا يَتَنَاهَى أَوْ قَالَ: يَنْتَهِي حَتَّى يُدْخِلهُ اللَّه وَإِيَّاهُ الْجَنَّة». يَتَنَاهَى وَيَنْتَهِي بِمَعْنَى أَيْ لَا يَتْرُكهُ.4770- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ اِحْتَظَرْت بِحِظَارٍ شَدِيد مِنْ النَّار» أَيْ اِمْتَنَعْت بِمَانِعٍ وَثِيق، وَأَصْل الْحَظْر الْمَنْع، وَأَصْل الْحِظَار بِكَسْرِ الْحَاء وَفَتْحهَا مَا يُجْعَل حَوْل الْبُسْتَان وَغَيْره مِنْ قُضْبَان وَغَيْرهَا كَالْحَائِطِ.4771- سبق شرحه بالباب..بَاب: «إِذَا أَحَبَّ اللَّه عَبْدًا أَمَرَ جِبْرِيل فَأَحَبَّهُ وَأَحَبَّهُ أَهْل السَّمَاء ثُمَّ يُوضَع لَهُ الْقَبُول فِي الْأَرْض» وَذَكَرَ فِي الْبُغْض نَحْوه. قَالَ: الْعُلَمَاء: مَحَبَّة اللَّه تَعَالَى لِعَبْدِهِ هِيَ إِرَادَته الْخَيْر لَهُ، وَهِدَايَته، وَإِنْعَامه عَلَيْهِ، وَرَحْمَته وَبُغْضه إِرَادَة عِقَابه، أَوْ شَقَاوَته، وَنَحْوه وَحُبّ جِبْرِيل وَالْمَلَائِكَة يَحْتَمِل وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا اِسْتِغْفَارهمْ لَهُ، وَثَنَاؤُهُمْ عَلَيْهِ، وَدُعَاؤُهُمْ. وَالثَّانِي أَنَّ مَحَبَّتهمْ عَلَى ظَاهِرهَا الْمَعْرُوف مِنْ الْمَخْلُوقِينَ، وَهُوَ مَيْل الْقَلْب إِلَيْهِ، وَاشْتِيَاقه إِلَى لِقَائِهِ. وَسَبَب حُبّهمْ إِيَّاهُ كَوْنه مُطِيعًا لِلَّهِ تَعَالَى، مَحْبُوبًا لَهُ.4772- وَمَعْنَى: «يُوضَع لَهُ الْقَبُول فِي الْأَرْض» أَيْ الْحُبّ فِي قُلُوب النَّاس، وَرِضَاهُمْ عَنْهُ، فَتَمِيل إِلَيْهِ الْقُلُوب، وَتَرْضَى عَنْهُ.وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَة: «فَتُوضَع لَهُ الْمَحَبَّة».قَوْله: «وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِم» أَيْ أَمِير الْحَجِيج..باب الأَرْوَاحِ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ: 4773- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْأَرْوَاح جُنُود مُجَنَّدَة، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا اِئْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اِخْتَلَفَ» قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ جُمُوع مُجْتَمَعَة، أَوْ أَنْوَاع مُخْتَلِفَة.وَأَمَّا تَعَارَفهَا فَهُوَ لِأَمْرٍ جَعَلَهَا اللَّه عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا مُوَافَقَة صِفَاتهَا الَّتِي جَعَلَهَا اللَّه عَلَيْهَا، وَتَنَاسُبهَا فِي شِيَمهَا.وَقِيلَ: لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مُجْتَمِعَة، ثُمَّ فُرِّقَتْ فِي أَجْسَادهَا، فَمَنْ وَافَقَ بِشِيَمِهِ أَلِفَهُ، وَمَنْ بَاعَدَهُ نَافَرَهُ وَخَالَفَهُ.وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره: تَآلُفهَا هُوَ مَا خَلَقَهَا اللَّه عَلَيْهِ مِنْ السَّعَادَة أَوْ الشَّقَاوَة فِي الْمُبْتَدَأ، وَكَانَتْ الْأَرْوَاح قِسْمَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ. فَإِذَا تَلَاقَتْ الْأَجْسَاد فِي الدُّنْيَا اِئْتَلَفَتْ وَاخْتَلَفَتْ بِحَسَبِ مَا خُلِقَتْ عَلَيْهِ، فَيَمِيل الْأَخْيَار إِلَى الْأَخْيَار، وَالْأَشْرَار إِلَى الْأَشْرَار. وَاَللَّه أَعْلَم.4774- سبق شرحه بالباب..باب الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ: 4775- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنْ السَّاعَة: «مَا أَعْدَدْت لَهَا قَالَ: حُبّ اللَّه وَرَسُوله قَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْت» وَفِي رِوَايَات: «الْمَرْء مَعَ مَنْ أَحَبَّ». فيه فَضْل حُبّ اللَّه وَرَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّالِحِينَ، وَأَهْل الْخَيْر، الْأَحْيَاء وَالْأَمْوَات. وَمِنْ فَضْل مَحَبَّة اللَّه وَرَسُوله اِمْتِثَال أَمْرهمَا، وَاجْتِنَاب نَهْيهمَا، وَالتَّأَدُّب بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّة. وَلَا يُشْتَرَط فِي الِانْتِفَاع بِمَحَبَّةِ الصَّالِحِينَ أَنْ يَعْمَل عَمَلهمْ؛ إِذْ لَوْ عَمِلَهُ لَكَانَ مِنْهُمْ وَمِثْلهمْ، وَقَدْ صُرِّحَ فِي الْحَدِيث الَّذِي بَعْد هَذَا بِذَلِكَ، فَقَالَ: أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمَّا يَلْحَق بِهِمْ.