الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النشر في القراءات العشر ***
وَأَمَّا وَصْلُ الْمَقْطُوعِ وَقَطْعُ الْمَوْصُولِ رَسْمًا فَوَقَعَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فِي أَيًّا مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَيًّا مَا تَدْعُوا} فِي آخِرِ سُورَةِ سُبْحَانَ وَمَالِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ {مَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ} فِي النِّسَاءِ وَ{مَالِ هَذَا الْكِتَابِ} فِي الْكَهْفِ وَ{مَالِ هَذَا الرَّسُولِ} فِي الْفُرْقَانِ وَ{مَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا} فِي سَأَلَ وَ{إِلْ يَاسِينَ} فِي الصَّافَّاتِ. أَمَّا: أَيَّامًا فَنَصَّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ كَالْحَافِظِ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ فِي التَّيْسِيرِ، وَشَيْخِهِ طَاهِرِ بْنِ غَلْبُونَ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُرَيْحٍ، وَغَيْرِهِمْ وَرَوَوُا الْوَقْفَ عَلَى أَيًّا دُونَ مَا عَنْ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ. وَأَشَارَ ابْنُ غَلْبُونَ إِلَى خِلَافٍ عَنْ رُوَيْسٍ، وَنَصَّ هَؤُلَاءِ عَنِ الْبَاقِينَ بِالْوَقْفِ عَلَى مَا دُونَ أَيًّا. وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَلَمْ يَتَعَرَّضُوا إِلَى ذِكْرِهِ أَصْلًا بِوَقْفٍ، وَلَا ابْتِدَاءٍ، أَوْ قَطْعٍ، أَوْ وَصْلٍ كَالْمَهْدَوِيِّ وَابْنِ سُفْيَانَ وَمَكِّيٍّ وَابْنِ بَلِّيمَةَ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمَغَارِبَةِ وَكَأَبِي مَعْشَرٍ وَالْأَهْوَازِيِّ وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْفَحَّامِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ، وَالشَّامِيِّينَ وَكَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ وَابْنِ مِهْرَانَ وَابْنِ شَيْطٍ وَابْنِ سَوَّارٍ وَابْنِ فَارِسٍ وَأَبِي الْعِزِّ وَأَبِي الْعَلَاءِ وَأَبِي مُحَمَّدٍ سِبْطِ الْخَيَّاطِ وَجَدِّهِ أَبِي مَنْصُورٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ. وَعَلَى مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ لَا يَكُونُ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهَا خِلَافٌ بَيْنِ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا خِلَافٌ فَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى كُلٍّ مِنْ أَيًّا، وَمِنْ مَا لِكَوْنِهِمَا كَلِمَتَيْنِ انْفَصَلَتَا رَسْمًا كَسَائِرِ الْكَلِمَاتِ الْمُنْفَصِلَاتِ رَسْمًا، وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ، وَهُوَ الْأُولَى بِالْأُصُولِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُوجَدُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ نَصٌّ بِخِلَافِهِ، وَقَدْ تَتَبَّعْتُ نُصُوصَهُمْ فَلَمْ أَجِدْ مَا يُخَالِفُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ، وَلَاسِيَّمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَايَةُ مَا وَجَدْتُ النَّصَّ عَنْ حَمْزَةَ وَسُلَيْمٍ وَالْكِسَائِيِّ فِي الْوَقْفِ عَلَى أَيًّا فَنَصَّ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدٌ بْنُ سَعْدَانَ النَّحْوِيُّ الضَّرِيرُ صَاحِبُ سُلَيْمٍ وَالْيَزِيدِيُّ وَإِسْحَاقُ الْمُسَيَّبِيُّ، وَغَيْرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ يَحْيَى يَعْنِي الضَّبِّيَّ؛ ثَنَا ابْنُ سَعْدَانَ قَالَ: كَانَ حَمْزَةُ وَسُلَيْمُ يَقِفَانِ جَمِيعًا عَلَى أَيًّا ثُمَّ قَالَ: ابْنُ سَعْدَانَ وَالْوَقْفُ الْجَيِّدُ عَلَى مَا لِأَنَّ مَا صِلَةٌ لِأَيِّ. وَنَصَّ قُتَيْبَةُ كَذَلِكَ عَنِ الْكِسَائِيِّ قَالَ الدَّانِيُّ: ثَنَا أَبُو الْفَتْحِ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ طَالِبٍ الْبَزَّازَ ثَنَا إِسْمَاعِيلُ يَعْنِي ابْنَ شُعَيْبٍ النَّهَاوَنْدِيَّ، ثَنَا أَحْمَدُ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَوَيْهِ الْأَصْبَهَانِيَّ. ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْقُرَشِيُّ الْغَزَالِيُّ. ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مِرْدَاسٍ. ثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: كَانَ الْكِسَائِيُّ يَقِفُ عَلَى الْأَلِفِ مِنْ أَيًّا انْتَهَى، وَهَذَا غَايَةُ مَا وَجَدْتُهُ وَغَايَةُ مَا رَوَاهُ الدَّانِيُّ ثُمَّ قَالَ الدَّانِيُّ بِأَثَرِ هَذَا وَالنَّصُّ عَنِ الْبَاقِينَ مَعْدُومٌ فِي ذَلِكَ وَالَّذِي نَخْتَارُهُ فِي مَذْهَبِهِمُ الْوَقْفُ عَلَى مَا، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ حَرْفًا زِيدَ صِلَةً لِلْكَلَامِ فَلَا يُفْصَلُ مِنْ أَيٍّ قَالَ: وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ اسْمًا لَا حِرَفًا، وَهِيَ بَدَلٌ مِنْ أَيٍّ فَيَجُوزُ فَصْلُهَا، وَقَطْعُهَا مِنْهَا انْتَهَى. فَقَدْ صَرَّحَ الدَّانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنَّ النَّصَّ عَنْ غَيْرِ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ، مَعْدُومٌ وَأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى مَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ مِنْ أَجْلِ كَوْنِ مَا صِلَةً لَا غَيْرَ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمُ الْوَقْفُ عَلَى أَيٍّ وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ غَيْرَ جَائِزٍ، وَهُوَ مَفْصُولٌ رَسْمًا وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ {مَثَلًا مَا}، وَ{أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ}، وَ{أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ} وَأَخَوَاتِهِ مِمَّا كُتِبَ مَفْصُولًا، وَقَدْ نَصَّ الدَّانِيُّ نَفْسُهُ عَلَى أَنَّ مَا كُتِبَ مِنْ ذَلِكَ، وَغَيْرِهِ مَفْصُولًا يُوقَفُ لِسَائِرِهِمْ عَلَيْهِ مَفْصُولًا وَمَوْصُولًا؛ هَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ سَائِرُ الْقُرَّاءِ وَأَهْلِ الْأَدَاءِ؛ فَظَهَرَ أَنَّ الْوَقْفَ جَائِزٌ لِجَمِيعِهِمْ عَلَى كُلٍّ مِنْ كَلِمَتَيْ أَيًّا؛ وَمَا كَسَائِرِ الْكَلِمَاتِ الْمَفْصُولَاتِ فِي الرَّسْمِ، وَهَذَا الَّذِي نَرَاهُ وَنَخْتَارُهُ وَنَأْخُذُ بِهِ تَبَعًا لِسَائِرِ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا مَالِ فِي الْمَوَاضِعِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَيْثُ الْوَقْفِ وَعَدَمِهِ فَنَصَّ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ أَيْضًا الْجُمْهُورُ مِنَ الْمَغَارِبَةِ، وَالْمِصْرِيِّينَ، وَالشَّامِيِّينَ، وَالْعِرَاقِيِّينَ كَالدَّانِيِّ وَابْنِ الْفَحَّامِ وَأَبِي الْعِزِّ وَسِبْطِ الْخَيَّاطِ وَابْنِ سَوَّارٍ وَالشَّاطِبِيِّ وَالْحَافِظِ أَبِي الْعَلَاءِ وَابْنِ فَارِسٍ وَابْنِ شُرَيْحٍ وَأَبِي مَعْشَرٍ فَاتَّفَقَ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي عَمْرٍو عَلَى الْوَقْفِ عَلَى مَا، وَاخْتَلَفَ بَعْضُهُمْ عَنِ الْكِسَائِيِّ فَذَكَرَ الْخِلَافَ عَنِ الْكِسَائِيِّ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهَا، أَوْ عَلَى اللَّامِ بَعْدَهَا أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ وَابْنُ شُرَيْحٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ وَالْآخِرُونَ مِنْهُمُ اتَّفَقُوا عَنِ الْكِسَائِيِّ عَلَى الْوَقْفِ عَلَى مَا، وَانْفَرَدَ مِنْهُمْ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ فَارِسٍ فَذَكَرَ فِي جَامِعِهِ عَنْ يَعْقُوبَ أَيْضًا، وَعَنْ وَرْشٍ الْوَقْفَ عَلَى مَا كَأَبِي عَمْرٍو وَالْكِسَائِيِّ. وَانْفَرَدَ أَيْضًا أَبُو الْعِزِّ فَذَكَرَ فِي كِفَايَتِهِ الْوَقْفَ عَلَى مَا كَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاضِي أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ رُوَيْسٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الْإِرْشَادِ وَاتَّفَقَ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ الْبَاقِينَ يَقِفُونَ عَلَى اللَّامِ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا سَائِرُ الْمُؤَلِّفِينَ، وَلَا ذَكَرُوا فِيهَا خِلَافًا عَنْ أَحَدٍ، وَلَا تَعَرَّضُوا إِلَيْهَا كَأَبِي مُحَمَّدٍ مَكِّيٍّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ بَلِّيمَةَ وَأَبِي الطَّاهِرِ بْنِ خَلَفٍ صَاحِبِ الْعُنْوَانِ، وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ غَلْبُونَ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مِهْرَانَ، وَغَيْرِهِمْ وَهَذِهِ الْكَلِمَاتُ قَدْ كُتِبَتْ لَامُ الْجَرِّ فِيهَا مَفْصُولَةً مِمَّا بَعْدَهَا فَيُحْتَمَلُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْوَقْفُ عَلَيْهَا كَمَا كُتِبَتْ لِجَمِيعِ الْقُرَّاءِ اتِّبَاعًا لِلرَّسْمِ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ فِيهَا نَصٌّ، وَهُوَ أَظْهَرُ قِيَاسًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُوقَفَ عَلَيْهَا مِنْ أَجْلِ كَوْنِهَا لَامَ جَرٍّ، وَلَامُ الْجَرِّ لَا تُقْطَعُ مِمَّا بَعْدَهَا. وَأَمَّا الْوَاقِفُ عَلَى مَا عِنْدَ هَؤُلَاءِ فَيَجُوزُ، بِلَا نَظَرٍ عِنْدَهَمْ عَلَى الْجَمِيعِ لِلِانْفِصَالِ لَفْظًا وَحُكْمًا وَرَسْمًا، وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ عِنْدِي بِمَذَاهِبِهِمْ وَالْأَقْيَسُ عَلَى أُصُولِهِمْ، وَهُوَ الَّذِي أَخْتَارُهُ أَيْضًا وَآخُذُ بِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ نَصٌّ يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَا. أَمَّا الْكِسَائِيُّ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ الْوَقْفُ عَلَى مَا، وَعَلَى اللَّامِ مِنْ طَرِيقَيْنِ صَحِيحَيْنِ، وَأَمَّا أَبُو عَمْرٍو فَجَاءَ عَنْهُ بِالنَّصِّ عَلَى الْوَقْفِ عَلَى مَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنَا الْيَزِيدِيِّ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُوقَفَ عَلَى اللَّامِ، وَلَمْ يَأْتِ مِنْ رِوَايَتَيِ الدُّورِيِّ وَالسُّوسِيِّ فِي ذَلِكَ نَصٌّ. وَأَمَّا الْبَاقُونَ، فَقَدْ صَرَّحَ الدَّانِيُّ فِي جَامِعِهِ بِعَدَمِ النَّصِّ عَنْهُمْ فَقَالَ: وَلَيْسَ عَنِ الْبَاقِينَ فِي ذَلِكَ نَصٌّ سِوَى مَا جَاءَ عَنْهُمْ مِنَ اتِّبَاعِهِمْ لِرَسْمِ الْخَطِّ عِنْدَ الْوَقْفِ قَالَ: وَذَلِكَ يُوجِبُ فِي مَذْهَبِ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ وَقْفُهُ عَلَى اللَّامِ. قُلْتُ: وَفِيمَا قَالَهُ آخِرًا نَظَرٌ فَإِنَّهُمْ إِذَا كَانُوا يَتَّبِعُونَ الْخَطَّ فِي وَقْفِهِمْ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنَّهُمْ يَقِفُونَ أَيْضًا عَلَى مَا، بَلْ هُوَ، أَوْلَى وَأَحْرَى لِانْفِصَالِهَا لَفْظًا وَرَسْمًا، عَلَى أَنَّهُ صَرَّحَ بِالْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا عَنْ وَرْشٍ، فَقَالَ: إِسْمَاعِيلُ النَّحَّاسُ فِي كِتَابِهِ كَانَ أَبُو يَعْقُوبَ صَاحِبُ وَرْشٍ، يَعْنِي الْأَزْرَقَ يَقِفُ عَلَى {فَمَالِ}، {وَقَالُوا}، {مَالِ} وَأَشْبَاهُهُ كَمَا فِي الصُّحُفِ. وَكَانَ عَبْدُ الصَّمَدِ يَقِفُ عَلَى {فَمَا} وَيَطْرَحُ اللَّامَ انْتَهَى. فَدَلَّ هَذَا عَلَى جَوَازِ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا عَنْهُ، وَكَذَا حَكَمَ غَيْرُهُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا {إِلْ يَاسِينَ} فِي الصَّافَّاتِ فَأَجْمَعَتِ الْمَصَاحِفُ عَلَى قَطْعِهَا فَهِيَ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ فَتَحَ الْهَمْزَةَ وَمَدَّهَا وَكَسَرَ اللَّامَ كَلِمَتَانِ مِثْلُ آلُ مُحَمَّدٍ، وَآلُ إِبْرَاهِيمَ فَيَجُوزُ قَطْعُهُمَا وَقَفًا، وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ مِنْ كَسَرَ الْهَمْزَةَ وَقَصَرَهَا وَسَكَّنَ اللَّامَ فَكَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنِ انْفَصَلَتْ رَسْمًا فَلَا يَجُوزُ قَطْعُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى وَتَكُونُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ عَلَى قِرَاءَةِ هَؤُلَاءِ قُطِعَتْ رَسْمًا اتَّصَلَتْ لَفْظًا، وَلَا يَجُوزُ اتِّبَاعُ الرَّسْمِ فِيهَا وَقْفًا إِجْمَاعًا، وَلَمْ يَقَعْ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ نَظِيرٌ فِي الْقِرَاءَةِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ جَمِيعُ مَا كُتِبَ مَفْصُولًا سَوَاءٌ كَانَ اسْمًا، أَوْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْوَقْفُ فِيهِ عَلَى الْكَلِمَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ عَنْ جَمِيعِ الْقُرَّاءِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ كَانَتْ عَلَى حَرْفَيْنِ فَصَاعِدًا أَنْ تُكْتَبَ مُنْفَصِلَةً مِنَ الَّتِي بَعْدَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ حَرْفًا، أَوْ فِعْلًا، أَوِ اسْمًا إِلَّا آلَ الْمَعْرِفَةِ فَإِنَّهَا لِكَثْرَةِ دَوْرِهَا نُزِّلَتْ مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ مِمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فَوُصِلَتْ وَإِلَّا يَا وَهَا فَإِنَّهُمَا لَمَّا حُذِفَتْ أَلِفَهُمَا بَقِيَا عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ فَانْفَصَلَا بِمَا بَعْدَهُمَا وَإِلَّا أَنْ تَكُونَ الْكَلِمَةُ الثَّانِيَةُ ضَمِيرًا مُتَّصِلًا فَإِنَّهُ كُتِبَ مَوْصُولًا بِمَا قَبْلَهُ لِلْفَرْقِ وَإِلَّا أَنْ يَكُونَا حَرْفَيْ هِجَاءٍ إِنَّهُمَا وَصْلًا رِعَايَةً لِلَّفْظِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ كُلُّهُ مُبَيَّنًا فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ. وَالَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ يَنْحَصِرُ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَرْفًا، وَهِيَ: أَنْ لَا، وَأَنَّ مَا، وَإِنْ مَا، الْمُخَفَّفَةُ الْمَكْسُورَةُ، وَأَيْنَ مَا، وَأَنْ لَمْ، وَإِنْ لَمْ، وَأَنْ لَنْ، وَعَنْ مَا، وَمِنْ مَا، وَأَمْ مَنْ، وَعَنْ مَنْ، وَحَيْثُ مَا، وَكُلِّ مَا، وَبِئْسَ مَا وَفِي مَا، وَكَيْ لَا، وَيَوْمَ هُمْ. فَأَمَّا: أَنْ لَا فَكُتِبَ مَفْصُولًا فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ: فِي الْأَعْرَافِ {أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ}، وَفِيهَا أَيْضًا {أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ}، وَفِي التَّوْبَةِ {أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ}، وَفِي هُودٍ {أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}، وَفِيهَا {أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} فِي قِصَّةِ نُوحٍ. وَفِي الْحَجِّ وَ{أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا}، وَفِي يس {أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ}، وَفِي الدُّخَانِ {أَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ}، وَفِي الْمُمْتَحِنَةِ {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ}، وَفِي ن {أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ} فَهَذِهِ الْعَشَرَةُ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهَا. وَاخْتَلَفَ الْمَصَاحِفُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ {أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ} فَفِي أَكْثَرِهَا مَقْطُوعٌ، وَفِي بَعْضِهَا مَوْصُولٌ. وَإِنَّ مَا الْمَكْسُورُ الْمُشَدَّدُ كُتِبَ مَفْصُولًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فِي الْأَنْعَامِ {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ}، وَاخْتُلِفَ فِي مَوْضِعٍ ثَانٍ، وَهُوَ {إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ} فِي النَّحْلِ فَكُتِبَ فِي بَعْضِهَا مَفْصُولًا. وَأَنَّ مَا الْمَفْتُوحَةُ الْمُشَدَّدَةُ فَكُتِبَ مَفْصُولًا فِي مَوْضِعَيْ الْحَجِّ وَلُقْمَانَ {أَنَّ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ}، وَاخْتُلِفَ فِي مَوْضِعٍ ثَالِثٍ، وَهُوَ {أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} فِي الْأَنْفَالِ فَكُتِبَ فِي بَعْضِهَا مَفْصُولًا أَيْضًا. وَإِنْ مَا الْمَكْسُورَةُ الْمُخَفَّفَةُ فَكُتِبَ مَفْصُولًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ {إِنْ مَا نُرِيَنَّكَ} فِي الرَّعْدِ. وَأَيْنَ مَا كُتِبَ مَفْصُولًا نَحْوَ {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ}، {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ} إِلَّا فِي الْبَقَرَةِ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}، وَفِي النَّحْلِ {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ} فَإِنَّهُ كُتِبَ مَوْصُولًا. وَاخْتُلِفَ فِي {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ} فِي النِّسَاءِ وَ{أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} فِي الشُّعَرَاءِ وَ{أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} فِي الْأَحْزَابِ فَفِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ مَفْصُولًا، وَفِي بَعْضِهَا مَوْصُولًا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَنْ لَمِ الْمَفْتُوحُ كُتِبَ مَفْصُولًا فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ نَحْوَ {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ}، {أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ}، وَكَذَلِكَ إِنْ لَمِ الْمَكْسُورُ كُتِبَ أَيْضًا مَفْصُولًا نَحْوَ: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا}، {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ} فِي الْقَصَصِ إِلَّا مَوْضِعًا وَاحِدًا، وَهُوَ {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} فِي هُودٍ وَوَهِمَ مَنْ ذَكَرَ وَصْلَ مَوْضِعِ الْقَصَصِ. وَأَنْ لَنْ كُتِبَ مَفْصُولًا حَيْثُ وَقَعَ نَحْوَ: {أَنْ لَنْ يَقْدِرَ}، وَأَنْ لَنْ يَحُورَ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ، وَهُمَا {أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} فِي الْكَهْفِ وَأَلَّنَ نَجْمَعَ عِظَامَهُ فِي الْقِيَامَةِ. وَعَنْ مَا كُتِبَ مَفْصُولًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ {عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ} فِي الْأَعْرَافِ. وَمِنْ مَا كُتِبَ مَفْصُولًا فِي مَوْضِعَيْنِ، وَهُمَا {مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فِي النِّسَاءِ وَ{مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فِي الرُّومِ. وَاخْتُلِفَ فِي مَوْضِعٍ ثَالِثٍ، وَهُوَ {مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ} فِي الْمُنَافِقِينَ فَكُتِبَ فِي بَعْضِهَا مَفْصُولًا، وَفِي بَعْضِهَا مَوْصُولًا. وَأَمْ مَنْ كُتِبَ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مَفْصُولًا، وَهِيَ {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ} فِي النِّسَاءِ {أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ} فِي التَّوْبَةِ {أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} فِي الصَّافَّاتِ {أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا} فِي فُصِّلَتْ. وَعَنْ مَنْ كُتِبَ مَفْصُولًا فِي مَوْضِعَيْنِ، وَهُمَا {عَنْ مَنْ يَشَاءُ} فِي النُّورِ وَ{عَنْ مَنْ تَوَلَّى} فِي النَّجْمِ. وَحَيْثُ مَا كُتِبَ مَفْصُولًا حَيْثُ وَقَعَ نَحْوَ {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ}، {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا}. وَكُلِّ مَا كُتِبَ مَفْصُولًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ {مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} فِي إِبْرَاهِيمَ. وَاخْتُلِفَ فِي {كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا} فِي النِّسَاءِ فَفِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ مَفْصُولٌ، وَفِي بَعْضِهَا مَوْصُولٌ وَكُتِبَ فِي بَعْضِهَا أَيْضًا {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ} فِي الْأَعْرَافِ وَ{كُلَّمَا جَاءَ أُمَّةً} فِي الْمُؤْمِنِينَ وَ{كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا} فِي تَبَارَكَ وَالْمَشْهُورُ الْوَصْلُ. وَبِئْسَ مَا كُتِبَ مَوْصُولًا فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ، وَهِيَ فِي الْبَقَرَةِ {وَلَبِئْسَمَا شَرَوْا}، وَفِي الْمَائِدَةِ {وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَمَا كَانُوا} فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَ{عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَمَا كَانُوا}، وَ{يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَمَا قَدَّمَتْ}، وَاخْتُلِفَ فِي {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ} فِي الْبَقَرَةِ فَفِي بَعْضِهَا مَوْصُولٌ، وَفِي بَعْضِهَا مَفْصُولٌ وَفِي مَا كُتِبَ مَوْصُولًا فِي أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا مِنْهَا مَوْضِعٌ وَاحِدٌ لَمْ يَخْتَلَفْ فِيهِ، وَهُوَ {فِيمَا هَهُنَا آمِنِينَ} فِي الشُّعَرَاءِ وَعَشَرَةٌ اخْتُلِفَ فِيهَا، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى فَصْلِهَا، وَهِيَ {فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ}، وَهُوَ الثَّانِي مِنَ الْبَقَرَةِ وَ{فِي مَا آتَاكُمْ} فِي الْمَائِدَةِ وَالْأَنْعَامِ وَ{فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} فِي الْأَنْعَامِ أَيْضًا وَ{فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ} فِي الْأَنْبِيَاءِ وَ{فِي مَا أَفَضْتُمْ} فِي النُّورِ وَ{فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ} فِي الرُّومِ، وَفِي الزُّمَرِ مَوْضِعَانِ {أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}، وَ{فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}، وَفِي مَا لَا تَعْلَمُونَ فِي الْوَاقِعَةِ. وَكَيْ لَا كُتِبَ مَفْصُولًا، وَلَا نَحْوَ {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ}، {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً} إِلَّا أَرْبَعَةَ مَوَاضِعَ وَسَتَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي وَيَوْمَ هُمْ مَفْصُولٌ فِي مَوْضِعَيْنِ {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} فِي غَافِرٍ وَ{يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ} فِي الذَّارِيَاتِ. وَتَقَدَّمَ فَصْلُ لَامِ الْجَرِّ فِي مَالِ الْأَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ. وَأَمَّا وَلَاتَ حِينَ فَإِنَّ تَاءَهَا مَفْصُولَةٌ مِنْ حِينَ فِي مَصَاحِفِ الْأَمْصَارِ السَّبْعَةِ فَهِيَ مَوْصُولَةٌ، بِلَا زِيدَتْ عَلَيْهَا لِتَأْنِيثِ اللَّفْظِ كَمَا زِيدَتْ فِي رُبَّتْ وَثَمَّتْ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَالْكِسَائِيِّ، وَأَئِمَّةِ النَّحْوِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَالْقِرَاءَةِ، فَعَلَى هَذَا يُوقَفُ عَلَى التَّاءِ، أَوْ عَلَى الْهَاءِ بَدَلًا مِنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ: أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ إِنَّ التَّاءَ مَفْصُولَةٌ مِنْ لَا مَوْصُولَةٌ بِحِينَ. قَالَ: فَالْوَقْفُ عِنْدِي عَلَى لَا وَالِابْتِدَاءُ تَحِينَ لِأَنِّي نَظَرْتُهَا فِي الْإِمَامِ تَحِينَ التَّاءَ مُتَّصِلَةً، وَلِأَنَّ تَفْسِيرَ ابْنِ عَبَّاسٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا أُخْتٌ لَيْسَ وَالْمَعْرُوفُ: لَا- لَا- لَاتَ قَالَ: وَالْعَرَبُ تُلْحِقُ التَّاءَ بِأَسْمَاءِ الزَّمَانِ حِينَ وَالْآنَ وَأَوَانَ فَتَقُولُ كَانَ هَذَا تَحِينَ كَانَ لَكَ، وَكَذَلِكَ تَأْوَانَ ذَاكَ وَاذْهَبْ تَالْآنَ فَاصْنَعْ كَذَا، وَكَذَا، وَمِنْهُ قَوْلُ السَّعْدِيِّ: الْعَاطِفُونَ تَحِينَ لَا مِنْ عَاطِفٍ *** وَالْمُطْعِمُونَ زَمَانَ أَيْنَ الْمُطْعِمُ قَالَ: وَقَدْ كَانَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ يَجْعَلُونَ الْهَاءَ مَوْصُولَةً بِالنُّونِ فَيَقُولُونَ: الْعَاطِفُونَهُ، قَالَ: وَهَذَا غَلَطٌ بَيِّنٌ لِأَنَّهُمْ صَيَّرُوا التَّاءَ هَاءً ثُمَّ أَدْخَلُوهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْهَاءَ إِنَّمَا تُقْحَمُ عَلَى النُّونِ مَوْضِعَ الْقَطْعِ وَالسُّكُونِ فَأَمَّا مَعَ الِاتِّصَالِ فَلَا، وَإِنَّمَا هُوَ تَحِينَ، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ حِينَ سُئِلَ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرَ مَنَاقِبَهُ ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ بِهَذِهِ تَالْآنَ إِلَى أَصْحَابِكَ ثُمَّ ذَكَرَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ حُجَجٍ ظَاهِرَةٍ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ إِمَامٌ كَبِيرٌ وَحُجَّةٌ فِي الدِّينِ وَأَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ مَعَ أَنِّي أَنَا رَأَيْتُهَا مَكْتُوبَةً فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْإِمَامُ مُصْحَفِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا مَقْطُوعَةً وَالتَّاءَ مَوْصُولَةً بِحِينَ وَرَأَيْتُ بِهِ أَثَرَ الدَّمِ وَتَبِعْتُ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فَرَأَيْتُهُ كَذَلِكَ، وَهَذَا الْمُصْحَفُ هُوَ الْيَوْمَ بِالْمَدْرَسَةِ الْفَاضِلِيَّةِ مِنَ الْقَاهِرَةِ الْمَحْرُوسَةِ. وَأَمَّا قَطْعُ الْمَوْصُولِ فَوَقَعَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فِي {وَيْكَأَنَّ}، {وَيْكَأَنَّهُ}، وَفِي {أَلَّا يَسْجُدُوا} فَأَمَّا، {وَيْكَأَنَّ}، وَ{وَيْكَأَنَّهُ} وَكِلَاهُمَا فِي الْقَصَصِ فَأَجْمَعَتِ الْمَصَاحِفُ عَلَى كِتَابَتِهِمَا كَلِمَةً وَاحِدَةً مَوْصُولَةً، وَاخْتُلِفَ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمَا عَنِ الْكِسَائِيِّ وَأَبِي عَمْرٍو، فَرَوَى جَمَاعَةٌ عَنِ الْكِسَائِيِّ أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى الْيَاءِ مَقْطُوعَةً مِنَ الْكَافِ، وَإِذَا ابْتَدَأَ ابْتَدَأَ بِالْكَافِ كَأَنَّ وَكَأَنَّهُ، وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى الْكَافِ مَقْطُوعَةً مِنَ الْهَمْزَةِ، وَإِذَا ابْتَدَأَ ابْتَدَأَ بِالْهَمْزَةِ أَنَّ وَأَنَّهُ، وَهَذَانَ الْوَجْهَانِ مَحْكِيَّانِ عَنْهُمَا فِي التَّبْصِرَةِ، وَالتَّيْسِيرِ، وَالْإِرْشَادِ، وَالْكِفَايَةِ، وَالْمُبْهِجِ، وَغَايَةِ أَبِي الْعَلَاءِ الْحَافِظِ، وَالْهِدَايَةِ، وَفِي أَكْثَرِهَا بِصِيغَةِ الضَّعْفِ، وَأَكْثَرُهُمْ يَخْتَارُ اتِّبَاعَ الرَّسْمِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْهُمَا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ غَيْرُ الشَّاطِبِيِّ وَابْنُ شُرَيْحٍ فِي جَزْمِهِ بِالْخِلَافِ عَنْهُمَا، وَكَذَلِكَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ سَاوَى بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ عَنْهُمَا، وَرَوَى الْوَقْفَ بِالْيَاءِ نَصًّا الْحَافِظُ الدَّانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الدُّورِيِّ عَنْ شَيْخِهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي التَّيْسِيرِ، وَقَرَأَ بِذَلِكَ عَنِ الْكِسَائِيِّ عَلَى شَيْخِهِ أَبِي الْفَتْحِ، وَرَوَى أَبُو الْحَسَنِ بْنُ غَلْبُونَ ذَلِكَ عَنِ الْكِسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ أَبِي عَمْرٍو فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ الدَّانِيُّ لَمْ يُعَوِّلْ عَلَى الْوَقْفِ عَلَى الْكَافِي عَنْ أَبِي عَمْرٍو فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِ، وَقَالَ فِي التَّيْسِيرِ وَرُوِيَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُفْرَدَاتِ أَلْبَتَّةَ. وَرَوَاهُ فِي جَامِعِهِ وَجَادَّةٍ عَنِ ابْنِ الْيَزِيدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو مِنْ طَرِيقِ أَبِي طَاهِرِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ، وَقَالَ: قَالَ أَبُو طَاهِرٍ: لَا أَدْرِي عَنْ أَيِ وَلَدِ الْيَزِيدِيِّ ذَكَرَهُ. ثُمَّ رَوَى عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ الْيَزِيدِيِّ أَنَّهُ يَقِفُ عَلَيْهِمَا مَوْصُولَتَيْنِ. وَرَوَى مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ كَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ رُومِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو يَقُولُ: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ}، {وَيْكَأَنَّهُ} مَقْطُوعَةٌ فِي الْقِرَاءَةِ مَوْصُولَةٌ فِي الْإِمَامِ، قَالَ الدَّانِيُّ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى الْيَاءِ مُنْفَصِلَةً. ثُمَّ رَوَى ذَلِكَ صَرِيحًا عَنْ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَالْآخَرُونَ لَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَلَا الْكِسَائِيِّ كَابْنِ سَوَّارٍ، وَصَاحِبِي التَّلْخِيصَيْنِ، وَصَاحِبِ الْعُنْوَانِ، وَصَاحِبِ التَّجْرِيدِ، وَابْنِ فَارِسٍ وَابْنِ مِهْرَانَ، وَغَيْرِهِمْ فَالْوَقْفُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْكَلِمَةِ بِأَسْرِهَا، وَهَذَا هُوَ الْأُولَى وَالْمُخْتَارُ فِي مَذَاهِبِ الْجَمِيعِ اقْتِدَاءً بِالْجُمْهُورِ وَأَخْذًا بِالْقِيَاسِ الصَّحِيحِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا {أَنْ لَا يَسْجُدُوا} فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي مَوْضِعِهَا مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ جَمِيعُ مَا كُتِبَ مَوْصُولًا سَوَاءٌ كَانَ اسْمًا، أَوْ غَيْرَهُ كَلِمَتَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْكَلِمَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْهُ مِنْ أَجْلِ الِاتِّصَالِ الرَّسْمِيِّ، وَهَذَا أَصْلٌ مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ مَا كُتِبَ مَوْصُولًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فَصْلُهُ بِوَقْفٍ إِلَّا بِرِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ وَلِذَلِكَ كَانَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ عَدَمَ فَصْلِ وَيْكَأَنَّ وَوَيْكَأَنَّهُ مَعَ وُجُودِ الرِّوَايَةِ بِفَصْلِهِ وَالَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ يَنْحَصِرُ فِي أُصُولٍ مُطَّرِدَةٍ، وَكَلِمَاتٍ مَخْصُوصَةٍ مُطَّرِدَةٍ، وَغَيْرِ مُطَّرِدَةٍ. فَالْأُصُولُ الْمُطَّرِدَةُ أَرْبَعَةٌ. الْأَوَّلُ: كُلُّ كَلِمَةٍ دَخَلَ عَلَيْهَا حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْمَعَانِي، وَهُوَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ نَحْوَ {بِسْمِ اللَّهِ}، وَ{بِاللَّهِ}، وَ{لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ}، {كَمِثْلِهِ}، {لَأَنْتَمْ}، {أَأَنْتَ}، {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ}، {سَيَذَّكَّرُ}، {فَلَقَاتَلُوكُمْ}، {وَسَلْ}، {فَسَلْ}، {وَأْمُرْ}، {وَفَأْتِ}، {وَلَقَدْ}، {وَلَسَوْفَ}. الثَّانِي: كُلُّ كَلِمَةٍ اتَّصَلَ بِهَا ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَكْثَرَ مَرْفُوعًا، أَوْ مَنْصُوبًا، أَوْ مَجْرُورًا نَحْوَ قُلْتُ وَقُلْنَا وَرَبِّي وَرَبُّكُمْ وَرُسُلِهِ وَرُسُلُنَا وَرُسُلُكُمْ، وَمَنَاسِكَكُمْ وَمِيثَاقَهُ وَفَأَحْيَاكُمْ وَيُمِيتُكُمْ وَيُحْيِيكُمْ وَأَنُلْزِمُكُمُوهَا. الثَّالِثُ: حُرُوفُ الْمُعْجَمِ الْمُقَطَّعَةُ فِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ سَوَاءٌ كَانَتْ ثُنَائِيَّةً، أَوْ ثُلَاثِيَّةً، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، نَحْوَ {يس}، {حم}، {الم}، {الر}، {المص}، {كهيعص} إِلَّا أَنَّهُ كُتِبَ {حم عسق} مَفْصُولًا بَيْنَ الْمِيمِ وَالْعَيْنِ. الرَّابِعُ إِذَا كَانَ، أَوَّلُ الْكَلِمَةِ الثَّانِيَةِ هَمْزَةً وَصُوِّرَتْ عَلَى مُرَادِ التَّخْفِيفِ وَاوًا وَيَاءً كُتِبَتْ مَوْصُولَتَيْنِ نَحْوَ هَؤُلَاءِ، وَلِئَلَّا، وَيَوْمَئِذٍ، وَحِينَئِذٍ. وَالْكَلِمَاتُ الْمُطَّرِدَةُ الِ التَّعْرِيفِيَّةُ وَيَاءُ النِّدَاءِ وَهَا التَّنْبِيهِ وَمَا الِاسْتِفْهَامِيَّةُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ حَرْفُ جَرٍّ وَأَمْ مَعَ مَا وَأَنِ الْمَفْتُوحَةِ الْمُخَفَّفَةِ مَعَ مَا وَإِنَّ الْمَكْسُورَةِ الْمُخَفَّفَةِ مَعَ لَا، وَكَالُوهُمْ، وَوَزَنُوهُمْ. أَمَّا الْ فَإِنَّهَا إِذَا دَخَلَتْ عَلَى كَلِمَةٍ أُخْرَى كُتِبَتَا مَوْصُولَتَيْنِ كَلِمَةً وَاحِدَةً سَوَاءٌ كَانَتْ هِيَ حَرْفًا نَحْوَ: {الْكِتَابُ}، {الْعَالَمِينَ}، {الرَّحْمَنِ}، {الرَّحِيمِ}، {الْأَرْضِ}، {الْآخِرَةُ}، {الِاسْمُ}، أَوِ اسْمًا نَحْوَ {الْخَالِقُ}، {الْبَارِئُ}، {الْمُصَوِّرُ}، {وَالْمُقِيمِينَ}، {وَالْمُؤْتُونَ}، وَ{الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ}، {وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ}. وَأَمَّا: يَا، وَهِيَ حَرْفُ النِّدَاءِ فَإِنَّهَا حُذِفَتِ الْأَلِفُ مِنْهَا فِي جَمِيعِ الْمَصَاحِفِ فَصَارَتْ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى مُنَادًى اتَّصَلَتْ بِهِ مِنْ أَجْلِ كَوْنِهَا عَلَى حَرْفٍ نَحْوَ {يَبُنَيَّ}، {يَمُوسَى}، {يَآدَمُ}، {يَأَيُّهَا}، {يَقَوْمِ}، {يَنِسَاءَ}، {يَا بْنَؤُمَّ} وَكُتِبَتِ الْهَمْزَةُ فِي {يَا بْنَؤُمَّ} وَاوًا ثُمَّ وُصِلَتْ بِالنُّونِ فَصَارَتْ كُلُّهَا كَلِمَةً وَاحِدَةً. وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ وَقْفِ حَمْزَةَ. وَأَمَّا: هَا، وَهِيَ الْوَاقِعَةُ حَرْفُ تَنْبِيهٍ فَإِنَّ أَلِفَهَا كَذَلِكَ حُذِفَتْ مِنْ جَمِيعِ الْمَصَاحِفِ ثُمَّ اتَّصَلَتْ بِمَا بَعْدَهَا مِنْ كَوْنِهَا صَارَتْ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَوَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي {هَؤُلَاءِ}، {وَهَذَا} وَبَابِهِ، وَ{هَأَنْتُمْ} وَبَابِهِ، وَقَدْ صُوِّرَتِ الْهَمْزَةُ فِي هَؤُلَاءِ وَاوًا ثُمَّ وُصِلَتْ بِالْوَاوِ فَصَارَتْ كَلِمَةً كَمَا تَقَدَّمَ فِي وَقْفِ حَمْزَةَ. وَأَمَّا: مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةُ فَإِنَّهَا إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا حَرْفُ الْجَرِّ حُذِفَ الْأَلِفُ مِنْ آخِرِهَا وَاتَّصَلَ بِهَا فَصَارَتْ كَلِمَةً وَاحِدَةً سَوَاءٌ كَانَ حَرْفُ الْجَرِّ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَكْثَرَ وَوَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ {لِمَ}، وَ{بِمَ}، وَ{فِيمَ}، {وَمِمَّ}، وَ{عَمَّ}، وَكَذَلِكَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا إِلَى، أَوْ عَلَى، أَوْ حَتَّى، فَإِنَّ الْأَلِفَ الْمَكْتُوبَةَ يَاءً فِي هَذِهِ الْأَحْرُفِ الثَّلَاثَةِ تُكْتَبُ أَلِفًا عَلَى اللَّفْظِ عَلَامَةً لِلِاتِّصَالِ وَتَجِيءُ الْمِيمُ بَعْدَهَا مَفْتُوحَةً عَلَى حَالِهَا مَعَ غَيْرِهَا فَتَقُولُ عَلَامَ فَعَلْتَ كَذَا، وَإِلَامَ أَنْتَ كَذَا؛ وَحَتَّامَ تَفْعَلُ كَذَا، وَإِنَّمَا كُتِبَتْ عَلَى اللَّفْظِ خَوْفَ الِاشْتِبَاهِ صُورَةً وَأَمَّا: أَمْ- مَعَ- مَا فَإِنَّهَا كُتِبَتْ مَوْصُولَةً فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ نَحْوَ {أَمَّا اشْتَمَلَتْ}، {أَمَّاذَا كُنْتُمْ}، {أَمَّا تُشْرِكُونَ}. وَأَمَّا إِنِ الْمَكْسُورَةُ الْمُخَفَّفَةُ مَعَ لَا فَإِنَّهَا كُتِبَتْ مَوْصُولَةً فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ نَحْوَ {إِلَّا تَفْعَلُوهُ}، {إِلَّا تَنْصُرُوهُ}. وَأَمَّا {كَالُوهُمْ}، وَ{وَزَنُوهُمْ} فَإِنَّهُمَا كُتِبَتَا فِي جَمِيعِ الْمَصَاحِفِ مَوْصُولَيْنِ بِدَلِيلِ حَذْفِ الْأَلِفِ بَعْدَ الْوَاوِ مِنْهُمَا. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي كَوْنِ ضَمِيرِهِمْ مَرْفُوعًا مُنْفَصِلًا، أَوْ مَنْصُوبًا مُتَّصِلًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ لِمَا بَيَّنْتُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلِاتِّصَالِهِمَا رَسْمًا بِدَلِيلِ حَذْفِ الْأَلِفِ بَيْنَهُمَا فَلَا يُفْصَلَانِ. وَالْكَلِمَاتُ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ فَهِيَ، إِلَّا، وَإِنَّمَا وَإِنِ الْمَكْسُورَةُ الْمُخَفَّفَةُ مَعَ مَا. وَأَيْنَمَا، وَإِنِ الْمَكْسُورَةُ الْمُخَفَّفَةُ مَعَ لَمْ، وَأَنْ لَنْ، وَعَمَّا، وَمِمَّا وَأَمِنَ، وَعَمَّنْ، وَكُلَّمَا، وَبِئْسَمَا، وَفِيمَا وَكَيْلَا وَيَوْمَهُمْ. فَأَمَّا: أَلَّا فَإِنَّهُ كُتِبَ مُتَّصِلًا فِي غَيْرِ الْعَشَرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ نَحْوَ {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ} فِي النَّمْلِ، {وَأَلَّا تَعْبُدُوا}، أَوَّلَ هُودٍ. وَاخْتُلِفَ فِي مَوْضِعِ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِنَّمَا كُتِبَ مَوْصُولًا فِي غَيْرِ الْأَنْعَامِ نَحْوَ: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ}، وَ{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ}، وَاخْتُلِفَ فِي حَرْفِ النَّحْلِ وَإِنَّمَا كُتِبَ مُتَّصِلًا فِي غَيْرِ الْحَجِّ وَلُقْمَانَ نَحْوَ: {إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ} فِي ص. وَ{كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ}، وَاخْتُلِفَ فِي {أَنَّمَا غَنِمْتُمْ}. وَإِمَّا مَوْصُولٌ فِي غَيْرِ الرَّعْدِ نَحْوَ {وَإِمَّا تَخَافَنَّ}، {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ}، {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ}، {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا}. وَأَيْنَمَا كُتِبَ مَوْصُولًا فِي مَوْضِعَيْنِ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا} فِي الْبَقَرَةِ، وَ{أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ} فِي النَّحْلِ، وَاخْتُلِفَ فِي النِّسَاءِ وَالشُّعَرَاءِ وَالْأَحْزَابِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ لَمْ مَوْصُولٌ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} فِي هُودٍ. وَأَلَّنْ كُتِبَ مَوْصُولًا فِي مَوْضِعَيْنِ: الْكَهْفِ وَالْقِيَامَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَمَّا مَوْصُولٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْأَعْرَافِ نَحْوَ {عَمَّا تَعْمَلُونَ}، {عَمَّا جَاءَكَ}. وَمِمَّا كُتِبَ مَوْصُولًا فِي غَيْرِ النِّسَاءِ وَالرُّومِ نَحْوَ {مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}، {مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}، وَاخْتُلِفَ فِي الْمُنَافِقِينَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّنْ كُتِبَ مَوْصُولًا فِي غَيْرِ الْمَوَاضِعِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ نَحْوَ {أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ}، {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ}، {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ}. وَعَمَّنْ مَوْصُولٌ فِي غَيْرِ النُّورِ وَالنَّجْمِ، وَلَا أَعْلَمُهُ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ. وَكُلَّمَا كُتِبَ مَوْصُولًا فِي غَيْرِ سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ نَحْوَ {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا}، وَ{كُلَّمَا خَبَتْ}، وَاخْتُلِفَ فِي النِّسَاءِ وَالْأَعْرَافِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَتَبَارَكَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَبِئْسَمَا كُتِبَ مَوْصُولًا فِي مَوْضِعَيْنِ {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ} فِي الْبَقَرَةِ وَ{بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي} فِي الْأَعْرَافِ، وَاخْتُلِفَ فِي {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ} كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِيمَا كُتِبَ مَوْصُولًا فِي غَيْرِ الشُّعَرَاءِ نَحْوَ {فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وَهُوَ الْأَوَّلُ مِنَ الْبَقَرَةِ، {فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ}، وَاخْتُلِفَ فِي الْعَشَرَةِ الْمَوَاضِعِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَكَيْلَا كُتِبَ مَوْصُولًا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ فِي آلِ عِمْرَانَ {لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ}، وَفِي الْحَجِّ {لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا}، وَفِي الْأَحْزَابِ {لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ}، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الثَّانِي مِنْهَا. وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ مَوْصُولٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَفِي الْحَدِيدِ {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ}. وَ{يَوْمَهُمْ} مَوْصُولٌ فِي غَيْرِ غَافِرٍ وَالذَّارِيَاتِ نَحْوَ {يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} فَجَمِيعُ مَا كُتِبَ مَوْصُولًا لَا يُقْطَعُ وَقْفًا إِلَّا بِرِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا أَعْلَمُهُ وَرَدَ إِلَّا فِيمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي {وَيْكَأَنَّ}، {وَيْكَأَنَّهُ}، وَ{أَلَّا يَسْجُدُوا}، وَقَدْ وَرَدَ عَنِ الْكِسَائِيِّ التَّوَسُّعُ فِي ذَلِكَ وَالْوَقْفُ عَلَى الْأَصْلِ فَنَقَلَ الدَّانِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْهُ الْوَقْفَ عَلَى {أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} بِالْقَطْعِ، وَ{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ}، وَ{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي} الْوَقْفَ عَلَى مِيمِ أَمْ. قَالَ الدَّانِيُّ: وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ فِي الرَّسْمِ مَوْصُولَةٌ مِنْ غَيْرِ نُونٍ، وَلَا مِيمٍ وَأَصْلُهَا الِانْفِصَالُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ فِيهَا الْكِسَائِيُّ قَالَ: وَقَدْ خَالَفَ قُتَيْبَةَ عَنِ الْكِسَائِيِّ فِي {أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} خَلَفٌ فَحَدَّثْنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَصْحَابِهِ عَنْ خَلَفٍ قَالَ: قَالَ الْكِسَائِيُّ فِي قَوْلِهِ: {أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} حَرْفٌ وَاحِدٌ مِنْ قَبْلُ مِنْ شَيْءٍ قَالَ: خَلَفٌ، وَقَدْ قَالَ الْكِسَائِيُّ نِعِمَّا حَرْفَانِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ نِعْمَ الشَّيْءُ قَالَ: وَكُتِبَا بِالْوَصْلِ، وَمَنْ قَطَعَهُمَا لَمْ يُخْطِئْ قَالَ: خَلَفٌ وَحَمْزَةُ، يَقِفُ عَلَيْهِمَا عَلَى الْكِتَابِ بِالْوَصْلِ. قَالَ خَلَفٌ وَاتِّبَاعُ الْكِتَابِ فِي مِثْلِ هَذَا أَحَبُّ إِلَيْنَا إِذْ صَارَ قَطْعُهُ وَوَصْلُهُ صَوَابًا انْتَهَى. وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ مَذْهَبَ الْكِسَائِيِّ التَّوْسِعَةُ فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ الْمَعْنَى كَمَا ذَكَرَ وَيَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُحَتَّمٍ عِنْدَ خَلَفٍ وَأَنَّهُ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ وَالِاسْتِحْبَابِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْإِتْقَانِ، وَلَا مُعَوَّلٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَئِمَّةِ التَّحْقِيقِ، بَلِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ أَئِمَّةِ الْأَدَاءِ وَمَشَايِخِ الْإِقْرَاءِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ هُوَ مَا قَدَّمْنَا، أَوَّلَ الْبَابِ فَإِنَّهُ هُوَ الْأَحْرَى وَالْأُولَى بِالصَّوَابِ وَأَجْدَرُ بِاتِّبَاعِ نُصُوصِ الْأَئِمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَقَدْ رَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ {كَالُوهُمْ}، {أَوْ وَزَنُوهُمْ} حَرْفًا وَاحِدًا، وَرَوَى سَوْرَةُ عَنِ الْكِسَائِيِّ حَرْفًا مِثْلَ قَوْلِكَ ضَرَبُوهُمْ قَالَ الدَّانِيُّ فِي جَامِعِهِ: وَذَلِكَ قِيَاسُ قَوْلِ نَافِعٍ، وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى اتِّبَاعِ الْمَرْسُومِ ثُمَّ رَوَى عَنْ حَمْزَةَ بِجَعْلِهِمَا حَرْفَيْنِ ثُمَّ قَالَ الدَّانِيُّ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى ذَلِكَ عَنْ حَمْزَةَ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَالِحٍ الْعِجْلِيِّ قَالَ: وَأَهْلُ الْأَدَاءِ عَلَى خِلَافِهِ. قُلْتُ: وَهَذَا مِنَ الدَّانِيِّ حِكَايَةَ اتِّفَاقٍ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ نَصَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي غَيْرِ مَكَانِ، وَكَذَلِكَ مِنْ بَعْدِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَهَلُمَّ جَرَّا، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا فِي ذَلِكَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْجَعْبَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُنْفَصِلَيْنِ وَقَفَ عَلَى آخِرِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَفِي الْمُتَّصِلَتَيْنِ وَقَفَ آخِرَ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَجْهُ الْوَقْفِ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْمُنْفَصِلِ أَصَالَةَ الِاسْتِقْلَالِ وَوَجْهُ مَنْعِ الْوَقْفِ عَلَى الْمُتَّصِلِ آخِرَهَا التَّنْبِيهُ عَلَى وَضْعِ الْخَطِّ. قَالَ: وَاخْتِيَارِي اسْتِفْسَارُ الْمَسْؤُولِ السَّائِلَ عَنْ غَرَضِهِ فَإِنْ كَانَ بَيَانُ الرَّسْمِ وَقَفَ كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ بَيَانُ الْأَصْلِ وَقَفَ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْمُنْفَصِلَيْنِ وَالْمُتَّصِلَيْنِ لِيُطَابِقَ. قَالَ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةَ الرَّسْمِ فِي الْمُتَّصِلَيْنِ وَإِلَّا لَخَالَفَ، وَأَصْلُ الْمُنْفَصِلَتَيْنِ وَاللَّازِمِ مُنْتَفٍ انْتَهَى. وَلَعَلَّ مَا حَكَى عَمَّنْ أَجَازَ قَطْعَ الْمُتَّصِلِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ هَذَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الْآتِي.
الْأَوَّلُ: إِنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَمَا يُشْبِهُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْوَقْفَ الْوَقْفُ عَلَى الْمَرْسُومِ مِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ حُكْمٌ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ تَامٍّ، وَلَا كَافٍ، وَلَا حَسَنٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْوَقْفَ إِلَّا عَلَى مَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَمَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ قَبِيحًا كَمَا قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ بِتَعْرِيفِ الْوَقْفِ هُنَا عَلَى سَبِيلِ الِاضْطِرَارِ وَالِاخْتِيَارِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الدَّانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ الْوَقْفِ عَلَى مَرْسُومِ الْخَطِّ مِنْ جَامِعِ الْبَيَانِ. وَإِنَّمَا نَذْكُرُ الْوَقْفَ عَلَى مِثْلِ هَذَا عَلَى وَجْهِ التَّعْرِيفِ بِمَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ فِيهِ عِنْدَ انْقِطَاعِ النَّفَسِ عِنْدَهُ لِخَبَرٍ وَرَدَ عَنْهُمْ، أَوْ لِقِيَاسٍ يُوجِبُهُ قَوْلُهُمْ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ وَالِاخْتِيَارِ إِذْ لَيْسَ الْوَقْفُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا عَلَى جَمِيعِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ تَامٌّ، وَلَا كَافٍ، وَإِنَّمَا هُوَ وَقْفُ ضَرُورَةٍ وَامْتِحَانٍ وَتَعْرِيفٍ لَا غَيْرَ انْتَهَى.
