الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **
من قواعد الباب أن المفلس لا يؤمر بتحصيل ما ليس بحاصل يمكن من تفويت ما هو حاصل. فلو جني عليه أو على عبده فله القصاص ولا يلزمه العفو على مال فلو كانت الجناية موجبة للمال فليس له ولا لوارثه العفو بغير إذن الغرماء ولو كان أسلم في شيء فليس له أن يقبضه مسامحاً ببعض الصفات المقصودة المشروطة إلا بإذنهم ولو كان وهب هبة تقتضي الثواب وقلنا يتقدر الثواب بما يرضى به الواهب فله أن يرضى بما شاء ولا يكلفه طلب زيادة لأنه تحصيل وإن قلنا يتقدر المثل لم يجز الرضى بما دونه ولو زاد على المثل لم يجب القبول وليس على المفلس أن يكتسب ويؤاجر نفسه ليصرف الكسب والأجرة في الديون أو بقيتها ولو كان له أم ولد أو صيغة موقوفة عليه فهل يؤاجران عليه وجهان ميل الإمام إلى المنع وفي تعاليق العراقيين ما يدل على أن الإيجار أصح فعلى هذا يؤجر مرة بعد أخرى إلى أن يفنى الدين ومقتضى هذا إدامة الحجر إلى فناء الدين وهذا كالمستبعد. قلت الإيجار أصح وصححه في المحرر وذكر الغزالي في الفتاوي أنه يجبر على إجارة الوقف ما لم يظهر تفاوت بسبب تعجيل الأجرة إلى حد لا يتغابن به الناس في عرض قضاء الدين والتخلص من المطالبة والله أعلم.
إذا قسم الحاكم مال المفلس بين الغرماء فهل ينفك الحجر بنفسه أم يحتاج إلى فك الحاكم وجهان أصحهما يحتاج كحجر السفه هذا إن اعترف الغرماء أن لا مال له سواه فإن ادعوا مالاً آخر فأنكر فقد سبق بيانه ولو اتفق الغرماء على دفع الحجر فهل يرتفع كالمرهون أم لا يرتفع إلا بالحاكم لاحتمال غريم آخر فيه وجهان ولو باع المفلس ماله لغريمه بدينه ولا غريم سواه أو حجر عليه لجماعة فباعهم أمواله بديونهم فهل يصح بغير إذن القاضي وجهان أصحهما لا بد من إذنه ولو باعه لغريمه بعين أو ببعض دينه فهو كما لو باعه لأجنبي لأن ذلك لا يتضمن ارتفاع الحجر عنه بخلاف ما إذا باع بكل الدين فإنه يسقط الدين وإذا سقط إرتفع الحجر ولو باع لأجنبي بإذن الغرماء لم يصح وقال الإمام يحتمل أن يصح كبيع المرهون بإذن المرتهن. الحكم الثاني: الرجوع في عين المال ونقدم عليه مسائل. إحداها من حجر عليه بافلاس ووجد من باعه ولم يقبض الثمن متاعه عنده فله أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله والأصح أن هذا الخيار على الفور كخيار العيب والخلف فإن علم فلم يفسخ بطل حقه من الرجوع في العين وفي وجه يدوم كخيار الهبة للولد وفي وجه يدوم ثلاثة أيام. الثانية: في افتقار هذا الفسخ إلى إذن الحاكم وجهان أصحهما لا يفتقر لثبوت الحديث فيه كخيار العتق ولوضوح الحديث قال الأصطخري لو حكم الحاكم بمنع الفسخ نقضنا حكمه قلت الأصح أن لا ينقض للاختلاف فيه والله أعلم. الثالثة لا يحصل هذا الفسخ ببيع البائع وإعتاقه ووطئه المبيعة على الأصح وتلغو هذه التصرفات. الرابعة: صيغة الفسخ كقوله فسخت البيع أو نقضته أو رفعته فلو اقتصر على رددت الثمن أو فسخت البيع فيه حصل الفسخ على الأصح ووجه المنع أن مقتضى الفسخ إضافته إلى العقد المطلق.
إنما يثبت بشروط ولا يختص بالمبيع بل يجري في من المعاوضات ويحصل بيانه بالنظر في العوض المتعذر تحصيله والمعوض المسترجع والمعاوضة التي انتقل الملك بها إلى المفلس أما العوض وهو إحداها إذا كان ماله وافيا بالديون وجوزنا الحجر فحجر ففي ثبوت الرجوع وجهان وقطع الغزالي بالمنع لأنه يصل إلى الثمن. الثانية لو قال الغرماء لا نفسخ لتقدمك بالثمن لم يلزمه ذلك على الصحيح لأن فيه منة وقد يظهر مزاحم ولو قالوا نؤدي الثمن من خالص أموالنا أو تبرع به أجنبي فليس عليه القبول ولو أجاب ثم ظهر غريم آخر لم يزاحمه في المأخوذ ولو مات المشتري فقال الوارث لا ترجع فأنا أقدمك لم يلزمه القبول فلو قال أؤدي من مالي فوجهان وقطع في التتمة بلزوم القبول لأن الوارث خليفة الميت. الثالثة لو امتنع المشتري من تسليم الثمن مع اليسار أو هرب أو مات مليئاً وامتنع الوارث من التسليم فلا فسخ على الأصح لعدم عيب الإفلاس وإمكان الإستيفاء بالسلطان فإن فرض عجز فنادر لا عبرة به. ولو ضمن بغير إذنه فوجهان أحدهما يرجع كما لو تبرع رجل بالثمن والثاني لا لأن الحق قد صار في ذمته وتوجهت عليه المطالبة بخلاف المتبرع ولو أعير للمشتري شيء فرهنه على الثمن فعلى الوجهين ولو انقطع الجنس الثمن فإن جوزنا الإعتياض عنه فلا تعذر في استيفاء عوض عنه فلا فسخ وإلا فكانقطاع المسلم فيه فيثبت حق الفسخ على الأظهر وعلى الثاني ينفسخ. الوصف الثاني كون الثمن حالاً فلو كان مؤجلاً فلا فسخ على المذهب وفيه وجه سبق في أول الباب ولو حل الأجل قبل انفكاك حجره فقد سبق بيانه هناك وأما المعاوضة فيعتبر فيما ملك به المفلس شرطان أحدهما كونه معاوضة مختصة فيدخل فيه أشياء ويخرج منه أشياء فما يخرج أنه لا فسخ بتعذر استيفاء عوض الصلح عن الدم ولا يتعذر عوض الخلع قطعاً وأنه لا فسخ للزوج بامتناعها من تسليم نفسها وفي فسخها بتعذر الصداق خلاف معروف وأما الذي يدخل فيه فمنه السلم والإجارة أما السلم فإذا أفلس المسلم إليه قبل أداء المسلم فيه فلرأس المال ثلاثة أحوال. الأول: أن يكون باقياً فللمسلم فسخ العقد والرجوع إلى رأس المال كالبيع فإن أراد أن يضارب بالمسلم فيه فسنذكر كيفية المضاربة. الثاني: أن يكون تالفاً فوجهان أحدهما له الفسخ والمضاربة برأس المال لأنه تعذر الوصول إلى تمام حقه فأشبه انقطاع جنس المسلم فيه فعلى هذا قيل يجيء قول بانفساخ السلم كما جاء في الإنقطاع وقيل لا لأنه ربما حصل باستقراض وغيره بخلاف صورة الإنقطاع وأصحهما ليس له الفسخ كما لو أفلس المشتري بالثمن والمبيع تالف ويخالف الإنقطاع لأن هناك إذا فسخ رجع إلى رأس المال بتمامه وهنا ليس إلا المضاربة ولو لم يفسخ لضارب بالمسلم فيه وهو أنفع غالبا فعلى هذا يقوم المسلم فيه ويضارب المسلم بقيمته فإذا عرف حصته نظر إن كان في