الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النشر في القراءات العشر ***
التَّرْقِيقُ مِنَ الرِّقَّةِ، وَهُوَ ضِدُ السِّمَنِ. فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إِنْحَافِ ذَاتِ الْحَرْفِ وَنُحُولِهِ. وَالتَّفْخِيمُ وَالتَّرْقِيقُ مِنَ الْفَخَامَةِ، وَهِيَ الْعَظَمَةُ وَالْكَثْرَةُ فَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ رَبْوِ الْحَرْفِ وَتَسْمِينِهِ فَهُوَ وَالتَّغْلِيظُ وَاحِدٌ إِلَّا أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الرَّاءِ فِي ضِدِ التَّرْقِيقِ هُوَ التَّفْخِيمُ، وَفِي اللَّامِ التَّغْلِيظُ كَمَا سَيَأْتِي وَقَدْ عَبَّرَ قَوْمٌ عَنِ التَّرْقِيقِ فِي الرَّاءِ بِالْإِمَالَةِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ كَمَا فَعَلَ الدَّانِيُّ وَبَعْضُ الْمَغَارِبَةِ، وَهُوَ تَجَوُّزٌ إِذِ الْإِمَالَةُ أَنْ تَنْحُوَ بِالْفَتْحَةِ إِلَى الْكَسْرَةِ وَبِالْأَلِفِ إِلَى الْيَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالتَّرْقِيقُ إِنْحَافُ صَوْتِ الْحَرْفِ فَيُمْكِنُ اللَّفْظُ بِالرَّاءِ مُرَقَّقَةً غَيْرَ مُمَالَةٍ وَمُفَخَّمَةً مُمَالَةً، وَذَلِكَ وَاضِحٌ فِي الْحُسْنِ وَالْعِيَانِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ رِوَايَةً مَعَ الْإِمَالَةِ إِلَّا التَّرْقِيقُ، وَلَوْ كَانَ التَّرْقِيقُ إِمَالَةً لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الْمَضْمُومِ وَالسَّاكِنِ وَلَكَانَتِ الرَّاءُ الْمَكْسُورَةُ مُمَالَةً، وَذَلِكَ خِلَافُ إِجْمَاعِهِمْ. وَمِنَ الدَّلِيلِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْإِمَالَةَ غَيْرُ التَّرْقِيقِ أَنَّكَ إِذَا أَمَلْتَ {ذِكْرَى} الَّتِي هِيَ فِعْلَى بَيْنَ بَيْنَ كَانَ لَفْظُكَ بِهَا غَيْرَ لَفْظِكَ بِذِكْرِ الْمُذَكَّرِ وَقَفًا إِذَا رَقَّقْتَ، وَلَوْ كَانَتِ الرَّاءُ فِي الْمُذَكِّرِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ لَكَانَ اللَّفْظُ بِهِمَا سَوَاءً وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّمَا كَانَ اللَّفْظُ فِي الْمُؤَنَّثِ غَيْرَ اللَّفْظِ فِي الْمُذَكِّرِ لِأَنَّ اللَّفْظَ بِالْمُؤَنَّثِ مُمَالُ الْأَلِفِ وَالرَّاءِ وَاللَّفْظُ بِالْمُذَكِّرِ مُمَالُ الرَّاءِ فَقَطْ فَإِنَّ الْأَلِفَ حَرْفٌ هَوَائِيٌّ لَا يُوصَفُ بِإِمَالَةٍ، وَلَا تَفْخِيمٍ، بَلْ هُوَ تَبَعٌ لِمَا قَبْلَهُ فَلَوْ ثَبَتَ إِمَالَةُ مَا قَبْلَهُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ لَكَانَ مُمَالًا بِالتَّبَعِيَّةِ كَمَا أَمَلْنَا الرَّاءَ قَبْلَهُ فِي الْمُؤَنَّثِ بِالتَّبَعِيَّةِ، وَلَمَّا اخْتَلَفَ اللَّفْظُ بِهِمَا وَالْحَالَةُ مَا ذُكِرَ، وَلَا مَزِيدَ عَلَى هَذَا فِي الْوُضُوحِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الدَّانِيُّ فِي كِتَابِهِ التَّجْرِيدِ: التَّرْقِيقُ فِي الْحَرْفِ دُونَ الْحَرَكَةِ إِذَا كَانَ صِيغَتَهُ وَالْإِمَالَةُ فِي الْحَرَكَةِ دُونَ الْحَرْفِ إِذْ كَانَتْ لِعِلَّةٍ أَوْجَبَتْهَا، وَهِيَ تَخْفِيفٌ كَالْإِدْغَامِ سَوَاءٌ انْتَهَى. وَهَذَا حَسَنٌ جِدًّا وَأَمَّا كَوْنُ الْأَصْلِ فِي الرَّاءِ التَّفْخِيمَ، أَوِ التَّرْقِيقَ فَسَيَجِيءُ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: آخِرَ الْبَابِ. إِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَلْيُعْلَمْ أَنَّ الرَّاءَاتِ فِي مَذَاهِبِ الْقُرَّاءِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْمِصْرِيِّينَ، وَالْمَغَارِبَةِ، وَهُمُ الَّذِينَ رَوَيْنَا رِوَايَةَ وَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ مِنْ طُرُقِهِمْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ اتَّفَقُوا عَلَى تَفْخِيمِهِ، وَقِسْمٌ اتَّفَقُوا عَلَى تَرْقِيقِهِ، وَقِسْمٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَنْ كُلِّ الْقُرَّاءِ، وَقِسْمٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ. فَالْقِسْمَانِ الْأَوَلَانِ اتَّفَقَ عَلَيْهِمَا سَائِرُ الْقُرَّاءِ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ الْأَدَاءِ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ، وَالشَّامِيِّينَ، وَغَيْرُهُمْ فَهُمَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِمَا وَالْقِسْمَانِ الْآخَرَانِ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِمَا مَنْ ذَكَرْنَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ إِنَّمَا يَرِدُ عَلَى الرَّاءَاتِ الَّتِي لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ فِي بَابِ الْإِمَالَةِ فَأَمَّا مَا ذُكِرَ هُنَاكَ نَحْوَ {ذِكْرَى}، وَ{بُشْرَى}، وَ{النَّصَارَى}، وَ{الْأَبْرَارِ}، وَ{النَّارَ} فَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ قَرَأَهَا بِالْإِمَالَةِ، أَوْ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ يُرَقِّقُهَا، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالْفَتْحِ يُفَخِّمُهَا. وَسَتَرِدُ عَلَيْكَ هَذِهِ مُسْتَوْفَاةً- إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَاعْلَمْ أَنَّ الرَّاءَ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُتَحَرِّكَةً أَوْ سَاكِنَةً فَالْمُتَحَرِّكَةُ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مَفْتُوحَةً أَوْ مَضْمُومَةً أَوْ مَكْسُورَةً، فَالْمَفْتُوحَةُ تَكُونُ أَوَّلَ الْكَلِمَةِ وَوَسَطَهَا وَآخِرَهَا، وَهِيَ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ تَأْتِي بَعْدَ مُتَحَرِّكٍ وَسَاكِنٍ، وَالسَّاكِنُ يَكُونُ يَاءً وَغَيْرَ يَاءٍ فَمِثَالُهَا أَوَّلَ الْكَلِمَةِ بَعْدَ الْفَتْحِ وَرَزَقَكُمْ، وَرَاعِنَا، وَقَالَ رَبُّكُمُ، وَبَعْدَ الْكَسْرِ بِرَسُولِهِمْ، لِحُكْمِ رَبِّكِ، وَبَعْدَ الضَّمِّ رُسُلُ رَبِّنَا، وَبَعْدَ السَّاكِنِ الْيَاءِ فِي رَيْبٍ، وَغَيْرِ الْيَاءِ بَلْ رَانَ، وَلَا رَطْبٍ، وَعَلَى رَجْعِهِ، وَالرَّاجِفَةُ، وَمِثَالُهَا وَسَطَ الْكَلِمَةِ بَعْدَ الْفَتْحِ فَرَقْنَا، وَعَرَفُوا، وَتَرَاضٍ، وَبَعْدَ الضَّمِّ غُرَابًا، وَفُرَاتًا، وَكَبُرَتْ، وَفُرَادَى، وَبَعْدَ الْكَسْرِ فِرَاشًا، وَسِرَاجًا، وَكِرَامًا، وَدِرَاسَتِهِمْ، قِرَدَةً، الْآخِرَةَ، وَازِرَةٌ، صَابِرَةٌ، مُسْفِرَةٌ، وَالذَّاكِرَاتِ، وَلَأَسْتَغْفِرَنَّ، وَلَا يُشْعِرَنَّ، وَبَطِرَتْ، وَأُحْضِرَتِ، وَبَعْدَ السَّاكِنِ الْيَاءِ حَيْرَانَ، وَالْخَيْرَاتِ، وَخَيْرًا، وَغَيْرُهُ وَنَحْوُ صَغِيرَةً، وَكَبِيرَةً، وَمَصِيرَكُمْ، وَغَيْرِ الْيَاءِ عَنْ ضَمٍّ الْعُمْرَةَ، وَغُفْرَانَكَ، وَسُورَةٌ، وَيُورَثُ، وَعَنْ فَتْحٍ أَغْرَيْنَا، وَأَجْرَمُوا، وَزَهْرَةَ، وَالْحِجَارَةِ، وَمُبَارَكَةٍ، وَعَنْ كَسْرٍ إِكْرَاهَ، وَالْإِكْرَامِ، وَإِجْرَامِي، وَإِصْرَهُم، وَإِخْرَاجًا، وَمِدْرَارًا. وَمِثْلُهَا آخِرَ الْكَلِمَةِ بَعْدَ الْفَتْحِ مُنَوَّنَةً سَفَرًا، وَبَشَرًا، وَنَفَرًا، وَمُحْضَرًا، وَغَيْرَ مُنَوَّنَةٍ الْبَقَرَ، وَالْحَجَرَ، وَالْقَمَرَ، وَلَا وَزَرَ، وَبَعْدَ الضَّمِ مُنَوَّنَةً نُشُورًا، وَسُرُورًا، وَنُذُرًا وَغَيْرَ مُنَوَّنَةٍ كَبُرَ، وَلِيَفْجُرَ، وَبَعْدَ الْكَسْرِ مُنَوَّنَةً شَاكِرًا، وَحَاضِرًا، وَظَاهِرًا، وَمُبْصِرًا، وَمُنْتَصِرًا، وَمُسْتَقِرًّا، وَغَيْرَ مُنَوَّنَةٍ كَبَائِرَ، وَبَصَائِرَ، وَأَكَابِرَ، وَالْحَنَاجِرَ، فَلَا نَاصِرَ، وَلِيَغْفِرَ، وَخَسِرَ، وَبَعْدَ السَّاكِنِ الْيَاءِ مُنَوَّنَةً خَيْرًا، وَطَيْرًا، وَسَيْرًا وَنَحْوَ قَدِيرًا، وَخَبِيرًا، وَكَبِيرًا، وَكَثِيرًا، وَتَقْدِيرًا، وَتَطْهِيرًا، وَمُنِيرًا، وَمُسْتَطِيرًا، وَغَيْرَ مُنَوَّنَةٍ الْخَيْرَ، وَالطَّيْرَ، وَغَيْرَ، وَلَا ضَيْرَ، وَنَحْوَ الْفَقِيرَ، وَالْحَمِيرَ، وَالْخَنَازِيرَ، وَبَعْدَ السَّاكِنِ غَيْرِ الْيَاءِ عَنْ فَتْحٍ مُنَوَّنَةٍ أَجْرًا، وَبِدَارًا، وَغَيْرَ مُنَوَّنَةٍ وَفَارَ، وَاخْتَارَ، وَخَرَّ، وَعَنْ ضَمٍّ عُذْرًا، وَغَفُورًا، وَقُصُورًا، وَغَيْرَ مُنَوَّنَةٍ فَمَنِ اضْطُرَّ، وَعَنْ كَسْرٍ مُنَوَّنَةٍ ذِكْرًا، وَسِتْرًا، وَوِزْرًا، وَإِمْرًا، وَحِجْرًا، وَصِهْرًا وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ غَيْرُ هَذِهِ السِّتَّةِ. وَغَيْرُ مُنَوَّنَةٍ السِّحْرَ، وَالذِّكْرَ، وَالشِّعْرَ، وَوِزْرَ أُخْرَى، وَذِكْرَكَ، وَالسِّرَّ، وَالْبِرَّ. فَهَذِهِ أَقْسَامُ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا. وَأَجْمَعُوا عَلَى تَفْخِيمِهَا فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ كُلِّهَا إِلَّا أَنْ تَقَعَ بَعْدَ كَسْرَةٍ، أَوْ يَاءٍ سَاكِنَةٍ وَالرَّاءُ مَعَ ذَلِكَ وَسَطَ كَلِمَةٍ، أَوْ آخِرَهَا فَإِنَّ الْأَزْرَقَ لَهُ فِيهَا مَذْهَبٌ خَالَفَ سَائِرَ الْقُرَّاءِ، وَهُوَ التَّرْقِيقُ مُطْلَقًا وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَصْلَيْنِ. الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يَقَعَ بَعْدَ الرَّاءِ حَرْفُ اسْتِعْلَاءٍ. فَمَتَى وَقَعَ بَعْدَ الرَّاءِ حَرْفُ اسْتِعْلَاءٍ فَإِنَّهُ يُفَخِّمُهَا كَسَائِرِ الْقُرَّاءِ وَوَقَعَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُتَوَسِّطَةِ فِي أَرْبَعَةِ أَلْفَاظٍ، وَهِيَ صِرَاطٌ كَيْفَ جَاءَ رَفْعًا وَنَصْبًا وَجَرًّا، مُنَوَّنًا وَغَيْرَ مُنَوَّنٍ ؛ نَحْوَ {هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ}، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ}، {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا}، وَفِرَاقُ وَهُوَ فِي الْكَهْفِ وَالْقِيَامَةِ. الثَّانِي: إِنْ تَكَرَّرَ الرَّاءُ بَعْدُ وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ {ضِرَارًا}، وَ{فِرَارًا}، وَ{الْفِرَارُ}، وَكَذَلِكَ يُرَقِّقُهَا إِذَا حَالَ بَيْنَ الْكَسْرَةِ وَبَيْنَهَا سَاكِنٌ فَإِنَّهُ يُرَقِّقُهَا أَيْضًا بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ: أَحَدُهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْفَاصِلُ السَّاكِنُ حَرْفَ اسْتِعْلَاءٍ، وَلَمْ يَقَعْ مِنْ ذَلِكَ سِوَى أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ الْأَوَّلُ الصَّادُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِصْرًا} فِي الْبَقَرَةِ {إِصْرَهُمْ} فِي الْأَعْرَافِ {مِصْرًا} مُنَوَّنًا فِي الْبَقَرَةِ، وَغَيْرَ مُنَوَّنٍ فِي يُونُسَ مَوْضِعٌ، وَفِي يُوسُفَ مَوْضِعَانِ. وَفِي الزُّخْرُفِ مَوْضِعٌ. الثَّانِي الطَّاءُ فِي قَوْلِهِ: {قِطْرًا} فِي الْكَهْفِ {فِطْرَتِ اللَّهِ} فِي الرَّوْمِ. الثَّالِثُ الْقَافُ: وَهُوَ {وَقْرًا} فِي الذَّارِيَاتِ. وَقَدْ فَخَّمَهَا الْأَزْرَقُ عِنْدَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَحْرُفِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ، بِلَا خِلَافٍ. وَالْحَرْفُ الرَّابِعُ الْخَاءُ فِي {إِخْرَاجٍ} حَيْثُ وَقَعَ، وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ حَاجِزًا وَأَجْرَاهُ مُجْرَى غَيْرِهِ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُسْتَقِلَّةِ فَرَقَّقَ الرَّاءَ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ بَعْدَهُ حَرْفُ اسْتِعْلَاءٍ وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي كَلِمَتَيْنِ {إِعْرَاضًا} فِي النِّسَاءِ {وَإِعْرَاضُهُمْ} فِي الْأَنْعَامِ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ الْإِشْرَاقِ فِي ص مِنْ أَجْلِ كَسْرِ الْقَافِ كَمَا سَيَأْتِي. وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ لَا تُكَرَّرَ الرَّاءُ فِي الْكَلِمَةِ فَإِنْ تَكَرَّرَ فَإِنَّهُ يُفَخِّمُهَا. وَالَّذِي فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَلِكَ {مِدْرَارًا}، {وَإِسْرَارًا} وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ لَا تَكُونَ الْكَلِمَةُ أَعْجَمِيَّةً وَالَّذِي فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَلِكَ {إِبْرَاهِيمَ}، وَ{عِمْرَانَ}، وَ{إِسْرَائِيلَ}، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي تَفْخِيمِ الرَّاءِ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنِ الْأَزْرَقِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ فِي أَصْلٍ مُطَّرِدٍ وَأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ. فَالْأَصْلُ الْمُطَّرِدُ أَنْ يَقَعَ شَيْءٌ مِنَ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ مُنَوَّنًا فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى عَدَمِ اسْتِثْنَائِهِ مُطْلَقًا عَلَى