الثَّانِي: لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْمُبْهِجِ، وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَالْكِسَائِيِّ، أَنَّهُمَا يَقِفَانِ عَلَى مَا مِنْ مَالِ الْوَقْفُ عَلَيْهَا فِي الْمَوَاضِعِ الْأَرْبَعَةِ وَيَبْتَدِئَانِ بِاللَّامِ مُتَّصِلَةً بِمَا بَعْدَهَا مِنَ الْأَسْمَاءِ، وَعَنِ الْبَاقِينَ أَنَّهُمْ يَقِفُونَ عَلَى مَالِ بِاللَّامِ وَيَبْتَدِئُونَ بِالْأَسْمَاءِ الْمَجْرُورَةِ مُنْفَصِلَةً مِنَ الْجَارِ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْوَقْفَ عَلَيْهَا وَيُبْتَدَأُ بِمَا بَعْدَهَا كَسَائِرِ الْأَوْقَافِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، بَلِ الْمَعْنَى أَنَّ الِابْتِدَاءَ يَكُونُ فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ عِنْدَ مَنْ ذَكَرَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْ فَلَوِ ابْتَدَأْتَ ذَلِكَ ابْتَدَأْتَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ فَكَمَا أَنَّ الْوَقْفَ فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاضْطِرَارِ وَالِاخْتِيَارِ كَذَلِكَ الِابْتِدَاءُ يَكُونُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِهَذَا الْكِتَابِ لَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى {مَا} ثُمَّ يَبْتَدِئُ {لِهَذَا الْكِتَابِ}، أَوْ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى {مَالِ} حُكْمُهُ ثُمَّ يَبْتَدِئُ {هَذَا الرَّسُولِ} كَمَا يُوقَفُ عَلَى سَائِرِ الْأَوْقَافِ التَّامَّةِ، أَوِ الْكَافِيَةِ، هَذَا مِمَّا لَا يُجِيزُهُ أَحَدٌ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي {وَيْكَأَنَّ}، وَ{وَيْكَأَنَّهُ}، وَفِي سَائِرِ مَا ذُكِرَ مِنْ هَذَا الْبَابِ إِذَا وُجِدَ فِيهِ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا يُوقَفُ عَلَى كَذَا وَيُبْتَدَأُ بِكَذَا إِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الثَّالِثُ: قَدْ تَكُونُ الْكَلِمَتَانِ مُنْفَصِلَتَيْنِ عَلَى قِرَاءَةٍ مُتَّصِلَتَيْنِ عَلَى قِرَاءَةٍ أُخْرَى، وَذَلِكَ نَحْوَ {أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى} فِي الْأَعْرَافِ وَ: {أَوَآبَاؤُنَا} فِي الصَّافَّاتِ وَالْوَاقِعَةِ فَإِنَّهُمَا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ سَكَّنَ الْوَاوَ مُنْفَصِلَتَانِ إِذْ أَوْ فِيهِمَا كَلِمَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ حَرْفُ عَطْفٍ ثُنَائِيَّةٌ كَمَا هِيَ فِي قَوْلِكَ ضَرَبْتُ زَيْدًا، أَوْ عُمَرًا فَوَجَبَ فَصْلُهَا لِذَلِكَ، وَعَلَى قِرَاءَةِ مَنْ فَتَحَ الْوَاوَ مُتَّصِلَتَانِ فَإِنَّ الْهَمْزَةَ فِيهِمَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ دَخَلَتْ عَلَى وَاوِ الْعَطْفِ كَمَا دَخَلَتْ عَلَى الْفَاءِ فِي {أَفَأَمِنَ أَهْلُ}، وَعَلَى الْوَاوِ فِي {أَوَلَمْ يَهْدِ}، {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا} فَالْهَمْزَةُ وَالْوَاوُ عَلَى قِرَاءَةِ السُّكُونِ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَلَى قِرَاءَةِ الْفَتْحِ كَلِمَتَانِ، وَلَكِنَّهُمَا اتَّصَلَتَا لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعُ إِذَا اخْتَلَفَتِ الْمَصَاحِفُ فِي رَسْمِ حَرْفٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَتْبَعَ فِي تِلْكَ الْمَصَاحِفِ مَذَاهِبَ أَئِمَّةِ أَمْصَارِ تِلْكَ الْمَصَاحِفِ فَيَنْبَغِي إِذْ كَانَ مَكْتُوبًا مَثَلًا فِي مَصَاحِفِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمُصْحَفِ الْمَكِّيِّ فَقِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ، وَالْمُصْحَفِ الشَّامِيِّ فَقِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ، وَالْبَصْرِيِّ فَقِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَيَعْقُوبَ، وَالْكُوفِيِّ فَقِرَاءَةُ الْكُوفِيِّينَ، هَذَا هُوَ الْأَلْيَقُ بِمَذَاهِبِهِمْ وَالْأَصْوَبُ بِأُصُولِهِمْ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْخَامِسُ قَوْلُ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ إِنَّ الْوَقْفَ عَلَى اتِّبَاعِ الرَّسْمِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْأَوَاخِرِ مِنْ حَذْفٍ وَإِثْبَاتٍ، وَغَيْرِهِ إِنَّمَا يَعْنُونَ بِذَلِكَ الْحَذْفَ الْمُحَقَّقَ لَا الْمُقَدَّرَ مِمَّا حُذِفَ تَخْفِيفًا لِاجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى الْوَقْفِ عَلَى نَحْوِ {مَاءً}، وَ{دُعَاءً}، وَ{مَلْجَأً} بِالْأَلِفِ بَعْدَ الْهَمْزَةِ، وَكَذَلِكَ عَلَى الْوَقْفِ عَلَى {تَرَاءَ} وَرَأَى وَنَحْوَهُ مِمَّا حُذِفَتْ مِنْهُ الْيَاءُ، وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى نَحْوِ {يَحْيَى}، وَ{يَسْتَحْيِي} بِالْيَاءِ، وَكَذَلِكَ يُرِيدُونَ الْإِثْبَاتَ الْمُحَقَّقَ لَا الْمُقَدَّرَ فَيُوقَفُ عَلَى نَحْوِ {وَإِيتَاءِ ذَا الْقُرْبَى} عَلَى الْهَمْزَةِ، وَكَذَا عَلَى نَحْوِ {قَالَ الْمَلَأُ} لَا عَلَى الْيَاءِ وَالْوَاوِ إِذِ الْيَاءُ وَالْوَاوُ فِي ذَلِكَ صُورَةُ الْهَمْزَةِ كَمَا قَدَّمْنَا. وَمَنْ وَقَفَ عَلَى اتِّبَاعِ الرَّسْمِ فِي ذَلِكَ وَكَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ تَخْفِيفُ الْهَمْزِ وَقْفًا يَقِفُ بِالرَّوْمِ بِالْيَاءِ وَبِالْوَاوِ عَلَى اتِّبَاعِ الرَّسْمِ كَمَا تَقَدَّمَ النَّصُّ عَلَيْهِ فِي بَابِهِ وَلِهَذَا لَوْ وَقَفُوا عَلَى نَحْوِ: {وَلُؤْلُؤًا} فِي سُورَةِ الْحَجِّ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ بِالْأَلِفِ إِلَّا مَنْ يَقْرَأُ بِالنَّصْبِ، وَمَنْ يَقْرَأُ بِالْخَفْضِ وَقَفَ بِغَيْرِ أَلِفٍ مَعَ إِجْمَاعِ الْمَصَاحِفِ عَلَى كِتَابَتِهَا بِالْأَلِفِ، وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى نَحْوِ {وَعَادًا وَثَمُودًا} لَا يَقِفُ عَلَيْهِ بِالْأَلِفِ إِلَّا مَنْ نَوَّنَ وَإِنْ كَانَ قَدْ كُتِبَ بِالْأَلِفِ فِي جَمِيعِ الْمَصَاحِفِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
السَّادِسُ كُلُّ مَا كُتِبَ مَوْصُولًا مِنْ كَلِمَتَيْنِ وَكَانَ آخِرُ الْأُولَى مِنْهُمَا حَرْفًا مُدْغَمًا فَإِنَّهُ حُذِفَ إِجْمَاعًا وَاكْتَفَى بِالْحَرْفِ الْمُدْغَمِ فِيهِ عَنِ الْمُدْغَمِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِدْغَامُ بِغُنَّةٍ أَمْ بِغَيْرِهَا كَمَا كَتَبُوا {أَمَّا اشْتَمَلَتْ}، {وَإِمَّا تَخَافَنَّ}، وَ{عَمَّا تَعْمَلُونَ}، وَ{أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ}، وَ{مِمَّا أَمْسَكْنَ} بِمِيمٍ وَاحِدَةٍ وَحَذَفُوا كُلًّا مِنَ الْمِيمِ وَالنُّونِ الْمُدْغَمَتَيْنِ. وَكَتَبُوا {إِلَّا تَفْعَلُوهُ}، وَ{فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ}، وَ{أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ}، وَ{أَلَّنْ نَجْمَعَ}. بِلَامٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ نُونٍ فَقُصِدَ بِذَلِكَ تَحْقِيقُ الِاتِّصَالِ بِالْإِدْغَامِ وَلِذَلِكَ كَانَ الِاخْتِيَارُ فِي مَذْهَبِ مَنْ رَوَى الْغُنَّةَ عِنْدَ اللَّامِ وَالرَّاءِ حَذْفَهَا مِمَّا كُتِبَ مُتَّصِلًا عَمَلًا بِحَقِيقَةِ اتِّبَاعِ الرَّسْمِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
السَّابِعُ لَا بَأْسَ بِالتَّنْبِيهِ عَلَى مَا كُتِبَ مَوْصُولًا لِتُعْرَفَ أُصُولُ الْكَلِمَاتِ وَتَفْكِيكُ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ، فَقَدْ يَقَعُ اشْتِبَاهٌ بِسَبَبِ الِاتِّصَالِ عَلَى بَعْضِ الْفُضَلَاءِ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِمْ؟ فَهَذَا إِمَامُ الْعَرَبِيَّةِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ جَعَلَ إِلَّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ، فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ مِنْ أَقْسَامِ إِلَّا الِاسْتِثْنَائِيَّةِ فَجَعَلَهَا كَلِمَةً وَاحِدَةً، ذُكِرَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ وَذُهِلَ عَنْ كَوْنِهِمَا كَلِمَتَيْنِ: إِنَّ الشَّرْطِيَّةَ، وَلَا النَّافِيَةَ. وَالْأَخْفَشُ إِمَامُ النَّحْوِ أَعْرَبَ: {وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} أَنَّ اللَّامَ لَامُ الِابْتِدَاءِ وَالَّذِينَ مُبْتَدَأٌ وَأُولَئِكَ الْخَبَرُ؛ وَرَأَيْتُ أَبَا الْبَقَاءِ فِي إِعْرَابِهِ ذَكَرَهُ أَيْضًا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إِعْرَابٌ مُسْتَقِيمٌ لَوْلَا رَسْمُ الْمَصَاحِفِ فَإِنَّهَا كُتِبَتْ، وَلَا فَهِيَ لَا النَّافِيَةُ دَخَلَتْ عَلَى الَّذِينَ وَالَّذِينَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَطْفًا عَلَى الَّذِينَ فِي قَوْلِهِ: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} وَأَعْرَبَ ابْنُ الطَّرَاوَةِ {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ} فَزَعَمَ أَنَّ أَيًّا مَقْطُوعَةٌ عَنِ الْإِضَافَةِ فَلِذَلِكَ بُنِيَتْ وَأَنَّ {هُمْ أَشَدُّ} مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِرَسْمِ الضَّمِيرِ مُتَّصِلًا بِأَيِّ، وَلِإِجْمَاعِ النُّحَاةِ عَلَى أَنَّ أَيًّا إِذَا لَمْ تُضَفْ كَانَتْ مُعْرَبَةً وَأَعْرَبَ بَعْضُ النُّحَاةِ: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} عَلَى أَنَّ: هَا مِنْ {هَذَانِ} ضَمِيرُ الْقِصَّةِ وَالتَّقْدِيرُ حِينَئِذٍ: إِنَّهَا ذَانِ لَسَاحِرَانِ ذَكَرَهُ أَبُو حَيَّانَ وَلَوْلَا رَسْمُ الْمَصَاحِفِ لَكَانَ جَائِزًا وَأَعْرَبَ بَعْضُهُمْ {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} مَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَهُمْ ضَمِيرٌ مَرْفُوعٌ مُنْفَصِلٌ مُبْتَدَأٌ وَيُنْفِقُونَ الْخَبَرُ أَيْ وَمَنْ رَزَقْنَا هُمْ يُنْفِقُونَ وَلَوْلَا رَسْمُ الْمَصَاحِفِ مَحْذُوفَةُ الْأَلِفِ مُتَّصِلَةٌ نُونُهَا بِالضَّمِيرِ لَصَحَّ ذَلِكَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّامِنُ قَدْ يَقَعُ فِي الرَّسْمِ مَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَلِمَةً وَاحِدَةً وَأَنْ يَكُونَ كَلِمَتَيْنِ أَوْجُهُ ذَلِكَ وَيَخْتَلِفُ فِيهِ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ نَحْوَ مَاذَا يَأْتِي فِي الْعَرَبِيَّةِ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: مَا اسْتِفْهَامٌ وَذَا إِشَارَةٌ. الثَّانِي: مَا اسْتِفْهَامٌ وَذَا مَوْصُولَةٌ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا اسْتِفْهَامٌ عَلَى التَّرْكِيبِ. الرَّابِعُ مَاذَا كُلُّهُ اسْمُ جِنْسٍ بِمَعْنَى شَيْءٍ. الْخَامِسُ مَا زَائِدَةٌ وَذَا إِشَارَةٌ. السَّادِسُ مَا اسْتِفْهَامٌ وَذَا زَائِدَةٌ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} فَمَنْ قَرَأَ الْعَفْوَ بِالرَّفْعِ، وَهُوَ أَبُو عَمْرٍو يَتَرَجَّحُ أَنْ يَكُونَ مَاذَا كَلِمَتَيْنِ. مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَذَا بِمَعْنَى الَّذِي: أَيِ الَّذِي يُنْفِقُونَ الْعَفْوُ فَيَجُوزُ لَهُ الْوَقْفُ عَلَى مَا، وَعَلَى ذَا، وَعَلَى قِرَاءَةِ الْبَاقِينَ يَتَرَجَّحُ أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبَةً كَلِمَةً وَاحِدَةً أَيْ يُنْفِقُونَ الْعَفْوَ فَلَا يَقِفُ إِلَّا عَلَى ذَا، وَقَوْلُهُ فِي سُورَةِ النَّحْلِ {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} فَهِيَ كَقِرَاءَةِ أَبِي عَمْرٍو الْعَفْوُ أَيْ مَا الَّذِي أَنْزَلَ، قَالُوا: الَّذِي أَنْزَلَ أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ فَتَكُونُ كَلِمَتَيْنِ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِكُلٍّ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَقَوْلُهُ: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا} هِيَ كَقِرَاءَةِ غَيْرِ أَبِي عَمْرٍو الْعَفْوَ بِالنَّصْبِ فَيَتَرَجَّحُ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةً وَاحِدَةً فَيُوقَفُ عَلَى ذَا دُونَ مَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا} نَذْكُرُ فِيهَا قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَا اسْتِفْهَامٌ مَوْضِعُهَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَ ذَا بِمَعْنَى الَّذِي وَأَرَادَ صِلَتُهُ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ وَالَّذِي وَصِلَتُهَا خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ. وَالثَّانِي أَنَّ مَا اسْمٌ وَاحِدٌ لِلِاسْتِفْهَامِ وَمَوْضِعُهُ نُصِبَ بِأَرَادَ. قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا اسْتِفْهَامًا وَذَا إِشَارَةً كَقَوْلِهِمْ مَاذَا التَّوَانِي وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ: مَاذَا الْوُقُوفُ عَلَى نَارٍ وَقَدْ خَمُدَتْ *** يَا طَالُ مَا أُوقِدَتْ لِلْحَرْبِ نِيرَانُ فَعَلَى هَذَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ هُمَا كَلِمَتَانِ يُوقَفُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَعَلَى الثَّانِي يُوقَفُ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُمَا كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَذَلِكَ حَالَةُ الِاضْطِرَارِ وَالِاخْتِيَارِ لَا عَلَى التَّعَمُّدِ وَالِاخْتِيَارِ. نَعَمْ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّالِثِ يَجُوزُ اخْتِيَارًا وَيَكُونُ كَافِيًا عَلَى أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِيَقُولُونَ وَيَكُونَ أَرَادَ اللَّهُ اسْتِئْنَافًا وَجَوَابًا لِقَوْلِهِمْ.
التَّاسِعُ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مُحَمَّدِ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْعُمَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُرْشِدِ فِي الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} فِي سُورَةِ يس {مَا} كَلِمَةُ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ حَرْفُ نَفْيٍ وَ{لِيَ} كَلِمَةٌ أُخْرَى فَهُمَا كَلِمَتَانِ {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} مَالِيَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ لِلِاسْتِفْهَامِ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْبَقَاءِ الْعُكْبَرِيُّ فِي إِعْرَابِهِ فِي سُورَةِ يس {وَمَا لِيَ} الْجُمْهُورُ عَلَى فَتْحِ الْيَاءِ لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ بِهَا إِذْ كَانَ لَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَالِابْتِدَاءُ {وَمَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} بِعَكْسِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَكِلَا الْكَلَامَيْنِ لَا يَظْهَرُ فَلْيَتَأَمَّلْ وَلَكِنْ لِكَلَامِ أَبِي الْبَقَاءِ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ وَجْهٌ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَاءُ الْإِضَافَةِ فِي الْقُرْآنِ عِبَارَةٌ عَنْ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ، وَهِيَ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِالِاسْمِ وَالْفِعْلِ وَالْحَرْفِ فَتَكُونُ مَعَ الِاسْمِ مَجْرُورَةَ الْمَحَلَّ، وَمَعَ الْفِعْلِ مَنْصُوبَتَهُ، وَمَعَ الْحَرْفِ مَنْصُوبَتَهُ وَمَجْرُورَتَهُ بِحَسَبِ عَمَلِ الْحَرْفِ نَحْوَ {نَفْسِي}، وَ{ذِكْرِي}، وَ{فَطَرَنِي}، وَ{لَيَحْزُنُنِي}، وَ{إِنِّي}، {وَلِي}، وَقَدْ أَطْلَقَ أَئِمَّتُنَا هَذِهِ التَّسْمِيَةَ عَلَيْهَا تَجَوُّزًا مَعَ مَجِيئِهَا مَنْصُوبَ الْمَحَلِّ غَيْرَ مُضَافٍ إِلَيْهَا نَحْوَ {إِنِّي}، وَ{آتَانِيَ} وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ يَاءَاتِ الزَّوَائِدِ أَنَّ هَذِهِ الْيَاءَاتِ تَكُونُ ثَابِتَةً فِي الْمَصَاحِفِ وَتِلْكَ مَحْذُوفَةً. وَهَذِهِ الْيَاءَاتُ تَكُونُ زَائِدَةً عَلَى الْكَلِمَةِ أَيْ لَيْسَتْ مِنَ الْأُصُولِ فَلَا تَجِيءُ لَامًا مِنَ الْفِعْلِ أَبَدًا فَهِيَ كَهَاءِ الضَّمِيرِ وَكَافِهِ فَتَقُولُ فِي: {نَفْسِي}: نَفْسُهُ وَنَفْسُكَ، وَفِي {فَطَرَنِي} فَطَرَهُ وَفَطَرَكَ؛ وَفِي {يُحْزِنُنِي}: يُحْزِنُهُ وَيُحْزِنُكَ، وَفِي {إِنِّي}: إِنَّهُ وَإِنَّكَ، وَفِي {لِيَ}: لَهُ وَلَكَ. وَيَاءُ الزَّوَائِدِ تَكُونُ أَصْلِيَّةً وَزَائِدَةً فَتَجِيءُ لَامًا مِنَ الْفِعْلِ نَحْوَ {إِذَا يَسْرِ}، وَ{يَوْمَ يَأْتِ}، وَ{الدَّاعِ}، وَ{الْمُنَادِ}، وَ{دَعَانِ}، وَ{يَهْدِينِ}، وَ{يُؤْتِيَنِ} وَهَذِهِ الْيَاءَاتُ الْخُلْفُ فِيهَا جَارٍ بَيْنَ الْفَتْحِ وَالْإِسْكَانِ. وَيَاءَاتُ الزَّوَائِدِ الْخِلَافُ فِيهَا ثَابِتٌ بَيْنَ الْحَذْفِ وَالْإِثْبَاتِ.
إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ يَاءَاتِ الْإِضَافَةِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: الْأَوَّلُ: مَا أَجْمَعُوا عَلَى إِسْكَانِهِ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ لِمَجِيئِهِ عَلَى الْأَصْلِ نَحْوَ إِنِّي جَاعِلٌ، وَاشْكُرُوا لِي، وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ، فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي، الَّذِي خَلَقَنِي، وَيُطْعِمُنِي، وَيُمِيتُنِي، لِي عَمَلِي، يَعْبُدُونِي لَا يُشْرِكُونَ بِي وَجُمْلَتُهُ خَمْسُمِائَةٌ وَسِتٌّ وَسِتُّونَ يَاءً.
الثَّانِي: مَا أَجْمَعُوا عَلَى فَتْحِهِ، وَذَلِكَ لِمُوجِبٍ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَهَا سَاكِنٌ، لَامُ تَعْرِيفٍ، أَوْ شِبْهُهُ، وَجُمْلَتُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا {نِعْمَتِيَ الَّتِي} فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ وَ{بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ}، وَ{حَسْبِيَ اللَّهُ} فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَ{بِيَ الْأَعْدَاءَ}، وَ{مَسَّنِيَ السُّوءُ}، وَ{مَسَّنِيَ الْكِبَرُ}، وَ{وَلِيِّيَ اللَّهُ}، وَ{شُرَكَائِيَ الَّذِينَ} فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَوَاضِعِ وَ{أَرُونِيَ الَّذِينَ}، وَرَبِّي اللَّهُ، وَ{جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ}، وَ{نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ} حُرِّكَتْ بِالْفَتْحِ حَمْلًا عَلَى النَّظِيرِ فِرَارًا مِنَ الْحَذْفِ، أَوْ قَبْلَهَا سَاكِنٌ أَلِفٌ، أَوْ يَاءٌ فَالَّذِي بَعْدَ أَلِفٍ سِتُّ كَلِمَاتٍ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ هُدَايَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَ{إِيَّايَ}، {فَإِيَّايَ}، {رُؤْيَايَ} فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَ{مَثْوَايَ}، وَ{عَصَايَ} وَسَيَأْتِي ذِكْرُ بُشْرَايَ وَ{حَسْرَتَا} فِي مَوْضِعِهِ وَالَّذِي بَعْدَ الْيَاءِ تِسْعُ كَلِمَاتٍ وَقَعَتْ فِي اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مَوْضِعًا، وَهِيَ: إِلَيَّ وَ{عَلَيَّ}، وَ{يَدَيَّ}، وَ{لَدَيَّ}، وَ{بَنِيَّ}، وَ{يَابَنِيَّ}، وَ{ابْنَتَيَّ}، وَ{وَالِدَيَّ}، وَ{مُصْرِخِيَّ}؛ وَحُرِّكَتِ الْيَاءُ فِي ذَلِكَ فِرَارًا مِنَ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَكَانَتْ فَتْحَةً حَمْلًا عَلَى النَّظِيرِ وَأُدْغِمَتِ الْيَاءُ فِي نَحْوِ {إِلَيَّ}، وَ{عَلَيَّ} لِلتَّمَاثُلِ. وَجَازَ فِي {مُصْرِخِيَّ} الْكَسْرُ لُغَةً، وَكَذَلِكَ فِي {يَا بَنِيَّ} مَعَ الْإِسْكَانِ كَمَا سَيَأْتِي وَجُمْلَةُ ذَلِكَ مِنَ الضَّرْبَيْنِ الْمَجْمَعِ عَلَيْهِمَا سِتّمِائَةٌ وَأَرْبَعٌ وَسِتُّونَ يَاءً.
وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ مَا اخْتَلَفُوا فِي إِسْكَانِهِ وَفَتْحِهِ وَجُمْلَتُهُ مِائَتَا يَاءٍ وَاثْنَتَا عَشْرَةَ يَاءً، وَقَدْ عَدَّهَا الدَّانِيُّ، وَغَيْرُهُ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ فَزَادُوا اثْنَتَيْنِ، وَهُمَا {آتَانِيَ اللَّهُ} فِي النَّمْلِ {فَبَشِّرْ عِبَادِيَ الَّذِينَ} فِي الزُّمَرِ: وَزَادَ آخَرُونَ اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ، وَهُمَا {أَلَّا تَتَّبِعَنِ} فِي طه {إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ} فِي يس فَجَعَلُوهَا مِائَتَيْنِ وَسِتَّ عَشْرَةَ، وَذِكْرُ هَذِهِ الْأَرْبَعِ فِي بَابِ الزَّوَائِدِ، أَوْلَى لِحَذْفِهَا فِي الرَّسْمِ وَإِنْ كَانَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِهَذَا الْبَابِ مِنْ حَيْثُ فَتْحُهَا، وَإِسْكَانُهَا أَيْضًا وَلِذَلِكَ ذَكَرْنَاهُمْ ثُمَّ. وَأَمَّا {يَا عِبَادِيَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ} فِي الزُّخْرُفِ فَذَكَرْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ تَبَعًا لِلشَّاطِبِيِّ، وَغَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمَصَاحِفَ لَمْ تَجْتَمِعْ عَلَى حَذْفِهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ.
وَيَنْحَصِرُ الْكَلَامُ عَلَى الْيَاءَاتِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا فِي سِتِّ فُصُولٍ:
وَجُمْلَةُ الْوَاقِعِ مِنْ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ يَاءً. وَمِنْ ذَلِكَ فِي الْبَقَرَةِ ثَلَاثٌ إِنِّي أَعْلَمُ مَا، إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ، وَفِي آلِ عِمْرَانَ ثِنْتَانِ {اجْعَلْ لِي آيَةً}، {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ}، وَفِي الْمَائِدَةِ ثِنْتَانِ {إِنِّي أَخَافُ}، {لِي أَنْ أَقُولَ}، وَفِي الْأَنْعَامِ ثِنْتَانِ {إِنِّي أَخَافُ}، {إِنِّي أَرَاكَ}، وَفِي الْأَعْرَافِ: ثِنْتَانِ {إِنِّي أَخَافُ}، {مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ}، وَفِي الْأَنْفَالِ ثِنْتَانِ {إِنِّي أَرَى}، {إِنِّي أَخَافُ}، وَفِي التَّوْبَةِ {مَعِيَ أَبَدًا}، وَفِي يُونُسَ ثِنْتَانِ {لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ}، {إِنِّي أَخَافُ}، وَفِي هُودٍ: إِحْدَى عَشْرَةَ {فَإِنِّي أَخَافُ} مَوْضِعَانِ {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ}، {إِنِّي أَعِظُكَ}، {إِنِّي أَعُوذُ بِكَ}، {فَطَرَنِي أَفَلَا}، {ضَيْفِي أَلَيْسَ}، {إِنِّي أَرَاكُمْ}، {شِقَاقِي أَنْ}، {أَرَهْطِي أَعَزُّ}، وَفِي يُوسُفَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ: {لَيَحْزُنُنِي أَنْ}، {رَبِّي أَحْسَنَ}، {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ}، {إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ}، {إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ}، {لَعَلِّي أَرْجِعُ}، {إِنِّي أَنَا أَخُوكَ}، {يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ}، {إِنِّي أَعْلَمُ}، {سَبِيلِي أَدْعُو}، وَفِي إِبْرَاهِيمَ {إِنِّي أَسْكَنْتُ}، وَفِي الْحِجْرِ ثَلَاثٌ {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي}، {وَقُلْ إِنِّي أَنَا}، وَفِي الْكَهْفِ خَمْسٌ {رَبِّي أَعْلَمُ}، {بِرَبِّي أَحَدًا} مَوْضِعَانِ {فَعَسَى رَبِّي أَنْ}، {مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ}، وَفِي مَرْيَمَ ثَلَاثٌ {اجْعَلْ لِي آيَةً}، {إِنِّي أَعُوَذُ}، {إِنِّي أَخَافُ}، وَفِي طه سِتٌّ {إِنِّي آنَسْتُ}، {لَعَلِّي آتِيكُمْ}، {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ}، {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ}، {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي}، {حَشَرْتِنِي أَعْمَى}، وُفِي الْمُؤْمِنُونَ {لَعَلِّي أَعْمَلُ}، وَفِي الشُّعَرَاءِ ثَلَاثٌ {إِنِّي أَخَافُ} مَوْضِعَانِ وَ{رَبِّي أَعْلَمُ}، وَفِي النَّمْلِ ثَلَاثٌ {إِنِّي آنَسْتُ}، {أَوْزِعْنِي أَنْ}، {لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ}، وَفِي الْقَصَصِ تِسْعٌ {رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي}، {إِنِّي آنَسْتُ}، {لَعَلِّي آتِيكُمْ}، {إِنِّي أَنَا اللَّهُ}، {إِنِّي أَخَافُ}، {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ}، {لَعَلِّي أَطَّلِعُ}، {عِنْدِي أَوَلَمْ}، {رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ}، وَفِي يس {إِنِّي آمَنْتُ}، وَفِي الصَّافَّاتِ ثِنْتَانِ {إِنِّي أَرَى}، {أَنِّي أَذْبَحُكَ}، وَفِي ص {إِنِّي أَحْبَبْتُ}، وَفِي الزُّمَرِ ثِنْتَانِ: {إِنِّي أَخَافُ}، {تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ}، وَفِي غَافِرٍ سَبْعٌ {ذَرُونِي أَقْتُلْ}، {إِنِّي أَخَافُ} ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ {لَعَلِّي أَبْلُغُ}، {مَا لِيَ أَدْعُوكُمْ}، {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، وَفِي الزُّخْرُفِ {مِنْ تَحْتِي أَفَلَا}، وَفِي الدُّخَانِ {إِنِّي آتِيكُمْ}، وَفِي الْأَحْقَافِ {أَرْبَعٌ أَوْزِعْنِي أَنْ}، {أَتَعِدَانِنِي أَنْ}، {إِنِّي أَخَافُ}، {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ}، وَفِي الْحَشْرِ} إِنِّي أَخَافُ}، وَفِي الْمُلْكِ {مَعِيَ}، {أَوْ رَحِمَنَا}، وَفِي نُوحٍ {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ}، وَفِي الْجِنِّ {رَبِّي أَمَدًا}، وَفِي الْفَجْرِ ثِنْتَانِ {رَبِّي أَكْرَمَنِ}، {رَبِّي أَهَانَنِ}. فَاخْتَلَفُوا فِي فَتْحِ الْيَاءِ، وَإِسْكَانِهَا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فَفَتَحَ الْيَاءَ مِنْهُنَّ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ. وَأَسْكَنَهَا الْبَاقُونَ إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ يَاءً عَلَى غَيْرِ هَذَا الِاخْتِلَافِ. فَاخْتَصَّ ابْنُ كَثِيرٍ بِفَتْحِ يَاءَيْنِ مِنْهَا، وَهُمَا {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} فِي الْبَقَرَةِ وَ{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} فِي غَافِرٍ. وَاخْتَصَّ هُوَ وَالْأَصْبَهَانِيُّ بِفَتْحِ يَاءٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ {ذَرُونِي أَقْتُلْ} فِي غَافِرٍ، وَاتَّفَقَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ عَلَى فَتْحِ أَرْبَعِ يَاءَاتٍ وَهُنَّ {حَشَرْتَنِي أَعْمَى}. فِي طه وَ{لِيَجْزِيَ} فِي يُوسُفَ، وَ{تَأْمُرُونِّي} فِي الزُّمَرِ، وَ{أَتَعِدَانِنِي} فِي الْأَحْقَافِ وَاتَّفَقَ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ عَلَى فَتْحِ ثَمَانِ يَاءَاتٍ وَهُنَّ {اجْعَلْ لِي آيَةً} فِي آلِ عِمْرَانَ وَمَرْيَمَ {وَضَيْفِي أَلَيْسَ} فِي هُودٍ وَ{إِنِّي أَرَانِي} كِلَاهُمَا فِي يُوسُفَ وَ{يَأْذَنَ لِي أَبِي} فِيهَا أَيْضًا وَ{مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} فِي الْكَهْفِ {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} فِي طه. وَاتَّفَقَ مَعَهُمُ الْبَزِّيُّ عَلَى فَتْحِ أَرْبَعِ يَاءَاتٍ وَهُنَّ {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ} فِي هُودٍ وَالْأَحْقَافِ وَ{إِنِّي أَرَاكُمْ} فِي هُودٍ، وَ{مِنْ تَحْتِي أَفَلَا} فِي الزُّخْرُفِ. وَانْفَرَدَ الْكَارَزِينِيُّ عَنِ الشَّطَوِيِّ عَنِ ابْنِ شَنَبُوذَ عَنْ قُنْبُلٍ بِفَتْحِ {تَحْتِي أَفَلَا} فَخَالَفَ سَائِرَ الرُّوَاةِ عَنْهُ وَاتَّفَقَ نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ عَلَى فَتْحِ يَاءَيْنِ، وَهُمَا {سَبِيلِي أَدْعُو} فِي يُوسُفَ، وَ{لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ} فِي النَّمْلِ وَاتَّفَقَ مَعَهُمَا الْبَزِّيُّ عَلَى فَتْحِ {فَطَرَنِي أَفَلَا} فِي هُودٍ. وَانْفَرَدَ أَبُو تَغْلِبٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنِ الْقَاضِي أَبِي الْفَرَجِ عَنِ ابْنِ شَنَبُوذَ عَنْ قُنْبُلٍ بِفَتْحِهَا فَخَالَفَ سَائِرَ الرُّوَاةِ عَنِ ابْنِ شَنَبُوذَ، وَغَيْرِهِ. وَاتَّفَقَ نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَمْرٍو أَيْضًا عَلَى فَتْحِ {عِنْدِي}، {أَوَلَمْ} فِي الْقَصَصِ. وَاخْتُلِفَ فِيهَا عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ، فَرَوَى جُمْهُورُ الْمَغَارِبَةِ، وَالْمِصْرِيِّينَ عَنْهُ الْفَتْحَ مِنْ رِوَايَتَيْهِ. وَهُوَ الَّذِي فِي التَّبْصِرَةِ وَالتَّذْكِرَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصَيْنِ، وَالْكَافِي، وَالْعُنْوَانِ، وَغَيْرِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ التَّيْسِيرِ، وَهُوَ الَّذِي قَرَأَ بِهِ الدَّانِيُّ مِنْ رِوَايَتِي الْبَزِّيِّ وَقُنْبُلٍ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْهُمَا فَالْإِسْكَانُ، وَقَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ لِلْبَزِّيِّ بِالْإِسْكَانِ وَلِقُنْبُلٍ بِالْفَتْحِ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُسْتَنِيرِ وَالْإِرْشَادِ وَالْكِفَايَةِ الْكُبْرَى، وَالتَّجْرِيدِ، وَغَايَةِ الِاخْتِصَارِ، وَغَيْرِهَا. وَالْإِسْكَانُ عَنْ قُنْبُلٍ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ عَزِيزٌ. وَقَدْ قَطَعَ بِهِ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي كِفَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شَنَبُوذَ، وَفِي مُبْهِجِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شَنَبُوذَ، وَفِي مُبْهِجِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مُجَاهِدٍ. وَلِذَلِكَ قَطَعَ بِهِ أَبُو الْقَاسِمِ الْهُذَلِيُّ لَهُ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا. وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْهُ، وَكَذَا رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَاحِ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَقَرَةَ، وَغَيْرُهُمْ. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ وَالصَّفْرَاوِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّ الْفَتْحَ عَنِ الْبَزِّيِّ لَمْ يَكُنْ مِنْ طَرِيقِ الشَّاطِبِيَّةِ، وَالتَّيْسِيرِ، وَكَذَلِكَ الْإِسْكَانُ عَنْ قُنْبُلٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَاتَّفَقَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ عَلَى فَتْحِ {لَعَلِّي} حَيْثُ وَقَعَتْ، وَذَلِكَ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ فِي يُوسُفَ وَطَه وَالْمُؤْمِنِينَ وَمَوْضِعَيِ الْقَصَصِ، وَفِي غَافِرٍ وَاتَّفَقَ حَفْصٌ مَعَ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورِينَ عَلَى فَتْحِ {مَعِيَ} فِي الْمَوْضِعَيْنِ: التَّوْبَةِ وَالْمُلْكِ، وَانْفَرَدَ الْهُذَلِيُّ عَنِ الشَّذَائِيِّ عَنِ الرَّمْلِيِّ عَنِ الصُّورِيِّ عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ بِإِسْكَانِ مَوْضِعَيِ الْقَصَصِ. وَانْفَرَدَ أَيْضًا عَنْ زَيْدٍ عَنْهُ بِإِسْكَانِ مَوْضِعِ طه وَاتَّفَقَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَهِشَامٌ، عَلَى فَتْحِ {مَا لِي أَدْعُوكُمْ} فِي غَافِرٍ، وَاخْتُلِفَ عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ فَرَوَاهَا الصُّورِيُّ كَذَلِكَ. وَهُوَ الَّذِي فِي الْإِرْشَادِ وَالْكِفَايَةِ وَغَايَةِ الِاخْتِصَارِ، وَالْجَامِعِ لِابْنِ فَارِسٍ وَالْمُسْتَنِيرِ، وَغَيْرِهَا. وَهُوَ رِوَايَةُ التَّغْلِبِيِّ وَابْنِ الْمُعَلَّى وَابْنِ الْجُنَيْدِ وَابْنِ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ. وَرَوَاهَا الْأَخْفَشُ بِالْإِسْكَانِ، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ فِي الْعُنْوَانِ، وَالتَّجْرِيدِ، وَالتَّيْسِيرِ وَالتَّذْكِرَةِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالْكَافِي، وَسَائِرِ الْمَغَارِبَةِ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمُبْهِجِ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ. وَاتَّفَقَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ ذَكْوَانَ عَلَى فَتْحِ {أَرَهْطِي أَعَزُّ} فِي هُودٍ. اخْتُلِفَ عَنْ هِشَامٍ فَقَطَعَ الْجُمْهُورُ لَهُ بِالْفَتْحِ كَذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُبْهِجِ وَجَامِعِ الْخَيَّاطِ وَالْمُسْتَنِيرِ، وَالْكَامِلِ، وَالْكِفَايَةِ الْكُبْرَى، وَسَائِرِ كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ. وَبِهِ قَرَأَ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ عَلَى غَيْرِ عَبْدِ الْبَاقِي، وَهُوَ طَرِيقُ الدَّاجُونِيِّ فِيهِ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى شَيْخِهِ أَبِي الْفَتْحِ، وَهُوَ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا عَنْ طَرِيقِ التَّيْسِيرِ، وَقَطَعَ بِالْإِسْكَانِ لَهُ صَاحِبُ الْعُنْوَانِ وَالتَّذْكِرَةِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالتَّلْخِيصَيْنِ، وَالْكَافِي، وَالتَّيْسِيرِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَسَائِرُ الْمَغَارِبَةِ، وَالْمِصْرِيِّينَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الدَّانِيِّ، وَقَالَ: إِنَّهُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ قَرَأَ بِالْفَتْحِ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ، وَبِهِ قَرَأَ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي يَعْنِي مِنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ، وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ وَالْفَتْحُ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاخْتَصَّ الْبَزِّيُّ وَالْأَزْرَقُ عَنْ وَرْشٍ، بِفَتْحِ يَاءِ {أَوْزِعْنِي} فِي النَّمْلِ وَالْأَحْقَافِ، وَانْفَرَدَ بِذَلِكَ الْهُذَلِيُّ عَنْ أَبِي نَشِيطٍ فَخَالَفَ سَائِرَ النَّاسِ؛ وَالْبَاقِي مِنَ الْيَاءَاتِ، وَهُوَ أَرْبَعٌ وَسَتُّونَ يَاءً فَهُمْ فِيهَا عَلَى أُصُولِهِمُ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى إِسْكَانِ أَرْبَعِ يَاءَاتٍ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ، وَهِيَ {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} فِي الْأَعْرَافِ {وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا} فِي التَّوْبَةِ {وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ} فِي هُودٍ، وَ{فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ} فِي مَرْيَمَ، فَلَمْ يَأْتِ عَنْهُمْ فِيهَا خِلَافٌ. فَقِيلَ لِلتَّنَاسُبِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا وَقَعَتْ بَعْدَ مُسَكَّنٍ إِجْمَاعًا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى فَتْحِ {عَصَايَ أَتَوَكَّأُ}، وَ{إِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا} وَنَحْوَ {بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ} لِضَرُورَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَجُمْلَةُ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ مِنَ الْيَاءَاتِ الَّتِي بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَكْسُورَةٌ مِنْ ذَلِكَ اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ يَاءً فِي الْبَقَرَةِ {مِنِّي إِلَّا}، وَفِي آلِ عِمْرَانَ ثِنْتَانِ {مِنِّي إِنَّكَ}، وَ{أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}، وَفِي الْمَائِدَةِ ثِنْتَانِ {يَدِيَ إِلَيْكَ}، {وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ}، وَفِي الْأَنْعَامِ {رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ}، وَفِي يُونُسَ ثَلَاثٌ {نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ}، وَ{رَبِّي إِنَّهُ}، وَ{أَجْرِيَ إِلَّا}، وَفِي هُودٍ سِتٌّ {عَنِّي إِنَّهُ}، {أَجْرِيَ إِلَّا} فِي مَوْضِعَيْنِ {إِنِّي إِذًا}، {نُصْحِي إِنْ}، {تَوْفِيقِي إِلَّا}، وَفِي يُوسُفَ ثَمَانِ {رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ}، {آبَائِي إِبْرَاهِيمَ}، {نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ}، {رَحِمَ رَبِّي إِنَّ}، {وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}، {رَبِّي إِنَّهُ هُوَ}، {بِي إِذْ أَخْرَجَنِي}، {وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ}، وَفِي الْحِجْرِ {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ}، وَفِي الْإِسْرَاءِ {رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا}، وَفِي الْكَهْفِ {سَتَجِدُنِي إِنْ}. وَفِي مَرْيَمَ {رَبِّي إِنَّهُ كَانَ}، وَفِي طه ثَلَاثٌ {لِذِكْرِي إِنَّ}، وَ{عَلَى عَيْنِي إِذْ}، {وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ}، وَفِي الْأَنْبِيَاءِ {إِنِّي إِلَهٌ}، وَفِي الشُّعَرَاءِ ثَمَانِ {بِعِبَادِي إِنَّكُمْ}، {عَدُوًّا لِي إِلَّا}، {وَلِأَبِي إِنَّهُ}، {أَجْرِيَ إِلَّا} فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ. وَفِي الْقَصَصِ {سَتَجِدُنِي إِنْ}، وَفِي الْعَنْكَبُوتِ {إِلَى رَبِّي إِنَّهُ}، وَفِي سَبَأٍ ثِنْتَانِ {أَجْرِيَ إِلَّا}، {رَبِّي إِنَّهُ}، وَفِي يس {إِنِّي إِذًا}، وَفِي الصَّافَّاتِ {سَتَجِدُنِي إِنْ}، وَفِي ص ثِنْتَانِ {بَعْدِي إِنَّكَ}، {لَعْنَتِي إِلَى}، وَفِي غَافِرٍ {أَمْرِي إِلَى اللَّهِ}، وَفِي فُصِّلَتْ {إِلَى رَبِّي إِنَّ}، وَفِي الْمُجَادِلَةِ {وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ}، وَفِي الصَّفِّ: {أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}، وَفِي نُوحٍ {دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا}. فَاخْتَلَفُوا فِي فَتْحِ الْيَاءِ، وَإِسْكَانِهَا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ. فَفَتَحَهَا نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَأَسْكَنَهَا الْبَاقُونَ إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ يَاءً عَلَى غَيْرِ هَذَا الِاخْتِلَافِ. فَفَتَحَ نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَحْدَهُمَا ثَمَانِي يَاءَاتٍ وَهُنَّ {أَنْصَارِي إِلَى} فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِي آلِ عِمْرَانَ وَالصَّفِّ وَ{بِعِبَادِي إِنَّكُمْ} فِي الشُّعَرَاءِ وَ{سَتَجِدُنِي إِنْ} فِي الثَّلَاثَةِ: الْكَهْفِ، وَالْقَصَصِ وَالصَّافَّاتِ وَ{بَنَاتِي إِنْ} فِي الْحِجْرِ {لَعْنَتِي إِلَى} فِي ص وَاتَّفَقَ نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ عَلَى فَتْحِ {رُسُلِي إِنَّ {فِي الْمُجَادِلَةِ. وَاتَّفَقَ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَحَفْصٌ عَلَى فَتْحِ إِحْدَى عَشْرَةَ يَاءٍ، وَهِيَ أَجْرِيَ فِي الْمَوَاضِعِ التِّسْعَةِ يُونُسَ وَمَوْضِعَيْ هُودٍ وَخَمْسَةِ الشُّعَرَاءِ وَمَوْضِعِ سَبَأٍ {وَيَدِيَ إِلَيْكَ}، {أُمِّيَ إِلَهَيْنِ}، وَكِلَاهُمَا فِي الْمَائِدَةِ. وَوَافَقَهُمُ ابْنُ عَامِرٍ فِي {أُمِّيَ وَأَجْرِيَ} وَاتَّفَقَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ عَلَى فَتْحِ يَاءَيْنِ، وَهُمَا {آبَائِي إِبْرَاهِيمَ} فِي يُوسُفَ وَ{دُعَائِي إِلَّا} فِي نُوحٍ، وَاتَّفَقَ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ عَلَى فَتْحِ {تَوْفِيقِي إِلَّا} فِي هُودٍ وَ{حُزْنِي إِلَى اللَّهِ} فِي يُوسُفَ وَاخْتَصَّ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْأَزْرَقُ عَنْ وَرْشٍ، بِفَتْحِ يَاءٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ {إِخْوَتِي إِنَّ} فِي يُوسُفَ، وَانْفَرَدَ أَبُو عَلِيٍّ الْعَطَّارُ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ سَوَّارٍ عَنِ النَّهْرَوَانِيِّ عَنْ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ وَرْشٍ، وَعَنِ الْحُلْوَانِيِّ عَنْ قَالُونَ بِفَتْحِهَا أَيْضًا فَخَالَفَ سَائِرَ الرُّوَاةِ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ. وَالْعَجَبُ مِنَ الْحَافِظِ أَبِي الْعَلَاءِ كَيْفَ ذَكَرَ فَتْحَهَا مِنْ طَرِيقِ النَّهْرَوَانِيِّ عَلَى الْأَصْبَهَانِيِّ، وَهُوَ لَمْ يَقْرَأْ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ إِلَّا عَلَى أَبِي الْعِزِّ الْقَلَانِسِيِّ؟ وَلَمْ يَذْكُرِ الْفَتْحَ أَبُو الْعِزِّ فِي كُتُبِهِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا {إِلَى رَبِّي إِنَّ {فِي فُصِّلَتْ فَهُمْ فِيهَا عَلَى أُصُولِهِمْ إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِيهَا عَنْ قَالُونَ، فَرَوَى الْجُمْهُورُ عَنْهُ فَتْحَهَا عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرِ الْعِرَاقِيُّونَ قَاطِبَةً عَنْهُ سِوَاهُ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْكَامِلِ أَيْضًا، وَالْكَافِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّجْرِيدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِ الْمَغَارِبَةِ، وَرَوَى عَنْهُ الْآخَرُونَ إِسْكَانَهَا، وَهُوَ الَّذِي فِي تَلْخِيصِ الْعِبَارَاتِ، وَالْعُنْوَانِ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي التَّيْسِيرِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَالتَّذْكِرَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: رُوِيَ عَنْ قَالُونَ الْإِسْكَانُ وَالَّذِي قَرَأْتُ لَهُ بِالْفَتْحِ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ غَلْبُونَ فِي التَّذْكِرَةِ: وَاخْتُلِفَ فِيهَا عَنْ قَالُونَ، فَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ عَنْ قَالُونَ بِالْفَتْحِ، وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي عَنْ قَالُونَ بِالْإِسْكَانِ قَالَ: وَقَدْ قَرَأْتُ لَهُ بِالْوَجْهَيْنِ، وَبِهِمَا آخُذُ. وَقَالَ الدَّانِيُّ فِي الْمُفْرَدَاتِ: وَأَقْرَأَنِي أَبُو الْفَتْحِ وَأَبُو الْحَسَنِ عَنْ قِرَاءَتِهِمَا {إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ} بِالْفَتْحِ وَالْإِسْكَانِ جَمِيعًا. وَنَصَّ عَلَى الْفَتْحِ عَنْ قَالُونَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَأَحْمَدُ بْنُ يَزِيدٍ، وَنَصَّ عَلَى الْإِسْكَانِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْكِسَائِيُّ. وَقَالَ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ: وَقَرَأْتُهَا عَلَى أَبِي الْفَتْحِ فِي رِوَايَةِ قَالُونَ مِنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ وَالشَّحَّامِ وَأَبِي نَشِيطٍ بِالْوَجْهَيْنِ. قُلْتُ: وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ عَنْ قَالُونَ قَرَأْتُ بِهِمَا، وَبِهِمَا آخُذُ غَيْرَ أَنَّ الْفَتْحَ أَشْهَرُ، وَأَكْثَرُ وَقِيسَ بِمَذْهَبِهِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْبَاقِي مِنْ يَاءَاتِ هَذَا الْفَصْلِ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ يَاءً هُمْ فِيهَا عَلَى أُصُولِهِمُ الْمَذْكُورَةِ، أَوَّلًا. وَاتَّفَقُوا عَلَى: إِسْكَانِ تِسْعِ يَاءَاتٍ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ، وَهِيَ فِي الْأَعْرَافِ {أَنْظِرْنِي إِلَى}، وَفِي الْحِجْرِ {فَأَنْظِرْنِي إِلَى} وَمِثْلُهَا فِي ص. وَفِي يُوسُفَ {يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}، وَفِي الْقَصَصِ {يُصَدِّقُنِي إِنِّي}، وَفِي الْمُؤْمِنِ ثِنْتَانِ {وَتَدْعُونَنِي إِلَى}، {وَتَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}، وَفِي الْأَحْقَافِ {ذُرِّيَّتِي إِنِّي}، وَفِي الْمُنَافِقِينَ {أَخَّرْتِنِي إِلَى} فَقِيلَ لِثِقَلِ كَثْرَةِ الْحُرُوفِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى فَتْحِ {أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ}، وَ{رُؤْيَايَ إِنْ} وَنَحْوَ {فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} مِنْ أَجْلِ ضَرُورَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ عَشْرُ يَاءَاتٍ، الَّتِي بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَضْمُومَةٌ وَهِيَ فِي آلِ عِمْرَانَ {وَإِنِّي أُعِيذُهَا}، وَفِي الْمَائِدَةِ ثِنْتَانِ {إِنِّي أُرِيدُ}، {فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ}، وَفِي الْأَنْعَامِ {إِنِّي أُمِرْتُ}، وَفِي الْأَعْرَافِ {عَذَابِي أُصِيبَ}، وَفِي هُودٍ {إِنِّي أُشْهِدُ}، وَفِي يُوسُفَ {أَنِّي أُوفِي}، وَفِي النَّمْلِ {إِنِّي أُلْقِي}، وَفِي الْقَصَصِ: {إِنِّي أُرِيدُ}، وَفِي الزُّمَرِ {إِنِّي أُمِرْتُ} فَفَتَحَ الْيَاءَ فِيهِنَّ نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ إِلَّا {أَنِّي أُوفِي} فَإِنَّهُ اخْتَلَفَ فِيهَا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، فَرَوَى عَنْهُ فَتْحَهَا ابْنُ الْعَلَّافِ وَابْنُ هَارُونَ وَهِبَةُ اللَّهِ وَالْحَمَّامِيُّ كُلُّهُمْ عَنِ الْحُلْوَانِيِّ عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَغَازِلِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَوْهَرِيُّ، وَكِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ رُزَيْنٍ عَنِ الْهَاشِمِيِّ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَهْرَامَ عَنِ ابْنِ بِدَارٍ النَّفَّاخِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ نَهْشَلٍ الْأَنْصَارِيِّ كِلَاهُمَا عَنِ الدُّورِيِّ كِلَاهُمَا أَعْنِي الْهَاشِمِيِّ وَالدُّورِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ جَمَّازٍ، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ أَبُو الْقَاسِمِ الْهُذَلِيُّ وَأَبُو الْعِزِّ وَابْنُ سَوَّارٍ، مِنَ الطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ، وَرَوَى عَنْهُ الْإِسْكَانَ أَبُو الْفَرَجِ النَّهْرَوَانِيُّ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مِهْرَانَ كِلَاهُمَا عَنِ الْحُلْوَانِيِّ عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ، وَكَذَا رَوَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْأُشْنَانِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْمُطَّوِّعِيُّ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ رَزِينٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ الشَّمُونِيُّ كِلَاهُمَا عَنِ الْهَاشِمِيِّ، وَرَوَاهُ الْمُطَّوِّعِيُّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ النَّفَّاخِ عَنِ الدُّورِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ جَمَّازٍ، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ وَأَبُو الْعِزِّ بْنُ سَوَّارٍ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ فَارِسٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَرَأْتُ بِهِمَا لَهُ، وَبِهِمَا آخُذُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَاتَّفَقُوا عَلَى إِسْكَانِ يَاءَيْنِ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ، وَهُمَا فِي الْبَقَرَةِ {بِعَهْدِي أُوفِ}، وَفِي الْكَهْفِ {آتُونِي أُفْرِغْ} قِيلَ لِكَثْرَةِ حُرُوفِهَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ يَاءً الَّتِي بَعْدَهَا هَمْزَةُ وَصْلٍ مَعَ لَامِ تَعْرِيفٍ: فِي الْبَقَرَةِ ثِنْتَانِ {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}، وَ{رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}، وَفِي الْأَعْرَافِ ثِنْتَانِ {حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ}، وَ{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ}، وَفِي إِبْرَاهِيمَ {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا}، وَفِي مَرْيَمَ {آتَانِيَ الْكِتَابُ}، وَفِي الْأَنْبِيَاءِ ثِنْتَانِ {عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}، وَ{مَسَّنِيَ الضُّرُّ}، وَفِي مَرْيَمَ {آتَانِيَ الْكِتَابَ}، وَفِي الْأَنْبِيَاءِ ثِنْتَانِ {عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}، وَ{مَسَّنِيَ الضُّرُّ}، وَفِي الْعَنْكَبُوتِ {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا}، وَفِي سَبَأٍ {عِبَادِيَ الشَّكُورُ}، وَفِي ص {مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ}، وَفِي الزُّمَرِ ثِنْتَانِ {إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ}، وَ: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا}، وَفِي الْمُلْكِ {إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ} فَاخْتُصَّ حَمْزَةُ بِإِسْكَانِ يَاءَاتِهَا كُلِّهَا، وَوَافَقَهُ حَفْصٌ فِي {عَهْدِي الظَّالِمِينَ}، وَابْنُ عَامِرٍ {فِي آيَاتِي الَّذِينَ} فِي الْأَعْرَافِ، وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَرَوْحٌ فِي {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ} فِي إِبْرَاهِيمَ، وَأَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ وَخَلَفٌ فِي {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} فِي الْعَنْكَبُوتِ وَالزُّمَرِ، وَانْفَرَدَ الْهُذَلِيُّ عَنِ النَّخَّاسِ عَنْ رُوَيْسٍ فِي {عِبَادِيَ الشَّكُورُ} فِي سَبَأٍ فَخَالَفَ سَائِرَ الرُّوَاةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى فَتْحِ مَا بَقِيَ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ، وَهُوَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ يَاءً كَمَا تَقَدَّمَ، أَوَّلَ الْبَابِ.
