الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النشر في القراءات العشر ***
وَقَالَ فِي كِفَايَتِهِ: اخْتَلَفُوا فِي الْمَدِّ وَالْقَصْرِ الاختلاف في المد والقصر عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ- يَعْنِي فِي الْمُنْفَصِلِ- فَكَانَ عَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ يَمُدُّونَ هَذَا النَّوْعَ مَدًّا حَسَنًا تَامًّا، وَالْبَاقُونَ يُمَكِّنُونَ هَذَا النَّوْعَ تَمْكِينًا سَهْلًا، إِلَّا أَنَّ ابْنَ كَثِيرٍ أَقْصَرُهُمْ تَمْكِينًا، فَإِنِ اتَّفَقَ حَرْفُ الْمَدِّ وَالْهَمْزِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَجْمَعُوا عَلَى مَدِّ حَرْفِ الْمَدِّ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَيَتَفَاوَتُ تَقْدِيرُ الْمَدِّ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَالْمُشَافَهَةُ تُبَيِّنُ ذَلِكَ. انْتَهَى. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي التَّفَاوُتِ فِي الْمُتَّصِلِ، وَقَالَ أَبُو الْعِزِّ الْقَلَانِسِيُّ فِي إِرْشَادِهِ عَنِ الْمُنْفَصِلِ: كَانَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ يُمَكِّنُونَ هَذِهِ الْحُرُوفَ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ، وَالْبَاقُونَ بِالْمَدِّ، إِلَّا أَنَّ حَمْزَةَ وَالْأَخْفَشَ عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ أَطْوَلُهُمْ مَدًّا، وَقَالَ فِي كِفَايَتِهِ: قَرَأَ الْوَلِيُّ، عَنْ حَفْصٍ وَأَهْلِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ، وَابْنِ عَبْدَانَ، عَنْ هِشَامٍ بِتَمْكِينِ حُرُوفِ الْمَدِّ وَاللِّينِ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ- يَعْنِي الْمُنْفَصِلَ وَمِثْلَهُ. ثُمَّ قَالَ: إِلَّا أَنَّ حَمْزَةَ وَالْأَعْشَى أَطْوَلُهُمْ مَدًّا، وَقُتَيْبَةُ أَطْوَلُ أَصْحَابِ الْكِسَائِيِّ مَدًّا، وَكَذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ- يَعْنِي فِي رِوَايَةِ ابْنِ ذَكْوَانَ. ثُمَّ قَالَ الْآخَرُونَ بِالْمَدِّ الْمُتَوَسِّطِ، وَأَطْوَلُهُمْ مَدًّا عَاصِمٌ. انْتَهَى. وَهُوَ صَرِيحٌ بِتَطْوِيلِ مَدِّ عَاصِمٍ عَلَى الْآخَرِينَ، خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِرْشَادِ، وَقَالَ أَبُو طَاهِرِ بْنُ سَوَّارٍ فِي الْمُسْتَنِيرِ عَنِ الْمُنْفَصِلِ: إِنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ غَيْرَ الْأَزْرَقِ وَأَبِي الْأَزْهَرِ، عَنْ وَرْشٍ، وَالْحُلْوَانِيِّ عَنْ هِشَامٍ، وَالْوَلِيِّ عَنْ حَفْصٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَمَّامِيِّ، وَأَهْلَ الْبَصْرَةِ يُمَكِّنُونَ الْحَرْفَ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ، وَقَالَ: وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُولَ اللَّفْظَ بِهِ كَاللَّفْظِ بِهِنَّ عِنْدَ لِقَائِهِنَّ سَائِرَ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ. وَحَمْزَةُ غَيْرَ الْعَبْسِيِّ وَعَلِيُّ بْنُ سَلْمٍ، وَالْأَعْشَى وَقُتَيْبَةُ يَمُدُّونَ مَدًّا مُشْبَعًا مِنْ غَيْرِ تَمْطِيطٍ وَلَا إِفْرَاطٍ كَانَ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَ أَشْيَاخُنَا، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْحَمَّامِيِّ فِي رِوَايَةِ النَّقَاشِ، عَنِ الْأَخْفَشِ الْبَاقُونَ بِالتَّمْكِينِ وَالْمَدِّ دُونَ مَدِّ حَمْزَةَ وَمُوَافِقِيهِ، قَالَ: وَأَحْسَنُ الْمَدِّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عِنْدَ اسْتِقْبَالِ هَمْزَةٍ أَوْ إِدْغَامٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: حَادَّ اللَّهَ، وَلَا الضَّالِّينَ، طَائِعِينَ، وَالْقَائِمِينَ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ كَانَ السَّاكِنُ وَالْهَمْزَةُ فِي كَلِمَةٍ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْمَدِّ وَالتَّمْكِينِ. انْتَهَى. وَيُفْهَمُ مِنْهُ الْخِلَافُ فِيمَا كَانَ السَّاكِنُ فِي كَلِمَتَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ فَارِسٍ فِي الْجَامِعِ : إِنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ وَالْوَلِيَّ، عَنْ حَفْصٍ وَقُتَيْبَةَ- يَعْنِي مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمَرْزُبَانِ- لَا يَمُدُّونَ حَرْفًا لِحَرْفٍ. ثُمَّ قَالَ الْبَاقُونَ بِإِشْبَاعِ الْمَدِّ، وَأَطْوَلُهُمْ مَدًّا حَمْزَةُ وَالْأَعْشَى، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْمَالِكِيُّ فِي الرَّوْضَةِ : فَكَانَ أَطْوَلُ الْجَمَاعَةِ مَدًّا حَمْزَةَ وَالْأَعْشَى وَابْنُ عَامِرٍ دُونَهُمَا، وَعَاصِمٌ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأَعْشَى دُونَهُ، وَالْكِسَائِيُّ دُونَهُ غَيْرُ أَنَّ قُتَيْبَةَ أَطْوَلُ أَصْحَابِ الْكِسَائِيِّ مَدًّا. انْتَهَى. وَإِنَّمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْمُنْفَصِلِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مِهْرَانَ فِي الْغَايَةِ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مَدُّ حَرْفٍ لِحَرْفٍ كُوفِيٍّ وَوَرْشٌ وَابْنُ ذَكْوَانَ. انْتَهَى. وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ عَنِ الْمُنْفَصِلِ: أَبُو جَعْفَرٍ، وَنَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ لَا يَمُدُّونَ حَرْفًا لِحَرْفٍ. قَالَ: وَأَمَّا عَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ وَابْنُ عَامِرٍ، وَنَافِعٌ بِرِوَايَةِ وَرْشٍ فَإِنَّهُمْ يَمُدُّونَ ذَلِكَ، وَوَرْشٌ أَطْوَلُهُمْ مَدًّا، ثُمَّ حَمْزَةُ، ثُمَّ عَاصِمٌ بِرِوَايَةِ الْأَعْشَى. الْبَاقُونَ يَمُدُّونَ مَدًّا وَسَطًا لَا إِفْرَاطَ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ عَنِ الْمُتَّصِلِ: وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي مَدِّ الْكَلِمَةِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْمَدَّةُ وَالْهَمْزَةُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، إِلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُفَرِّطُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْتَصِرُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي مَدِّ الْكَلِمَتَيْنِ. انْتَهَى. وَهُوَ نَصٌّ فِي تَفَاوُتِ الْمُتَّصِلِ، وَفِي اتِّفَاقِ هِشَامٍ وَابْنِ ذَكْوَانَ، وَوَرْشٍ مِنْ طَرِيقَيْهِ عَلَى مَدِّ الْمُنْفَصِلِ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلَفٍ فِي الْعُنْوَانِ : إِنَّ ابْنَ كَثِيرٍ وَقَالُونَ وَأَبَا عَمْرٍو يَتْرُكُ الزِّيَادَةَ فِي الْمُنْفَصِلِ وَيَمُدُّ الْمُتَّصِلَ زِيَادَةً مُشْبَعَةً، وَإِنَّ الْبَاقِينَ بِالْمَدِّ الْمُشْبَعِ بِالضَّرْبَيْنِ، وَأَطْوَلُهُمْ مَدًّا وَرْشٌ وَحَمْزَةُ، كَذَا ذَكَرَ فِي الِاكْتِفَاءِ، وَكَذَا نَصَّ شَيْخُهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ الطَّرَسُوسِيُّ فِي الْمُجْتَبَى : فَهَذَا مَا حَضَرَنِي مِنْ نُصُوصِهِمْ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهَا مِنَ الِاخْتِلَافِ الشَّدِيدِ فِي تَفَاوُتِ الْمَرَاتِبِ، وَإِنَّهُ مَا مِنْ مَرْتَبَةٍ ذُكِرَتْ لِشَخْصٍ مِنَ الْقُرَّاءِ إِلَّا وَذُكِرَ لَهُ مَا يَلِيهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ قُرْبِ كُلِّ مَرْتَبَةٍ مِمَّا يَلِيهَا، وَإِنَّ مِثْلَ هَذَا التَّفَاوُتِ لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ، وَالْمُنْضَبِطُ مِنْ ذَلِكَ غَالِبًا هُوَ الْقَصْرُ الْمَحْضُ وَالْمَدُّ الْمُشْبَعُ مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ عُرْفًا، وَالتَّوَسُّطُ بَيْنَ ذَلِكَ. وَهَذِهِ الْمَرَاتِبُ تَجْرِي فِي الْمُنْفَصِلِ، وَيَجْرِي مِنْهَا فِي الْمُتَّصِلِ الِاثْنَانِ الْأَخِيرَانِ، وَهُمَا الْإِشْبَاعُ وَالتَّوَسُّطُ، يَسْتَوِي فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَيَشْتَرِكُ فِي ضَبْطِهِ غَالِبِيَّتُهُمْ، وَتَحْكُمُ الْمُشَافَهَةُ حَقِيقَتَهُ، وَيُبَيِّنُ الْأَدَاءُ كَيْفِيَّتَهُ، وَلَا يَكَادُ تَخْفَى مَعْرِفَتُهُ عَلَى أَحَدٍ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَئِمَّتِنَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ الطَّرَسُوسِيُّ، وَصَاحِبُهُ أَبُو الطَّاهِرِ بْنُ خَلَفٍ، وَبِهِ كَانَ يَأْخُذُ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ فِي قَصِيدَتِهِ فِي الضَّرْبَيْنِ تَفَاوُتًا، وَلَا نَبَّهَ عَلَيْهِ، بَلْ جَعَلَ ذَلِكَ مِمَّا تَحْكُمُهُ الْمُشَافَهَةُ فِي الْأَدَاءِ، وَبِهِ أَيْضًا كَانَ يَأْخُذُ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْجُودِ غِيَاثُ بْنُ فَارِسٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأُسْتَاذِ الْمُحَقِّقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَصَّاعِ الدِّمَشْقِيِّ، وَقَالَ: هَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ، وَلَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ غَيْرُهُ. قُلْتُ: وَهُوَ الَّذِي أَمِيلُ إِلَيْهِ وَآخُذُ بِهِ غَالِبًا وَأُعَوِّلُ عَلَيْهِ، فَآخُذُ فِي الْمُنْفَصِلِ بِالْقَصْرِ الْمَحْضِ لِابْنِ كَثِيرٍ وَابْنِ جَعْفَرٍ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ عَنْهُمَا؛ عَمَلًا بِالنُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ وَالرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ، وَلِقَالُونَ بِالْخِلَافِ مِنْ طَرِيقَيْهِ، وَكَذَلِكَ لِيَعْقُوبَ مِنْ رِوَايَتَيْهِ جَمِيعًا بَيْنَ الطُّرُقِ، وَلِأَبِي عَمْرٍو إِذَا أَدْغَمَ الْإِدْغَامَ الْكَبِيرَ عَمَلًا بِنُصُوصِ مَنْ تَقَدَّمَ، وَأَجْرَى الْخِلَافَ عَنْهُ مَعَ الْإِظْهَارِ لِثُبُوتِهِ نَصًّا وَأَدَاءً وَكَذَلِكَ أَخَذَ بِالْخِلَافِ، عَنْ حَفْصٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا أَخَذَ بِالْخِلَافِ عَنْ هِشَامٍ مِنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ جَمِيعًا بَيْنَ طَرِيِقَيِ الْمَشَارِقَةِ وَالْمَغَارِبَةِ اعْتِمَادًا عَلَى ثُبُوتِ الْقَصْرِ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِيِّينَ قَاطِبَةً، وَأَمَّا الْأَصْبَهَانِيُّ، عَنْ وَرْشٍ فَإِنِّي آخُذُ لَهُ بِالْخِلَافِ لَقَالُونَ؛ لِثُبُوتِ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا عَنْهُ نَصًّا كَمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْقَصْرُ أَشْهَرَ عَنْهُ، إِلَّا أَنَّ مِنْ عَادَتِنَا الْجَمْعُ بَيْنَ مَا ثَبَتَ وَصَحَّ مَنْ طُرُقِنَا، لَا نَتَخَطَّاهُ وَلَا نَخْلِطُهُ بِسِوَاهُ، ثُمَّ إِنِّي آخُذُ فِي الضَّرْبَيْنِ بِالْمَدِّ الْمُشْبَعِ مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ لِحَمْزَةَ وَوَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ عَلَى السَّوَاءِ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ ذَكْوَانَ مِنْ طَرِيقِ الْأَخْفَشِ عَنْهُ كَمَا قَدَّمْنَا مِنْ مَذْهَبِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَآخُذُ لَهُ مِنَ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا وَمِنْ غَيْرِهَا، وَلِسَائِرِ الْقُرَّاءِ مِمَّنْ مَدَّ الْمُنْفَصِلَ بِالتَّوَسُّطِ فِي الْمَرْتَبَتَيْنِ، وَبِهِ آخُذُ أَيْضًا فِي الْمُتَّصِلِ لِأَصْحَابِ الْقَصْرِ قَاطِبَةً. وَهَذَا الَّذِي أَجْنَحُ إِلَيْهِ وَأَعْتَمِدُ غَالِبًا عَلَيْهِ، مَعَ أَنِّي لَا أَمْنَعُ الْأَخْذَ بِتَفَاوُتِ الْمَرَاتِبِ وَلَا أَرُدُّهُ، كَيْفَ وَقَدْ قَرَأْتُ بِهِ عَلَى عَامَّةِ شُيُوخِي، وَصَحَّ عِنْدِي نَصًّا وَأَدَاءً عَمَّنْ قَدَّمْتُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَإِذَا أَخَذْتُ بِهِ كَانَ الْقَصْرُ فِي الْمُنْفَصِلِ لِمَنْ ذَكَرْتُهُ عَنْهُ كَابْنِ كَثِيرٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِ الْخِلَافِ كَقَالُونَ وَأَبِي عَمْرٍو، وَمَنْ تَبِعَهُمَا، ثُمَّ فَوْقَ الْقَصْرِ قَلِيلًا فِي الْمُتَّصِلِ لِمَنْ قَصَرَ الْمُنْفَصِلَ، وَفِي الضَّرْبَيْنِ لِأَصْحَابِ الْخِلَافِ فِيهِ. ثُمَّ فَوْقَهَا قَلِيلًا لِلْكِسَائِيِّ وَخَلَفٍ وَلِابْنِ عَامِرٍ سِوَى مَنْ قَدَّمْنَا عَنْهُ فِي الرِّوَايَتَيْنِ، ثُمَّ فَوْقَهَا قَلِيلًا لِعَاصِمٍ. ثُمَّ فَوْقَهَا قَلِيلًا لِحَمْزَةَ وَوَرْشٍ وَالْأَخْفَشِ، عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَلَيْسَ عِنْدِي فَوْقَ هَذِهِ مَرْتَبَةٌ إِلَّا لِمَنْ يَسْكُتُ عَلَى الْمَدِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَسَيَأْتِي هَذَا إِذَا أَخَذْتَ بِالتَّفَاوُتِ بِالضَّرْبَيْنِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الدَّانِيِّ وَغَيْرِهِ، أَمَّا إِذَا أَخَذْتَ بِالتَّفَاوُتِ فِي الْمُنْفَصِلِ فَقَطْ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَنْ ذَكَرْتُ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّ مَرَاتِبَهُ عِنْدِي فِي الْمُنْفَصِلِ كَمَا ذَكَرْتُ آنِفًا، وَيَكُونُ الْمُتَّصِلُ بِالْإِشْبَاعِ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَلِكَ لَا أَمْنَعُ التَّفَاوُتَ فِي الْمَدِّ اللَّازِمِ عَلَى مَا قَدَّمْتُ، إِلَّا أَنِّي أَخْتَارُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَقَدِ انْفَرَدَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْفَحَّامِ فِي التَّجْرِيدِ عَنِ الْفَارِسِيِّ، عَنِ الشَّرِيفِ الزَّيْدِيِّ، عَنِ النَّقَّاشِ، عَنِ الْحُلْوَانِيِّ، عَنْ هِشَامٍ بِإِشْبَاعِ الْمَدِّ فِي الضَّرْبَيْنِ، فَخَالَفَ سَائِرَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
تَنْبِيهٌ مَنْ ذَهَبَ إِلَى عَدَمِ تَفَاوُتِ الْمُتَّصِلِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ فِيهِ الْإِشْبَاعُ كَأَعْلَى مَرَاتِبِ الْمُنْفَصِلِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ مِنْهُ تَفْضِيلُ الْمُنْفَصِلِ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ، فَيُعْلَمُ، وَبِهَذَا يَتَّضِحُ أَنَّ الْمَدَّ لِلسَّاكِنِ اللَّازِمِ هُوَ الْإِشْبَاعُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْمَدُّ لِلسَّاكِنِ الْعَارِضِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: الْجَائِزُ وَالْعَارِضُ، فَإِنَّ لِأَهْلِ الْأَدَاءِ مِنْ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ فِيهِ ثَلَاثَ مَذَاهِبٍ: الْأَوَّلُ الْإِشْبَاعُ كَاللَّازِمِ لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ اعْتِدَادًا بِالْعَارِضِ. قَالَ الدَّانِيُّ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْقُدَمَاءِ مِنْ مَشْيَخَةِ الْمِصْرِيِّينَ، قَالَ: وَبِذَلِكَ كُنْتُ أَقِفُ عَلَى الْخَافِقَانِيِّ يَعْنِي خَلَفَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيَّ. قُلْتُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّاطِبِيِّ لِجَمِيعِ الْقُرَّاءِ، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَافِي، وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ لِأَصْحَابِ التَّحْقِيقِ كَحَمْزَةَ وَوَرْشٍ وَالْأَخْفَشِ، عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ عَاصِمٍ وَغَيْرِهِ.
