الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **
أو رجله نظر إن اندملت الجراحتان فلا قصاص على الأول إن كان حراً وعليه نصف القيمة للسيد وعلى الثاني القصاص أو نصف الدية وإن مات منهما فلا قصاص على الأول في النفس ولا في الطرف إن كان حراً وأما الثاني فللوارث أن يقتص منه في الطرف وكذا في النفس على المذهب وبه قطع الجمهور وقيل لا قصاص وقيل قولان كشريك المبيع وإذا أوجبنا القصاص فعفا المستحق فعليهما كل الدية للسيد أقل من نصف الدية ونصف القيمة ويكون حقه فيما يجب على الأول دون الثاني وإن اقتص الوارث من الثاني بقي على الأول نصف الدية فإن كان قدر نصف القيمة أو أقل أخذه السيد وإن كان أكثر فالزيادة للوارث ولو قطع حر يد عبد فعتق ثم قطع يده الأخرى فمات منهما فللوارث القصاص في الطرف الثاني ولا يجب قصاص النفس على الصحيح فلو عفا المستحق عن قصاص الطرف ففيهما الدية وإن استوفاه بقي نصف الدية وحكم ما للسيد في الحالين على ما ذكرنا فيما إذا كان القاطع غيره ولو قطع إصبع عبد فعتق ثم قطع آخر يده ومات منهما فعليهما الدية وللسيد على أحد القولين الأقل من نصف الدية ونصف القيمة وعلى الأظهر الأقل من نصف الدية وعشر القيمة. فرع قطع إحدى يدي عبد فعتق ثم جرحه رجلان بأن قطع أحدهما يده الأخرى والآخر رجله ومات فلا قصاص على الأول لا في النفس ولا في الطرف إن كان حراً وعلى الآخرين القصاص في الطرف ويجب أيضاً في النفس على المذهب وأما الدية فتجب على الثلاثة أثلاثاً ولا حق للسيد فيما يجب على الآخرين وإنما يتعلق حقه بما على الأول وفيما يستحقه القولان فعلى القول الأول أقل الأمرين من ثلث الدية وثلث القيمة وعلى الثاني الأقل من ثلث الدية وأرش الجناية في ملكه وهو نصف القيمة فلو كانت الصورة بحالها فعاد الأول وجرح بعد العتق جراحة أخرى ومات بسراية الجميع فالدية عليهم أثلاثاً لما سبق أنا ننظر إلى عدد الجارحين لا إلى الجراحات ثم الثلث الواجب على الجاني الأول واجب عن جنايتيه فتقابل الجناية الواقعة في الرق سدس الدية فللسيد على القول الأول الأقل من سدس الدية الواجب بالجناية في ملكه أو سدس القيمة وعلى الثاني الأقل من سدس الدية أو نصف القيمة وهو أرش الجناية في ملكه ولو قطع يد عبد فعتق فجرحه آخر جراحة فعاد الأول فجرحه أخرى فعليهما الدية نصفين والنصف الواجب على الأول وجب بجنايتي الرق والحرية فحصة الجناية الأولى ربع الدية فللسيد في القول الأول الأقل من ربع الدية وربع القيمة وعلى الثاني الأقل من ربع الدية ونصف القيمة وبه أجاب ابن الحداد في هذه الصورة وذكر القاضي أبو الطيب أنه الأظهر ولو جنى اثنان على عبد معتق ثم جنى عليه ثالث ومات بالسراية فعليهم الدية أثلاثاً وللسيد في القول الأول الأقل من ثلثي الدية وثلثي القيمة وفي الثاني الأقل من ثلثي الدية وأرش جنايتي الرق ولو جنى عليه ثلاثة في الرق فعتق ثم جنى رابع ومات فعليهم الدية أرباعاً للسيد في القول الأول الأقل من ثلاثة أرباع الدية وثلاثة أرباع القيمة وفي الثاني الأقل من ثلاثة أرباع الدية وأرش جنايات الرق ولو جنى اثنان في الرق وثلاثة بعد ما عتق فالدية عليهم أخماساً للسيد في القول الأول الأقل من خمسي الدية وخمسي القيمة وفي الثاني الأقل من خمسي الدية وأرش جنايتي الرق ولو أوضح عبداً فعتق فقطع آخر يده ومات منهما فعليهما الدية وللسيد على القول الأول أقل الأمرين من نصف الدية ونصف القيمة وعلى الثاني الأقل من نصف الدية ونصف عشر القيمة وهو أرش الموضحة ولو أوضحه فعتق فجاء تسعة فجرحوه ومات فعليهم الدية أعشاراً وللسيد على القول الأول الأقل من عشر الدية وعشر القيمة وعلى الثاني الأقل من عشر الدية ونصف عشر القيمة وهو أرش الموضحة ولو جرحه الأول جرحاً آخر مع التسعة فالدية عليهم كذلك للسيد الأقل من نصف عشر الدية ونصف عشر القيمة على القولين لأنه لم يجب بالجناية واقفة وسارية إلا نصف عشر الضمان وهكذا يتفق القولان إذا اتفق قدر الضمان على التقديرين كما إذا جنى خمسة في الرق وأرش جناياتهم نصف القيمة وخمسة بعد العتق فللسيد على القولين الأقل من نصف الدية ونصف القيمة. فرع قطع حر يد عبد فعتق فحز آخر رقبته فقد أبطل الحز السراية فعلى الأول نصف القيمة للسيد وعلى الثاني القصاص أو كمال الدية للوارث ولو قطع حر يد عبد فعتق ثم قطع آخر يده الأخرى ثم حزت رقبته فإن حزه ثالث فقد بطلت سراية القطعين فعلى الأول نصف القيمة للسيد وعلى الثاني القصاص في الطرف أو نصف الدية للوارث وعلى الثالث القصاص في النفس أو كمال الدية وإن حزه الأول نظر إن حزه بعد اندمال قطعه فعليه نصف القيمة للسيد والقصاص في النفس أو كمال الدية للوارث وعلى الثاني نصف الدية وإن حزه قبل الاندمال فعليه القصاص في النفس ثم إن قلنا بالصحيح إن بدل الطرف يدخل في النفس فإن اقتص الوارث سقط حق السيد وإن عفا وجب كمال الدية للسيد منه الأقل من نصف الدية ونصف القيمة على أحد القولين كما سبق هذا هو الصحيح وقال القاضي أبو الطيب عندي يسقط حق السيد وإن عفا الوارث لأنه إذا سقط حكم الطرف صار الحكم للنفس وكان المأخوذ بدل النفس المفوتة بعد زوال ملك السيد وعلى قول ابن سريج والإصطخري أن بدل الطرف لا يدخل في النفس يكون للسيد عليه نصف القيمة وللوارث القصاص في النفس أو كمال الدية وإن حز الثاني بطلت سراية الأول فعلى الأول نصف القيمة للسيد والثاني قطع طرف حز ثم قتله فإن قتله بعد الاندمال فللوارث أن يقتص منه في الطرف والنفس وله أن يأخذ نصف الدية لليد ودية كاملة للنفس فإن شاء اقتص فيهما وإن شاء أخذ بدلهما وإن شاء بدل أحدهما وقصاص الآخر وإن قتله قبل الاندمال فللوارث القصاص في النفس بقطع اليد وله أخذ دية النفس فقط. قد عرفت أن الواجب فيما إذا جنى على عبد فعتق وسرت الجناية إلى نفسه إنما هو الدية والدية الإبل قال الأصحاب تؤخذ الدية وتصرف إلى السيد حصته على التفصيل السابق من الإبل وليس للوارث أن يقول أستوفي الإبل وأدفع إليه ما يستحقه من الدراهم أو الدنانير زاعماً أنه إنما يستحق القيمة والقيمة دراهم أو دنانير لأن ما يستحقه يستحقه من عين الدية التي هي الواجبة وليست مرهونة بحقه بخلاف الدين مع التركة وليس للسيد أن يكلف الجاني تسليم الدراهم ولو أتى الجاني بالدراهم ففي إجبار السيد على قبولها وجهان أرجحهما عند الإمام والغزالي نعم وحاصله تخيير الجاني بين تسليم الدية والدراهم ولو أبرأ السيد الجاني عما يستحقه من الدية بريء وليس للورثة المطالبة به. فرع رمى إلى ذمي فأسلم أو عبد فعتق قبل الإصابة وجب دية حر مسلم ولا قصاص إذا كان الرامي حراً مسلماً وكذا لو رمى ذمي إلى ذمي أو إلى عبد ثم أسلم الرامي أو عتق قبل الإصابة لا قصاص لأنه لا كفارة عند الإصابة. فرع قد يعبر عن مسائل الباب في تغير الحال بين الجرح والموت وبين الرمي والإصابة فيقال كل جرح أوله غير مضمون لا ينقلب مضموناً بتغير الحال في الانتهاء وإن كان مضموناً في الحالين اعتبر في قدر الضمان الانتهاء وفي القصاص تعتبر الكفاءة في الطرفين والوسط وكذا إذا تبدل الحال بين الرمي والإصابة اعتبر في القصاص الكفاءة في الطرفين والوسط وكذا يعتبر الطرفان والوسط في تحمل العاقلة وبالله التوفيق. باب القصاص في الأطراف فيه فصول أربعة الفصل الأول في أركانه وهي ثلاثة القطع والقاطع والمقطوع وكما يعتبر في القتل أن يكون عمداً محضاً عدواناً يعتبر ذلك في الطرف فلا يجب القصاص بالجراحات وإبانة الأطراف إذا كانت خطأ أو شبه عمد ومن صور شبه العمد أن يضرب رأسه بلطمة أو حجر لا يشج غالباً لصغره فيتورم الموضع ويتضح العظم وقد يكون الضرب بالعصا الخفيفة والحجر المحدد عمداً في الشجاج لأنه يوضح غالباً ويكون شبه عمد في النفس لأنه لا يقتل غالباً ولو أوضحه بما يوضح غالباً ولا يقتل غالباً فمات من تلك الموضحة فعن الشيخ أبي حامد أنه يجب القصاص في الموضحة ولا يجب في النفس واستبعده ابن الصباغ وغيره لأنه إذا كانت هذه الآلة توضح في الغالب كانت كالحديدة وفقء العين بالأصبع عمد لأنها في العين تعمل عمل السلاح ويعتبر في القاطع كونه مكلفاً ملتزماً للأحكام وفي المقطوع كونه معصوماً كما ذكرنا في النفس ومن قتل به الشخص قطع به ومن لا فلا. ولا يشترط في قصاص الطرف التساوي في البدل فيقطع العبد بالعبد والمرأة بالرجل وبالعكس والذمي بالمسلم والعبد بالحر ولا عكس فيهما وتقطع الجماعة بالواحد إذا اشتركوا بأن وضعوا السكين على اليد وتحاملوا عليها دفعة واحدة حتى أبانوها أو ضربوه ضربة اجتمعوا عليها ولو تميز فعل