وَجُمْلَتُهَا سَبْعُ يَاءَاتٍ الَّتِي بَعْدَهَا هَمْزَةُ وَصْلٍ مُجَرَّدَةٌ عَنِ اللَّامِ فِي الْأَعْرَافِ {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ}، وَفِي طه ثَلَاثُ يَاءَاتٍ {أَخِي اشْدُدْ}، وَ{نَفْسِي اذْهَبْ}، وَفِي {ذِكْرِي اذْهَبَا}، وَفِي الْفُرْقَانِ ثِنْتَانِ {يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ}، وَ{إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا}، وَفِي الصَّفِّ {مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ} فَفَتَحَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ}، {أَخِي اشْدُدْ} وَفَتَحَ أَبُو عَمْرٍو {يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ} وَفَتَحَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ {لِنَفْسِي اذْهَبْ}، {فِي ذِكْرِي اذْهَبَا} وَفَتَحَ نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَالْبَزِّيُّ وَرَوْحٌ {إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا} وَفَتَحَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ وَأَبُو بَكْرٍ {بَعْدِي اسْمُهُ}. وَانْفَرَدَ أَبُو الْفَتْحِ فَارِسُ عَنْ رَوْحٍ فِيمَا ذَكَرَهُ الدَّانِيُّ وَابْنُ الْفَحَّامِ بِإِسْكَانِهَا، وَلَمْ يَأْتِ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ يَاءٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِفَتْحٍ، وَلَا إِسْكَانٍ؛ وَهَذَا الْفَصْلُ عِنْدَ ابْنِ عَامِرٍ، وَمَنْ وَافَقَهُ سِتُّ يَاءَاتٍ لِقَطْعِهِ هَمْزَةَ {اشْدُدْ} وَفَتْحِهَا فَهِيَ عِنْدُهُ تُلْحَقُ بِالْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَسَيَأْتِي التَّنْصِيصُ عَلَيْهَا فِي مَوْضِعِهَا مِنْ سُورَةِ طه- إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فِي الْيَاءَاتِ الَّتِي لَمْ يَقَعْ بَعْدَهَا هَمْزَةُ قَطْعٍ، وَلَا وَصْلٍ، بَلْ حَرْفٌ مِنْ بَاقِي حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، وَجُمْلَةُ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثُونَ يَاءً، وَهِيَ فِي الْبَقَرَةِ ثِنْتَانِ {بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ}، {وَبِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، وَفِي آلِ عِمْرَانَ {وَجْهِيَ لِلَّهِ}، وَفِي الْأَنْعَامِ أَرْبَعٌ {وَجْهِيَ لِلَّذِي}، وَ{صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا}، {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ}، وَفِي الْأَعْرَافِ {مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}، وَفِي التَّوْبَةِ {مَعِيَ عَدُوًّا}، وَفِي إِبْرَاهِيمَ {وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ}، وَفِي الْكَهْفِ ثَلَاثٌ وَهُنَّ {مَعِيَ صَبْرًا}، وَفِي مَرْيَمَ {وَرَائِي وَكَانَتِ}، وَفِي طه وَلِيَ فِيهَا {مَآرِبُ أُخْرَى}، وَفِي الْأَنْبِيَاءِ {ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ}، وَفِي الْحَجِّ {بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ}، وَفِي الشُّعَرَاءِ {مَعِيَ رَبِّي}، وَفِيهَا {مَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، وَفِي النَّمْلِ {مَا لِيَ لَا أَرَى}، وَفِي الْقَصَصِ {مَعِيَ رِدْءًا}، وَفِي الْعَنْكَبُوتِ {أَرْضِي وَاسِعَةٌ}، وَفِي يس {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ}، وَفِي ص ثِنْتَانِ {وَلِيَ نَعْجَةٌ}، وَ{مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ}، وَفِي فُصِّلَتْ {شُرَكَائِي قَالُوا}، وَفِي الدُّخَانِ {وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ}، وَفِي نُوحٍ {بَيْتِيَ مُؤْمِنًا}، وَفِي الْكَافِرِينَ {وَلِيَ دِينِ} وَتَتِمَّةُ الثَّلَاثِينَ {يَا عِبَادِيَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ} فِي الزُّخْرُفِ فَفَتَحَ هِشَامٌ وَحَفْصٌ {بَيْتِيَ} فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ مِنَ الْبَقَرَةِ وَالْحَجِّ وَنُوحٍ، وَوَافَقَهُمَا نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ فِي الْبَقَرَةِ وَالْحَجِّ وَفَتَحَ وَرْشٌ، {بِي لَعَلَّهُمْ} فِي الْبَقَرَةِ وَ{لِي فَاعْتَزِلُونِ} فِي الدُّخَانِ. وَفَتَحَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَحَفْصٌ {وَجْهِيَ} فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَفَتَحَ ابْنُ عَامِرٍ {صِرَاطِي} فِي الْأَنْعَامِ وَ{أَرْضِي} فِي الْعَنْكَبُوتِ وَسَكَّنَ أَبُو جَعْفَرٍ وَقَالُونُ وَالْأَصْبَهَانِيُّ عَنْ وَرْشٍ الْيَاءَ مِنْ {مَحْيَايَ}، وَهِيَ مِمَّا قَبْلُ الْيَاءِ فِيهِ أَلِفٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي سِوَاهَا، وَاخْتُلِفَ عَنْ وَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ عَنْهُ فَقَطَعَ بِالْخِلَافِ لَهُ فِيهَا صَاحِبُ التَّيْسِيرِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالْكَافِي، وَابْنُ بَلِّيمَةَ وَالشَّاطِبِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَطَعَ لَهُ بِالْإِسْكَانِ صَاحِبُ الْعُنْوَانِ، وَشَيْخُهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ غَلْبُونَ وَأَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيُّ وَالْمَهْدَوِيُّ بْنُ سُفْيَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَبِهِ قَرَأَ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي عَنْ وَالِدِهِ، وَبِذَلِكَ قَرَأَ أَيْضًا أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ عَلَى خَلَفِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَاقَانِيِّ وَطَاهِرِ بْنِ غَلْبُونَ. قَالَ الدَّانِيُّ: وَعَلَى ذَلِكَ عَامَّةُ أَهْلِ الْأَدَاءِ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ وَرْشٌ عَنْ نَافِعٍ أَدَاءً وَسَمَاعًا قَالَ: وَالْفَتْحُ اخْتِيَارٌ مِنْهُ اخْتَارَهُ لِقُوَّتِهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ قَالَ: وَبِهِ قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ فِي رِوَايَةِ الْأَزْرَقِ عَنْهُ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ، وَبِهِ كَانَ يَأْخُذُ أَبُو غَانِمٍ الْمُظَفَّرُ بْنُ أَحْمَدَ صَاحِبُ هِلَالٍ، وَمَنْ يَأْخُذُ عَنْهُ فِيمَا بَلَغَنِي. قُلْتُ: وَبِالْفَتْحِ أَيْضًا قَرَأَ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ ابْنُ نَفِيسٍ عَنْ أَصْحَابِهِ عَنِ الْأَزْرَقِ، وَعَلَى عَبْدِ الْبَاقِي عَنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ عِرَاكٍ عَنِ ابْنِ هِلَالٍ. وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ عَنْ وَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ إِلَّا أَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ نَافِعٍ بِالْإِسْكَانِ وَاخْتِيَارَهُ لِنَفْسِهِ الْفَتْحَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَقِيلَ، بَلْ لِأَنَّهُ رَوَى عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ أَوَّلًا كَانَ يَقْرَأُ {وَمَحْيَايَ} سَاكِنَةَ الْيَاءِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى تَحْرِيكِهَا، وَرَوَى ذَلِكَ الْحَمْرَاوِيُّ عَنْ أَبِي الْأَزْهَرِ عَنْ وَرْشٍ. وَانْفَرَدَ ابْنُ بَلِّيمَةَ بِإِجْرَاءِ الْوَجْهَيْنِ عَنْ قَالُونَ، وَهُوَ ظَاهِرُ التَّجْرِيدِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ عَنْهُ، بَلِ الصَّوَابُ عَنْهُ بِالْإِسْكَانِ. وَانْفَرَدَ أَبُو الْعِزِّ الْقَلَانِسِيُّ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَلِيٍّ الْوَاسِطِيِّ عَنِ النَّهْرَوَانِيِّ عَنْ أَبِي وَرْدَانَ بِفَتْحِ الْيَاءِ كَقِرَاءَةِ الْبَاقِينَ فَخَالَفَ فِي ذَلِكَ سَائِرَ الرُّوَاةِ عَنِ النَّهْرَوَانِيِّ كَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ فَارِسٍ وَأَبِي عَلِيٍّ الشَّرْمَقَانِيِّ وَأَبِي عَلِيٍّ الْعَطَّارِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شَابُورٍ وَأَبِي عَلِيٍّ الْمَالِكِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، بَلِ الَّذِينَ رَوَوْا ذَلِكَ عَنْ أَبِي الْعِزِّ، نَفْسِهِ خَالَفُوهُ فِي ذَلِكَ كَالْحَافِظِ أَبِي الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيِّ، وَغَيْرِهِ فَالصَّحِيحُ رِوَايَتُهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ هُوَ الْإِسْكَانُ كَمَا قَطَعَ بِهِ ابْنُ سَوَّارٍ وَالْهُذَلِيُّ وَابْنُ مِهْرَانَ وَابْنُ فَارِسٍ وَأَبُو الْعَلَاءِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ وَالشَّهْرَزُورِيُّ وَابْنُ شَيْطٍ، وَغَيْرُهُمْ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفَتَحَ نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ {وَمَمَاتِيَ لِلَّهِ} وَفَتَحَ حَفْصٌ أَرْبَعَ عَشْرَةَ يَاءً، وَهِيَ {مَعِيَ} فِي الْمَوَاضِعِ التِّسْعَةِ فِي الْأَعْرَافِ وَالتَّوْبَةِ، وَثَلَاثَةٍ فِي الْكَهْفِ، وَفِي الْأَنْبِيَاءِ وَمَوْضِعَيِ الشُّعَرَاءِ، وَفِي الْقَصَصِ. وَ{لِيَ} فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: فِي إِبْرَاهِيمَ وَطَه وَمَوْضِعَيْ ص، وَفِي الْكَافِرِينَ وَافَقَهُ وَرْشٌ فِي {وَمَنْ مَعِيَ} فِي الشُّعَرَاءِ. وَوَافَقَهُ فِي {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ} فِي طه الْأَزْرَقُ عَنْ وَرْشٍ. وَافَقَهُ فِي {وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} فِي ص هِشَامٌ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ فَقَطَعَ لَهُ بِالْإِسْكَانِ صَاحِبُ الْعُنْوَانِ، وَالْكَافِي، وَالتَّبْصِرَةِ، وَتَلْخِيصِ ابْنِ بَلِّيمَةَ، وَالتَّيْسِيرِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّجْرِيدِ، وَالتَّذْكِرَةِ، وَسَائِرُ الْمَغَارِبَةِ، وَالْمِصْرِيِّينَ، وَقَطَعَ بِهِ لِلدَّاجُونِيِّ عَنْهُ أَبُو الْعَلَاءِ الْحَافِظُ وَابْنُ فَارِسٍ وَأَبُو الْعِزِّ، وَكَذَلِكَ ابْنُ سَوَّارٍ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ ابْنِ الْعَلَّافِ عَنِ الْحُلْوَانِيِّ، وَقَطَعَ لَهُ بِالْفَتْحِ صَاحِبُ الْمُبْهِجِ وَالْمُفِيدِ، وَأَبُو مَعْشَرٍ الطَّبَرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَكَذَلِكَ قَطَعَ بِهِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ غَيْرُ وَاحِدٍ كَالْحَافِظِ أَبِي الْعَلَاءِ وَأَبِي الْعِزِّ وَابْنِ فَارِسٍ وَأَبِي بَكْرٍ الشَّذَائِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَرَوَاهُ ابْنُ سَوَّارٍ عَنِ ابْنِ الْعَلَّافِ مِنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ. وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ عَنْ هِشَامٍ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَوَافَقَهُ فِي {وَلِيَ دِينِ} فِي الْكَافِرِينَ نَافِعٌ وَهِشَامٌ. وَاخْتُلِفَ عَنِ الْبَزِّيِّ، فَرَوَى عَنْهُ الْفَتْحَ جَمَاعَةٌ، وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْعُنْوَانِ وَالْمُجْتَبَى، وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْعُنْوَانِ وَالْمُجْتَبَى، وَالْكَامِلِ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَبِيعَةَ وَابْنِ الْحُبَابِ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ عَنْ قِرَاءَتِهِ عَنِ السَّامَرِّيِّ عَنِ ابْنِ الصَّبَاحِ عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْهُ، وَهِيَ رِوَايَةُ اللِّهْبِيِّينَ وَمُضَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْبَزِّيِّ. وَرَوَى عَنْهُ الْجُمْهُورُ الْإِسْكَانَ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ مُخَلَّدٍ، وَغَيْرِهِ عَنِ الْبَزِّيِّ، وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو رَبِيعَةَ فِي كِتَابِهِ عَنِ الْبَزِّيِّ وَقُنْبُلٌ جَمِيعًا، وَبِهِ الدَّانِيُّ عَلَى الْفَارِسِيِّ عَنْ قِرَاءَتِهِ بِذَلِكَ عَنِ النَّقَّاشِ عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْهُ وَهَذِهِ طَرِيقُ التَّيْسِيرِ، وَقَالَ فِيهِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ بِهِ وَآخُذُ. وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا ابْنُ بَلِّيمَةَ، وَغَيْرُهُ، وَقَطَعَ بِالْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالتَّذْكِرَةِ، وَالْبَصْرَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّجْرِيدِ، وَتَلْخِيصِ أَبِي مَعْشَرٍ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَغَيْرِهِ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ بْنِ غَلْبُونَ. وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ عَنْهُ وَالْإِسْكَانُ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفَتَحَ ابْنُ كَثِيرٍ يَاءَيْنِ، وَهُمَا {مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ} فِي مَرْيَمَ، وَ{شُرَكَائِي قَالُوا} فِي فُصِّلَتْ. وَفَتَحَ ابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ، {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} فِي النَّمْلِ. وَاخْتُلِفَ عَنْ هِشَامٍ وَابْنِ وَرْدَانَ. أَمَّا هِشَامٌ، فَرَوَى الْجُمْهُورُ عَنْهُ الْفَتْحَ، وَهُوَ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ قَاطِبَةً، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحُلْوَانِيِّ عَنْهُ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمُبْهِجِ وَالتَّلْخِيصَيْنِ، وَغَيْرِهَا. وَقَرَأَ فِي التَّجْرِيدِ عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي يَعْنِي مِنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ، وَرَوَى الْآخَرُونَ عَنْهُ الْإِسْكَانَ، وَهُوَ رِوَايَةُ الدَّاجُونِيِّ عَنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ ابْنُ مِهْرَانَ، وَنَصَّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا مِنَ الطَّرِيقَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ صَاحِبُ الْجَامِعِ وَالْمُسْتَنِيرِ، وَالْكِفَايَةِ، وَالْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ، وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ، وَغَيْرُهُمْ، وَبِهِ قَرَأَ فِي التَّجْرِيدِ عَلَى الْفَارِسِيِّ مِنْ طَرِيقَيِ الْحُلْوَانِيِّ وَالدَّاجُونِيِّ وَشَذَّ النَّقَّاشُ عَنِ الْأَخْفَشِ عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ فَفَتَحَهَا فَخَالَفَ سَائِرَ الرُّوَاةِ، وَخَالَفَهُ أَيْضًا جَمِيعُ أَهْلِ الْأَدَاءِ حَتَّى الْآخَرِينَ عَنْهُ وَالصَّوَابُ عَنْهُ هُوَ السُّكُونُ كَمَا أَجْمَعَ الرُّوَاةُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا ابْنُ وَرْدَانَ، فَرَوَى الْجُمْهُورُ عَنْهُ الْإِسْكَانَ، وَرَوَى النَّهْرَوَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ الْفَتْحَ، وَعَلَى ذَلِكَ أَصْحَابُهُ قَاطِبَةً كَأَبِي عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيِّ وَأَبِي عَلِيٍّ الْوَاسِطِيِّ وَأَبِي عَلِيٍّ الْمَالِكِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ فَارِسٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شَابُورٍ الْعَطَّارِ وَالشَّرْمَقَانِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَنَصَّ عَلَيْهِ مِنَ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ أَبُو الْعِزِّ الْقَلَانِسِيُّ وَابْنُ سَوَّارٍ، وَصَاحِبُ الْجَامِعِ، وَالْكَامِلُ، وَالْحَافِظُ، وَأَبُو الْعَلَاءِ، وَغَيْرُهُمْ، وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ عَنْهُ غَيْرَ أَنَّ الْإِسْكَانَ أَشْهَرُ، وَأَكْثَرُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَكَّنَ حَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ وَخَلَفٌ، {مَا لِيَ لَا أَعْبُدُ} فِي يس. وَاخْتُلِفَ عَنْ هِشَامٍ، فَرَوَى الْجُمْهُورُ عَنْهُ الْفَتْحَ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَعْرِفُ الْمَغَارِبَةُ غَيْرَهُ. وَرَوَى جَمَاعَةٌ عَنْهُ الْإِسْكَانَ، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ الدَّاجُونِيِّ كَأَبِي طَاهِرِ بْنِ سَوَّارٍ وَأَبِي الْعِزِّ الْقَلَانِسِيِّ وَأَبِي عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ فَارِسٍ وَأَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ نَصْرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَارِسِيِّ، وَبِهِ عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ وَانْعَكَسَ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْهُذَلِيِّ فَذَكَرَهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ عَنْهُ وَصَوَابُهُ مِنْ طَرِيقِ الدَّاجُونِيِّ وَأَنَّ الْفَتْحَ مِنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ} فِي الزُّخْرُفِ فَاخْتَلَفُوا فِي إِثْبَاتِ يَائِهَا، وَفِي حَذْفِهَا، وَفِي فَتْحِهَا، وَإِسْكَانِهَا، وَذَلِكَ تَبَعٌ لِرَسْمِهَا فِي الْمَصَاحِفِ فَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ مَحْذُوفَةٌ فِي الْمَصَاحِفِ الْعِرَاقِيَّةِ وَالْمَكِّيَّةِ. فَأَثْبَتَ الْيَاءَ سَاكِنَةً وَصْلًا نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَرُوَيْسٌ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ أَبِي الطَّيِّبِ وَوَقَفُوا عَلَيْهَا كَذَلِكَ وَأَثْبَتَهَا مَفْتُوحَةً وَصْلًا أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ عَنْ رُوَيْسٍ وَوَقَفَا أَيْضًا عَلَيْهَا بِالْيَاءِ وَحَذَفَهَا الْبَاقُونَ فِي الْحَالَيْنِ، وَهُمُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ وَحَفْصٌ وَرَوْحٌ، وَانْفَرَدَ ابْنُ مِهْرَانَ عَنْ رَوْحٍ بِإِثْبَاتِهَا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْهُذَلِيُّ، وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْأَدَاءِ قَاطِبَةً. وَشَذَّ الْهُذَلِيُّ بِحَذْفِهَا عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَقْفًا، وَهُوَ وَهِمٌ فَإِنَّهُ ظَنَّ أَنَّهَا عِنْدَهُ مِنَ الزَّوَائِدِ فَأَجْرَاهَا مُجْرَى الزَّوَائِدِ فِي مَذْهَبِهِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ مِنَ الزَّوَائِدِ، بَلْ هِيَ عِنْدَهُ مِنْ يَاءَاتِ الْإِضَافَةِ فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ رَآهَا ثَابِتَةً فِي مَصَاحِفِ الْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَإِذَا كَانَتْ عِنْدَهُ ثَابِتَةً وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مِنْ يَاءَاتِ الْإِضَافَةِ، وَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ وَجَبَ إِثْبَاتُهَا فِي الْحَالَيْنِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاتَّفَقُوا عَلَى إِسْكَانِ مَا بَقِيَ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَسِتٌّ وَسِتُّونَ يَاءً كَمَا تَقَدَّمَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْأَوَّلُ: إِنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ مَخْصُوصٌ بِحَالَةِ الْوَصْلِ، وَإِذَا سَكَنَتِ الْيَاءُ أُجْرِيَتْ مَعَ هَمْزَةِ الْقَطْعِ مُجْرَى الْمَدِّ الْمُنْفَصِلِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهِ فِي بَابِهِ فَإِذَا سَكَنَتْ مَعَ هَمْزَةِ الْوَصْلِ حُذِفَتْ وَصْلًا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
الثَّانِي: مَنْ سَكَّنَ الْيَاءَ مِنْ {مَحْيَايَ} وَصْلًا مَدَّ الْأَلِفَ مَدًّا مُشْبَعًا مِنْ أَجْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَكَذَلِكَ إِذَا وَقَفَ كَمَا قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْمَدَّ. وَأَمَّا مَنْ فَتَحَهَا فَإِنَّهُ إِذَا وَقَفَ جَازَتْ لَهُ الثَّلَاثَةُ الْأَوْجَهُ مِنْ أَجْلِ عُرُوضِ السُّكُونِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْيَاءِ الْحَرَكَةُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ فِي يَاءِ الْإِضَافَةِ الْإِسْكَانَ فَإِنَّ حَرَكَةَ هَذِهِ الْيَاءِ صَارَتْ أَصْلًا آخَرَ مِنْ أَجْلِ سُكُونِ مَا قَبْلَهَا، وَذَلِكَ نَظِيرُ حَيْثُ وَكَيْفَ فَإِنَّ حَرَكَةَ الثَّاءِ وَالْفَاءِ صَارَتْ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ فِيهِمَا السُّكُونَ فَلِذَلِكَ إِذَا وَقَفَ عَلَيْهِمَا جَازَتِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ وَهَذِهِ الْحَرَكَةُ مِنْ {مَحْيَايَ} غَيْرُ الْحَرَكَةِ مِنْ نَحْوِ {دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا} فَإِنَّ الْحَرَكَةَ فِي مِثْلِ هَذَا عَرَضَتْ لِالْتِقَاءِ الْيَاءِ بِالْهَمْزَةِ فَإِذَا وَقَفَ عَلَيْهَا زَالَ الْمُوجِبُ فَعَادَتْ إِلَى سُكُونِهَا الْأَصْلِيِّ. فَلِذَلِكَ جَاءَ لِوَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ فِي {دُعَائِي} فِي الْوَقْفِ ثَلَاثَةٌ دُونَ الْوَصْلِ كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ وَأَوْضَحْنَاهُ آخَرَ بَابِ الْمَدِّ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّالِثُ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ وَرْشًا رَوَى عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا يَقْرَأُ {مَحْيَايَ} بِالْإِسْكَانِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْحَرَكَةِ تَعَلَّقَ بِهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فَضَعَّفَ قِرَاءَةَ الْإِسْكَانِ حَتَّى قَالَ أَبُو شَامَةَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَقْضِي عَلَى جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَمَعَهَا زِيَادَةُ عَلَمٍ بِالرُّجُوعِ عَنِ الْإِسْكَانِ إِلَى التَّحْرِيكِ فَلَا تُعَارِضُهَا رِوَايَةَ الْإِسْكَانِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ مُعْتَرَفٌ بِهَا وَمُخْبَرٌ بِالرُّجُوعِ عَنْهَا، وَإِنَّ رِوَايَةَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَهُوَ أَجَلُّ رُوَاةِ نَافِعٍ مُوَافَقَةً لِمَا هُوَ الْمُخْتَارُ. ثُمَّ قَالَ أَبُو شَامَةَ فَلَا يَنْبَغِي لِذِي لُبٍّ إِذَا نُقِلَ لَهُ عَنْ إِمَامٍ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَصْوَبُ وَجْهًا مِنَ الْأُخْرَى أَنْ يَعْتَقِدَ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ رَجَعَ عَنِ الضَّعِيفِ إِلَى الْأَقْوَى انْتَهَى. وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى. أَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ رِوَايَةَ الْفَتْحِ تَقْضِي عَلَى جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ أَنَّ رِوَايَةَ شَخْصٍ انْفَرَدَ بِهَا عَنِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ تَقْضِي عَلَيْهِمْ مَعَ إِعْلَالِ الْأَئِمَّةِ لَهَا وَرَدِّهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنْ رِوَايَةَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ نَافِعٍ الْفَتْحَ فَهَذَا مِمَّا لَا يُعْرَفُ فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْقِرَاءَاتِ وَهَذِهِ الْكُتُبَ مَوْجُودَةٌ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا أَحَدٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ إِلَّا ابْنُ مُجَاهِدٍ فِي كِتَابِ الْيَاءَاتِ لَهُ، وَهُوَ مِمَّا عَدَّهُ الْأَئِمَّةُ غَلَطًا كَمَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلَا يَنْبَغِي لِذِي لُبٍّ إِلَى آخِرِهِ فَظَاهِرٌ فِي الْبُطْلَانِ، بَلْ لَا يَنْبَغِي لِذِي لُبٍّ قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَرْكُ كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ وَرَفْضُ غَيْرِ مَا حَرْفٍ مِنَ الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رَدَّ أَبُو إِسْحَاقَ الْجَعْبَرِيُّ عَلَيْهِ وَأَجَابَ بِأَنَّ الصَّحِيحَ إِنْ كَانَ يَعْنِي فِي قَوْلِهِ كَانَ نَافِعُ أَوَّلًا يُسَكِّنُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْفَتْحِ يَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ فَيَسْتَمِرُّ قَالَ: وَقَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى تَحْرِيكِهَا مَعْنَاهُ انْتَقَلَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْهُ إِبْطَالُ الْمُنْتَقَلِ عَنْهُ إِلَّا إِذَا امْتَنَعَ فَلَمْ يَقُلْ نَافِعُ رَجَعَتْ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ رَجَعَ عَنِ الْإِسْكَانِ إِلَى الْفَتْحِ. قَالَ: وَقَوْلُهُ هَذِهِ حَاكِمَةٌ عَلَى الْإِسْكَانِ فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْ بِالْأَمْرَيْنِ وَمَعَهَا زِيَادَةُ عَلَمٍ بِالرُّجُوعِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ لِعَدَمِ التَّعْدِيَةِ بِعَنْ وَالتَّعَارُضِ وَزِيَادَةِ الْعِلْمِ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيمَا سَبِيلُهُ الشَّهَادَاتُ لَا فِي الرِّوَايَاتِ. قَالَ: وَقَوْلُهُ إِحْدَاهُمَا أَصْوَبُ مِنَ الْأُخْرَى يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْأُخْرَى صَوَابٌ فَهَذَا مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ. وَإِنْ أَرَادَ إِحْدَاهُمَا صَوَابٌ وَالْأُخْرَى خَطَأٌ فَخَطَأٌ لِمَا قَدَّمْنَا وَأَخْذُ الْأَقْوَى مِنْ قَوْلَيْ إِمَامٍ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ لَا فِي الْمَنْصُوصَاتِ إِذِ الْيَقِينُ لَا يُنْقَضُ بِالْيَقِينِ قَالَ: وَقَوْلُهُ الرُّجُوعُ عَنِ الضَّعِيفِ إِلَى الْأَقْوَى مُتَنَاقِضٌ مِنْ وَجْهَيْنِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ رَفْعُ كُلِّ وَجْهَيْنِ مُتَفَاوِتَيْنِ قُوَّةً وَضَعْفًا انْتَهَى. قُلْتُ: أَمَّا رِوَايَةُ أَنَّ نَافِعًا رَجَعَ إِلَى الْفَتْحِ، فَقَدْ رَدَّهُ أَعْرَفُ النَّاسَ بِهِ الْحَافِظُ الْحُجَّةُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْنَدَهُ وَأَسْنَدَ رِوَايَةَ الْإِسْكَانِ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ: هُوَ خَبَرٌ بَاطِلٌ لَا يَثْبُتُ عَنْ نَافِعٍ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ مَعَ انْفِرَادِهِ وَشُذُوذِهِ مُعَارِضًا لِلْأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي رَوَاهَا مَنْ تَقُومُ الْحُجَّةُ بِنَقْلِهِ وَيَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَى قَوْلِهِ وَالِانْفِرَادُ وَالشُّذُوذُ لَا يُعَارِضَانِ التَّوَاتُرَ، وَلَا يَرُدَّانِ قَوْلَ الْجُمْهُورِ. قَالَ: وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ نَافِعًا لَوْ كَانَ قَدْ زَالَ عَنِ الْإِسْكَانِ إِلَى الْفَتْحِ لَعَلِمَ ذَلِكَ مَنْ بِالْحَضْرَةِ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ رَوَوُا اخْتِيَارَهُ وَدَوَّنُوا عَنْهُ حُرُوفَهُ كَإِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ الْمُسَيَّبِيِّ وَإِسْمَاعِيلِ بْنِ جَعْفَرٍ الْأَنْصَارِيِّ وَسُلَيْمَانَ بْنِ جَمَّازٍ الزُّهْرِيِّ وَعِيسَى بْنِ مِينَا، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يَزَلْ مُلَازِمًا لَهُ وَمُشَاهِدًا لِمَجْلِسِهِ مِنْ لَدُنْ تَصَدُّرِهِ إِلَى حِينِ وَفَاتِهِ وَلَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْهُ، أَوْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ إِذَا كَانَ مُحَالًا أَنْ يُغَيِّرَ شَيْئًا مِنَ اخْتِيَارٍ وَيَزُولَ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَهُمْ بِالْحَضْرَةِ مَعَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا يُعَرِّفُهُمْ بِذَلِكَ، وَلَا يُوقِفُهُمْ عَلَيْهِ وَيَقُولُ لَهُمْ كُنْتُ اخْتَرْتُ كَذَا ثُمَّ زِلْتُ الْآنَ عَنْهُ إِلَى كَذَا فَدَوِّنُوا ذَلِكَ عَنِّي، وَغَيِّرُوا مَا قَدْ زِلْتُ عَنْهُ مِنَ اخْتِيَارِي فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَأَجْمَعَ كُلُّ أَصْحَابِهِ عَلَى رِوَايَةِ الْإِسْكَانِ عَنْهُ نَصًّا وَأَدَاءً دُونَ غَيْرِهِ فَثَبَتَ أَنَّ الَّذِي رَوَاهُ الْحَمْرَاوِيُّ عَنْ أَبِي الْأَزْهَرِ عَنْ وَرْشٍ بَاطِلٌ لَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِ فَوَجَبَ إِطِّرَاحُهُ وَلَزِمَ الْمَصِيرُ إِلَى سِوَاهُ بِمَا يُخَالِفُهُ وَيُعَارِضُهُ. قَالَ الدَّانِيُّ:- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَالَّذِي يَقَعُ فِي نَفْسِي، وَهُوَ الْحَقُّ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّ أَبَا الْأَزْهَرِ حَدَّثَ الْحَمْرَاوِيَّ الْخَبَرَ مَرْفُوعًا عَلَى وَرْشٍ، كَمَا رَوَاهُ عَنْهُ مَنْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِهِ وَثِقَاتِ رُوَاتِهِ دُونَ اتِّصَالِهِ بِنَافِعٍ وَإِسْنَادِ الزَّوَالِ عَنِ الْإِسْكَانِ إِلَى الْفَتْحِ إِلَيْهِ، بَلْ لِوَرْشٍ دُونَ فَنَسِي ذَلِكَ عَلَى طُولِ الدَّهْرِ مِنَ الْأَيَّامِ فَلَمَّا أَنْ حَدَّثَ بِهِ أَسْنَدَهُ إِلَى نَافِعٍ وَوَصَلَهُ بِهِ وَأَضَافَ الْقِصَّةَ إِلَيْهِ فَحَمَلَهُ النَّاسُ عَنْهُ كَذَلِكَ وَقَبِلَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَجَعَلُوهُ حُجَّةً، وَقَطَعُوا بِدَلِيلِهِ عَلَى صِحَّةِ الْفَتْحِ وَمِثْلُ ذَلِكَ قَدْ يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ نَقَلَةِ الْأَخْبَارِ وَرُوَاةِ السُّنَنِ فَيُسْنِدُونَ الْأَخْبَارَ الْمَوْقُوفَةَ وَالْأَحَادِيثَ الْمُرْسَلَةَ وَالْمَقْطُوعَةَ لِنِسْيَانٍ يَدْخُلُهُمْ، أَوْ لِغَفْلَةٍ تَلْحَقُهُمْ فَإِذَا رُفِعَ ذَلِكَ إِلَى أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مَيَّزُوهُ وَنَبَّهُوا عَلَيْهِ وَعَرَّفُوا بِعِلَّتِهِ وَسَبَبِ الْوَهْمِ فِيهِ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا سَبِيلَ إِلَى التَّعْلِيقِ فِي صِحَّةِ الْفَتْحِ بِدَلِيلِ هَذَا الْخَبَرِ إِذْ هُوَ عَنْ مَذْهَبِ نَافِعٍ وَاخْتِيَارُهُ بِمَعْزِلٍ. قَالَ: وَمِمَّا يُؤَيِّدُ جَمِيعَ مَا قُلْنَاهُ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا تَأَوَّلْنَاهُ وَيُحَقِّقُ قَوْلَ الْجَمَاعَةِ عَنْ وَرْشٍ مَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَقْرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ شَيْخُنَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ وَرْشٍ، أَنَّهُ كَرِهَ إِسْكَانَ الْيَاءِ مِنْ: {مَحْيَايَ} فَفَتَحَهَا قَالَ الدَّانِيُّ: وَهَذَا مِمَّا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ مَعَهُ إِلَى زِيَادَةِ بَيَانٍ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ كَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ وَضَّاحٍ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَتْبَعُ نَافِعًا عَلَى إِسْكَانِ الْيَاءِ مِنْ {مَحْيَايَ} وَأَدَعُ مَا اخْتَارَهُ وَرْشٌ مِنْ فَتْحِهَا. حَدَّثَنَا الْفَارِسِيُّ أَبُو طَاهِرِ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ الْجَهْمِ عَنِ الْهَاشِمِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ فَتَحَ يَاءَ {مَحْيَايَ} قَالَ الدَّانِيُّ: وَذَلِكَ وَهْمٌ مِنَ ابْنِ الْجَهْمِ مِنْ جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا أَنَّ الْهَاشِمِيَّ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، بَلْ ذَكَرَ فِيهِ فِي مَكَانَيْنِ إِسْكَانَ الْيَاءِ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي كِتَابِهِ الْمُصَنَّفِ فِي قِرَاءَةِ الْمَدَنِيِّينَ، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ الْهَاشِمِيُّ، وَغَيْرُهُ بِالْإِسْكَانِ. حَدَّثَنَا الْخَاقَانِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا جَدِّي حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ نَافِعٍ {وَمَحْيَايَ} مَجْزُومَةَ الْيَاءِ انْتَهَى، وَكَذَا يَكُونُ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ قَوْلًا وَفِعْلًا فَرَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ إِمَامٍ لَمْ يَسْمَحِ الزَّمَانُ بَعْدَهُ بِمِثْلِهِ. وَقَالَهُ فِي كِتَابِ الْإِيجَازِ أَيْضًا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
|