الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **
فيه أربعة أبواب. في أركانه وهي أربعة. الأول المرهونوله شروط. والأول كونه عيناً فلا يصح رهن المنفعة بأن يرهنه سكنى الدار مدة سواء كان الدين المرهون به حالا أو مؤجلاً ولا يصح رهن الدين على الأصح ويصح رهن المشاع سواء رهنه عند شريكه أو غيره قبل القسمة أم لم يقبلها. قلت: سواء كان الباقي من المشاع المراهن أم لغيره والله أعلم. ولو رهن نصيبه من بيت من دار باذن شريكه صح وبغير إذنه وجهان أصحهما عند الإمام قلت وممن وافق الإمام في تصحيح صحته الغزالي فيالبسيط وصاحب التتمة وغيرهما وأما طرد الخلاف في البيع فشاذ فقد قطع الأصحاب بصحته والله أعلم. فإن قسمت الدار فوقع هذا البيت في نصيب شريكه فهل هو كتلف المرهون بآفة سماوية أم يغرم الراهن قيمته ويكون رهنا لكونه حصل له بدله فيه احتمالان للإمام أصحهما الثاني وقال الإمام محمد بن يحيى إن كان مختاراً في القسمة غرم وإن كان مجبراً فلا. قلت هذا المذكور تفريع على الصحيح الذي قطع به جماهير الأصحاب أن هذه الدار تقسم قسمة واحدة وشذ صاحب التتمة فقال لا تقسم قسمة واحدة بل يقسم البيت وحده ويسلم نصيب الرهن للمرتهن ثم يقسم الباقي كما لو باع نصيبه من ذلك البيت وقد أشار صاحب المهذب ومن تابعه إلى أنهما إذا اقتسما فخرج البيت في نصيب شريكه يبقى مرهوناً وهذا ضعيف والمتحصل من هذا الخلاف أن المختار جواز قسمتهما جملة وأن لا يبقى مرهونا بل يغرم والله أعلم. فرع إذا رهن المشاع فقبضه بتسليم له فاذا قبض جرت المهايأة بين المرتهن والشريك جريانها بين الشريكين. ولا بأس بتبعض اليد بحكم الشرع كما لا بأس به لاستيفاء الراهن المنافع. قلت قال أصحابنا إن كان المرهون مما لا ينقل خلى الراهن بين المرتهن وبينه سواء حضر الشريك أم لا. وإن كان مما ينقل لم يحصل قبضه إلا بالنقل ولا يجوز نقله بغير إذن الشريك. فإن أذن قبض وان امتنع فان رضي المرتهن بكونها في يد الشريك جاز وناب عنه في القبض وإن تنازعا نصب الحاكم عدلا يكون في يده لهما فان كان له منفعة آجره والله أعلم. الشرط الثاني مختلف فيه وهو صلاحية المرتهن لثبوت اليد عليه فان رهن عبداً مسلماً أو مصحفاً عند كافر أو السلاح عند حربي أو جارية حسناء عند أجنبي صح على المذهب في جميعها فيجعل العبد والمصحف في يد عدل. قلت وإذا صححنا رهن العبد والمصحف عند الكافر ففي تهذيب الشيخ نصر المقدسي الزاهد وغيره أن العقد حرام وفي التهذيب للبغوي أنه مكروه ذكره في كتاب الجزية والله أعلم. ثم إن كانت الجارية صغيرة لا تشتهى فهي كالعبد وإلا فإن رهنت عند محرم أو امرأة فذاك وإن رهنت عند أجنبي ثقة وعنده زوجته أو جاريته أو نسوة يؤمن معهم الإلمام بها فلا بأس فان شرط وضعها عند غير من ذكرنا فهو شرط فاسد. وألحق الإمام بالصغيرة الخسيسة مع دمامة الصورة لكن الفرق ظاهر. ولو كان المرهون خنثى فكالجارية إلا أنه لا يوضع عند امرأة. الشرط الثالث كون العين قابلة للبيع عند حلول الدين فلا يصح رهن أم الولد والمكاتب والوقف وسائر ما لا يصح بيعه وسواد العراق وقف على المسلمين على المذهب فلا يجوز رهنه وأبنيته وأشجاره إن كانت من تربته وغراسه الذي كان قبل الوقف فهي كالأرض وإن أحدثت فيها من غيرها جاز رهنها فان رهنت مع الأرض فهي من صور تفريق الصفقة وكذا رهن الأرض مطلقا إن قلنا إن البناء والغراس يدخلان فيه وإذا صح الرهن في البناء فلا خراج على المرتهن وإنما هو على الراهن فإن أداه المرتهن بغير إذنه فهو متبرع وإن أداه بإذنه بشرط الرجوع رجع وإن لم يشرط الرجوع فوجهان يجريان في أداء دين الغير بإذنه مطلقاً وظاهر النص الرجوع.
