الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»
.باب مِنْ فَضَائِلِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: 4435- قَوْله: عَنْ أَبِي عُثْمَان قَالَ: «لَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْض تِلْكَ الْأَيَّام إِلَى قَوْله غَيْر طَلْحَة وَسَعْد عَنْ حَدِيثهمَا» مَعْنَاهُ وَهُمَا حَدَّثَانِي بِذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.4436- قَوْله: «نَدَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس فَانْتَدَبَ الزُّبَيْر» أَيْ دَعَاهُمْ لِلْجِهَادِ، وَحَرَّضَهُمْ عَلَيْهِ، فَأَجَابَهُ الزُّبَيْر.قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ نَبِيّ حَوَارِيّ وَحَوَارِيّ الزُّبَيْر» قَالَ الْقَاضِي: اُخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ، فَضَبَطَهُ جَمَاعَة مِنْ الْمُحَقِّقِينَ بِفَتْحِ الْيَاء مِنْ الثَّانِي كَمُصْرِخِيَّ، وَضَبَطَهُ أَكْثَرهمْ بِكَسْرِهَا، وَالْحَوَارِيّ النَّاصِر، وَقِيلَ: الْخَاصَّة.4437- قَوْله: «عَنْ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر قَالَ: كُنْت أَنَا وَعُمَر بْن أَبِي سَلَمَة يَوْم الْخَنْدَق مَعَ النِّسْوَة فِي أُطُم حَسَّان، فَكَانَ يُطَأْطِئُ لِي مَرَّة فَأَنْظُر إِلَى آخِره» الْأُطُم بِضَمِّ الْهَمْزَة وَالطَّاء الْحِصْن، وَجَمْعُهُ آطَام، كَعُنُقِ وَأَعْنَاق.قَالَ الْقَاضِي. وَيُقَالُ فِي الْجَمْع أَيْضًا إِطَام بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْقَصْر، كَآكَامِ. وَقَوْله: كَانَ يُطَأْطِئُ هُوَ بِهَمْزِ آخِره، وَمَعْنَاهُ يَخْفِضُ لِي ظَهْره- وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِحُصُولِ ضَبْط الصَّبِيّ وَتَمْيِيزه وَهُوَ اِبْن أَرْبَع سِنِينَ، فَإِنَّ اِبْن الزُّبَيْر وُلِدَ عَام الْهِجْرَة فِي الْمَدِينَة، وَكَانَ الْخَنْدَق سَنَة أَرْبَع مِنْ الْهِجْرَة عَلَى الصَّحِيح، فَيَكُون لَهُ فِي وَقْت ضَبْطه لِهَذِهِ الْقَضِيَّة دُون أَرْبَع سِنِينَ، وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَا قَالَهُ جُمْهُور الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَمَاع الصَّبِيّ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْس سِنِينَ، وَالصَّوَاب صِحَّتُهُ مَتَى حَصَلَ التَّمْيِيز، وَإِنْ كَانَ اِبْن أَرْبَع أَوْ دُونهَا. وَفيه مَنْقَبَة لِابْنِ الزُّبَيْر لِجَوْدَةِ ضَبْطه لِهَذِهِ الْقَضِيَّة مُفَصَّلَة فِي هَذَا السِّنّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.4438- قَوْله: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى حِرَاء هُوَ وَأَبُو بَكْر وَعُمَر وَعَلِيّ وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر، فَتَحَرَّكَتْ الصَّخْرَة، فَقَالَ رَسُول اللَّه: اِهْدَأْ فَمَا عَلَيْك إِلَّا نَبِيّ أَوْ صِدِّيق أَوْ شَهِيد» هَكَذَا وَقَعَ فِي مُعْظَم النُّسَخ بِتَقْدِيمِ عَلِيّ عَلَى عُثْمَان، وَفِي بَعْضهَا بِتَقْدِيمِ عُثْمَان عَلَى عَلِيّ كَمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة بِاتِّفَاقِ النُّسَخ.وَقَوْله: (اِهْدَأْ) بِهَمْزِ آخِره أَيْ اُسْكُنْ. و(حِرَاء) بِكَسْرِ الْحَاء وَبِالْمَدِّ، هَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه وَاضِحًا فِي كِتَاب الْإِيمَان، وَأَنَّ الصَّحِيح أَنَّهُ مُذَكَّر مَمْدُود مَصْرُوف. وَفِي هَذَا الْحَدِيث مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْهَا إِخْبَاره أَنَّ هَؤُلَاءِ شُهَدَاء، وَمَاتُوا كُلُّهُمْ غَيْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر شُهَدَاء؛ فَإِنَّ عُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيًّا وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ قُتِلُوا ظُلْمًا شُهَدَاء؛ فَقَتْل الثَّلَاثَة مَشْهُور، وَقُتِلَ الزُّبَيْر بِوَادِي السِّبَاع بِقُرْبِ الْبَصْرَة مُنْصَرِفًا تَارِكًا لِلْقِتَالِ، وَكَذَلِكَ طَلْحَة اِعْتَزَلَ النَّاس تَارِكًا لِلْقِتَالِ، فَأَصَابَهُ سَهْم فَقَتَلَهُ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ مَنْ قُتِلَ ظُلْمًا فَهُوَ شَهِيدٌ، وَالْمُرَاد شُهَدَاء فِي أَحْكَام الْآخِرَة، وَعَظِيم ثَوَاب الشُّهَدَاء.وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَيُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ. وَفيه بَيَان فَضِيلَة هَؤُلَاءِ. وَفيه إِثْبَات التَّمْيِيز فِي الْحِجَاز، وَجَوَاز التَّزْكِيَة وَالثَّنَاء عَلَى الْإِنْسَان فِي وَجْهه إِذَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ فِتْنَة بِإِعْجَابٍ وَنَحْوه.وَأَمَّا ذِكْرُ سَعْدِ بْن أَبِي وَقَّاص فِي الشُّهَدَاء فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة فَقَالَ الْقَاضِي: إِنَّمَا سُمِّيَ شَهِيدًا لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ.4439- سبق شرحه بالباب..