قَالَ أَهْل الْعَرَبِيَّة: (لَمَّا) نَفْي لِلْمَاضِي الْمُسْتَمِرّ، فَيَدُلّ عَلَى نَفيه فِي الْمَاضِي، وَفِي الْحَال. بِخِلَافِ (لَمْ) فَإِنَّهَا تَدُلّ عَلَى الْمَاضِي فَقَطْ، ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ كَوْنه مَعَهُمْ أَنْ تَكُون مَنْزِلَته وَجَزَاؤُهُ مِثْلهمْ مِنْ كُلّ وَجْه.4776- قَوْله: «مَا أَعْدَدْت لَهَا كَثِير» ضَبَطُوهُ فِي الْمَوَاضِع كُلّهَا مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيث بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة، وَهُمَا صَحِيحَانِ.4777- سبق شرحه بالباب.4778- وَقَوْله: «مَا أَعْدَدْت لَهَا كَثِير صَلَاة وَلَا صِيَام وَلَا صَدَقَة» أَيْ غَيْر الْفَرَائِض مَعْنَاهُ مَا أَعْدَدْت لَهَا كَثِير نَافِلَة مِنْ صَلَاة وَلَا صِيَام وَلَا صَدَقَة.قَوْله: «عِنْد سُدَّة الْمَسْجِد» هِيَ الظِّلَال الْمُسَقَّفَة عِنْد بَاب الْمَسْجِد.4779- قَوْله: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن قَرْم) هُوَ بِفَتْحِ الْقَاف وَإِسْكَان الرَّاء وَهُوَ ضَعِيف، لَكِنْ لَمْ يَحْتَجّ بِهِ مُسْلِم بَلْ ذَكَرَهُ مُتَابَعَة، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَذْكُر فِي الْمُتَابَعَة بَعْض الضُّعَفَاء. وَاَللَّه أَعْلَم..باب إِذَا أُثْنِيَ عَلَى الصَّالِحِ فَهِيَ بُشْرَى وَلاَ تَضُرُّهُ: 4780- قَوْله: «أَرَأَيْت الرَّجُل يَعْمَل الْعَمَل مِنْ الْخَيْر وَيَحْمَدهُ النَّاس عَلَيْهِ؟ قَالَ: تِلْكَ عَاجِل بُشْرَى الْمُؤْمِن» وَفِي رِوَايَة: «وَيُحِبّهُ النَّاس عَلَيْهِ».قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ هَذِهِ الْبُشْرَى الْمُعَجَّلَة لَهُ بِالْخَيْرِ، وَهِيَ دَلِيل عَلَى رِضَاء اللَّه تَعَالَى عَنْهُ، وَمَحَبَّته لَهُ، فَيُحَبِّبهُ إِلَى الْخَلْق كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيث، ثُمَّ يُوضَع لَهُ الْقَبُول فِي الْأَرْض. هَذَا كُلّه إِذَا حَمِدَهُ النَّاس مِنْ غَيْر تَعَرُّض مِنْهُ لِحَمْدِهِمْ، وَإِلَّا فَالتَّعَرُّض مَذْمُوم..كتاب القدر: .باب كَيْفِيَّةِ الْخَلْقِ الآدَمِيِّ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَكِتَابَةِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقَاوَتِهِ وَسَعَادَتِهِ: 4781- قَوْله: «حَدَّثَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الصَّادِق الْمَصْدُوق: إِنَّ أَحَدكُمْ يُجْمَع خَلْقه فِي بَطْن أُمّه أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ تَكُون فِي ذَلِكَ عَلَقَة مِثْل ذَلِكَ، ثُمَّ تَكُون فِي ذَلِكَ مُضْغَة مِثْل ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَل الْمَلَك فَيَنْفُخ فيه الرُّوح، وَيُؤْمَر بِأَرْبَعِ كَلِمَات: بِكَتْبِ رِزْقه، وَأَجَله وَعَمَله، وَشَقِيّ أَمْ سَعِيد» أَمَّا قَوْله (الصَّادِق الْمَصْدُوق) فَمَعْنَاهُ الصَّادِق فِي قَوْله، الْمَصْدُوق فِيمَا يَأْتِي مِنْ الْوَحْي الْكَرِيم.وَأَمَّا قَوْله: (إِنَّ أَحَدكُمْ) بِكَسْرِ الْهَمْزَة عَلَى حِكَايَة لَفْظِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْله: (بِكَتْبِ رِزْقه) هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة فِي أَوَّله عَلَى الْبَدَل مِنْ أَرْبَع.وَقَوْله: (شَقِيّ أَوْ سَعِيد) مَرْفُوع خَبَر مُبْتَدَأ مَحْذُوف أَيْ وَهُوَ شَقِيّ أَوْ سَعِيد.قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيث: «ثُمَّ يُرْسَل الْمَلَك» ظَاهِره أَنَّ إِرْسَاله يَكُون بَعْد مِائَة وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْد هَذِهِ: «يَدْخُل الْمَلَك عَلَى النُّطْفَة بَعْدَمَا تَسْتَقِرّ فِي الرَّحِم بِأَرْبَعِينَ، أَوْ خَمْس وَأَرْبَعِينَ لَيْلَة فَيَقُول: يَا رَبّ أَشَقِيّ أَمْ سَعِيد» وَفِي الرِّوَايَة الثَّالِثَة: «إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ اِثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَة بَعَثَ اللَّه إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا، وَخَلَقَ سَمْعهَا، وَبَصَرهَا، وَجِلْدهَا». وَفِي رِوَايَة حُذَيْفَة بْن أُسَيْدٍ: «إِنَّ النُّطْفَة تَقَع فِي الرَّحِم أَرْبَعِينَ لَيْلَة، ثُمَّ يَتَسَوَّر عَلَيْهَا الْمَلَك». وَفِي رِوَايَة: «إِنَّ مَلَكًا مُوَكَّلًا بِالرَّحِمِ إِذَا أَرَادَ اللَّه أَنْ يَخْلُق شَيْئًا بِإِذْنِ اللَّه لِبِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَة»، وَذَكَرَ الْحَدِيث. وَفِي رِوَايَة أَنَس: «إِنَّ اللَّه قَدْ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُول: أَيْ رَبّ نُطْفَة أَيْ رَبّ عَلَقَة أَيْ رَبّ مُضْغَة».قَالَ الْعُلَمَاء: طَرِيق الْجَمْع بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَات أَنَّ لِلْمَلَكِ مُلَازَمَة وَمُرَاعَاة لِحَالِ النُّطْفَة، وَأَنَّهُ يَقُول: يَا رَبّ هَذِهِ عَلَقَة، هَذِهِ مُضْغَة، فِي أَوْقَاتهَا. فَكُلّ وَقْت يَقُول فيه مَا صَارَتْ إِلَيْهِ بِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى، وَهُوَ أَعْلَم سُبْحَانه، وَلِكَلَامِ الْمَلَك وَتَصَرُّفه أَوْقَات: أَحَدهَا حِين يَخْلُقهَا اللَّه تَعَالَى نُطْفَة، ثُمَّ يَنْقُلهَا عَلَقَة، وَهُوَ أَوَّل عِلْم الْمَلَك بِأَنَّهُ وَلَد؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلّ نُطْفَة تَصِير وَلَدًا، وَذَلِكَ عَقِب الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى، وَحِينَئِذٍ يَكْتُب رِزْقه وَأَجَله وَعَمَله وَشَقَاوَته أَوْ سَعَادَته، ثُمَّ لِلْمَلَكِ فيه تَصَرُّف آخَر فِي وَقْت آخَر، وَهُوَ تَصْوِيره وَخَلْق سَمْعه وَبَصَره وَجِلْده وَعَظْمه، وَكَوْنه ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُون فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَة، وَهِيَ مُدَّة الْمُضْغَة، وَقَبْل اِنْقِضَاء هَذِهِ الْأَرْبَعِينَ، وَقَبْل نَفْخ الرُّوح فيه؛ لِأَنَّ نَفْخ الرُّوح لَا يَكُون إِلَّا بَعْد تَمَام صُورَته.وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ نَفْخ الرُّوح لَا يَكُون إِلَّا بَعْد أَرْبَعَة أَشْهُر وَوَقَعَ فِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ: «إِنَّ خَلْق أَحَدكُمْ يُجْمَع فِي بَطْن أُمّه أَرْبَعِينَ، ثُمَّ يَكُون عَلَقَة مِثْله، ثُمَّ يَكُون مُضْغَة مِثْله، ثُمَّ يُبْعَث إِلَيْهِ الْمَلَك فَيُؤْذَن بِأَرْبَعِ كَلِمَات، فَيَكْتُب رِزْقه وَأَجَله وَشَقِيّ أَوْ سَعِيد، ثُمَّ يَنْفُخ فيه ثُمَّ يُبْعَث» بِحَرْفِ (ثُمَّ) يَقْتَضِي تَأْخِير كَتْب الْمَلَك هَذِهِ الْأُمُور إِلَى مَا بَعْد الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَة، وَالْأَحَادِيث الْبَاقِيَة تَقْتَضِي الْكَتْب بَعْد الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى. وَجَوَابه أَنَّ قَوْله: «يُبْعَث إِلَيْهِ الْمُلْك فَيُؤْذَن فَيَكْتُب» مَعْطُوف عَلَى قَوْله: «يُجْمَع فِي بَطْن أُمّه»، وَمُتَعَلِّقٌ بِهِ لَا بِمَا قَبْله، وَهُوَ قَوْله: «ثُمَّ يَكُون مُضْغَة مِثْله»، وَيَكُون قَوْله: «ثُمَّ يَكُون عَلَقَة مِثْله، ثُمَّ يَكُون مُضْغَة مِثْله» مُعْتَرِضًا بَيْن الْمَعْطُوف وَالْمَعْطُوف عَلَيْهِ وَذَلِكَ جَائِز مَوْجُود فِي الْقُرْآن وَالْحَدِيث الصَّحِيح وَغَيْره مِنْ كَلَام الْعَرَب.قَالَ الْقَاضِي وَغَيْره: وَالْمُرَاد بِإِرْسَالِ الْمَلَك فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء أَمْرُهُ بِهَا وَبِالتَّصَرُّفِ فيها بِهَذِهِ الْأَفْعَال، وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْحَدِيث بِأَنَّهُ مُوَكَّل بِالرَّحِمِ، وَأَنَّهُ يَقُول: يَا رَبّ نُطْفَة، يَا رَبّ عَلَقَة.قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَوَاَلَّذِي لَا إِلَه غَيْره إِنَّ أَحَدكُمْ لِيَعْمَل بِعَمَلِ أَهْل الْجَنَّة حَتَّى مَا يَكُون بَيْنه وَبَيْنهَا إِلَّا ذِرَاع، فَيَسْبِق عَلَيْهِ الْكِتَاب، فَيَعْمَل بِعَمَلِ أَهْل النَّار، فَيَدْخُلهَا. وَإِنَّ أَحَدكُمْ لِيَعْمَل بِعَمَلِ أَهْل النَّار إِلَخْ» الْمُرَاد بِالذِّرَاعِ التَّمْثِيل لِلْقُرْبِ مِنْ مَوْته وَدُخُوله عَقِبه، وَأَنَّ تِلْكَ الدَّار مَا بَقِيَ بَيْنه وَبَيْن أَنْ يَصِلهَا إِلَّا كَمَنْ بَقِيَ بَيْنه وَبَيْن مَوْضِع مِنْ الْأَرْض ذِرَاع، وَالْمُرَاد بِهَذَا الْحَدِيث أَنَّ هَذَا قَدْ يَقَع فِي نَادِر مِنْ النَّاس، لَا أَنَّهُ غَالِب فيهمْ، ثُمَّ أَنَّهُ مِنْ لُطْف اللَّه تَعَالَى وَسَعَة رَحْمَته اِنْقِلَاب النَّاس مِنْ الشَّرّ إِلَى الْخَيْر فِي كَثْرَة، وَأَمَّا اِنْقِلَابهمْ مِنْ الْخَيْر إِلَى الشَّرّ فَفِي غَايَة النُّدُور، وَنِهَايَة الْقِلَّة، وَهُوَ نَحْو قَوْله تَعَالَى: «إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي وَغَلَبَتْ غَضَبِي» وَيَدْخُل فِي هَذَا مَنْ اِنْقَلَبَ إِلَى عَمَل النَّار بِكُفْرٍ أَوْ مَعْصِيَة، لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي التَّخْلِيد وَعَدَمه؛ فَالْكَافِر يُخَلَّد فِي النَّار، وَالْعَاصِي الَّذِي مَاتَ مُوَحِّدًا لَا يُخَلَّد فيها كَمَا سَبَقَ تَقْرِيره.