أَيِ وَزْنٍ كَانَ وَسَوَاءً كَانَ بَعْدَ كَسْرَةٍ مُجَاوِرَةٍ، أَوْ مَفْصُولَةٍ بِسَاكِنٍ صَحِيحٍ مُظْهَرٍ، أَوْ مُدْغَمٍ، أَوْ بَعْدَ يَاءٍ سَاكِنَةٍ. فَالَّذِي بَعْدَ كَسْرَةٍ مُجَاوِرَةٍ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَرْفًا، وَهِيَ {شَاكِرًا}، وَ{سَامِرًا}، وَ{صَابِرًا}، وَ{نَاصِرًا}، وَ{حَاضِرًا}، وَ{طَاهِرًا}، وَ{غَافِرًا}، وَ{طَائِرًا}، وَ{فَاجِرًا}، وَ{مُدْبِرًا}، وَ{مُبْصِرًا}، وَ{مُهَاجِرًا}، وَ{مُغَيِّرًا}، {وَمُبَشِّرًا}، وَ{مُنْتَصِرًا}، وَ{مُقْتَدِرًا}، وَ{خَضِرًا}، وَ{عَاقِرًا} وَالْمَفْصُولُ بِسَاكِنٍ صَحِيحٍ مُظْهَرٍ وَمُدْغَمٍ ثَمَانِيَةُ أَحْرُفٍ، وَهِيَ {ذِكْرًا}، وَ{سِتْرًا}، وَ{وِزْرًا}، وَ{أَمْرًا}، وَ{حِجْرًا}، وَ{صِهْرًا}، وَ{مُسْتَقِرًّا}، وَ{سِرًّا}. وَالَّذِي بَعْدَ يَاءٍ سَاكِنَةٍ فَتَأْتِي الْيَاءُ حَرْفَ لِينٍ وَحَرْفَ مَدٍّ وَلِينٍ فَبَعْدَ حَرْفِ لِينٍ فِي ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ، وَهِيَ {خَيْرًا}، وَ{طَيْرًا}، وَ{سَيْرًا}، وَبَعْدَ حَرْفِ الْمَدِّ وَاللِّينِ مِنْهُ مَا يَكُونُ عَلَى وَزْنِ فَعِيلًا وَجُمْلَتُهُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ حَرْفًا، وَهِيَ {قَدِيرًا}، وَ{خَبِيرًا}، وَ{بَصِيرًا}، وَ{كَبِيرًا}، وَ{كَثِيرًا}، وَ{بَشِيرًا}، وَ{نَذِيرًا}، وَ{صَغِيرًا}، وَ{وَزِيرًا}، وَ{عَسِيرًا}، وَ{حَرِيرًا}، وَ{أَسِيرًا}. وَمِنْهُ مَا يَكُونُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَزْنِ وَجُمْلَتُهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ حَرْفًا، وَهِيَ {تَقْدِيرًا}، وَ{تَطْهِيرًا}، وَ{تَكْبِيرًا}، {وَتَبْذِيرًا}، وَ{تَدْمِيرًا}، وَ{تَتْبِيرًا}، وَ{تَفْسِيرًا}، وَ{قَوَارِيرًا}، وَ{قَمْطَرِيرًا}، وَ{زَمْهَرِيرًا}، وَ{مُنِيرًا}، وَ{مُسْتَطِيرًا} فَرَقَّقُوا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْحَالَيْنِ وَأَجْرَوْهُ مُجْرَى غَيْرِهِ مِنَ الْمُرَقَّقِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي طَاهِرِ بْنِ خَلَفٍ صَاحِبِ الْعُنْوَانِ، وَشَيْخِهِ عَبْدِ الْجَبَّارِ صَاحِبِ الْمُجْتَبَى، وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ غَلْبُونَ صَاحِبِ التَّذْكِرَةِ، وَأَبِي مَعْشَرٍ الطَّبَرِيِّ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَافِي، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى شَيْخِهِ أَبِي الْحَسَنِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى اسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَتَفْخِيمِهِ مِنْ أَجْلِ التَّنْوِينِ الَّذِي لَحِقَهُ، وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي طَاهِرِ ابْنِ هَاشِمٍ وَأَبِي الطَّيِّبِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَبِي الْقَاسِمِ الْهُذَلِيِّ، وَغَيْرِهِمْ وَحَكَاهُ الدَّانِيُّ عَنْ أَبِي طَاهِرٍ وَعَبْدِ الْمُنْعِمِ وَجَمَاعَةٍ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى التَّفْصِيلِ فَاسْتَثْنَوْا مَا كَانَ بَعْدَ سَاكِنٍ صَحِيحٍ مُظْهَرٍ، وَهُوَ الْكَلِمَاتُ السِّتُّ {ذِكْرًا}، وَ{سِتْرًا} وَأَخَوَاتِهِ، وَلَمْ يَسْتَثْنُوا الْمُدْغَمَ، وَهُوَ: {سِرًّا}، {وَمُسْتَقِرًّا} ؛ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْحَرْفَيْنِ فِي الْإِدْغَامِ كَحَرْفٍ وَاحِدٍ، إِذِ اللِّسَانُ يَرْتَفِعُ بِهِمَا ارْتِفَاعَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ، وَلَا فُرْجَةَ، فَكَأَنَّ الْكَسْرَةَ قَدْ وَلِيَتِ الرَّاءَ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَافِظِ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ وَشَيْخَيْهِ أَبِي الْفَتْحِ وَالْخَاقَانِيِّ، وَبِهِ قَرَأَ عَلَيْهِمَا، وَكَذَلِكَ هُوَ مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ وَأَبِي الْعَبَّاسِ الْمَهْدَوِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُرَيْحٍ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ بَلِّيمَةَ وَأَبِي مُحَمَّدٍ مَكِّيٍّ وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْفَحَّامِ وَالشَّاطِبِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. إِلَّا أَنَّ بَعْضَ هَؤُلَاءِ اسْتَثْنَى مِنَ الْمَفْصُولِ بِالسَّاكِنِ الصَّحِيحِ صِهْرًا. فَرَقَّقَهُ مِنْ أَجْلِ إِخْفَاءِ الْهَاءِ كَابْنِ شُرَيْحٍ وَالْمَهْدَوِيِّ وَابْنِ سُفْيَانَ وَابْنِ الْفَحَّامِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِهِ الدَّانِيُّ، وَلَا ابْنُ بَلِّيمَةَ، وَلَا الشَّاطِبِيُّ فَفَخَّمُوهُ، وَذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا مَكِّيٌّ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَرْقِيقِ كُلِّ مُنَوَّنٍ، وَلَمْ يَسْتَثْنُوا {ذِكْرًا} وَبَابَهُ فَمِنْهُمْ أَبُو الْحَسَنِ طَاهِرُ بْنُ غَلْبُونَ، وَغَيْرُهُ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَيْهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى اسْتِثْنَاءِ: {مِصْرًا}، وَ{إِصْرًا}، وَ{قِطْرًا}، وَ{وِزْرًا}، وَ{وِقْرًا} مِنْ أَجْلِ حَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُ أَبِي شَامَةَ: وَلَا يَظْهَرُ لِي فَرْقٌ بَيْنَ كَوْنِ الرَّاءِ فِي ذَلِكَ مَفْتُوحَةً، أَوْ مَضْمُومَةً، بَلِ الْمَضْمُومَةُ أَوْلَى بِالتَّفْخِيمِ لِأَنَّ التَّنْوِينَ حَاصِلٌ مَعَ ثِقَلِ الضَّمِّ، قَالَ: وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَذَا ذِكْرٌ} انْتَهَى. قُلْتُ: وَقَدْ أَخَذَ الْجَعْبَرِيُّ هَذَا مِنْهُ مُسَلَّمًا فَغَلَّطَ الشَّاطِبِيَّ فِي قَوْلِهِ: وَتَفْخِيمُهُ {ذِكْرًا}، وَ{سِتْرًا} وَبَابَهُ- حَتَّى غَيَّرَ هَذَا الْبَيْتَ فَقَالَ: وَلَوْ قَالَ مِثْلَ: كَذِكْرًا رَقِيقٌ لِلْأَقَلِّ وَشَاكِرٍ *** خَبِيرٍ لِأَعْيَانٍ وَسِرًّا تَعَدَّلَا لَنَصَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَسَوَّى بَيْنَ ذِكْرٍ الْمَنْصُوبِ، وَذِكْرٍ الْمَرْفُوعِ، وَتَمَحَّلَ لِإِخْرَاجِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الشَّاطِبِيِّ فَقَالَ: وَمِثَالَا النَّاظِمِ دَلَّا عَلَى الْعُمُومِ فَذَكَرَ {مُبَارَكٌ} مِثَالًا لِلْمَضْمُومِ، وَنَصَبَهَا لِإِيقَاعِ الْمَصْدَرِ عَلَيْهَا، وَلَوْ حَكَاهَا لَأَجَادَ انْتَهَى. وَهَذَا كَلَامُ مَنْ لَمْ يَطَّلِعُ عَلَى مَذَاهِبِ الْقَوْمِ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي تَرْقِيقِ الرَّاءَاتِ وَتَخْصِيصِهِمُ الرَّاءَ الْمَفْتُوحَةَ بِالتَّرْقِيقِ دُونَ الْمَضْمُومَةِ وَأَنَّ مَنْ مَذْهَبُهُ تَرْقِيقُ الْمَضْمُومَةِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ {ذِكْرُ}، وَ{بِكْرٌ}، وَ{سِحْرٌ}، وَ{شَاكِرٌ}، وَ{قَادِرٌ}، وَ{مُسْتَمِرٌّ}، وَ{يَغْفِرُ}، وَ{يَقْدِرُ} كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى التَّفْصِيلِ فِيمَا عَدَا مَا فُصِلَ بِالسَّاكِنِ الصَّحِيحِ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى تَرْقِيقِهِ فِي الْحَالَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ يَاءٍ سَاكِنَةٍ نَحْوَ {خَبِيرًا}، وَ{بَصِيرًا}، وَ{خَيْرًا} وَسَائِرِ أَوْزَانِهِ، أَوْ بَعْدَ كَسْرَةٍ مُجَاوِرَةٍ نَحْوَ {شَاكِرًا}، وَ{خَضِرًا} وَسَائِرِ الْبَابِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ وَشَيْخَيْهِ أَبِي الْفَتْحِ وَابْنِ خَاقَانَ، وَبِهِ قَرَأَ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ بَلِّيمَةَ وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْفَحَّامِ وَأَبِي الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَافِي وَالتَّبْصِرَةِ، وَذَهَبَ الْآخَرُونَ إِلَى تَفْخِيمِ ذَلِكَ وَصْلًا مِنْ أَجْلِ التَّنْوِينِ وَالْوَقْفِ عَلَيْهِ بِالتَّرْقِيقِ كَابْنِ سُفْيَانَ، وَالْمَهْدَوِيِّ. وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي الْكَافِي، وَذَكَرَهُ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ شَيْخِهِ عَبْدِ الْبَاقِي عَنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى أَبِيهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْوَقْفِ، وَانْفَرَدَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي بِتَرْقِيقِ مَا كَانَ وَزْنُهُ فَعَيْلًا فِي الْوَقْفِ وَتَفْخِيمِهِ فِي الْوَصْلِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مَذْهَبُ شَيْخِهِ أَبِي الطَّيِّبِ.
وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الْمَخْصُوصَةُ تَفْخِيمًا وَتَرْقِيقًا فَهِيَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ: أَوَّلُهَا {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} فِي الْفَجْرِ. ذَهَبَ إِلَى تَرْقِيقِهَا مِنْ أَجْلِ الْكَسْرَةِ قَبْلَهَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ غَلْبُونَ، وَأَبُو الطَّاهِرِ صَاحِبُ الْعُنْوَانِ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى وَمَكِّيٌّ. وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى شَيْخِهِ ابْنِ غَلْبُونَ، وَذَهَبَ الْبَاقُونَ إِلَى تَفْخِيمِهَا مِنْ أَجْلِ الْعُجْمَةِ، وَهُوَ الَّذِي فِي التَّيْسِيرِ، وَالْكَافِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّجْرِيدِ، وَالتَّلْخِيصَيْنِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ. وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ مِنْ أَجْلِ الْخِلَافِ فِي عُجْمَتِهَا. وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الدَّانِيُّ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ.
ثَانِيهَا {سِرَاعًا}، {وَذِرَاعًا}، {وَذِرَاعَيْهِ} فَفَخَّمَهَا مِنْ أَجْلِ الْعَيْنِ صَاحِبُ الْعُنْوَانِ، وَشَيْخُهُ وَطَاهِرُ بْنُ غَلْبُونَ وَابْنُ شُرَيْحٍ وَأَبُو مَعْشَرٍ الطَّبَرِيُّ. وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ وَرَقَّقَهَا الْآخَرُونَ مِنْ أَجْلِ الْكَسْرَةِ، وَهُوَ الَّذِي فِي التَّيْسِيرِ وَالتَّبْصِرَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّجْرِيدِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ. وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى فَارِسٍ وَالْخَاقَانِيُّ، وَذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ ابْنُ بَلِّيمَةَ وَالدَّانِيُّ فِي الْجَامِعِ.
ثَالِثُهَا {افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ}، وَ{افْتِرَاءً عَلَيْهِ}، وَ{مِرَاءً} فَفَخَّمَهَا مِنْ أَجْلِ الْهَمْزَةِ ابْنُ غَلْبُونَ صَاحِبُ التَّذْكِرَةِ، وَابْنُ بَلِّيمَةَ صَاحِبُ تَلْخِيصِ الْعِبَارَاتِ، وَأَبُو مَعْشَرٍ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ وَرَقَّقَهَا الْآخَرُونَ مِنْ أَجْلِ الْكَسْرَةِ، وَذَكَرَ الدَّانِيُّ الْوَجْهَيْنِ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ.
رَابِعُهَا {سَاحِرَانِ}، وَ{تَنْتَصِرَانِ}، وَ{طَهِّرَا} فَفَخَّمَهَا مِنْ أَجْلِ أَلِفِ التَّثْنِيَةِ أَبُو مَعْشَرٍ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ بَلِّيمَةَ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ غَلْبُونَ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَيْهِ وَرَقَّقَهَا الْآخَرُونَ مِنْ أَجْلِ الْكَسْرَةِ، وَالْوَجْهَانِ جَمِيعًا فِي جَامِعِ الْبَيَانِ.
خَامِسُهَا {وَعَشِيرَتُكُمْ} فِي التَّوْبَةِ فَخَّمَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَهْدَوِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سُفْيَانَ، وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ، وَأَبُو الْقَاسِمِ خَلَفُ بْنُ خَاقَانَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ كَذَلِكَ إِسْمَاعِيلُ النَّخَّاسُ. قَالَ: الدَّانِيُّ، وَبِذَلِكَ قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ خَاقَانَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَامَّةُ أَصْحَابِ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ هِلَالٍ عَنْهُ. قَالَ: وَأَقْرَأَنِيهِ غَيْرُهُ بِالْإِمَالَةِ قِيَاسًا عَلَى نَظَائِرِهِ انْتَهَى. وَرَقَّقَهَا صَاحِبُ الْعُنْوَانِ، وَصَاحِبُ التَّذْكِرَةِ، وَأَبُو مَعْشَرٍ، وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّيْسِيرِ فَخَرَجَ عَنْ طَرِيقِهِ فِيهِ. وَالْوَجْهَانِ جَمِيعًا فِي جَامِعِ الْبَيَانِ، وَالْكَافِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَتَلْخِيصِ الْعِبَارَاتِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ.