الشركاء بأن قطع هذا من جانب وهذا من جانب حتى التقت الحديدتان أو قطع أحدهما بعض اليد وأبانها الآخر فلا قصاص على واحد منهما ويلزم كل واحد منهما حكومة تليق بجنايته وينبغي أن يبلغ مجموع الحكومتين دية اليد وعن صاحب التقريب حكاية قول إنه يقطع من كل واحد منهما بقدر ما قطع إن أمكن ضبطه والمشهور الأول ولو جزا حديدة جز المنشار فقال الجمهور هما فعلان متميزان وقال ابن كج هو اشتراك موجب للقصاص قال الإمام هذا يصور صورتين إحداهما إن يتعاونا في كل جذبة وإرساله فتكون من صور الاشتراك والثانية أن يجذب كل واحد إلى جهة نفسه ويفتر عن الإرسال في جهة صاحبه فيكون البعض الفصل الثاني فيما يوجب قصاص الطرف الجنايات فيما دون النفس ثلاثة أنواع جرح يشق وقطع يبين وإزالة منفعة بلا شق ولا إبانة. النوع الأول الجرح ويتعلق به القصاص في الجملة قال الله تعالى " والجروح قصاص " ثم تنقسم إلى واقعة على الرأس والوجه وإلى غيرها. الضرب الأول الواقعة على الرأس والوجه وتسمى الشجاج وهي عشر. إحداها الحارصة وهي التي تشق الجلد قليلاً نحو الخدش وتسمى الحرصة أيضاً. الثانية الدامية وهي التي تدمي موضعها من الشق والخدش ولا يقطر منها دم هكذا نص عليه الشافعي وأهل اللغة قال أهل اللغة فإن سال منها دم فهي الدامعة بالعين المهملة وذكر الإمام والغزالي في تفسيرها سيلان الدم وهو خلاف الصواب. الثالثة الباضعة وهي التي تبضع اللحم بعد الجلد أي تقطعه. الرابعة المتلاحمة وهي التي تغوص في اللحم ولا تبلغ الجلدة بين اللحم والعظم وتسمى اللاحمة أيضاً. الخامسة السمحاق وهي التي تبلغ تلك الجلدة وتسمى تلك الجلدة السمحاق وقد تسمى هذه السادسة الموضحة وهي التي تخرق السمحاق وتوضح العظم. السابعة الهاشمة وهي التي تهشم العظم أي تكسره. الثامنة المنقلة وهي التي تنقل العظم من موضع إلى موضع ويقال هي التي تكسر وتنقل ويقال هي التي تكسر العظم حتى يخرج منها فراش العظام والفراشة كل عظم رقيق وفراش الرأس عظام رقاق تلي القحف. التاسعة المأمومة وهي التي تبلغ أم الرأس وهي خريطة الدماغ المحيطة به ويقال لها الآمة أيضاً. العاشرة الدامغة وهي التي تخرق الخريطة وتصل الدماغ وهي مذففة فهذه العشرة هي المشهورة وذكر فيها ألفاظ أخر تؤول إلى هذه وجميع هذه الشجاج تتصور في الجبهة كما تتصور في الرأس وكذلك تتصور ما عدا المأمومة والدامغة في الخد وفي قصبة الأنف واللحي الأسفل إذا عرفت هذا فالقصاص واجب في الموضحة لتيسر ضبطها واستيفاء مثلها ولا قصاص فيما بعدها من الهاشمة والمنقلة وغيرهما وأما ما قبلها فلا قصاص في الحارصة قطعاًولا في الباضعة والمتلاحقة والسمحاق على المذهب والدامية كالحارصة وقيل كالباضعة فإن أوجبنا القصاص في المتلاحمة والباضعة فإن كان على رأس كل واحد من الشاج والمشجوج موضحة تيسرت معرفة النسبة بهما وإن لم تكن راجعنا أهل الخبرة لينظروا في المقطوع والباقي ويحكموا بأنه نصف أو ثلث بالاجتهاد بعد غمر رأس الشاج والمشجوج ويحكمون أيضاً عند القصاص ويعمل باجتهادهم فإن شكوا في أن المقطوع نصف أو ثلث أخذ باليقين. الضرب الثاني الجراحات في سائر البدن فما لا قصاص فيه إذا كان على الرأس والوجه لا قصاص فيه إذا كان على غيرهما وأما الموضحة التي توضح عظم الصدر أو العنق أو الساعد أو الأصابع ففي وجوب القصاص فيها وجهان أحدهما لا كما لا يجب فيها أرش مقدر وأصحهما نعم وهو ظاهر النص لتيسر استيفاء المثل وإذا اختصرت وأجبت في الجراحات في جميع البدن بالمختار قلت يجب القصاص في الجراحة على أي موضع كانت بشرط أن تنتهي إلى عظم ولا تكسره. النوع الثاني قطع الطرف فيجب القصاص بقطع الطرف بشرط إمكان المماثلة وأمن استيفاء الزيادة ويحصل ذلك بطريقين أحدهما أن يكون للعضو مفصل توضع عليه الحديدة وتبان والمفصل موضع اتصال عضو بعضو على منقطع عظمين وقد يكون ذلك بمجاورة محضة وقد يكون مع دخول عضو في عضو كالمرفق والركبة فمن المفاصل الأنامل والكوع والمرفق ومفصل القدم والركبة فإذا وقع القطع على بعضها اقتص من الجاني قال الإمام وفي بعض التعاليق عن شيخي حكاية وجه بعيد في المرفق والركبة قال وأظنه غلطاً من المعلق ومن المفاصل أصل الفخذ والمنكب فإن أمكن القصاص بلا إجافة اقتص وإلا فلا سواء كان الجاني أجاف أم لا لأن الجوائف لا تنضبط وحكى الإمام وجهاً شاذاً أنه يجري القصاص إذا كان الجاني أجاف وقال أهل البصر يمكن أن يقطع ويجاف مثل تلك الجائفة الطريق الثاني أن يكون للعضو حد مضبوط ينقاد لآلة الإبانة فيجب القصاص في فقء العين وفي الأذن والجفن والمارن والذكر والأنثيين قطعاً وفي الشفة واللسان على الصحيح وفي الشفرين والأليتين على الأصح عند الأكثرين ولا قصاص في إطار الشفة بكسر الهمزة وتخفيف الطاء المهملة وهو المحيط بها لأنه ليس له حد مقدر والكلام في قدر الشفتين والشفرين والأليتين يأتي في الديات إن شاء الله تعالى. فرع لو قطع بعض الأذن أو بعض المارن من غير إبانة وجب القصاص على الأظهر لإحاطة الهواء بهما وإمكان الاطلاع عليهما من الجانبين ويقدر المقطوع بالجزئية كالثلث والربع لا بالمساحة ولو قطع بعض الكوع أو مفصل الساق والقدم ولم يبن فلا قصاص على الأظهر لأنها تجمع العروق والأعصاب وهي مختلفة الوضع تسفلاً وتصعداً فلا يوثق بالمماثلة فيها بخلاف المارن ولو قطع فلقة من الأذن أو المارن أو اللسان أو الحشفة أو الشفة وأبانها وجب القصاص على الصحيح وتضبط بالجزئية ولو أبان قطعة من الفخذ فلا قصاص كذا جزم به الغزالي ويشبه أن يجيء فيه خلاف كالباضعة. فرع قطع يداً أو عضواً وبقي المقطوع متعلقاً بجلده وجب القصاص أو كمال الدية لأنه أبطل فائدة العضو ثم إذا انتهى العضو في الاقتصاص إلى تلك الجلدة فقد فصل القصاص ويراجع الجاني أهل الخبرة في تلك الجلدة ويفعل مصلحته من القطع والترك. فرع لا قصاص في كسر العظام لعدم الوثوق بالمماثلة لكن للمجني عليه أن يقطع أقرب مفصل إلى موضع الكسر ويأخذ الحكومة للباقي وله أن يعفو ويعدل إلى المال ولو أوضح رأسه مع الهشم فللمجني عليه أن يقتص في الموضحة ويأخذ الهشم ما بين أرش الهاشمة والموضحة وهو خمس من الإبل ولو أوضح ونقل فللمجني عليه أن يقتص في الموضحة ويأخذ ما بين الموضحة والمنقلة وهو عشر من الإبل ولو أوضح وأم فله أن يوضح ويأخذ ما بين الموضحة والمأمومة وهو ثمانية وعشرون بعيراً وثلث بعير لأن في المأمومة ثلث الدية. قطعه من الكوع فأراد المجني عليه أن يلقط أصابعه فليس له ذلك فلو بادر وفعله عزر ولا غرم عليه لأنه يستحق إتلاف الجملة فلا يلزمه بإتلاف البعض غرم كما أن مستحق قتل النفس لو قطع طرف الجاني لا غرم عليه قال البغوي وهل له أن يعود ويقطع الكف وجهان أصحهما نعم كما أن مستحق النفس لو قطع يد الجاني له أن يعود ويحز رقبته ولو طلب حكومتها لم يجب لأن حكومة الكف تدخل في دية الأصابع وقد استوفى الأصابع المقابلة بالدية ولو قطع يده من المرفق فأراد أن يقطع من الكوع أو يقطع أصبعاً ويرضى بها قصاصاً ومالاً لم يكن له ذلك لأنه عدول عن محل الجناية مع القدرة عليه وقيل إن رضي بذلك بلا مال جاز والصحيح الأول فلو خالفنا فقطع من الكوع عزر ولا غرم لما سبق ولو أراد بعد ذلك أن يقطع من المرفق قال الإمام لا يمكنه وجعله البغوي على وجهين ولو طلب حكومة الساعد لم نثبتها له كذا نقله الإمام عن الأصحاب ونقله البغوي أيضاً ثم قال وعندي أنها تثبت. فرع لو كسر عظم العضد وأبان اليد منه فللمجني عليه أن يقطع من المرفق ويأخذ الحكومة لما بقي وإن عفا فله دية الكف وحكومة للساعد وحكومة للمقطوع من العضد فلو أراد أن يترك المرفق ويقطع من الكوع فهل له ذلك وجهان أرجحهما عند البغوي يجوز لعجزه عن محل الجناية ومسامحته وأرجحهما عند الروياني وغيره لا لأنه عدول عما هو أقرب إلى محل الجناية ولو أراد التقاط الأصابع لم يمكن قطعاً ولو أراد أخذ أصبع واحدة فالقياس أنه على الوجهين في قطع الكوع فإذا قلنا ليس له القطع من الكوع فقطع ثم أراد القطع من المرفق لم يكن وليس له حكومة الساعد وإن قلنا له القطع من الكوع فقطع فله حكومة الساعد على الأصح وتجب له حكومة المقطوع من العضد هكذا جزم به الأصحاب وحكى الغزالي فيه وجهين والصواب الأول لأن استيفاء تلك البقية متعذر شرعاً ولم يوجد من المجني عليه فيها تقصير وعدول ولم أجد هذين الوجهين لغير الغزالي. فرع لو قطعه من نصف الساعد قطع من الكوع وأخذت حكومة نصف فلو عفا فله دية الكف وحكومة لنصف الساعد ولو أراد أن يلتقط أصابعه لم يكن فلو فعل لم يمكن من القطع من الكوع قال البغوي