باب فَضَائِلِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: 4442- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّة أَمِينًا، وَإِنَّ أَمِينَنَا، أَيَّتُهَا الْأُمَّة، أَبُو عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح» قَالَ الْقَاضِي: هُوَ بِالرَّفْعِ عَلَى النِّدَاء.قَالَ: وَالْإِعْرَاب الْأَفْصَح أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الِاخْتِصَاص. حَكَى سِيبَوَيْهِ: اللَّهُمَّ اِعْفَرْ لَنَا أَيَّتهَا الْعِصَابَة.وَأَمَّا الْأَمِين فَهُوَ الثِّقَة الْمَرَضِيّ.قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْأَمَانَة مُشْتَرَكَة بَيْنه وَبَيْن غَيْره مِنْ الصَّحَابَة، لَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِصِفَاتٍ غَلَبَتْ عَلَيْهِمْ، وَكَانُوا بِهَا أَخَصَّ.4443- سبق شرحه بالباب.4444- قَوْله: «فَاسْتَشْرَفَ لَهَا النَّاس» أَيْ تَطَلَّعُوا إِلَى الْوِلَايَة، وَرَغِبُوا فيها حِرْصًا عَلَى أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَمِينُ الْمَوْعُود فِي الْحَدِيث، لَا حِرْصًا عَلَى الْوِلَايَة مِنْ حَيْثُ هِيَ..باب فَضَائِلِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: 4445- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَسَنِ: «إِنِّي أُحِبُّهُ، فَأَحِبَّهُ، وَأَحْبِبْ مَنْ يُحِبُّهُ» فيه حَثٌّ عَلَى حُبِّهِ، وَبَيَان لِفَضِيلَتِهِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.4446- قَوْله: «فِي طَائِفَةٍ مِنْ النَّهَار حَتَّى جَاءَ سُوق بَنِي قَيْنُقَاع، ثُمَّ اِنْصَرَفَ حَتَّى أَتَى خِبَاء فَاطِمَة فَقَالَ: أَثِمَ لُكَع أَثِمَ لُكَع - يَعْنِي حَسَنًا - فَظَنَنَّا أَنَّهُ إِنَّمَا تَحْبِسُهُ أُمُّهُ لِأَنْ تُغَسِّلَهُ وَتُلْبِسَهُ سِخَابًا» أَمَّا قَوْله: «طَائِفَة مِنْ النَّهَار» فَالْمُرَاد قِطْعَة مِنْهُ. وَقَيْنُقَاع بِضَمِّ النُّون وَفَتْحهَا وَكَسْرهَا، سَبَقَ مَرَّات.و: «لُكَع» الْمُرَاد بِهِ هُنَا الصَّغِير.و: «خِبَاء فَاطِمَة» بِكَسْرِ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَبِالْمَدِّ أَيْ بَيْتهَا.و: «السِّخَاب» بِكَسْرِ السِّين الْمُهْمَلَة وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، جَمْعُهُ سُخُب وَهُوَ قِلَادَةٌ مِنْ الْقُرُنْفُل وَالْمِسْك وَالْعُود وَنَحْوهَا مِنْ أَخْلَاط الطِّيب، يُعْمَلُ عَلَى هَيْئَةِ السُّبْحَة، وَيُجْعَلُ قِلَادَة لِلصِّبْيَانِ وَالْجَوَارِي، وَقِيلَ: هُوَ خَيْط فيه خَرَز سُمِّيَ سِخَابًا لِصَوْتِ خَرَزه عِنْد حَرَكَته مِنْ السَّخَب بِفَتْحِ السِّين وَالْخَاء، يُقَالُ: الصَّخَب بِالصَّادِ. وَهُوَ اِخْتِلَاط الْأَصْوَات. وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز إِلْبَاس الصِّبْيَان الْقَلَائِد وَالسَّخَب وَنَحْوهَا مِنْ الزِّينَة، وَاسْتِحْبَاب تَنْظِيفهمْ لاسيما عِنْد لِقَائِهِمْ أَهْل الْفَضْل، وَاسْتِحْبَاب النَّظَافَة مُطْلَقًا.قَوْله: «جَاءَ يَسْعَى حَتَّى اِعْتَنَقَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا صَاحِبه» فيه اِسْتِحْبَاب مُلَاطَفَة الصَّبِيّ وَمُدَاعَبَته رَحْمَة لَهُ وَلُطْفًا، وَاسْتِحْبَاب التَّوَاضُع مَعَ الْأَطْفَال وَغَيْرهمْ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مُعَانَقَة الرَّجُل لِلرَّجُلِ الْقَادِم مِنْ سَفَرٍ، فَكَرِهَهَا مَالِكٌ، وَقَالَ: هِيَ بِدْعَة، وَاسْتَحَبَّهَا سُفْيَان وَغَيْره، وَهُوَ الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ. وَتَنَاظَرَ مَالِك وَسُفْيَان فِي الْمَسْأَلَة فَاحْتَجَّ سُفْيَان بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ بِجَعْفَرٍ حِين قَدَمَ، فَقَالَ مَالِك: هُوَ خَاصٌّ بِهِ. فَقَالَ سُفْيَان: مَا نَخُصُّهُ بِغَيْرِ دَلِيل، فَسَكَتَ مَالِكٌ.قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَسُكُوت مَالِك دَلِيل لِتَسْلِيمِهِ قَوْل سُفْيَان وَمُوَافَقَته، وَهُوَ الصَّوَاب حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ لِلتَّخْصِيصِ.4447- سبق شرحه بالباب.4448- قَوْله: «رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا الْحَسَن بْن عَلِيّ عَلَى عَاتِقه» الْعَاتِق مَا بَيْن الْمَنْكِب وَالْعُنُق وَفيه مُلَاطَفَة الصِّبْيَان وَرَحْمَتهمْ وَمُمَاسَّتهمْ. وَأَنَّ رُطُوبَات وَجْهه وَنَحْوهَا طَاهِرَة حَتَّى تَتَحَقَّقَ نَجَاسَتهَا، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَف التَّحَفُّظ مِنْهَا، وَلَا يَخْلُونَ مِنْهَا غَالِبًا.4449- قَوْله: «لَقَدْ قُدْت بِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَسَن وَالْحُسَيْن بَغْلَته الشَّهْبَاء، هَذَا قُدَّامه وَهَذَا خَلْفه» فيه دَلِيل لِجَوَازِ رُكُوب ثَلَاثَة عَلَى دَابَّة إِذَا كَانَتْ مُطِيقَة، هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاء كَافَّة، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضهمْ مَنْع ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَهُوَ فَاسِدٌ..