المال من جنس المسلم فيه صرفه إليه وإلا فيشتري بحصته منه ويعطاه لأن الإعتياض عنه لا يجوز هذا إذا لم يكن جنس المسلم فيه منقطعاً فإن كان فقيل لا فسخ إذ لا بد من المضاربة على التقديرين والصحيح ثبوت الفسخ لأنه يثبت في هذه الحالة في حق غير المفلس ففي حقه أولى وكالرد بالعيب وفيه فائدة فإن ما يخصه بالفسخ يأخذه في الحال عن رأس المال وما يخصه بلا فسخ لا يعطاه بل يوقف إلى عود المسلم فيه فيشتري به. فرع لو قومنا المسلم فيه فكانت قيمته عشرين فأفرزنا للمسلم فيه من بالعشرة جميع المسلم فيه فوجهان أحدهما وبه قطع في الشامل يرد الموقوف إلى ما يخصه باعتبار قيمته آخرا فيصرف إليه خمسة والخمسة الباقية توزع عليه وعلى سائر الغرماء لأن الموقوف باق على ملك المفلس وحق المسلم في الحنطة فإذا صارت القيمة عشرة فهي دينه والثاني وبه قطع في التهذيب ونقله الإمام عن الجماهير يشتري به جميع حقه ويعطاه إعتبارا بيوم القسمة وهو إن لم يملك الموقوف فهو كالمرهون بحق وانقطع به حقه من الحصص حتى لو تلف قبل التسليم إليه لم يتعلق بشيء مما عند الغرماء وبقي حقه في ذمة المفلس ولا خلاف أنه لو فضل الموقوف عن جميع حق المسلم كان الفاضل للغرماء وليس له أن يقول الزائد لي ولو وقفنا في الصورة المذكورة عشرة فغلا السعر ولم نجد القدر المسلم فيه إلا بأربعين فعلى الوجه الأول بان أن الدين أربعون فيسترجع من الغرماء ما يتم به حصته أربعين وعلى الثاني لا يزاحمهم وليس له إلا ما وقف له. فرع لو تضاربوا وأخذ المسلم ما يخصه قدرا من المسلم فيه وارتفع الحجر عنه ثم حدث له مال وأعيد الحجر واحتاجوا إلى المضاربة ثانياً قدمنا المسلم فيه فإن وجدنا قيمته كقيمته أولاً فذاك وإن زادت فالتوزيع الآن يقع باعتبار القيمة الزائدة وإن نقصت فهل الإعتبار بالقيمة الثانية أم بالقيمة الأولى وجهان الصحيح الأول قال الإمام ولا أعرف للثاني وجهاً ولو كان المسلم فيه عبداً أو ثوباً فحصه المسلم يشتري بها شقص منه للضرورة فإن لم يوجد فللمسلم الفسخ. الحال الثالث أن يكون بعض رأس المال باقيا وبعضه تالفا وهو كتلف بعض المبيع وسنذكره إن شاء الله تعالى وأما الإجارة فنتكلم في إفلاس المستأجر ثم المؤجر. القسم الأول المستأجر والإجارة نوعان. أحدهما إجارة عين فإذا أجر أرضاً أو دابة وأفلس المستأجر قبل تسليم الأجرة ومضي المدة فللمؤجر فيه فسخ الإجارة على المشهور تنزيلا للمنافع منزلة الأعيان في البيع. وفي قول لا إذ لا وجود لها فعلى المشهور إن لم يفسخ واختار المضاربة بالأجرة فله ذلك ثم إن كانت العين المستأجرة فارغة أجرها الحاكم على المفلس وصرف الأجرة إلى الغرماء وإن كان الفلس بعد مضي بعض المدة فللمؤجر فسخ الإجارة في المدة الباقية والمضاربة بقسط الماضية من الأجرة المسماة بناء على أنه لو باع عبدين فتلف أحدهما ثم أفلس يفسخ البيع في الباقي ويضارب بثمن التالف. ولو أفلس مستأجر الدابة في خلال الطريق وحجر عليه ففسخ المؤجر لم يكن له ترك متاعه في البادية المهلكة ولكن ينقله إلى مأمن بأجرة مثل يقدم بها على الغرماء لأنه لصيانة المال ثم في المأمن يضعه عند الحاكم ولو وضعه عند عدل من غير إذن الحاكم فوجهان مذكوران في نظائرهما ولو فسخ والأرض المستأجرة مشغولة بزرع المستأجر نظر إن استحصد الزرع فله المطالبة بالحصاد وتفريغ الأرض وإلا فإن اتفق المفلس والغرماء على قطعه قطع أو على التبقية إلى الإدراك فلهم ذلك بشرط أن يقدموا المؤجر بأجرة المثل للمدة الباقية لأنها لحفظه على الغرماء وإن اختلفوا فأراد بعضهم القطع وبعضهم التبقية فعن أبي إسحق يعمل بالمصلحة والصحيح أنه إن كان له قيمة قطع أجبنا من أراد القطع من المفلس والغرماء إذ ليس عليه تنمية ماله لهم ولا عليهم إنتظار النماء فعلى هذا لو لم يأخذ المؤجر أجرة المدة الماضية فهو أحد الغرماء فله طلب القطع وإن لم يكن له قيمة لو قطع أجبنا من طلب التبقية إذ لا فائدة لطالب القطع وإذا أبقوا الزرع بالإتفاق أو بطلب بعضهم وأجبناه فالسقي وسائر المؤن إن تطوع بها الغرماء أو بعضهم أو أنفقوا عليه على قدر ديونهم فذاك وإن أنفق بعضهم ليرجع فلا بد من إذن الحاكم أو اتفاق الغرماء والمفلس فإذا حصل الإذن قدم المنفق بما أنفق وكذا لو أنفقوا على قدر ديونهم ثم ظهر غريم آخر قدم المنفقون بما أنفقوا على الغرماء الأعيان في البيع وفي قول لا إذ لا وجود لها فعلى المشهور إن لم يفسخ واختار المضاربة بالأجرة فله ذلك ثم إن كانت العين المستأجرة فارغة أجرها الحاكم على المفلس وصرف الأجرة إلى الغرماء وإن كان الفلس بعد مضي بعض المدة فللمؤجر فسخ الإجارة في المدة الباقية والمضاربة بقسط الماضية من الأجرة المسماة بناء على أنه لو باع عبدين فتلف أحدهما ثم أفلس يفسخ البيع في الباقي ويضارب بثمن التالف ولو أفلس مستأجر الدابة في خلال الطريق وحجر عليه ففسخ المؤجر لم يكن له ترك متاعه في البادية المهلكة ولكن ينقله إلى مأمن بأجرة مثل يقدم بها على الغرماء لأنه لصيانة المال ثم في المأمن يضعه عند الحاكم ولو وضعه عند عدل من غير إذن الحاكم فوجهان مذكوران في نظائرهما ولو فسخ والأرض المستأجرة مشغولة بزرع المستأجر نظر إن استحصد الزرع فله المطالبة بالحصاد وتفريغ الأرض وإلا فإن اتفق المفلس والغرماء على قطعه قطع أو على التبقية إلى الإدراك. فلهم ذلك بشرط أن يقدموا المؤجر بأجرة المثل للمدة الباقية لأنها لحفظه على الغرماء وإن اختلفوا فأراد بعضهم القطع وبعضهم التبقية فعن أبي إسحق يعمل بالمصلحة والصحيح أنه إن كان له قيمة قطع أجبنا من أراد القطع من المفلس والغرماء إذ ليس عليه تنمية ماله لهم ولا عليهم إنتظار النماء فعلى هذا لو لم يأخذ المؤجر أجرة المدة الماضية فهو أحد الغرماء فله طلب القطع وإن لم يكن له قيمة لو قطع أجبنا من طلب التبقية إذ لا فائدة لطالب القطع وإذا أبقوا الزرع بالإتفاق أو بطلب بعضهم