وَفِي هَذَا الْحَدِيث تَصْرِيح بِإِثْبَاتِ الْقَدَر، وَأَنَّ التَّوْبَة تَهْدِم الذُّنُوب قَبْلهَا، وَأَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْء حُكِمَ لَهُ بِهِ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ، إِلَّا أَنَّ أَصْحَاب الْمَعَاصِي غَيْر الْكُفْر فِي الْمَشِيئَة. وَاَللَّه أَعْلَم.4782- قَوْله: (عَنْ حُذَيْفَة بْن أَسِيدٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة.قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَيَقُول: يَا رَبّ أَشَقِيّ أَوْ سَعِيد؟ فَيُكْتَبَانِ، فَيَقُول أَيْ رَبّ أَذَكَر أَوْ أُنْثَى؟ فَيُكْتَبَانِ» يُكْتَبَانِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِضَمِّ أَوَّله وَمَعْنَاهُ يُكْتَب أَحَدهمَا.4783- وَأَمَّا قَوْله: «فَإِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ اِثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَة بَعَثَ اللَّه إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعهَا وَبَصَرهَا وَجِلْدهَا وَلَحْمهَا وَعِظَامهَا ثُمَّ قَالَ: يَا رَبّ أَذَكَر أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبّك مَا شَاءَ، وَيَكْتُب الْمَلَك، ثُمَّ يَقُول: يَا رَبّ أَجَله، فَيَقُول رَبّك مَا شَاءَ، وَيَكْتُب الْمَلَك، وَذَكَرَ رِزْقه»، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْره: لَيْسَ هُوَ عَلَى ظَاهِره، وَلَا يَصِحّ حَمْله عَلَى ظَاهِره، بَلْ الْمُرَاد بِتَصْوِيرِهَا وَخَلْق سَمْعهَا إِلَى آخِره أَنَّهُ يَكْتُب ذَلِكَ، ثُمَّ يَفْعَلهُ فِي وَقْت آخَر؛ لِأَنَّ التَّصْوِير عَقِب الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى غَيْر مَوْجُود فِي الْعَادَة، وَإِنَّمَا يَقَع فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَة، وَهِيَ مُدَّة الْمُضْغَة كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان مِنْ سُلَالَة مِنْ طِين ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَة فِي قَرَار مَكِين ثُمَّ خَلْقنَا النُّطْفَة عَلَقَة فَخَلَقْنَا الْعَلَقَة مُضْغَة فَخَلَقْنَا الْمُضْغَة عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَام لَحْمًا} ثُمَّ يَكُون لِلْمَلَكِ فيه تَصْوِير آخَر، وَهُوَ وَقْت نَفْخ الرُّوح عَقِب الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَة حِين يَكْمُل لَهُ أَرْبَعَة أَشْهُر.4784- قَوْله: (دَخَلْت عَلَى أَبِي سَرِيحَة) هُوَ بِفَتْحِ السِّين الْمُهْمَلَة وَكَسْر الرَّاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة.قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ النُّطْفَة تَقَع فِي الرَّحِم أَرْبَعِينَ لَيْلَة ثُمَّ يَتَصَوَّر عَلَيْهَا الْمَلَك» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع نُسَخ بِلَادنَا (يَتَصَوَّر) بِالصَّادَّةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي (يَتَسَوَّر) بِالسِّينِ.قَالَ: وَالْمُرَاد بِيَتَسَوَّرُ يَنْزِل، وَهُوَ اِسْتِعَارَة مِنْ تَسَوَّرْت الدَّار إِذَا نَزَلْت فيها مِنْ أَعْلَاهَا، وَلَا يَكُون التَّسَوُّر إِلَّا مِنْ فَوْق، فَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون الصَّاد الْوَاقِعَة فِي نُسَخ بِلَادنَا مُبَدَّلَة مِنْ السِّين. وَاَللَّه أَعْلَم.4785- قَالَ الْقَاضِي: وَقَوْله فِي حَدِيث أَنَس: «وَإِذَا أَرَادَ اللَّه أَنْ يَقْضِيَ خَلْقًا قَالَ: يَا رَبّ أَذَكَر أَمْ أُنْثَى؟ شَقِيّ أَمْ سَعِيد»؟لَا يُخَالِف مَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَا يَلْزَم مِنْهُ أَنْ يَقُول ذَلِكَ بَعْد الْمُضْغَة، بَلْ اِبْتِدَاء لِلْكَلَامِ، وَإِخْبَار عَنْ حَالَة أُخْرَى، فَأَخْبَرَ أَوَّلًا بِحَالِ الْمَلَك مَعَ النُّطْفَة، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى إِذَا أَرَادَ إِظْهَار خَلْقِ النُّطْفَة عَلَقَة كَانَ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ الْمُرَاد بِجَمِيعِ مَا ذَكَرَ مِنْ الرِّزْق وَالْأَجَل، وَالشَّقَاوَة وَالسَّعَادَة، وَالْعَمَل، وَالذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة أَنَّهُ يَظْهَر ذَلِكَ لِلْمَلَكِ، وَيَأْمُرهُ بِإِنْفَاذِهِ وَكِتَابَته، وَإِلَّا فَقَضَاء اللَّه تَعَالَى سَابِق عَلَى