باب فَضَائِلِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 4450- قَوْله: «وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّل» هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة. وَنَقَلَ الْقَاضِي أَنَّهُ وَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاة كِتَاب مُسْلِم بِالْحَاءِ، وَلِبَعْضِهِمْ بِالْجِيمِ. وَالْمُرَحَّل بِالْحَاءِ هُوَ الْمُوَشَّى الْمَنْقُوش عَلَيْهِ صُوَر رِحَال الْإِبِل، وَبِالْجِيمِ عَلَيْهِ صُوَر الْمَرَاجِل وَهِيَ الْقُدُور.وَأَمَّا الْمِرْط فَبِكَسْرِ الْمِيم، وَهُوَ كِسَاء، جَمْعه مُرُوط، وَسَبَقَ بَيَانه مَرَّات.قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} قِيلَ: هُوَ الشَّكّ، وَقِيلَ الْعَذَاب، وَقِيلَ: الْإِثْم.قَالَ الْأَزْهَرِيّ: الرِّجْسُ اِسْم لِكُلِّ مُسْتَقْذَر مِنْ عَمَل..باب فَضَائِلِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: 4451- قَوْله: «مَا كُنَّا نَدْعُو زَيْد بْن حَارِثَة إِلَّا زَيْد بْن مُحَمَّد حَتَّى نَزَلَ فِي الْقُرْآن: {اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ}» قَالَ الْعُلَمَاء: كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَبَنَّى زَيْدًا، وَدَعَاهُ اِبْنه، وَكَانَتْ الْعَرَب تَفْعَلُ ذَلِكَ؛ يَتَبَنَّى الرَّجُل مَوْلَاهُ أَوْ غَيْره، فَيَكُون اِبْنًا لَهُ، يُوَارِثَهُ، وَيَنْتَسِبُ إِلَيْهِ، حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَة، فَرَجَعَ كُلُّ إِنْسَان إِلَى نَسَبه، إِلَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَب مَعْرُوف، فَيُضَافُ إِلَى مَوَالِيه كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}.4452- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ» أَيْ حَقِيقًا بِهَا. فيه جَوَاز إِمَارَة الْعَتِيق، وَجَوَاز تَقْدِيمه عَلَى الْعَرَب، وَجَوَاز تَوْلِيَة الصَّغِير عَلَى الْكِبَار؛ فَقَدْ كَانَ أُسَامَة صَغِيرًا جِدًّا، تُوُفِّيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ اِبْن ثَمَانِي عَشْرَة سَنَة، وَقِيلَ: عِشْرِينَ، وَجَوَاز تَوْلِيَة الْمَفْضُول عَلَى الْفَاضِل لِلْمَصْلَحَةِ. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث فَضَائِل ظَاهِرَة لِزَيْدٍ وَلِأُسَامَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَيُقَال: طَعَنَ فِي الْإِمْرَة وَالْعَرْض وَالنَّسَب وَنَحْوهَا يَطْعَنُ بِالْفَتْحِ، وَطَعَنَ بِالرُّمْحِ وَأُصْبُعه وَغَيْرهَا يَطْعُنُ بِالضَّمِّ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَقِيلَ: لُغَتَانِ فيهمَا. وَالْإِمْرَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَة الْوِلَايَة، وَكَذَلِكَ الْإِمَارَة.4453- سبق شرحه بالباب..باب فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: 4454- قَوْله: «قَالَ عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر لِابْنِ الزُّبَيْر: أَتَذْكُرُ إِذْ تَلَقَّيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَنْتَ وَابْن عَبَّاس، فَحَمَلَنَا وَتَرَكَك» مَعْنَاهُ قَالَ اِبْن جَعْفَرٍ: فَحَمَلَنَا وَتَرَكَك، وَتُوَضِّحُهُ الرِّوَايَات بَعْده، وَقَدْ تَوَهَّمَ الْقَاضِي عِيَاض أَنَّ الْقَائِل فَحَمَلَنَا هُوَ اِبْن الزُّبَيْر، وَجَعَلَهُ خَلْطًا فِي رِوَايَة مُسْلِم، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، بَلْ صَوَابه مَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَنَّ الْقَائِل: فَحَمَلَنَا وَتَرَكَك اِبْنُ جَعْفَرٍ.4455- قَوْله: «كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدَمَ مِنْ سَفَر تُلُقِّيَ بِصِبْيَانِ أَهْل بَيْته» هَذِهِ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ أَنْ يَتَلَقَّى الصِّبْيَان الْمُسَافِر، وَأَنْ يُرْكِبَهُمْ وَأَنْ يُرْدِفَهُمْ، وَيُلَاطِفَهُمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.4456- سبق شرحه بالباب..باب فَضَائِلِ خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: 4458- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْت عِمْرَان، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْت خُوَيْلِد وَأَشَارَ وَكِيع إِلَى السَّمَاء وَالْأَرْض» أَرَادَ وَكِيع بِهَذِهِ الْإِشَارَة تَفْسِير الضَّمِير فِي نِسَائِهَا، وَأَنَّ الْمُرَاد بِهِ جَمِيع نِسَاء الْأَرْض، أَيْ كُلّ مَنْ بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض مِنْ النِّسَاء، وَالْأَظْهَر أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَيْر نِسَاء الْأَرْض فِي عَصْرهَا، وَأَمَّا التَّفْضِيل بَيْنهمَا فَمَسْكُوتٌ عَنْهُ.قَالَ الْقَاضِي: وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُمَا مِنْ خَيْرِ نِسَاءِ الْأَرْض، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.4459- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمَلَ مِنْ الرِّجَال كَثِير، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنْ النِّسَاء غَيْرُ مَرْيَم بِنْت عِمْرَان، وَآسِيَة اِمْرَأَة فِرْعَوْن» يُقَالُ: كَمَلَ بِفَتْحِ الْمِيم وَضَمّهَا وَكَسْرهَا ثَلَاث لُغَات مَشْهُورَات، الْكَسْر ضَعِيف.قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الْحَدِيث يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ بِنُبُوَّةِ النِّسَاء وَنُبُوَّة آسِيَة وَمَرْيَم، وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّهُمَا لَيْسَتَا نَبِيَّتَيْنِ، بَلْ هُمَا صِدِّيقَتَانِ وَوَلِيَّتَانِ مِنْ أَوْلِيَاء اللَّه تَعَالَى، وَلَفْظَة (الْكَمَال) تُطْلَقُ عَلَى تَمَام الشَّيْء وَتَنَاهِيهِ فِي بَابه، وَالْمُرَاد هُنَا التَّنَاهِي فِي جَمِيع الْفَضَائِل وَخِصَال الْبِرِّ وَالتَّقْوَى قَالَ الْقَاضِي: فَإِنْ قُلْنَا: هُمَا نَبِيَّتَانِ، فَلَا شَكَّ أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يُلْحَقُ بِهِمَا، وَإِنْ قُلْنَا: وَلِيَّتَانِ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُشَارِكَهُمَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة غَيْرهمَا. هَذَا كَلَام الْقَاضِي، وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ مِنْ الْقَوْل بِنُبُوَّتِهِمَا غَرِيب ضَعِيف، وَقَدْ نَقَلَ جَمَاعَة الْإِجْمَاع عَلَى عَدَمِهَا. وَاَللَّه أَعْلَم.قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَفَضْل عَائِشَة عَلَى النِّسَاء كَفَضْلِ الثَّرِيد عَلَى سَائِر الطَّعَام» قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ أَنَّ الثَّرِيدَ مِنْ كُلِّ الطَّعَامِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَرَقِ، فَثَرِيدُ اللَّحْمِ أَفْضَلُ مِنْ مَرَقه بِلَا ثَرِيدٍ، وَثَرِيد مَا لَا لَحْم فيه أَفْضَل مِنْ مَرَقه، وَالْمُرَاد بِالْفَضِيلَةِ نَفْعُهُ، وَالشِّبَع مِنْهُ، وَسُهُولَة مَسَاغه، وَالِالْتِذَاذ بِهِ، وَتَيَسُّر تَنَاوُله، وَتَمَكُّن الْإِنْسَان مِنْ أَخْذ كِفَايَته مِنْهُ بِسُرْعَةٍ، وَغَيْر ذَلِكَ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَرَقِ كُلِّهِ، وَمِنْ سَائِر الْأَطْعِمَة وَفَضْل عَائِشَة عَلَى النِّسَاء زَائِد كَزِيَادَةِ فَضْل الثَّرِيد عَلَى غَيْره مِنْ الْأَطْعِمَة. وَلَيْسَ فِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِتَفْضِيلِهَا عَلَى مَرْيَم وَآسِيَة؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَاد تَفْضِيلهَا عَلَى نِسَاء هَذِهِ الْأُمَّة.4460- قَوْله: «عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ: أَتَى جِبْرِيل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه. هَذِهِ خَدِيجَة قَدْ أَتَتْك مَعَهَا إِنَاء فيه إِدَام أَوْ طَعَام أَوْ شَرَاب، فَإِذَا هِيَ أَتَتْك فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَام مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّة مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فيه، وَلَا نَصَبَ» هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ مَرَاسِيل الصَّحَابَة، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْد الْجَمَاهِير كَمَا سَبَقَ، وَخَالَفَ فيه الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الْإِسْفَرَايِنِيّ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَة لَمْ يُدْرِكْ أَيَّام خَدِيجَة، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ مِنْ صَحَابِيٍّ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو هُرَيْرَة هُنَا سَمَاعه مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.وَقَوْله أَوَّلًا: «قَدْ أَتَتْك» مَعْنَاهُ تَوَجَّهَتْ إِلَيْك.وَقَوْله: «فَإِذَا هِيَ أَتَتْك» أَيْ وَصَلَتْك فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَام أَيْ سَلِّمْ عَلَيْهَا. وَهَذِهِ فَضَائِل ظَاهِرَة لِخَدِيجَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا.وَقَوْله: «بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ» قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء الْمُرَاد بِهِ قَصَب اللُّؤْلُؤ الْمُجَوَّف كَالْقَصْرِ الْمُنِيف، وَقِيلَ قَصَب مِنْ ذَهَب مَنْظُومٍ بِالْجَوْهَرِ.قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْقَصَب مِنْ الْجَوْهَر مَا اِسْتَطَالَ مِنْهُ فِي تَجْوِيف. قَالُوا: وَيُقَالُ لِكُلِّ مُجَوَّف قَصَب وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيث مُفَسَّرًا بِبَيْتٍ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُحَيَّاةٍ، وَفَسَّرُوهُ بِمُجَوَّفَةٍ.قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره: الْمُرَاد بِالْبَيْتِ هُنَا الْقَصْر.وَأَمَّا (الصَّخَب) فَبِفَتْحِ الصَّاد وَالْخَاء وَهُوَ الصَّوْت الْمُخْتَلِط الْمُرْتَفِع، (وَالنَّصَب) الْمَشَقَّة وَالتَّعَب، وَيُقَالُ فيه: فَبِفَتْحِ الصَّاد وَالْخَاء وَهُوَ الصَّوْت الْمُخْتَلِط الْمُرْتَفِع، (وَالنَّصَب) الْمَشَقَّة وَالتَّعَب، وَيُقَالُ فيه: (نُصْب) بِضَمِّ النُّون وَإِسْكَان الصَّاد وَبِفَتْحِهِمَا، لُغَتَانِ، حَكَاهُمَا الْقَاضِي وَغَيْره كَالْحَزَنِ، وَالْحُزْن، وَالْفَتْح أَشْهَر وَأَفْصَح، وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآن.وَقَدْ نَصِبَ الرَّجُل بِفَتْحِ النُّون وَكَسْر الصَّاد إِذَا أَعْيَا.4461- سبق شرحه بالباب.4462- سبق شرحه بالباب.4463- قَوْله: «عَنْ عَائِشَة قَالَتْ: هَلَكَتْ خَدِيجَة قَبْل أَنْ يَتَزَوَّجَنِي بِثَلَاثِ سِنِينَ» تَعْنِي قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، لَا قَبْل الْعَقْد، وَإِنَّمَا كَانَ قَبْل الْعَقْد بِنَحْوِ سَنَة وَنِصْف.قَوْله: «يُهْدِيهَا إِلَى خَلَائِلهَا» أَيْ صَدَائِقِهَا جَمْع خَلِيلَة وَهِيَ الصَّدِيقَة.4464- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُزِقْت حُبَّهَا» فيه إِشَارَة إِلَى أَنَّ حُبَّهَا فَضِيلَةٌ حَصَلَتْ.4467- قَوْلهَا: «فَارْتَاحَ لِذَلِكَ» أَيْ هَشَّ لِمَجِيئِهَا، وَسَرِيّهَا لِتَذَكُّرِهِ بِهَا خَدِيجَة وَأَيَّامهَا. وَفِي هَذَا كُلّه دَلِيل لِحُسْنِ الْعَهْد، وَحِفْظ الْوُدّ، وَرِعَايَةِ حُرْمَةِ الصَّاحِب وَالْعَشِير فِي حَيَاته وَوَفَاته، وَإِكْرَام أَهْل ذَلِكَ الصَّاحِب.قَوْلهَا: «عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِز قُرَيْش حَمْرَاء الشَّدْقَيْنِ» مَعْنَاهُ عَجُوز كَبِيرَة جِدًّا حَتَّى قَدْ سَقَطَتْ أَسْنَانهَا مِنْ الْكِبَر، وَلَمْ يَبْقَ لِشِدْقِهَا بَيَاض شَيْء مِنْ الْأَسْنَان، إِنَّمَا بَقِيَ فيه حُمْرَة لَثَاتهَا.قَالَ الْقَاضِي: قَالَ الْمِصْرِيّ وَغَيْره مِنْ الْعُلَمَاء بِالْغَيْرَةِ مُسَامَح لِلنِّسَاءِ فيها، لَا عُقُوبَة عَلَيْهِنَّ فيها؛ لِمَا جُبِلْنَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمْ تُزْجَرْ عَائِشَة عَنْهَا قَالَ الْقَاضِي: وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ جَرَى مِنْ عَائِشَة لِصِغَرِ سِنِّهَا، وَأَوَّل شَبِيبَتِهَا، وَلَعَلَّهَا لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْ حِينَئِذٍ..باب فِي فَضْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: 4468- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَاءَنِي بِك الْمَلَك فِي سَرَقَة مِنْ حَرِير» هِيَ بِفَتْحِ السِّين الْمُهْمَلَة وَالرَّاء، وَهِيَ الشُّقَق الْبِيض مِنْ الْحَرِير، قَالَهُ أَبُو عُبَيْد وَغَيْره.قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَقُول إِنْ يَكُ مِنْ عِنْد اللَّهِ يُمْضِهِ» قَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَقِيلَ تَخْلِيصُ أَحْلَامه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَضْغَاث فَمَعْنَاهَا إِنْ كَانَتْ رُؤْيَا حَقٍّ. إِنْ كَانَتْ بَعْدَ النُّبُوَّة فَلَهَا ثَلَاثَةُ مَعَانٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْمُرَاد إِنْ تَكُنْ الرُّؤْيَا عَلَى وَجْهِهَا وَظَاهِرِهَا لَا تَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ وَتَفْسِيرٍ فَسَيُمْضِيهِ اللَّه تَعَالَى وَيُنَجِّزُهُ، فَالشَّكُّ عَائِدٌ إِلَى أَنَّهَا رُؤْيَا عَلَى ظَاهِرهَا أَمْ تَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ وَصَرْفٍ عَلَى ظَاهِرِهَا. الثَّانِي أَنَّ الْمُرَاد إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الزَّوْجَة فِي الدُّنْيَا يُمْضِهَا اللَّه، فَالشَّكّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا أَمْ فِي الْجَنَّة. الثَّالِثُ أَنَّهُ لَمْ يَشُكَّ، وَلَكِنْ أُخْبِرَ عَلَى التَّحْقِيق، وَأَتَى بِصُورَةِ الشَّكّ كَمَا قَالَ: أَأَنْتِ أَمْ أُمّ سَالِم؟ وَهُوَ نَوْع مِنْ الْبَدِيع عِنْد أَهْل الْبَلَاغَة يُسَمُّونَهُ تَجَاهُل الْعَارِف، وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ مَزْج الشَّكّ بِالْيَقِينِ.4469- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَة: «إِنِّي لَأَعْلَم إِذَا كُنْت عَنِّي رَاضِيَة، وَإِذَا كُنْت عَلَيَّ غَضْبَى إِلَى قَوْلهَا: يَا رَسُول اللَّه مَا أَهْجُرُ إِلَّا اِسْمك» قَالَ الْقَاضِي: مُغَاضَبَة عَائِشَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ مِمَّا سَبَقَ مِنْ الْغَيْرَةِ الَّتِي عُفِيَ عَنْهَا لِلنِّسَاءِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَام كَمَا سَبَقَ لِعَدَمِ اِنْفِكَاكِهِنَّ مِنْهَا حَتَّى قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاء الْمَدِينَة: يَسْقُطُ عَنْهَا الْحَدُّ إِذَا قَذَفَتْ زَوْجهَا بِالْفَاحِشَةِ عَلَى جِهَةِ الْغَيْرَةِ.