الثَّانِي التَّوَسُّطُ لِمُرَاعَاةِ اجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ وَمُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ عَارِضًا. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الشَّذَائِيِّ، وَالْأَهْوَازِيِّ وَابْنِ شَيْطَا وَالشَّاطِبِيِّ أَيْضًا، وَالدَّانِيِّ، قَالَ: وَبِذَلِكَ كُنْتُ أَقِفُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ وَأَبِي الْفَتْحِ وَأَبِي الْقَاسِمِ- يَعْنِي عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ خُوَاسْتِيِّ الْفَارِسِيَّ، قَالَ: وَبِهِ حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ شَاكِرٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ- يَعْنِي الشَّذَائِيَّ، قَالَ: وَهُوَ اخْتِيَارُهُ. قَالَ: وَعَلَى ذَلِكَ ابْنُ مُجَاهِدٍ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ. قُلْتُ: هُوَ الَّذِي فِي التَّبْصِرَةِ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ لِأَصْحَابِ التَّوَسُّطِ وَتَدْوِيرِ الْقِرَاءَةِ كَالْكِسَائِيِّ وَخَلَفٍ فِي اخْتِيَارِهِ، وَابْنِ عَامِرٍ فِي مَشْهُورِ طُرُقِهِ، وَعَاصِمٍ فِي عَامَّةِ رِوَايَاتِهِ.
الثَّالِثُ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّ السُّكُونَ عَارِضٌ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْوَقْفِ نَحْوُ: الْقَدْرِ وَالْفَجْرِ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْغَنِيِّ الْحُصْرِيِّ، قَالَ فِي قَصِيدَتِهِ: وَإِنْ يَتَطَرَّقْ عِنْدَ وَقْفِكَ سَاكِنٌ *** فَقِفْ دُونَ مَدٍّ ذَاكَ رَأْيِي بِلَا فَخْرِ فَجَمْعُكَ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ يَجُوزُ إِنْ *** وَقَفْتَ وَهَذَا مِنْ كَلَامِهِمُ الْحُرِّ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي إِسْحَاقَ الْجَعْبَرِيِّ وَغَيْرِهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي فِي الْكَافِي. وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ الْأَهْوَازِيُّ وَقَالَ: رَأَيْتُ مِنَ الشُّيُوخِ مَنْ يَكْرَهُ الْمَدَّ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا طَالَبْتَهُ فِي اللَّفْظِ قَالَ فِي الْوَقْفِ بِأَدْنَى تَمْكِينٍ مِنَ اللَّفْظِ، بِخِلَافِ مَا يُعَبَّرُ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَرْفُضْهُ الشَّاطِبِيُّ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ لِأَصْحَابِ الْحَدْرِ وَالتَّخْفِيفِ مِمَّنْ قَصَرَ الْمُنْفَصِلَ كَأَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي عَمْرٍو، وَيَعْقُوبَ، وَقَالُونَ. قَالَ الدَّانِيُّ: وَكُنْتُ أَرَى أَبَا عَلِيٍّ شَيْخَنَا يَأْخُذُ بِهِ فِي مَذَاهِبِهِمْ، وَحَدَّثَنِي بِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ جَوَازُ كُلٍّ مِنَ الثَّلَاثَةِ لِجَمِيعِ الْقُرَّاءِ؛ لِعُمُومِ قَاعِدَةِ الِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ وَعَدَمِهِ عَنِ الْجَمِيعِ إِلَّا عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَ تَفَاوُتَ الْمَرَاتِبِ فِي اللَّازِمِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ لِكُلِّ ذِي مَرْتَبَةٍ فِي اللَّازِمِ تِلْكَ الْمَرْتَبَةُ وَمَا دُونَهَا؛ لِلْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَلَا يَجُوزُ مَا فَوْقَهَا بِحَالٍ كَمَا سَيَأْتِي إِيضَاحُهُ آخِرَ الْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ بَيْنَ عُرُوضِ سُكُونِ الْوَقْفِ وَبَيْنَ عُرُوضِ سُكُونِ الْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ لِأَبِي عَمْرٍو، فَأَجْرَى الثَّلَاثَةَ لَهُ فِي الْوَقْفِ، وَخَصَّ الْإِدْغَامَ بِالْمَدِّ وَأَلْحَقَهُ بِاللَّازِمِ كَمَا فَعَلَ أَبُو شَامَةَ فِي بَابِ الْمَدِّ، وَالصَّوَابُ أَنَّ سُكُونَ إِدْغَامِ أَبِي عَمْرٍو عَارِضٌ كَالسُّكُونِ فِي الْوَقْفِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ إِجْرَاءُ أَحْكَامِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ مِنَ الْإِسْكَانِ وَالرَّوْمِ وَالْإِشْمَامِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْجَعْبَرِيُّ: وَلِأَبِي عَمْرٍو فِي الْإِدْغَامِ إِذَا كَانَ قَبْلَهُ حَرْفُ مَدٍّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: الْقَصْرُ وَالتَّوَسُّطُ وَالْمَدُّ كَالْوَقْفِ، ثُمَّ مِثْلُهُ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهَا أَبُو الْعَلَاءِ. قَالَ: وَالْمَفْهُومُ مِنْ عِبَارَةِ النَّاظِمِ- يَعْنِي الشَّاطِبِيَّ- فِي بَابِ الْمَدِّ. قُلْتُ: أَمَّا مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْعَلَاءِ فَتَقَدَّمَ آخِرَ بَابِ الْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ، وَأَمَّا الشَّاطِبِيُّ فَنَصُّهُ عَلَى كَوْنِ الْإِدْغَامِ عَارِضًا، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَدُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ الشَّاطِبِيَّ لَمْ يَذْكُرْ فِي كُلِّ سَاكِنٍ الْوَقْفَ قَصْرًا، بَلْ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ، وَهُمَا الطُّولُ وَالتَّوَسُّطُ، كَمَا نَصَّ السَّخَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ أَخْبَرُ بِكَلَامِ شَيْخِهِ وَمُرَادِهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ فِي شَرْحِ كَلَامِهِ؛ لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَفِي عَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ مِنَ الطُّولِ وَالتَّوَسُّطِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَالطُّولُ فَضْلًا. وَلَوْ أَرَادَ الْقَصْرَ لَقَالَ: وَالْمَدُّ فَضْلٌ. فَمُقْتَضَى اخْتِيَارِ الشَّاطِبِيِّ عَدَمُ الْقَصْرِ فِي سُكُونِ الْوَقْفِ، فَكَذَلِكَ سُكُونُ الْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ عِنْدَهُ؛ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ مَنْ رَوَى الْإِشَارَةَ فِي الْإِدْغَامِ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا لِحَمْزَةَ مُلْحَقًا بِاللَّازِمِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَمْثِلَتِنَا، فَلَا يَجُوزُ لَهُ فِيهِ إِلَّا مَا يَجُوزُ فِي دَابَّةٍ وَالْحَاقَّةُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ فِي الرَّوْمِ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ. فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَتُمِدُّونَنِي لَهُ وَلِيَعْقُوبَ كَمَا لَا فَرْقَ لَهُمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَامْ مِنْ الم، وَكَذَلِكَ حُكْمُ إِدْغَامِ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ وَنَحْوِهِ لِرُوَيْسٍ، وَأَتَعِدَانِّي لِهِشَامٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَتَأْمُرُونِّي وَتَاءَاتِ الْبَزِّيِّ وَغَيْرِهِ. أَمَّا أَبُو عَمْرٍو، فَإِنَّ مَنْ رَوَى الْإِشَارَةَ عَنْهُ فِي الْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ كَصَاحِبِ التَّيْسِيرِ وَالشَّاطِبِيَّةِ وَالْجُمْهُورِ، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَقْفِ، وَمَهْمَا كَانَ مَذْهَبُهُ فِي الْوَقْفِ فَكَذَلِكَ فِي الْإِدْغَامِ، إِنْ مَدًّا فَمَدٌّ، وَإِنَّ قَصْرًا فَقَصْرٌ، وَكَذَاكَ لَمْ نَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ نَصَّ عَلَى الْمَدِّ فِي الْإِدْغَامِ إِلَّا وَيَرَى الْمَدَّ فِي الْوَقْفِ كَأَبِي الْعِزِّ، وَسِبْطِ الْخَيَّاطِ وَأَبِي الْفَضْلِ الرَّازِيِّ، وَالْجَاجَانِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ ذَكَرَ الْمَدَّ فِي الْإِدْغَامِ وَهُوَ يَرَى الْقَصْرَ فِي الْوَقْفِ، وَأَمَّا مَنْ يَرَى الْإِشَارَةَ فِي الْإِدْغَامِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُلْحِقَهُ بِاللَّازِمِ؛ لِجَرْيِهِ مَجْرَاهُ لَفْظًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إِنَّ هَذَا جَائِزٌ وَذَاكَ وَاجِبٌ، فَأَلْحَقَهُ بِهِ، وَكَانَ مِمَّنْ يَرَى التَّفَاوُتَ فِي مَرَاتِبِ اللَّازِمِ كَابْنِ مِهْرَانَ وَصَاحِبِ التَّجْرِيدِ أَخَذَ لَهُ فِيهِ بِمَرْتَبَتِهِ فِي اللَّازِمِ، وَهُوَ الدُّنْيَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَرَى التَّفَاوُتَ فِيهِ كَالْهُذَلِيِّ أَخَذَ لَهُ بِالْعُلْيَا؛ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ؛ وَلِذَلِكَ نَصَّ الْهُذَلِيُّ فِي الْإِدْغَامِ عَلَى الْمَدِّ فَقَطْ، وَلَمْ يُلْحِقْهُ بِاللَّازِمِ، بَلْ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْوَقْفِ، وَالْحُكْمُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْأَوْجُهُ فِي ذَلِكَ أَوْجُهُ اخْتِيَارٍ لَا أَوْجُهُ اخْتِلَافٍ، فَبِأَيِّ وَجْهٍ قَرَأَ أَجْزَأَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْتُ: وَالِاخْتِيَارُ هُوَ الْأَوَّلُ أَخْذًا بِالْمَشْهُورِ، وَعَمَلًا بِمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ؛ طَرْدًا لِلْقِيَاسِ وَمُوَافَقَةً لِأَكْثَرِ النَّاسِ. فَإِنْ قِيلَ لِمَ ثَبَتَ حَرْفُ الْمَدِّ مِنَ الصِّلَةِ وَغَيْرِهَا مَعَ لِقَائِهِ السَّاكِنَ الْمُدْغَمَ فِي تَاءَاتِ الْبَزِّيِّ وَغَيْرِهَا حَتَّى احْتِيجَ فِي ذَلِكَ إِلَى زِيَادَةِ الْمَدِّ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَهَلَّا حُذِفَ حَرْفُ الْمَدِّ فِي نَحْوِ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ، وَيَعْلَمُهُ اللَّهُ، وَلَا الَّذِينَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِدْغَامَ فِي ذَلِكَ طَارِئٌ عَلَى حَرْفِ الْمَدِّ، فَلَمْ يُحْذَفْ لِأَجْلِهِ، فَهُوَ مِثْلُ إِدْغَامِ دَابَّةٍ وَالصَّاخَّةُ فَلَمْ يُحْذَفْ حَرْفُ الْمَدِّ خَوْفًا مِنَ الْإِجْحَافِ بِاجْتِمَاعِ إِدْغَامٍ طَارِئٍ وَحَذْفٍ، وَأَمَّا إِدْغَامُ اللَّامِ فِي الَّذِينَ وَالدَّارَ وَنَحْوِهِ فَأَصْلٌ لَازِمٌ، وَلَيْسَ بِطَارِئٍ عَلَى حَرْفِ الْمَدِّ، فَإِنَّهُ كَذَلِكَ أَبَدًا- كَانَ قَبْلَهُ حَرْفُ مَدٍّ أَوَ لَمْ يَكُنْ، فَحَذْفُ حَرْفِ الْمَدِّ لِلسَّاكِنِ طَرْدًا لِلْقَاعِدَةِ فَلَمْ يَقْرَأْ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ كَمَا لَمْ يَثْبُتْ حَرْفُ الْمَدِّ فِي نَحْوِ قَالُوا اطَّيَّرْنَا، وَادْخُلَا النَّارَ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الدَّانِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ : وَإِذَا وَقَعَ قَبْلَ التَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ حَرْفُ مَدٍّ وَلِينٍ- أَلِفٌ أَوْ وَاوٌ- نَحْوُ وَلَا تَيَمَّمُوا، وَعَنْهُ تَلَهَّى وَشِبْهُهُمَا أُثْبِتَ فِي اللَّفْظِ؛ لِكَوْنِ التَّشْدِيدِ عَارِضًا، فَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ فِي حَذْفِهِ، وَزِيدَ فِي تَمْكِينِهِ لِيَتَمَيَّزَ بِذَلِكَ السَّاكِنَانِ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ وَلَا يَلْتَقِيَا، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي اثْنَا عَشَرَ فِي قِرَاءَةِ مَنْ سَكَّنَ الْعَيْنَ. نَصَّ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ فِي الْجَامِعِ.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِيهِ حَرْفُ الْمَدِّ بَعْدَ الْهَمْزِ نَحْوُ مَا مَثَّلْنَا بِهِ أَوَّلًا، فَإِنَّ لِوَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ مَذْهَبًا اخْتَصَّ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْهَمْزَةُ فِي ذَلِكَ ثَابِتَةً عِنْدَهُ، أَوْ مُغَيَّرَةً فِي مَذْهَبِهِ، فَالثَّابِتَةُ نَحْوُ آمَنُوا وَنَأَى، وَسَوْآتُ، وَاتِيَا، وَلِإِيلَافِ، وَدُعَائِي، وَالْمُسْتَهْزِئِينَ، وَالنَّبِيئِينَ، وَآتُوا، وَيَئُوسًا، وَالنَّبِيئُونَ وَالْمُغَيَّرَةُ لَهُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بَيْنَ بَيْنَ، وَهُوَ أَأَمِنْتُمْ فِي الْأَعْرَافِ وَطه وَالشُّعَرَاءِ وَأَآلِهَتُنَا، جَاءَ آلَ فِي الْحِجْرِ. جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ فِي الْقَمَرِ. أَوْ بِالْبَدَلِ، وَهُوَ هَؤُلَاءِ آلِهَةٌ فِي الْأَنْبِيَاءِ. وَمِنَ السَّمَاءِ آيَةً فِي الشُّعَرَاءِ أَوْ بِالنَّقْلِ نَحْوُ الْآخِرَةَ}، {الْآنَ جِئْتَ}، {الْإِيمَانَ}، {الْأُولَى}، {مَنْ آمَنَ}، {بَنِي آدَمَ}، {أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ}، {قُلْ إِي وَرَبِّي}، {قَدْ أُوتِيتَ وَشِبْهُ ذَلِكَ فَإِنَّ وَرْشًا مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ مَدَّ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْأَدَاءِ فِي ذَلِكَ، فَرَوَى الْمَدَّ فِي جَمِيعِ الْبَابِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سُفْيَانَ صَاحِبُ الْهَادِي، وَأَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ شُرَيْحٍ صَاحِبُ الْكَافِي، وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْمَهْدَوِيُّ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَأَبُو الطَّاهِرِ بْنُ خَلَفٍ صَاحِبُ الْعُنْوَانِ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الْهُذَلِيُّ وَأَبُو الْفَضْلِ الْخُزَاعِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ الْحُصْرِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْفَحَّامِ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَلِّيمَةَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَأَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ، وَخَلَفُ بْنُ خَاقَانَ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ سَائِرِ الْمِصْرِيِّينَ وَالْمَغَارِبَةِ زِيَادَةَ الْمَدِّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، فَذَهَبَ الْهُذَلِيُّ فِيمَا