[سَادِسُهَا وَ] سَابِعُهَا {وِزْرَكَ}، {ذِكْرَكَ}. فِي أَلَمْ نَشْرَحْ فَخَّمَهَا مَكِّيٌّ، وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ، وَالْمَهْدَوِيُّ وَابْنُ سُفْيَانَ وَأَبُو الْفَتْحِ فَارِسٌ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَجْلِ تَنَاسُبِ رُءُوسِ الْآيِ. وَرَقَّقَهَا الْآخَرُونَ عَلَى الْقِيَاسِ. وَالْوَجْهَانِ فِي التَّذْكِرَةِ وَالتَّلْخِيصَيْنِ، وَالْكَافِي. وَقَالَ: إِنَّ التَّفْخِيمَ فِيهِمَا أَكْثَرُ. وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ، وَقَالَ: إِنَّهُ قَرَأَ بِالتَّفْخِيمِ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ، وَاخْتَارَ التَّرْقِيقَ.
ثَامِنُهَا {وِزْرَ أُخْرَى} فَخَّمَهُ مَكِّيٌّ وَفَارِسُ بْنُ أَحْمَدَ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّجْرِيدِ. وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ، وَذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْجَامِعِ. وَرَقَّقَهُ الْآخَرُونَ عَلَى الْقِيَاسِ.
تَاسِعُهَا {إِجْرَامِي} فَخَّمَهُ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْكَافِي، وَرَقَّقَهُ الْآخَرُونَ وَمَكِّيٌّ وَابْنُ شُرَيْحٍ فِي الْوَجْهِ الْآخَرِ، وَقَالَ: إِنَّ تَرْقِيقَهَا أَكْثَرُ.
عَاشِرُهَا {حِذْرَكُمْ} فَخَّمَهُ مَكِّيٌّ وَابْنُ شُرَيْحٍ وَالْمَهْدَوِيُّ وَابْنُ سُفْيَانَ، وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ، وَانْفَرَدَ بِتَفْخِيمِ {حِذْرَكُمْ} وَرَقَّقَ ذَلِكَ الْآخَرُونَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ.
الْحَادِي عَشَرَ مِنْهَا {لَعِبْرَةً}، وَ{كِبْرَهُ} فَخَّمَهَا صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، وَالتَّجْرِيدِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي، وَرَقَّقَهَا الْآخَرُونَ.
الثَّانِي عَشَرَ مِنْهَا {وَالْإِشْرَاقِ}. فِي سُورَةِ ص. رَقَّقَهُ صَاحِبُ الْعُنْوَانِ، وَشَيْخُهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ مِنْ أَجْلِ كَسْرِ حَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ بَعْدُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي التَّذْكِرَةِ، وَتَلْخِيصِ أَبِي مَعْشَرٍ، وَجَامِعِ الْبَيَانِ، وَبِهِ قَرَأَ عَلَى ابْنِ غَلْبُونَ، وَهُوَ قِيَاسُ تَرْقِيقِ {فِرْقٍ} وَفَخَّمَهُ الْآخَرُونَ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ وَابْنِ خَاقَانَ. وَهُوَ اخْتِيَارُهُ أَيْضًا، وَهُوَ الْقِيَاسُ.
الثَّالِثَ عَشَرَ {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} فَخَّمَهُ وَصْلًا مِنْ أَجْلِ حَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ بَعْدَهُ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي، وَرَقَّقَهُ الْآخَرُونَ فِي الْحَالَيْنِ، وَالْوَجْهَانِ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ. قَالَ: وَلَا خِلَافَ فِي تَرْقِيقِهَا وَقْفًا انْتَهَى. وَانْفَرَدَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِتَفْخِيمِهَا أَيْضًا فِي الْوَقْفِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَالْأَصَحُّ تَرْقِيقُهَا فِي الْحَالَيْنِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِوُجُودِ حَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ بَعْدُ لِانْفِصَالِهِ وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَرْقِيقِ {الذِّكْرَ صَفْحًا}، وَ{لِيُنْذِرَ قَوْمًا}، وَ{الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} وَعَدَمُ تَأْثِيرِ حَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ فِي ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الِانْفِصَالِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَبَقِيَ مِنَ الرَّاءَاتِ وَتَفْخِيمِهَا الْمَفْتُوحَةُ مِمَّا اخْتَصَّ الْأَزْرَقُ بِتَرْقِيقِهِ حَرْفًا وَاحِدًا، وَهُوَ {بِشَرَرٍ} فِي سُورَةِ الْمُرْسَلَاتِ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ أَصْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ رَقَّقَ مِنْ أَجْلِ الْكَسْرَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ. وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى تَرْقِيقِهِ فِي الْحَالَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ فِي التَّيْسِيرِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَحَكَيَا عَلَى ذَلِكَ اتِّفَاقَ الرُّوَاةِ. وَكَذَلِكَ رَوَى تَرْقِيقَهُ أَيْضًا أَبُو مَعْشَرٍ، وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ، وَالتَّذْكِرَةِ، وَالْكَافِي. وَلَا خِلَافَ فِي تَفْخِيمِهِ مِنْ طَرِيقِ صَاحِبِ الْعُنْوَانِ، وَالْمَهْدَوِيِّ وَابْنِ سُفْيَانَ وَابْنِ بَلِّيمَةَ. وَقِيَاسُ تَرْقِيقِهِ تَرْقِيقُ {الضَّرَرِ}، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ رَوَى تَرْقِيقَهُ وَإِنْ كَانَ سِيبَوَيْهِ أَجَازَهُ وَحَكَاهُ سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ، وَعَلَّلَ أَهْلُ الْأَدَاءِ تَفْخِيمَهُ مِنْ أَجْلِ حَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ قَبْلَهُ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي التَّيْسِيرِ، وَلَمْ يَرْتَضِهِ فِي غَيْرِهِ. فَقَالَ: لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنَ الْإِمَالَةِ هُنَا لِقُوَّةِ جَرَّةِ الرَّاءِ كَمَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهَا كَذَلِكَ فِي نَحْوِ {الْغَارِ}، وَ{قِنْطَارًا} انْتَهَى. وَلَا شَكَّ أَنَّ ضَعْفَ السَّبَبِ يُؤَثِّرُ فِيهِ قُوَّةُ الْإِطْبَاقِ وَالِاسْتِعْلَاءِ بِخِلَافِ مَا مُثِّلَ بِهِ فَإِنَّ السَّبَبَ فِيهِ قَوِيٌّ وَسَيَأْتِي عِلَّةُ تَرْقِيقِهِ فِي الْوَقْفِ آخِرَ الْبَابِ. وَبَقِيَ مِنَ الرَّاءَاتِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْضًا مَا أُمِيلَ مِنْهَا نَحْوَ {ذِكْرَى}، وَ{بُشْرَى}، وَ{نَصَارَى}، وَ{سُكَارَى} وَحُكْمُهُ فِي نَوْعَيْهِ التَّرْقِيقُ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا، بِلَا خِلَافٍ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الرَّاءُ الْمَضْمُومَةُ وَتَفْخِيمُهَا فَإِنَّهَا أَيْضًا تَكُونُ أَوَّلَ الْكَلِمَةِ وَوَسَطَهَا وَآخِرَهَا. وَتَأْتِي أَيْضًا فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ: بَعْدَ مُتَحَرِّكٍ وَسَاكِنٍ، وَالسَّاكِنُ يَكُونُ يَاءً وَغَيْرَ يَاءٍ، فَمِثَالُهَا أَوَّلًا بَعْدَ الْفَتْحِ {وَرُدُّوا}، {وَرُمَّانٌ}، {وَأَقْرَبَ رُحْمًا}، وَبَعْدَ الْكَسْرِ {لِرُقِيِّكَ}، وَ{بِرُءُوسِكُمْ}، وَبَعْدَ الضَّمِّ {تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ}، وَبَعْدَ السَّاكِنِ الْيَاءِ {فِي رُؤْيَايَ}، وَغَيْرِ الْيَاءِ {الرُّجْعَى}، وَ{هُمْ رُقُودٌ}، {وَلَوْ رُدُّوا}. وَمِثَالُهَا وَسَطَ الْكَلِمَةِ بَعْدَ الْفَتْحِ {صَبَرُوا}، وَ{أَمَرُوا}، {فَعَقَرُوهَا}، وَبَعْدَ الضَّمِّ {يَشْكُرُونَ}، {فَاذْكُرُوا}، {وَالْحُرُمَاتُ}، وَبَعْدَ الْكَسْرِ {الصَّابِرُونَ}، وَ{مُمْطِرُنَا}، وَ{طَائِرُكُمْ}، وَ{يُبْصِرُونَ}، وَ{يَغْفِرُونَ}، وَ{يُشْعِرُكُمْ}، وَبَعْدَ السَّاكِنِ الْيَاءِ {كَبِيرُهُمْ}، وَ{سِيرُوا}، وَغَيْرُهُ. وَغَيْرِ الْيَاءِ عَنْ فَتْحٍ {لَعَمْرُكَ}، وَ{يَفْرُطَ}، وَعَنْ ضَمٍّ نَحْوَ: {وَزُخْرُفًا}، وَعَنْ كَسْرٍ نَحْوَ {عِشْرُونَ}، وَ{يَعْصِرُونَ}. وَمِثَالُهَا آخِرَ الْكَلِمَةِ بَعْدَ الْفَتْحِ مُنَوَّنَةً {بَشَرٌ}، وَ{نَفَرٌ}، وَغَيْرَ مُنَوَّنَةٍ {الْقَمَرُ}، وَ{الشَّجَرُ}، وَبَعْدَ الضَّمِّ مُنَوَّنَةً {حُمُرٌ}، وَ{سُرُرٌ}، وَغَيْرَ مُنَوَّنَةٍ {تُغْنِي النُّذُرُ}، وَبَعْدَ الْكَسْرِ مُنَوَّنَةً {شَاكِرٌ}، وَ{كَافِرٌ}، {وَمُنْفَطِرٌ}، وَ{مُسْتَمِرٌّ}، وَغَيْرَ مُنَوَّنَةٍ {السَّاحِرُ}، {وَالْآخِرُ}، وَ{السَّرَائِرُ}، وَ{الْمُدَّثِّرُ}، وَ{يَغْفِرُ}، وَ{يَقْدِرُ}، وَبَعْدَ السَّاكِنِ الْيَاءِ مُنَوَّنَةً {قَدِيرٌ}، وَ{خَبِيرٌ}، وَ{حَرِيرٌ}، وَغَيْرَ مُنَوَّنَةٍ {الْعِيرُ}، وَ{تَحْرِيرُ}، وَ{أَسَاطِيرُ}، وَعُزَيْرُ، وَ{غَيْرُ}، وَ{الْخَيْرُ}، وَبَعْدَ السَّاكِنِ غَيْرِ الْيَاءِ مُنَوَّنَةً: {بِكْرٌ}، وَ{ذِكْرٌ}، وَ{سِحْرٌ}، وَغَيْرَ مُنَوَّنَةٍ {السِّحْرُ}، وَ{الذِّكْرُ}، وَ{الْبِرُّ}، وَ{يُقِرُّ}. وَهَذِهِ أَقْسَامُ الْمَضْمُومَةِ مُسْتَوْفَاةٌ فَأَجْمَعُوا عَلَى تَفْخِيمِهَا فِي كُلِّ حَالٍ إِلَّا أَنْ تَجِيءَ وَسَطًا، أَوْ آخِرًا بَعْدَ كَسْرٍ، أَوْ يَاءٍ سَاكِنَةٍ، أَوْ حَالَ بَيْنَ الْكَسْرِ وَبَيْنَهَا سَاكِنٌ فَإِنَّ الْأَزْرَقَ عَنْ وَرْشٍ رَقَّقَهَا فِي ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ الرُّوَاةِ عَنْهُ، فَرَوَى بَعْضُهُمْ تَفْخِيمَهَا فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يُجْرُوهَا مُجْرَى الْمَفْتُوحَةِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي الْحَسَنِ طَاهِرِ بْنِ غَلْبُونَ صَاحِبِ التَّذْكِرَةِ، وَأَبِي طَاهِرٍ إِسْمَاعِيلَ بْنِ خَلَفٍ صَاحِبِ الْعُنْوَانِ، وَشَيْخِهِ عَبْدِ الْجَبَّارِ صَاحِبِ الْمُجْتَبَى، وَغَيْرِهِمْ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى شَيْخِهِ أَبِي الْحَسَنِ. وَرَوَى جُمْهُورُهُمْ تَرْقِيقَهَا، وَهُوَ الَّذِي فِي التَّيْسِيرِ وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصَيْنِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالتَّجْرِيدِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَغَيْرِهَا. وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى شَيْخِهِ الْخَاقَانِيِّ وَأَبِي الْفَتْحِ وَنَقَلَهُ عَنْ عَامَّةِ أَهْلِ الْأَدَاءِ مِنْ أَصْحَابِ وَرْشٍ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ، وَالْمَغَارِبَةِ. قَالَ: وَرَوَى ذَلِكَ مَنْصُوصًا أَصْحَابُ النَّخَّاسِ وَابْنُ هِلَالٍ وَابْنُ دَاوُدَ وَابْنُ سَيْفٍ وَبَكْرُ بْنُ سَهْلٍ وَمُوَاسُ بْنُ سَهْلٍ عَنْهُمْ عَنْ أَصْحَابِهِمْ عَنْ وَرْشٍ. قُلْتُ: وَالتَّرْقِيقُ هُوَ الْأَصَحُّ نَصًّا وَرِوَايَةً وَقِيَاسًا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ رَوَوْا تَرْقِيقَ الْمَضْمُومَةِ فِي حَرْفَيْنِ، وَهُمَا: {عِشْرُونَ}، وَ{كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} فَفَخَّمَهَا مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، وَالْمَهْدَوِيُّ وَابْنُ سُفْيَانَ، وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ. وَرَقَّقَهَا أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ وَشَيْخَاهُ أَبُو الْفَتْحِ وَالْخَاقَانِيُّ وَأَبُو مَعْشَرٍ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ بَلِّيمَةَ وَأَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