وفي إفساده البيع قولان سبقا ويصح رهن أحدهما دون الآخر وإذا أريد البيع ففيه وجهان أحدهما: يباع المرهون وحده ويحتمل التفريق للضرورة وأصحهما يباعان جميعاً ويوزع الثمن وفي كيفيته كلام يحتاج إلى مقدمة وهي رجل رهن أرض بيضاء فنبت فيها نخل فله حالان. أحدهما: أن يرهن الأرض ثم يدفن النوى فيها أو يحمله السيل أو الطير فهي للراهن ولا يجبر في الحال على قلعها فلعله يؤدي الدين من موضع آخر فإن دعت الحاجة إلى بيع الأرض نظر إن وفى ثمن الأرض إذا بيعت وحدها بالدين بيعت وحدها ولم يقلع النخل وكذا لو لم يف به إلا أن قيمة الأرض وفيها الأشجار كقيمتها بيضاء ولو لم يف به وقيمتها تنقص بالأشجار فللمرتهن قلعها لبيع الأرض بيضاء إلا أن يأذن الراهن في بيعها مع الأرض فتباعان ويوزع الثمن عليها هذا إذا لم يكن الراهن محجور عليه بالإفلاس فإن كان فلا قلع بحال لتعلق حق الغرماء به بل يباعان ويوزع الثمن عليهما فما قابل الأرض اختص به المرتهن وما قابل الأشجار قسم بين الغرماء فإن نقصت قيمة الأرض بسبب الأشجار حسب النقص على الشجر لأن حق المرتهن في الأرض فارغة. الحال الثاني: أن يكون النوى مدفوناً في الأرض يوم الرهن ثم ينبت فان كان المرتهن جاهلاً بالحال فله الخيار في فسخ البيع الذي شرط فيه هذا الرهن فان فسخ وإلا فهو كما لو كان عالماً وإن كان عالماً فلا خيار وإذا بيعت الأرض مع النخل وزع الثمن عليهما والمعتبر في الحال الأول قيمة الأرض فارغة. وفي الحال الثاني قيمة أرض مشغولة لأنها كانت مشغولة يوم الرهن وفي كيفية اعتبار الشجر وجهان نقلهما الإمام في الحالين أصحهما تقوم الأرض وحدها. فإذا قيل: هي مائة قومت مع الأشجار فإذا قيل هي مائة وعشرون فالزيادة بسبب الأشجار سدس فيراعي في الثمن نسبة الأسداس والثاني تقوم الأشجار وحدها فإذا قيل هي خمسون كانت النسبة بالثلث ثم في المثال المذكور لإيضاح الوجهين تكون قيمة الأرض ناقصة بسبب الإجتماع لأنا فرضنا قيمتها وحدها مائة وقيمة الأشجار وحدها ثابتة خمسين وقيمة المجموع مائة وعشرين عدنا إلى مسألة الأم والولد فإذا بيعا معا وأردنا التوزيع ففيه طريقان. أحدهما أن التوزيع عليهما كالتوزيع على الأرض والشجر فتعتبر قيمة الأم وحدها وفي الولد الوجهان. والثاني أن الأم لا تقوم وحدها بل تقوم مع الولد وهي خاصته لأنها رهنت وهي ذات ولد والأرض بلا أشجار وبهذا الوجه قطع الأكثرون فلو حدث الولد بعد الرهن والتسليم من نكاح أو زنى وبيعا معاً فللمرتهن قيمة جارية لا ولد لها. قلت: ذكر الإمام الرافعي في مسألة الغراس والأرض الفرق بين علم المرتهن وجهله في ثبوت الخيار ولم يذكره هنا فكأنه أراد أنه مثله وقد صرح صاحب الشامل بذلك فقال إن كان عالماً بالولد حال الارتهان فلا خيار وإلا فله الخيار في فسخ البيع المشروط فيه الرهن وقال صاحب الحاوي إن علم فلا خيار وإلا فان قلنا تباع الأم دون الولد فلا خيار وإن قلنا يباعان ففي الخيار وجهان وجه المنع أنه لا يتحقق نقصها بل قد تزيد فإن قيل ما فائدة الخلاف في التوزيع والراهن يجب عليه قضاء الدين بكل حال قلنا تظهر فائدته عند ازدحام غرماء الميت والمفلس وفي تصرف الراهن في الثمن قبل قضاء الدين فينفذ في حصة الولد دون الأم ذكره الإمام والغزالي في البسيط والله أعلم.
فان أمكن تجفيفه كالرطب والعنب صح رهنه وجفف وإن لم يمكن كالثمرة التي لا تجفف والريحان والجمد فان رهنه بدين حال صح ثم إن بيع في الدين أو قضي الدين من موضع آخر فذاك وإلا بيع وجعل الثمن رهنا فلو تركه المرتهن حتى فسد قال في التهذيب إن كان الراهن أذن له في بيعه ضمن وإلا فلا ويجوز أن يقال عليه الرفع إلى القاضي ليبيعه. قلت: هذا الاحتمال الذي قاله الإمام الرافعي رحمه الله قوي أو متعين وقد قال صاحب التتمة في هذه الصورة: إن سكتا حتى فسد أو طلب المرتهن بيعه فامتنع الراهن فهو من ضمان الراهن وإن طلب الراهن بيعه فامتنع المرتهن فمن ضمان المرتهن والله أعلم. وإن رهنه بدين مؤجل فله ثلاثة أحوال. أحدها: أن يعلم حلول الأجل قبل فساده فهو كرهنه بالحال. الثاني أن يعلم عكسه فان شرط في الرهن بيعه عند الإشراف على الفساد وجعل ثمنه رهناً صح ولزم الوفاء بالشرط. فلو شرط أن لا يباع بحال عند حلول الأجل بطل الرهن لمناقضته مقصود الرهن وإن لم يشرط ذا ولا ذاك فهل هو كشرط البيع أم كشرط عدم البيع قولان أظهرهما عند العراقيين الثاني وميل غيرهم إلى الأول. قلت: قال الإمام الرافعي في المحرر أظهرهما لا يصح الرهن والله أعلم. الثالث: أن لا يعلم واحد من الأمرين وهما محتملان فالمذهب الصحة. ولو رهن ما لا يسرع اليه الفساد فحدث ما عرضه للفساد قبل الأجل بأن ابتلت الحنطة وتعذر تجفيفها لم ينفسخ بحال. ولو طرأ ذلك قبل قبض المرهون ففي الانفساخ وجهان كما في حدوث الموت والجنون قلت: الأرجح أنه لا ينفسخ وهذا الذي قطع به من أنه إذا لم ينفسخ يباع وهو المذهب ونقل الإمام أن الأئمة قطعوا بأنه يستحق بيعه ونقل صاحب الحاوي فيه قولين. أحدهما: يجبر الراهن على بيعه حفظا للوثيقة كما يجبر على نفقته. والثاني: لا لأن حق المرتهن في حبسه فقط وهذا ضعيف والله أعلم.