رَوَاهُ، عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَمْرٍو إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ الْحَدَّادِ إِلَى الْإِشْبَاعِ الْمُفْرِطِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ عَنْهُ فِي الْمَدِّ الْمُنْفَصِلِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ الْقَرَوِيِّ وَأَبِي الْحُسَيْنِ- يَعْنِي الْخَبَّازِيَّ- عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيِّ يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يُوسُفَ أَحَدَ أَصْحَابِ ابْنِ هِلَالٍ، وَذَهَبَ جُمْهُورُ مَنْ ذَكَرْنَا إِلَى أَنَّهُ الْإِشْبَاعُ مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ، وَسَوَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ عَلَى الْهَمْزَةِ، وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرُ عِبَارَةِ التَّبْصِرَةِ وَالتَّجْرِيدِ، وَذَهَبَ الدَّانِيُّ، وَالْأَهْوَازِيُّ، وَابْنُ بَلِّيمَةَ وَأَبُو عَلِيٍّ الْهَرَّاسُ فِيمَا رَوَاهُ عَنِ ابْنِ عَدِيٍّ إِلَى التَّوَسُّطِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيٍّ الْحَسَنِ بْنِ بَلِّيمَةَ، وَذَكَرَ أَبُو شَامَةَ أَنَّ مَكِّيًّا ذَكَرَ كُلًّا مِنَ الْإِشْبَاعِ وَالتَّوَسُّطِ، وَذَكَرَ السَّخَاوِيُّ عَنْهُ الْإِشْبَاعَ فَقَطْ. قُلْتُ: وَقَفْتُ لَهُ عَلَى مُؤَلَّفٍ انْتَصَرَ فِيهِ لِلْمَدِّ فِي ذَلِكَ وَرَدَّ عَلَى مَنْ رَدَّهُ، أَحْسَنَ فِي ذَلِكَ وَبَالَغَ فِيهِ، وَعِبَارَتُهُ فِي التَّبْصِرَةِ تَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَبِالْإِشْبَاعِ قَرَأْتُ مِنْ طَرِيقِهِ، وَذَهَبَ إِلَى الْقَصْرِ فِيهِ أَبُو الْحَسَنِ طَاهِرُ بْنُ غَلْبُونَ، وَرَدَّ فِي تَذْكِرَتِهِ عَلَى مَنْ رَوَى الْمَدَّ وَأَخَذَ بِهِ، وَغَلَّطَ أَصْحَابَهُ، وَبِذَلِكَ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا ابْنُ بَلِّيمَةَ فِي تَلْخِيصِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّاطِبِيِّ حَسْبَ مَا نَقَلَهُ أَبُو شَامَةَ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ السَّخَاوِيِّ، عَنْهُ، قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَمَا قَالَ بِهِ ابْنُ غَلْبُونَ هُوَ الْحَقُّ. انْتَهَى. وَهُوَ اخْتِيَارُ مَكِّيٍّ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيُّ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَدِ اخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْجَعْبَرِيُّ، وَأَثْبَتَ الثَّلَاثَةَ جَمِيعًا أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفْرَاوِيُّ فِي إِعْلَانِهِ، وَالشَّاطِبِيُّ فِي قَصِيدَتِهِ، وَضَعَّفَ الْمَدَّ الطَّوِيلَ، وَأَلْحَقَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ شَاعَ وَذَاعَ وَتَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ، فَلَا وَجْهَ لِرَدِّهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدِ اتَّفَقَ أَصْحَابُ الْمَدَنِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ، عَنْ وَرْشٍ عَلَى اسْتِثْنَاءِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَصْلَيْنِ مُطَّرِدَيْنِ، فَالْكَلِمَةُ يُؤَاخِذُ كَيْفَ وَقَعَتْ نَحْوَ: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ، {لَا تُؤَاخِذْنَا}، {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ}. نَصَّ عَلَى اسْتِثْنَائِهَا الْمَهْدَوِيُّ، وَابْنُ سُفْيَانَ، وَمَكِّيٌّ وَابْنُ شُرَيْحٍ، وَكُلُّ مَنْ صَرَّحَ بِمَدِّ الْمُغَيَّرِ بِالْبَدَلِ، وَكَوْنُ صَاحِبِ التَّيْسِيرِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي التَّيْسِيرِ، فَإِنَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِهِ فِي غَيْرِهِ. وَكَأَنَّ الشَّاطِبِيَّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- ظَنَّ بِكَوْنِهِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي التَّيْسِيرِ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمَمْدُودِ لِوَرْشٍ بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ، فَقَالَ: وَبَعْضُهُمْ: يُوَاخِذُكُمْ، أَيْ: وَبَعْضُ رُوَاةِ الْمَدِّ قَصَرَ يُوَاخِذُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ رُوَاةَ الْمَدِّ مُجْمِعُونَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ يُؤَاخِذُ فَلَا خِلَافَ فِي قَصْرِهِ. قَالَ الدَّانِيُّ فِي إِيجَازِهِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْأَدَاءِ عَلَى تَرْكِ زِيَادَةِ التَّمْكِينِ لِلْأَلْفِ فِي قَوْلِهِ: لَا يُوَاخِذُكُمْ، وَلَا تُوَاخِذْنَا، وَلَوْ يُوَاخِذُ حَيْثُ وَقَعَ. قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مِنْ وَاخَذْتُ غَيْرُ مَهْمُوزٍ، وَقَالَ فِي الْمُفْرَدَاتِ : وَكُلُّهُمْ لَمْ يَزِدْ فِي تَمْكِينِ الْأَلِفِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ وَبَابِهِ. وَكَذَلِكَ اسْتَثْنَاهَا فِي جَامِعِ الْبَيَانِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهَا خِلَافًا، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْقَصَّاعِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الزِّيَادَةِ لِلْأَلْفِ فِي يُوَاخِذُ حَيْثُ وَقَعَ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الدَّانِيُّ وَمَكِّيٌّ وَابْنُ سُفْيَانَ وَابْنُ شُرَيْحٍ. قُلْتُ: وَعَدَمُ اسْتِثْنَائِهِ فِي التَّيْسِيرِ إِمَّا لِكَوْنِهِ مِنْ: وَاخَذَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِيجَازِ فَهُوَ غَيْرُ مَمْدُودٍ، أَوْ مِنْ أَجْلِ لُزُومِ الْبَدَلِ لَهُ فَهُوَ كَلُزُومِ النَّقْلِ فِي تَرَى فَلَا حَاجَةَ إِلَى اسْتِثْنَائِهِ، وَاعْتَمَدَ عَلَى نُصُوصِهِ فِي غَيْرِ التَّيْسِيرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْأَصْلَانِ الْمُطَّرِدَانِ فَأَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْهَمْزِ سَاكِنٌ صَحِيحٌ، وَكِلَاهُمَا مِنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ الْقُرْآنُ}، وَالظَّمْآنُ، وَمَسْئُولًا، وَمَذْؤُمًا، وَمَسْئُولُونَ وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ ذَلِكَ، فَقِيلَ: لِأَمْنِ إِخْفَاءٍ بَعْدَهُ، وَقِيلَ: لِتَوَهُّمِ النَّقْلِ، فَكَأَنَّ الْهَمْزَةَ مُعَرَّضَةٌ لِلْحَذْفِ. قُلْتُ: ظَهَرَ لِي فِي عِلَّةِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْهَمْزَةُ فِيهِ مَحْذُوفَةٌ رَسْمًا تُرِكَ زِيَادَةُ الْمَدِّ فِيهِ تَنْبِيهًا عَلَى ذَلِكَ، وَهَذِهِ هِيَ الْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ فِي اسْتِثْنَاءِ إِسْرَائِيلَ عِنْدَ مَنِ اسْتَثْنَاهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَلَوْ كَانَ السَّاكِنُ قَبْلَ الْهَمْزِ حَرْفَ مَدٍّ أَوْ حَرْفَ لِينٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَثَلِنَا فَهُمْ عَنْهُ فِيهِ عَلَى أُصُولِهِمُ الْمَذْكُورَةِ. وَانْفَرَدَ صَاحِبُ الْكَافِي فَلَمْ يَمُدَّ الْوَاوَ بَعْدَ الْهَمْزَةِ فِي الْمَوْءُودَةِ فَخَالَفَ سَائِرَ أَهْلِ الْأَدَاءِ الرَّاوِينَ مَدَّ هَذَا الْبَابِ عَنِ الْأَزْرَقِ، وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْأَلِفُ بَعْدَ الْهَمْزَةِ مُبْدَلَةً مِنَ التَّنْوِينِ فِي الْوَقْفِ نَحْوُ: {دُعَاءً}، {وَنِدَاءً}، {وَهُزُؤًا}، {وَمَلْجَأً} لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ، فَكَانَ ثُبُوتُهَا عَارِضًا، وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ رُوَاةُ الْمَدِّ، عَنْ وَرْشٍ فِي ثَلَاثِ كَلِمٍ وَأَصْلٍ مُطَّرِدٍ.
فَالْأُولَى مِنَ الْكَلِمِ إِسْرَائِيلَ حَيْثُ وَقَعَتْ. نَصَّ عَلَى اسْتِثْنَائِهَا أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّاطِبِيُّ فَلَمْ يَحْكِ فِيهَا خِلَافًا، وَوَجَّهَ بِطُولِ الْكَلِمَةِ وَكَثْرَةِ دَوْرِهَا وَثِقَلِهَا بِالْعُجْمَةِ، مَعَ أَنَّهَا أَكْثَرُ مَا تَجِيءُ مَعَ كَلِمَةِ بَنِي فَتَجْتَمِعُ ثَلَاثُ مَدَّاتٍ فَاسْتَثْنَى مَدَّ الْيَاءِ تَخْفِيفًا، وَنَصَّ عَلَى تَخْفِيفِهَا ابْنُ سُفْيَانَ وَأَبُو طَاهِرِ بْنُ خَلَفٍ وَابْنُ شُرَيْحٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ مَكِّيٍّ، وَالْأَهْوَازِيِّ وَالْخُزَاعِيِّ وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْفَحَّامِ وَأَبِي الْحَسَنِ الْحُصْرِيِّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَثْنُوهَا.
وَالثَّانِيَةُ آلْآنَ الْمُسْتَفْهَمُ بِهَا فِي حَرْفَيْ يُونُسَ آلْآنَ}، {وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ}، {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ أَعْنِي الْمَدَّ بَعْدَ اللَّامِ، فَنَصَّ عَلَى اسْتِثْنَائِهَا ابْنُ سُفْيَانَ وَالْمَهْدَوِيُّ وَابْنُ شُرَيْحٍ وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا مَكِّيٌّ فِي كُتُبِهِ، وَلَا الدَّانِيُّ فِي تَيْسِيرِهِ، وَاسْتَثْنَاهَا فِي الْجَامِعِ، وَنَصَّ فِي غَيْرِهِمَا بِخِلَافٍ فِيهَا، فَقَالَ فِي الْإِيجَازِ وَالْمُفْرَدَاتِ : إِنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ لَمْ يَزِدْ فِي تَمْكِينِهَا، وَأَجْرَى الْخِلَافَ فِيهَا الشَّاطِبِيُّ.
وَالثَّالِثَةُ {عَادًا الْأُولَى} فِي سُورَةِ النَّجْمِ، لَمْ يَسْتَثْنِهَا صَاحِبُ التَّيْسِيرِ فِيهِ، وَاسْتَثْنَاهَا فِي جَامِعِهِ، وَنَصَّ عَلَى الْخِلَافِ فِي غَيْرِهِمَا كَحَرْفَيْ {آلْآنَ} فِي يُونُسَ. وَنَصَّ عَلَى اسْتِثْنَائِهَا مَكِّيٌّ وَابْنُ سُفْيَانَ وَالْمَهْدَوِيُّ وَابْنُ شُرَيْحٍ، وَأَمَّا صَاحِبُ الْعُنْوَانِ، وَصَاحِبُ الْكَامِلِ، وَالْأَهْوَازِيُّ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَابْنُ بَلِّيمَةَ فَلَمْ يَذْكُرُوا: {آلْآنَ}، وَلَا {عَادًا الْأُولَى} بَلْ وَلَا نَصُّوا عَلَى الْهَمْزِ الْمُغَيَّرِ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَا تَعَرَّضُوا لَهُ بِمِثَالٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الْهَمْزَ الْمُحَقَّقَ وَمَثَّلُوا بِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مُمَدًّا عَلَى الْقَاعِدَةِ الْآتِيَةِ آخِرَ الْبَابِ لِدُخُولِهِ فِي الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرُوهُ، إِذْ تَخْفِيفُ الْهَمْزِ بِالتَّلْيِينِ أَوِ الْبَدَلِ أَوِ النَّقْلِ عَارِضٌ، وَالْعَارِضُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْقَاعِدَةِ، وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَمْدُودٍ لِعَدَمِ وُجُودِ هَمْزٍ مُحَقَّقٍ فِي اللَّفْظِ، وَالِاحْتِمَالَانِ مَعْمُولٌ بِهِمَا عِنْدَهُمْ كَمَا تَمَهَّدَ فِي الْقَاعِدَةِ الْآتِيَةِ غَيْرَ أَنَّ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ عِنْدِي أَقْوَى فِي مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ وَلَمْ يُمَثِّلُوا بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا اسْتَثْنَوْا مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى وَلَا مِمَّا أُجْمِعَ عَلَى اسْتِثْنَائِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ذَكَرَ الْقَصْرَ فِيمَا أَجْمَعَ عَلَى مَدِّهِ مِنَ الْمُتَّصِلِ إِذَا وَقَعَ قَبْلَ الْهَمْزِ الْمُغَيَّرِ، فَهَذَا أَوْلَى، وَأَمَّا صَاحِبُ التَّجْرِيدِ، فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى الْمَدِّ فِي الْمُغَيَّرِ بِالنَّقْلِ فِي آخِرِ بَابِ النَّقْلِ، فَقَالَ: وَكَانَ وَرْشٌ إِذَا نَقَلَ حَرَكَةَ الْهَمْزِ الَّتِي بَعْدَهَا حَرْفُ مَدٍّ إِلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا أَبْقَى الْمَدَّ عَلَى حَالِهِ قَبْلَ النَّقْلِ. انْتَهَى، وَقِيَاسُ ذَلِكَ الْمُغَيَّرِ بِغَيْرِ النَّقْلِ، بَلْ هُوَ أَحْرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَلِكَ الدَّانِيُّ فِي التَّيْسِيرِ وَفِي سَائِرِ كُتُبِهِ لَمْ يَنُصَّ إِلَّا عَلَى الْمُغَيَّرِ بِنَقْلٍ أَوْ بَدَلٍ، فَقَالَ: سَوَاءٌ كَانَتْ مُحَقَّقَةً، أَيِ الْهَمْزَةُ، أَوْ أُلْقِيَ حَرَكَتُهَا عَلَى سَاكِنٍ قَبْلَهَا، أَوْ أُبْدِلَتْ. ثُمَّ مَثَّلَ بِالنَّوْعَيْنِ فَلَمْ يَنُصَّ عَلَى الْمُسَهَّلِ بَيْنَ بَيْنَ، وَلَا مَثَّلَ بِهِ، وَلَا تَعَرَّضَ أَلْبَتَّةَ إِلَيْهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ ذِكْرَ هَذَا النَّوْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى زِيَادَةَ التَّمْكِينِ فِيهِ، إِذْ لَوْ جَازَتْ زِيَادَةُ تَمْكِينِهِ لَكَانَ كَالْجَمْعِ بَيْنَ أَرْبَعِ أَلِفَاتٍ، وَهِيَ الْهَمْزَةُ الْمُحَقَّقَةُ وَالْمُسَهَّلَةُ بَيْنَ بَيْنَ، وَالْأَلِفُ، فَلَوْ مَدَّهَا لَكَانَتْ كَأَنَّهَا أَلِفَانِ، فَيَجْتَمِعُ أَرْبَعُ أَلِفَاتٍ، وَبِهَذَا عَلَّلَ تَرْكَ إِدْخَالِ الْأَلِفِ بَيْنِ الْهَمْزَتَيْنِ، فَيَجْتَمِعُ أَرْبَعُ أَلِفَاتٍ، وَبِهَذَا عَلَّلَ تَرْكَ إِدْخَالِ الْأَلِفِ بَيْنِ الْهَمْزَتَيْنِ فِي ذَلِكَ، كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ. فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَذَكَرَهُ مَعَ الْمُسْتَثْنَيَاتِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا اسْتَثْنَى مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا قَدَّرَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَى التَّمْكِينِ بَعْدَ الْهَمْزَةِ الْمُحَقَّقَةِ وَالْمُغَيَّرَةِ بِالنَّقْلِ أَوْ بِالْبَدَلِ خَاصَّةً، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِمَّا بَعْدَ الْهَمْزَةِ الْمُحَقَّقَةِ، فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْجِنْسِ، فَلَوْ نَصَّ عَلَى اسْتِثْنَاءِ مَا بَعْدَ الْهَمْزَةِ الْمُغَيَّرَةِ بَيْنَ بَيْنَ لَكَانَ اسْتِثْنَاءً مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، فَلَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ، وَاسْتِثْنَاؤُهُ مَا بَعْدَ الْهَمْزَةِ الْمُجْتَلَبَةِ لِلِابْتِدَاءِ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مُحَقَّقَةٌ، وَكَذَلِكَ مَنْ عَلِمْنَاهُ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالتَّبْصِرَةِ وَغَيْرِهِمْ لَمْ يُمَثِّلُوا بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، إِلَّا أَنَّ إِطْلَاقَهُمُ التَّسْهِيلَ قَدْ يَرْجِعُ إِدْخَالَ نَوْعٍ بَيْنَ بَيْنَ، وَإِنْ لَمْ يُمَثِّلُوا بِهِ، وَالْجُمْلَةُ فَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ مُتَقَدِّمِي أَئِمَّتِنَا نَصَّ فِيهِ بِشَيْءٍ. نَعَمْ عِبَارَةُ الشَّاطِبِيِّ صَرِيحَةٌ بِدُخُولِهِ؛ وَلِذَلِكَ مَثَّلَ بِهِ شُرَّاحُ كَلَامِهِ، وَهُوَ الَّذِي صَحَّ أَدَاءً، وَبِهِ يُؤْخَذُ، عَلَى أَنِّي لَا أَمْنَعُ إِجْرَاءَ الْخِلَافِ فِي الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عَمَلًا بِظَوَاهِرِ عِبَارَاتِ مَنْ لَمْ يَذْكُرْهَا، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