وَأَمَّا الرَّاءُ الْمَكْسُورَةُ فَإِنَّهَا مُرَقَّقَةٌ لِجَمِيعِ الْقُرَّاءِ مِنْ غَيْرِ خُلْفٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَهِيَ تَكُونُ أَيْضًا أَوَّلَ الْكَلِمَةِ وَوَسَطَهَا وَآخِرَهَا، فَمِثَالُهَا أَوَّلًا {رِزْقًا}، وَ{رِجْسٌ}، وَ{رِيحًا}، وَ{رِجَالٌ}، وَ{رِكْزًا}، وَ{رِضْوَانٍ}، وَ{رِبِّيُّونَ}، وَمِثَالُهَا وَسَطًا {فَارِضٌ}، وَ{فَارِهِينَ}، وَ{كَارِهِينَ}، وَ{الطَّارِقِ}، وَ{الْقَارِعَةُ}، وَ{بِضَارِّهِمْ}، وَ{يُوَارِي}، وَ{عِفْرِيتٌ}، وَ{إِصْرِي}، وَمِثَالُهَا آخِرًا {إِلَى النُّورِ}، وَ{بِالزُّبُرِ}، وَ{مِنَ الدَّهْرِ}، وَ{الطُّورِ}، وَ{الْمَعْمُورِ}، وَ{بِالنُّذُرِ}، وَ{الْفَجْرِ}، وَ{إِلَى الطَّيْرِ}، وَ{الْمُنِيرِ}، وَ{فِي الْحَرِّ} وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمَجْرُورَاتِ بِالْإِضَافَةِ، أَوْ بِالْحَرْفِ، أَوْ بِالتَّبَعِيَّةِ فَإِنَّ الْكَسْرَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَارِضَةٌ لِأَنَّهَا حَرَكَةُ إِعْرَابٍ، وَكَذَلِكَ مَا كُسِرَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ فِي الْوَصْلِ نَحْوَ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ}، وَ{مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ}، وَكَذَلِكَ مَا تَحَرَّكَ بِحَرَكَةِ النَّقْلِ نَحْوَ: وَانْحَرِ انَّ شَانِئَكَ. وَانْتَظِرِ انَّهُمْ. وَفَلْيَكْفُرِ انَّا أَعْتَدْنَا. وَانْظُرِ الَى فَأَجْمَعَ الْقُرَّاءُ عَلَى تَرْقِيقِ هَذِهِ الرَّاءَاتِ الْمُتَطَرِّفَاتِ وَصْلًا كَمَا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْقِيقِهَا مُبْتَدَأَةً وَمُتَوَسِّطَةً إِذَا كَانَتْ مَكْسُورَةً. فَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَيْهَا إِذَا كَانَتْ آخِرًا فَنَذْكُرُهُ فِي فَصْلٍ بَعْدَ ذَلِكَ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَأَمَّا الرَّاءُ السَّاكِنَةُ فَتَكُونُ أَيْضًا، أَوَّلًا وَوَسَطًا وَآخِرًا وَتَكُونُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَعْدَ ضَمٍّ وَفَتْحٍ وَكَسْرٍ. فَمِثَالُهَا أَوَّلًا بَعْدَ فَتْحٍ {وَارْزُقْنَا}، {وَارْحَمْنَا}، وَبَعْدَ ضَمٍّ: {ارْكُضْ}، وَبَعْدَ كَسْرٍ يَا بُنَيِّ ارْكَبْ. وَ{أَمِ ارْتَابُوا}، وَ{رَبِّ ارْجِعُونِ}، وَ{الَّذِي ارْتَضَى}، وَ{لِمَنِ ارْتَضَى} فَالَّتِي بَعْدَ فَتْحٍ لَا بُدَّ أَنْ تَقَعَ بَعْدَ حَرْفِ عَطْفٍ. وَالَّتِي بَعْدَ ضَمٍّ تَكُونُ بَعْدَ هَمْزَةِ الْوَصْلِ ابْتِدَاءً، وَقَدْ تَكُونُ كَذَلِكَ بَعْدَ ضَمٍّ وَصْلًا. وَقَدْ تَكُونُ بَعْدَ كَسْرٍ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْقُرَّاءِ كَمَا مَثَّلْنَا بِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {بِعَذَابٍ ارْكُضْ} يُقْرَأُ بِضَمِّ التَّنْوِينِ قَبْلُ عَلَى قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَابْنِ كَثِيرٍ وَالْكِسَائِيِّ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَخَلَفٍ وَهِشَامٍ. وَيُقْرَأُ بِالْكَسْرِ عَلَى قِرَاءَةِ أَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ وَحَمْزَةَ وَيَعْقُوبَ وَابْنِ ذَكْوَانَ. فَهِيَ مُفَخَّمَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِوُقُوعِهَا بَعْدَ ضَمٍّ وَلِكَوْنِ الْكَسْرَةِ عَارِضَةً، وَكَذَلِكَ {أَمِ ارْتَابُوا}. وَيَا بُنَيِّ ارْكَبْ. وَ{رَبِّ ارْجِعُونِ} وَنَحْوُهُ فَتَفْخِيمُهَا أَيْضًا ظَاهِرٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا}، وَ{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي}، وَ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا}، وَ{الَّذِينَ ارْتَدُّوا}، وَ{تَفْرَحُونَ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} فَلَا تَقَعُ الْكَسْرَةُ قَبْلَ الرَّاءِ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ إِلَّا فِي الِابْتِدَاءِ فَهِيَ أَيْضًا فِي ذَلِكَ مُفَخَّمَةٌ لِعُرُوضِ الْكَسْرِ قَبْلَهَا وَكَوْنِ الرَّاءِ فِي ذَلِكَ أَصْلُهَا التَّفْخِيمُ، وَأَمَّا الرَّاءُ السَّاكِنَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ فَتَكُونُ أَيْضًا بَعْدَ فَتْحٍ وَضَمٍّ وَكَسْرٍ. فَمِثَالُهَا بَعْدَ الْفَتْحِ {بَرْقٌ}، وَ{خَرْدَلٍ}، وَ{الْأَرْضِ}، وَ{يَرْجِعُونَ}، وَ{الْعَرْشِ}، وَ{الْمَرْجَانُ}، وَ{وَرْدَةً}، وَ{صَرْعَى}. فَالرَّاءُ مُفَخَّمَةٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِجَمِيعِ الْقُرَّاءِ لَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافٌ فِي حَرْفٍ مِنَ الْحُرُوفِ سِوَى ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ، وَهِيَ {قَرْيَةٍ}، {وَمَرْيَمَ}، وَ{الْمَرْءِ} فَأَمَّا {قَرْيَةٍ} حَيْثُ وَقَعَتْ {وَمَرْيَمَ} فَنَصَّ عَلَى التَّرْقِيقِ فِيهِمَا لِجَمِيعِ الْقُرَّاءِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سُفْيَانَ وَأَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْمَهْدَوِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ شُرَيْحٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ ابْنُ الْفَحَّامِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيُّ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَجْلِ سُكُونِهَا وَوُقُوعِ الْيَاءِ بَعْدَهَا، وَقَدْ بَالَغَ أَبُو الْحَسَنِ الْحُصْرِيُّ فِي تَغْلِيطِ مَنْ يَقُولُ بِتَفْخِيمِ ذَلِكَ فَقَالَ: وَإِنْ سَكَنَتْ وَالْيَاءُ بَعْدُ كَمَرْيَمَ *** فَرَقِّقْ وَغَلِّطْ مَنْ يُفَخِّمُ عَنْ قَهْرٍ وَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْأَدَاءِ إِلَى التَّفْخِيمِ فِيهِمَا، وَهُوَ الَّذِي لَا يُوجَدُ نَصٌّ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ بِخِلَافِهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ. وَقَدْ غَلِطَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ وَأَصْحَابُهُ الْقَائِلِينَ بِخِلَافِهِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْأَخْذِ بِالتَّرْقِيقِ لِوَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ وَبِالتَّفْخِيمِ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ بَلِّيمَةَ وَغَيْرِهِ، وَالصَّوَابُ الْمَأْخُوذُ بِهِ هُوَ التَّفْخِيمُ لِلْجَمِيعِ لِسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَ فَتْحٍ، وَلَا أَثَرَ لِوُجُودِ الْيَاءِ بَعْدَهَا فِي التَّرْقِيقِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وَرْشٍ، وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا {الْمَرْءِ} مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}، وَ{الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} فَذَكَرَ بَعْضُهُمْ تَرْقِيقَهَا لِجَمِيعِ الْقُرَّاءِ مِنْ أَجْلِ كَسْرَةِ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَهْوَازِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْمَغَارِبَةِ إِلَى تَرْقِيقِهَا لِوَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْمِصْرِيِّينَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الْأُذْفُوِيِّ وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْفَحَّامِ وَزَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى وَمُحَمَّدِ بْنِ خَيْرُونَ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ بَلِّيمَةَ وَأَبِي الْحَسَنِ الْحُصْرِيِّ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ وَالتَّبْصِرَةِ، وَالْكَافِي، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: إِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ وَرْشٍ التَّرْقِيقُ، وَقَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ التَّفْخِيمُ أَكْثَرُ وَأَحْسَنُ، وَقَالَ: الْحُصْرِيُّ: وَلَا تَقْرَأَنْ رَا الْمَرْءِ إِلَّا رَقِيقَةً *** لَدَى سُورَةِ الْأَنْفَالِ أَوْ قِصَّةِ السِّحْرِ وَقَالَ الدَّانِيُّ: وَقَدْ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ هِلَالٍ، وَغَيْرِهِ يَرْوُونَ عَنْ قِرَاءَتِهِمْ تَرْقِيقَ الرَّاءِ فِي قَوْلِهِ: {بَيْنَ الْمَرْءِ} حَيْثُ وَقَعَ مِنْ أَجْلِ جَرَّةِ الْهَمْزَةِ، وَقَالَ: وَتَفْخِيمُهَا أَقْيَسُ لِأَجْلِ الْفَتْحَةِ قَبْلَهَا، وَبِهِ قَرَأْتُ انْتَهَى. وَالتَّفْخِيمُ هُوَ الْأَصَحُّ وَالْقِيَاسُ لِوَرْشٍ، وَجَمِيعِ الْقُرَّاءِ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْ فِي الشَّاطِبِيَّةِ، وَالتَّيْسِيرِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْهِدَايَةِ، وَسَائِرُ أَهْلِ الْأَدَاءِ سِوَاهُ. وَأَجْمَعُوا عَلَى تَفْخِيمِ {تَرْمِيهِمْ}، وَ{فِي السَّرْدِ}، وَ{رَبُّ الْعَرْشِ}، وَ{الْأَرْضِ} وَنَحْوِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ {الْمَرْءِ}- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِثَالُهَا بَعْدَ الضَّمِّ {الْقُرْآنُ}، وَ{الْفُرْقَانَ}، وَ{الْغُرْفَةَ}، وَ{كُرْسِيُّهُ}، وَ{الْخُرْطُومِ}، وَ{تُرْجِي}، وَ{سَأُرْهِقُهُ}، وَ{زُرْتُمُ} فَلَا خِلَافَ فِي تَفْخِيمِ الرَّاءِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَمِثَالُهَا بَعْدَ الْكَسْرَةِ {فِرْعَوْنَ}، وَ{شِرْعَةً}، وَ{شِرْذِمَةٌ}، وَ{مِرْيَةٍ}، وَ{الْفِرْدَوْسِ}، وَ{أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ}، وَ{أُحْصِرْتُمْ}، وَ{اسْتَأْجِرْهُ}، وَ{أُمِرْتُ}، وَيَنْفَطِرْنَ، وَقِرْنَ فَأَجْمَعُوا عَلَى تَرْقِيقِ الرَّاءِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِوُقُوعِهَا سَاكِنَةً بَعْدَ كَسْرٍ. فَإِنْ وَقَعَ بَعْدَهَا حَرْفُ اسْتِعْلَاءٍ فَلَا خِلَافَ فِي تَفْخِيمِهَا مِنْ أَجْلِ حَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ وَالَّذِي وَرَدَ مِنْهَا فِي الْقُرْآنِ سَاكِنَةً بَعْدَ كَسْرٍ، وَبَعْدَهَا حَرْفُ اسْتِعْلَاءٍ {قِرْطَاسٍ} فِي الْأَنْعَامِ وَ{فِرْقَةٍ}، وَ{إِرْصَادًا} فِي التَّوْبَةِ {وَمِرْصَادًا} فِي النَّبَأِ وَ{بِالْمِرْصَادِ} فِي الْفَجْرِ؛ وَقَدْ شَذَّ بَعْضُهُمْ فَحَكَى تَرْقِيقَ مَا وَقَعَ بَعْدَ حَرْفِ اسْتِعْلَاءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنْ وَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي، وَتَلْخِيصِ ابْنِ بَلِّيمَةَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ مَا عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْأَدَاءِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاخْتَلَفُوا فِي {فِرْقٍ} مِنْ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ مِنْ أَجْلِ كَسْرِ حَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ، وَهُوَ الْقَافُ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْمَغَارِبَةِ، وَالْمِصْرِيِّينَ إِلَى تَرْقِيقِهِ، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالتَّجْرِيدِ، وَغَيْرِهَا. وَذَهَبَ سَائِرُ أَهْلِ الْأَدَاءِ إِلَى التَّفْخِيمِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ نَصِّ التَّيْسِيرِ وَظَاهِرِ الْعُنْوَانِ وَالتَّلْخِيصَيْنِ، وَغَيْرِهَا. وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَنَصَّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ صَاحِبُ جَامِعِ الْبَيَانِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَالْإِعْلَانِ، وَغَيْرِهَا. وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ إِلَّا أَنَّ النُّصُوصَ مُتَوَاتِرَةٌ عَلَى التَّرْقِيقِ، وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ، وَذَكَرَ الدَّانِيُّ فِي غَيْرِ التَّيْسِيرِ، وَالْجَامِعِ، أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُفَخِّمُ رَاءَ {فِرْقٍ} مِنْ أَجْلِ حَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ قَالَ: وَالْمَأْخُوذُ بِهِ التَّرْقِيقُ لِأَنَّ حَرْفَ الِاسْتِعْلَاءِ قَدِ انْكَسَرَتْ صَوْلَتُهُ لِتَحَرُّكِهِ بِالْكَسْرِ انْتَهَى. وَالْقِيَاسُ إِجْرَاءُ الْوَجْهَيْنِ فِي {فِرْقَةٍ} حَالَةَ الْوَقْفِ لِمَنْ أَمَالَ هَاءَ التَّأْنِيثِ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهَا نَصًّا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا {مِرْفَقًا}، فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْأَدَاءِ تَفْخِيمَهَا لِمَنْ كَسَرَ الْمِيمَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ مِنْ أَجْلِ زِيَادَةِ الْمِيمِ وَعُرُوضِ كَسْرَتِهَا، وَبِهِ قَطَعَ فِي التَّجْرِيدِ وَحَكَاهُ فِي الْكَافِي أَيْضًا عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَلَمْ يُرَجِّحْ شَيْئًا وَالصَّوَابُ فِيهِ التَّرْقِيقُ وَأَنَّ الْكَسْرَةَ فِيهِ لَازِمَةٌ وَإِنْ كَانَتِ الْمِيمُ زَائِدَةً كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُرَقَّقْ {إِخْرَاجًا}، وَ{الْمِحْرَابِ} لِوَرْشٍ، وَلَا فُخِّمَتْ {إِرْصَادًا}، وَ{الْمِرْصَادِ} مِنْ أَجْلِ حَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ آخِرَ الْبَابِ، وَأَمَّا الرَّاءُ السَّاكِنَةُ الْمُتَطَرِّفَةُ فَتَكُونُ كَذَلِكَ بَعْدَ فَتْحٍ، وَبَعْدَ ضَمٍّ، وَبَعْدَ كَسْرٍ فَمِثَالُهَا بَعْدَ الْفَتْحِ: {يُغْفَرْ}، وَ{لَمْ يَتَغَيَّرْ}، وَ{لَا يَسْخَرْ}، وَ{لَا تَذَرْ}، وَ{لَا تَقْهَرْ}، وَ{لَا تَنْهَرْ}، وَمِثَالُهَا بَعْدَ الضَّمِّ {فَانْظُرْ}، وَ{أَنِ اشْكُرْ}، {فَلَا تَكْفُرْ} فَلَا خِلَافَ فِي تَفْخِيمِ الرَّاءِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِجَمِيعِ الْقُرَّاءِ. وَمِثَالُهَا بَعْدَ الْكَسْرِ {اسْتَغْفِرْ}، وَ{يَغْفِرْ}، {وَأَبْصِرْ}، {وَقَدِّرْ}، {وَاصْبِرْ}، {وَاصْطَبِرْ}، {وَلَا تُصَعِّرْ}، وَلَا خِلَافَ فِي تَرْقِيقِ الرَّاءِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِوُقُوعِهَا سَاكِنَةً بَعْدَ الْكَسْرِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِوُجُودِ حَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ بَعْدَهَا فِي هَذَا الْقِسْمِ لِانْفِصَالِهِ عَنْهَا، وَذَلِكَ نَحْوَ {فَاصْبِرْ صَبْرًا}، وَ{أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ}، {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ}.