ورهن المرتد صحيح على المذهب كبيعه فإن علم المرتهن ردته فلا خيار له في فسخ البيع المشروط فيه الرهن وإن جهل يخير فإن قتل قبل قبضه فله فسخ البيع وإن قتل بعده فمن ضمان من فيه وجهان سبقا في البيع فإن قلنا من ضمان البائع فللمرتهن فسخ البيع وإلا فلا فسخ ولا أرش كما لو مات في يده. قلت: ولو رهنه عبداً مريضاً لم يعلم بمرضه المرتهن حتى مات في يده فلا خيار له قاله في المعاياة قال لأن الموت بألم حادث بخلاف قتل المرتد والله أعلم. فرع الجاني إن لم نصحح بيعه فرهنه أولى وإلا فقولان لأن الطارئة يقدم صاحبها على حق المرتهن فإن لم نصحح رهنه ففداه السيد أو أسقط المجني عليه حقه فلا بد من استئناف رهن وإن صححناه فقال المسعودي والإمام يكون مختاراً للفداء كما لو باعه وقال ابن الصباغ لا يلزمه الفداء بخلاف البيع لأن محل الجناية باق هنا والجناية لا تنافي الرهن. اعلم أنه قد سبق في البيع أن في صحة بيع الجاني ثلاث طرق وأن الصحيح أن الجناية إن أوجبت القصاص صح. أو المال لا يكون الرهن أيضاً كذلك في الطرق والترجيح هذا مقتضى كلام المحرر والمنهاج لكن جزم الرافعي في الشرحين بالترتيب فقال: إن لم يصح البيع فالرهن أولى وإن صح فقولان كما ذكر المصنف رحمه الله. قلت: قال البغوي أيضاً يكون ملتزماً للفداء ولكن الأكثرون قالوا كقول ابن الصباغ منهم الشيخ أبو حامد والماوردي وصاحب العدة وغيرهم قالوا هو مخير بين فدائه وتسليمه للبيع في الجناية فإن فداه بقي الرهن وإلا بيع في الجناية وبطل الرهن إن استغرقه الأرش وإلا بيع بقدره واستقر الرهن في الباقي وإذا قلنا لا يصح رهن الجاني فسواء كان الأرش درهما والعبد يساوي الوفاء أم غير ذلك نص عليه الشافعي رضي الله عنه والأصحاب. وأما إثبات الخيار للمرتهن في فسخ البيع المشروط فيه رهنه ففيه تفصيل في الحاوي وغيره إن كان عالما بالجناية فلا خيار في الحال فان اقتص منه في طرفه بقي رهنا ولا خيار للمرتهن في البيع لعلمه بالعيب وإن قتل قصاصاً فان قلنا إنه من ضمان البائع فله الخيار كما لو بان مستحقاً وإن قلنا من ضمان المشتري فلا خيار لأنه معيب علم به وإن عفا مستحق القصاص على ماله فان فداه بقي رهنا ولا خيار للمرتهن وإن بيع للجانية بطل الرهن وفي الخيار وجهان وإن عفا عن القصاص سقط أثر الجناية أما إذا كان جاهلا بالجناية فان علم قبل استقرار حكمها يخير فإن فسخ وإلا فيصير عالما وحكمه ما سبق وإن لم يعلم إلا بعد استقرار حكمها على قصاص طرف لم يبطل الرهن بالقصاص لكن للمرتهن الخيار وإن كان قصاص نفس بطل الرهن وفي الخيار الوجهان وإن استقر حكمها على مال فان فداه كان كالعفو على مال وإن بيع بطل الرهن وفي الخيار الوجهان وإن عفا بلا مال سقط أثر الجناية ثم إن لم يتب العبد من الجناية وكان مصرا فهذا عيب فللمرتهن الخيار وإن تاب فهل ذلك عيب في الحال وجهان فإن قلنا عيب فله الخيار وإلا فوجهان أحدهما يعتبر الابتداء فيثبته والآخر ينظر في الحال هذا كلام صاحب الحاوي وفيه نفائس والله أعلم. وإذا قلنا: يصح رهن الجاني جناية توجب القصاص ولا يصح إذا أوجبت مالاً فرهن والواجب القصاص فعفا على مال فهل يبطل الرهن من أصله أم يكون كجناية تصدر من المرهون حتى يبقى الرهن لو يبع في الجناية وجهان اختار الشيخ أبو محمد أولهما فعلى هذا لو كان العبد حفر بئراً في محل عدوان فمات فيها بعدما رهن إنسان ففي تبين الفساد وجهان والفرق أنه رهن في الصورة الأولى وهو جان. فرع رهن المدبر باطل على المذهب وهو نصه ورجحه الجمهور فعلى هذا التدبير باق على صحته وإن صححنا رهنه بطل التدبير بناء على أنه وصية فقد رجع عنها وقيل لا يبطل فيكون مدبراً مرهوناً فعلى هذا إن قضى الدين من غيره فذاك وإن رجع في التدبير وباعه في الدين بطل التدبير وإن امتنع من الرجوع ومن بيعه فان كان له مال آخر أجبر على قضائه منه وإلا فوجهان أصحهما يباع في الدين والثاني يحكم بفساد الرهن. قلت: هذا الذي ذكر حكم المذهب ولا يغتر بقوله في الوسيط ذهب أكثر الأصحاب إلى صحة رهنه وإن كان قويا في الدليل والله أعلم. فرع رهن المعلق عتقه بصفة له صور. إحداها: رهنه بدين حال أو مؤجل تيقن حلوله قبل وجود الصفة فيصح ويباع في الدين فإن لم يتفق بيعه حتى وجدت الصفة بني على القولين في أن الاعتبار بالعتق المعلق بحالة التعليق أم بحال وجود الصفة إن قلنا بالأول عتق وللمرتهن فسخ البيع المشروط فيه الرهن إن كان جاهلاً. قلت: هذا الذي جزم به من ثبوت الفسخ للمرتهن على هذا القول هو الذي جزم به صاحب التهذيب وجزم صاحب التتمة بأنه لا خيار له وقد سقط حقه لأن الرهن سلم له ثم بطل فصار كموته والأول أصح وأقيس والله أعلم. وإن قلنا بالثاني فهو كاعتاق المرهون