وأجبناه فالسقي وسائر المؤن إن تطوع بها الغرماء أو بعضهم أو أنفقوا عليه على قدر ديونهم فذاك وإن أنفق بعضهم ليرجع فلا بد من إذن الحاكم أو اتفاق الغرماء والمفلس فإذا حصل الإذن قدم المنفق بما أنفق وكذا لو أنفقوا على قدر ديونهم ثم ظهر غريم آخر قدم المنفقون بما أنفقوا على الغرماء الأعيان في البيع وفي قول لا إذ لا وجود لها فعلى المشهور إن لم يفسخ واختار المضاربة بالأجرة فله ذلك ثم إن كانت العين المستأجرة فارغة أجرها الحاكم على المفلس وصرف الأجرة إلى الغرماء وإن كان الفلس بعد مضي بعض المدة فللمؤجر فسخ الإجارة في المدة الباقية والمضاربة بقسط الماضية من الأجرة المسماة بناء على أنه لو باع عبدين فتلف أحدهما ثم أفلس يفسخ البيع في الباقي ويضارب بثمن التالف ولو أفلس مستأجر الدابة في خلال الطريق وحجر عليه ففسخ المؤجر لم يكن له ترك متاعه في البادية المهلكة ولكن ينقله إلى مأمن بأجرة مثل يقدم بها على الغرماء لأنه لصيانة المال ثم في المأمن يضعه عند الحاكم ولو وضعه عند عدل من غير إذن الحاكم فوجهان مذكوران في نظائرهما ولو فسخ والأرض المستأجرة مشغولة بزرع المستأجر نظر إن استحصد الزرع فله المطالبة بالحصاد وتفريغ الأرض وإلا فإن اتفق المفلس والغرماء على قطعه قطع أو على التبقية إلى الإدراك فلهم ذلك بشرط أن يقدموا المؤجر بأجرة المثل للمدة الباقية لأنها لحفظه على الغرماء وإن اختلفوا فأراد بعضهم القطع وبعضهم التبقية فعن أبي إسحق يعمل بالمصلحة والصحيح أنه إن كان له قيمة قطع أجبنا من أراد القطع من المفلس والغرماء إذ ليس عليه تنمية ماله لهم ولا عليهم إنتظار النماء فعلى هذا لو لم يأخذ المؤجر أجرة المدة الماضية فهو أحد الغرماء فله طلب القطع وإن لم يكن له قيمة لو قطع أجبنا من طلب التبقية إذ لا فائدة لطالب القطع وإذا أبقوا الزرع بالإتفاق أو بطلب بعضهم وأجبناه فالسقي وسائر المؤن إن تطوع بها الغرماء أو بعضهم أو أنفقوا عليه على قدر ديونهم فذاك وإن أنفق بعضهم ليرجع فلا بد من إذن الحاكم أو اتفاق الغرماء والمفلس فإذا حصل الإذن قدم المنفق بما أنفق وكذا لو أنفقوا على قدر ديونهم ثم ظهر غريم آخر قدم المنفقون بما أنفقوا على الغرماء وهل يجوز الإنفاق عليه من مال المفلس وجهان أصحهما الجواز ووجه المنع أن حصول الفائدة متوهم. قلت: وإن أنفق بإذن المفلس وحده على أن يرجع بما أنفق جاز وكان دينا في ذمة المفلس لا يشارك به الغرماء لأنه وجب بعد الحجر وإن أنفق بعضهم بإذن باقيهم فقط على أن يرجع عليهم رجع عليهم في مالهم والله أعلم. النوع الثاني الأجارة على الذمة ولنا خلاف في أن هذه الأجارة هل لها حكم السلم حتى يجب فيها تسليم رأس المال في المجلس أم لا فإن قلنا لا فهي كإجارة العين وإلا فلا أثر للإفلاس بعد التفرق لمصير الأجرة مقبوضة قبل التفرق فلو فرض الفلس في المجلس فإن أثبتنا خيار المجلس فيها إستغني عن هذا الخيار وإلا فهي كإجارة العين. القسم الثاني إفلاس المؤجر في إجارة العين أو الذمة أما الأولى فإذا أجر دابة أو دارا لرجل فأفلس فلا فسخ للمستأجر لأن المنافع المستحقة له متعلقة بعين ذلك المال فيقدم بها كما يقدم حق المرتهن ثم إذا طلب الغرماء بيع المستأجر فإن قلنا لا يجوز فعليهم الصبر إلى انقضاء المدة وإن جوزناه أجيبوا ولا مبالاة بما ينقص من ثمنه بسبب الإجارة إذ ليس عليهم الصبر لتنمية المال وأما الثانية فإذا التزم في ذمته نقل متاع إلى بلد ثم أفلس نظر إن كانت الإجارة باقية في يد المفلس فله فسخ الأجرة والرجوع إلى عين ماله كانت تالفة فلا فسخ ويضارب الغرماء بقيمة المنفعة المستحقة وهي أجرة المثل كما يضارب المسلم بقيمة المسلم فيه ثم إن جعلنا هذه الإجارة سلما فحصته بالمضاربة لا تسلم إليه لامتناع الإعتياض عن المسلم فيه بل ينظر فإن كانت المنفعة المستحقة قابلة للتبعيض بأن كان الملتزم حمل مائة رطل فينقل بالحصة بعض المائة وإن لم يقبله كقصارة ثوب ورياضة دابة وركوب إلى بلد ولو نقل إلى نصف الطريق لبقي ضائعاً قال الإمام للمستأجر الفسخ بهذا السبب والمضاربة بالأجرة المبذولة وأما إذا لم نجعل هذه الإجارة سلما فتسلم الحصة بعينها إليه لجواز الإعتياض هذا كله إذا لم يكن سلم عينا لاستيفاء المنفعة الملتزمة فإن كان التزم النقل وسلم دابة لينقل عليها ثم أفلس بني على أن الدابة المسلمة تتعين بالتعيين وفيها وجهان مذكوران في باب الإجارة فإن قلنا تتعين فلا فسخ ونقدم المستأجر بمنفعتها كالمعينة في العقد وإلا فهو كما لو لم يسلمها. فرع اقترض مالاً ثم أفلس وهو باق في يده فللمقرض الرجوع فيه قلنا يملك بالقبض أو بالتصرف ر باع مالاً واستوفى ثمنه وامتنع من تسليم المبيع أو هرب فهل الفسخ كما لو أبق المبيع أم لا لأنه لا نقص في نفس المبيع فيه وجهان. الشرط الثاني للمعاوضة أن تكون سابقة للحجر وفي بعض مسائل هذا الشرط خلاف فإذا اشترى المفلس شيئاً بعد الحجر وصححناه فقد سبق في ثبوت الرجوع خلاف. ولو أجر داراً وسلمها إلى المستأجر وقبض الأجرة ثم أفلس وحجر عليه فقد سبق أن الإجارة مستمرة فإن انهدمت في أثناء المدة إنفسخت الإجارة فيما بقي وضارب المستأجر بحصة ما بقي منها إن كان الإنهدام قبل قسمة المال بينهم وإن كان بعدها ضارب أيضاً على الأصح لاستناده إلى عقد سبق الحجر فأشبه انهدامها قبل القسمة ووجه المنع أنه دين حدث بعد القسمة ولو باع جارية بعبد وتقابضا ثم أفلس مشتري الجارية وحجر عليه وهلكت في يده ثم وجد بائعها بالعبد عيباً فرده فله طلب قيمة الجارية لا محالة وكيف يطالب وجهان أصحهما يضارب كغيره والثاني يقدم على الغرماء بقيمتها لأنه أدخل بدلها عبدا في المال ويخالف هذا من باعه شيئاً لأن هذا حق مستند إلى ما قبل الحجر وأما المعوض فيشترط في المبيع المرجوع فيه شرطان. أحدهما بقاؤه في ملك المفلس فلو هلك بآفة أو جناية لم يرجع سواء كانت قيمته مثل الثمن