قَدْ تَقَدَّمَ أَقْسَامُ الرَّاءِ الْمُتَطَرِّفَةِ، وَهِيَ لَا تَخْلُو فِي الْوَصْلِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ سَاكِنَةً، أَوْ مُتَحَرِّكَةً فَإِنْ كَانَتْ سَاكِنَةً نَحْوَ {اذْكُرْ}، {فَلَا تَنْهَرْ}، وَ{أَنْذِرْ قَوْمَكَ}، أَوْ كَانَتْ مَفْتُوحَةً نَحْوَ {أَمَرَ}، وَ{لِيَفْجُرَ}، وَ{لَنْ نَصْبِرَ}، وَ{السِّحْرَ}، وَ{الْخَيْرَ}، وَ{الْحَمِيرَ}، أَوْ كَانَتْ مَكْسُورَةً لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ نَحْوَ {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ}، وَ{أَنْذِرِ النَّاسَ}، أَوْ كَانَتْ كَسْرَتُهَا مَنْقُولَةً نَحْوَ وَانْحَرِ انَّ شَانِئَكَ، وَانْظُرِ الَى الْجَبَلِ وَفَاصْبِرِ انَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِنَّ الْوَقْفَ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ بِالسُّكُونِ لَا غَيْرَ- وَإِنْ كَانَتْ مَكْسُورَةً- وَالْكَسْرَةُ فِيهَا لِلْإِعْرَابِ نَحْو {بِالْبِرِّ}، وَ{نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ}، وَ{بِالْحُرِّ}، وَ{إِلَى الْخَيْرِ}، وَ{لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}، أَوْ كَانَتْ كَسْرَتُهَا لِلْإِضَافَةِ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ نَحْوَ {نُذُرِ}، وَ{نَكِيرِ}، أَوْ كَانَتِ الْكَسْرَةُ فِي عَيْنِ الْكَلِمَةِ نَحْوَ {يَسْرِ} فِي الْفَجْرِ وَ{الْجَوَارِ} فِي الشُّورَى وَالرَّحْمَنِ وَالتَّكْوِيرِ وَ{هَارٍ} فِي التَّوْبَةِ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْقَلْبِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا الْكَسْرَةُ فِيهِ لَيْسَتْ مَنْقُولَةً، وَلَا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ جَازَ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهَا الرَّوْمُ وَالسُّكُونُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ. وَإِنْ كَانَتْ مَرْفُوعَةً نَحْو {قُضِيَ الْأَمْرُ}، وَ{الْكِبَرُ}، وَ{الْأُمُورُ}، وَ{النُّذُرُ}، وَ{الْأَشِرُ}، وَ{الْخَيْرُ}، وَ{الْعِيرُ} جَازَ الْوَقْفُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِالرَّوْمِ، وَالْإِشْمَامِ وَالسُّكُونِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ. إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّكَ مَتَى وَقَفْتَ عَلَى الرَّاءِ بِالسُّكُونِ، أَوْ بِالْإِشْمَامِ نَظَرْتَ إِلَى مَا قَبْلَهَا. فَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا كَسْرَةٌ، أَوْ سَاكِنٌ بَعْدَ كَسْرَةٍ، أَوْ يَاءٌ سَاكِنَةٌ، أَوْ فَتْحَةٌ مُمَالَةٌ، أَوْ مُرَقَّقَةٌ نَحْوَ {بُعْثِرَ}، وَ{الشِّعْرَ}، وَ{الْخَنَازِيرَ}، وَ{لَا ضَيْرَ}، وَ{نَذِيرٍ}، وَ{نَكِيرِ}، وَ{الْعِيرُ}، وَ{الْخَيْرُ}، وَ{بِالْبِرِّ}، وَ{الْقَنَاطِيرِ}، وَ{إِلَى الطَّيْرِ}، {وَفِي الدَّارِ}، وَ{كِتَابَ الْأَبْرَارِ} عِنْدَ مَنْ أَمَالَ الْأَلِفَ وَ{بِشَرَرٍ} عِنْدَ مَنْ رَقَّقَ الرَّاءَ رُقِّقَتِ الرَّاءُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا غَيْرُ ذَلِكَ فَخَّمْتَهَا. هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُورُ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْوَقْفِ عَلَيْهَا بِالتَّرْقِيقِ إِنْ كَانَتْ مَكْسُورَةً لِعُرُوضِ الْوَقْفِ كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّنْبِيهَاتِ آخِرَ الْبَابِ. وَلَكِنْ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْكَسْرَةِ الْعَارِضَةِ فِي حَالٍ وَاللَّازِمَةِ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا سَيَأْتِي- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَتَّى وَقَفْتَ عَلَيْهَا بِالرَّوْمِ اعْتُبِرَتْ حَرَكَتُهَا فَإِنْ كَانَتْ كَسْرَةً رَقَّقْتَهَا لِلْكُلِّ وَإِنْ كَانَتْ ضَمَّةً نَظَرْتَ إِلَى مَا قَبْلَهَا فَإِنْ كَانَ كَسْرَةً، أَوْ سَاكِنًا بَعْدَ كَسْرَةٍ، أَوْ يَاءً سَاكِنَةً رَقَّقْتَهَا لِوَرْشٍ وَحْدَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ وَفَخَّمْتَهَا لِلْبَاقِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَخَّمْتَهَا لِلْكُلِّ إِلَّا إِذَا كَانَتْ مَكْسُورَةً فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَقِفُ عَلَيْهَا بِالتَّرْقِيقِ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ كَسْرَةِ الْبِنَاءِ وَكَسْرَةِ الْإِعْرَابِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ آخِرَ الْبَابِ. فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاءَ الْمُتَطَرِّفَةَ إِذَا سَكَنَتْ فِي الْوَقْفِ جَرَتْ مُجْرَى الرَّاءِ السَّاكِنَةِ فِي وَسَطِ الْكَلِمَةِ تُفَخَّمُ بَعْدَ الْفَتْحَةِ وَالضَّمَّةِ، نَحْوَ {الْعَرْشِ}، وَ{كُرْسِيُّهُ} وَتُرَقَّقُ بَعْدَ الْكَسْرَةِ نَحْوَ {شِرْذِمَةٌ} وَأُجْرِيَتِ الْيَاءُ السَّاكِنَةُ وَالْفَتْحَةُ الْمُمَالَةُ قَبْلَ الرَّاءِ الْمُتَطَرِّفَةِ إِذَا سَكَنَتْ مُجْرَى الْكَسْرَةِ وَأُجْرِيَ الْإِشْمَامُ فِي الْمَرْفُوعَةِ مُجْرَى السُّكُونِ، وَإِذَا وُقِفَ عَلَيْهَا بِالرَّوْمِ جَرَتْ مُجْرَاهَا فِي الْوَصْلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْأَوَّلُ: إِذَا وَقَعَتِ الرَّاءُ طَرَفًا بَعْدَ سَاكِنٍ هُوَ بَعْدَ كَسْرَةٍ وَكَانَ ذَلِكَ السَّاكِنُ حَرْفَ اسْتِعْلَاءٍ وَوُقِفَ عَلَى الرَّاءِ بِالسُّكُونِ، وَذَلِكَ نَحْوَ {مِصْرَ}، وَ{عَيْنَ الْقِطْرِ} فَهَلْ يُعْتَدُّ بِحَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ فَتُفَخَّمَ أَمْ لَا يُعْتَدُّ فَتُرَقَّقُ؟ رَأْيَانِ لِأَهْلِ الْأَدَاءِ فِي ذَلِكَ فَعَلَى التَّفْخِيمِ نَصَّ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ شُرَيْحٍ، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ قِيَاسُ مَذْهَبِ وَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْمِصْرِيِّينَ، وَعَلَى التَّرْقِيقِ نَصَّ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي كِتَابِ الرَّاءَاتِ، وَفِي جَامِعِ الْبَيَانِ، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الْجَمَاعَةِ لَكِنِّي أَخْتَارُ فِي {مِصْرَ} التَّفْخِيمَ، وَفِي قَصْرٍ التَّرْقِيقَ نَظَرًا لِلْوَصْلِ وَعَمَلًا بِالْأَصْلِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّانِي: إِذَا وَقَفْتَ بِالسُّكُونِ عَلَى {بِشَرَرٍ} لِمَنْ يُرَقِّقُ الرَّاءَ الْأُولَى رُقِّقَتِ الثَّانِيَةُ وَإِنْ وَقَعَتْ بَعْدَ فَتْحٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّاءَ الْأُولَى إِنَّمَا رُقِّقَتْ فِي الْوَصْلِ مِنْ أَجْلِ تَرْقِيقِ الثَّانِيَةِ فَلَمَّا وُقِفَ عَلَيْهَا رُقِّقَتِ الثَّانِيَةُ مِنْ أَجْلِ الْأُولَى فَهُوَ فِي الْحَالَيْنِ تَرْقِيقٌ لِتَرْقِيقٍ كَالْإِمَالَةِ لِلْإِمَالَةِ.
الثَّالِثُ: إِذَا وَقَفْتَ عَلَى نَحْوِ {الدَّارُ}، وَ{النَّارَ}، وَ{النَّهَارِ}، وَ{الْقَرَارُ}، وَ{الْأَبْرَارِ} لِأَصْحَابِ الْإِمَالَةِ فِي نَوْعَيْهَا رَقَقْتَ الرَّاءَ بِحَسَبِ الْإِمَالَةِ وَشَذَّ مَكِّيٌّ بِالتَّفْخِيمِ لِوَرْشٍ مَعَ إِمَالَةٍ بَيْنَ بَيْنَ فَقَالَ فِي آخِرِ بَابِ الْإِمَالَةِ فِي الْوَقْفِ لِوَرْشٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَخْتَارُ لَهُ الرَّوْمَ قَالَ مَا نَصُّهُ: فَإِذَا وَقَفْتَ لَهُ بِالْإِسْكَانِ وَتَرَكْتَ الِاخْتِيَارَ وَجَبَ أَنْ تُغَلِّظَ الرَّاءَ لِأَنَّهَا تَصِيرُ سَاكِنَةً قَبْلَهَا فَتْحَةٌ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ تَقِفَ بِالتَّرْقِيقِ كَالْوَصْلِ لِأَنَّ الْوَقْفَ عَارِضٌ وَالْكَسْرَ مَنَوِيٌّ. وَقَالَ: فِي آخِرِ بَابِ الرَّاءَاتِ: فَأَمَّا النَّارُ فِي مَوْضِعِ الْخَفْضِ فِي قِرَاءَةِ وَرْشٍ، فَتَقِفُ إِذَا سَكَّنَتْ بِالتَّغْلِيظِ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ تَرُومَ الْحَرَكَةَ فَتُرَقِّقَ إِذَا وَقَفْتَ انْتَهَى، وَهُوَ قَوْلٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، بَلِ الصَّوَابُ التَّرْقِيقُ مِنْ أَجْلِ الْإِمَالَةِ سَوَاءً أَسَكَّنْتَ أَمْ رُمْتَ لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَعَلَيْهِ أَهْلُ الْأَدَاءِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعُ إِذَا وَصَلْتَ: ذِكْرَى الدَّارِ. لِوَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ رَقَّقْتَ الرَّاءَ مِنْ أَجْلِ كَسْرَةِ الذَّالِ فَإِذَا وَقَفْتَ رَقَّقْتَهَا مِنْ أَجْلِ أَلِفِ التَّأْنِيثِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَبَّهَ عَلَيْهَا أَبُو شَامَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ: لَمْ أَرَ أَحَدًا نَبَّهَ عَلَيْهَا فَقَالَ: إِنَّ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنِ امْتَنَعَتْ إِمَالَةُ أَلِفِهَا وَصْلًا فَلَا يَمْتَنِعُ تَرْقِيقُ رَائِهَا فِي مَذْهَبِ وَرْشٍ عَلَى أَصْلِهِ لِوُجُودِ مُقْتَضَى ذَلِكَ، وَهُوَ الْكَسْرُ قَبْلَهَا، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ حَجْزُ السَّاكِنِ بَيْنَهُمَا فَيَتَّحِدُ لَفْظُ التَّرْقِيقِ، وَإِمَالَةٌ بَيْنَ بَيْنَ فِي هَذَا فَكَأَنَّهُ أَمَالَ الْأَلِفَ وَصْلًا انْتَهَى. وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهَا أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ، وَذَكَرَ أَنَّ التَّرْقِيقَ فِي {ذِكْرَى الدَّارِ} مِنْ أَجْلِ الْيَاءِ لَا مِنْ أَجْلِ الْكَسْرِ انْتَهَى. وَمُرَادُهُ بِالتَّرْقِيقِ الْإِمَالَةُ، وَفِيمَا قَالَهُ مِنْ ذَلِكَ نَظَرٌ، بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ تَرْقِيقَهَا مِنْ أَجْلِ الْكَسْرِ.
الْخَامِسُ: الْكَسْرَةُ تَكُونُ لَازِمَةً وَعَارِضَةً فَاللَّازِمَةُ مَا كَانَتْ عَلَى حَرْفٍ أَصْلِيٍّ، أَوْ مُنَزَّلٍ مَنْزِلَةَ الْأَصْلِيِّ يَخِلُّ إِسْقَاطُهُ بِالْكَلِمَةِ وَالْعَارِضَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَقِيلَ الْعَارِضَةُ مَا كَانَتْ عَلَى حَرْفٍ زَائِدٍ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ، وَغَيْرُهُ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مِرْفَقًا فِي قِرَاءَةِ مَنْ كَسَرَ الْمِيمَ وَفَتَحَ الْفَاءَ، وَهُمْ أَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ، كَمَا تَقَدَّمَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ تَكُونُ لَازِمَةً فَتُرَقَّقُ الرَّاءُ مَعَهَا، وَعَلَى الثَّانِي تَكُونُ عَارِضَةً فَتُفَخَّمُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَرْقِيقِ {الْمِحْرَابَ}، {وَإِخْرَاجًا} لِوَرْشٍ، دُونَ تَفْخِيمِ {مِرْصَادًا}، وَ{لَبِالْمِرْصَادِ} مِنْ أَجْلِ حَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ بَعْدُ لَا مِنْ أَجْلِ عُرُوضِ الْكَسْرَةِ قَبْلُ كَمَا قَدَّمْنَا.