قَالَ: وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا تَدْرِي الْغَيْرَاء أَعْلَى الْوَادِي مِنْ أَسْفَله»، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ عَلَى عَائِشَة فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَرَجِ مَا فيه، لِأَنَّ الْغَضَب عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَجْره كَبِيرَة عَظِيمَة، وَلِهَذَا قَالَتْ: لَا أَهْجُرُ إِلَّا اِسْمك، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَلْبَهَا وَحُبَّهَا كَمَا كَانَ، وَإِنَّمَا الْغَيْرَة فِي النِّسَاء لِفَرْطِ الْمَحَبَّة قَالَ الْقَاضِي: وَاسْتَدَلَّ بَعْضهمْ بِهَذَا أَنَّ الِاسْم غَيْر الْمُسَمَّى فِي الْمَخْلُوقِينَ، وَأَمَّا فِي حَقّ اللَّه تَعَالَى فَالِاسْم هُوَ الْمُسَمَّى.قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا كَلَام مَنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْده مِنْ مَعْنَى الْمَسْأَلَة لُغَةً وَلَا نَظَرًا، وَلَا شَكّ عِنْد الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الِاسْم هُوَ الْمُسَمَّى مِنْ أَهْل السُّنَّة، وَجَمَاهِير أَئِمَّة اللُّغَة، أَوْ مُخَالِفيهمْ مِنْ الْمُعْتَزِلَة، أَنَّ الِاسْم قَدْ يَقَعُ أَحْيَانًا وَالْمُرَاد بِهِ التَّسْمِيَة حَيْثُ كَانَ فِي خَالِقٍ أَوْ مَخْلُوقٍ. فَفِي حَقّ الْخَالِق تَسْمِيَة الْمَخْلُوق لَهُ بِاسْمِهِ، وَفِعْل الْمَخْلُوق ذَلِكَ بِعِبَارَاتِهِ الْمَخْلُوقَة.وَأَمَّا أَسْمَاؤُهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى الَّتِي سَمَّى بِهَا نَفْسه فَقَدِيمَةٌ، كَمَا أَنَّ ذَاته وَصِفَاته قَدِيمَة، وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ لَفْظَة الِاسْم إِذَا تَكَلَّمَ بِهَا الْمَخْلُوق فَتِلْكَ اللَّفْظَة وَالْحُرُوف وَالْأَصْوَات الْمُقَطَّعَة الْمُنْفَهِم مِنْهَا الِاسْم أَنَّهَا غَيْر الذَّات، بَلْ هِيَ التَّسْمِيَة، وَإِنَّمَا الِاسْم الَّذِي هُوَ الذَّات مَا يُفْهَمُ مِنْهُ مِنْ خَالِقٍ وَمَخْلُوقٍ. هَذَا آخِرُ كَلَام الْقَاضِي.4470- قَوْله: «عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا كَانَتْ تَلْعَب بِالْبَنَاتِ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ الْقَاضِي: فيه جَوَاز اللَّعِب بِهِنَّ.قَالَ: وَهُنَّ مَخْصُوصَات مِنْ الصُّوَر الْمَنْهِيّ عَنْهَا لِهَذَا الْحَدِيث، وَلِمَا فيه مِنْ تَدْرِيب النِّسَاء فِي صِغَرِهِنَّ لِأَمْرِ أَنْفُسِهِنَّ وَبُيُوتهنَّ وَأَوْلَادهنَّ.قَالَ: وَقَدْ أَجَازَ الْعُلَمَاء بَيْعَهُنَّ وَشِرَاءَهُنَّ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةَ شِرَائِهِنَّ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ الِاكْتِسَابِ بِهَا، وَتَنْزِيه ذَوِي الْمُرُوءَات عَنْ تَوَلِّي بَيْع ذَلِكَ، لَا كَرَاهَة اللَّعِب.قَالَ: وَمَذْهَب جُمْهُور الْعُلَمَاء جَوَاز اللَّعِب بِهِنَّ، وَقَالَتْ طَائِفَة: هُوَ مَنْسُوخٌ بِالنَّهْيِ عَنْ الصُّوَر هَذَا كَلَام الْقَاضِي.قَوْلهَا: «وَكَانَتْ تَأْتِينِي صَوَاحِبِي، فَكُنَّ يَنْقَمِعْنَ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ» مَعْنَى (يَنْقَمِعْنَ) يَتَغَيَّبْنَ حَيَاء مِنْهُ وَهَيْبَة، وَقَدْ يَدْخُلْنَ فِي بَيْتٍ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّل. (وَيُسَرِّبُهُنَّ) بِتَشْدِيدِ الرَّاء أَيْ يُرْسِلُهُنَّ، وَهَذَا مِنْ لُطْفِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُسْنِ مُعَاشَرَته.4472- قَوْلهَا: «يَسْأَلْنَك الْعَدْل فِي اِبْنَة أَبِي قُحَافَة» مَعْنَاهُ يَسْأَلْنَك التَّسْوِيَة بَيْنَهُنَّ فِي مَحَبَّةِ الْقَلْبِ، وَكَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي بَيْنَهُنَّ فِي الْأَفْعَالِ وَالْمَبِيت وَنَحْوه، وَأَمَّا مَحَبَّةُ الْقَلْبِ فَكَانَ يُحِبُّ عَائِشَة أَكْثَر مِنْهُنَّ. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَحَبَّتَهُنَّ لَا تَكْلِيفَ فيها، وَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ فيها؛ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا إِلَّا اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْعَدْلِ فِي الْأَفْعَال.وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ مِنْ الْعُلَمَاء فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ يَلْزَمُهُ الْقَسْمُ بَيْنهنَّ فِي الدَّوَام، وَالْمُسَاوَاة فِي ذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُ غَيْره أَمْ لَا يَلْزَمُهُ، بَلْ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ مِنْ إِيثَارٍ وَحِرْمَانٍ؟ فَالْمُرَاد بِالْحَدِيثِ طَلَبُ الْمُسَاوَاة فِي مَحَبَّةِ الْقَلْبِ لَا الْعَدْلِ فِي الْأَفْعَالِ، فَإِنَّهُ كَانَ حَاصِلًا قَطْعًا، وَلِهَذَا كَانَ يُطَافُ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ عَلَيْهِنَّ، حَتَّى ضَعُفَ، فَاسْتَأْذَنَهُنَّ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فَأَذِنَّ لَهُ.قَوْلهَا: «يَنْشُدْنَك» أَيْ يَسْأَلْنَك.قَوْلهَا: «هِيَ الَّتِي تُسَامِينِي» أَيْ تُعَادِلُنِي وَتُضَاهِينِي فِي الْحَظْوَة وَالْمَنْزِلَة الرَّفِيعَة، مَأْخُوذٌ مِنْ السُّمُوِّ، وَهُوَ الِارْتِفَاع.قَوْلهَا: «مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حِدَّة كَانَتْ فيها تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَة» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ: «سَوْرَة مِنْ حِدَّة» بِفَتْحِ الْحَاء بِلَا هَاءٍ، وَفِي بَعْضهَا: «مِنْ حِدَّة» بِكَسْرِ الْحَاء وَبِالْهَاءِ. وَقَوْلهَا: (سَوْرَة) هِيَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ وَاو سَاكِنَة ثُمَّ رَاءٍ ثُمَّ تَاء. وَالسَّوْرَة الثَّوَرَان وَعَجَلَة الْغَضَب.وَأَمَّا (الْحِدَّة) فَهِيَ شِدَّةُ الْخُلُق وَثَوَرَانُهُ. وَمَعْنَى الْكَلَام أَنَّهَا كَامِلَةُ الْأَوْصَافِ إِلَّا أَنَّ فيها شِدَّة خُلُق وَسُرْعَة غَضَب تُسْرِعُ مِنْهَا. (الْفَيْئَة) بِفَتْحِ الْفَاء وَبِالْهَمْزِ وَهِيَ الرُّجُوع أَيْ إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهَا رَجَعَتْ عَنْهُ سَرِيعًا، وَلَا تُصِرُّ عَلَيْهِ.وَقَدْ صَحَّفَ صَاحِب التَّحْرِير فِي هَذَا الْحَدِيث تَصْحِيفًا قَبِيحًا جِدًّا، فَقَالَ: (مَا عَدَا سَوْدَة) بِالدَّالِ، وَجَعَلَهَا سَوْدَة بِنْت زَمْعَة، وَهَذَا مِنْ الْغَلَط الْفَاحِش نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ.قَوْلهَا: «ثُمَّ وَقَعَتْ بِي، فَاسْتَطَالَتْ عَلَيَّ، وَأَنَا أَرْقُبُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرْقُبُ طَرْفه هَلْ يَأْذَنُ لِي فيها؟ فَلَمْ تَبْرَحْ زَيْنَب حَتَّى عَرَفْت أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ، فَلَمَّا وَقَعْت بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا حِين أَنْحَيْت عَلَيْهَا» أَمَّا (أَنْحَيْت) فَبِالنُّونِ الْمُهْمَلَة أَيْ قَصَدْتهَا وَاعْتَمَدْتهَا بِالْمُعَارَضَةِ. وَفِي بَعْض النُّسَخ (حَتَّى بُدِّلَ حِين)، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، وَرَجَّحَ الْقَاضِي (حِين) بِالنُّونِ. وَمَعْنَى (لَمْ أَنْشَبْهَا) لَمْ أُمْهِلْهَا. وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة (لَمْ أَنْشَبْهَا أَنْ أَثْخَنْتهَا عَلْيَة) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَبِالْيَاءِ، وَفِي بَعْض النُّسَخ بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَة. و(أَثْخَنْتهَا) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة أَيْ قَمَعْتهَا وَقَهَرْتهَا. وَقَوْلهَا أَوَّلًا: «ثُمَّ وَقَعَتْ بِي» أَيْ اِسْتَطَاعَتْ عَلَيَّ، وَنَالَتْ مِنِّي بِالْوَقِيعَةِ فِيَّ. اِعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فيه دَلِيل عَلَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِعَائِشَة، وَلَا أَشَارَ بِعَيْنِهِ وَلَا غَيْرهَا، بَلْ لَا يَحِلّ اِعْتِقَاد ذَلِكَ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ خَائِنَة الْأَعْيُن، وَإِنَّمَا فيه أَنَّهَا اِنْتَصَرَتْ لِنَفْسِهَا فَلَمْ يَنْهَهَا.وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا اِبْنَة أَبِي بَكْر» فَمَعْنَاهُ الْإِشَارَة إِلَى كَمَال فَهْمِهَا، وَحُسْنِ نَظَرِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.4473- قَوْلهَا: «قَبَضَهُ اللَّه بَيْن سَحْرِي وَنَحْرِي» السَّحْر بِفَتْحِ السِّين الْمُهْمَلَة وَضَمّهَا وَإِسْكَان الْحَاء وَهِيَ الرِّئَة وَمَا تَعَلَّقَ بِهَا قَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ: إِنَّمَا هُو: «شَجَرِي» بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة وَالْجِيم، وَشَبَّكَ هَذَا الْقَائِل أَصَابِعه، وَأَوْمَأَ إِلَى أَنَّهَا ضَمَّتْهُ إِلَى نَحْرِهَا مُشَبِّكَة يَدَيْهَا عَلَيْهِ، وَالصَّوَاب الْمَعْرُوف هُوَ الْأَوَّل.