أو أكثر وليس له إلا المضاربة بالثمن وفي وجه إن زادت القيمة ضارب بها واستفاد زيادة حصته. ولو خرج عن ملكه ببيع أو هبة أو اعتاق أو وقف كالهلاك وليس له فسخ هذه التصرفات بخلاف الشفيع فإنه يفسخها لسبق حقه عليها ولو استولد أو كاتب فلا رجوع ولو دبر أو علق بصفة أو زوجها رجع وإن أجر فلا رجوع إن لم نجوز بيع المستأجر وإلا فإن شاء أخذه مسلوب المنفعة لحق المستأجر وإلا فيضارب بالثمن وإن جنى أو رهن فلا رجوع فإن قضى حق المجني عليه والمرتهن ببيع بعضه فالبائع واجد لبعض المبيع وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى ولو انفك الرهن أو برىء عن الجناية رجع ولو كان المبيع صيداً فأحرم البائع لم يرجع. فرع لو زال ملك المشتري ثم عاد ثم حجر عليه فإن عاد بلاعوض والهبة والوصية ففي رجوعه وجهان وإن عاد بعوض بأن اشتراه فإن كان دفع الثمن إلى البائع الثاني فكعوده بلا عوض وإن لم يدفعه وقلنا بثبوته للبائع لو عاد بلا عوض فهل الأول أولى لسبق حقه أم الثاني لقرب حقه أم يشتركان ويضارب كل بنصف الثمن فيه أوجه. قلت أصح الوجهين أولاً أنه لا يرجع وبه قطع الجرجاني في التحرير وغيره قال البغوي ويجري الوجهان فيما لو رد عليه بعيب والله أعلم. قلت لو كان المبيع شقصاً مشفوعاً ولم يعلم الشفيع حتى حجر على المشتري وأفلس بالثمن فأوجه أحدها يأخذه الشفيع ويؤخذ منه الثمن فيخص به البائع جمعا بين الحقين والثاني يأخذه البائع وأصحهما عند الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب وآخرين يأخذه الشفيع ويكون الثمن بين الغرماء كلهم والله أعلم. الشرط الثاني أن لا يحدث في المبيع تغير مانع. وللتغير حالان حال بالنقص وحال بالزيادة الأول النقص وهو قسمان. أحدهما نقص لا يتقسط الثمن عليه ولا يفرد بعقد كالعيب فإن كان بآفة سماوية فالبائع بالخيار إن شاء رجع فيه ناقصاً ولا شيء له غيره وإن شاء ضارب بالثمن كتعيب المبيع في يد البائع وسواء كان النقص حسياً كسقوط بعض الأعضاء والعمى أو غيره كنسيان الحرفة والتزويج والأباق والزنا وحكي قول أنه يأخذ المعيب ويضارب بارش النقص كما نذكره في القسم الثاني إن شاء الله تعالى وهو شاذ ضعيف وإن كان بجناية فإن كان بجناية أجنبي لزمه الإرش إما مقدر وإما غير مقدر بناءاً على الخلاف في أن جرح العبد مقدر أم لا وللبائع أخذه معيباً والمضاربة بمثل نسبة ما نقص من القيمة من الثمن وإن كان بجناية البائع فكالأجنبي وإن كان بجناية المشتري فطريقان أصحهما عند الإمام أنه كالأجنبي لأن جناية المشتري قبض واستيفاء فكأنه صرف جزءاً من المبيع إلى غرضه والثاني وبه قطع صاحب التهذيب وغيره أنه كجناية البائع على المبيع قبل القبض ففي قول كالأجنبي وعلى الأظهر كالآفة السماوية قلت المذهب أنه كالآفة السماوية وبه قطع جماعات والله أعلم. القسم الثاني: نقص يتقسط الثمن عليه ويصح إفراده بالعقد كمن اشترى عبدين أو ثوبين فتلف أحدهما في يده ثم حجر عليه فللبائع أخذ الباقي بحصته من الثمن والمضاربة بحصة ثمن التالف ولو بقي جميع المبيع وأراد البائع الرجوع في بعضه مكن لأنه أنفع للغرماء من الفسخ في كله فهو كما لو رجع الأب في نصف ما وهبه يجوز ومن الأصحاب من حكى قولين في أنه يأخذ الباقي بحصته من الثمن أم بجميع الثمن ولا يضارب بشيء قال الإمام وطردهما أصحاب هذه الطريقة في كل مسألة تضاهيها حتى لو باع شقصاً وسيفاً بمائة يأخذ الشقص بجميع المائة على قول قال الإمام وهذا قريب من خرق الإجماع هذا إذا تلف أحد العبدين ولم يقبض من الثمن شيئاً أما إذا باع عبدين متساويي القيمة بمائة وقبض خمسين فتلف أحدهما في يد المشتري ثم أفلس فالقديم أنه لا رجوع بل يضارب بباقي الثمن مع الغرماء والجديد أنه يرجع فعلى هذا يرجع في جميع العبد الباقي بما يفي من الثمن ويجعل ما قبض في مقابلة التالف هذا هو المذهب والمنصوص وقيل فيه قول مخرج أنه يأخذ نصف العبد الباقي بنصف باقي الثمن ويضارب الغرماء بنصفه. ولو قبض بعض الثمن ولم يتلف شيء من المبيع ففي رجوعه القولان القديم والجديد فعلى الجديد يرجع في المبيع بقسط الباقي من الثمن فلو قبض نصف الثمن رجع في نصف العبد المبيع أو العبدين المبيعين. فرع لو أغلى الزيت المبيع حتى ذهب بعضه ثم أفلس فالمذهب وبه الجمهور أنه كتلف بعض المبيع كما لو انصب فعلى هذا إن ذهب نصفه أخذ الباقي بنصف الثمن وضارب بنصفه وإن ذهب ثلثه أخذ بثلثيه وضارب بثلث الثمن وقيل وجهان أصحهما هذا والثاني أنه كتعيب المبيع فيرجع فيما بقي إن شاء ويقنع به ولو كان بدل الزيت عصير فالأصح أنه كالزيت وقيل تعيب قطعاً لأن الذاهب منه الماء ولا مالية له بخلاف الزيت فإذا قلنا بالأصح فكان العصير أربعة أرطال يساوي ثلاثة دراهم فأغلاها فصارت ثلاثة أرطال فيرجع في الباقي ويضارب بربع الثمن للذاهب ولا عبرة بنقص قيمة المغلي لو عادت إلى درهمين فلو زادت فصارت أربعة بني على أن الزيادة الحاصلة بالصنعة عين أم أثر إن قلنا أثر فاز البائع بما زاد وإن قلنا عين قال القفال الجواب كذلك وقال غيره يكون المفلس شريكاً بالدرهم الزائد فلو بقيت القيمة ثلاثة فإن قلنا الزيادة أثر فاز بها البائع وإن قلنا عين فكذلك عند القفال وعند غيره يكون المفلس شريكاً بثلاثة أرباع درهم فإن هذا القدر هو قسط الرطل الذاهب فهذا هو المستمر على القواعد ولصاحب التلخيص في المسألة كلام غلطوه فيه. فرع لو كان المبيع دارا فانهدمت ولم يتلف من نقضها شيء القسم الأول كالعمى ونحوه وإن تلف نقضها بإحراق وغيره فهو من القسم الثاني كذا أطلقوه ولك أن تقول ينبغي أن يطرد فيه الخلاف السابق في تلف سقف الدار المبيعة قبل القبض أنه كالتعيب أو كتلف أحد العبدين. الحال الثاني التغير بالزيادة وهو نوعان أحدهما الزيادات الحاصلة لا من خارج وهي ثلاثة أضرب. أحدها المتصلة من كل وجه كالسمن وتعلم الصنعة وكبر الشجرة فلا عبرة بها وللبائع الرجوع من غير شيء يلتزمه للزيادة وهذا حكم الزيادات في جميع الأبواب إلا الصداق فإن الزوج إذا طلق قبل الدخول لا يرجع في النصف الزائد إلا برضاها. الضرب الثاني: الزيادات المنفصلة من كل وجه كالولد واللبن والثمرة فيرجع في الأصل وتبقى الزوائد للمفلس فلو كان ولد الأمة صغيرا فوجهان أحدهما أنه إن بذل قيمة الولد أخذه مع الأم وإلا فيضارب لامتناع التفريق وأصحهما إن بذل قيمة الولد وإلا فيباعان ويصرف ما يخص الأم إلى البائع وما يخص الولد إلى المفلس وذكرنا وجهين فيما إذا وجد الأم معيبة وهناك ولد صغير أنه الرد وينتقل إلى الأرش أو يحتمل التفريق للضرورة وفيما إذا رهن الأم دون الولد أنهما يباعان معا أو يحتمل التفريق ولم يذكروا فيما نحن فيه احتمال التفريق بل احتالوا في دفعه فيجوز أن يقال يجيء وجه التفريق هنا لكن لم يذكروه اقتصاراً على الأصح ويجوز أن يفرق بأن مال المفلس مبيع كله مصروف إلى الغرماء فلا وجه لاحتمال التفريق مع إمكان المحافظة على جانب الراجع وكون ملك المفلس مزالاً. قلت: هذا الثاني هو الصواب وبه قطع الجمهور تصريحاً وتعريضاً وحكى صاحب الحاوي والمستظهري وغيرهما وجهاً غريباً ضعيفاً: أنه يجوز التفريق بينهما للضرورة كمسألة الرهن. وقالوا: ليس هو بصحيح إذ لا ضرورة وفرقوا بما سبق فحصل أن دعوى الإمام الرافعي ليست بمقبولة. والله أعلم. فرع لو كان المبيع بذراً فزرعه فنبت أو بيضة فتفرخت في يده فوجهان أصحهما عند العراقيين وصاحب التهذيب يرجع فيه لأنه حدث من عين ماله أو هو عين ماله اكتسب صفة أخرى فأشبه الودي إذا صار نخلاً والثاني ليس له الرجوع لأن المبيع هلك وهذا شيء جديد استجد اسماً ويجري الوجهان في العصير إذا تخمر في يد المشتري ثم تخلل ثم فلس ولو اشترى زرعاً أخضر مع الأرض ففلس وقد اشتد الحب فقيل بطرد الوجهين وقيل القطع بالرجوع. الضرب الثالث: الزيادات المتصلة من وجه دون وجه كالحمل فإن حدث بعد الشراء وانفصل قبل الرجوع فحكمه ما سبق في الضرب الثاني وإن كانت حاملاً عند الشراء والرجوع جميعاً فهو كالسمن فيرجع فيها حاملاً وإن كانت حاملاً قبل الشراء وولدت قبل الرجوع ففي تعدي الرجوع إلى الولد قولان بناء على أن الحمل يعرف أم لا إن قلنا نعم وهو الأظهر رجع كما لو اشترى شيئين وإلا فلا وإن كانت حائلا عند الشراء حاملا عند الرجوع فقولان أظهرهما عند الجمهور يرجع فيها حاملا لأن الحمل تابع في البيع فكذا هنا والثاني لا يرجع في الحمل فعلى هذا يرجع في الأم على الأصح وقيل لا بل يضارب فإن قلنا يرجع في الأم فقط قال الشيخ أبو محمد يرجع فيها قبل الوضع فإذا ولدت فالولد للمفلس وقال الصيدلاني وغيره لا يرجع في الحال بل يصير إلى انفصال الولد ثم الإحتراز عن التفريق بين الأم والولد طريقه ما سبق قال صاحب الحاوي ولا يلزم تسليمها إلى البائع لحق المفلس ولا إقرارها في يد المفلس أو غرمائه لحق البائع في الأم ولا يجوز أخذ قيمة الولد فتوضع الأم عند عدل يتفقان عليه وإلا فيختار الحاكم عدلاً قال ونفقتها على البائع دون المفلس لأنه مالك الأم وسواء قلنا تجب نفقة الحامل لحملها أم لا قال أصحابنا وحكم سائر الحيوانات الحائلة والحاملة حكم الجارية إلا أن في باقي الحيوانات يجوز التفريق بينهما وبين ولدها الصغير بخلاف الجارية والله أعلم. فرع إستتار الثمار بالأكمة وظهورها بالتأبير قريبان من إستتار الجنين وفيها الأحوال الأربع المذكورة في الجنين أولها أن يشتري نخلاً عليها ثمرة غير مؤبرة كانت عند الرجوع غير مؤبر أيضاً وثانيها أن يشتريها ولا ثمرة عليها ثم حدث بها ثمرة عند الرجوع مؤبرة أو مدركة أو مجذوذة فحكمها ما ذكرناه في الحمل وثالثها إذا كانت ثمرتها عند الشراء غير مؤبرة وعند الرجوع مؤبرة فطريقان أحدهما أن أخذ البائع الثمرة على القولين في أخذ الولد إذا كانت حاملاً عند البيع ووضعت عند الرجوع والثاني القطع بأخذها لأنها وإن كانت مستترة فهي شاهدة موثوق بها قابلة للأفراد بالبيع وكانت أحد مقصودي البيع فرجع فيها رجوعه في النخيل ورابعها إذا كانت النخلة عند الشراء غير مطلعة وأطلعت عند المشتري وكانت يوم الرجوع غير مؤبرة فقولان أظهرهما وهو رواية المزني وحرملة يأخذ الطلع مع النخل لأنه تبع في البيع فكذا هنا والثاني لا يأخذه وهو رواية الربيع لأنه يصح إفراده فأشبه المؤبرة وقيل لا يأخذه قطعاً قال الشيخ أبو حامد وعلى هذا قياس الثمرة التي لم تؤبر فحيث أزال الملك باختياره بعوض بيع ما لم يؤبر وإن زال قهراً بعوض كالشفعة والرد بالعيب فالتبعية على هذين القولين وإن زال بلا عوض باختيار أو قهر كالرجوع بهبة الولد ففيه أيضاً القولان وحكم باقي الثمرة وما يلتحق منها بالمؤبرة ومالا أوضحناه في البيع فإذا قلنا برواية المزني فجرى التأبير والرجوع فقال البائع رجعت قبل التأبير فالثمار لي وقال المفلس بعده فالمذهب أن القول قول المفلس مع يمينه لأن الأصل عدم الرجوع حينئذ وبقاء الثمار له قال المسعودي ويخرج قول أن القول قوله بلا يمين بناء على أن النكول ورد اليمين كالإقرار وأنه لو أقر لم يقبل إقراره وفي قول القول قول البائع لأنه أعرف بتصرفه. قلت ينبغي أن يجيء قول أن القول قول السابق بالدعوى وقول أنهما إن اتفقا على وقت التأبير واختلفا في الفسخ فقول المفلس وإن اتفقا على وقت الفسخ واختلفا في التأبير فقول البائع كالقولين في إختلاف الزوجين في انقضاء العدة والرجعة والإسلام قال صاحب الشامل وغيره وكذا لو قال البائع بعتك بعد التأبير فالثمرة لي وقال المشتري قبله فالقول قول البائع مع يمينه وقد ذكرت هذه المسألة في اختلاف المتبايعين والله أعلم. فإذا حلف المفلس حلف على نفي العلم بسبق الرجوع على التأبير لا على نفي السبق. قلت: فلو أقر البائع أن المفلس لا يعلم تاريخ الرجوع سلمت الثمرة للمفلس بلا يمين لأنه يوافقه على نفي علمه قاله الإمام والله أعلم.