السَّادِسُ: اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي أَصْلِ الرَّاءِ هَلْ هُوَ التَّفْخِيمُ، وَإِنَّمَا تُرَقَّقُ لِسَبَبٍ أَوْ أَنَّهَا عَرِيَّةٌ عَنْ وَصْفَيِ التَّرْقِيقِ وَالتَّفْخِيمِ فَتُفَخَّمُ لِسَبَبٍ وَتُرَقَّقُ لِآخَرَ؟ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْأَوَّلِ وَاحْتَجَّ لَهُ مَكِّيٌّ فَقَالَ: إِنَّ كُلَّ رَاءٍ غَيْرِ مَكْسُورَةٍ فَتَغْلِيظُهَا جَائِزٌ وَلَيْسَ كُلُّ رَاءٍ فِيهَا التَّرْقِيقُ؛ أَلَّا تَرَى أَنَّكَ لَوْ قُلْتَ {رَغَدًا}، وَ{رُقُودُ} وَنَحْوُهُ بِالتَّرْقِيقِ لَغَيَّرَتْ لَفْظَ الرَّاءِ إِلَى نَحْوِ الْإِمَالَةِ؟ قَالَ: وَهَذَا مِمَّا لَا يُمَالُ، وَلَا عِلَّةَ فِيهِ تُوجِبُ الْإِمَالَةَ انْتَهَى. وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الرَّاءِ التَّفْخِيمُ بِكَوْنِهَا مُتَمَكِّنَةً فِي ظَهْرِ اللِّسَانِ فَقَرُبَتْ بِذَلِكَ مِنَ الْحَنَكِ الْأَعْلَى الَّذِي بِهِ تَتَعَلَّقُ حُرُوفُ الْإِطْبَاقِ وَتَمَكَّنَتْ مَنْزِلَتُهَا لِمَا عُرِضَ لَهَا مِنَ التَّكْرَارِ حَتَّى حَكَمُوا لِلْفَتْحَةِ فِيهَا بِأَنَّهَا فِي تَقْدِيرِ فَتْحَتَيْنِ كَمَا حَكَمُوا لِلْكَسْرَةِ فِيهَا بِأَنَّهَا فِي قُوَّةِ كَسْرَتَيْنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ لِلرَّاءِ أَصْلٌ فِي التَّفْخِيمِ، وَلَا فِي التَّرْقِيقِ، وَإِنَّمَا يَعْرِضُ لَهَا ذَلِكَ بِحَسَبِ حَرَكَتِهَا فَتُرَقَّقُ مَعَ الْكَسْرَةِ لِتُسْفِلَهَا وَتُفَخَّمُ مَعَ الْفَتْحَةِ وَالضَّمَّةِ لِتُصْعِدَهُمَا فَإِذَا سَكَنَتْ جَرَتْ عَلَى حُكْمِ الْمُجَاوِرِ لَهَا، وَأَيْضًا، فَقَدْ وَجَدْنَاهَا تُرَقَّقُ مَفْتُوحَةً، وَمَضْمُومَةً إِذَا تَقَدَّمَهَا كَسْرَةٌ، أَوْ يَاءٌ سَاكِنَةٌ فَلَوْ كَانَتْ فِي نَفْسِهَا مُسْتَحِقَّةً لِلتَّفْخِيمِ لَبَعُدَ أَنْ يَبْطُلَ مَا تَسْتَحِقُّهُ فِي نَفْسِهَا لِسَبَبٍ خَارِجٍ عَنْهَا كَمَا كَانَ ذَلِكَ فِي حُرُوفِ الِاسْتِعْلَاءِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ التَّكْرَارَ مُتَحَقِّقٌ فِي الرَّاءِ السَّاكِنَةِ سَوَاءً كَانَتْ مُدْغَمَةً، أَوْ غَيْرَ مُدْغَمَةٍ. أَمَّا حُصُولُ التَّكْرَارِ فِي الرَّاءِ الْمُتَحَرِّكَةِ الْخَفِيفَةِ فَغَيْرُ بَيِّنٍ لَكِنَّ الَّذِي يَصِحُّ فِيهَا أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ ظَهْرِ اللِّسَانِ وَيُتَصَوَّرُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَعْتَمِدَ النَّاطِقُ بِهَا عَلَى طَرَفِ اللِّسَانِ فَتُرَقَّقُ إِذْ ذَاكَ، أَوْ تُمَكِّنُهَا فِي ظَهْرِ اللِّسَانِ فَتُغَلَّظُ، وَلَا يُمْكِنُ خِلَافُ هَذَا فَلَوْ نَطَقْتَ بِهَا مَفْتُوحَةً، أَوْ مَضْمُومَةً مِنْ طَرَفِ اللِّسَانِ وَأَرَدْتَ تَغْلِيظَهَا لَمْ يُمْكَنْ، نَحْو {الْآخِرَةُ}، وَ{يُسِرُّونَ} فَإِذَا مَكَّنْتَهَا إِلَى ظَهْرِ اللِّسَانِ غُلِّظَتْ، وَلَمْ يَكُنْ تَرْقِيقُهَا، وَلَا يَقْوَى الْكَسْرُ عَلَى سَلْبِ التَّغْلِيظِ عَنْهَا إِذَا تَمَكَّنَتْ مِنْ ظَهْرِ اللِّسَانِ إِلَّا أَنَّ تَغْلِيظَهَا فِي حَالِ الْكَسْرِ قَبِيحٌ فِي الْمَنْطِقِ لِذَلِكَ لَا يَسْتَعْمِلُهُ مُعْتَبَرٌ، وَلَا يُوجَدُ إِلَّا فِي أَلْفَاظِ الْعَوَامِّ وَالنَّبَطِ. وَإِنَّمَا كَلَامُ الْعَرَبِ عَلَى تَمْكِينِهَا مِنَ الطَّرَفِ إِذَا انْكَسَرَتْ فَيَحْصُلُ التَّرْقِيقُ الْمُسْتَحْسَنُ فِيهَا إِذْ ذَاكَ، وَعَلَى تَمْكِينِهَا إِلَى ظَهْرِ اللِّسَانِ إِذَا انْفَتَحَتْ، أَوِ انْضَمَّتْ فَيَحْصُلُ لَهَا التَّغْلِيظُ الَّذِي يُنَاسِبُ الْفَتْحَةَ وَالضَّمَّةَ. وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ مَعَ الْفَتْحَةِ وَالضَّمَّةِ مِنَ الطَّرَفِ فَتُرَقَّقُ إِذَا عَرَضَ لَهَا سَبَبٌ كَمَا يَتَبَيَّنُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي رِوَايَةِ وَرْشٍ، وَلَا يُمْكِنُ إِذَا انْكَسَرَتْ إِلَى ظَهْرِ اللِّسَانِ؛ لِئَلَّا يَحْصُلَ التَّغْلِيظُ الْمُنَافِرُ لِلْكَسْرَةِ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيمَا ذَكَرُوهُ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الرَّاءِ الْمُتَحَرِّكَةِ التَّفْخِيمُ، وَأَمَّا الرَّاءُ السَّاكِنَةُ فَوَجَدْنَاهَا تُرَقَّقُ بَعْدَ الْكَسْرَةِ اللَّازِمَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقَعَ بَعْدَهَا حَرْفُ اسْتِعْلَاءٍ نَحْوَ {فِرْدُوسِ} وَتُفَخَّمُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَظَهَرَ أَنَّ تَفْخِيمَ الرَّاءِ وَتَرْقِيقَهَا مُرْتَبِطٌ بِأَسْبَابٍ كَالْمُتَحَرِّكَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي ذَلِكَ دَلَالَةً عَلَى حُكْمِهَا فِي نَفْسِهَا فَأَمَّا تَفْخِيمُهَا بَعْدَ الْكَسْرَةِ الْعَارِضَةِ فِي نَحْوِ {أَمِ ارْتَابُوا} فَلِمَ لَا يَكُونُ حَمْلًا عَلَى الْمُضَارِعِ إِذْ قُلْتَ {يَرْتَابُ} بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ فِي أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ مُقْتَطَعَةٌ مِنَ الْمُضَارِعِ، أَوْ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ فِي أَنَّ الْأَمْرَ يُشْبِهُ الْمَقْطَعَ مِنَ الْمُضَارِعِ فَلَمْ يُعْتَدَّ بِمَا عَرَضَ لَهَا مِنَ الْكَسْرَةِ فِي حَالِ الْأَمْرِ، وَعِنْدَ ثُبُوتِ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَمْ يَتَعَيَّنِ الْقَوْلُ بِأَنَّ أَصْلَهَا التَّفْخِيمُ. قُلْتُ: وَالْقَوْلَانِ مُحْتَمَلَانِ وَالثَّانِي أَظْهَرُ لِوَرْشٍ مِنْ طُرُقِ الْمِصْرِيِّينَ، وَلِذَلِكَ أَطْلَقُوا تَرْقِيقَهَا، وَاتَّسَعُوا فِيهِ كَمَا قَدَّمْنَا. وَقَدْ تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمَكْسُورِ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ مَا يَقْتَضِي التَّرْقِيقُ فَإِنَّهُ بِالْوَقْفِ تَزُولُ كَسْرَةُ الرَّاءِ الْمُوجِبَةُ لِتَرْقِيقِهَا فَتُفَخَّمُ حِينَئِذٍ عَلَى الْأَصْلِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَتُرَقَّقُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْ حَيْثُ إِنَّ السُّكُونَ عَارِضٌ وَأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهَا فِي التَّفْخِيمِ تَرْجِعُ إِلَيْهِ فَيَتَّجِهُ التَّرْقِيقُ. وَقَدْ أَشَارَ فِي التَّبْصِرَةِ إِلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: أَكْثَرُ هَذَا الْبَابِ إِنَّمَا هُوَ قِيَاسٌ عَلَى الْأُصُولِ وَبَعْضُهُ أُخِذَ سَمَاعًا وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّنِي أَقِفُ فِي جَمِيعِ الْبَابِ كَمَا أَصِلُ سَوَاءٌ أَسَكَّنْتُ، أَوْ رُمْتُ لَكَانَ لِقَوْلِهِ وَجْهٌ مِنَ الْقِيَاسِ مُسْتَثْبِتٌ. وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى التَّرْقِيقِ فِي ذَلِكَ صَرِيحًا أَبُو الْحَسَنِ الْحُصْرِيُّ فَقَالَ: وَمَا أَنْتَ بِالتَّرْقِيقِ وَاصِلُهُ فَقِفْ *** عَلَيْهِ بِهِ إِذْ لَسْتَ فِيهِ بِمُضْطَرٍّ وَقَدْ خَصَّ التَّرْقِيقَ بِوَرْشٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ شُرَيْحٍ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ بَلِّيمَةَ، وَغَيْرُهُمَا وَأَطْلَقُوهُ حَتَّى فِي الْكَسْرَةِ الْعَارِضَةِ. وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ كَسْرَةَ النَّقْلِ قَالَ فِي الْكَافِي: وَقَدْ وَقَفَ قَوْمٌ عَنْ وَرْشٍ عَلَى نَحْوِ {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ}، وَ{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ} بِالتَّرْقِيقِ كَالْوَصْلِ وَاسْتَثْنَوْا {فَلْيَكْفُرْ إِنَّا}، {وَانْحَرْ إِنَّ {قَالَ: وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ إِلَّا الرِّوَايَةُ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ بَلِّيمَةَ، وَزَادَ فَقَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقِفُ بِالتَّرْقِيقِ وَيَصِلُ بِالتَّرْقِيقِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا مُرَقَّقَةٌ فِي الْوَصْلِ انْتَهَى. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّفْخِيمِ حَالَةَ السُّكُونِ هُوَ الْمَقْبُولُ الْمَنْصُورُ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْأَدَاءِ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ كَسْرَةِ الْإِعْرَابِ وَكَسْرَةِ الْبِنَاءِ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَظْهَرُ أَيْضًا فَائِدَةُ الْخِلَافِ إِذَا نَطَقْتَ بِالرَّاءِ سَاكِنَةً بَعْدَ هَمْزَةِ الْوَصْلِ فِي حِكَايَةِ لَفْظِ الْحَرْفِ إِذَا قُلْتَ أَرْكُمَا تَقُولُ- أَبْ أتْ؛ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَصْلَهَا التَّفْخِيمُ تُفَخَّمُ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ تُرَقَّقُ، وَكِلَاهُمَا مُحْتَمَلٌ إِذْ لَا نَعْلَمُ كَيْفَ ثَبَتَ اللَّفْظُ فِي ذَلِكَ عَنِ الْعَرَبِ. وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَصْلَ الرَّاءِ التَّفْخِيمُ إِنْ كَانَ يُرِيدُ إِثْبَاتَ هَذَا الْوَصْفِ لِلرَّاءِ مُطْلَقًا مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا رَاءٌ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ بِذَلِكَ الرَّاءَ الْمُتَحَرِّكَةَ بِالْفَتْحِ، أَوِ الضَّمِّ وَأَنَّهَا لَمَّا عَرَضَ لَهَا التَّحْرِيكُ بِإِحْدَى الْحَرَكَتَيْنِ قَوِيَتْ بِذَلِكَ عَلَى التَّفْخِيمِ فَلَا يَجُوزُ تَرْقِيقُهَا إِذْ ذَاكَ إِلَّا إِنْ وُجِدَ سَبَبٌ وَحِينَئِذٍ يُتَصَوَّرُ فِيهَا رَعْيُ السَّبَبِ فَتُرَقَّقُ وَرَفْضُهُ فَتَبْقَى عَلَى مَا اسْتَحَقَّهُ مِنَ التَّفْخِيمِ بِسَبَبِ حَرَكَتِهَا فَهَذَا كَلَامٌ جَيِّدٌ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
السَّابِعُ الْوَقْفُ بِالسُّكُونِ عَلَى {أَنْ أَسْرِ} فِي قِرَاءَةِ مَنْ وَصَلَ وَكَسَرَ النُّونَ يُوقَفُ عَلَيْهِ بِالتَّرْقِيقِ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَقْفَ عَارِضٌ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَإِنَّ الرَّاءَ قَدِ اكْتَنَفَهَا كَسْرَتَانِ، وَإِنْ زَالَتِ الثَّانِيَةُ وَقْفًا فَإِنَّ الْكَسْرَةَ قَبْلَهَا تُوجِبُ التَّرْقِيقَ. فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْكَسْرَ عَارِضٌ فَتُفَخِّمُ مِثْلَ {أَمِ ارْتَابُوا}، فَقَدْ أَجَابَ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ عُرُوضَ الْكَسْرِ هُوَ بِاعْتِبَارِ الْحَمْلِ عَلَى أَصْلِ مُضَارِعِهِ الَّذِي هُوَ يَرْتَابُ. فَهِيَ مُفَخَّمَةٌ لِعُرُوضِ الْكَسْرِ فِيهِ بِخِلَافٍ هَذِهِ. وَالْأُولَى أَنْ يُقَالَ: كَمَا أَنَّ الْكَسْرَ قَبْلُ عَارِضٌ فَإِنَّ السُّكُونَ كَذَلِكَ عَارِضٌ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا، أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنَ الْآخَرِ فَيُلْغَيَانِ جَمِيعًا وَيَرْجِعُ إِلَى كَوْنِهَا فِي الْأَصْلِ مَكْسُورَةً فَتُرَقَّقُ عَلَى أَصْلِهَا. وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ الْبَاقِينَ، وَكَذَلِكَ {فَأَسْرِ} فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَطَعَ وَوَصَلَ فَمَنْ لَمْ يَعْتَدَّ بِالْعَارِضِ أَيْضًا رَقَّقَ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَيُحْتَمَلُ التَّفْخِيمُ لِلْعُرُوضِ وَيُحْتَمَلُ التَّرْقِيقُ فَرْقًا بَيْنَ كَسْرَةِ الْإِعْرَابِ وَكَسْرَةِ الْبِنَاءِ إِذْ كَانَ الْأَصْلُ {أَسْرِ} بِالْيَاءِ وَحُذِفَتِ الْيَاءُ لِلْبِنَاءِ فَبَقِيَ التَّرْقِيقُ دَلَالَةً عَلَى الْأَصْلِ وَفَرْقًا بَيْنَ مَا أَصْلُهُ التَّرْقِيقُ وَمَا عَرَضَ لَهُ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} فِي الْوَقْفِ بِالسُّكُونِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ حَذْفَ الْيَاءَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ بِالتَّرْقِيقِ، أَوْلَى. وَالْوَقْفُ عَلَى {وَالْفَجْرِ} بِالتَّفْخِيمِ، أَوْلَى- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
تَقَدَّمَ أَنَّ تَغْلِيظَ اللَّامِ تَسْمِينُ حَرَكَتِهَا. وَالتَّفْخِيمُ مُرَادِفُهُ، إِلَّا أَنَّ التَّغْلِيظَ فِي اللَّامِ وَالتَّفْخِيمَ فِي الرَّاءِ. وَالتَّرْقِيقُ ضِدَّهُمَا. وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَيْهِ الْإِمَالَةُ مَجَازًا. وَقَوْلُهُمْ: الْأَصْلُ فِي اللَّامِ التَّرْقِيقُ أَبْيَنُ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي الرَّاءِ إِنَّ أَصْلَهَا التَّفْخِيمُ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّامَ لَا تُغَلَّظُ إِلَّا لِسَبَبٍ، وَهُوَ مُجَاوَرَتُهَا حَرْفَ الِاسْتِعْلَاءِ وَلَيْسَ تَغْلِيظُهَا إِذْ ذَاكَ، بِلَازِمٍ، بَلْ تَرْقِيقُهَا إِذَا لَمْ تُجَاوِرْ حَرْفَ الِاسْتِعْلَاءِ اللَّازِمِ. وَقَدِ اخْتَصَّ الْمِصْرِيُّونَ بِمَذْهَبٍ عَنْ وَرْشٍ فِي اللَّامِ، وَلَمْ يُشَارِكْهُمْ فِيهَا سِوَاهُمْ. وَرَوَوْا مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ، وَغَيْرِهِ عَنْ وَرْشٍ تَغْلِيظَ اللَّامِ إِذَا جَاوَرَهَا حَرْفُ تَفْخِيمٍ وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ عَلَى تَغْلِيظِ اللَّامِ إِذَا تَقَدَّمَهَا صَادٌ، أَوْ طَاءٌ، أَوْ ظَاءٌ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ، وَهِيَ: أَنْ تَكُونَ اللَّامُ مَفْتُوحَةً وَأَنْ يَكُونَ أَحَدُ هَذِهِ الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ مَفْتُوحًا، أَوْ سَاكِنًا، وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ ذَلِكَ. وَشَذَّ بَعْضُهُمْ فِيهَا بِمَا لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ وَسَيَرِدُ عَلَيْكَ جَمِيعُ ذَلِكَ مُبَيَّنًا.
أَمَّا الصَّادُ الْمَفْتُوحَةُ فَتَكُونُ اللَّامُ بَعْدَهَا مُخَفَّفَةً وَمُشَدَّدَةً فَالْوَارِدُ مِنَ الْمُخَفَّفَةِ فِي الْقُرْآنِ {الصَّلَاةَ}، وَ{صَلَوَاتُ}، وَ{صَلَاتِهِمْ}، وَ{صَلَحَ}، وَ{فَصَلَتْ}، وَ{يُوصَلَ}، وَ{فَصَلَ طَالُوتُ}، وَ{فَصَّلَ}، وَ{مُفَصَّلًا}، وَ{مُفَصَّلَاتٍ}، {وَمَا صَلَبُوهُ} وَالْوَارِدُ مِنَ الْمُشَدَّدَةِ {صَلَّى}، وَ{يُصَلِّي}، وَ{مُصَلًّى}، وَ{يُصَلَّبُوا}. وَوَرَدَتْ مَفْصُولًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّادِ بِأَلِفٍ فِي مَوْضِعَيْنِ يَصَّالَحَا، وَ{فِصَالًا}. وَالصَّادُ السَّاكِنَةُ الْوَارِدُ مِنْهَا فِي الْقُرْآنِ {تَصْلَى}، وَ{سَيَصْلَى}، وَ{يَصْلَاهَا}، وَ{سَيَصْلَوْنَ}، وَ{يَصْلَوْنَهَا}، وَ{اصْلَوْهَا}، وَ{فَيُصْلَبُ}، وَ{مِنْ أَصْلَابِكُمْ}، وَ{أَصْلَحَ}، وَ{أَصْلَحُوا}، وَ{إِصْلَاحًا}، وَ{الْإِصْلَاحَ}، {وَفَصْلَ الْخِطَابِ}.