قَوْلهَا: «فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّه» أَيْ يَوْمهَا الْأَصِيل بِحِسَابِ الدَّوْر وَالْقَسْم، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ صَارَ جَمِيع الْأَيَّام فِي بَيْتهَا.4474- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ» وَفِي رِوَايَة: «الرَّفِيق الْأَعْلَى» الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنَّ الْمُرَاد بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى الْأَنْبِيَاء السَّاكِنُونَ أَعْلَى عَلِيِّينَ، وَلَفْظَة (رَفِيق) تُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِد وَالْجَمْع قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} وَقِيلَ: هُوَ اللَّه تَعَالَى يُقَالُ: اللَّه رَفِيقٌ بِعِبَادِهِ، مِنْ الرِّفْق وَالرَّأْفَة، فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِل. وَأَنْكَرَ الْأَزْهَرِيُّ هَذَا الْقَوْل، وَقِيلَ: أَرَادَ مُرْتَفَق الْجَنَّة.4475- قَوْلهَا: «وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ» هِيَ بِضَمِّ الْبَاء الْمُوَحَّدَة وَتَشْدِيد الْحَاء، وَهِيَ غِلَظٌ فِي الصَّوْت.4476- قَوْلهَا: «فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ» هُوَ بِفَتْحِ الْخَاء أَيْ رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاء وَلَمْ يَطْرِفْ.4477- قَوْلهَا: «كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْن نِسَائِهِ فَطَارَتْ الْقُرْعَة عَلَى عَائِشَة وَحَفْصَة» أَيْ خَرَجَتْ الْقُرْعَة لَهُمَا. فَفيه صِحَّةُ الْإِقْرَاعِ فِي الْقَسْمِ بَيْن الزَّوْجَات، وَفِي الْأَمْوَال، وَفِي الْعِتْق، وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُقَرَّر فِي كُتُبِ الْفِقْه مِمَّا فِي مَعْنَى هَذَا، وَبِإِثْبَاتِ الْقُرْعَة فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء قَالَ الشَّافِعِيّ وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء. وَفيه أَنَّ مَنْ أَرَادَ سَفَرًا بِبَعْضِ نِسَائِهِ أَقْرَعَ بَيْنهنَّ كَذَلِكَ، وَهَذَا الْإِقْرَاع عِنْدنَا وَاجِب فِي حَقّ غَيْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي وُجُوب الْقَسْم فِي حَقّه خِلَاف قَدَّمْنَاهُ مَرَّات، فَمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْقَسْم يَجْعَل إِقْرَاعه وَاجِبًا، وَمَنْ لَمْ يُوجِبْهُ يَقُولُ: إِقْرَاعُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُسْن عِشْرَته وَمَكَارِم أَخْلَاقه.قَوْلهَا: «إِنَّ حَفْصَة قَالَتْ لِعَائِشَة: أَلَّا تَرْكَبِينَ اللَّيْلَة بَعِيرِي وَأَرْكَب بَعِيرك» قَالَ الْقَاضِي: قَالَ الْمُهَلَّب: هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْقَسْم لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلِهَذَا تَحَيَّلَتْ حَفْصَة عَلَى عَائِشَة بِمَا فَعَلَتْ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَحَرُمَ ذَلِكَ عَلَى حَفْصَة. وَهَذَا الَّذِي اِدَّعَاهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ، فَإِنَّ الْقَائِل بِأَنَّ الْقَسْم وَاجِب عَلَيْهِ لَا يَمْنَع حَدِيث الْأُخْرَى فِي غَيْر وَقْت عِمَاد الْقَسْم.قَالَ أَصْحَابُنَا: يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِي غَيْرِ وَقْتِ عِمَادِ الْقَسْم إِلَى غَيْر صَاحِبَة النَّوْبَة، فَيَأْخُذُ الْمَتَاع أَوْ يَضَعُهُ، أَوْ نَحْوه مِنْ الْحَاجَات، وَلَهُ أَنْ يُقَبِّلَهَا وَيَلْمِسَهَا مِنْ غَيْر إِطَالَةٍ. وَعِمَاد الْقَسْم فِي حَقّ الْمُسَافِر هُوَ وَقْت النُّزُول، فَحَالَة السَّيْر لَيْسَتْ مِنْهُ، سَوَاء كَانَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا.قَوْلهَا: «جَعَلْت رِجْلهَا بَيْن الْإِذْخِر وَتَقُول إِلَى آخِره» هَذَا الَّذِي فَعَلَتْهُ وَقَالَتْهُ حَمَلَهَا عَلَيْهِ فَرْط الْغَيْرَة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ أَمْر الْغَيْرَة مَعْفُوّ عَنْهُ.4479- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا: «إِنَّ جِبْرِيل يَقْرَأُ عَلَيْك السَّلَام قَالَتْ: فَقُلْت: وَعَلَيْهِ السَّلَام وَرَحْمَة اللَّه» فيه فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا، وَفيه اِسْتِحْبَابُ بَعْث السَّلَام، وَيَجِبُ عَلَى الرَّسُول تَبْلِيغُهُ. وَفيه بَعْثُ الْأَجْنَبِيِّ السَّلَام إِلَى الْأَجْنَبِيَّة الصَّالِحَة إِذَا لَمْ يُخَفْ تَرَتُّب مَفْسَدَة، وَأَنَّ الَّذِي يُبَلِّغُهُ السَّلَامُ يَرُدُّ عَلَيْهِ.قَالَ أَصْحَابُنَا: وَهَذَا الرَّدّ وَاجِب عَلَى الْفَوْر، وَكَذَا لَوْ بَلَغَهُ سَلَامٌ فِي وَرَقَة مِنْ غَائِب لَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ السَّلَام عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ عَلَى الْفَوْر إِذَا قَرَأَهُ. وَفيه أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الرَّدِّ أَنْ يَقُولَ: وَعَلَيْك أَوْ وَعَلَيْكُمْ السَّلَام بِالْوَاوِ، فَلَوْ قَالَ: عَلَيْكُمْ السَّلَام أَوْ عَلَيْكُمْ أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيح، وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابنَا: لَا يُجْزِئُهُ، وَسَبَقَتْ مَسَائِل السَّلَام فِي بَابه مُسْتَوْفَاة. وَمَعْنَى يَقْرَأُ عَلَيْك السَّلَام يُسَلِّمُ عَلَيْك.4480- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشُ» دَلِيل لِجَوَازِ التَّرْخِيم، وَيَجُوزُ فَتْح الشِّين وَضَمّهَا.
|