تَنْبِيهٌ إِجْرَاءُ الْوَجْهَيْنِ مِنَ الْمَدِّ وَضِدِّهِ مِنَ الْمُغَيَّرِ بِالنَّقْلِ، إِنَّمَا يَتَأَتَّى حَالَةَ الْوَصْلِ. أَمَّا حَالَةُ الِابْتِدَاءِ إِذَا وَقَعَ بَعْدَ لَامِ التَّعْرِيفِ فَإِنْ لَمْ يُعْتَدَّ بِالْعَارِضِ، فَالْوَجْهَانِ فِي نَحْوِ {الْآخِرَةِ}، {الْإِيمَانَ}، {الْأُولَى} جَارِيَانِ، وَإِنِ اعْتُدَّ بِالْعَارِضِ فَالْقَصْرُ لَيْسَ إِلَّا نَحْوُ {الْآخِرَةِ}، {الْإِيمَانَ}، {الْأُولَى} لِقُوَّةِ الِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ فِي ذَلِكَ، وَلِعَدَمِ تَصَادُمِ الْأَصْلَيْنِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ مِنْ أَئِمَّتِنَا. قَالَ مَكِّيٌّ فِي الْكَشْفِ : إِنَّ وَرْشًا لَا يَمُدُّ {الْأُولَى}، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ مَدُّ حَرْفِ الْمَدِّ بَعْدَ الْهَمْزِ الْمُغَيَّرِ؛ لِأَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ هَمْزًا مُغَيَّرًا إِلَّا أَنَّهُ قَدِ اعْتَدَّ بِحَرَكَةِ اللَّامِ، فَكَأَنْ لَا هَمْزَ فِي الْكَلِمَةِ، فَلَا مَدَّ. انْتَهَى، وَأَمَّا الْأَصْلُ الْمُطَّرِدُ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ فَهُوَ حَرْفُ الْمَدِّ إِذَا وَقَعَ بَعْدَ هَمْزَةِ الْوَصْلِ حَالَةَ الِابْتِدَاءِ نَحْوُ {ايْتِ بِقُرْآنٍ}، {ايْتُونِي}، {اوْتُمِنَ} {ايْذَنْ لِي} فَنَصَّ عَلَى اسْتِثْنَائِهِ وَتَرْكِ الزِّيَادَةِ فِي مَدِّهِ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ، وَأَبُو مَعْشَرٍ الطَّبَرِيُّ، وَالشَّاطِبِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَنَصَّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا مِنَ الْمَدِّ، وَتَرَكَهُ ابْنُ سُفْيَانَ وَابْنُ شُرَيْحٍ وَمَكِّيٌّ، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ : وَكَلَا الْوَجْهَيْنِ حَسَنٌ، وَتَرْكُ الْمَدِّ أَقْيَسُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمَهْدَوِيُّ وَلَا ابْنُ الْفَحَّامِ وَلَا ابْنُ بَلِّيمَةَ وَلَا صَاحِبُ الْعُنْوَانِ، وَلَا الْأَهْوَازِيُّ، فَيُحْتَمَلُ مَدُّهُ؛ لِدُخُولِهِ فِي الْقَاعِدَةِ، وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ التَّمْثِيلِ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ تَرْكُ الْمَدِّ. وَأَنْ يَكُونُوا اسْتَغْنَوْا عَنْ ذَلِكَ بِمَا مَثَّلُوهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْأَوْلَى، فَوَجْهُ الْمَدِّ وُجُودُ حَرْفِ مَدٍّ بَعْدَ هَمْزَةٍ مُحَقَّقَةٍ لَفْظًا، وَإِنْ عَرَضَتِ ابْتِدَاءً، وَوَجْهُ الْقَصْرِ كَوْنُ هَمْزَةِ الْوَصْلِ عَارِضَةً وَالِابْتِدَاءُ بِهَا عَارِضٌ، فَلَمْ يُعْتَدَّ بِالْعَارِضِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا نَحْوُ {رَأَى الْقَمَرَ}، وَ{رَأَى الشَّمْسَ}، وَ{تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} فِي الْوَقْفِ فَإِنَّهُمْ فِيهِ عَلَى أُصُولِهِمُ الْمَذْكُورَةِ مِنَ الْإِشْبَاعِ وَالتَّوَسُّطِ وَالْقَصْرِ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ، وَذَهَابُهَا وَصْلًا عَارِضٌ فَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَهَذَا مِنَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا {مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ} فِي يُوسُفَ {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا} فِي نُوحٍ حَالَةَ الْوَقْفِ {وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ رَبَّنَا} فِي إِبْرَاهِيمَ حَالَةَ الْوَصْلِ، فَكَذَلِكَ هُمْ فِيهَا عَلَى أُصُولِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ، عَنْ وَرْشٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي حَرْفِ الْمَدِّ مِنَ الْأُولَيَيْنِ الْإِسْكَانُ، وَالْفَتْحُ فِيهَا عَارِضٌ مِنْ أَجْلِ الْهَمْزَةِ، وَكَذَلِكَ حَذْفُ حَرْفِ الْمَدِّ فِي الثَّالِثَةِ عَارِضٌ حَالَةَ الْوَصْلِ اتِّبَاعًا لِلرَّسْمِ، وَالْأَصْلُ إِثْبَاتُهَا فَجَرَتْ فِيهَا مَذَاهِبُهُمْ عَلَى الْأَصْلِ، وَلَمْ يُعْتَدَّ فِيهَا بِالْعَارِضِ، وَكَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ {مِنْ وَرَاءِ} فِي الْحَالَيْنِ، وَهَذَا مِمَّا لَمْ أَجِدْ فِيهِ نَصًّا لِأَحَدٍ، بَلْ قُلْتُهُ قِيَاسًا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَكَذَلِكَ أَخَذْتُهُ أَدَاءً عَنِ الشُّيُوخِ فِي {دُعَاءِ} فِي إِبْرَاهِيمَ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْمَلَ بِخِلَافِهِ.
وَأَمَّا السَّبَبُ الْمَعْنَوِيُّ فَهُوَ قَصْدُ الْمُبَالَغَةِ فِي النَّفْيِ، وَهُوَ سَبَبٌ قَوِيٌّ مَقْصُورٌ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَإِنْ كَانَ أَضْعَفَ مِنَ السَّبَبِ اللَّفْظِيِّ عِنْدَ الْقُرَّاءِ، وَمِنْهُ مَدُّ التَّعْظِيمِ فِي نَحْوِ {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}، {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}، {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ}، وَهُوَ قَدْ وَرَدَ عَنْ أَصْحَابِ الْقَصْرِ فِي الْمُنْفَصِلِ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو مَعْشَرٍ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْهُذَلِيُّ، وَابْنُ مِهْرَانَ، وَالْجَاجَانِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَرَأْتُ بِهِ مِنْ طَرِيقِهِمْ، وَأَخْتَارُهُ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: مَدُّ الْمُبَالَغَةِ. قَالَ ابْنُ مِهْرَانَ فِي كِتَابِ الْمَدَّاتِ لَهُ: إِنَّمَا سُمِّيَ مَدَّ الْمُبَالَغَةِ؛ لِأَنَّهُ طَلَبٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي نَفْيِ إِلَهِيَّةِ سِوَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، قَالَ: وَهَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهَا تُمَدُّ عِنْدَ الدُّعَاءِ عِنْدَ الِاسْتِغَاثَةِ، وَعِنْدَ الْمُبَالَغَةِ فِي نَفْيِ شَيْءٍ، وَيَمُدُّونَ مَا لَا أَصْلَ لَهُ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ. قَالَ: وَالَّذِي لَهُ أَصْلٌ أَوْلَى وَأَحْرَى. قُلْتُ: يُشِيرُ إِلَى كَوْنِهِ اجْتَمَعَ سَبَبَانِ، وَهُمَا الْمُبَالَغَةُ وَوُجُودُ الْهَمْزَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَالَّذِي قَالَهُ فِي ذَلِكَ جَيِّدٌ ظَاهِرٌ. وَقَدِ اسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ الْمُحَقِّقُونَ مَدَّ الصَّوْتِ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِشْعَارًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَبِغَيْرِهِ. قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي الْأَذْكَارِ : وَلِهَذَا كَانَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ اسْتِحْبَابَ مَدِّ الذَّاكِرِ قَوْلَهُ: {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} لِمَا وَرَدَ مِنَ التَّدَبُّرِ. قَالَ: وَأَقْوَالُ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْخَلَفِ فِي مَدِّ هَذَا مَشْهُورَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. قُلْتُ: رَوَيْنَا فِي ذَلِكَ حَدِيثَيْنِ مَرْفُوعَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ أَسْكَنَهُ اللَّهُ دَارَ الْجَلَالِ- دَارًا سَمَّى بِهَا نَفْسَهُ فَقَالَ: {ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}- وَرَزَقَهُ النَّظَرَ إِلَى وَجْهِهِ. وَالْآخَرُ عَنْ أَنَسٍ: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَمَدَّهَا هَدَمَتْ لَهُ أَرْبَعَةَ آلَافِ ذَنْبٍ، وَكِلَاهُمَا ضَعِيفَانِ، وَلَكِنَّهُمَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ. وَقَدْ وَرَدَ مَدُّ الْمُبَالَغَةِ لِلنَّفْيِ فِي لَا الَّتِي لِلتَّبْرِئَةِ فِي نَحْوِ {لَا رَيْبَ فِيهِ}، {لَا شِيَةَ فِيهَا}، {لَا مَرَدَّ لَهُ}، {لَا جَرَمَ}، عَنْ حَمْزَةَ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لَهُ أَبُو طَاهِرِ بْنُ سَوَّارٍ فِي الْمُسْتَنِيرِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي الْمُبْهِجِ مِنْ رِوَايَةِ خَلَفٍ، عَنْ سُلَيْمٍ، عَنْهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ فَارِسٍ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدَانَ، عَنْ سُلَيْمٍ، وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ الْخُزَاعِيُّ: قَرَأْتُ بِهِ أَدَاءً مِنْ طَرِيقِ خَلَفٍ، وَابْنِ سَعْدَانَ، وَخَلَّادٍ، وَابْنِ جُبَيْرٍ، وَرُوَيْمِ بْنِ يَزِيدَ، كُلُّهُمْ عَنْ حَمْزَةَ. قُلْتُ وَقَدْرُ الْمَدِّ فِي ذَلِكَ فِيمَا قَرَأْنَا بِهِ وَسَطٌ لَا يَبْلُغُ الْإِشْبَاعَ، وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْقَصَّاعِ، وَذَلِكَ لِضَعْفِ سَبَبِهِ عَنْ سَبَبِ الْهَمْزِ، وَقَرَأْتُ بِالْمَدِّ أَيْضًا فِي {لَا رَيْبَ} فَقَطْ مِنْ كِتَابِ الْكِفَايَةِ فِي الْقِرَاءَاتِ السِّتِّ لِحَفْصٍ مِنْ طَرِيقِ هُبَيْرَةَ عَنْهُ. هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَدِّ فِي حُرُوفِ الْمَدِّ مُسْتَوْفًى، إِذْ لَا يَجُوزُ زِيَادَةٌ فِي حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْمَدِّ بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ.
وَقَدِ انْفَرَدَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ شُرَيْحٍ فِي الْكَافِي بِمَدِّ مَا كَانَ عَلَى حَرْفَيْنِ فِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ. فَحَكَى عَنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ، عَنْ وَرْشٍ أَنَّهُ كَانَ يَمُدُّ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَاسْتَثْنَى الرَّاءَ مِنْ {الر}، وَ{المر} وَالطَّاءَ وَالْهَاءَ مِنْ: {طه}. قُلْتُ: وَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى وُجُودِ الْهَمْزِ مُقَدَّرًا بِحَسْبِ الْأَصْلِ، وَذَلِكَ شَاذٌّ لَا نَأْخُذُ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي إِلْحَاقِ حَرْفَيِ اللِّينِ بِهِمَا وَهُمَا الْيَاءُ وَالْوَاوُ الْمَفْتُوحُ مَا قَبْلَهُمَا، فَوَرَدَتْ زِيَادَةُ الْمَدِّ فِيهِمَا بِسَبَبَيِ الْهَمْزِ وَالسُّكُونِ إِذَا كَانَا قَوِيَّيْنِ. وَإِنَّمَا اعْتُبِرَ شَرْطُ الْمَدِّ فِيهِمَا مَعَ ضَعْفِهِ بِتَغْيِيرِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا شَيْئًا مِنَ الْخَفَاءِ وَشَيْئًا مِنَ الْمَدِّ، وَإِنْ كَانَا أَنْقَصَ فِي الرُّتْبَةِ مِمَّا فِي حُرُوفِ الْمَدِّ؛ وَلِذَلِكَ جَازَ الْإِدْغَامُ فِي نَحْوِ {كَيْفَ فَعَلَ} بِلَا عُسْرٍ، وَلَمْ يَنْقُلِ الْحَرَكَةَ إِلَيْهِمَا فِي الْوَقْفِ فِي نَحْوِ زَيْدٍ وَعَوْفٍ مَنْ نَقَلَ فِي نَحْوِ بَكْرٍ وَعَمْرٍو، وَتَعَاقَبَا مَعَ حُرُوفِ الْمَدِّ فِي الشِّعْرِ قَبْلَ حَرْفِ الرَّوِيِّ فِي نَحْوِ قَوْلِ الشَّاعِرِ: تُصَفِّقُهَا الرِّيَاحُ إِذَا جَرَيْنَا *** مَعَ قَوْلِهِ: مَخَارِيقُ بِأَيْدِي اللَّاعِبِينَا *** وَقَالُوا فِي تَصْغِيرِ مِدَقٍّ وَأَصَمٍّ: مُدَيْقٍ وَأُصَيْمٍ، فَجَمَعُوا بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ، وَأَجْرَوْهُمَا مَجْرَى حُرُوفِ الْمَدِّ؛ فَلِذَلِكَ حُمِلَا عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَا دُونَهَا فِي الرُّتْبَةِ لِقُرْبِهِمَا مِنْهَا، وَسَوَّغَ زِيَادَةَ الْمَدِّ فِيهِمَا سَبَبِيَّةُ الْهَمْزِ، وَقُوَّةِ اتِّصَالِهِ بِهِمَا فِي كَلِمَةٍ، وَقُوَّةِ سَبَبَيَّةِ السُّكُونِ، أَمَّا الْهَمْزُ فَإِنَّهُ إِذَا وَقَعَ بَعْدَ حَرْفَيِ اللِّينِ مُتَّصِلًا مِنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ نَحْوُ {شَيْءٍ} كَيْفَ وَقَعَ وَكَهَيْئَةٍ، وَسَوْءَةٍ، وَالسُّوءِ فَقَدِ اخْتُلِفَ عَنْ وَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ فِي إِشْبَاعِ الْمَدِّ فِي ذَلِكَ، وَتَوَسُّطِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَذَهَبَ إِلَى الْإِشْبَاعِ فِيهِ الْمَهْدَوِيُّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْحَسَنِ الْحُصْرِيِّ وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْهَادِي وَالْكَافِي وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَمُحْتَمَلٌ فِي التَّجْرِيدِ، وَذَهَبَ إِلَى التَّوَسُّطِ أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ وَأَبُو عُمَرَ، وَالدَّانِيُّ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ خَلَفِ بْنِ خَاقَانَ، وَأَبِي الْفَتْحِ فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي الْكَافِي وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَظَاهِرُ التَّجْرِيدِ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا الْحُصْرِيُّ فِي قَصِيدَتِهِ مَعَ اخْتِيَارِهِ الْإِشْبَاعَ فَقَالَ: وَفِي مَدِّ عَيْنٍ ثُمَّ شَيْءٍ وَسَوْأَةٍ *** خِلَافٌ جَرَى بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي مِصْرِ فَقَالَ أُنَاسٌ مَدُّهُ مُتَوَسِّطٌ *** وَقَالَ أُنَاسٌ مُفْرِطٌ وَبِهِ أَقْرِي وَأَجْمَعُوا عَلَى اسْتِثْنَاءِ كَلِمَتَيْنِ مِنْ ذَلِكَ وَهُمَا {مَوْئِلًا}، وَالْمَوْءُودَةُ فَلَمْ يَزِدْ أَحَدٌ فِيهِمَا تَمْكِينًا عَلَى مَا فِيهِمَا مِنَ الصِّيغَةِ، وَانْفَرَدَ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ بَعْدَ اسْتِثْنَاءِ {مَوْئِلًا} فَخَالَفَ سَائِرَ الرُّوَاةِ عَنِ الْأَزْرَقِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَمْكِينِ وَاوِ سَوْآتِ مِنْ {سَوْآتِهِمَا}، وَ{سَوْآتِكُمْ} فَنَصَّ عَلَى اسْتِثْنَائِهَا الْمَهْدَوِيُّ فِي الْهِدَايَةِ، وَابْنُ سُفْيَانَ فِي الْهَادِي، وَابْنُ شُرَيْحٍ فِي الْكَافِي، وَأَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْجُمْهُورُ، وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي التَّيْسِيرِ وَلَا فِي سَائِرِ كُتُبِهِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْأَهْوَازِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ، وَنَصَّ عَلَى الْخِلَافِ فِيهَا أَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ عَلَى الْمَدِّ الْمُتَوَسِّطِ وَالْقَصْرِ، فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى الْإِشْبَاعَ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَّا وَهُوَ يَسْتَثْنِي {سَوْآتٍ} فَعَلَى هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِيهَا لِوَرْشٍ سِوَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، وَهِيَ قَصْرُ الْوَاوِ مَعَ الثَّلَاثَةِ فِي الْهَمْزَةِ طَرِيقُ مَنْ قَدَّمْنَا، وَالرَّابِعُ التَّوَسُّطُ فِيهَا طَرِيقُ الدَّانِيِّ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَدْ نَظَمْتُ ذَلِكَ فِي بَيْتٍ وَهُوَ: وَسَوْآتُ قَصْرُ الْوَاوِ وَالْهَمْزِ ثُلِّثَا *** وَوَسْطُهُمَا فَالْكُلُّ أَرْبَعَةٌ نَادِرُ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى زِيَادَةِ الْمَدِّ فِي {شَيْءٍ} فَقَطْ كَيْفَ أَتَى مَرْفُوعًا، أَوْ مَنْصُوبًا، أَوْ مَخْفُوضًا، وَقَصْرُ سَائِرِ الْبَابِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي الْحَسَنِ طَاهِرِ بْنِ غَلْبُونَ وَأَبِي الطَّاهِرِ صَاحِبِ الْعُنْوَانِ، وَأَبِي الْقَاسِمِ الطَّرَسُوسِيِّ وَأَبِي عَلِيٍّ الْحَسَنِ بْنِ بَلِّيمَةَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَأَبِي الْفَضْلِ الْخُزَاعِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي قَدْرِ هَذَا الْمَدِّ، فَابْنُ بَلِّيمَةَ وَالْخُزَاعِيُّ وَابْنُ غَلْبُونَ يَرَوْنَ أَنَّهُ التَّوَسُّطُ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَيْهِ، وَالطَّرَسُوسِيُّ، وَصَاحِبُ الْعُنْوَانِ يَرَيَانِ أَنَّهُ الْإِشْبَاعُ، وَبِهِ قَرَأْتُ مِنْ طَرِيقِهِمَا، وَاخْتَلَفَ أَيْضًا بَعْضُ الْأَئِمَّةِ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ وَالْمَغَارِبَةِ فِي مَدِّ {شَيْءٍ} كَيْفَ أَتَى عَنْ حَمْزَةَ، فَذَهَبَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ غَلْبُونَ وَصَاحِبُ الْعُنْوَانِ، وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ بَلِّيمَةَ، وَغَيْرُهُمْ إِلَى مَدِّهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ غَلْبُونَ فِي التَّذْكِرَةِ، وَذَهَبَ الْآخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ السَّكْتُ دُونَ الْمَدِّ. وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَ الدَّانِيُّ كَلَامَ ابْنِ غَلْبُونَ، وَبِهِ قَرَأَ عَلَيْهِ، وَبِهِ أَخَذْنَا أَيْضًا، وَقَالَ فِي الْكَافِي : إِنَّهُ قَرَأَ الْوَجْهَيْنِ- يَعْنِي مِنَ الْمَدِّ وَالسَّكْتِ- وَهُمَا أَيْضًا فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَدِّ عِنْدَ مَنْ رَوَاهُ مِنْ هَؤُلَاءِ هُوَ التَّوَسُّطُ، وَبِهِ قَرَأْتُ مِنْ طَرِيقِ مَنْ رَوَى الْمَدَّ، وَلَمْ يَرَوِهِ عَنْهُ إِلَّا مَنْ رَوَى السَّكْتَ فِي غَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا وَقَعَ الْهَمْزُ بِعَدَدِ حَرْفِ اللِّينِ مُنْفَصِلًا، فَأَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الزِّيَادَةِ نَحْوُ {خَلَوْا إِلَى}، {وَابْنَيْ آدَمَ} وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَا هَمْزَ بَعْدُهُ نَحْوُ {عَيْنًا}، وَ{هَوْنًا} لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ لِمَا سَنَذْكُرُهُ إِلَّا مَا جَاءَ مِنْ نَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزِ فِي ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا السُّكُونُ فَهُوَ عَلَى أَقْسَامِ الْمَدِّ أَيْضًا، لَازِمٌ وَعَارِضٌ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُشَدَّدٌ وَغَيْرُ مُشَدَّدٍ. فَاللَّازِمُ غَيْرُ الْمُشَدَّدِ حَرْفٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ ع مِنْ فَاتِحَةِ مَرْيَمَ وَالشُّورَى، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْأَدَاءِ فِي إِشْبَاعِهَا فِي تَوَسُّطِهَا، وَفِي قَصْرِهَا لِكُلٍّ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَاهَا مَجْرَى حَرْفِ الْمَدِّ، فَأَشْبَعَ مَدَّهَا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ وَأَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ الْأَنْطَاكِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْأُذْفُوِيِّ، وَاخْتِيَارُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَكِّيٍّ وَأَبِي الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيِّ، وَحَكَاهُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ بَعْضِ مَنْ ذَكَرْنَا، وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَنْ رَوَى عَنْ وَرْشٍ الْمَدَّ فِي {شَيْءٍ}، {وَالسُّوءِ} وَشِبْهِهِمَا، ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ، عَنْ وَرْشٍ وَحْدَهُ- يَعْنِي مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ، وَكَذَا كَانَ يَأْخُذُ ابْنُ سُفْيَانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ بِالتَّوَسُّطِ نَظَرًا لِفَتْحِ مَا قَبْلُ، وَرِعَايَةً لِلْجَمْعِ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي الطَّيِّبِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ غَلْبُونَ، وَابْنِهِ أَبِي الْحَسَنِ طَاهِرِ بْنِ غَلْبُونَ وَأَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَنْطَاكِيِّ وَأَبِي الطَّاهِرِ صَاحِبِ الْعُنْوَانِ، وَأَبِي الْفَتْحِ بْنِ شَيْطَا وَأَبِي عَلِيٍّ صَاحِبِ الرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قِيَاسُ مَنْ رَوَى عَنْ وَرْشٍ التَّوَسُّطَ فِي {شَيْءٍ} وَبَابِهِ، وَهُوَ الْأَقْيَسُ لِغَيْرِهِ وَالْأَظْهَرُ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي جَامِعِ الْبَيَانِ، وَحِرْزِ الْأَمَانِيِّ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي كِفَايَةِ أَبِي الْعِزِّ الْقَلَانِسِيِّ عَنِ الْجَمِيعِ، وَفِي الْكَافِي عَنْ وَرْشٍ وَحْدَهُ بِخِلَافٍ، وَهَذَانَ الْوَجْهَانِ مُخْتَارَانِ لِجَمِيعِ الْقُرَّاءِ عِنْدَ الْمِصْرِيِّينَ، وَالْمَغَارِبَةِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ، وَأَخَذَ بِطَرِيقِهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَاهَا مَجْرَى الْحُرُوفِ الصَّحِيحَةِ فَلَمْ يَزِدْ فِي تَمْكِينِهَا عَلَى مَا فِيهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي طَاهِرِ بْنِ سَوَّارٍ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ سِبْطِ الْخَيَّاطِ وَأَبِي الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيِّ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي الْعِزِّ الْقَلَانِسِيِّ، وَاخْتِيَارُ مُتَأَخِّرِي الْعِرَاقِيِّينَ قَاطِبَةً، وَهُوَ الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَالْهَادِي وَالْكَافِي لِغَيْرِ وَرْشٍ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِيهِ لِوَرْشٍ، وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مَدَّهَا إِلَّا وَرْشًا بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ. قُلْتُ: الْقَصْرُ فِي {عَيْنٌ}، عَنْ وَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ مِمَّ انْفَرَدَ بِهِ ابْنُ شُرَيْحٍ، وَهُوَ مِمَّا يُنَافِي أُصُولَهُ إِلَّا عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى مَدَّ حَرْفِ اللِّينِ قَبْلَ الْهَمْزِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ السُّكُونِ أَقْوَى مِنْ سَبَبِ الْهَمْزِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاللَّازِمُ الْمُشَدَّدُ فِي حَرْفَيْنِ هَاتَينِّ فِي الْقَصَصِ وَاللَّذَينِّ فِي فُصِّلَتْ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ بِتَشْدِيدِ النُّونِ فَيَجْرِي لَهُ فِيهِمَا الثَّلَاثَةُ الْأَوْجُهِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ تَقَدَّمَ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْمَدَّ فِيهِمَا كَالْمَدِّ فِي {الضَّالِّينَ}، وَ{هَذَانِ} الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي جَامِعِهِ فِي بَابِ الْمَدِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ التَّيْسِيرِ وَنَصَّ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ مِنْ جَامِعِ الْبَيَانِ عَلَى الْإِشْبَاعِ فِي {هَذَانِ} وَالتَّمْكِينِ فِيهِمَا، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي التَّوَسُّطِ وَلَمْ يَذْكُرْ سَائِرُ الْمُؤَلِّفِينَ فِيهِمَا إِشْبَاعًا وَلَا تَوَسُّطًا؛ فَلِذَلِكَ كَانَ الْقَصْرُ فِيهِمَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا السَّاكِنُ الْعَارِضُ غَيْرُ الْمُشَدَّدِ فَنَحْوُ {اللَّيْلِ}، وَ{الْمَيْلِ}، وَ{الْمَيِّتِ}، وَ{الْحُسْنَيَيْنِ}، وَ{الْخَوْفِ}، وَ{الْمَوْتِ}، وَ{الطَّوْلِ} حَالَةَ الْوَقْفِ بِالْإِسْكَانِ، أَوْ بِالْإِشْمَامِ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ، فَقَدْ حَكَى فِيهِ الشَّاطِبِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَئِمَّةِ الْأَدَاءِ الثَّلَاثَةَ مَذَاهِبَ، وَهِيَ الْإِشْبَاعُ وَالتَّوَسُّطُ وَالْقَصْرُ، وَهِيَ أَيْضًا لِوَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ فِي غَيْرِ مَا الْهَمْزَةُ فِيهِ مُتَطَرِّفَةٌ نَحْوُ {شَيْءٍ}، وَ{السُّوءَ} فَإِنَّ الْقَصْرَ يَمْتَنِعُ فِي ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْإِشْبَاعُ فِيهِ مَذْهَبُ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ بِشْرٍ، وَبَعْضِ مَنْ يَأْخُذُ بِالتَّحْقِيقِ وَإِشْبَاعِ التَّمْطِيطِ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ وَأَضْرَابِهِمْ، وَالتَّوَسُّطُ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْمُحَقِّقِينَ، وَاخْتِيَارُ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ، وَبِهِ كَانَ يُقْرِئُ أَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْقَصَّاعِ، عَنِ الْكَمَالِ الضَّرِيرِ، عَنْهُ. قَالَ الدَّانِيُّ: الْمَدُّ فِي حَالِ التَّمْكِينِ التَّوَسُّطُ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَبِهِ قَرَأْتُ، وَالْقَصْرُ هُوَ مَذْهَبُ الْحُذَّاقِ كَأَبِي بَكْرٍ الشَّذَائِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ النَّقَّارِ وَأَبِي الْفَتْحِ ابْنِ شَيْطَا وَأَبِي مُحَمَّدٍ سِبْطِ الْخَيَّاطِ وَأَبِي عَلِيٍّ الْمَالِكِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُرَيْحٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَأَكْثَرُهُمْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهَا جَارِيَةٌ مَجْرَى الصَّحِيحِ، وَبِهِ كَانَ يُقْرِئُ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْجُودِ الْمِصْرِيِّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَصَّاعِ، عَنِ الْكَمَالِ الضَّرِيرِ، عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ النَّحْوِيِّينَ أَجْمَعِينَ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ جَمِيعًا الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ. قُلْتُ: وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَوْجُهَ لَا تَسُوغُ إِلَّا لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْإِشْبَاعِ فِي حُرُوفِ الْمَدِّ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَصْرِ فِيهَا لَا يَجُوزُ لَهُ إِلَّا الْقَصْرُ فَقَطْ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى التَّوَسُّطِ فِيهَا لَا يَسُوغُ لَهُ هُنَا إِلَّا التَّوَسُّطُ وَالْقَصْرُ- اعْتَدَّ بِالْعَارِضِ أَوْ لَمْ يَعْتَدَّ- وَلَا يَسُوغُ لَهُ هُنَا إِشْبَاعٌ؛ فَلِذَلِكَ كَانَ الْأَخْذُ بِهِ فِي هَذَا النَّوْعِ قَلِيلًا وَالْعَارِضُ الْمُشَدَّدُ نَحْوُ {اللَّيْلَ لِبَاسًا}، {كَيْفَ فَعَلَ}، {اللَّيْلُ رَأَى}، {بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ} عِنْدَ أَبِي عَمْرٍو فِي الْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَوْجَهُ سَائِغَةٌ فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي الْعَارِضِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْقَصْرِ، وَمِمَّنْ نَقَلَ فِيهِ الْمَدَّ وَالتَّوَسُّطَ الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْقَصَّاعِ.