وَأَمَّا الطَّاءُ الْمَفْتُوحَةُ فَتَكُونُ اللَّامُ بَعْدَهَا أَيْضًا خَفِيفَةً وَشَدِيدَةً. فَالْوَارِدُ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْخَفِيفَةِ {الطَّلَاقَ}، وَ{انْطَلَقَ}، وَ{انْطَلَقُوا}، وَ{اطَّلَعَ}، وَ{فَاطَّلَعَ}، وَ{بَطَلَ}، وَ{مُعَطَّلَةٍ}، وَ{طَلَبًا} وَالْوَارِدُ مِنَ الشَّدِيدَةِ {الْمُطَلَّقَاتُ}، وَ{طَلَّقْتُمُ}، وَ{طَلَّقَكُنَّ}، وَ{طَلَّقَهَا} وَوَرَدَتْ مَفْصُولًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّامِ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ {طَالَ}. وَالطَّاءُ السَّاكِنَةُ الْوَارِدُ مِنْهَا فِي الْقُرْآنِ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ {مَطْلَعِ الْفَجْرِ} فَقَطْ.
وَأَمَّا الظَّاءُ فَتَكُونُ اللَّامُ بَعْدَهَا أَيْضًا خَفِيفَةً وَشَدِيدَةً، فَالْوَارِدُ مِنَ الْخَفِيفَةِ فِي الْقُرْآنِ {ظَلَمَ}، وَ{ظَلَمُوا}، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ}، وَمِنَ الْمُشَدَّدَةِ {ظَلَّامٍ}، وَ{ظَلَّلْنَا}، وَ{ظَلَّتْ}، وَ{ظَلَّ وَجْهُهُ}. وَالظَّاءُ السَّاكِنَةُ وَرَدَ مِنْهَا فِي الْقُرْآنِ {وَمَنْ أَظْلَمُ}، {وَإِذَا أَظْلَمَ}، {وَلَا يُظْلَمُونَ}، {فَيَظْلَلْنَ} فَغَلَّظَ وَرْشٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ اللَّامَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ تَرْقِيقَهَا مَعَ الطَّاءِ عَنْهُ كَالْجَمَاعَةِ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْعُنْوَانِ وَالْمُجْتَبَى وَالتَّذْكِرَةِ، وَإِرْشَادِ ابْنِ غَلْبُونَ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى شَيْخِهِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ غَلْبُونَ، وَبِهِ قَرَأَ مَكِّيٌّ عَلَى أَبِي الطِّيبِ إِلَّا أَنَّ صَاحِبَ التَّجْرِيدِ اسْتَثْنَى مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي مِنْ طَرِيقِ ابْنِ هِلَالٍ {الطَّلَاقَ}، وَ{طَلَّقْتُمُ}، وَمِنْهُمْ مَنْ رَقَّقَهَا بَعْدَ الظَّاءِ، وَهُوَ الَّذِي فِي التَّجْرِيدِ وَأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَافِي. وَفَصَّلَ فِي الْهِدَايَةِ فَرَقَّقَ إِذَا كَانَتِ الظَّاءُ مَفْتُوحَةً نَحْوَ: {ظَلَمُوا}، {وَظَلَّلْنَا} وَفَخَّمَهَا إِذَا كَانَتْ سَاكِنَةً نَحْوَ: {أَظْلَمَ}، وَ{يَظْلَلْنَ}. وَذَكَرَ مَكِّيٌّ تَرْقِيقَهَا بَعْدَهَا إِذَا كَانَتْ مُشَدِّدَةً مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى أَبِي الطَّيِّبِ قَالَ: وَقِيَاسُ نَصِ كِتَابِهِ يَدُلُّ عَلَى تَغْلِيظِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُشَدَّدَةً. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ مَا نَصُّهُ: وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ هِلَالٍ كَالْأَذْفَوِيِّ لَا يُفَخِّمُهَا إِلَّا مَعَ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَا إِذَا وَقَعَ بَعْدَ اللَّامِ أَلِفٌ مُمَالَةٌ نَحْوَ: {صَلَّى}، وَ{سَيَصْلَى}، وَ{مُصَلًّى}، وَ{يَصْلَاهَا}. فَرَوَى بَعْضُهُمْ تَغْلِيظَهَا مِنْ أَجْلِ الْحَرْفِ قَبْلَهَا. وَرَوَى بَعْضُهُمْ تَرْقِيقَهَا مِنْ أَجْلِ الْإِمَالَةِ فَفَخَّمَهَا فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّذْكِرَةِ، وَالتَّجْرِيدِ، وَغَيْرِهَا. وَرَقَّقَهَا فِي الْمُجْتَبَى، وَهُوَ مُقْتَضَى الْعُنْوَانِ، وَالتَّيْسِيرِ، وَهُوَ فِي تَلْخِيصِ أَبِي مَعْشَرٍ أَقِيسُ. وَالْوَجْهَانِ فِي الْكَافِي، وَتَلْخِيصِ ابْنِ بَلِّيمَةَ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَالْإِعْلَانِ، وَغَيْرِهَا. وَفَصَلَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ رُءُوسِ الْآيِ، وَغَيْرِهَا. فَرَقَّقُوهَا فِي رُءُوسِ الْآيِ لِلتَّنَاسُبِ وَغَلَّظُوهَا فِي غَيْرِهَا لِوُجُودِ الْمُوجِبِ قَبْلَهَا، وَهُوَ الَّذِي فِي التَّبْصِرَةِ، وَهُوَ الِاخْتِيَارُ فِي التَّجْرِيدِ وَالْأَرْجَحُ فِي الشَّاطِبِيَّةِ. وَالْأَقْيَسُ فِي التَّيْسِيرِ، وَقَطَعَ أَيْضًا بِهِ فِي الْكَافِي إِلَّا أَنَّهُ أَجْرَى الْوَجْهَيْنِ فِي غَيْرِ رُءُوسِ الْآيِ وَالَّذِي وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ رَأْسَ آيَةٍ ثَلَاثُ مَوَاضِعَ: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} فِي الْقِيَامَةِ {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} فِي سَبِّحِ {إِذَا صَلَّى} فِي الْعَلَقِ. وَالَّذِي وَقَعَ مِنْهُ غَيْرَ رَأْسِ آيَةٍ سَبْعَةُ مَوَاضِعَ {مُصَلًّى} فِي الْبَقَرَةِ حَالَةَ الْوَقْفِ، وَكَذَا: {يَصْلَى النَّارَ} فِي سَبِّحِ {وَيَصْلَاهَا} فِي الْإِسْرَاءِ وَاللَّيْلِ {وَيَصْلَى} فِي الِانْشِقَاقِ، وَ{تَصْلَى} فِي الْغَاشِيَةِ وَ{سَيَصْلَى} فِي الْمَسَدِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَا إِذَا حَالَ بَيْنَ الْحَرْفِ وَبَيْنَ اللَّامِ فِيهِ أَلِفٌ، وَذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: مَوْضِعَانِ مَعَ الصَّادِ، وَهُمَا {فِصَالًا}، وَيَصَّالَحَا وَمَوْضِعٌ مَعَ الطَّاءِ، وَهُوَ {طَالَ}. فِي طه {أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ}، وَفِي الْأَنْبِيَاءِ {حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ}، وَفِي الْحَدِيدِ {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ}، فَرَوَى كَثِيرٌ مِنْهُمْ تَرْقِيقَهَا مِنْ أَجْلِ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الَّذِي فِي التَّيْسِيرِ، وَالْعُنْوَانِ، وَالتَّذْكِرَةِ، وَتَلْخِيصِ ابْنِ بَلِّيمَةَ وَالتَّبْصِرَةِ، وَأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْهَادِي، وَالتَّجْرِيدِ، مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي، وَفِي الْكَافِي، وَتَلْخِيصِ أَبِي مَعْشَرٍ. وَرَوَى الْآخَرُونَ تَغْلِيظَهَا اعْتِدَادًا بِقُوَّةِ الْحَرْفِ الْمُسْتَعْلِي، وَهُوَ الْأَقْوَى قِيَاسًا وَالْأَقْرَبُ إِلَى مَذْهَبِ رُوَاةِ التَّفْخِيمِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الدَّانِيِّ فِي غَيْرِ التَّيْسِيرِ. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ: إِنَّهُ الْأَوْجُهُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: إِنَّهُ أَشْهَرُ. وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ الطَّبَرِيُّ: إِنَّهُ أَقِيسُ. وَالْوَجْهَانِ جَمِيعًا فِي الشَّاطِبِيَّةِ، وَالتَّجْرِيدِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَجَامِعِ الْبَيَانِ إِلَّا أَنَّ صَاحِبَ التَّجْرِيدِ أَجْرَى الْوَجْهَيْنِ مَعَ الصَّادِ، وَقَطَعَ بِالتَّرْقِيقِ مَعَ الطَّاءِ عَلَى أَصْلِهِ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي اللَّامِ الْمُتَطَرِّفَةِ إِذَا وُقِفَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ فِي سِتَّةِ أَحْرُفٍ، وَهِيَ {أَنْ يُوصَلَ} فِي الْبَقَرَةِ وَالرَّعْدِ وَ{فَلَمَّا فَصَلَ} فِي الْبَقَرَةِ {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ} فِي الْأَنْعَامِ، {وَبَطَلَ} فِي الْأَعْرَافِ وَ{ظَلَّ} فِي النَّحْلِ، وَالزُّخْرُفِ {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} فِي ص. فَرَوَى جَمَاعَةٌ التَّرْقِيقَ فِي الْوَقْفِ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْكَافِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّجْرِيدِ، وَتَلْخِيصِ الْعِبَارَاتِ. وَرَوَى آخَرُونَ التَّغْلِيظَ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْعُنْوَانِ وَالْمُجْتَبَى وَالتَّذْكِرَةِ، وَغَيْرِهَا. وَالْوَجْهَانِ جَمِيعًا فِي التَّيْسِيرِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَتَلْخِيصِ أَبِي مَعْشَرٍ. وَقَالَ الدَّانِيُّ: إِنَّ التَّفْخِيمَ أَقِيسُ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ أَوْجُهُ. قُلْتُ: وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَالَّذِي قَبْلَهُ. وَالْأَرْجَحُ فِيهِمَا التَّغْلِيظُ لِأَنَّ الْحَاجِزَ فِي الْأَوَّلِ أَلِفٌ وَلَيْسَ بِحَصِينٍ، وَلِأَنَّ السُّكُونَ عَارِضٌ، وَفِي التَّغْلِيظِ دَلَالَةٌ عَلَى حُكْمِ الْوَصْلِ فِي مَذْهَبِ مَنْ غَلَّظَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي تَغْلِيظِ اللَّامِ مِنْ {صَلْصَالٍ}، وَهُوَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ وَالرَّحْمَنِ وَإِنْ كَانَتْ سَاكِنَةً لِوُقُوعِهَا بَيْنَ الصَّادَيْنِ فَقَطَعَ بِتَفْخِيمِ اللَّامِ فِيهِمَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَتَلْخِيصِ الْعِبَارَاتِ وَالْهَادِي، وَأَجْرَى الْوَجْهَيْنِ فِيهَا صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّجْرِيدِ، وَأَبُو مَعْشَرٍ، وَقَطَعَ بِالتَّرْقِيقِ صَاحِبُ التَّيْسِيرِ، وَالْعُنْوَانِ، وَالتَّذْكِرَةِ، وَالْمُجْتَبَى، وَغَيْرِهَا. وَهُوَ الْأَصَحُّ رِوَايَةً وَقِيَاسًا حَمْلًا عَلَى سَائِرِ اللَّامَاتِ السِّوَاكِنِّ. وَقَدْ شَذَّ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ، وَالْمِصْرِيِّينَ فَرَوَوْا تَغْلِيظَ اللَّامِ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا، فَرَوَى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّجْرِيدِ، تَغْلِيظَهَا بَعْدَ الظَّاءِ وَالضَّادِ السَّاكِنَتَيْنِ إِذَا كَانَتْ مَضْمُومَةً أَيْضًا نَحْوَ {مَظْلُومًا}، وَ{فَضْلُ اللَّهِ}، وَرَوَى بَعْضُهُمْ تَغْلِيظَهَا إِذَا وَقَعَتْ بَيْنَ حِرَفِي اسْتِعْلَاءٍ نَحْوَ {خَلَطُوا}، وَ{أَخْلَصُوا}، وَ{اسْتَغْلَظَ}، وَ{الْمُخْلَصِينَ}، وَ{الْخُلَطَاءِ}، وَ{اغْلُظْ} ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّجْرِيدِ، وَتَلْخِيصِ ابْنِ بَلِّيمَةَ، وَفِي وَجْهٍ فِي الْكَافِي وَرَجَّحَهُ، وَزَادَ أَيْضًا تَغْلِيظَهَا فِي {فَاخْتَلَطَ}، {وَلْيَتَلَطَّفْ}، وَزَادَ فِي التَّلْخِيصِ تَغْلِيظَهَا فِي {تَلَظَّى} وَشَذَّ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي فَغَلَّظَ اللَّامَ مِنْ لَفْظِ ثَلَاثَةٍ حَيْثُ وَقَعَ إِلَّا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {ثَلَاثَةِ آلَافٍ}، {وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}، وَ{ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ}، {وَظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ}.
أَجْمَعَ الْقُرَّاءُ وَأَئِمَّةُ أَهْلِ الْأَدَاءِ عَلَى تَغْلِيظِ اللَّامِ مِنَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا كَانَ بَعْدَ فَتْحَةٍ، أَوْ ضَمَّةٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالَةِ الْوَصْلِ، أَوْ مَبْدُوءًا بِهِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ}، وَ{إِذْ أَخَذَ اللَّهُ}، {وَقَالَ اللَّهُ}، وَ{رَبُّنَا اللَّهُ}، وَ{عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ} وَنَحْوَ {رُسُلُ اللَّهِ}، وَ{كَذَبُوا اللَّهَ}، {وَيُشْهِدُ اللَّهَ}، {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ} فَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا كَسْرَةٌ فَلَا خِلَافَ فِي تَرْقِيقِهَا سَوَاءٌ كَانَتِ الْكَسْرَةُ لَازِمَةً، أَوْ عَارِضَةً زَائِدَةً، أَوْ أَصْلِيَّةً نَحْوَ {بِسْمِ اللَّهِ}، وَ{الْحَمْدُ لِلَّهِ}، وَ{إِنَّ اللَّهَ}، وَ{عَنْ آيَاتِ اللَّهِ}، وَ{لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ}، وَ{إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ}، وَ{إِنْ شَاءَ اللَّهُ}، وَ{حَسِيبًا اللَّهُ}، وَ{أَحَدٌ اللَّهُ}، وَ{قُلِ اللَّهُمَّ} فَإِنَّ فُصِلَ هَذَا الِاسْمُ مِمَّا قَبْلَهُ وَابْتُدِئَ بِهِ فُتِحَتْ هَمْزَةُ الْوَصْلِ وَغُلِّظَتِ اللَّامُ مِنْ أَجْلِ الْفَتْحَةِ؛ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي جَامِعِهِ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ شَاكِرٍ الْبَصْرِيُّ. قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ يَعْنِي الشَّذَائِيَّ قَالَ: التَّفْخِيمُ فِي هَذَا الِاسْمِ يَعْنِي مَعَ الْفَتْحَةِ وَالضَّمَّةِ يَنْقُلُهُ قَرْنٌ عَنْ قَرْنٍ، وَخَالِفٌ عَنْ سَالِفٍ قَالَ: وَإِلَيْهِ كَانَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمُنَادِي يَذْهَبَانِ انْتَهَى. وَقَدْ شَذَّ أَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيُّ فِيمَا حَكَاهُ مِنْ تَرْقِيقِ هَذِهِ اللَّامِ يَعْنِي بَعْدَ الْفَتْحِ وَالضَّمِّ عَنِ السُّوسِيِّ، وَرَوْحٍ وَتَبِعَهُ فِي ذَلِكَ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ كَابْنِ الْبَاذِشِ فِي إِقْنَاعِهِ، وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَصِحُّ فِي التِّلَاوَةِ، وَلَا يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْقِرَاءَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الْأَوَّلُ: إِذَا غُلِّظَتِ اللَّامُ فِي ذَوَاتِ الْيَاءِ نَحْوَ {صَلَّى}، وَ{يَصْلَى} إِنَّمَا تُغَلَّظُ مَعَ فَتْحِ الْأَلِفِ الْمُنْقَلِبَةِ، وَإِذَا أُمِيلَتِ الْأَلِفُ الْمُنْقَلِبَةُ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا تُمَالُ مَعَ تَرْقِيقِ اللَّامِ سَوَاءٌ كَانَتْ رَأْسَ آيَةٍ أَمْ غَيْرَهَا إِذِ الْإِمَالَةُ وَالتَّغْلِيظُ ضِدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ.