وليس له حكومة الكف وله حكومة نصف الساعد ويجيء في حكومة نصف الساعد الخلاف. لو قطع يده من نصف الكف لم يقتص في الكف وله التقاط الأصابع وإن تعددت الجراحة لأنه لا سبيل إلى إهماله وليس بعد موضع الجراحة إلا مفاصل متعددة وهل تجب مع قطعها حكومة نصف الكف أم تدخل الحكومة في قطعها كدخولها في استيفاء الدية وجهان أصحهما الوجوب. فرع من الأم لو شق كفه حتى انتهى إلى مفصل ثم قطع من المفصل أو لم يقطع اقتص منه إن قال أهل الخبرة يمكن أن يفعل به مثله. النوع الثالث إبطال المنافع وهي لا تباشر بالتفويت وإنما تفوت تبعا لمحلها وقد ترد الجناية على غير محلها وتفوت هي بالسراية لارتباط بينها وبين محل الجناية فلو أوضح رأسه فذهب ضوء عينيه فالنص أنه يجب القصاص في الضوء كما يجب في الموضحة ونص فيما إذا قطع أصبعه فسرى إلى الكف أو إلى أصبع أخرى بتآكل أو شلل أنه لا يجب القصاص في محل السراية فقيل فيهما قولان والمذهب تقرير النصين والفرق أن الضوء ونحوه من اللطائف لا تباشر بالجناية وإنما تقصد بالجناية على محلها أو محل آخره وإذا أوجبنا القصاص في الضوء بالسراية فالذي صححه الإمام نقلاً ومعنى أن السمع كالبصر وحكى فيما إذا أبطل بطش عضو بالسراية تردد الأصحاب منهم من ألحقه بالضوء وبه قال صاحب التقريب ومنهم من رأى البطش عسر الإزالة كالأجسام وإليه ميل الشيخ أبي محمد وفي العقل أيضاً تردد لبعده عن التناول بالسراية قال ولا يبعد إلحاق الكلام بالبصر ورتبها فجعل البصر والسمع في درجة ويليهما الكلام ويليه البطش ويليه العقل وذكر صاحب المهذب أنه لو جنى على رأسه فذهب عقله أو على أنفه فذهب شمه أو على أذنه فذهب سمعه فلا قصاص في العقل والشم والسمع والأقرب منع القصاص في العقل ووجوبه في الشم والبطش والذوق لأن لها محال مضبوطة ولأهل الخبرة طرق في إبطالها وإذا ذهب الضوء بالموضحة واقتصصنا في الموضحة فلم يذهب ضوء الجاني أذهب بأخف ما يمكن كتقريب حديدة محماة من عينيه أو طرح كافور فيها ونحوهما وإن ذهب ضوء الجاني حصل القصاص وفيه شيء يأتي إن شاء الله تعالى. ولو هشم رأسه فذهب ضوؤه عولج بما يزيل الضوء ولا يقابل الهشم بالهشم ولو لطمه فذهب ضوؤه واللطمة بحيث تذهب الضوء غالباً فالمنقول عن نصه في الأم أنه يلطم مثل لطمته فإن ذهب الضوء فعلى ما ذكرنا في الموضحة وإلا أزيل بالمعالجة وإن ابيضت الحدقة أو شخصت فعل به ما يفضي إليه إن أمكن ونسب صاحب المهذب هذا المنقول عن النص إلى بعض الأصحاب ثم قال ويحتمل أن لا يقتص في اللطمة كما لا يقتص بالهاشمة لأنه لا قصاص في اللطمة لو انفردت وهذا حسن وجعله صاحب التهذيب وجهاً وقال هو الأصح. فرع إذا قلنا لا يجب القصاص في الأجسام بالسراية فقطع أصبعه فسرى القطع إلى الكف وسقطت فلا يجب القصاص إلا في تلك الاصبع وإذا اقتص في الأصبع فسرى إلى الكف فالنص أن السراية لا تقع قصاصاً بل يجب على الجاني دية باقي اليد ونص فيما إذا أوضحه فذهب ضوؤه وشعر رأسه فاقتص في الموضحة فذهب ضوء الجاني وشعر رأسه أيضاً أنه يكون مستوفياً حقه ولو لم يذهب ضوء الجاني ونبت شعره فعليه دية البصر وحكومة الشعر. وفي هذا النص إيقاع الشعر مقابلاً للشعر وهو من الأجسام فاقتضى وقوع السراية في الأجسام قصاصاً فقيل قولان في أن السراية في الضوء والكف هل تقع قصاصاً وقيل في الكف قولان ويقع الضوء قطعاً والمذهب أن السراية لا تقع قصاصاً في الكف ولا في الشعر ولو عفا المجني عليه عن قصاص الأصبع فله دية اليد وإن اقتص فلم يسر القطع إلى غير تلك الأصبع أو سرى وقلنا لا يقع قصاصا فله أربعة أخماس دية الكف للأصابع الأربع ولا تجب لمنابتها من الكف حكومة بل تدخل في ديتها وفي دخول حكومة خمس الكف في قصاص الأصبع وجهان سيعودان إن شاء الله تعالى وما يجب من الدية يجب مغلظا في مال الجاني لأنه وجب بجناية عمد موجبة للقود وقيل على العاقلة والصحيح الأول وله المطالبة به عقب قطع الأصبع وفي صورة الموضحة المذهبة للبصر لو أوضحه فلم يذهب ضوؤه في الحال لا يطالب بالدية بل ينتظر فلعله يسري إلى البصر فيحصل الاقتصاص وكذا في النفس لو قطع أصبعه فسرى إلى نفسه فقطع الولي أصبع الجاني ينتظر السراية ولا يطالب بالدية في الحال. فرع له تعلق بالسراية لو قتل مستحق القصاص الجاني خطأ أو ضربه بسوط خفيف فهل يصير مستوفياً فيه خلاف ومثله لو وثب الصبي أو المجنون على قاتل مورثه فقتله هل يصير مستوفياً وجهان أصحهما لا فعلى هذا ينتقل حقه إلى الدية وتجب الدية بقتل الجاني وهل تكون عليه أم على عاقلته يبنى على الخلاف في أن عمدهما عمد أم خطأ ويجري فيما إذا ثبت قصاص لصبي أو مجنون فوثب على القاطع فقطع طرفه هل يكون مستوفياً لحقه ثم موضع الخلاف إذا لم يكن من الجاني تمكين فأما إذا أخرج يده إلى الصبي أو المجنون فقطعه فلا يكون مستوفياً لحقه بلا خلاف الفصل الثالث في المماثلة وهي معتبرة في وجوب القصاص في الطرف كالكفاءة في النفس فلا يقابل طرف بغير جنسه كاليد بالرجل وإذا اتحد الجنس لم يؤثر التفاوت في الصغر والكبر والطول والقصر والقوة والضعف والضخامة والنحافة كما لا تعتبر مماثلة النفسين في هذه الأمور وكذلك تقطع يد الصانع بيد الأخرق كما يقتل العالم بالجاهل وإنما يؤثر التفاوت في أمور أحدها تفاوت المحل والقدر أما المحل فلا تقطع اليد اليمنى باليسرى ولا اليسرى باليمنى وكذا الرجل والعين والأذن ولا يقطع من الجنس الأعلى بالأسفل وكذا العكس وكذا في الشفة ولا أصبع ولا أنملة بغيرها ولا أصبع زائدة بزائدة أخرى إذا اختلف محلهما بأن كانت زائدة بجنب الخنصر وزائدة الجاني بجنب الإبهام. وأما القدر فالتفاوت في الحجم صغراً وكبراً وطولاً وقصراً لا يؤثر في الأعضاء الأصلية قطعاً وكذا في الزائدة على الأصح فإن قلنا تؤثر وكانت زائدة الجاني أكبر لم يقتص منه وإن كانت زائدة المجني عليه أكبر اقتص وأخذ حكومة قدر النقصان ثم الخلاف فيما رأى الإمام فيما إذا لم يؤثر تفاوت الحجم في الحكومة فإن أثر فلا قصاص قال والاختلاف في الكون وسائر الصفات لا يؤثر بعد التساوي في الحكومة وتقطع الزائدة بالأصلية إذا اتفق محلهما ولا شيء له لنقصان الزائدة فرع نقلوا عن النص أنه لو كانت زائدة الجاني أتم بأن كان لأصبعه الزائدة ثلاث مفاصل ولزائدة المجني عليه مفصلان لم تقطعبها لأن هذا أعظم من تفاوت المحل. فرع الكلام في قصاص الموضحة يتعلق بالمساحة والمحل أما المساحة فمعتبرة طولاً وعرضاً فلا تقابل ضيقة بواسعة ولايقنع بضيقة عن واسعة فتذرع موضحة المشجوج بخشبة أو خيط ويحلق ذلك الموضع من رأس الشاج إن كان عليه شعر ويخط عليه بسواد أو حمرة ويضبط الشاج حتى لا يضطرب ويوضح بحديدة حادة كالموسى ولا يوضح بالسيف وإن كان أوصح به لأنه لا تؤمن الزيادة وكذا لو أوضح بحجر أو خشب يقتص منه بالحديدة كذا ذكره القفال وغيره وتردد فيه الروياني ثم يفعل ما هو أسهل عليه من الشق دفعه واحدة أو شيئاً فشيئاً ويرفق في موضع العلامة ولا عبرة بتفاوت الشاج والمشجوج في غلظ الجلد واللحم وأما المحل فإن أوضح جميع رأسه ورأساهما متساويان في المساحة أوضح جميع رأسه وإن كان رأس الشاج أصغر استوعبناه إيضاحاً ولا يكفي به ولا ينزل لإتمام المساحة إلى الوجه ولا إلى القفا بل يؤخذ قسط ما بقي من الأرش إذا وزع على جميع الموضحة وإن كان رأس الشاج أكبر لم يوضح جميعه بل بقدره بالمساحة والاختيار في موضعه إلى الجاني وقيل إلى المجني عليه وقيل يبتدىء من حيث بدأ الجاني ويذهب به في الجهة التي ذهب إليها إلى أن يتم القدر والصحيح الأول وبه قطع الأكثرون فإن كان في رأس الجاني موضحة والباقي بقدر ما فيه القصاص تعين وصار كأنه كل الرأس ولو أراد أن يستوفي بعض حقه من مقدم الرأس وبعضه من مؤخره لم يكن له ذلك على الصحيح لأنه يأخذ موضحتين بدل موضحة ولو أراد أن يستوفي البعض ويأخذ للباقي قسطه من الأرش مع تمكنه من استيفاء الباقي لم يكن له ذلك على الأصح بخلاف ما لو أوضح في موضعين فإن له أن يقتص في أحدهما ويأخذ أرش الآخر لأنهما جنايتان ولو أوضح الجاني بعض الرأس كالقذال والناصية أوضحنا ذلك القدر وتممناه من الرأس إن بقي من حقه شيء وقيل لا يجوز مجاوزة ذلك الموضع والأول هو الصحيح المنصوص ولو أوضح جبهته وجبهة الجاني أصغر لم يرتق إلى الرأس وليجيء في مجاوزة موضع من الوجه إلى موضع يلاصقه الوجهان وإذا أوجبنا القصاص في موضحة سائر البدن فأوضح ساعده وساعد الجاني أصغر لم يجاوزه إلى العضد ولا إلى الكتف كما في الوجه والرأس. لو زاد المقتص في الموضحة على قدر حقه نظر إن زاد باضطراب الجاني فلا