فَصْلٌ فِي قَوَاعِدِ هَذَا الْبَابِ مُهِمَّةٍ تَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَ الْمَدِّ حَرْفُهُ، وَأَنَّ سَبَبَهُ مُوجِبُهُ. فَالشَّرْطُ قَدْ يَكُونُ لَازِمًا فَيَلْزَمُ فِي كُلِّ حَالٍ نَحْوُ: {أُولَئِكَ}، وَ{قَالُوا آمَنَّا،} وَ{الْحَاقَّةُ} أَوْ يَرِدُ عَلَى الْأَصْلِ نَحْوُ: {أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}، {بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ}، {بِهِ إِلَيْكُمْ}. وَقَدْ يَكُونُ عَارِضًا فَيَأْتِي فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ نَحْوُ {مَلْجَأٍ} حَالَةَ الْوَقْفِ، أَوْ يَجِيءُ عَلَى غَيْرِ الْأَصْلِ نَحْوُ {أَأَنْتُمْ} عِنْدَ مَنْ فَصَلَ، وَنَحْوُ {أَأَلِدُ}، {أَأَمِنْتُمْ مَنْ}، وَ{مِنَ السَّمَاءِ إِلَى} عِنْدَ مَنْ أَبْدَلَ الثَّانِيَةَ، وَقَدْ يَكُونُ ثَابِتًا فَلَا يَتَغَيَّرُ عَنْ حَالَةِ السُّكُونِ، وَقَدْ يَكُونُ مُغَيَّرًا نَحْوُ {يُضِيءُ}، وَ{سُوءٌ} فِي وَقْفِ حَمْزَةَ وَهِشَامٍ، وَقَدْ يَكُونُ قَوِيًّا فَتَكُونُ حَرَكَةُ مَا قَبْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ، وَقَدْ يَكُونُ ضَعِيفًا فَيُخَالِفُ حَرَكَةَ مَا قَبْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ. وَكَذَلِكَ السَّبَبُ قَدْ يَكُونُ لَازِمًا نَحْوُ {أَتُحَاجُّونِّي} وَ{إِسْرَائِيلَ}، وَقَدْ يَكُونُ عَارِضًا نَحْوُ {وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ} حَالَةَ الْإِدْغَامِ وَالْوَقْفِ وَ{اؤْتُمِنَ} حَالَةَ الِابْتِدَاءِ. وَقَدْ يَكُونُ مُغَيَّرًا نَحْوُ {الم اللَّهُ} حَالَةَ الْوَصْلِ وَهَؤُلَاءِ إِنْ حَالَةَ الْوَصْلِ عِنْدَ الْبَزِّيِّ وَأَبِي عَمْرٍو وَحَالَةَ الْوَقْفِ عِنْدَ حَمْزَةَ، وَقَدْ يَكُونُ قَوِيًّا، وَقَدْ يَكُونُ ضَعِيفًا، وَالْقُوَّةُ وَالضَّعْفُ فِي السَّبَبِ يَتَفَاضَلُ، فَأَقْوَاهُ مَا كَانَ لَفْظِيًّا، ثُمَّ أَقْوَى اللَّفْظِيِّ مَا كَانَ سَاكِنًا أَوْ مُتَّصِلًا وَأَقْوَى السَّاكِنِ مَا كَانَ لَازِمًا، وَأَضْعَفُهُ مَا كَانَ عَارِضًا. وَقَدْ يَتَفَاضَلُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لُزُومًا وَعُرُوضًا، فَأَقْوَاهُ مَا كَانَ مُدْغَمًا كَمَا تَقَدَّمَ وَيَتْلُو السَّاكِنَ الْعَارِضَ مَا كَانَ مُنْفَصِلًا، وَيَتْلُوهُ مَا تَقَدَّمَ الْهَمْزُ فِيهِ عَلَى حَرْفِ الْمَدِّ، وَهُوَ أَضْعَفُهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا: اللَّفْظِيُّ أَقْوَى مِنَ الْمَعْنَوِيِّ؛ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَيْهِ، وَكَانَ السَّاكِنُ أَقْوَى مِنَ الْهَمْزِ؛ لِأَنَّ الْمَدَّ فِيهِ يَقُومُ مَقَامَ الْحَرَكَةِ، فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنَ النُّطْقِ بِالسَّاكِنِ بِحَقِّهِ إِلَّا بِالْمَدِّ؛ وَلِذَلِكَ اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى مَدِّهِ قَدْرًا وَاحِدًا، وَكَانَ أَقْوَى مِنَ الْمُتَّصِلِ لِذَلِكَ، وَكَانَ الْمُتَّصِلُ أَقْوَى مِنَ الْمُنْفَصِلِ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى مَدِّهِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ، وَلِاخْتِلَافِهِمْ فِي مَدِّ الْمُنْفَصِلِ وَقَصْرِهِ وَكَانَ الْمُنْفَصِلُ أَقْوَى مِمَّا تَقَدَّمَ فِيهِ الْهَمْزُ لِإِجْمَاعِ مَنِ اخْتَلَفَ فِي الْمَدِّ بَعْدَ الْهَمْزِ عَلَى مَدِّ الْمُنْفَصِلِ، فَمَتَى اجْتَمَعَ الشَّرْطُ وَالسَّبَبُ مَعَ اللُّزُومِ وَالْقُوَّةِ لَزِمَ الْمَدُّ وَوَجَبَ إِجْمَاعًا، وَمَتَى تَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا أَوِ اجْتَمَعَا ضَعِيفَيْنِ، أَوْ غُيِّرَ الشَّرْطُ أَوْ عَرَضَ وَلَمْ يَقْوَ السَّبَبُ- امْتَنَعَ الْمَدُّ إِجْمَاعًا، وَمَتَى ضَعُفَ أَحَدُهُمَا، أَوْ عَرَضَ السَّبَبُ، أَوْ غُيِّرَ- جَازَ الْمَدُّ وَعَدَمُهُ عَلَى خِلَافٍ بَيْنِهِمْ فِي ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي مُفَصَّلًا، وَمَتَى اجْتَمَعَ سَبَبَانِ عُمِلَ بِأَقْوَاهُمَا، وَأُلْغِيَ أَضْعَفُهُمَا إِجْمَاعًا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْجَعْبَرِيِّ: إِنَّ الْقَوِيَّ يَنْسَخُ حُكْمَ الضَّعِيفِ، وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ مَسَائِلُ:
الْأُولَى: لَا يَجُوزُ مَدُّ نَحْوِ {خَلَوْا إِلَى}، وَ{ابْنَيْ آدَمَ} كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ لِضَعْفِ الشَّرْطِ بِاخْتِلَافِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهُ وَالسَّبَبُ بِالِانْفِصَالِ، وَيَجُوزُ مَدُّ نَحْوِ {سَوْءَةَ}، وَ{هَيْئَةٌ} لِوَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِقُوَّةِ السَّبَبِ بِالِاتِّصَالِ كَمَا يَجُوزُ مَدُّ عَيْنٍ وَهَذَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ وَنَحْوِ: {الْمَوْتِ}، {وَاللَّيْلِ} وَقْفًا لِقُوَّةِ السَّبَبِ بِالسُّكُونِ.
الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ الْمَدُّ فِي وَقْفِ حَمْزَةَ وَهِشَامٍ عَلَى نَحْوِ {وَتَذُوقُوا السُّوءَ}، وَحَتَّى تَفِيءَ حَالَةَ النَّقْلِ إِنْ وُقِفَ بِالسُّكُونِ؛ لِتَغَيُّرِ حَرْفِ الْمَدِّ بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ إِلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ إِنَّهُ إِذْ ذَاكَ حَرْفُ مَدٍّ قَبْلَ هَمْزٍ مُغَيَّرٍ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَ لَمَّا زَالَ حُرِّكَ حَرْفُ الْمَدِّ، ثُمَّ سَكَنَ حَرْفُ الْمَدِّ لِلْوَقْفِ، وَأَمَّا قَوْلُ السَّخَاوِيِّ: وَتَقِفُ عَلَى {الْمُسِيءِ} بِإِلْقَاءِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْيَاءِ وَحَذْفِ الْهَمْزَةِ، ثُمَّ تُسْكِنُ الْيَاءَ لِلْوَقْفِ وَلَا يَسْقُطُ الْمَدُّ؛ لِأَنَّ الْيَاءَ وَإِنْ زَالَ سُكُونُهَا فَقَدْ عَادَ إِلَيْهَا- فَإِنْ أَرَادَ الْمَدَّ الَّذِي كَانَ قَبْلَ النَّقْلِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَدِّ الطَّبِيعِيِّ فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي إِسْقَاطِهِ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَدَّ الَّذِي هُوَ الصِّفَةُ اللَّازِمَةُ قَدْ عَادَ إِلَى الْيَاءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ حَالَةَ حَرَكَتِهَا بِالنَّقْلِ فَمُسَلَّمٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِثْلَ هُوَ وَهِيَ فِي الْوَقْفِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ: {وَهُوَ بِكُلِّ}، {وَهِيَ تَجْرِي}، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي {لِيَسُوءُوا}، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّالِثَةُ: لَا يَجُوزُ عَنْ وَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ مَدُّ نَحْوِ {أَأَلِدُ}، {أَأَمِنْتُمْ مَنْ}، وَجَاءَ أَجَلُهُمْ، وَالسَّمَاءِ إِلَى، وَأَوْلِيَاءَ أُولَئِكَ حَالَةَ إِبْدَالِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ حَرْفَ مَدٍّ، كَمَا يَجُوزُ لَهُ مَدُّ نَحْوِ {آمَنُوا}، وَإِيمَانٌ وَأُوتِيَ لِعُرُوضِ حَرْفِ الْمَدِّ بِالْإِبْدَالِ، وَضِعْفِ السَّبَبِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الشَّرْطِ، وَقِيلَ: لِلتَّكَافُؤِ، وَذَلِكَ أَنَّ إِبْدَالَهُ عَلَى غَيْرِ الْأَصْلِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَالْمَدُّ أَيْضًا غَيْرُ الْأَصْلِ، فَكَافَأَ الْقَصْرَ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فَلَمْ يُمَدَّ، وَيَرِدُ عَلَى هَذَا طَرْدًا نَحْوُ {مَلْجَأٍ} فَإِنَّ إِبْدَالَ أَلِفِهِ عَلَى الْأَصْلِ وَقَصْرِهِ إِجْمَاعٌ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ عَكْسًا نَحْوُ {أَأَنْذَرْتَهُمْ}، {وَجَاءَ أَمْرُنَا} فَإِنَّ إِبْدَالَ أَلِفِهِ عَلَى غَيْرِ الْأَصْلِ وَمَدِّهِ إِجْمَاعٌ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَنْعَ مَدِّهِ مِنْ ضَعْفِ سَبَبِهِ لِيَدْخُلَ نَحْوُ {مَلْجَأٍ} لِضَعْفِ السَّبَبِ، وَيَخْرُجُ نَحْوُ {أَأَنْذَرْتَهُمْ} لِقُوَّتِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي نَحْوِ {أَأَنْتُمْ}، وَ{أَيُّنَا}، وَ{أَأُنْزِلَ} فِي مَذْهَبِ مَنْ أَدْخَلَ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ أَلِفًا مِنَ الْأَلِفِ فِيهَا مُفَخَّمَةٌ جِيءَ بِهَا لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ لِثِقَلِ اجْتِمَاعِهِمَا، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى الِاعْتِدَادِ بِهَا؛ لِقُوَّةِ سَبَبِيَّةِ الْهَمْزِ، وَوُقُوعِهِ بَعْدَ حَرْفِ الْمَدِّ مِنْ كَلِمَةٍ، فَصَارَ مِنْ بَابِ الْمُتَّصِلِ، وَإِنْ كَانَتْ عَارِضَةً كَمَا اعْتَدَّ بِهَا مَنْ أَبْدَلَ وَمَدَّ لِسَبَبِيَّةِ السُّكُونِ وَهَذَا مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ شُرَيْحٍ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي فَقَالَ فِي بَابِ الْمَدِّ: فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ هِشَامًا إِذَا اسْتَفْهَمَ وَأَدْخَلَ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ أَلِفًا يَمُدُّ الْأَلِفَ الَّتِي قَبْلَ الْهَمْزَةِ، قِيلَ: إِنَّمَا يَمُدُّ مِنْ أَجْلِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ، فَهُوَ كَـ {خَائِفِينَ} وَنَحْوِهِ وَقَالَ فِي بَابِ الْهَمْزَتَيْنِ مِنْ كَلِمَةٍ: إِنَّ قَالُونَ وَأَبَا عَمْرٍو وَهِشَامًا يُدْخِلُونَ بَيْنَهُمَا أَلِفًا فَيَمُدُّونَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ التَّيْسِيرِ فِي مَسْأَلَةِ {هَاأَنْتُمْ} حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ جَعَلَهَا- يَعْنِي الْهَاءَ- مُبْدَلَةً وَكَانَ مِمَّنْ يَفْصِلُ بِالْأَلِفِ زَادَ فِي التَّمْكِينِ سَوَاءٌ حَقَّقَ الْهَمْزَةَ أَوْ لَيَّنَهَا، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ كَمَا سَيَأْتِي مُبَيَّنًا عِنْدَ ذِكْرِهَا فِي بَابِ الْهَمْزَةِ الْمُفْرَدَةِ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ- وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْمُحَقِّقُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي السَّدَادِ الْمَالِقِيُّ فِي شَرْحِ التَّيْسِيرِ مِنْ بَابِ الْهَمْزَتَيْنِ مِنْ كَلِمَةٍ، عِنْدَ قَوْلِهِ: وَقَالُونُ وَهِشَامٌ وَأَبُو عَمْرٍو يُدْخِلُونَهَا- أَيِ الْأَلِفَ- قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ الْمَدُّ بَيْنَ الْمُحَقَّقَةِ وَاللَّيِّنَةِ، إِلَّا أَنَّ مَدَّ هِشَامٍ أَطْوَلُ، وَمَدَّ السُّوسِيِّ أَقْصَرُ، وَمَدَّ قَالُونَ وَالدُّورِيِّ أَوْسَطُ، وَكُلُّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَدِّ الْمُتَّصِلِ. قُلْتُ: إِنَّمَا جَعَلَ مَدَّ السُّوسِيِّ أَقْصَرَ؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى ظَاهِرِ كَلَامِ التَّيْسِيرِ مِنْ جَعْلِ مَرَاتِبِ الْمُتَّصِلِ خَمْسَةً، وَالدُّنْيَا مِنْهَا لِمَنْ قَصَرَ الْمُنْفَصِلَ كَمَا قَدَّمْنَا، وَبِزِيَادَةِ الْمَدِّ قَرَأْتُ مِنْ طَرِيقِ الْكَافِي فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَذِهِ الْأَلِفِ؛ لِعَرْضِهَا وَلِضَعْفِ سَبَبِيَّةِ الْهَمْزِ عِنْدَ السُّكُونِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْعِرَاقِيِّينَ كَافَّةً وَجُمْهُورِ الْمِصْرِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ وَالْمَغَارِبَةِ، وَعَامَّةِ أَهْلِ الْأَدَاءِ. وَحَكَى بَعْضُهُمُ الْإِجْمَاعَ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مِهْرَانَ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ أَبُو الْفَخْرِ حَامِدُ بْنُ حَسْنَوَيْهِ الْجَاجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ حِلْيَةُ الْقُرَّاءِ عِنْدَ ذِكْرِهِ أَقْسَامَ الْمَدِّ: أَمَّا مَدُّ الْحَجْزِ، فَفِي مِثْلِ قَوْلِهِ: {أَأَنْذَرْتَهُمْ}، وَ{أَؤُنَبِّئُكُمْ}، وَ{أَإِذَا} وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ مَدَّ الْحَجْزِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ حَاجِزًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَثْقِلُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ، فَتُدْخِلُ بَيْنَهُمَا مَدَّةً تَكُونُ حَاجِزَةً بَيْنَهُمَا لِإِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى، قَالَ: وَمِقْدَارُهُ أَلِفٌ تَامَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْحَجْزَ يَحْصُلُ بِهَذَا الْقَدْرِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى الزِّيَادَةِ. انْتَهَى، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ؛ لِأَنَّ الْمَدَّ إِنَّمَا جِيءَ بِهِ زِيَادَةً عَلَى حَرْفِ الْمَدِّ الثَّابِتِ؛ بَيَانًا لَهُ وَخَوْفًا مِنْ سُقُوطِهِ لِخَفَائِهِ، وَاسْتِعَانَةً عَلَى النُّطْقِ بِالْهَمْزِ بَعْدَهُ لِصُعُوبَتِهِ، وَإِنَّمَا جِيءَ بِهَذِهِ الْأَلِفِ زَائِدَةً بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ؛ فَصْلًا بَيْنَهُمَا وَاسْتِعَانَةً عَلَى الْإِتْيَانِ بِالثَّانِيَةِ، فَزِيَادَتُهَا هُنَا كَزِيَادَةِ الْمَدِّ فِي حَرْفِ الْمَدِّ، ثُمَّ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى زِيَادَةٍ أُخْرَى، وَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى بِالْقِيَاسِ وَالْأَدَاءِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الرَّابِعَةُ يَجُوزُ الْمَدُّ وَعَدَمُهُ لِعُرُوضِ السَّبَبِ، وَيَقْوَى بِحَسَبِ قُوَّتِهِ، وَيَضْعُفُ بِحَسَبَ ضَعْفِهِ، فَالْمَدُّ فِي نَحْوِ: نَسْتَعِينُ، وَيُؤْمِنُونَ، وَقْفًا عِنْدَ مَنِ اعْتَدَّ بِسُكُونِهِ أَقْوَى مِنْهُ فِي نَحْوِ {إِيذَنْ}، وَ{أُؤْتُمِنَ} ابْتِدَاءً عِنْدَ مَنِ اعْتَدَّ بِهَمْزَةٍ؛ لِضَعْفِ سَبَبِ تَقَدُّمِ الْهَمْزِ عَنْ سُكُونِ الْوَقْفِ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ الْأَصَحُّ إِجْرَاءَ الثَّلَاثَةِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْ ثَمَّ جَرَتِ الثَّلَاثَةُ فِي الْوَقْفِ عَلَى {ايْتِ} حَالَةَ الِابْتِدَاءِ؛ لِقُوَّةِ سَبَبِ السُّكُونِ عَلَى سَبَبِ الْهَمْزِ الْمُتَقَدِّمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْخَامِسَةُ يَجُوزُ الْمَدُّ وَعَدَمُهُ إِذَا غُيِّرَ سَبَبُ الْمَدِّ عَنْ صِفَتِهِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا كَانَ الْمَدُّ، سَوَاءٌ كَانَ السَّبَبُ هَمْزًا أَوْ سُكُونًا، وَسَوَاءٌ كَانَ تَغْيِيرُ الْهَمْزِ بَيْنَ بَيْنَ، أَوْ بِالْإِبْدَالِ، أَوْ بِالنَّقْلِ، أَوْ بِالْحَذْفِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْهَمْزَتَيْنِ مِنْ كَلِمَتَيْنِ وَوَقْفِ حَمْزَةَ وَهِشَامٍ وَقِرَاءَةِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَالْمَدُّ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ الَّذِي آلَ إِلَيْهِ اللَّفْظُ وَاسْتِصْحَابُ حَالِهِ فِيمَا كَانَ أَوَّلًا وَتَنْزِيلُ السَّبَبِ الْمُغَيَّرِ كَالثَّابِتِ وَالْمَعْدُومِ- كَالْمَلْفُوظِ وَالْقَصْرِ اعْتِدَادًا بِمَا عَرَضَ لَهُ مِنَ التَّغَيُّرِ وَالِاعْتِبَارِ بِمَا صَارَ إِلَيْهِ اللَّفْظُ. وَالْمَذْهَبَانِ قَوِيَّانِ، وَالنَّظَرَانِ صَحِيحَانِ مَشْهُورَانِ مَعْمُولٌ بِهِمَا نَصًّا وَأَدَاءً، قَرَأْتُ بِهِمَا جَمِيعًا، وَالْأَوَّلُ أَرَجَحُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ كَأَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ، وَابْنِ شُرَيْحٍ وَأَبِي الْعِزِّ الْقَلَانِسِيِّ، وَالشَّاطِبِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ مَنْ مَدَّ عَامَلَ الْأَصْلَ، وَمَنْ قَصَرَ عَامَلَ اللَّفْظَ، وَمُعَامَلَةُ الْأَصْلِ أَوْجَهُ وَأَقْيَسُ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْجَعْبَرِيِّ، وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ فِيمَا ذَهَبَ بِالتَّغَيُّرِ اعْتِبَاطًا: هُوَ الثَّانِي، وَفِيمَا بَقِيَ لَهُ أَثَرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ: هُوَ الْأَوَّلُ؛ تَرْجِيحًا لِلْمَوْجُودِ عَلَى الْمَعْدُومِ. فَقَدْ حَكَى أَبُو بَكْرٍ الدَّاجُونِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَصْحَابِهِ، عَنْ نَافِعٍ فِي الْهَمْزَتَيْنِ الْمُتَّفِقَتَيْنِ نَحْوُ {السَّمَا أَنْ تَقَعَ} قَالَ: يَهْمِزُونَ وَلَا يُطَوِّلُونَ {السَّمَاءَ} وَلَا يَهْمِزُونَهَا، وَهَذَا نَصٌّ مِنْهُ عَلَى الْقَصْرِ مِنْ أَجْلِ الْحَذْفِ، وَهُوَ عَيْنُ مَا قُلْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ، تَرْجِيحُ الْمَدِّ عَلَى الْقَصْرِ لِأَبِي جَعْفَرٍ فِي قِرَاءَتِهِ {إِسْرَايِيلَ} وَنَحْوِهِ بِالتَّلْيِينِ؛ لِوُجُودِ أَثَرِ الْهَمْزَةِ، وَمَنْعِ الْمَدِّ فِي {شُرَكَايَ} وَنَحْوِهِ فِي رِوَايَةِ مَنْ حَذَفَ الْهَمْزَةَ عَنِ الْبَزِّيِّ لِذَهَابِ الْهَمْزَةِ، وَقَدْ يُعَارِضُ اسْتِصْحَابَ الْحُكْمِ مَانِعٌ آخَرُ، فَيَتَرَجَّحُ الِاعْتِدَادُ بِالْعَارِضِ، أَوْ يَمْتَنِعُ أَلْبَتَّةَ؛ وَلِذَلِكَ يَسْتَثْنِي جَمَاعَةٌ مِمَّنْ لَمْ يَعْتَدَّ بِالْعَارِضِ لِوَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ {آلْآنَ} فِي مَوْضِعَيْ يُونُسَ لِعَارِضٍ غَلَبَهُ التَّخْفِيفُ بِالنَّقْلِ؛ وَلِذَلِكَ خَصَّ نَافِعٌ نَقْلَهَا مِنْ أَجْلِ تَوَالِي الْهَمَزَاتِ، فَأَشْبَهَتِ اللَّازِمَ، وَقِيلَ: لِثِقَلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَدَّيْنِ، فَلَمْ يَعْتَدَّ بِالثَّانِيَةِ لِحُصُولِ الثِّقَلِ بِهَا، وَاسْتَثْنَى الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ {عَادًا الْأُولَى} لِغَلَبَةِ التَّغْيِيرِ، وَتَنْزِيلِهِ بِالْإِدْغَامِ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى اسْتِثْنَاءِ {يُوَاخِذُ}؛ لِلُزُومِ الْبَدَلِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ فِي الِابْتِدَاءِ بِنَحْوِ {الْإِيمَانَ}، {الْأُولَى}، {آلْآنَ} سِوَى الْقَصْرِ لِغَلَبَةِ الِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ كَمَا قَدَّمْنَا.