ذَلِكَ، وَعِلْمُهُ وَإِرَادَته لِكُلِّ ذَلِكَ مَوْجُود فِي الْأَزَل وَاَللَّه أَعْلَم.4786- قَوْله: «فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُت بِمِخْصَرَتِهِ» أَمَّا (نَكَّسَ) فَبِتَخْفِيفِ الْكَاف وَتَشْدِيدهَا، لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ، يُقَال: نَكَسَهُ يَنْكُسهُ فَهُوَ نَاكِس كَقَتَلَهُ يَقْتُلهُ فَهُوَ قَاتِل، وَنَكَّسَهُ يُنَكِّسهُ تَنْكِيسًا فَهُوَ مُنَكِّس، أَيْ خَفَضَ رَأْسه وَطَأْطَأَ إِلَى الْأَرْض عَلَى هَيْئَة الْمَهْمُوم. وَقَوْله: (يَنْكُت) بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمِّ الْكَاف وَآخِره وَتَاء مُثَنَّاة فَوْق أَيْ يَخُطّ بِهَا خَطًّا يَسِيرًا مَرَّة بَعْد مَرَّة، وَهَذَا فِعْل الْمُفَكِّر الْمَهْمُوم. و(الْمِخْصَرَة) بِكَسْرِ الْمِيم مَا أَخَذَهُ الْإِنْسَان بِيَدِهِ وَاخْتَصَرَهُ مِنْ عَصًا لَطِيفَة وَعُكَّازٍ لَطِيف وَغَيْرهمَا. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث كُلّهَا دَلَالَات ظَاهِرَة لِمَذْهَبِ أَهْل السُّنَّة فِي إِثْبَات الْقَدَر، وَأَنَّ جَمِيع الْوَاقِعَات بِقَضَاءِ اللَّه تَعَالَى وَقَدَرِه؛ خَيْرهَا وَشَرّهَا، وَنَفْعهَا وَضَرّهَا، وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّل كِتَاب الْإِيمَان قِطْعَة صَالِحَة مِنْ هَذَا.قَالَ اللَّه تَعَالَى: {لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ} فَهُوَ مِلْك لِلَّهِ تَعَالَى يَفْعَل مَا يَشَاء، وَلَا اِعْتِرَاض عَلَى الْمَالِك فِي مِلْكه، وَلِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا عِلَّة لِأَفْعَالِهِ.قَالَ الْإِمَام أَبُو الْمُظَفَّر السَّمْعَانِيّ: سَبِيل مَعْرِفَة هَذَا الْبَاب التَّوْقِيف مِنْ الْكِتَاب وَالسُّنَّة دُون مَحْض الْقِيَاس وَمُجَرَّد الْعُقُول، فَمَنْ عَدَلَ عَنْ التَّوْقِيف فيه ضَلَّ وَتَاهَ فِي بِحَار الْحَيْرَة، وَلَمْ يَبْلُغ شِفَاء النَّفْس، وَلَا يَصِل إِلَى مَا يَطْمَئِنّ بِهِ الْقَلْب؛ لِأَنَّ الْقَدَر سِرّ مِنْ أَسْرَار اللَّه تَعَالَى الَّتِي ضُرِبَتْ مِنْ دُونهَا الْأَسْتَار، وَاخْتَصَّ اللَّه بِهِ، وَحَجَبَهُ عَنْ عُقُول الْخَلْق وَمَعَارِفهمْ؛ لِمَا عَلِمَهُ مِنْ الْحِكْمَة. وَوَاجِبنَا أَنْ نَقِف حَيْثُ حَدَّ لَنَا، وَلَا نَتَجَاوَزهُ، وَقَدْ طَوَى اللَّه تَعَالَى عِلْم الْقَدَر عَلَى الْعَالَم، فَلَمْ يَعْلَمهُ نَبِيّ مُرْسَل، وَلَا مَلَك مُقَرَّب.وَقِيلَ: إِنَّ سِرّ الْقَدَر يَنْكَشِف لَهُمْ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّة، وَلَا يَنْكَشِف قَبْل دُخُولهَا. وَاَللَّه أَعْلَم. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث النَّهْي عَنْ تَرْك الْعَمَل وَالِاتِّكَال عَلَى مَا سَبَقَ بِهِ الْقَدَر، بَلْ تَجِب الْأَعْمَال وَالتَّكَالِيف الَّتِي وَرَدَ الشَّرْع بِهَا، وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ لَا يَقْدِر عَلَى غَيْره، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل السَّعَادَة يَسَّرَهُ اللَّه لِعَمَلِ السَّعَادَة، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الشَّقَاوَة يَسَّرَهُ اللَّه لِعَمَلِهِمْ كَمَا قَالَ: قَالَ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَلِلْعُسْرَى، وَكَمَا صَرَّحَتْ بِهِ هَذِهِ الْأَحَادِيث.4787- سبق شرحه بالباب.4788- قَوْله: «جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَام» أَيْ مَضَتْ بِهِ الْمَقَادِير، وَسَبَقَ عِلْم اللَّه تَعَالَى بِهِ، وَتَمَّتْ كِتَابَته فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَجَفَّ الْقَلَم الَّذِي كُتِبَ بِهِ، وَامْتَنَعَتْ فيه الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان.قَالَ الْعُلَمَاء: وَكِتَاب اللَّه تَعَالَى وَلَوْحه وَقَلَمه وَالصُّحُف الْمَذْكُورَة فِي الْأَحَادِيث كُلّ ذَلِكَ مِمَّا يَجِب الْإِيمَان بِهِ.وَأَمَّا كَيْفِيَّة ذَلِكَ وَصِفَته فَعِلْمهَا إِلَى اللَّه تَعَالَى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمه إِلَّا بِمَا شَاءَ} وَاَللَّه أَعْلَم.4789- سبق شرحه بالباب.4790- قَوْله: «مَا يَعْمَل النَّاس وَيَكْدَحُونَ فيه» أَيْ يَسْعَوْنَ، وَالْكَدْح هُوَ السَّعْي فِي الْعَمَل، سَوَاء كَانَ لِلْآخِرَةِ أَمْ لِلدُّنْيَا.قَوْله: «لِأَحْزُر عَقْلك» أَيْ لِأَمْتَحِن عَقْلك وَفَهْمك وَمَعْرِفَتك. وَاَللَّه أَعْلَم..