غرم وإن زاد عمداً اقتص منه في الزيادة ولكن بعد اندمال الموضحة التي في رأسه وإن آل الأمر إلى المال أو أخطأ باضطراب يده وجب الضمان وفي قدره وجهان أحدهما يوزع الأرش عليهما فيجب قسط الزيادة وأصحهما يجب أرش كامل ولو قال المقتص أخطأت بالزيادة فقال المقتص منه بل تعمدتها صدق المقتص بيمينه ولو قال تولدت الزيادة باضطرابك وأنكر فأيهما يصدق وجهان لأن الأصل براءة الذمة وعدم الاضطراب. فرع اشترك جماعة في موضحة بأن تحاملوا على الآلة وحزوها معاً ففيه احتمالان للإمام أحدهما يوزع عليهم ويوضح من كل واحد قدر حصته لإمكان التجزئة بخلاف القتل والثاني يوضح من كل واحد مثل تلك الموضحة كالشركاء في القطع وبهذا قطع البغوي ويجري الاحتمالان فيما لو آل الأمر إلى المال هل يجب على كل واحد أرش كامل أم يوزع عليهم قال الإمام وهذا الثاني أقرب وبالأول قطع البغوي. فرع ما ذكرنا أنه يحلق شعر رأس الشاج عند الاقتصاص مفروض فيما إذا كان لكل منهما شعر فإن لم يكن للشاج شعر فلا حلق وإن لم يكن على رأس المشجوج شعر وكان على رأس الشاج شعر لم يمكن من القصاص لما فيه من إتلاف شعر لم يتلفه نص عليه في الأم ولا يضر التفاوت في خفة الشعر وكثافته. فرع لو شك هل أوضح بالشجة أم لا لم يقتص مع الشك ويبحث عن الحال بمسمار حتى يعرف ويشهد به شاهدان أو يعترف به الجاني لأن حكم الإيضاح يتعلق بالانتهاء إلى العظم حتى لو غرز إبرة فانتهت إلى العظم كان ذلك موضحة وإن كان لا يظهر العظم للناظر. التفاوت الثاني في الصفات التي يؤثر التفاوت فيها وفيه مسائل إحداها مطلق التفاوت لا يؤثر بل تقطع اليد البيضاء بالسوداء والسليمة بالبرصاء ويد الصانع بيد الأخرق. الثانية لا تقطع يد أو رجل صحيحة بشلاء وإن رضي به الجاني وإنما الواجب في الطرف الأشل الحكومة كما لا يقتل الحر بالعبد والمسلم بالذمي وإن رضي الجاني فلو خالف المجني عليه وقطع الصحيحة لم تقع قصاصاً بل عليه نصف الدية ولو سرى فعليه القصاص في النفس فإن كان قطع بإذن الجاني فلا قصاص عند السراية لأنه بإذنه ثم ينظر إن قال الجاني اقطع يدي وأطلق جعل المجني عليه مستوفياً لحقه ولم يلزمه شيء وإن قال اقطعها عوضاً عن يدك أو قصاصاً فوجهان أحدهما وبه قطع البغوي أن على المجني عليه نصف الدية وعلى الجاني الحكومة لأنه لم يبذلها مجاناً والثاني لا شيء على المجني عليه وكأن الجاني أدى الجيد عن الرديء وقبضه المستحق. الثالثة اليد الشلاء والرجل الشلاء هل تقطعان بالصحيحتين وجهان أحدهما لا لأن الشرع لم يرد بالقصاص فيها والثاني وهو الصحيح الذي عليه الأصحاب أنه يراجع أهل البصر فإن قالوا لو قطعت لم ينسد العروق بالحسم ولم ينقطع الدم لم تقطع بها وتجب دية يده وإن قالوا تنقطع فله قطعها وتقع قصاصاً كقتل الذمي بالمسلم وليس له أن يطلب بسبب الشلل أرشاً. الرابعة هل تقطع الشلاء بالشلاء وجهان أحدهما لا لأن الشلل علة والعلل يختلف تأثيرها في البدن والثاني وهو الصحيح الذي قطع به الجمهور أنهما إن استويا في الشلل أو كان شلل يد القاطع أكثر قطعت بها والشرط أن لا يخاف نزف الدم كما ذكرنا وإن كان الشلل في يد المقطوع أكثر لم يقطع بها. قال الشيخ أبو محمد المراد بالشلل في اليد والرجل زوال الحس والحركة وقال الإمام لا يشترط زوال الحس بالكلية وإنما الشلل بطلان العمل. الخامسة لا أثر لتفاوت البطش بل تقطع يد القوي بيد الشيخ الذي ضعف بطشه لكن لو كان النقص بجناية بأن ضرب رجل يده فنقص بطشها وألزمناه الحكومة ثم قطع تلك اليد كاملة البطش فقد حكى الإمام أنه لا قصاص وأنه لا تجب دية كاملة على الأصح وهذا كما سبق أن من صار إلى حالة المحتضر بلا جناية لو حز إنسان رقبته لزمه القصاص ولو انتهى إلى تلك الحالة بجناية فلا قصاص على حازه. السادسة تقطع يد السليم ورجله بيد الأعسم ورجل الأعرج لأنه لا خلل في اليد والرجل والعسم تشنج في المرفق أو قصر في الساعد أو العضد. السابعة لا اعتبار بإخضرار الأظفار واسودادها وزوال نضارتها فإنها علة ومرض في الأظفار والطرف السليم يستوفى بالعليل وأما التي لا أظفار لها فالصحيح الذي ذكره العراقيون وغيرهم أنه لا تقطع بها سليمة الأظفار وأنها تقطع بالسليمة وكذا حكاه الإمام عنهم ونسبه إلى النص لكن عن الشيخ أبي حامد وغيره أنه تكمل فيها الدية وللإمام احتمال في جريان القصاص وإن عدمت الأظفار لأنها زوائد ولو لم يجر القصاص لما تمت دية اليد والأصبع الساقط ظفرها وقال الثامنة لا تقطع يد صحيحة بيد فيها أصبع شلاء ولا تقطع من الكوع يد مسبحتها شلاء بيد وسطاها شلاء فإن استويا في الشلل فهما كالشلاوين. التاسعة إذا قطع سليم اليد يدا شلاء ثم شلت يده فعن القفال أنه خرج في الاقتصاص منه قولين ثم رجع وقطع بالمنع وهو الذي رآه الإمام مذهباً والمذكور في التهذيب أنه يقتص منه وكذا لو قطع يداً ناقصة أصبعاً ثم سقطت تلك الأصبع من القاطع بخلاف ما لو قطع حر ذمي يد عبد ثم نقض العهد وسبي واسترق لا يقطع ولو قتله لا يقتل وفرق بأن القصاص هناك سقط لعدم الكفاءة والكفاءة تراعى حال الجناية والامتناع هنا لزيادة حسية في يد القاطع والاعتبار فيها بحال الاستيفاء فإذا زالت قطع ولهذا لو قطع الأشل يداً شلاء ثم صحت يد القاطع لا يقتص منه لوجود الزيادة عند الاستيفاء قال وكذا اليد ذات الأظفار لا تقطع بما لا أظفار لها فلو سقطت أظفار القاطع قطعت بها والتي لا أظفار لها تقطع بمثلها فلو نبتت أظفار القاطع لم تقطع لحدوث الزيادة. العاشرة يجب في قطع الذكر وفي قطع الأنثيين وإشلالها القصاص سواء قطع الذكر والأنثيين معاً أو قدم الذكر أو الأنثيين ولو دق خصييه ففي التهذيب أنه يقتص بمثله إن أمكن وإلا وجبت الدية ويشبه أن يكون الدق ككسر العظام ولو قطع أو أشل إحدى الأنثيين وقال أهل البصر يمكن القصاص من غير إتلاف الأخرى اقتص وذكر الروياني أن الماسرجسي قال إنه ممكن وإنه وقع في عهده لرجل من أهل فراوة والقول في قطع الذكر الصحيح بالأشل وبالعكس والأشل بالأشل على ما ذكرنا في اليد والرجل وشلل الذكر أن يكون منقبضاً لا ينبسط أو منبسطاً لا ينقبض هذه عبارة الجمهور وقيل هو الذي لا يتقلص في البرد ولا يسترسل في الحر وهو بمعنى العبارة الأولى ولا اعتبار بالانتشار وعدمه ولا بالتفاوت في القوة والضعف بل يقطع ذكر الفحل الشاب بذكر الخصي والشيخ والصبي والعنين لأنه لا خلل في نفس العضو وإنما تعذر الانتشار لضعف في القلب أو الدماغ وسواء الأقلف والمختون. الحادية عشرة تقطع أذن السميع بأذن الأصم وبالعكس وهل تقطع الأذن الصحيحة بالمستحشفة قولان أظهرهما نعم لبقاء الجمال والمنفعة من جمع الصوت ورد الهوام بخلاف اليد الشلاء وبيان الاستحشاف يأتي في الديات إن شاء الله تعالى وسواء المثقوبة وغيرها إذا كان الثقب للزينة ولم يورث شيناً ونقصاً فإن أورث نقصاً فلتكن المثقوبة كالمخرومة ولا تقطع صحيحة بمخرومة وهي التي قطع بعضها ولكن يقطع منها بقدر ما كان بقي من المخرومة وهذا إذا قلنا يجب القصاص في بعض الأذن كما سبق فإن شقت ولم يبن منها شيء فنقل الإمام عن العراقيين أنه لا تقطع الصحيحة بها أيضاً لفوات الجمال قال ولست أرى الأمر كذلك لبقاء الجرم بصفة الصحة. وتقطع المخرومة بالصحيحة ويؤخذ من الدية بقدر ما ذهب من المخرومة وسواء في المثقوبة والمخرومة المرأة والرجل. الثانية عشرة يقطع أنف الصحيح بأنف الأخشم لأن الشم ليس في جرم الأنف وهل يقطع الأنف السليم بالمجذوم قال البغوي إن كان في حال الاحمرار قطع به وإن اسود فلا قصاص لأنه دخل في حد البلى وإنما تجب فيه الحكومة ولم يفرق الجمهور بين الاحمرار والاسوداد وقالوا يجب القصاص ما لم يسقط منه شيء فإن سقط لم يقطع به الصحيح لكن يقطع منه ما كان بقي من المجني عليه إن أمكن وإن كان بأنف الجاني نقص كنقص المجذوم جرى القصاص وفيه وجه قال الإمام هو غلط. الثالثة عشرة لا تؤخذ العين السليمة بالحدقة العمياء والصورة القائمة من الحدقة كاليد الشلاء وتؤخذ القائمة بالصحيحة إذا رضي المجني عليه ويقطع جفن البصير بجفن الأعمى لتساوي الجرمين وفقد البصر ليس في الجفن. الرابعة عشرة لا يقطع لسان ناطق بأخرس ويجوز العكس برضى المجني عليه ويقطع لسان المتكلم بلسان الرضيع إن ظهر فيه أثر النطق بالتحريك عند البكاء وغيره وإلا فلا فإن بلغ أوان التكلم ولم يتكلم لم يقطع به المتكلم. قطع أذن شخص فألصقها المجني عليه في حرارة الدم فالتصقت لم يسقط القصاص ولا الدية عن الجاني لأن الحكم يتعلق بالإبانة وقد وجدت ثم ذكر الشافعي والأصحاب رحمهم الله أنه لا بد من قطع الملصق لتصح