وسنذكره إن شاء الله تعالى. الثانية رهنه بدين مؤجل تيقن وجود الصفة قبل حلوله فالمذهب بطلان الرهن وقيل قولان وهو ضعيف فعلى الصحة يباع إذا قرب أوان الصفة ويجعل ثمنه رهناً. الثالثة: أن لا يتيقن تقدم الصفة على الحلول وعكسه فالأظهر بطلانه وقيل باطل قطعاً. فرع رهن الثمر على الشجر له حالان. أحدهما: أن يرهنه مع الشجر فإن كان الثمر مما يمكن تجفيفه صح سواء بدا فيها الصلاح أم لا وسواء كان الدين حالاً أو مؤجلاً وإن لم يمكن ولم نصحح رهن ما يسرع الفساد فالمذهب بطلان رهن الثمر وفي الشجر قولا تفريق الصفقة وقيل يصح فيهما قطعاً. أحدهما يرهن قبل بدو الصلاح فإن رهن بدين حال وشرط قطعها وبيعها بشرط القطع جاز وإن أطلق جاز أيضاً على الأظهر. وإن رهن بمؤجل نظر إن كان يحل قبل بلوغ الثمر وقت الإدراك أو بعده فهو كالحال وإن كان يحل قبل بلوغه وقت الإدراك فان رهنها مطلقا لم يصح على الأظهر وقيل لا يصح قطعاً كالبيع وإن شرط القطع فقيل يصح قطعاً وقيل على القولين وجه المنع التشبيه بمن باع بشرط القطع بعد مدة. قلت: المذهب الصحة فيما إذا شرط القطع وبه قطع جماعة والله أعلم. الضرب الثاني: أن يرهن بعد بدو الصلاح فيجوز بشرط القطع ومطلقاً إن رهن بحال أو مؤجل هو في معناه وإن رهنه بمؤجل يحل قبل بلوغها وقت الإدراك فعلى ما سبق في الضرب الأول ومتى صح رهن الثمار على الأشجار فمؤنة السقي والجداد والتجفيف على الراهن فإن لم يكن له شيء باع الحاكم جزءاً منها وأنفقه عليها ولو توافق الراهن والمرتهن على ترك السقي جاز على الصحيح وقيل يجبر عليه كما يجبر على علف الحيوان وادعى الروياني أنه لا يصح ولو أراد أحدهما قطع الثمرة قبل وقت الجداد فللآخر الامتناع وليس له الامتناع بعد وقت الجداد بل يباع في الدين إن حل وإلا أمسكه رهناً. يجوز رهن ثمرها الحاصل بدين حال وبمؤجل يحل قبل اختلاط الثمرة الثانية بالأولى وإلا فإن شرط أن لا يقطع عند خروج الثانية لم يصح وإن شرط قطعه صح وإن أطلق فقولان فإن صححنا أو رهن بشرط القطع فلم يقطع حتى اختلط ففي بطلان الرهن قولان كالقولين في البيع إذا عرضت هذه الحالة قبل القبض والرهن بعد القبض كالبيع قبله فان قلنا يبطل الرهن فذاك وإن قلنا لا يبطل فلو اتفقا قبل القبض بطل على الصحيح وإذا لم يبطل فان رضي الراهن يكون الجميع رهنا أو توافقا على كون النصف من الجملة مثلاً رهناً فذاك وإن اختلفا في قدر المرهون هل هو نصف المختلط أو ثلثه أو نحو ذلك فالقول قول الراهن مع يمينه وقال المزني قول المرتهن. فرع رهن زرعاً بعد اشتداد حبه فكبيعه إن كان ترى حباته في صح وإلا فلا على الأظهر وإن رهنه وهو بقل فكرهن الثمرة قبل بدو الصلاح وقال صاحب التلخيص لا يجوز قطعاً إن كان الدين مؤجلاً وإن صرح بشرط القطع عند المحل لأن الزرع لا يجوز بيعه مسنبلاً وقد يقع الحلول في تلك الحالة ولأن زيادة الزرع يطوله فهو كثمرة تحدث وتختلط.
على المذهب فلو استعاد عبدا ليرهنه بدين فرهنه جاز وهل سبيله سبيل الضمان أم العارية قولان أظهرهما الأول ومعناه أنه ضمن الدين في رقبة عبده قال الإمام هذا العقد أخذ شبها من ذا وشبها من ذاك وليس القولان في تمحضه عارية أو ضمانا وإنما هما في أن المغلب أيهما وقال ابن سريج إذا جعلناه عارية لم يصح هذا التصرف لأن الرهن ينبغي أن يلزم بالقبض والعارية لا يلتزم فعلى هذا يشترط في المرهون كونه ملك الراهن والصواب ما سبق وعليه التفريع والعارية قد تلزم كالاعارة للدفن ونظائره ويتفرع على المذهب فروع. أحدها لو أذن في رهن عبده ثم رجع قبل أن يقبض المرتهن جاز وبعد قبضه لا رجوع على قول الضمان قطعاً ولا على قول العارية على الأصح وإلا فلا فائدة في هذا العقد ولا وثوق به وقال صاحب التقريب إن كان الدين حالاً رجع وإن كان مؤجلاً ففي جواز رجوعه قبل الأجل وجهان كما لو أعار للغراس مدة ومتى جوزناه فرجع وكان الرهن مشروطا في بيع فللمرتهن فسخ البيع إن جهل الحال. الثاني: لو أراد المالك إجبار الراهن على فكه فله ذلك بكل حال إلا إذا كان الدين مؤجلاً وقلنا إنه ضمان وإذا حل الأجل وأمهل المرتهن الراهن فللمالك أن يقول للمرتهن إما أن ترد إلي وإما أن تطالبه بالدين ليؤدي فينفك الرهن كما إذا ضمن دينا مؤجلاً ومات الأصيل فللضامن أن يقول إما أن تطالب بحقك وإما أن تبرئني. الثالث: إذا حل المؤجل أو كان حالا قال الإمام إن قلنا إنه ضمان لم يبع في حق المرتهن إن قدر الراهن على إداء الدين إلا باذن جديد وإن كان معسراً بيع وإن سخط المالك وإن قلنا عارية لم يبع إلا باذن جديد سواء كان الراهن موسرا أو معسراً ولك أن تقول الرهن وإن صدر من المالك لا يسلط على البيع إلا باذن جديد فان لم يأذن بيع عليه فالمراجعة لا