فإن حلف بقيت الثمار له وإن نكل فهل للغرماء أن يحلفوا فيه الخلاف السابق فيما إذا ادعى المفلس شيئاً ولم يحلف فإن قلنا لا يحلفون وهو المذهب أو يحلفون فنكلوا عرضت اليمين على البائع فإن نكل فهو كما لو حلف المفلس وإن حلف فإن جعلنا اليمين المردودة بعد النكول كالبينة فالثمرة له وإن جعلناها كالإقرار فعلى القولين في قبول إقرار المفلس في مزاحمة المقر له الغرماء فإن لم يقبله صرفت الثمار إلى الغرماء فإن فضل شيء أخذه البائع بحلفه السابق هذا إذا كذب الغرماء البائع كما كذبه المفلس فإن صدقوه لم يقبل قولهم على المفلس بل إذا حلف بقيت الثمار له وليس لهم طلب قسمتها لأنهم يزعمون أنها للبائع وليس له التصرف فيها للحجر واحتمال أن يكون له غريم آخر لكن له إجبارهم على أخذها إن كانت من جنس حقهم أو إبراء ذمته من ذلك القدر هذا هو الصحيح كما لو جاء المكاتب بالنجم فقال السيد غصبته فيقال خذه أو أبرئه عنه وفي وجه لا يجبرون بخلاف المكاتب لأنه يخاف العود إلى الرق إن لم يأخذه وليس على المفلس كبير ضرر وإذا أجبروا على أخذها فللبائع أخذها منهم لإقرارهم وإن لم يجبروا وقسمت أمواله فله طلب فك الحجر إذا قلنا لا يرتفع بنفسه ولو كانت من غير جنس حقوقهم فبيعت وصرف ثمنها إليهم تفريعاً على الإجبار لم يتمكن البائع من أخذه منهم بل عليهم رده إلى المشتري فإن لم يأخذه فهو مال ضائع. قلت هذا هو الصحيح المعروف وفي الحاوي وجه شاذ أنه يجب عليهم دفع الثمن إلى البائع لأنه بدل الثمرة فأعطى حكمها والصواب ما سبق والله أعلم. ولو كان في المصدقين عدلان شهدا للبائع بصيغة الشهادة وشرطها أو عدل وحلف معه البائع قضي له كذا أطلق الشافعي رضي الله عنه وجماهير الأصحاب وأحسن بعض الشارحين للمختصر فحمله على ما إذا شهدا قبل تصديق البائع ولو صدق بعض الغرماء البائع وكذبه بعضهم فللمفلس تخصيص المكذبين بالثمرة فلو أراد قسمتها على الجميع فوجهان قال أبو إسحق له ذلك كما لو صدقه الجميع وقال الأكثرون لا لأن المصدق يتضرر لكون البائع يأخذ منه ما أخذ والمفلس لا يتضرر بعدم الصرف إليه لإمكان الصرف إلى من كذب بخلاف ما إذا صدقه الجميع وإذا صرف إلى المكذبين ولم يف بحقوقهم ضاربوا المصدقين في باقي الأموال ببقية دينهم مؤاخذة لهم على الأصح المنصوص وفي وجه بجميع ديونهم لأن زعم المصدقين أن شيئاً من ديون المكذبين لم يتأد هذا كله إذا كذب المفلس البائع فلو صدقه نظر إن صدقه الغرماء أيضاً قضي له وإن كذبوه وزعموا أنه أقر بمواطأة فعلى القولين بإقراره بعين أو دين إن قلنا لا يقبل فللبائع تحليف الغرماء أنهم لا يعرفون رجوعه قبل التأبير على المذهب وقيل في تحليفهم القولان في حلف الغرماء على الدين وهو ضعيف لأن اليمين هنا توجهت عليهم إبتداء وهناك ينوبون عن المفلس واليمين لا تجري فيها النيابة قلت وليس للغرماء تحليف المفلس لأن المقر لا يمين عليه فيما أقر به قاله في الحاوي وغيره والله أعلم. فرع الإعتبار في إنفصال الجنين وتأبير الثمار بحال الرجوع دون الحجر لأن ملك المفلس باق إلى أن يرجع البائع.
فليس له قطعها بل عليه إبقاؤها إلى الجداد وكذا لو رجع في الأرض وهي مزروعة بزرع المفلس يترك إلى الحصاد كما لو اشترى أرضاً وحكي قول مخرج مما لو بنى أو غرس فإن للبائع الإبقاء بأجرة ثم الكلام في طلب الغرماء والمفلس القطع أو الجداد والحصاد على ما سبق فرع متى ثبت الرجوع في الثمار بالتصريح ببيعهامع الشجر أو قلنا به في الحالة الثالثة والرابعة فتلفت الثمار بجائحة أو أكل أو غيرهما ثم فلس أخذ البائع الشجر بحصتها من الثمن وضارب بحصة الثمر فتقوم الشجر وعليها الثمر فيقال مثلا قيمتها مائة وتقوم وحدها فيقال تسعون فيضارب بعشر الثمن فإن حصل في قيمتها إنخفاض أو ارتفاع فالصحيح أن الإعتبار في الثمار بالأقل من قيمتي يومي العقد والقبض لأنها إن كانت يوم القبض أكثر فالنقص قبله كان من ضمان البائع فلا يحسب على المشتري وإن كانت يوم العقد أقل فالزيادة ملك المشتري وتلفت فلا حق للبائع فيها وفي وجه شاذ يعتبر يوم القبض وأما الشجر ففيها وجهان أحدهما يعتبر أكثر القيمتين لأن المبيع بين العقد والقبض من ضمان البائع فنقصه عليه وزيادته للمشتري فيأخذ بالأكثر ليكون النقص محسوبا عليه كما أن في الثمرة الباقية على المشتري يعتبر الأقل ليكون النقص محسوباً عليه والثاني يعتبر يوم العقد قل أم كثر لأن ما زاد بعده فهو من الزيادات المتصلة وعين الأشجار باقية فيفوز بها البائع ولا يحسب عليه وهذا الثاني هو المنقول في التهذيب والتتمة وبالأول جزم الصيدلاني وغيره وصححه الغزالي مثل ذلك قيمة الشجر يوم البيع عشرة وقيمة الثمر خمسة فلو لم تختلف القيمة لأخذ الشجرة بثلثي الثمن وضارب للثمرة بالثلث وإن زادت قيمة الثمرة وكانت يوم القبض عشرة فعلى الصحيح هو كما لو كانت بحالها إعتباراً لأقل قيمتها وعلى الشاذ يضارب بنصف الثمن ولو نقصت وكانت يوم القبض درهمين ونصفا ضارب بخمس الثمن فلو زادت قيمة الشجر أو نقصت فالحكم على الوجه الثاني كما لو بقيت بحالها وعلى الأول كذلك إن نقصت وإن زادت فكانت خمسة عشر ضارب بربع الثمن قال الإمام وإذا اعتبرنا في الثمار أقل القيمتين فتساوتا ولكن بينهما نقص فإن كان لمجرد انخفاض السوق فلا عبرة به وإن كان لعيب طرأ وزال فكذلك على الظاهر كما أنه يسقط بزواله حق الرد بالعيب وإن لم يزل العيب لكن عادت قيمته إلى ما كان بارتفاع السوق فالذي أراه إعتبار قيمته يوم العيب لأن النقص من ضمان البائع والإرتفاع بعده في ملك المشتري فلا يجبره قال وإذا اعتبرنا في الشجر أكثر القيمتين فكانت قيمته يوم العقد مائة ويوم القبض مائة وخمسين ويوم رجوع البائع مائتين فالوجه القطع باعتبار المائتين ولو كانت قيمتها يومي العقد والقبض ما ذكرناه ويوم الرجوع مائة اعتبر يوم الرجوع لأن ما طرأ من زيادة ونقص وزال فرع سبيل التوزيع في كل صورة تلف فيها أحد الشيئين المبيعين واختلفت القيمة وأراد الرجوع إلى الباقي على ما ذكرناه في الأشجار والثمار بلا فرق النوع الثانيمن الزيادات ما التحق بالمبيع من خارج وينقسم إلى عين محضة وصفة محضة ومركب منهما الضرب الأول العين المحضة ولها حالان أحدهما أن تكون قابلة للتمييز عن المبيع كمن اشترى أرضا فغرس فيها أو بنى ثم فلس قبل أداء الثمن فإذا اختار البائع الرجوع في الأرض نظر إن اتفق الغرماء والمفلس على القلع وتسليم الأرض بيضاء رجع فيها وقلعوا وليس له أن يلزمهم أخذ قيمة الغراس والبناء