صلاته وسببه نجاسة الأذن إن قلنا ما يبان من الآدمي نجس وإلا فسببه الدم الذي ظهر في محل القطع فقد ثبت له حكم النجاسة فلا تزول بالاستبطان ويجيىء فيه ما سبق في كتاب الصلاة في الوصل بعظم نجس والتفصيل بين أن ينبت اللحم على موضع النجاسة أو لا ينبت وبين أن يخاف التلف من القطع أو لا يخاف ولو قطعها قاطع فلا قصاص عليه لأنها مستحقة الإزالة وإن لم يوجب إزالتها لخوف التلف مثلاً فلو سرى قطع القاطع إلى النفس حكى الإمام عن المحققين أن عليه القصاص قال ولا يبعد خلافه ثم هي وإن كانت مستحقة الإزالة فليس للجاني أن يقول أزيلوها ثم اقطعوا أذني لأن إزالتها من باب الأمر بالمعروف لا اختصاص له به والنظر في مثله إلى الإمام ولو اقتص المجني عليه فألصق الجاني أذنه فالقصاص حاصل بالإبانة وأما قطع ما ألصق فلا يختص به المجني عليه ولو قطع بعض أذنه ولم يبنه ففي القصاص في ذلك القدر خلاف سبق وذلك إذا بقي غير ملتصق فأما إذا ألصقه المجني عليه فالتصق فيسقط القصاص والدية عن الجاني ويرجع المجني عليه إلى الحكومة كالإفضاء إذا اندمل يسقط الدية ولذلك نقول لو جاء رجل وقطع الأذن بعد الالتصاق لزمه القصاص أو الدية الكاملة هذا هو الصحيح المنصوص وقيل لا يسقط القصاص في القدر المقطوع كما لا يسقط قصاص الموضحة بالاندمال ولا يجب قطع الملصق قبل تمام الإبانة وهكذا أطلقوه وفيه نظر إن عللنا بظهور الدم ولو استأصل أذنه وبقيت معلقة بجلدة وجب القصاص بلا خلاف فلو ألصقها المجني عليه لم يجب قطعها وفي سقوط القصاص عن الجاني هذا الخلاف ولو أبان أذنه فقطع المجني عليه بعض أذنه مقتصاً فألصقه الجاني فللمجني عليه أن يعود ويقطعه لاستحقاقه الإبانة. فرع ربط السن المقلوعة في مكانها وثبوتها كإلصاق الأذن المقطوعة فيما ذكرناه.
وإنما يجب إذا قلعها فلو كسرها فلا قصاص كذا ذكره البغوي وغيره وحكى ابن كج عن نصه في الأم أنه إذا كسر بعض سنه يراجع أهل الخبرة فإن قالوا يمكن استيفاؤه بلا زيادة ولا صدع في الباقي اقتص منه وبهذا قطع صاحب المهذب ولا تؤخذ السن الصحيحة بالمكسورة وتؤخذ المكسورة بالصحيحة مع قسط الذاهب من الأرش وتؤخذ الزائدة بالزائدة بالشرط السابق ولو قلع سن رجل وليس للجاني تلك السن فلا قصاص وتؤخذ الدية فلو نبت فرع إذا قلع مثغور وهو الذي سقطت رواضعه سن صبي لم يثغر فلا قصاص في الحال ولا دية لأنها تعود غالباً فإن نبتت فلا قصاص ولا دية ولكن عليه الحكومة إن نبتت سوداء أو معوجة أو خارجة عن سمت الأسنان أو بقي شين بعد النبات وإن نبتت أطول مما كانت أو نبت معها سن شاغية فكذلك على الأصح وإن نبتت أقصر مما كانت وجب بقدر النقص من الأرش وإن جاء وقت نباتها بأن سقط سائر الأسنان وعادت ولم تنبت المقلوعة أريناه أهل الخبرة فإن قالوا يتوقع نباتها إلى وقت كذا توقفنا تلك المدة فإن مضت ولم تنبت أو قالوا فسد المنبت ولا يتوقع النبات وجب القصاص على المذهب وبه قطع الأصحاب وحكى الغزالي فيه قولين لأن سن الصغير ناقصة ولم يذكر الخلاف غير الغزالي ثم إذا أوجبنا القصاص فالاستيفاء إنما يكون بعد البلوغ فإن مات الصبي قبل بلوغه اقتص وارثه في الحال أو أخذ الأرش وإن مات قبل حصول اليأس وقبل تبين الحال فلا قصاص وفي الأرش وجهان يأتيان في الديات إن شاء الله تعالى. فرع قلع مثغور سن مثغور وجب القصاص فلو نبت سن المجني عليه ففي سقوط القصاص قولان أحدهما يسقط لأن العائد قائم مقام الأول كما في غير المثغور وأظهرهما لا يسقط لأن هذا هبة جديدة من الله تعالى وعلى القولين لا ننتظر العود بل للمجني عليه أن يقتص أو يأخذ الدية في الحال وقيل يراجع أهل الخبرة فإن قالوا قد يعود إلى مدة كذا انتظر تلك المدة ويكون الحكم كما ذكرنا في غير المثغور ولو التأمت الموضحة والتحمت لم تسقط الدية ولا القصاص لأن العادة فيها الالتحام وكذا حكم الجائفة وعن صاحب التقريب وجه أنها إذا التحمت زال حكمها ورأى الإمام تخصيص هذا الوجه على ضعفه بما إذا نفذت الحديدة إلى الجوف وحصل خرق من غير زوال لحم دون ما إذا زال شيء ونبت لحم جديد ورأى طرده في مثلها في الموضحة ولو قطع لساناً فنبت ففي سقوط القصاص طريقان أحدهما قولان كالسن والمذهب القطع بالمنع لأن عوده بعيد جداً فهو هبة محضة وجنس السن معتاد العود التفريع على القولين في عود السن فإذا اقتص المجني عليه أو أخذ الأرش ثم نبتت سنه فليس للجاني قلعها وهل يسترد الأرش إن كان المجني عليه أخذه وجهان أو قولان إن قلنا العائد كالأول استرد وإن قلنا هبة فلا وإن كان المجني عليه اقتص فهل يطالبه الجاني بأرش السن يبنى على الخلاف وقال ابن سلمة لا يطالب هنا قطعاً لتعذر استرداد القصاص وهذا ضعيف ولو تعدى الجاني فقلع العائد وقد اقتص منه فإن قلنا العائد كالأول لزمه الأرش بهذا القلع لتعذر القصاص وقد وجب له على المجني عليه الأرش بالعود ففيه الكلام في التقاص وإن جعلناه هبة لزمه الأرش بالقلع الثاني وعلى هذا القول لو لم يقتص منه أولاً وأخذ الأرش فللمجني عليه أن يقتص للقلع الثاني فلو لم يكن اقتص للأول ولا أخذ الأرش لزمه قصاص وأرش أو أرشان بلا قصاص أما إذا اقتصصنا من الجاني فعاد سنه دون المجني عليه فإن قلنا العائد كالأول فهل للمجني عليه القلع ثانياً وجهان أحدهما لا لأنه قابل قلعا بقلع فلا تثنى عليه العقوبة لكن له الأرش لخروج القلع الأول عن كونه قصاصاً وكأنه تعذر القصاص بسبب والثاني نعم لأن الجاني أفسد منبته فيكرر عليه حتى يفسد منبته وإن قلنا هبة فلا شيء للمجني عليه وقد استوفى حقه بما سبق وهذا هو الأظهر ولو اقتص فعاد سن الجاني والمجني عليه معاً فلا شيء لواحد منهما على الآخر باتفاق القولين. فرع قلع غير مثغور سن مثغور قال ابن كج للمجني عليه أن يأخذ الأرش إن شاء ويقتص إن شاء وليس له مع القصاص شيء آخر كما في أخذ الشلاء بالصحيحة هذا إذا كان غير المثغور بالغاً وإلا فلا قصاص وفي أمالي أبي الفرج أنه يقال له إن قلعت سنه الآن فالظاهر منها العود فاصبر إلى أن يصير مثغوراً فإن استعجل أجيب وشرط عليه أن لا حق له فيما يعود. قلع غير مثغور سن غير مثغور فلا قصاص في الحال فإن نبتت فلا قصاص ولا دية وإن لم تنبت وقد دخل وقته فالمجني عليه يأخذ الأرش أو يقتص فإن اقتص ولم يعد سن الجاني فذاك وإن عادت فهل يقلع ثانياً وجهان أصحهما نعم قاله الإمام. التفاوت الثالث في العدد وفيه مسائل. إحداها قطع يداً كاملة الأصابع ويد الجاني ناقصة أصبعاً فللمجني عليه أن يأخذ دية اليد وله أن يقطع اليد الناقصة ويأخذ الأرش للأصبع ولو كانت ناقصة أصبعين فله قطع يده وأرش أصبعين ولو قطع أصبعين وله أصبع واحدة فللمجني عليه قطع الموجودة وأرش المفقودة ولو قطع أصبعاً صحيحة وتلك الأصبع منه شلاء فأراد المجني عليه قطع الشلاء وأخذ شيء للشلل لم يكن له. الثانية إذا كان النقص في يد المجني عليه بأن قطع السليم ناقصة بأصبع فليس للمجني عليه قطع اليد الكاملة لكن له أن يلتقط الأصابع الأربع وله أخذ ديتها فإن التقطها فقد ترك كف الجاني مع قطعه كفه فله حكومة خمس الكف وهو ما يقابل منبت أصبعه الباقية وهل له حكومة أربعة أخماسها وجهان أحدهما لا بل تدخل تحت قصاص الأصابع كما تدخل تحت ديتها وأصحهما نعم لأن القصاص ليس من جنسها ويجري الوجهان فيما إذا كانت يد الجاني زائدة بأصبع ويد المجني عليه معتدلة فلقط الخمس لتعذر القطع من الكوع بسبب الزائدة وهل تدخل حكومة الكف تحت قصاص الخمس ولو أخذ دية الأصابع الأربع في الصورة الأولى دخلت حكومة منابتها فيها على الصحيح وقيل لا تدخل بل تختص قوة الاستتباع بالكل وأما حكومة الخمس الباقي من الكف فتجب على الصحيح وحكي وجه أن كل أصبع تستتبع الكف كما تستتبعها كل الأصابع. الثالثة إذا قطع كفاً لا أصابع لها فلا قصاص إلا أن تكون كف القاطع مثلها ولو قطع صاحب هذه الكف يد سليم فله قطع كفه ودية الأصابع حكاه ابن كج عن النص. الرابعة إذا كان على يد الجاني أصبعان شلاوان ويد المجني عليه سليمة فإن شاء قطع يده وقنع بها وإن شاء لقط الثلاث السليمة وأخذ دية أصبعين وفي استتباع الثلاث حكومة منابتها واستتباع دية الأصبعين حكومة منبتهما الخلافان السابقان ولو كانت يد الجاني سليمة ويد المعني عليه فيها أصبعان شلاوان لم يجب القصاص من الكوع ولكن للمجني عليه قطع الثلاث السليمة وحكومة الشلاوين ويعود الخلاف في استتباع القصاص في الثلاث حكومة منابتها وفي استتباع حكومة الشلاوين حكومة منبتهما وجهان أصحهما عند الإمام والغزالي والبغوي المنع وهو ظاهر نصه في المختصر والثاني أنه يستتبع وبه قطع