بد منها ثم إذا لم يأذن في البيع فقياس المذهب أن يقال إن قلنا عارية عاد الوجهان في جواز رجوعه وإن قلنا ضمان ولم يؤد الراهن الدين لم يمكن من الانتفاع ويباع عليه معسراً كان الراهن أو موسراً كما لو ضمن في ذمته يطالب موسراً كان الأصيل أو معسراً ثم إذا بيع في الدين بقيمته رجع بها المالك على الراهن وإن بيع بأقل بقدر يتغابن الناس بمثله فان قلنا ضمان رجع بما بيع به وإن قلنا عارية رجع بقيمته وإن بيع بأكثر من قيمته رجع بما بيع به إن قلنا ضمان وإن قلنا عارية فقال الأكثرون لا يرجع إلا بالقيمة لأن العارية بها يضمن وقال القاضي أبو الطيب يرجع بما بيع به كله لأنه ثمن ملكه وقد صرف إلى دين الراهن وهذا أحسن واختاره الامام وابن الصباغ والروياني. الرابع: لو تلف في يد المرتهن فان قلنا عارية لزم الراهن الضمان وإن قلنا ضمان فلا شيء عليه ولا شيء على المرتهن بحال لأنه مرتهن لا مستعير ولو تلف في يد الراهن قال الشيخ أبو حامد هو على القولين كما لو تلف في يد المرتهن وأطلق الغزالي أنه يضمن لأنه مستعير. قلت المذهب الضمان والله أعلم. الخامس: لو جنى في يد المرتهن فبيع في الجناية فان قلنا عارية لزم الراهن القيمة قال الإمام هذا إذا قلنا العارية تضمن ضمان المغصوب وإلا فلا شيء عليه. السادس: إذا قلنا ضمان وجب بيان جنس الدين وقدره وصفته في الحلول والتأجيل وغيرهما وحكي قول قديم غريب ضعيف ان الحلول والتأجيل لا يشترط ذكرهما والأصح أنه يشترط بيان من يرهن عنده ولا خلاف أنه إذا عين شيئاً من ذلك لم يجز مخالفته لكن لو عين قدراً فرهن بما دونه جاز ولو زاد عليه فقيل يبطل في الزائد وفي المأذون قولا تفريق الصفة المذهب القطع بالبطلان في الجميع للمخالفة وكم الو باع الوكيل بغبن فاحش لا يصح في شيء ولو قال أعرني لأرهنه بألف أو عند فلان كان ذلك كتقييد المعير على الأصح. قلت: وإذا قلنا عارية فله أن يرهن عند الاطلاق بأي جنس شاء وبالحال والمؤجل قال في التتمة لكن لا يرهنه بأكثر من قيمته لأن فيه ضرراً فإنه لا يمكنه فكه إلا بقضاء جميع الدين ولو أذن في حال فرهنه بمؤجل لم يصح كعكسه لأنه لا يرضى أن يحال بينه وبين عبده إلى أجل والله أعلم. السابع: لو اعتقه المالك إن قلنا ضمان فقد حكى الإمام عن القاضي أنه ينفذ ويوقف فيه وفي التهذيب أنه كإعتاق المرهون وإن قلنا عارية قال القاضي كاعتاق المرهون وهذا تفريع على اللزوم هذا الرهن على قول العارية وفي التهذيب أنه يصح ويكون رجوعا وهو تفريع على عدم اللزوم. الثامن: لو قال مالك العبد ضمنت ما لفلان عليك في رقبة عبدي هذا قال القاضي صح ذلك على قول الضمان ويكون كالاعارة للرهن قال الامام وفيه تردد من جهة أن المضمون له لم يقبل ويجوز أن يعتبرالقبول في الضمان المتعلق بالأعيان تقريباً له من المرهون وإن لم يعتبر ذلك في الضمان المطلق في الذمة. التاسع: لو قضى المعير الدين بمال نفسه انفك الرهن ثم رجوعه على الراهن يتعلق بكون القضاء باذن الراهن أم بغيره وسنوضحه في باب الضمان إن شاء الله تعالى فلو اختلفا في الإذن فالقول قول الراهن ولو شهد المرتهن للمعير قبلت شهادته لعدم التهمة ولو رهن عبده بدين غيره دون إذنه جاز وإذا بيع فيه فلا رجوع. أحدهما: كونه ديناً فلا يصح بالأعيان المضمونة بحكم العقد كالمبيع أو بحكم اليد كالمغصوب والمستعار والمأخوذ على جهة السوم وفي وجه ضعيف يجوز كل ذلك. الثاني: كونه ثابتاً فلا يصح بما لم يثبت بأن رهنه بما يستقرضه أو بثمن ما سيشتريه وفي وجه شاذ يصح أن عين ما يستقرضه وفي وجه لو تراهنا بالثمن ثم لم يتفرقا حتى تبايعا صح الرهن إلحاقا للحاصل في المجلس بالمقارن والصحيح الأول فعلى الصحيح لو ارتهن قبل ثبوت الحق وقبضه كان مأخوذا على جهة سوم الرهن فإذا استقرض أو اشترى منه لم يصر ديناً إلا برهن جديد وفي وجه ضعيف يصير ولو امتزج الرهن وسبب ثبوت الدين بأن قال بعتك هذا بألف وارتهنت هذا الثوب به فقال اشتريت ورهنت أو قال أقرضتك هذه الدراهم وارتهنت بها عبدك فقال استقرضتها ورهنته صح الرهن على الأصح وهو ظاهر النص. ولو قال البائع: ارتهنت وبعت وقال المشتري اشتريت ورهنت لم يصح لتقدم شقي الرهن على أحد شقي البيع. وكذا لو قال: ارتهنت وبعت وقال المشتري رهنت واشتريت لتقدم شقي الرهن على شقي البيع فالشرط أن يقع أحد شقي الرهن بين شقي البيع والآخر بعد شقي البيع ولو قال بعني عبدك بكذا ورهنت به هذا الثوب فقال بعت وارتهنت بني على الخلاف في مسألة الإيجاب ولو قال: بعني بكذا على أن ترهنني دارك فقال اشتريت ورهنت فوجهان أحدهما يتم العقد بما جرى قال في التتمة هو ظاهر النص والثاني قاله القاضي لا يتم بل يشترط أن يقول بعده ارتهنت أو قبلت لأن الذي وجد