تَنْبِيهٌ لَا يَجُوزُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ إِلَّا الْمَدُّ عَلَى اسْتِصْحَابِ الْحُكْمِ، أَوِ الْقَصْرُ عَلَى الِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ، وَلَا يَجُوزُ التَّوَسُّطُ إِلَّا بِرِوَايَةٍ، وَلَا نَعْلَمُهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ عُرُوضِ الْمُوجِبِ وَتَغْيِيرِهِ وَاضِحٌ سَيَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الْعَاشِرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَتَخَرَّجُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ فُرُوعٌ:
الْأَوَّلُ إِذَا قُرِئَ لِأَبِي عَمْرٍو وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى نَحْوِ {هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} بِحَذْفِ إِحْدَى الْهَمْزَتَيْنِ فِي وَجْهِ قَصْرِ الْمُنْفَصِلِ وَقُدِّرَ حَذْفُ الْأُولَى فِيهَا عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ، فَالْقَصْرُ فِيهَا لِانْفِصَالِهِ مَعَ وَجْهَيِ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ فِي {أُولَاءِ}، {إِنْ كُنْتُمْ} لِعُرُوضِ الْحَذْفِ وَلِلِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ، فَإِذَا قُرِئَ فِي وَجْهِ الْمَدِّ الْمُنْفَصِلِ فَالْمَدُّ فِي هَا مَعَ الْمَدِّ فِي {أُولَاءِ} إِنْ وَجْهًا وَاحِدًا، وَلَا يَجُوزُ الْمَدُّ فِي هَا مَعَ قَصْرِ {أُولَاءِ إِنْ}؛ لِأَنَّ {أُولَاءِ} لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُقَدَّرَ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا، فَإِنْ قُدِّرَ مُنْفَصِلًا مُدَّ مَعَ مَدِّ هَا أَوْ قُصِرَ مَعَ قَصْرِهَا، وَإِنْ قُدِّرَ مُتَّصِلًا مُدَّ مَعَ قَصْرِ هَا فَلَا وَجْهَ حِينَئِذٍ لِمَدِّ هَا الْمُتَّفَقِ عَلَى انْفِصَالِهِ وَقَصْرِ {أُولَاءِ} الْمُخْتَلَفِ فِي اتِّصَالِهِ، وَيَكُونُ جَمِيعُ مَا فِيهَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ فَحَسْبُ.
الثَّانِي إِذَا قُرِئَ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ لَقَالُونَ وَمَنْ وَافَقَهُ بِتَسْهِيلِ الْأُولَى- فَالْأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الْمَذْكُورَةُ جَائِزَةٌ، فَمَعَ قَصْرِ هَا الْمَدِّ وَالْقَصْرِ فِي {أُولَاءِ} وَمَعَ مَدِّ هَا كَذَلِكَ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ إِلَّا اعْتِدَادًا بِالْعَارِضِ، إِلَّا أَنَّ الْمَدَّ فِي هَا مَعَ الْقَصْرِ فِي أُولَاءِ يَضْعُفُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ سَبَبَ الِاتِّصَالِ- وَلَوْ تَغَيَّرَ- أَقْوَى مِنَ الِانْفِصَالِ؛ لِإِجْمَاعِ مَنْ رَأَى قَصْرَ الْمُنْفَصِلِ عَلَى جَوَازِ مَدِّ الْمُتَّصِلِ، وَإِنْ غُيِّرَ سَبَبُهُ دُونَ الْعَكْسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّالِثُ إِذَا قُرِئَ هَانْتُمْ هَؤُلَاءِ لِأَبِي عَمْرٍو وَقَالُونَ، وَقُدِّرَ أَنَّ هَا فِي هَانْتُمْ لِلتَّنْبِيهِ، فَمَنْ مَدَّ الْمُنْفَصِلَ عَنْهُمَا جَازَ لَهُ فِي هَانْتُمْ وَجْهَانِ؛ لِتَغَيُّرِ الْهَمْزِ، وَمَنْ قَصَرَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إِلَّا الْقَصْرُ فِيهِمَا، وَلَا يَجُوزُ مَدُّ هَا مِنْ هَانْتُمْ وَقَصْرُ هَا مِنْ {هَؤُلَاءِ} إِذْ لَا وَجْهَ لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ.
الرَّابِعُ إِذَا قُرِئَ لِحَمْزَةَ وَهِشَامٍ فِي أَحَدِ وَجْهَيْهِ نَحْوُ {هُمُ السُّفَهَاءُ}، وَ{مِنَ السَّمَاءِ} وَقْفًا فِي وَجْهِ الرَّوْمِ جَازَ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ عَلَى الْقَاعِدَةِ، وَإِذَا قُرِئَ بِالْبَدَلِ وَقُدِّرَ حَذْفُ الْمُبْدَلِ فَالْمَدُّ عَلَى الْمَرْجُوحِ وَالْقَصْرُ عَلَى الْأَرْجَحِ مِنْ أَجْلِ الْحَذْفِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ فِي نَحْوِ {هَؤُلَاءِ} إِذَا وُقِفَ عَلَيْهَا بِالرَّوْمِ لِحَمْزَةَ، وَسُهِّلَتِ الْهَمْزَةُ الْأُولَى لِتَوَسُّطِهَا بَعْدَ الْأَلِفِ جَازَ فِي الْأَلِفَيْنِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ مَعًا لِتَغَيُّرِ الْهَمْزَتَيْنِ بَعْدَ حَرْفَيِ الْمَدِّ، وَلَا يَجُوزُ مَدُّ أَحَدِهِمَا وَقَصْرُ الْآخَرِ مِنْ أَجْلِ التَّرْكِيبِ، وَإِنْ وَقَفَ بِالْبَدَلِ وَقُدِّرَ الْحَذْفُ كَمَا تَقَدَّمَ جَازَ فِي أَلِفِ هَا الْوَجْهَانِ مَعَ قَصْرِ أَلِفِ {أُولَاءِ} عَلَى الْأَرْجَحِ؛ لِبَقَاءِ أَثَرِ التَّغَيُّرِ فِي الْأُولَى وَذَهَابِهِ إِلَى الثَّانِيَةِ، وَجَازَ مَدُّهُمَا وَقَصْرُهُمَا كَمَا جَازَ فِي وَجْهِ الرَّوْمِ عَلَى وَجْهِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَا بَقِيَ أَثَرُهُ وَذَهَبَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ بِحَقِّهِ فِي بَابِ وَقْفِ حَمْزَةَ وَهِشَامٍ عَلَى الْهَمْزِ.
الْخَامِسُ لَوْ وُقِفَ عَلَى زَكَرِيَّا لِهِشَامٍ فِي وَجْهِ التَّخْفِيفِ جَازَ حَالَةَ الْبَدَلِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ جَرْيًا عَلَى الْقَاعِدَةِ، فَلَوْ وُقِفَ عَلَيْهِ لِحَمْزَةَ لَمْ يَجُزْ لَهُ سِوَى الْقَصْرِ؛ لِلُزُومِ التَّخْفِيفِ لُغَةً؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِوَرْشٍ فِي نَحْوِ {تَرَى} سِوَى الْقَصْرِ.
السَّادِسُ لَا يَمْتَنِعُ بِعُمُومِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ إِجْرَاءُ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ فِي حَرْفِ الْمَدِّ بَعْدَ الْهَمْزِ الْمُغَيَّرِ فِي مَذْهَبِ وَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ، بَلِ الْقَصْرُ ظَاهِرُ عِبَارَةِ صَاحِبِ الْعُنْوَانِ وَالْكَامِلِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَسْتَثْنِ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَا أَجْمَعَ عَلَى اسْتِثْنَائِهِ مِنْ ذَلِكَ نَحْوُ {يُؤَاخِذُ} وَلَا مَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ {آلْآنَ}، وَ{عَادًا الْأُولَى} وَلَا مَثَّلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْمُغَيَّرِ وَلَا تَعَرَّضُوا لَهُ، وَلَمْ يَنُصُّوا إِلَّا عَلَى الْهَمْزِ الْمُحَقَّقِ، وَلَا مَثَّلُوا إِلَّا بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا صَرِيحٌ، أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي الِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ، وَلَهُ وَجْهٌ قَوِيٌّ، وَهُوَ ضَعْفُ سَبَبِ الْمَدِّ بِالتَّقَدُّمِ وَضَعْفُهُ بِالتَّغَيُّرِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فِي نَحْوِ {مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ} فَمَنْ لَمْ يَعْتَدَّ بِالْعَارِضِ فِي {الْآخِرِ} سَاوَى بَيْنَ آمَنَّا وَبَيْنَ الْآخِرِ مَدًّا وَتَوَسُّطًا وَقَصْرًا، وَمَنِ اعْتَدَّ بِهِ مَدًّا تَوَسَّطَ فِي {آمَنَّا} وَقَصَرَ فِي الْآخِرِ، وَلَكِنَّ الْعَمَلَ عَلَى عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ فِي الْبَابِ كُلِّهِ سِوَى مَا اسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَبِهِ قَرَأْتُ وَبِهِ آخُذُ، وَلَا أَمْنَعُ الِاعْتِدَادَ بِالْعَارِضِ خُصُوصًا مَنْ طُرُقِ مَنْ ذَكَرْتُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
السَّابِعُ {آلْآنَ} فِي مَوْضِعَيْ يُونُسَ إِذَا قُرِئَ لِنَافِعٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَجْهُ إِبْدَالِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ أَلِفًا، وَنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ بَعْدَ اللَّامِ إِلَيْهَا- جَازَ لَهُمَا فِي هَذِهِ الْأَلِفِ الْمُبْدَلَةِ الْمَدُّ بِاعْتِبَارِ اسْتِصْحَابِ حُكْمِ الْمَدِّ لِلسَّاكِنِ وَالْقَصْرُ بِاعْتِبَارِ الِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنْ وُقِفَ لَهُمَا عَلَيْهَا جَازَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْأَلِفِ الَّتِي بَعْدَ اللَّامِ مَا يَجُوزُ لِكَوْنِ الْوَقْفِ، وَهُوَ الْمَدُّ وَالتَّوَسُّطُ وَالْقَصْرُ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ يَجُوزُ أَيْضًا لِحَمْزَةَ فِي حَالِ وَقْفِهِ بِالنَّقْلِ. وَأَمَّا وَرْشٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ فَلَهُ حُكْمٌ آخَرُ مِنْ حَيْثُ وُقُوعِ كُلٍّ مِنَ الْأَلِفَيْنِ بَعْدَ الْهَمْزِ، إِلَّا أَنَّ الْهَمْزَةَ الْأُولَى مُحَقَّقَةٌ، وَالثَّانِيَةَ مُغَيَّرَةٌ بِالنَّقْلِ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي إِبْدَالِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ الَّتِي نَشَأَتْ عَنْهَا الْأَلِفُ الْأُولَى وَفِي تَسْهِيلِهَا بَيْنَ بَيْنَ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى إِبْدَالَهَا لَازِمًا، وَمِنْهُمْ مَنْ رَآهُ جَائِزًا، وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى تَسْهِيلَهَا لَازِمًا، وَمِنْهُمْ مَنْ رَآهُ جَائِزًا، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ الْهَمْزَتَيْنِ مِنْ كَلِمَةٍ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ الْبَدَلِ يَلْتَحِقُ بِبَابِ الْمَدِّ الْوَاقِعِ بَعْدَ هَمْزٍ، وَيَصِيرُ حُكْمُهَا حُكْمَ {آمَنَ} فَيَجْرِي فِيهَا لِلْأَزْرَقِ الْمَدُّ وَالتَّوَسُّطُ وَالْقَصْرُ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بِجَوَازِ الْبَدَلِ يَلْتَحِقُ بَابَ {آنْذَرْتَهُمْ}، وَ{آلِدُ} لِلْأَزْرَقِ، عَنْ وَرْشٍ، فَيَجْرِي فِيهَا حُكْمُ الِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ، فَيُقْصَرُ مِثْلُ {أَأَلِدُ} وَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِهِ فَيُمَدُّ كَـ {آنْذَرْتَهُمْ} وَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ {آمَنَ} وَشِبْهِهِ، فَذَلِكَ لَا يَجْرِي فِيهَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَوَسُطٌ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَيْنِ التَّقْدِيرَيْنِ فِي الْأَلِفِ الْأُخْرَى، فَإِذَا قُرِئَ بِالْمَدِّ فِي الْأُولَى جَازَ فِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ، وَهِيَ الْمَدُّ وَالتَّوَسُّطُ وَالْقَصْرُ، فَالْمَدُّ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ فِيهَا، وَعَلَى تَقْدِيرِ لُزُومِ الْبَدَلِ فِي الْأُولَى، وَعَلَى تَقْدِيرِ جَوَازِهِ فِيهَا إِنْ لَمْ يُعْتَدَّ بِالْعَارِضِ. وَهَذَا فِي التَّبْصِرَةِ لِمَكِّيٍّ وَفِي الشَّاطِبِيَّةِ، وَيُحْتَمَلُ لِصَاحِبِ التَّجْرِيدِ، وَالتَّوَسُّطُ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ مَدِّ الْأُولَى بِهَذَيْنِ التَّقْدِيرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَهُوَ فِي التَّيْسِيرِ وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَالْقَصْرُ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ الْأُولَى، وَعَلَى تَقْدِيرِ الِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ فِي الثَّانِيَةِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ لُزُومِ الْبَدَلِ فِي الْأُولَى، وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ فِيهَا لِتَصَادُمِ الْمَذْهَبَيْنِ، وَهَذَا الْوَجْهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَفِي الشَّاطِبِيَّةِ أَيْضًا، وَيُحْتَمَلُ لِصَاحِبِ تَلْخِيصِ الْعِبَارَاتِ، وَالتَّجْرِيدِ وَالْوَجِيزِ، وَإِذَا قُرِئَ بِالتَّوَسُّطِ فِي الْأُولَى جَازَ فِي الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ، وَهُمَا التَّوَسُّطُ وَالْقَصْرُ، وَيَمْتَنِعُ الْمَدُّ فِيهَا مِنْ أَجْلِ التَّرْكِيبِ، فَتَوَسُّطُ الْأُولَى عَلَى تَقْدِيرِ لُزُومِ الْبَدَلِ، وَتَوَسُّطُ الثَّانِيَةِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ فِيهَا، وَهَذَا الْوَجْهُ طَرِيقُ أَبِي الْقَاسِمِ خَلَفِ بْنِ خَاقَانَ، وَهُوَ أَيْضًا فِي التَّيْسِيرِ، وَيَخْرُجُ مِنَ الشَّاطِبِيَّةِ، وَيَظْهَرُ مِنْ تَلْخِيصِ الْعِبَارَاتِ وَالْوَجِيزِ، وَقَصْرُ الثَّانِيَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ فِيهَا، وَعَلَى تَقْدِيرِ لُزُومِ الْبَدَلِ فِي الْأُولَى، وَهُوَ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ، وَيَخْرُجُ مِنَ الشَّاطِبِيَّةِ، وَيُحْتَمَلُ مِنْ تَلْخِيصِ ابْنِ بَلِّيمَةَ وَالْوَجِيزِ. وَإِذَا قُرِئَ بِقَصْرِ الْأُولَى جَازَ فِي الثَّانِيَةِ الْقَصْرُ لَيْسَ إِلَّا؛ لِأَنَّ قَصْرَ الْأُولَى إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ لُزُومِ الْبَدَلِ فَيَكُونُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَمْ يَرَ الْمَدَّ بَعْدَ الْهَمْزِ كَطَاهِرِ بْنِ غَلْبُونَ فَعَدَمُ جَوَازِهِ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ جَوَازِ الْبَدَلِ وَالِاعْتِدَادِ مَعَهُ بِالْعَارِضِ كَظَاهِرِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الشَّاطِبِيَّةِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الِاعْتِدَادُ بِالْعَارِضِ فِي الثَّانِيَةِ أَوْلَى وَأَحْرَى فَيَمْتَنِعُ إِذًا مَعَ قَصْرِ الْأُولَى مَدُّ الثَّانِيَةِ وَتَوَسُّطُهَا، فَخُذْ تَحْرِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِجَمِيعِ أَوْجُهِهَا، وَطُرُقِهَا، وَتَقْدِيرَاتِهَا، وَمَا يَجُوزُ وَمَا يَمْتَنِعُ، فَلَسْتَ تَرَاهُ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرْتُ لَكَ، وَلِي فِيهَا إِمْلَاءٌ قَدِيمٌ لَمْ أَبْلُغْ فِيهِ هَذَا التَّحْقِيقَ، وَلِغَيْرِي عَلَيْهَا أَيْضًا كَلَامٌ مُفْرَدٌ بِهَا، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرْتُ هُنَا، وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ، وَقَدْ نَظَمْتُ هَذِهِ الْأَوْجَهَ الَّتِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ أَبْدَلَ، فَقُلْتُ: لِلْأَزْرَقِ فِي الْآنَ سِتَّةُ أَوْجُهٍ *** عَلَى وَجْهِ إِبْدَالٍ لَدَى وَصْلِهِ تَجْرِي فَمُدَّ وَثَلِّثْ ثَانِيًا ثُمَّ وَسِّطَنْ *** بِهِ وَبِقَصْرٍ ثُمَّ بِالْقَصْرِ مَعَ قَصْرِ وَقَوْلِي لَدَى وَصْلِهِ قَيْدٌ لِيُعْلَمَ أَنَّ وَقْفَهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ الْمُمْتَنَعَةَ حَالَةَ الْوَصْلِ تَجُوزُ لِكُلِّ مَنْ نَقَلَ فِي حَالَةِ الْوَقْفِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلِي عَلَى وَجْهِ إِبْدَالٍ لِيُعْلَمَ أَنَّ هَذِهِ السِّتَّةَ لَا تَكُونُ إِلَّا عَلَى وَجْهِ إِبْدَالِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ أَلِفًا، أَمَّا عَلَى وَجْهِ تَسْهِيلِهَا فَيَظْهَرُ لَهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي الْأَلِفِ الثَّانِيَةِ. الْمَدُّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّاطِبِيِّ وَكَلَامِ الْهُذَيْلِ، وَيَحْتَمِلُهُ كِتَابُ الْعُنْوَانِ. وَالتَّوَسُّطُ طَرِيقُ أَبِي الْفَتْحِ فَارِسٍ، وَهُوَ فِي التَّيْسِيرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّاطِبِيِّ أَيْضًا. وَالْقَصْرُ وَهُوَ غَرِيبٌ فِي طَرِيقِ الْأَزْرَقِ؛ لِأَنَّ أَبَا الْحَسَنِ طَاهِرَ بْنَ غَلْبُونَ وَابْنَ بَلِّيمَةَ اللَّذَيْنِ رَوَيَا عَنْهُ الْقَصْرَ فِي بَابِ آمَنَ مَذْهَبُهُمَا فِي هَمْزَةِ الْوَصْلِ الْإِبْدَالُ لَا التَّسْهِيلُ، وَلَكِنَّهُ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّاطِبِيِّ مُخَرَّجٌ مِنِ اخْتِيَارِهِ، وَيَحْتَمِلُ احْتِمَالًا قَوِيًّا فِي الْعُنْوَانِ، نَعَمْ هُوَ طَرِيقُ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ وَرْشٍ، وَهُوَ أَيْضًا لَقَالُونَ وَأَبِي جَعْفَرٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الثَّامِنُ إِذَا قُرِئَ الم بِالْوَصْلِ جَازَ لِكُلٍّ مِنَ الْقُرَّاءِ فِي الْيَاءِ مِنْ مِيمِ الْمَدُّ، وَالْقَصْرُ بِاعْتِبَارِ اسْتِصْحَابِ حُكْمِ الْمَدِّ وَالِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِوَرْشٍ وَمَنْ وَافَقَهُ عَنِ النَّقْلِ فِي {الم}، {أَحَسِبَ} الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ بِالْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى تَرْكِ الْمَدِّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَّاسُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ خَيْرُونَ الْقَيْرَوَانِيُّ، عَنْ أَصْحَابِهِمَا، عَنْ وَرْشٍ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: وَالْوَجْهَانِ جَيِّدَانِ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْمَهْدَوِيُّ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْحَسَنِ طَاهِرُ بْنُ غَلْبُونَ فِي التَّذْكِرَةِ : وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ حَسَنٌ غَيْرَ أَنِّي بِغَيْرِ مَدٍّ قَرَأْتُ فِيهِمَا، وَبِهِ آخُذُ. قُلْتُ: إِنَّمَا رُجِّحَ الْقَصْرُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ السَّاكِنَ ذَهَبَ بِالْحَرَكَةِ، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْفَاسِيِّ: وَلَوْ أُخِذَ بِالتَّوَسُّطِ فِي ذَلِكَ مُرَاعَاةً لِجَانِبَيِ اللَّفْظِ وَالْحُكْمِ لَكَانَ وَجْهًا- فَإِنَّهُ تَفَقُّهٌ وَقِيَاسٌ لَا يُسَاعِدُهُ نَقْلٌ، وَسَيَأْتِي عِلَّةُ مَنْعِهِ وَالْفَرْقُ فِي التَّنْبِيهِ الْعَاشِرِ قَرِيبًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
التَّاسِعُ إِذَا قُرِئَ لِوَرْشٍ بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْمُتَّفِقَتَيْنِ فِي كَلِمَتَيْنِ حَرْفَ مَدٍّ وَحُرِّكَ مَا بَعْدَ الْحَرْفِ الْمُبْدَلِ بِحَرَكَةٍ عَارِضَةٍ وَصْلًا، إِمَّا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ نَحْوُ {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} أَوْ بِإِلْقَاءِ الْحَرَكَةِ نَحْوُ عَلَى الْبِغَا إِنْ أَرَدْنَ، وَ{لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ} جَازَ الْقَصْرُ إِنِ اعْتُدَّ بِحَرَكَةِ الثَّانِي، فَيَصِيرُ مِثْلَ فِي السَّمَا إِلَهٌ، وَجَازَ الْمَدُّ إِنْ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا فَيَصِيرُ مِثْلَ {هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ}، وَذَلِكَ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ.
الْعَاشِرُ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّوَسُّطُ فِيمَا تَغَيَّرَ سَبَبُ الْمَدِّ فِيهِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَيَجُوزُ فِيمَا تَغَيَّرَ سَبَبُ الْقَصْرِ نَحْوُ {نَسْتَعِينُ}. فِي الْوَقْفِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ فِيهِمَا وَعَدَمِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَدَّ فِي الْأَوَّلِ هُوَ الْأَصْلُ، ثُمَّ عَرَضَ التَّغْيِيرُ فِي السَّبَبِ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يُعْتَدُّ بِالْعَارِضِ فَمُدَّ عَلَى الْأَصْلِ، وَحَيْثُ اعْتُدَّ بِالْعَارِضِ قُصِرَ إِذَا كَانَ الْقَصْرُ ضِدًّا لِلْمَدِّ، وَالْقَصْرُ لَا يَتَفَاوَتُ، وَأَمَّا الْقَصْرُ فِي الثَّانِي فَإِنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ عَدَمًا لِلِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ، فَهُوَ كَالْمَدِّ فِي الْأَوَّلِ، ثُمَّ عَرَضَ سَبَبُ الْمَدِّ، وَحَيْثُ اعْتُدَّ بِالْعَارِضِ مُدَّ، وَإِنْ كَانَ ضِدًّا لِلْقَصْرِ، إِلَّا أَنَّهُ يَتَفَاوَتُ طُولًا وَتَوَسُّطًا، فَأَمْكَنَ التَّفَاوُتُ فِيهِ، وَاطَّرَدَتْ فِي ذَلِكَ الْقَاعِدَةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ فِي الْعَمَلِ بِأَقْوَى السَّبَبَيْنِ، وَفِيهِ فُرُوعٌ: الْأَوَّلُ إِذَا قُرِئَ نَحْوُ قَوْلِهِ: {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}، وَ{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، وَ{لَا إِثْمَ عَلَيْهِ} لِحَمْزَةَ فِي مَذْهَبِ مَنْ رَوَى الْمَدَّ لِلْمُبَالَغَةِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي ذَلِكَ السَّبَبُ اللَّفْظِيُّ وَالْمَعْنَوِيُّ، وَاللَّفْظِيُّ أَقْوَى كَمَا تَقَدَّمَ، فَيَمُدُّ لَهُ فِيهِ مَدًّا مُشْبَعًا عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمَدِّ لِأَجْلِ الْهَمْزَةِ، كَمَا يَمُدُّ {بِمَا أَنْزَلَ} وَيُلْغَى الْمَعْنَوِيُّ فَلَا يَقْرَأُ فِيهِ بِالتَّوَسُّطِ لَهُ كَمَا لَا يَقْرَأُ {لَا رَيْبَ فِيهِ} وَ{لَا جَرَمَ} وَ{لَا عِوَجَ} وَشِبْهُهُ؛ إِعْمَالًا لِلْأَقْوَى وَإِلْغَاءً لِلْأَضْعَفِ.
الثَّانِي إِذَا وَقَفْتَ عَلَى نَحْوِ {يَشَاءُ} وَ{تَفِيءَ} وَ{السُّوءَ} بِالسُّكُونِ، لَا يَجُوزُ فِيهِ الْقَصْرُ عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا لِلْوَقْفِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ التَّوَسُّطُ وِفْقًا لِمَنْ مَذْهَبُهُ الْإِشْبَاعُ وَصْلًا، بَلْ يَجُوزُ عَكْسُهُ، وَهُوَ الْإِشْبَاعُ وِفْقًا لِمَنْ مَذْهَبُهُ التَّوَسُّطُ وَصْلًا إِعْمَالًا لِلسَّبَبِ الْأَصْلِيِّ دُونَ السَّبَبِ الْعَارِضِ، فَلَوْ وَقَفَ الْقَارِئُ لِأَبِي عَمْرٍو مَثَلًا عَلَى {السَّمَاءِ} بِالسُّكُونِ، فَإِنْ لَمْ يُعْتَدَّ بِالْعَارِضِ كَانَ مِثْلُهُ فِي حَالَةِ الْوَصْلِ، وَيَكُونُ كَمَنْ وَقَفَ لَهُ عَلَى {الْكِتَابُ}، وَ{الْحِسَابُ} بِالْقَصْرِ حَالَةَ السُّكُونِ، وَإِنِ اعْتُدَّ بِالْعَارِضِ زِيدَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْإِشْبَاعِ، وَيَكُونُ كَمَنْ وَقَفَ بِزِيَادَةِ الْمَدِّ فِي الْكِتَابِ وَالْحِسَابِ، وَلَوْ وَقَفَ مَثَلًا عَلَيْهِ لِوَرْشٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ غَيْرُ الْإِشْبَاعِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ مَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ تَوَسُّطٍ أَوْ قَصْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ سُكُونِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمَدِّ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَلَمْ يَعْرِضْ حَالَةَ الْوَقْفِ، بَلِ ازْدَادَ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِهِ بِسُكُونِ الْوَقْفِ، وَلَمْ يَجُزْ لِوَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ فِي الْوَقْفِ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا الْمَدُّ وَالتَّوَسُّطُ، وَيَمْتَنِعُ لَهُ الْقَصْرُ وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّالِثُ إِذَا وُقِفَ لِوَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ عَلَى نَحْوِ {يَسْتَهْزِئُونَ}، وَمُتَّكِئِينَ، وَ{الْمَآبُ} فَمَنْ رَوَى عَنْهُ الْمَدَّ وَصْلًا وَقَفَ كَذَلِكَ، سَوَاءٌ اعْتَدَّ بِالْعَارِضِ، أَوْ لَمْ يَعْتَدَّ، وَمَنْ رَوَى التَّوَسُّطَ وَصْلًا وَقَفَ بِهِ إِنْ لَمْ يَعْتَدَّ بِالْعَارِضِ، وَبِالْمَدِّ إِنِ اعْتَدَّ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَنْ رَوَى الْقَصْرَ كَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ غَلْبُونَ وَأَبِي عَلِيٍّ الْحَسَنِ بْنِ بَلِّيمَةَ وَقَفَ كَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَعْتَدَّ بِالْعَارِضِ وَبِالتَّوَسُّطِ، أَوِ الْإِشْبَاعِ إِنِ اعْتَدَّ بِهِ، وَتَقَدَّمَ.
الرَّابِعُ إِذَا قُرِئَ لَهُ أَيْضًا نَحْوُ {رَأَى أَيْدِيَهُمْ}، {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ}، وَالسُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا وَصْلًا مَدَّ وَجْهًا وَاحِدًا مُشْبَعًا عَمَلًا بِأَقْوَى السَّبَبَيْنِ، وَهُوَ الْمَدُّ لِأَجْلِ الْهَمْزِ بَعْدَ حَرْفِ الْمَدِّ فِي أَيْدِيَهُمْ، وَأَبَاهُمْ، وَأَنْ كَذَّبُوا فَإِنْ وَقَفَ عَلَى {رَأَى}، {وَجَاءُوا}، وَ{السُّوءَى} جَازَتِ الثَّلَاثَةُ الْأَوْجُهِ بِسَبَبِ تَقَدُّمِ الْهَمْزِ عَلَى حَرْفِ الْمَدِّ، وَذَهَابِ سَبَبِيَّةِ الْهَمْزِ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ فِي نَحْوِ {بُرَآءُ}، وَ{آمِّينَ الْبَيْتَ} إِلَّا الْإِشْبَاعُ وَجْهًا وَاحِدًا فِي الْحَالَيْنِ؛ تَغْلِيبًا لِأَقْوَى السَّبَبَيْنِ، وَهُوَ الْهَمْزُ وَالسُّكُونُ، وَأُلْغِيَ الْأَضْعَفُ، وَهُوَ تَقَدُّمُ الْهَمْزِ عَلَيْهِ.
الْخَامِسُ إِذَا وَقَفَ عَلَى الْمُشَدَّدِ بِالسُّكُونِ نَحْوُ {صَوَافٍّ}، وَ{دَوَابٌّ}، وَ{تُبَشِّرُونَ} عِنْدَ مَنْ شَدَّدَ النُّونَ. وَكَذَلِكَ الَّذَانِ، وَالَّذَيْنِ، وَهَاتَيْنِ فَمُقْتَضَى إِطْلَاقِهِمْ لَا فَرْقَ فِي قَدْرِ هَذَا الْمَدِّ وَقْفًا وَوَصْلًا، وَلَوْ قِيلَ بِزِيَادَتِهِ فِي الْوَقْفِ عَلَى قَدْرِهِ فِي الْوَصْلِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا، فَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِزِيَادَةِ مَا شُدِّدَ عَلَى غَيْرِ الْمُشَدَّدِ، وَزَادُوا مَدَّ لام مِنْ {الم} عَلَى مَدِّ ميم مِنْ أَجْلِ التَّشْدِيدِ، فَهَذَا أَوْلَى لِاجْتِمَاعِ ثَلَاثَةِ سِوَاكِنَ. وَقَدْ ذَهَبَ الدَّانِيُّ إِلَى الْوَقْفِ بِالتَّخْفِيفِ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ أَجْلِ اجْتِمَاعِ هَذِهِ السِّوَاكِنِ مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهَا أَلِفًا، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَلِفِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مِمَّا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ غَيْرَهُ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ فِي آخِرِ بَابِ الْوَقْفِ.
|