باب حِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ: 4793- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِحْتَجَّ آدَم وَمُوسَى» قَالَ أَبُو الْحَسَن الْقَاضِي: اِلْتَقَتْ أَرْوَاحهمَا فِي السَّمَاء، فَوَقَعَ الْحِجَاج بَيْنهمَا.قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَيَحْتَمِل أَنَّهُ عَلَى ظَاهِره. وَأَنَّهُمَا اِجْتَمَعَا بِأَشْخَاصِهِمَا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيث الْإِسْرَاء أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِجْتَمَعَ بِالْأَنْبِيَاءِ، صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فِي السَّمَاوَات، وَفِي بَيْت الْمَقْدِس، وَصَلَّى بِهِمْ.قَالَ: فَلَا يَبْعُد أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَحْيَاهُمْ كَمَا جَاءَ فِي الشُّهَدَاء.قَالَ: وَيَحْتَمِل أَنَّ ذَلِكَ جَرَى فِي حَيَاة مُوسَى؛ سَأَلَ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُرِيَهُ آدَم فَحَاجَّهُ.قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَقَالَ مُوسَى: يَا آدَم أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتنَا، وَأَخْرَجْتنَا مِنْ الْجَنَّة» وَفِي رِوَايَة: «أَنْتَ آدَم الَّذِي أَغْوَيْت النَّاس، وَأَخْرَجْتهمْ مِنْ الْجَنَّة» وَفِي رِوَايَة: «أُهْبِطَتْ النَّاس بِخَطِيئَتِك إِلَى الْأَرْض». مَعْنَى (خَيَّبْتنَا) أَوْقَعْتنَا فِي الْخَيْبَة، وَهِيَ الْحِرْمَان وَالْخُسْرَان.وَقَدْ خَابَ يَخِيب وَيَخُوب، وَمَعْنَاهُ كُنْت سَبَب خَيْبَتنَا وَإِغْوَائِنَا بِالْخَطِيئَةِ الَّتِي تَرَتَّبَ عَلَيْهَا إِخْرَاجُكَ مِنْ الْجَنَّة، ثُمَّ تَعَرَّضْنَا نَحْنُ لِإِغْوَاءِ الشَّيَاطِين. وَالْغَيّ الِانْهِمَاك فِي الشَّرّ. وَفيه جَوَاز إِطْلَاق الشَّيْء عَلَى سَبَبه. وَفيه ذِكْر الْجَنَّة وَهِيَ مَوْجُودَة مِنْ قَبْل آدَم. هَذَا مَذْهَب أَهْل الْحَقّ.قَوْله: «اِصْطَفَاك اللَّه بِكَلَامِهِ وَخَطَّ لَك بِيَدِهِ» فِي (الْيَد) هُنَا الْمَذْهَبَانِ السَّابِقَانِ فِي كِتَاب الْإِيمَان وَمَوَاضِع فِي أَحَادِيث الصِّفَات: أَحَدهمَا الْإِيمَان بِهَا، وَلَا يُتَعَرَّض لِتَأْوِيلِهَا، مَعَ أَنَّ ظَاهِرهَا غَيْر مُرَاد. وَالثَّانِي تَأْوِيلهَا عَلَى الْقُدْرَة. وَمَعْنَى: «اِصْطَفَاك» أَيْ اِخْتَصَّك وَآثَرَك بِذَلِكَ.قَوْله: «أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْر قَدَّرَهُ اللَّه عَلَيَّ قَبْل أَنْ يَخْلُقنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَة؟» الْمُرَاد بِالتَّقْدِيرِ هُنَا الْكِتَابَة فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَفِي صُحُف التَّوْرَاة وَأَلْوَاحهَا، أَيْ كَتَبَهُ عَلَيَّ قَبْل خَلْقِي بِأَرْبَعِينَ سَنَة، وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْد هَذِهِ، «فَقَالَ: بِكَمْ وَجَدْت اللَّه كَتَبَ التَّوْرَاة قَبْل أَنْ أُخْلَق؟ قَالَ مُوسَى: بِأَرْبَعِينَ سَنَة. قَالَ: أَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْت عَمَلًا كَتَبَ اللَّه عَلَيَّ أَنْ أَعْمَلهُ قَبْل أَنْ يَخْلُقنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَة؟» فَهَذِهِ الرِّوَايَة مُصَرِّحَة بِبَيَانِ الْمُرَاد بِالتَّقْدِيرِ، وَلَا يَجُوز أَنْ يُرَاد بِهِ حَقِيقَة الْقَدَر، فَإِنَّ عِلْم اللَّه تَعَالَى وَمَا قَدَّرَهُ عَلَى عِبَاده وَأَرَادَ مِنْ خَلْقه أَزَلِيّ لَا أَوَّل لَهُ، وَلَمْ يَزَلْ سُبْحَانه مُرِيدًا لِمَا أَرَادَهُ مِنْ خَلْقه مِنْ طَاعَة وَمَعْصِيَة، وَخَيْر وَشَرّ.قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَحَجَّ آدَم مُوسَى» هَكَذَا الرِّوَايَة فِي جَمِيع كُتُب الْحَدِيث بِاتِّفَاقِ النَّاقِلِينَ وَالرُّوَاة وَالشُّرَّاح وَأَهْل الْغَرِيب: «فَحَجَّ آدَم مُوسَى» بِرَفْعِ آدَم، وَهُوَ فَاعِل، أَيْ غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ، وَظَهَرَ عَلَيْهِ بِهَا. وَمَعْنَى كَلَام آدَم أَنَّك يَا مُوسَى تَعْلَم أَنَّ هَذَا كُتِبَ عَلَيَّ قَبْل أَنْ أُخْلَق، وَقُدِّرَ عَلَيَّ، فلابد مِنْ وُقُوعه، وَلَوْ حَرَصْت أَنَا وَالْخَلَائِق أَجْمَعُونَ عَلَى رَدِّ مِثْقَال ذَرَّة مِنْهُ لَمْ نَقْدِر، فَلِمَ تَلُومنِي عَلَى ذَلِكَ؟ وَلِأَنَّ اللَّوْم عَلَى الذَّنْب شَرْعِيّ لَا عَقْلِيّ، وَإِذْ تَابَ اللَّه تَعَالَى عَلَى آدَم، وَغَفَرَ لَهُ، زَالَ عَنْهُ اللَّوْم فَمَنْ لَامَهُ كَانَ مَحْجُوجًا بِالشَّرْعِ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْعَاصِي مِنَّا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الْمَعْصِيَة قَدَّرَهَا اللَّه عَلَيَّ لَمْ يَسْقُط عَنْهُ اللَّوْم وَالْعُقُوبَة بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِيمَا قَالَهُ. فَالْجَوَاب أَنَّ هَذَا الْعَاصِي بَاقٍ فِي دَار التَّكْلِيف، جَارٍ عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْعُقُوبَة وَاللَّوْم وَالتَّوْبِيخ وَغَيْرهَا، وَفِي لَوْمه وَعُقُوبَته زَجْر لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَنْ مِثْل هَذَا الْفِعْل، وَهُوَ مُحْتَاج إِلَى زَجْر مَا لَمْ يَمُتْ فَأَمَّا آدَم فَمَيِّت خَارِج عَنْ دَار التَّكْلِيف وَعَنْ الْحَاجَة إِلَى الزَّجْر، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْل الْمَذْكُور لَهُ فَائِدَة، بَلْ فيه إِيذَاء وَتَخْجِيل. وَاَللَّه أَعْلَم.4794- سبق شرحه بالباب.4795- سبق شرحه بالباب.4796- سبق شرحه بالباب.4797- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَتَبَ اللَّه مَقَادِير الْخَلَائِق قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ أَلْف سَنَة وَعَرْشُه عَلَى الْمَاء» قَالَ الْعُلَمَاء: الْمُرَاد تَحْدِيد وَقْت الْكِتَابَة فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَوْ غَيْره، لَا أَصْل التَّقْدِير، فَإِنَّ ذَلِكَ أَزَلِيّ لَا أَوَّل لَهُ وَقَوْله: «وَعَرْشه عَلَى الْمَاء» أَيْ قَبْل خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض. وَاَللَّه أَعْلَم..باب تَصْرِيفِ اللَّهِ تَعَالَى الْقُلُوبَ كَيْفَ شَاءَ: 4798- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ قُلُوب بَنِي آدَم كُلّهَا بَيْن إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِع الرَّحْمَن كَقَلْبٍ وَاحِد يُصَرِّفهُ حَيْثُ يَشَاء» هَذَا مِنْ أَحَادِيث الصِّفَات، وَفيها الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ قَرِيبًا: أَحَدهمَا الْإِيمَان بِهَا مِنْ غَيْر تَعَرُّض لِتَأْوِيلٍ وَلَا لِمَعْرِفَةِ الْمَعْنَى، بَلْ يُؤْمَن بِأَنَّهَا حَقٌّ، وَأَنَّ ظَاهِرهَا غَيْر مُرَاد.قَالَ اللَّه تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} وَالثَّانِي يُتَأَوَّل بِحَسَبِ مَا يَلِيق بِهَا، فَعَلَى هَذَا الْمُرَاد الْمَجَاز كَمَا يُقَال: فُلَان فِي قَبْضَتِي، وَفِي كَفِّي، لَا يُرَاد بِهِ أَنَّهُ حَال فِي كَفّه، بَلْ الْمُرَاد تَحْت قُدْرَتِي. وَيُقَال: فُلَان بَيْن إِصْبَعِي أُقَلِّبهُ كَيْف شِئْت أَيْ أَنَّهُ مِنِّي عَلَى قَهْره وَالتَّصَرُّف فيه كَيْف شِئْت. فَمَعْنَى الْحَدِيث أَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى مُتَصَرِّف فِي قُلُوب عِبَاده وَغَيْرهَا كَيْف شَاءَ، لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْء، وَلَا يَفُوتهُ مَا أَرَادَهُ، كَمَا لَا يَمْتَنِع عَلَى الْإِنْسَان مَا كَانَ بَيْن إِصْبَعَيْهِ. فَخَاطَبَ الْعَرَب بِمَا يَفْهَمُونَهُ، وَمَثَّلَهُ بِالْمَعَانِي الْحِسِّيَّة تَأْكِيدًا لَهُ فِي نُفُوسهمْ. فَإِنَّ قِيلَ: فَقُدْرَة اللَّه تَعَالَى وَاحِدَة، وَالْإِصْبَعَانِ لِلتَّثْنِيَةِ. فَالْجَوَاب أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ أَنَّ هَذَا مَجَاز وَاسْتِعَارَة، فَوَقَعَ التَّمْثِيل بِحَسَبِ مَا اِعْتَادُوا غَيْر مَقْصُود بِهِ التَّثْنِيَة وَالْجَمْع. وَاَللَّه أَعْلَم..باب كُلُّ شيء بِقَدَرٍ: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلّ شَيْء بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْز وَالْكَيْس أَوْ قَالَ الْكَيْس وَالْعَجْز» قَالَ الْقَاضِي: رَوَيْنَاهُ بِرَفْعِ (الْعَجْز وَالْكَيْس) عَطْفًا عَلَى (كُلّ)، وَبِجَرِّهِمَا عَطْفًا عَلَى (شَيْء) قَالَ: وَيَحْتَمِل أَنَّ الْعَجْز هُنَا عَلَى ظَاهِره، وَهُوَ عَدَم الْقُدْرَة.