منه الشرط إيجاب الرهن لا استيجابه كما لو قال افعل كذا لتبيعني لا يكون مستوجباً للبيع وهذا أصح عند صاحب التهذيب والأولى أن يفرق فانه لم يصرح في المقيس عليه بالتماس وإنما أخبر عن السبب الداعي له إلى ذلك الفعل وهنا باع وشرط الرهن وهو يشتمل الالتماس أو أبلغ منه. الشرط الثالث: كونه لازماً. والديون الثابتة ضربان. أحدهما ما لا يصير لازما بحال كنجوم الكتابة فلا يصح الرهن به والآخر غيره. وهو نوعان لازم في حال الرهن وغير لازم. فالأول يصح الرهن به سواء كان مسبوقا بحالة الجواز أم لا وسواء كان مستقراً كالقرض وأرش الجناية وثمن المبيع المقترض أو غير مستقر كالثمن قبل قبض المبيع والأجرة قبل استيفاء المنفعة والصداق قبل الدخول وأما الثاني فينظر إن كان الأصل في وضعه اللزوم كالثمن في مدة الخيار صح الرهن به أيضاً لقربه من اللزوم. قال الإمام: وهذا مفرع على أن الخيار لا يمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع فأما إذا جعلناه مانعاً فالظاهر منع الرهن لوقوعه قبل ثبوت الدين ولا شك أنه لا يباع المرهون في الثمن ما لم يمض مدة الخيار أما ما كان أصل وضعه على الجواز كالجعل في الجعالة بعد الشروع في العمل وقبل تمامه فلا يصح الرهن به على الأصح وإن كان بعد الفراغ من العمل صح قطعاً للزومه وإن كان قبل الشروع لم يصح قطعا لعدم ثبوته وعدم تعين المستحق. قلت: هذا الذي جزم به الامام الرافعي هو الصواب لكن ظاهر كلام كثيرين من الأصحاب أو أكثرهم إجراء الوجهين قبل الشروع في العمل لا سيما عبارة الوسيط وتعليله والله أعلم. أما المسابقة فان جعلناها كالأجارة أو كالجعالة فلها حكمها. فرع يصح الرهن بالمنافع المستحقة بالاجارة إن وردت على الذمة ويباع المرهون لم يصح لفوات الشرط الأول. فرع لا يصح رهن الملاك بالزكاة والعاقلة بالدية قبل تمام الحول لفوات الشرط الثاني. فرع التوثيق بالراهن والضمان شديد التقارب فما جاز الرهن به جاز ضمانه وكذا عكسه إلا أن ضمان العهدة جائز ولا يجوز الرهن به هذا قلت: كذا قال الشيخ أبو حامد في التعليق والغزالي في الوسيط ما صح ضمانه صح الرهن به إلا في مسألة العهدة ويستثنى أيضاً أن ضمان رد الأعيان المضمونة صحيح على المذهب بها باطل على الصحيح وممن استثناها الغزالي في البسيط والله أعلم.
ثم هو كما لو رهنهما معاً ولو كان الشيء مرهوناً بعشرة وأقرضه عشرة أخرى على أن يكون مرهوناً بها أيضاً لم يصح على الجديد الأظهر فان أراد ذلك فطريقه أن يفسخ المرتهن الرهن الأول ثم يرهنه بالجميع. ولو جنى المرهون ففداه المرتهن باذن الراهن ليكون مرهونا بالدين والفداء صح على المذهب وهو نصه لأنه من مصالح الرهن فإنه يتضمن إبقاءه وقيل فيه القولان ولو اعترف الراهن أنه مرهون بعشرين ثم رهنه أولا بعشرة ثم بعشرة وقلنا لا يجوز ونازعه المرتهن فالقول قول المرتهن مع يمينه لأن اعتراف الراهن يقوي جانبه. ولو قال المرتهن في جوابه فسخنا الرهن الأول واستأنفنا بالعشرين رهنا فهل القول قول المرتهن لاعتضاده بقول الراهن رهن بعشرين أم قول الراهن لأن الأصل عدم الفسخ وجهان ميل الصيدلاني إلى أولهما وصحح صاحب التهذيب الثاني ورتب عليه فقال لو شهد شاهدان أنه رهنه بألف ثم بألفين لم يحكم بأنه رهن بألفين ما لم يصرحا بأن الثاني كان بعد فسخ الأول. فرع رهن بعشرة ثم استقرض عشرة ليكون رهناً بهما وأشهد شاهدين رهن بالعشرين فإن لم يعلم الشاهدان الحال ونقلا ما سمعا فهل يحكم بكونه رهنا بالعشرين إذا كان الحاكم يعتقد القول الجديد وجهان وإن عرفا الحال فإن كانا يعتقدان جواز الالحاق فهل لهما أن يشهدا بأنه رهن بالعشرين أم عليهما بيان الحال وجهان قلت أصحهما لا يجوز لأن الاجتهاد إلى الحاكم لا إليهما والله أعلم. وإن كانا يعتقدان منع الالحاق لم يشهدا إلا بما جرى باطنا على الصحيح وهذا التفصيل فيما إذا شهدا بنفس الرهن وفيه صور الجمهور فان شهدا على إقرار الراهن فالوجه تجويزه مطلقاً. قلت: كذا أطلق الجمهور هذا التفصيل وقال صاحب الحاوي إن كان الشاهدان مجتهدين ففيه التفصيل وإن كانا غير مجتهدين لم يجز مطلقاً ولزمهما شرح الحال ولو مات وعليه دين مستغرق فرهن الوارث التركة عند صاحب الدين على شيء آخر أيضاً ففي صحته الوجهان بناء على الركن الثالث: الصيغة فيعتبر الايجاب والقبول اعتبارهما في البيع والخلاف في المعاطاة والاستيجاب والايجاب عائد كله هنا. فرع الرهن قسمان أحدهما مشروط في عقد كمن باع أو أجر أو أسلم أو زوج بشرط الرهن بالثمن أو الأجرة أو المسلم فيه أو الصداق والقسم الثاني ما لم يشرط ويسمى رهن التبرع والرهن المبتدأ. فالأول كبعتك داري بكذا على أن ترهنني به عبدك فقال اشتريت ورهنت وقد ذكرنا