ليتملكها مع الأرض وإذا قلعوا وجب تسوية الحفر من مال المفلس وإن حدث في الأرض نقص بالقلع وجب أرشه في ماله قال الشيخ أبو حامد يضارب به وفي المهذب والتهذيب أنه يقدم به لأنه لتخليص ماله وإن قال المفلس يقلع وقال الغرماء نأخذ القيمة من البائع ليتملكه أو بالعكس أو وقع هذا الاختلاف بين الغرماء أجيب من في قوله المصلحة فإن امتنعوا جميعاً من القلع لم يجبروا لأنه غير متعد ثم ينظر إن رجع على أن يتملك البناء والغراس بقيمتهما أو يقلع ويغرم أرش النقص فله ذلك لأنه يندفع به الضرر من الجانبين والإختيار فيهما إليه وليس للغرماء والمفلس الإمتناع بخلاف ما سبق في الزرع لأن له أمداً قريباً وإن أراد الرجوع في الأرض وحدها لم يكن له ذلك على الأظهر لأنه ينقض قيمة البناء والغراس ويضرهم والضرر لا يزال بالضرر وفي قول له ذلك كما لو صبغ المشتري الثوب ثم فلس يرجع البائع في الثوب فقط وقيل إن كانت الأرض كثيرة القيمة والبناء والغراس مستحقرين بالإضافة إليها كان له ذلك وإن كان عكسه فلا إتباعا للأقل الأكثر وقيل إن أراد الرجوع في البياض المتخلل بين البناء والشجر ويضارب للباقي بقسطه من الثمن كان له وإن أراد الرجوع في الجميع فلا فإن قلنا بالأظهر فالبائع يضارب بالثمن أو يعود إلى بذل قيمتهما أو قلعهما مع غرامة أرش النقص وإن مكناه من الرجوع فيها فوافق الغرماء والمفلس وباع الأرض معهم حين باعوا البناء فذاك وطريق التوزيع ما سبق في الرهن وإن امتنع لم يجبر على الأظهر وإذا لم يوافقهم فباعوا البناء والغراس بقي للبائع ولاية التملك بالقيمة والقلع مع الأرش وللمشتري الخيار في البيع إن كان جاهلاً بحال ما اشتراه هذا الذي ذكرناه في هذا الضرب هو الذي قطع به الجماهير في الطرق كلها وهو الصواب المعتمد وذكر إمام الحرمين في المسألة أربعة أقوال. أحدها: لا رجوع بحال والثاني تباع الأرض والبناء رفقاً بالمفلس والثالث يرجع في الأرض ويتخير بين ثلاث خصال تملك البناء والغراس بالقيمة وقلعهما مع التزام أرش النقص وإبقاؤهما بأجرة المثل يأخذها من ملكهما وإذا عين خصلة فاختار الغرماء والمفلس غيرها أو امتنعوا من الكل فوجهان في أنه يرجع إلى الأرض ويقلع مجاناً أو يجبرون على ما عينه والرابع إن كانت قيمة البناء أكثر فالبائع فاقد عين ماله وإن كانت قيمة الأرض أكثر فواجد هذا نقل الإمام وتابعه الغزالي وأصحابه على الأقوال الثلاثة الأول وهذا النقل شاذ منكر لا يعرف وليت شعري من أين أخذت هذه الأقوال. فرع اشترى الأرض من رجل والغراس من آخر وغرسه فيها ثم فلس فلكل الرجوع إلى عين ماله فإن رجعنا وأراد صاحب الغراس القلع مكن وعليه تسوية الحفر وأرش نقص الأرض إن نقصت. وإن أراده صاحب الأرض فكذلك إن ضمن أرش النقص وإلا فوجهان. أحدهما: المنع لانه غرس محترم كغرس المفلس والثاني له لانه باع الغرس مفرداً فيأخذه كذلك الحال الثاني: أن لا تكون الزيادة قابلة للتمييز كخلط ذوات الأمثال بعضها ببعض فاذا اشترى صاع حنطة أو رطل زيت فخلطه بحنطة أو زيت ثم فلس فان كان مثله فللبائع الفسخ وتملك صاع من المخلوط وطلب القسمة وإن طلب البيع فهل يُجاب وجهام. أصحهما لا كما لا يجاب الشريك والثاني: نعم لأنه لا يصل بالقسمة إلى عين حقه ويصل بالبيع إلى بدل حقه وقد يكون له غرض وإن كان الملخوط أرداً من المبيع فله الفسخ والرجوع في قدر حقه من المخلوط وفي كيفيته وجهان أحدهما يباع الجميع ويقسم الثمن بينهما على قدر القيمتين لانه لو أخذ صاعاً نقص حقه ولو أخذ أكثر حصل الربا فعلى هذا إن كان المبيع يساوي درهمين والمخلوط به درهماً قسم الثمن أثلاثاً وأصحهما: ليس له إلا أخذ صاع أو المضاربة لأنه نقص حصل في المبيع كتعيب العبد. وخرج قول أن الخلط بالمثل والأرد يمنع الرجوع وليس بشيء وإن كان المخلوط به أجود فأقوال. أظهرها: ليس له الرجوع بل يضارب بالثمن والثاني: يرجع ويباعان ثم يوزع الثمن على نسبة القيمة والثالث: يوزع نفس المخلوط باعتبار القيمة فإذا كان المبيع يساوي درهماً والمخلوط به درهمين أخذ ثلثي صاع وهذا القول أضعفها وهو رواية البويطي والربيع. فرع قال الإمام: إذا قلنا: الخلط يلحق المبيع بالمفقود فكان أحد الخليطين كثيراً والآخر قليلاً لا تظهر به زيادة في الحس ويقع مثله بين الكيلين فإن كان الكثير للبائع فالوجه القطع بكونه واجداً عين ماله فرع لو كان المخلوط به من غير جنس المبيع كالزيت بالشيرج فلا بل هو كالتالف وفيه احتمال للإمام الضرب الثاني الصفة المحضة فإذا اشترى حنطة فطحنها أو ثوبا فقصره أو خاطه بخيوط من نفس الثوب ثم فلس فللبائع الرجوع فيه ثم إن لم تزد قيمته فلا شركة للمفلس وإن نقصت فلا شيء للبائع غيره وإن زادت فقولان أحدهما أن هذه الزيادة أثر ولا شركة للمفلس لأنها صفات تابعة كسمن الدابة بالعلف وكبر الودي بالسقي وأظهرهما أنها عين والمفلس شريك بها لأنها زيادة بفعل محترم متقوم ويجري القولان فيما لو اشترى دقيقا فخبزه أو لحما فشواه أو شاة فذبحها أو أرضاً فضرب من ترابها لبنا أو عرصة وآلات البناء فبنى بها داراً أما تعليم العبد القرآن والحرفة والكتابة والشعر المباح ورياضة الدابة فالأصح أنها على القولين وقيل هي أثر قطعاً كالسمن وضبط صور القولين أن يصنع به ما يجوز الإستئجار عليه فيظهر به أثر فيه وإنما اعتبرنا الأثر لأن حفظ الدابة وسياستها يجوز الإستئجار عليه ولا تثبت به مشاركة للمفلس لأنه لا يظهر بسببه أثر على الدابة فإن قلنا أثر أخذ البائع المبيع بزيادته وإن قلنا عين بيع وللمفلس بنسبة ما زاد في قيمته مثاله قيمة الثوب خمسة وبلغ بالقصارة ستة فللمفلس سدس الثمن فلو ارتفعت القيمة أو انخفضت بالسوق فالزيادة والنقص بينهما على هذه النسبة فلو ارتفعت قيمة الثوب دون القصارة بأن صار مثل ذلك الثوب يساوي غير مقصور ستة ومقصوراً سبعة فللمفلس سبع الثمن فقط فلو زادت قيمة القصارة دون الثوب بأن كان مثل هذا الثوب يساوي مقصورا سبعة وغير مقصور خمسة فللمفلس سبعان من الثمن وعلى هذا القياس ويجوز للبائع أن يمسك المبيع ويمنع من بيعه ويبذل للمفلس حصة الزيادة كذا نقل في التهذيب وغيره كما تبذل قيمة البناء والغراس ومنعه في التتمة لأن الصفة لا تقابل بعوض قلت الأصح نقل صاحبا التهذيب وبه قطع صاحب الشامل والبيان وقال صاحب الحاوي ولا يسلم هذا الثوب إلى البائع ولا المفلس ولا الغرماء بل يوضع عند عدل حتى يباع كالجارية الحامل والله أعلم. فرع إذا استأجر المفلس أو غيره على القصارة أو الطحن فعمل