العراقيون. الخامسة قطع كفاً لها أصبع فقط خطأ وجبت دية تلك الأصبع والصحيح أنه تدخل حكومة منبتها فيها وأنه يجب حكومة باقي الكف وعلى الوجه المحكي في آخر المسألة الثانية لا حكومة أصلاً فرع في التهذيب أنه لو كانت أصابع إحدى يديه وكفها أقصر من الأخلاى فلا قصاص في القصيرة لأنها ناقصة وفيها دية ناقصة بحكومة. السادسة سبق أن الزائد من الأعضاء يقطع بالزائد إذا اتحد المحل وذكرنا خلافاً في اشتراط التساوي في الحجم فلو فرض شخصان لكل منهما أصبع زائدة قطع أحدهما زائدة الآخر اقتص منه إذا حصل شرطه وكذا لو قطع أحدهما يد الآخر ولو قطع المعتدل يداً لها أصبع زائدة قطع وأخذ منه حكومة للزائدة سواء كانت معلومة بعينها أم لا وإن شاء المجني عليه أخذ دية اليد وحكومة الزائدة ولو قطع صاحب الأصابع الست يد معتدل لم تقطع يده من الكوع إلا أن تكون الزائدة نابتة في الأصابع وللمجني عليه لقط الخمس الأصليات ويعود الوجهان في استتباع قصاصها حكومة الكف فإن كانت الزائدة بجنب أصلية بحيث لو قطعت الأصلية سقطت الزائدة لم تقطع بل يقتصر على قطع الأربع ويأخذ دية الخامسة ولو كانت نابتة على أصبع وأمكن قطع بعضها مع الأربع بأن كانت نابتة على الأنملة الوسطى من أنمله قطعت الأنملة العليا مع الأربع وأخذ ثلثا دية أصبع هذا إذا كانت في الست زائدة معلومة بعينها أما إذا كانت الست كلها أصلية بأن انقسمت القوة في الست على ستة أجزاء متساوية في القوة والعمل بدلاً عن القسمة على خمسة أجزاء فللمجني عليه أن يلتقط منها خمساً على الولاء من أي جانب شاء هكذا أطلق ولك أن تقول إن لم تكن الست على تقطيع الخمس المعهودة فهذا قريب وإن كانت على تقطيعها فمعلوم أن صورة الابهام من الخمس تباين صورة باقيها فإن كانت التي تشبه الإبهام على طرف فينبغي أن يلقط الخمس من ذلك الجانب وإن وقعت ثانية وكانت التي تليها على الطرف كالملحقة بها فينبغي أن يلقط الخمس من الجانب الآخر قال الإمام ويختلج في النفس أن يقال ليس له لقط الخمس لوقوع الست على نظم يخالف نظم الخمسة المعتدلة ثم إنه لا يستكمل حقه بقطع الخمس لأنها خمسة أسداس اليد فله مع ذلك سدس الدية لكن يحط من السدس شيء لأن الخمس الملقوطة وإن كانت خمسة أسداس فهي في الصورة كالخمس المعتدلة وتقدير المحطوط إلى رأي المجتهد ولو بادر المقطوع فقطع الست قال البغوي يعزر ولا شيء عليه ولو قيل يلزمه شيء لزيادة الصورة لم يبعد ولو قطع صاحب الست أصبعاً لمعتدل قطعت أصبعه وأخذ ما بين خمس دية اليد وسدسها وهو بعير وثلثا بعير لأن خمسها عشرة وسدسها ثمانية وثلث وقياس ما سبق أن يقال يحط من قدر التفاوت شيء ولو قطع معتدل اليد اليد الموصوفة قطعت يده وأخذ منه شيء للزيادة المشاهدة كذا حكاه الإمام وغيره ولو قطع أصبعاً لم يقتص لما فيه من استيفاء خمس سدس ولكن يأخذ منه سدس دية اليد ولو قطع أصبعين قطع منه أصبع وأخذ ما بين ثلث دية اليد وخمسها وهو ستة أبعرة وثلثان ولو قطع ثلاثاً قطع منه أصبعان وأخذ ما بين نصف دية لايد وخمسيها وهو خمسة أبعرة ولو بادر المجني عليه وقطع بأصبعه المقطوعة أصبعاً منها قال الإمام هو كمن قطع يداً شلاء فابتدر المجني عليه وقطع بها الصحيحة. المسألة السابعة إذا قطع صاحب الست يد معتدل وقال أهل البصر نعلم أن واحدة من الست زائدة وهي ملتبسة فليس للمجني عليه قطع الخمس لأن الزائدة لا تقطع بالأصلية عند اختلاف المحل ولا يؤمن أن تكون الزائدة هي إحدى المستوفيات ولو بادر وقطع خمساً عزر ولا شيء له ولا شيء عليه لاحتمال أن المقطوعات أصليات وإن بادر وقطع الكل فعليه حكومة للزائدة وإن قال أهل البصر لا ندري أهي كلها أصليات أم خمس منها أصلية وواحدة زائدة فلا قصاص أيضاً فلو قطع جميعها أو خمساً منها عزر ولا شيء له ولا عليه لأنه إن قطع الكل احتمل أنهن أصليات وإن قطع خمساً احتمل أن الباقية زائدة. الثامنة في الزائدة من الأنامل قد أجرى الله سبحانه وتعالى العادة أن كل أصبع سوى الإبهام منقسمة ثلاثة أقسام وهي الأنامل الثلاث فلو انقسمت على خلاف العادة أصبع بأربع أنامل فلها حالان أحدهما أن تكون الأربع أصلية عند أهل البصر وقد يستدل عليه بأن تكون غير مفرطة الطول وتناسب باقي الأصابع فإذا قطع صاحبها أنملة لمعتدل قطعت منه أنملة لكن لا يتم بها حق المجني عليه لأن أنملته ثلث الأصبع وهذه ربعها فيطالب بما بين الربع والثلث من دية أصبع وهو خمس أسداس بعير وإن قطع أنملتين قطعنا منه أنملتين وطالبناه بما بين نصف دية الأصبع وثلثها وهو بعير وثلثا بعير وإن قطع أصبع معتدل بتمامها فهل يقطع أصبعه بها وجهان أحدهما نعم وبه قطع الغزالي والروياني وصححه الإمام وأصحهما عند البغوي المنع فعلى هذا يقطع ثلاث أنامل هي ثلاثة أرباع حصته ويطالب بالتفاوت بين جميع الدية وثلاثة أرباعها وهو بعيران ونصف ولو بادر المجني عليه وقطع أصبعه عزر ولا شيء عليه ولو قطع معتدل أنملة من له هذه الأصبع لم تقطع أنملته لكن يؤخذ منه ربع دية أصبع ولو قطع أنملتين فللمجني عليه أن يقطع منه أنملة ويأخذ بعيراً وثلثين ولو قطع ثلاث أنامل فله أن يقطع أنملتين ويأخذ خمسة أسداس بعير ولو قطع الأصبع بتمامها قطعت أصبعه ولم يلزمه شيء آخر هكذا ذكره الإمام والروياني. الحال الثاني أن تكون الأنملة العليا زائدة خارجة عن أصل الخلقة فإن قطع صاحبها أصبع معتدل لم يقطع أصبعه لما فيها من الزيادة وتؤخذ منه الدية ولو قطعها معتدل قطعت أصبعه وأخذت منه حكومة للزائدة وتختلف الحكومة بكون الزائدة عاملة أم لا ولو قطع المعتدل أنملة منها فلا قصاص وعليه الحكومة ولو قطع أنملتين قطع منه أنملة وأخذت الحكومة للزائدة ولو قطع ثلاثاً قطعت منه أنملتان وأخذت الحكومة. فرع لو كان لأنملة طرفان أحدهما أصلي عامل والآخر زائد غير عامل ففي الأصل القصاص والأرش الكامل وفي الآخر الحكومة ولو قطع صاحبها أنملة معتدل قطع منه الأصلي إن أمكن إفراده وإن كانا عاملين مشتدين قال الإمام القول فيهما قريب من القول في الأصابع الست الأصليات وإن قطع المعتدل أحد الطرفين لم تقطع أنملته وإن قطعهما معاً قطعت أنملته ولزمه لزيادة الخلقة شيء وإن قطع صاحبها أنملة معتدل لم يقطع طرفاً أنملته بل يختار المقطوع أحدهما فيقطعه ويأخذ معه نصف الأرش ويحط منه شيء هذا كله إذا نبت طرفاً تلك الأنملة على رأس الأنملة الوسطى فلو لقي رأسها عظم ثم انشعب الطرفان من ذلك العظم فإن لم يكن مفصل بين العظم وبينها فليس ذلك موضع القصاص وإن كان لكل طرف مفصل هناك فالعظم الحائل بين الشعبتين والأنملة الوسطى أنملة أخرى وهي أصبع لها أربع أنامل والعليا منها ذات طرفين ولو كان على الساعد كفان أو على الساق قدمان فحكمه كالأنملتين على رأس أصبع. المسألة التاسعة لو كانت أصبع ليس لها إلا أنملتان وهي تناسب سائر الأصابع في الطول فللإمام فيه احتمالان أحدهما ليست أصبعاً تامة وإنما هي أنملتان وأصحهما انها أصبع تامة لكنها ذات قسمين كما لو كان لها أربع أنامل كانت أصبعاً ذات أربع أقسام ولو وجدت أصبع لا مفصل لها قال الإمام الأرجح عندي نقصان شيء من الدية لأن الانثناء إذا زال سقط معظم منافع الأصبع وقد ينجر هذا إلى أن لا تقطع أصبع السليم بها. العاشرة سليم اليد قطع الأنملة الوسطى من فاقد العليا فلا سبيل إلى الاقتصاص مع بقاء العليا فإن سقطت بآفة أو جناية اقتص من الوسطى وللقفال احتمال أنه لا يقتص ومثله لو قطع السليم كفاً لا أصابع لها فحكمه ما ذكرنا فلو بادر المجني عليه فقطع الوسطى مع العليا فقد تعدى وعليه أرش العليا ولو أراد طلب أرش الوسطى في الحال للحيلولة فليس له ذلك على الصحيح إلا أن يعفو ولو كانت العليا مستحقة القطع قصاصا فليس له أيضاً طلب أرش الوسطى من غير عفو على الأصح وقيل له لأن استيفاء القصاص مرتقب ومن صور استحقاق العليا بالقصاص ما نص عليه في المختصر وهو أن تقطع الأنملة العليا من رجل والوسطى من آخر فاقد للعليا فلصاحب العليا القصاص فيها أولاً وإن كان قطعه متأخراً فإن طلب القصاص اقتص ويمكن مستحق الوسطى من استيفائها قال أبو بكر الطوسي ولو اتفقا على وضع الحديدة على مفصل الوسطى واستوفيا الأنملتين بقطعة واحدة جاز وقد هونا الأمر عليه وإن لم يطلب صاحب العليا القصاص صبر صاحب الوسطى أو عفا. فرع قطع الأنملة العليا لرجل والعليا والوسطى لغيره نظر إن سبق قطع الأنملة فلصاحبها الاقتصاص فيها ويتخير الآخر بين أن تقطع الوسطى ويأخذ دية العليا وبين أن يعفو ويأخذ ديتهما ولو بادر صاحب الأنملتين فقطعهما كان مستوفياً لحقه ويأخذ الآخر دية العليا من الجاني.
المستحب في قصاص الجروح والأطراف التأخير إلى الاندمال فلو طلب المستحق الاقتصاص في الحال مكن منه على المذهب والمنصوص ولو طلب الأرش لم يمكن منه على المذهب والمنصوص لأن القصاص في تلك الجراحة ثابت وإن سرت إلى النفس أو شاركه غيره في الجرح وأما المال فلا يتقدر فقد تعود الديتان في اليدين والرجلين إلى واحدة بالسراية إلى النفس وقد يشاركه جماعة فيقل واجبه وقيل في التعجيل في المال والقصاص قولان فإن قلنا يعجل المال ففي قدر المعجل وجهان أحدهما تعجل أروش الجراحات وديات الأطراف وإن كثرت فإن حصلت سراية استرد والثاني لا يعجل إلا دية نفس لاحتمال السراية. قلت الثاني الأصح والله أعلم.
فيه مسائل إحداها قد ملفوفاً في ثوب نصفين وقال كان ميتاً وقال الولي كان حياً فأيهما يصدق قولان أظهرهما الولي وقيل يفرق بين أن يكون ملفوفاً على هيئة التكفين أو في ثياب الأحياء قال الإمام وهذا لا أصل له ويجري القولان فيما لو هدم عليه بيتاً وادعى أنه كان ميتاً وأنكر الولي وسواء قلنا المصدق الولي أو الجاني فللولي أن يقيم بينة بحياته ويعمل بها وللشهود أن يشهدوا بالحياة إذا كانوا رأوه يتلفف في الثوب ويدخل البيت وإن لم يتيقنوا حياته حالة القد والانهدام استصحاباً لما كان ولكن لا يجوز أن يقتصروا على أنهم رأوه يدخل البيت ويتلفف في الثوب ذكره البغوي وغيره. قلت: وإذا صدقنا الولي بلا بينة فالواجب الدية دون القصاص ذكره المحاملي والبغوي وقال الثانية: قتل شخصاً وادعى رقه وقال قريبه: كان حراً فالنص أن القول قول القريب ونص أنه لو ادعى رق المقذوف فقيل بظاهر النصين والأصح أن فيهما قولين أظهرهما: تصديق القريب لأن الغالب والظاهر الحرية ولهذا حكمنا بحرية اللقيط المجهول. الثالثة: قطع طرفه وادعى نقصه بشلل في اليد أو الرجل أو الذكر أو فقد أصبع أو بخرس أو عمى وأنكره المجني عليه ففيه نصوص وطرق مختصرها أربعة أقوال أحدها يصدق المجني عليه والثاني الجاني والثالث يصدق المجني عله إلا في العضو الظاهر عند إنكار أصل السلامة لأنه يمكن إقامة البينة ما سواه وإذا صدقنا الجاني احتاج المجني عليه إلى بينة بالسلامة ثم الأصح أنه يكفي قول الشهود كان صحيحاً ولا يشترط تعرضهم لوقت الجناية وقيل إن شهدوا بالسلامة عند الجناية كفى ولا يحتاج معها الى يمين وإن شهدوا أنه كان سليماً احتاج معها الى اليمين لجواز حدوث النقص ثم تجوز الشهادة بسلامة العين إذا رأوه يتبع بصره زمناً طويلاً ويتوقى المهالك ولا يجوز بأن يروه يتبعه بصره زمناً يسيراً لأنه قد يوجد من الأعمى وكذلك تجوز الشهادة بسلامة اليد والذكر برؤية الانقباض والانبساط. فرع الاختلاف في أصل العضو إذا اختلفا في أصل العضو فقيل بإطلاق الخلاف في أن المصدق أيهما وأنكر الإمام هذا وقال من أنكر أصل العضو أنكر الجناية عليه فيقطع بتصديقه وإنما الخلاف إذا اختلفا في صحته ومنه ما إذا قطع كفه واختلفا في نقص أصبع وليس منه ما إذا ادعى المقطوع قطع الذكر والأنثيين وقال الجاني لم أقطع إلا أحدهما. الرابعة قطع يديه ورجليه ومات فقال الجاني مات بالسراية فعلي دية وقال الولي بل مات بعد الاندمال فعليك ديتان نظر إن لم يمكن الاندمال في تلك المدة لقصرها كيوم ويومين فالقول قول الجاني بلا يمين وقيل بيمين قاله الشيخ أبو حامد لاحتمال الموت بعارض كحية وسم مذفف والصحيح الأول لأن الاختلاف في الاندمال فقط فلا ينظر إلى غيره وإن أمكن الاندمال في تلك المدة ففيه أوجه أصحها أن القول قول الولي بيمينه وبهذا قطع الأكثرون والثاني إن مضت مدة طويلة لا يمكن أن تبقى الجراحة فيها غير مندملة صدق الولي بلا يمين وإلا فيمين قطع به ابن الصباغ والروياني والثالث إن كان احتمال الاندمال مع إمكانه بعيداً صدق الجاني بيمينه وإلا فالولي وادعى الإمام اتفاق الأصحاب عليه وليس كما ادعى ولو اختلفا في مضي زمن الاندمال صدق الجاني لأن الأصل أنه لم يمض ولو قال الجاني مات بالسراية أو قتلته أنا قبل الاندمال وقال الولي بل مات بسبب آخر بأن قال قتل نفسه أو قتله آخر أو شرب سماً موحياً فأيهما يصدق وجهان أصحهما الولي لأن الأصل بقاء الديتين بالجنايتين والأصل عدم السبب الآخر ولو اقتصر الولي على أنه مات بسبب آخر ولم يعينه قال الصيدلاني لا يلتفت إلى قوله إن قصر الزمان ولم يمكن فيه الاندمال فإن أمكن فإن صدقناه بيمينه ولم نحوجه إلى بينة قبل قوله وحلف أنه مات بسبب آخر وإن لم نصدقه وأحوجناه إلى البينة فلا بد من التعيين لتصور إقامة البينة قال الإمام ولا يبعد طرد الوجهين وإن لم يمكن الاندمال ولو اتفقا على أن الجاني قتله لكن قال قتلته قبل الاندمال فعلى دية وقال الولي بل بعده فعليك ثلاث ديات والزمان محتمل للإندمال صدق الولي في بقاء الديتين والجاني في نفي الثالثة ويجيء وجه أنه يصدق الجاني مطلقاً. فرع قطع إحدى يديه ومات لو قطع إحدى يديه ومات فقال الجاني مات بسبب آخر فعلي نصف الدية وقال الولي مات بالسراية فعليك دية فأيهما يصدق وجهان أصحهما الولي ولو قال الجاني مات بعد الاندمال فعلي نصف دية وقال الولي مات بالسراية والزمن محتمل للاندمال فالمصدق الجاني على الأصح ولو اختلفا في مضي زمن الإمكان فالمصدق الولي لأن الأصل عدم المضي ولو قتله الجاني بعد القطع وقال قتلته قبل الاندمال فعلي دية وقال الولي بعده فعليك دية ونصف فالمصدق الجاني. جرحه بقطع يد أو غيره فمات فقال الجاني حز آخر رقبته فليس علي قصاص النفس وقال الولي بل مات بسراية جرحك فأيهما يصدق وجهان أصحهما الولي وبه قطع الداركي. ولو قال الولي مات بالسراية وقال الجاني مات بعد الاندمال قال الإمام إن طالت المدة وكان الظاهر الاندمال صدق الجاني بيمينه وإن قصرت المدة وبعد احتمال الاندمال فالمصدق الولي وقيل في المصدق قولان مطلقاً متى كانت المدة محتملة وإن لم تحتمل المدة الاندمال صدق الولي بلا يمين وإن لم تحتمل بقاء الجرح صدق الجاني بلا يمين. فرع حيث صدقنا مدعي الاندمال فأقام الآخر بينه بأن المجروح لم يزل متألماً من الجراحة حتى مات رجعنا إلى تصديقه. الخامسة: أوضحة موضحتين ثم رفع الحاجز بينهما وقال: رفعته قبل الاندمال فليس علي إلا أرش واحد وقال المجني عليه: بل بعده فعليك أرش ثلاث موضحات قال الأصحاب: إن قصر الزمان صدق الجاني بيمينه وإن طال صدق المجني عليه وإذا حلف المجني عليه ثبت الأرشان ولا يثبت الثالث على الأصح ولو وجدنا الحاجز مرتفعاً وقال الجاني: رفعته أنا أو ارتفع بالسراية وقال المجني عليه: بل رفعه آخر أو رفعته أنا فالظاهر تصديق المجني عليه ولو كان الموجود موضحة واحدة فقال الجاني: هكذا أوضحت وقال المجني عليه: بل أوضحت موضحتين وأنا رفعت الحاجز بينهما صدق الجاني. قلت: باب الاختلاف واسع وإنما أشار هنا الى مسائل منه وباقيها مفرق في مواضعه ومنها: لو قطع أصبعه فداوى جرحه وسقطت الكف فقال الجاني: تآكل بالدواء وقال المجني عليه: بل تآكل بسبب القطع قال المتولي: نسأل أهل الخبرة فإن قالوا: هذا الدواء يأكل اللحم الحي والميت صدق الجاني وإن قالوا: لا يأكل الحي صدق المجني عليه وإن اشتبه الحال صدق المجني عليه لأنه أعرف به ولا يتداوى في العادة بما يأكل. والله أعلم.