خلافاً في أنه يتم الرهن بهذا أم لا بد من قوله بعده ارتهنت فعلى الأول يقوم الشرط مقام القبول كما يقوم الاستيجاب مقامه وحكي وجه أنهما إذا شرطا الرهن في نفس البيع صار مرهوناً من غير استئناف رهن ويقام التشارط مقام الايجاب والقبول. فرع الشرط في الرهن ضربان أحدهما: شرط يقتضيه فلا يضر ذكره في رهن التبرع ولا في الرهن المشروط في عقد كقوله رهنتك على أن تباع في دينك أو لا تباع إلا باذنك أو يتقدم به على الغرماء. والثاني: ما لا يقتضيه وهو إما متعلق بمصلحة العقد كالاشهاد وإما لا غرض فيه كقوله بشرط أن لا يأكل إلا الهريسة وحكمهما كما سبق في كتاب البيع. أحدهما: ينفع المرتهن ويضر الراهن كشرط المنافع أو الزوائد للمرتهن فالشرط باطل فإن كان رهن تبرع بطل الرهن أيضاً على الأظهر وإن كان مشروطاً في بيع نظر إن لم يجر جهالة الثمن بأن الشرط في البيع رهنا على أنه يبقى بعد قضاء الدين محبوساً شهراً فسد الرهن على الأظهر. وفي فساد البيع القولان فيما إذا شرط عقداً فاسداً في بيع فإن صححنا البيع فللبائع الخيار صح الرهن أم فسد لأنه وإن صح لم يسلم له الشرط وإن جر جهالة بأن شرط في البيع رهنا تكون منافعه للمرتهن فالبيع باطل على المذهب وقيل هو الذي لا يجر جهالة ثم البطلان فيما إذا أطلق المنفعة فلو قيدها فقال ويكون منفعتها لي سنة مثلا فهذا جمع بين بيع وإجارة في صفقة وفيه خلاف مسبق. النوع الثاني: ينفع الراهن ويضر المرتهن كرهنتك بشرط أن لا يباع في الدين أو لا يباع إلا بعد المحل بشهر أو بأكثر من ثمن المثل أو برضاي فالرهن باطل كذا قطع به الأصحاب وعن ابن خيران أنه قال يجيء في فساده القولان وهو غريب والصواب الأول فلو كان مشروطاً في بيع عاد القولان في فساده بفساد الرهن فان لم يفسد فللبائع الخيار. فرع زوائد المرهون غير مرهونة فلو رهن شجرة أو شاة بشرط أن الثمرة أو الولد مرهونا لم يصح الشرط على الأظهر وقيل قطعاً لأنه مجهول معدوم فان صححنا ففي إكساب العبد إذا شرط كونها مرهونة وجهان أصحهما المنع لأنها ليست من أجزاء الأصل. وإن أفسدنا ففي صحة الرهن قولان فإن كان شرطاً في بيع وصححنا الشرط أو أبطلناه وصححنا الوجهن صح البيع وللبائع الخيار وإلا ففي صحة البيع قولان وإذا اختصرت قلت فيه أربعة أقوال. أحدها: بطلان الجميع والثاني صحة الجميع والثالث صحة البيع فقط والرابع صحته مع الرهن دون الشرط. قلت: هذا الرابع هو المنصوص كذا قاله في الشامل والله أعلم. فرع أقرضه بشرط أن يرهن به شيئاً يكون منافعه للمقرض فالقرض باطل فلو شرط كون المنافع مرهونة فالشرط باطل والقرض صحيح لأنه لا يجر نفعا وفي صحة الرهن القولان. فرع لو قال أقرضتك هذا الألف بشرط أن ترهن به وبالألف الذي كذا أو بذلك الألف وحده فالقرض فاسد ولو قال المستقرض أقرضني ألفا على أن أرهن به وبالألف القديم أو بالقديم فقط كذا فالأصح فساد القرض لو باع بشرط أن يرهن بالثمن والدين أو بالدين رهنا بطل البيع كما سبق فلو رهن المستقرض أو المشتري كما شرط فإن علم فساد الشرط نظر إن رهن بالألف القديم صح وإن رهن بهما لم يصح بالألف الذي فسد قرضه لأنه لم يملكه وإنما هو مضمون في يده والأعيان لا يرهن بها وفي صحته في الألف القديم قولا تفريق الصفقة فإن صح لم يوزع بل كله مرهون بالألف القديم لأن وضع الرهن على وثيق كل بعض من أبعاض الدين بجميع المرهون فلو تلف الألف الذي فسد قبضه في يده صار دينا في ذمته وصح الرهن بالألفين حينئذ وإن ظن صحته فإن رهن بالقديم فوجهان قال القاضي لا يصح وقال الشيخ أبو محمد وغيره يصح. قلت قول الشيخ أبي محمد هو الأصح واختاره الإمام والغزالي في البسيط وزيف الإمام قول القاضي والله أعلم. ولو رهن بالألفين وقلنا الصفقة تفرق فصحته بالألف القديم على هذا الخلاف وكذا لو باع بشرط بيع آخر فأنشأه ظانا صحة العقد وقد سبقت هذه الصورة في بابها.
تحت إسم الأرض وفي دخول المغرس تحت رهن الشجرة والأس تحت الجدار خلاف مرتب على البيع و الرهن أولى بالمنع لضعفه. ولا تدخل الثمرة المؤبرة تحت رهن الشجرة قطعاً ولا غير المؤبرة على الأظهر وقيل قطعاً. ولا يدخل البناء بين الأشجار تحت رهن الأشجار وإن كان بحيث يمكن إفراده بالإنتفاع وإن لم ينتفع به إلا بتبعية الأشجار فلذلك على المذهب وقيل فيه الوجهان كالمغرس. ويدخل في الأشجار الأغصان والأوراق لكن الذي يفصل غالبا كأغصان الخلاف وورق الآس والفرصاد فيه القولان في الثمرة غير المؤبرة وفي اندراج الجنين تحت رهن الحيوان خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى. واللبن في الضرع لا يدخل على المذهب ولا يدخل الصوف على الظهر. وقيل يدخل قطعاً وقيل إن كان قد بلغ أوان الجز لم يدخل وإلا دخل.