الأجير عمله فهل له حبس الثوب المقصور والدقيق لاستيفاء الأجرة إن قلنا القصارة وما في معناها أثر فلا وإن قلنا عين فنعم كما للبائع حبس المبيع لاستيفاء الثمن وبه قال الأكثرون قلت هكذا أطلق المسألة كثيرون أو الأكثرون ونص الشافعي رضي الله عنه في الأم والشيخ أبو حامد والماوردي وغيرهم على أنه ليس للأجير حبسه ولا لصاحب الثوب أخذه بل يوضع عند عدل حتى يوفيه الأجرة أو يباع لهما وهذا الذي قالوه ليس مخالفا لما سبق فإن جعله عند العدل حبس لكن ظاهر كلام الأكثرين أن الأجير يحبسه في يده والله أعلم. الضرب الثالث ما هو عين من وجه وصفة من وجه كصبغ الثوب ولت السويق وشبههما فإذا اشترى ثوباً وصبغه فإن نقصت القيمة أو لم تزد فحكمه ما سبق في الضرب الثاني وإن زادت فقد تزيد بقدر قيمة الصبغ أو أقل أو أكثر الحال الأول مثل أن يكون الثوب يساوي أربعة والصبغ درهمين وصارت قيمته مصبوغا ستة فللبائع أن يفسخ البيع في الثوب ويكون المفلس شريكا له في الصبغ فيباع ويكون الثمن بينهما أثلاثاً وهل يقول كل الثوب للبائع وكل الصبغ للمفلس كما لو غرس أو يقول يشتركان فيهما جميعاً بالأثلاث لتعذر التمييز كخلط الزيت فيه وجهان. الحال الثاني مثل أن تصير قيمته مصبوغا خمسة فالنقص محال على الصبغ لأنه هالك في الثوب والثوب بحاله فيباع وللبائع أربعة أخماس الثوب وللمفلس خمس. الحال الثالث مثل أن تصير قيمته مصبوغا ثمانية فالزيادة حصلت بصنعة الصبغ فإن قلنا الصنعة عين فالزيادة مع الصبغ للمفلس فيجعل الثمن بينهما نصفين وإن قلنا أثر فوجهان أحدهما يفوز البائع بالزيادة فله ثلاثة أرباع الثمن وللمفلس ربع وأصحهما وبه قال الأكثرون يكون للبائع ثلثا الثمن وللمفلس ثلثه لأن الصنعة اتصلت بهما فوزعت عليهما ولو صارت قيمته مصبوغاً ستة عشر مثلاً أو رغب فيه رجل فاشتراه ففي كيفية القسمة هذه الأوجه الثلاثة ثم ما يستحقه المفلس من الثمن للبائع دفعه ليخلص له الثوب مصبوغاً ومنع ذلك صاحب التتمة كما سبق هذا كله إذا صبغه بصبغ نفسه أما إذا اشترى ثوباً وصبغاً من رجل فصبغه به ثم فلس فللبائع الرجوع فيهما إلا أن تكون قيمته بعد الصبغ كقيمة الثوب قبل الصبغ أو دونها فيكون فاقداً للصبغ فإن زادت القيمة بأن كانت قيمة الثوب أربعة والصبغ درهمين فصارت مصبوغاً ثمانية وقلنا الصنعة أثر أخذه ولا شيء للمفلس وإن قلنا عين فالمفلس شريك بالربع ولو اشترى الثوب من واحد بأربعة وهي قيمته والصبغ من آخر بدرهمين وهما قيمته وصبغه وأراد البائعان الرجوع فإن كان مصبوغاً لا يزيد على أربعة فصاحب الصبغ فاقد ماله وصاحب الثوب واجد ماله بكماله إن لم ينقص عن أربعة وناقصاً إن نقص فإن زاد على أربعة فصاحب الصبغ أيضاً واجد ماله بكماله إن بلغت الزيادة درهمين وناقصاً إن لم تبلغهما وإن كانت قيمته مصبوغا ثمانية فإن قلنا الصنعة أثر فالشركة بين البائعين كهي بين البائع والمفلس إذا صبغه بصبغ نفسه وإن قلنا عين فنصف الثمن لبائع الثوب وربعه لبائع الصبغ والربع للمفلس ولو اشترى صبغاً وصبغ به ثوباً له فللبائع الرجوع إن زادت قيمته مصبوغاً على ما كانت قبل الصبغ وإلا فهو فاقد وإذا رجع فالقول في الشركة بينهما كما سبق قلت وإذا شارك ونقصت حصته عن ثمن الصبغ فوجهان أصحهما وهو قول أكثر الأصحاب على ما حكاه صاحب البيان أنه إن شاء قنع به ولا شيء له غيره وإن شاء ضارب بالجميع والثاني له أخذه والمضاربة بالباقي وبهذا قطع في المهذب والشامل والعدة وغيرها والله أعلم. فرع صبغ الثوب حكم صبغ الثوب كالبناء والغراس فلو قال المفلس والغرماء نقلعه ونغرم نقص الثوب قال ابن كج لهم ذلك فرع ما ذكرناه من القطع بالشركة بالصبغ إذا لم يحصل هو على سواء أمكن تمييز الصبغ من الثوب أو صار مستهلكاً وفي وجه إذا صار مستهلكاً صار كالقصارة في أنه عين أم أثر. فرع اشترى ثوبا واستأجر قصارا فقصره إذا اشترى ثوبا واستأجر قصارا فقصره ولم يوفه أجرته حتى فلس فإن قلنا القصارة أثر فليس وقال صاحب التلخيص عليه أجرة القصار فكأنه استأجره وغلطه الأصحاب فيه وإن قلنا عين نظر إن لم تزد قيمته مقصورا على ما قبل القصارة فالأجير فاقد عين ماله وإن زادت فلكل من البائع والأجير الرجوع إلى عين ماله فلو كانت قيمة الثوب عشرة والأجرة درهم والثوب المقصور يساوي خمسة عشر بيع وللبائع عشرة وللأجير درهم والباقي للمفلس ولو كانت الأجرة تساوي خمسة دراهم والثوب بعد القصارة يساوي أحد عشر فإن فسخ الأجير الإجارة فعشره للبائع ودرهم للأجير ويضارب بأربعة وإن لم يفسخ فعشرة للبائع ودرهم للمفلس ويضارب الأجير بالخمسة وحكى في الوسيط وجها أنه ليس للأجير إلا القصارة الناقصة أو المضاربة كما هو قياس الأعيان ولم أر هذا النقل لغيره فالمعتمد ما سبق ولو كانت قيمة الثوب عشرة واستأجر صباغاً صبغه بصبغ قيمته درهم فصارت قيمته خمسة عشرة فالأربعة الزائدة حصلت بالصنعة فيجري فيها القولان في أنها عين أو أثر فإن رجع البائع والصباغ بيع بخمسة عشر وقسم على أحد عشر إن قلنا أثر وإن قلنا عين فلهما أحد عشر والأربعة للمفلس ولو كانت بحالها وبيع بثلاثين قال ابن الحداد للبائع عشرون وللصباغ درهمان وللمفلس ثمانية وقال غيره يقسم الجميع على أحد عشر عشرة للبائع ودرهم للصباغ ولا شيء للمفلس قال أبو علي الأول جواب على قولنا عين والثاني على أنها أثر ولو كانت قيمة الثوب عشرة واستأجره على قصارته بدرهم وصارت قيمته مقصورا خمسة عشر فبيع بثلاثين قال الشيخان أبو محمد والصيدلاني وغيرهما تفريعاً على العين إنه يتضاعف حق كل منهم كما قاله ابن الحداد في الصبغ قال الإمام ينبغي أن يكون للبائع عشرون وللمفلس تسعة وللقصار درهم كما كان ولا يزيد حقه لأن القصارة غير مستحقة للقصار وإنما هي مرهونة بحقه وهذا استدراك حسن. فرع لو قال الغرماء للقصار خذ أجرتك ودعنا نكون شركاء صاحب الثوب أجبر على الأصح كالبائع إذا قدمه الغرماء بالثمن فكأن هذا القائل يعطي القصارة حكم العين من كل وجه.
لو أخفى المديون بعض ماله ونقص الموجود عن دينه فحجر عليه أصحاب الأمتعة فيها وقسم باقي ماله بين غرمائه ثم علمنا إخفاءه لم ينقص شيء من ذلك لأن للقاضي بيع مال الممتنع وصرفه في دينه والرجوع في عين المبيع بامتناع المشتري من أداء الثمن مختلف فيه فإذا حكم به نفذ كذا قاله في التتمة وفيه توقف لأن القاضي ربما لا يعتقد جواز ذلك.
لو ترك الفسخ على مال لم يثبت المال فإن كان جاهلاً بجوازه ففي بطلان حقه من الفسخ وجهان كما سبق في الرد بالعيب.
|