فيه أطراف الطرف الأول فيمن له ولاية الاستيفاء أما القصاص فيستحقه جميع الورثة على فرائض الله تعالى وفي وجه تستحقه العصبة خاصة وفي وجه يستحقه الوارثون بالنسب دون السبب حكاهما ابن الصباغ وهما شاذان والصحيح الأول وبه قطع الجمهور ولو قيل من ليس له وارث خاص فهل للسلطان أن يقتص من قاتله أم يتعين أخذ الدية فيه قولاً ن سبقا في كتاب اللقيط وإن خلف بنتاً أو جدة أو أخاً لأم فإن قلنا للسلطان الاستيفاء إذا لم يكن وارث استوفاه مع صاحب الفرض وإلا فالرجوع إلى الدية. فرع في الورثة غائب أو صبي لو كان في الورثة غائب أو صبي أو مجنون انتظر حضور الغائب أو إذنه وبلوغ الصبي وإفاقة المجنون وليس للآخرين الانفراد بالاستيفاء. فرع إذا انفرد صبي أو مجنون باستحقاق القصاص لم يستوفه وليه سواء فيه قصاص النفس والطرف وأما أخذ الولي له الدية وجواز رد المستحق لها إذا كمل واقتصاصه فقد ذكرناه في كتابي الحجر واللقيط ويحبس القاتل إلى أن يبلغ الصبي ويفيق المجنون ولا يخلى بالكفيل فقد يهرب ويفوت الحق وكذلك يحبس إلى أن يقدم الغائب كما لو وجد الحاكم مال ميت مغصوباً والوارث غائب فإنه يأخذه حفظاً لحق الميت وذكر ابن الصباغ أنه لا يحبس في قصاص الطرف إلى قدوم الغائب لأن الحاكم لا ولاية له على الغائب المكلف كما لا يأخذ ماله المغصوب وفي كلام الإمام وغيره ما ينازع فيه ويشعر بأنه يأخذ مال الغائب ويحفظه له وأنه يحبس لقصاص الطرف وفي أمالي السرخسي أن الشيخ أبا علي قال لا يحبس القاتل لأنه عقوبة زائدة وحمل الحبس في كلام الشافعي رحمه الله على التوقف للانتظار والصحيح الأول وبه قطع الجماهير قال الأصحاب وحبسه أهون عليه من تعجيل القتل ولا طريق إلى حفظ الحق سواه.
فليس لهم أن يجتمعوا على مباشرة قتله لأن فيه تعذيباً ولكن يتفقون على واحد يستوفيه أو يوكلون أجنبياً فإن طلب كل واحد أن يستوفيه بنفسه أقرع فمن خرجت قرعته تولاه بإذن الباقين فلو أخروا لم يكن له الاستيفاء بخلاف ما إذا تنازعوا في التزويج فخرجت قرعة واحد فإنه يزوج ولا يحتاج إلى إذن الباقين لأن القصاص مبني على الإسقاط ولجميعهم ولبعضهم تأخيره كإسقاطه والنكاح لا يجوز تأخيره هذا هو الصحيح وعن القفال تفريعاً أنه لا يفرع بينهم إلا بإذنهم بخلاف القرعة في القسمة وبين الأولياء وحكى الإمام وغيره وجهاً أنه لا حاجة بعد خروج القرعة إلى إذن الباقين لتظهر فائدة القرعة وإلا فاتفاقهم على واحد مغن عن القرعة ولا شك أنه لو منع بعضهم من خرجت له القرعة من الاستيفاء لم يكن له الاستيفاء وهل يدخل في القرعة العاجز عن الاستيفاء كالشيخ والمرأة وجهان وقيل قولان أصحهما عند الأكثرين لا لأنه ليس أهلا للاستيفاء والقرعة إنما تكون بين المستوين في الأهلية والثاني نعم فإن خرجت القرعة له وكل فإن قلنا لا يدخل فخرجت القرعة لقادر فعجز أعيدت بين الباقين وإن قلنا يدخل لا تعاد لكن يستنيب هذا كله إذا كان المستحق القصاص في النفس لحز الرقبة فأما قصاص الطرف وقصاص النفس المستحق بقطع الطرف ونحوه فسيأتي إن شاء الله تعالى.
كما سبق ويكون هذا القصاص لورثته لا لمن كان يستحق القصاص عليه قال البغوي فلو عفا ورثته عن القصاص على الدية فالدية للورثة على الصحيح وقيل لمن له القصاص كما إذا قتل المرهون تكون قيمته مرهونة وهو ضعيف وأما إذا بادر أحد ابني المقتول الحائزين فقتل الجاني بغير إذن الآخر فينظر أوقع ذلك قبل عفو أخيه أم بعده الحالة الأولى إذا قتله قبل العفو ففي وجوب القصاص عليه قولان. أظهرهما لا يجب لأن له حقاً في قتله فصار شبهة والقولان فيما إذا قتله عالماً بالتحريم فإن جهل فلا قصاص بلا خلاف الحالة الثانية أن يقتله بعد العفو فإن علم العفو وحكم الحاكم بسقوط القصاص عن الجاني لزمه القصاص قطعاً وإن لم يحكم به لزمه أيضاً على المذهب وقيل لا لشبهة اختلاف العلماء وإن جهله فإن قلنا لا قصاص إذا علمه فهنا أولى وإلا فوجهان ولو قتله العافي أو عفواً ثم قتله أحدهما التفريع على الحالة الأولى فإذا أوجبنا القصاص على الابن المبادر وجبت دية الأب في تركة الجاني كما لو قتله أجنبي فإن اقتص وارث الجاني من المبادر أخذ وارث المبادر والابن الآخر الدية من تركة الجاني وكانت بينهما نصفين وإن عفا مجاناً أو أطلق العفو وقلنا العفو المطلق لا يوجب الدية أخذها الأخوان وإن عفا على الدية أو أطلق وجعلنا المطلق موجباً للدية فللأخ الذي لم يقتل نصف الدية في تركة الجاني وللمبادر النصف وعليه دية الجاني بتمامها ويقع الكلام في التقاص وقد يصير النصف بالنصف قصاصاً ويأخذ وارث الجاني النصف الآخر وقد يختلف القدر بأن يكون المقتول أولاً رجلاً والجاني امرأة وإذا قلنا بالأظهر ولم نوجب القصاص على المبادر فلأخيه نصف الدية وممن يأخذها قولان أحدهما من أخيه المبادر وأظهرهما من تركة الجاني فإذا قلنا يأخذ من أخيه فأبرأ أخاه برىء وإن أبرأ وارث الجاني لم يصح لأنه لا حق له عليه ولو أبرأ وارث الجاني المبادر عن الدية لم يسقط النصف الثابت عليه لأخيه وأما النصف الثابت للوارث فيبنى على التقاص في الدينين هل يحصل بنفس الوجوب إن قلنا نعم فالعفو لغو وبمجرد وجوبهما سقطا وإن قلنا لا يحصل حتى يتراضيا صح الإبراء وسقط ما ثبت للوارث على المبادر ويبقى للمبادر النصف في تركة الجاني وإن قلنا حق الذي لم يقتل في تركة الجاني لا على أخيه فلوارث الجاني على المبادر دية تامة وللمبادر نصف الدية في تركة الجاني فيقع النصف تقاصا ويأخذ وارث الجاني منه النصف الآخر فلو أبرأ الذي لم يقتل أخاه فإبراؤه لغو إذ لا شيء له عليه ولو أبرأ وارث الجاني صح ولو أسقط وارث الجاني الدية عن المبادر فإن قلنا يقع التقاص بنفس الوجوب فقد سقط النصف بالنصف ويؤثر الإسقاط في النصف الآخر فلا يبقى لأحدهما على الآخر شيء وإن قلنا لا يقع التقاص إلا بالتراضي سقط حق الوارث بإسقاطه وبقي للمبادر نصف الدية في تركة الجاني وإذا كان المبادر جاهلاً بالتحريم وجبت الدية بقتله وهل يكون في ماله لقصده القتل أم على عاقلته لأن الجهل كالخطأ قولان فإن قلنا في ماله فالابن الذي لم يقتل يأخذ نصف الدية من أخيه أو من تركة الجاني فيه القولان وإن قلنا على العاقلة أخذ الابنان الدية من تركة الجاني في الحال ووارث الجاني يأخذ ديته من عاقلة المبادر كما تؤخذ الدية من العواقل هذا تفريع الحالة الأولى أما إذا قتله بعد عفو أخيه فإن أوجبنا القصاص واقتص وارث الجاني فلورثة المقتص منه نصف الدية في تركة الجاني وأما العافي فلا شيء له إن عفا مجاناً وإن عفا على نصف الدية عاد الخلاف في أنه ممن يأخذه وإن لم يقتص منه الوارث بل عفا نظر في حال العفوين وما يقتضيانه من وجوب المال وعدمه وإن لم نوجب القصاص فإن كان الآخر عفا على الدية أو مطلقاً وقلنا المطلق يقتضي الدية فللابنين دية أبيهما وعلى المبادر دية الجاني فيقع ما له وما عليه في التقاص ويأخذ الآخر النصف من أخيه أو من تركة الجاني على الخلاف وإن عفا مجاناً أو مطلقاً وقلنا لا يوجب المال فلا شيء للعافي وللمبادر نصف دية أبيه وعليه جميع دية الجاني وما ذكرناه في المسألة من صور مجيء الخلاف في التقاص كذا أطلقه الأصحاب وفيه نظر لأن شرط التقاص استواء الديتين في الجنس والصفة حتى لا يجري إذا كان أحدهما مؤجلاً والآخر حالاً واختلف أجلهما وهنا أحد الديتين في ذمة الابن المبادر لورثة الجاني والآخر يتعلق بتركة الجاني ولا يثبت في ذمة أحد وهذا الاختلاف أشد من اختلاف قدر الأجل.
|