أو هذا الحق بما فيه ما فيهما معلوماً مرئياً صح الرهن في الظرف والمظروف وإلا لم يصح في المظروف. وأما نصه في المختصر على الصحة في الحق وعدمها في الخريطة فسببه أنه فرض المسألة في حق له قيمة تقصد بالرهن وفي خريطة ليست لها قيمة تقصد بالرهن وحينئذ يكون المقصود ما فيها. ولو كان اللفظ مضافاً إلى ما فيهما جميعاً وكان ما فيهما بحيث لا يصح الرهن فيه بطل فيهما جميعاً وفي وجه يصح فيها وإن كانت قليلة القيمة اعتباراً باللفظ ولو عكست التصوير في الحق والخريطة كان الحكم يعكس كما نص عليه بلا فرق ولو قال رهنتك الظرف دون ما فيه صح الرهن فيه مهما كان له قيمة فإن قلت لأنه إذا أفرده فقد وجه الرهن نحوه وجعله المقصود وإن رهن الظرف ولم يتعرض لما فيه نفياً ولا إثباتاً فإن كان بحيث يقصد بالرهن وحده فهو المرهون لا غير وإن كان لا يقصد منفرداً لكنه متمول فهل المرهون الظرف فقط أو مع المظروف وجهان أصحهما أولهما ويجيء على قياسه وجهان إذا لم يكن متمولا لأن الرهن ينزل على المظروف أم يلغى. قلت: قال إمام الحرمين والغزالي في البسيط كما ذكرناه في الرهن يجري مثله في البيع حرفاً حرفا فيما إذا قال بعتك الخريطة بما فيها أو وحدها أو الخريطة لأن مأخذه اللفظ والله أعلم. الركن الرابع: العاقدان فيعتبر فيهما التكليف لكن الرهن تبرع فإن صدر من أهل التبرع فيما له فذاك وإلا فالشرط وقوعه على وفق المصلحة والاحتياط فرهن الولي مال الصبي والمجنون والمحجور عليه لسفه وارتهانه لهم مشروطان بالمصلحة والاحتياط. فمن صور الرهن للمصلحة. أن يشتري للطفل ما يساوي مائتين بمائة نسيئة ويرهن به ما يساوي مائة من ماله فيجوز لأنه إن لم يعرض تلف ففيه غبطة ظاهرة وإن تلف المرهون كان في المشترى ما يجبره. ولو امتنع البائع إلا برهن ما يزيد على مائة ترك هذا الشراء لأنه ربما تلف المرهون فإن كان مما لا يتلف في العادة كالعقار فالمذهب أنه لا يجوز وعن الشيخ أبي محمد ميل إلى جوازه ومنها إذا وقع نهب أو حريق وخاف الولي على ماله فله أن يشتري عقاراً ويرهن بالثمن شيئاً من ماله إذا لم يمكن أداؤه في الحال ولم يبع صاحب العقار عقاره إلا بشرط الرهن ولو اقترض له والحالة هذه ورهن به لم يجز قاله الصيدلاني لأنه يخاف التلف على ما يقرضه خوفه على ما يرهنه ولك أن تقول إن لم يجد من يستودعه ووجد من يرتهنه والمرهون أكثر قيمة من القرض وجب أن يجوز رهنه ومنها أن يقترض له لحاجته إلى النفقة أو الكسوة أو لتوفية ما لزمه أو لإصلاح ضياعه أو مرمتها ارتقابا لغلتها أو لانتظار حلول دين له مؤجل أو نفاق متاعه الكاسد فإن لم يرتقب شيئاً من ذلك فبيع ما يريد رهنه أولى من الإستقراض وحكي وجه شاذ أنه لا يجوز رهن مال الصبي بحال وليس بشيء وأما الارتهان فمن صور المصلحة فيه أن يتعذر على الولي استيفاء دين الصبي فيرتهن به إلى تيسيره ومنها أن يكون دينه مؤجلاً بأن ورثه كذلك ومنها أن يبيع الولي ماله مؤجلاً بغبطة فلا يكتفى بيسار المشتري بل لا بد من الارتهان بالثمن وفي النهاية إشارة إلى خلاف ذلك أخذا من جواز إبضاع ماله وإذا ارتهن جاز أن يرتهن بجميع الثمن على الصحيح وفي وجه يشترط أن يستوفي ما يساوي المبيع نقدا وإنما يرتهن ويؤجل بالنسيئة للفاضل. قلت: هذا الوجه حكاه بعض العراقيين عن الاصطخري وقول الغزالي إنه مذهب العراقيين ليس بجيد ولا ذكر لهذا الوجه في معظم كتب العراقيين وإنما اشتهر الخلاف عندهم فيما إذا باع ما يساوي مائة نقدا ومائة وعشرين نسيئة بمائة وعشرين نسيئة وأخذ بالجميع رهنا ففيه عندهم وجهان الصحيح وظاهر النص وقول أكثرهم إنه صحيح قال صاحب الحاوي وشيخه الصيمري وصاحب البيان وآخرون من العراقيين فإذا جوزنا البيع نسيئة فشرطه كون المشتري ثقة موسراً ويكون الأجل قصيراً قال واختلفوا في حد الأجل التي لا تجوز الزيادة عليه فقيل سنة وقال الجمهور لا يتقدر بالسنة بل يعتبر عرف الناس ويشترط كون الرهن وافيا بالثمن فان فقد شرط من هذه بطل البيع ويلزمه أن يشهد عليه فان ترك الإشهاد ففي بطلان البيع وجهان ومنها أن يقرض ماله أو يبيعه لضرورة نهب ويرتهن به قال الصيدلاني والأولى أن لا يرتهن إذا خيف تلف المرهون لأنه قد يتلف ويرفعه إلى حاكم يرى سقوط الدين بتلف الرهن وحيث جاز الرهن فشرطه أن يرهن عند أمين يجوز إيداعه وسواء في ذلك كان الولي أبا أو جدا أو وصياً أو حاكماً أو أمينه. لكن حيث جاز الرهن أو الإرتهان جاز للأب والجد أن يعاملا به أنفسهما ويتوليا الطرفين وليس لغيرهما ذلك وإذا تولى الأب الطرفين فقبضه وإقباضه سنذكرهما قريبا في رهن الوديعة عند المودع إن شاء الله تعالى.
بشرط المصلحة والاحتياط كما ذكرنا وتفصيل صور الإرتهان كما سبق في الصبي وقيل لا يجوز أن يستقل بالرهن وبإذن السيد قولان تنزيلا لرهنه منزلة تبرعه وقيل لا يجوز استقلاله بالبيع نسيئة بحال وبإذن السيد القولان.
فهو كالمكاتب إلا في شيئين أحدهما أن رهنه أولى فإن قال له اتجر بجاهك ولم يدفع إليه مالا فله البيع والشراء في الذمة حالاً ومؤجلاً وكذا الرهن والارتهان إذ لا ضرر على سيده فإن فضل في يده مال كان كما لو دفع إليه مالاً. قلت: قوله إن رهنه أولى بالمنع يعني ما منعناه في المكاتب فهنا أولى وما لا فوجهان وهذا ترتيب الإمام وقطع الشيخ أبو حامد وصاحبا الشامل والتهذيب بأنه كالمكاتب والله أعلم.
|