الثَّانِي: قَالَ أَبُو شَامَةَ: أَمَّا {مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فَفِيهِ التَّغْلِيظُ فِي الْوَصْلِ لِأَنَّهُ مُنَوَّنٌ، وَفِي الْوَقْفِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ، قَالَ: وَلَا تَتَرَجَّحُ الْإِمَالَةُ وَإِنْ كَانَ رَأْسَ آيَةٍ إِذْ لَا مُؤَاخَاةَ لِآيٍ قَبْلَهَا، وَلَا بَعْدَهَا انْتَهَى، فَجَعَلَ {مُصَلًّى} رَأْسَ آيَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعَادِّينَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَأْسِ آيَةٍ فَاعْلَمْ ذَلِكَ.
الثَّالِثُ: إِذَا وَقَعَتِ اللَّامُ مِنَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الرَّاءِ الْمُمَالَةِ فِي مَذْهَبِ السُّوسِيِّ، وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}، وَ{سَيَرَى اللَّهُ} جَازَ فِي اللَّامِ التَّفْخِيمُ وَالتَّرْقِيقُ فَوَجْهُ التَّفْخِيمِ عَدَمُ وُجُودِ الْكَسْرِ الْخَالِصِ قَبْلَهَا، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي التَّجْرِيدِ، وَبِهِ قَرَأَ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ نَفِيسٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ السَّخَاوِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قِرَاءَةُ الدَّانِيِّ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ عَنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ السَّامَرِّيِّ. وَوَجْهُ التَّرْقِيقِ عَدَمُ وُجُودِ الْفَتْحِ الْخَالِصِ قَبْلَهَا، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي التَّجْرِيدِ، وَبِهِ قَرَأَ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ عَلَى شَيْخِهِ عَبْدِ الْبَاقِي، وَعَلَيْهِ نَصَّ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو فِي جَامِعِهِ، وَغَيْرِهِ، وَبِهِ قَرَأَ عَلَى شَيْخِهِ أَبِي الْفَتْحِ فِي رِوَايَةِ السُّوسِيِّ عَنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ يَعْنِي عَبْدَ الْبَاقِي بْنَ الْحَسَنِ الْخُرَاسَانِيَّ، وَقَالَ الدَّانِيُّ: إِنَّهُ الْقِيَاسُ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو عَمْرٍو بْنُ الْحَاجِبِ إِنَّهُ الْأُولَى لِأَمْرَيْنِ. أَحَدُهُمَا أَنَّ أَصْلَ هَذِهِ اللَّامِ التَّرْقِيقُ، وَإِنَّمَا فُخِّمَتْ لِلْفَتْحِ وَالضَّمِّ، وَلَا فَتَحَ، وَلَا ضَمَّ هُنَا فَعُدْنَا إِلَى الْأَصْلِ، قَالَ: وَالثَّانِي اعْتِبَارُ ذَلِكَ بِتَرْقِيقِ الرَّاءِ فِي الْوَقْفِ بَعْدَ الْإِمَالَةِ. قُلْتُ: وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ فِي النَّظَرِ ثَابِتَانِ فِي الْأَدَاءِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعُ إِذَا رَقَّقْتَ الرَّاءَ لِوَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي}، {أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ}، {وَلَذِكْرُ اللَّهِ}، وَ{يُبَشِّرُ اللَّهُ} وَجَبَ تَفْخِيمُ اللَّامِ مِنَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَهَا، بِلَا نَظَرٍ لِوُقُوعِهَا بَعْدَ فَتْحَةٍ وَضَمَّةٍ خَالِصَةٍ، وَلَا اعْتِبَارَ بِتَرْقِيقِ الرَّاءِ قَبْلَ اللَّامِ فِي ذَلِكَ؛ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ الْأُسْتَاذُ الْكَبِيرُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي مِنْ بَابِ اللَّامَاتِ بَعْدَ ذِكْرِ مَذْهَبِ وَرْشٍ، مَا نَصُّهُ: وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي تَفْخِيمِ لَامِ اسْمِ اللَّهِ إِذَا كَانَتْ قَبْلَهَا فَتْحَةٌ، أَوْ ضَمَّةٌ نَحْوَ {فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ}، {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} وَالْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي شَامَةَ فِي بَابِ اللَّامَاتِ أَيْضًا مِنْ شَرْحِهِ قَالَ: وَالرَّاءُ الْمُرَقَّقَةُ غَيْرُ الْمَكْسُورَةِ كَغَيْرِ الْمُرَقَّقَةِ يَجِبُ بَعْدَهَا التَّفْخِيمُ لِأَنَّ التَّرْقِيقَ لَمْ يُغَيِّرْ فَتْحَهَا، وَلَا ضَمَّهَا. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْجَعْبَرِيُّ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ وَهَذِهِ اللَّامُ- يَعْنِي مِنَ اسْمِ اللَّهِ- إِذَا وَقَعَتْ بَعْدَ تَرْقِيقٍ خَالٍ مِنَ الْكَسْرِ فَهِيَ عَلَى تَفْخِيمِهَا نَحْوَ {يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ}، أَوْ بَعْدَ إِمَالَةٍ كُبْرَى فَوَجْهَانِ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مُحَمَّدِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنَ الْوَاسِطِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَنْزُ فِي الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ: فَإِنْ أَتَى- يَعْنِي- اسْمَ اللَّهِ بَعْدَ حَرْفٍ مُرَقَّقٍ لَا كَسْرَةَ فِيهِ نَحْوَ {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ} فِي قِرَاءَةِ مَنْ رَقَّقَ فَلَيْسَ إِلَّا التَّفْخِيمُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ إِمَالَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} فَفِيهِ وَجْهَانِ انْتَهَى. وَهُوَ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إِلَى زِيَادَةِ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَتَأْكِيدِ الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ لِظُهُورِهِ وَوُضُوحِهِ وَلَوْلَا أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْأَدَاءِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا، بَلَّغَنَا عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى تَرْقِيقَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الرَّاءِ الْمُرَقَّقَةِ فَأَجْرَى الرَّاءَ الْمُرَقَّقَةَ فِي ذَلِكَ مُجْرَى الرَّاءِ الْمُمَالَةِ وَبَنَى أَصْلَهُ عَلَى أَنَّ الضَّمَّةَ تُمَالُ كَمَا تُمَالُ الْفَتْحَةُ لِأَنَّ سِيبَوَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حَكَى ذَلِكَ فِي مَذْعُورٍ، وَالسَّمَرِ، وَالْمُنْقَرِ وَاسْتَدَلَّ بِإِطْلَاقِهِمْ عَلَى التَّرْقِيقِ إِمَالَةً. وَاسْتَنْتَجَ مِنْ ذَلِكَ تَرْقِيقَ اللَّامِ بَعْدَ الْمُرَقَّقَةِ، وَقَطَعَ بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَالَفَ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ بِذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ شُيُوخِهِ، وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ ظَهَرَ لَهُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ فَاتَّبَعَهُ لِعَدَمِ وُجُودِ النَّصِّ بِخِلَافِهِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُ، وَلَا مُوَافَقٌ عَلَيْهِ. فَأَمَّا ادِّعَاؤُهُ أَنَّ الضَّمَّةَ تُمَالُ فِي مَذْعُورٍ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ حَرَكَةَ الضَّمَّةِ الَّتِي هِيَ عَلَى الْعَيْنِ قُرِّبَتْ إِلَى الْكَسْرِ وَلُفِظَ بِهَا كَذَلِكَ، وَذَلِكَ مُشَاهَدٌ حِسًّا وَالضَّمَّةُ الَّتِي هِيَ عَلَى الرَّاءِ فِي {يُبَشِّرُ} لَمْ تُقَرَّبْ إِلَى الْكَسْرَةِ، وَلَا غُيِّرَتْ عَنْ حَالَتِهَا، وَلَوْ غُيِّرَتْ وَلُفِظَ بِهَا كَمَا لُفِظَ بِمَذْعُورٍ عَلَى لُغَةِ مَنْ أَمَالَ لَكَانَ لَحْنًا، وَغَيْرَ جَائِزٍ فِي الْقِرَاءَةِ، وَإِنَّمَا التَّغْيِيرُ وَقَعَ عَلَى الرَّاءِ فَقَطْ لَا عَلَى حَرَكَتِهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ سُفْيَانَ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ الرَّاءَ الْمَضْمُومَةَ تَكُونُ عِنْدَ وَرْشٍ، بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَعَبَّرُوا عَنِ الرَّاءِ، وَلَمْ يَقُولُوا إِنَّ الضَّمَّةَ تَكُونُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الضَّمَّةَ فِي ذَلِكَ تَكُونُ تَابِعَةً لِلرَّاءِ فَهُوَ مُكَابِرٌ فِي الْمَحْسُوسِ، وَأَمَّا كَوْنُ التَّرْقِيقِ إِمَالَةً، أَوْ غَيْرَ إِمَالَةٍ، فَقَدْ تَقَدَّمَ الْفِرَقُ بَيْنَ التَّرْقِيقِ وَالْإِمَالَةِ فِي، أَوَّلِ بَابِ الرَّاءَاتِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بَطُلَ الْقِيَاسُ عَلَى {نَرَى اللَّهَ}. وَأَمَّا ادِّعَاؤُهُ عَدَمَ النَّصِّ، فَقَدْ ذَكَرْنَا نُصُوصَهُمْ عَلَى التَّفْخِيمِ وَقَوْلَ ابْنِ شُرَيْحٍ إِنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي تَفْخِيمِ اللَّامِ فِي ذَلِكَ. وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ وَأَقْطَارِ الْأَمْصَارِ مِمَّنْ أَدْرَكْنَاهُمْ وَأَخَذْنَا عَنْهُمْ وَبَلَغَتْنَا رِوَايَتُهُمْ وَوَصَلَتْ إِلَيْنَا طُرُقُهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ، وَلَا حَكَوْا فِيهِ وَجْهًا، وَلَا احْتِمَالًا ضَعِيفًا، وَلَا قَوِيًّا فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إِلَى مَا عَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْأَئِمَّةِ وَسَلَفُ الْأُمَّةِ وَاللَّهُ يُوَفِّقُنَا جَمِيعًا لِفَهْمِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ وَسُلُوكِ سَبِيلِهِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
الْخَامِسُ إِنْ قِيلَ: لِمَ كَانَ التَّفْخِيمُ فِي الْوَقْفِ عَلَى اللَّامِ الْمُغَلَّظَةِ السَّاكِنَةِ وَقْفًا أَرْجَحَ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ أَلْبَتَّةَ كَمَا سَبَقَ فِي الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ أَنَّهَا تُفَخَّمُ وَقْفًا، وَلَا تُرَقَّقُ لِذَهَابِ الْمُوجِبِ لِلتَّرْقِيقِ، وَهُوَ الْكَسْرُ وَهَاهُنَا قَدْ ذَهَبَ الْفَتْحُ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي تَغْلِيظِ اللَّامِ، وَكِلَا الذَّهَابَيْنِ عَارِضٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّ سَبَبَ التَّغْلِيظِ هُنَا قَائِمٌ، وَهُوَ وُجُودُ حَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ، وَإِنَّمَا فَتْحُ اللَّامِ شَرْطٌ فَلَمْ يُؤَثِّرْ سُكُونُ الْوَقْفِ لِعُرُوضِهِ وَقُوَّةِ السَّبَبِ فَعَمِلَ السَّبَبُ عَمَلَهُ لِضَعْفِ الْمُعَارِضِ فِي بَابِ الْوَقْفِ عَلَى الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ أَنَّ السَّبَبَ زَالَ بِالْوَقْفِ، وَهُوَ الْكَسْرُ فَافْتَرَقَا.
السَّادِسُ، وَلَوْ قِيلَ: لِمَ كَانَتِ الْكَسْرَةُ الْعَارِضَةُ وَالْمَفْصُولَةُ وَجَبَ تَرْقِيقُ اللَّامِ مِنَ اسْمِ اللَّهِ، وَلَا تُوجِبُ تَرْقِيقَ الرَّاءِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّامَ لَمَّا كَانَ أَصْلُهَا التَّرْقِيقَ وَكَانَ التَّغْلِيظُ عَارِضًا لَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ فِيهَا إِلَّا بِشَرْطٍ أَنْ لَا يُجَاوِرَهَا مُنَافٍ لِلتَّغْلِيظِ، وَهُوَ الْكَسْرُ فَإِذَا جَاوَرَتْهَا الْكَسْرَةُ رَدَّتْهَا إِلَى أَصْلِهَا. وَأَمَّا الرَّاءُ الْمُتَحَرِّكَةُ بِالْفَتْحِ، أَوْ بِالضَّمِّ فَإِنَّهَا لَمَّا اسْتَحَقَّتِ التَّغْلِيظُ بَعْدَ ثُبُوتِ حَرَكَتِهَا لَمْ تَقْوَ الْكَسْرَةُ غَيْرُ اللَّازِمَةِ عَلَى تَرْقِيقِهَا وَاسْتَصْحَبُوا فِيهَا حُكْمَ التَّغْلِيظَ الَّذِي اسْتَحَقَّتْهُ بِسَبَبِ حَرَكَتِهَا فَإِذَا كَانَتِ الْكَسْرَةُ لَازِمَةً أَثَّرَتْ فِي لُغَةٍ دُونَ أُخْرَى فَرُقِّقَتِ الرَّاءُ لِذَلِكَ وَفَخِّمَتْ، وَقِيلَ الْفَرْقُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ تَرْقِيقِ الرَّاءِ بِإِمَالَتِهَا، وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي سَبَبًا قَوِيًّا لِلْإِمَالَةِ. وَأَمَّا تَرْقِيقُ اللَّامِ فَهُوَ الْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى مَاهِيَّتِهَا وَسَجِيَّتِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ فِيهَا، وَإِنَّمَا التَّغْلِيظُ هُوَ الزِّيَادَةُ فِيهَا، وَلَا تَكُونُ الْحَرَكَةُ قَبْلَ لَامِ اسْمِ اللَّهِ إِلَّا مَفْصُولَةُ لَفْظًا، أَوْ تَقْدِيرًا. وَأَمَّا الْحَرَكَةُ قَبْلَ الرَّاءِ فَتَكُونُ مَفْصُولَةً وَمَوْصُولَةً فَأُمْكِنَ اعْتِبَارُ ذَلِكَ فِيهَا بِخِلَافِ اللَّامِ.
السَّابِعُ اللَّامُ الْمُشَدَّدَةُ نَحْوَ {يُصَلَّبُوا}، وَ{طَلَّقْتُمُ}، وَ{ظَلَّ وَجْهُهُ}، لَا يُقَالُ: فِيهَا إِنَّهُ فَصَلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ فَاصِلٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْرَى الْوَجْهَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفَاصِلَ أَيْضًا لَامٌ أُدْغِمَتْ فِي مِثْلِهَا فَصَارَ حَرْفًا وَاحِدًا فَلَمْ تَخْرُجِ اللَّامُ عَنْ كَوْنِ حَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ وَلِيَهَا. وَقَدْ شَذَّ بَعْضُهُمْ فَاعْتَبَرَ ذَلِكَ فَصْلًا مُطْلَقًا، حَكَاهُ الدَّانِيُّ. وَبَعْضُهُمْ قَدْ أَثْبَتَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
|