وَقِيلَ: هُوَ تَرْك مَا يَجِب فِعْله، وَالتَّسْوِيف بِهِ وَتَأْخِيره عَنْ وَقْته قَالَ: وَيَحْتَمِل الْعَجْز عَنْ الطَّاعَات، وَيَحْتَمِل الْعُمُوم فِي أُمُور الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. وَالْكَيْس ضِدّ الْعَجْز، وَهُوَ النَّشَاط وَالْحِذْق بِالْأُمُورِ. وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْعَاجِز قَدْ قَدَّرَ عَجْزه، وَالْكَيِّس قَدْ قَدَّرَ كَيْسه.4800- قَوْله: (جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْش يُخَاصِمُونَ فِي الْقَدَر، فَنَزَلَتْ: {يَوْم يُسْحَبُونَ فِي النَّار عَلَى وُجُوههمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَر إِنَّا كُلّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}) الْمُرَاد بِالْقَدَرِ هُنَا الْقَدَر الْمَعْرُوف وَهُوَ مَا قَدَّر اللَّه وَقَضَاهُ وَسَبَقَ بِهِ عِلْمُهُ وَإِرَادَتُهُ وَأَشَارَ الْبَاجِي إِلَى خِلَاف هَذَا وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. وَفِي هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة وَالْحَدِيث تَصْرِيح بِإِثْبَاتِ الْقَدَر، وَأَنَّهُ عَامّ فِي كُلّ شَيْء، فَكُلّ ذَلِكَ مُقَدَّر فِي الْأَزَل، مَعْلُوم لِلَّهِ، مُرَاد لَهُ..باب قُدِّرَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظُّهُ مِنَ الزِّنَى وَغَيْرِهِ: 4801- قَوْله: «مَا رَأَيْت أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّه كَتَبَ عَلَى اِبْن آدَم حَظّه مِنْ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَة، فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَر، وَزِنَا اللِّسَان النُّطْق وَالنَّفْس تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْج يُصَدِّق ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبهُ» وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: «كُتِبَ عَلَى اِبْن آدَم نَصِيبه مِنْ الزِّنَا، مُدْرِك ذَلِكَ لَا مَحَالَة؛ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَر، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاع، وَاللِّسَان زِنَاهُ الْكَلَام، وَالْيَد زِنَاهَا الْبَطْش، وَالرِّجْل زِنَاهَا الْخُطَى، وَالْقَلْب يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّق ذَلِكَ الْفَرْج وَيُكَذِّبهُ» مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ اِبْن آدَم قُدِّرَ عَلَيْهِ نَصِيب مِنْ الزِّنَا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُون زِنَاهُ حَقِيقِيًّا بِإِدْخَالِ الْفَرْج فِي الْفَرْج الْحَرَام، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُون زِنَاهُ مَجَازًا بِالنَّظَرِ الْحَرَام أَوْ الِاسْتِمَاع إِلَى الزِّنَا وَمَا يَتَعَلَّق بِتَحْصِيلِهِ، أَوْ بِالْمَسِّ بِالْيَدِ بِأَنْ يَمَسّ أَجْنَبِيَّة بِيَدِهِ، أَوْ يُقَبِّلهَا، أَوْ بِالْمَشْيِ بِالرِّجْلِ إِلَى الزِّنَا، أَوْ النَّظَر، أَوْ اللَّمْس، أَوْ الْحَدِيث الْحَرَام مَعَ أَجْنَبِيَّة، وَنَحْو ذَلِكَ، أَوْ بِالْفِكْرِ بِالْقَلْبِ. فَكُلّ هَذِهِ أَنْوَاع مِنْ الزِّنَا الْمَجَازِيّ، وَالْفَرْج يُصَدِّق ذَلِكَ كُلّه أَوْ يُكَذِّبهُ. مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ يُحَقِّق الزِّنَا بِالْفَرْجِ، وَقَدْ لَا يُحَقِّقهُ بِأَلَّا يُولِج الْفَرْج فِي الْفَرْج، وَإِنْ قَارَبَ ذَلِكَ. وَاَللَّه أَعْلَم.وَأَمَّا قَوْل اِبْن عَبَّاس: (مَا رَأَيْت شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة)، فَمَعْنَاهُ تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش إِلَّا اللَّمَم إِنَّ رَبّك وَاسِع الْمَغْفِرَة} وَمَعْنَى الْآيَة وَاَللَّه أَعْلَم الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ الْمَعَاصِي غَيْر اللَّمَم يَغْفِر لَهُمْ اللَّمَم كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِر مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّر عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ} فَمَعْنَى الْآيَتَيْنِ أَنَّ اِجْتِنَاب الْكَبَائِر يُسْقِط الصَّغَائِر، وَهِيَ اللَّمَم. وَفَسَّرَهُ اِبْن عَبَّاس بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ النَّظَر وَاللَّمْس وَنَحْوهمَا، وَهُوَ كَمَا قَالَ. هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي تَفْسِير اللَّمَم، وَقِيلَ: أَنْ يُلِمّ بِالشَّيْءِ وَلَا يَفْعَلهُ، وَقِيلَ: الْمَيْل إِلَى الذَّنْب. وَلَا يُصِرّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِظَاهِرٍ. وَأَصْل اللَّمَم وَالْإِلْمَام الْمَيْل إِلَى الشَّيْء وَطَلَبَهُ مِنْ غَيْر مُدَاوَمَة وَاَللَّه أَعْلَم.4802- سبق شرحه بالباب.
|