الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).
.تفسير الآيات (106- 108): {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)}قوله تعالى: {اتبع ما أوحي إليك من ربك} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يعني اتبع يا محمد ما أمرك به ربك في وحيه الذي أوحاه إليك وهو القرآن فاعمل به وبلغه إلى البادي ولا تلتفت إلى قول من يقول: دارست أو درست. وفي قوله اتبع ما أوحي إليك من ربك تعزية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم وإزالة الحزن الذي حصل له بسبب قولهم درست ونبه بقوله تعالى: {لا إله إلا هو} أنه سبحانه وتعالى واحد فرد صمد لا شريك له وإذا كان كذلك فإنه تجب طاعته ولا يجوز تركها بسبب جهل الجاهلين وزيغ الزائغين وقوله تعالى: {وأعرض عن المشركين} قيل: المراد منه في الحال لا الدوام وإذا كان كذلك لم يكن النسخ وقيل: المراد ترك مقالتهم فعلى هذا يكون الأمر بالإعراض منسوخة بآية القتال قوله عز وجل: {ولو شاء الله ما أشركوا} قال الزجاج: معناه لو شاء الله لجعلهم مؤمنين وهذا نص صريح في أن شركهم كان بمشيئة الله تعالى خلافاً للمعتزلة في قولهم لم يرد من أحد الكفر والشرك فالآية رد عليهم {وما جعلناك عليهم حفيظاً} يعني: وما جعلناك يا محمد على هؤلاء المشركين رقيباً ولا حافظاً تحفظ عليهم أعمالهم. وقال ابن عباس في رواية عطاء: وما جعلناك عليهم حفيظاً تمنعهم منّا ومعناه إنك لم تبعث لتحفظ المشركين من العذاب وإنما بعثت مبلِّغاً فلا تهتهم بشركهم فإن ذلك بمشيئة الله تعالى: {وما أنت عليهم بوكيل} يعني وما أنت عليهم بقيِّم تقوم بأرزاقهم وما أنت عليهم بمسيطر، فعلى التفسير الأول تكون الآية منسوخة بآية السيف وعلى قول ابن عباس: لا تكون منسوخة.قوله تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم} الآية قال ابن عباس: لما نزلت: {إنكم وما تعبد ون من دون الله حصب جهنم} قال المشركون يا محمد لتنتهين عن سب آلهتنا أو لنهجون ربك فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم فيسبوا الله عدواً بغير علم وقال قتادة: كان المؤمنون يسبون أوثان الكفار فيردون ذلك عليهم فنهاهم الله عن ذلك لئلا يسبوا الله لأنهم قوم جهلة لا علم لهم بالله عز وجل. وقال السدي: لما حضرت أبا طالب الوفاة قالت قريش انطلقوا بنا لندخل على هذا الرجل فلنأمره أن ينهى عنا ابن أخيه فإنا نستحي أن نقتله بعد موته فتقول العرب كان عمه يمنعه فلما مات قتلوه. فانطلق أبو سفيان وأبو جهل والنضر بن الحارث وأمية وأبيّ ابنا خلف وعقبة بن أبي معيط وعمرو بن العاص والأسود بن أبي البختري إلى أبي طالب، فقالوا: يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا وإن محمداً قد آذانا وآذى آلهتنا فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا ولندعه وإلهه فدعاه جاء النبي صلى الله عليه وسلم: فقال له أبو طالب: إن هؤلاء قومك وبنو عمك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما يريدون»؟ قالوا: نريد أن تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك. فقال له أبو طالب: قد أنصفك قومك فاقبل منهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أرأيتم إن أعطيتكم هذا فهل أنتم معطي كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم العجم وأدت لكم الخراج؟ فقال أبو جهل نعم وأبيك لنعطينكها وعشرة أمثالها فما هي؟ فقال: «قولوا لا إله إلا الله» «فأبوا ونفروا» فقال أبو طالب: قل غيرها يا ابن أخي فقال: «يا عم ما أنا بالذي أقول غيرها ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها إرادة أن يؤيسهم» فقالوا: لتكفن عن شتمك آلهتنا أو لنشتمنك ونشتمن من يأمرك فأنزلت: {ولا تسبوا الذين تدعون من دون الله} يعني ولا تسبوا أيها المؤمنون الأصنام التي يعبد ها المشركون فيسبوا الله عدواً بغير علم يعني فيسبوا الله ظلماً بغير علم لأنهم جهلة بالله عز وجل. قال الزجاج: نهوا في ذلك الوقت قبل القتال أن يلعنوا الأصنام التي كانت عبد ها المشركون. وقال ابن الأنباري: هذه الآية منسوخة أنزلها الله عز وجل والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة فلما قواه بأصحابه نسخ هذه الآية ونظائرها بقوله اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم. وقيل إنما نهوا عن سب الأصنام وإن كان في سبها طاعة وهو مباح لما يترتب على ذلك من المفاسد التي هي أعظم من ذلك وهو سب الله عز وجل وسب رسوله وذلك من أعظم المفاسد فلذلك نهوا عن سب الأصنام وقيل لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبوا آلهتكم فيسبوا ربكم فأمسك المسلمون عن سب آلهتهم فظاهر الآية وإن كان نهياً عن سب الأصنام فحقيقته النهي عن سب الله تعالى لأنه سبب لذلك.وقوله تعالى: {كذلك زينا لكل أمة عملهم} يعني كما زينا لهؤلاء المشركين عبادة الأصنام وطاعة الشيطان بالحرمان والخذلان كذلك زينا لكل أمه عملهم من الخير والشر والطاعة والمعصية وفي هذه الآية دليل على تكذيب القدرية والمعتزلة حيث قالوا لا يحسن من الله خلق الكفر وتزيينه.وقوله تعالى: {ثم إلى ربهم مرجعهم} يعني المؤمن والكافر والطائع والعاصي {فينبئهم بما كانوا يعملون} يعني في الدنيا ويجازيهم على ذلك..تفسير الآية رقم (109): {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109)}قوله عز وجل: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} قال محمد بن كعب القرظي والكلبي: قالت قريش يا محمد إنك تخبرنا أن موسى كانت له عصاً يضرب بها الحجر فتنفجر منه اثنتا عشرة عيناً وتخبرنا أن عيسى كان يحيي الموتى فأتنا بآية حتى نصدقك ونؤمن بك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي شيء تحبون»؟ قالوا: تجعل لنا الصفا ذهباً وابعث لنا بعض موتانا نسأله عنك أحق ما تقول أم باطل؟ وأرنا الملائكة يشهدون لك؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن فعلت بعض ما تقولون أتصدقوني»؟ قالوا: نعم والله لئن فعلت لنتبعك أجمعون. وسأل المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزلها عليهم حتى يؤمنوا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يدعو الله عز وجل أن يجعل الصفا ذهباً فجاءه جبريل فقال ما شئت أن شئت أصبح ذهباً ولكن إن لم يصدقوك لنعذبهم وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بل يتوب تائبهم» فأنزل الله عز وجل: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} يعني وحلفوا بالله جهد أيمانهم يعني وحلفوا بالله جهد أيمانهم يعني أوكد ما قدروا عليه من الأيمان وأشدها. قال الكلبي ومقاتل: إذا حلف الرجل بالله فهو جهد يمينه {لئن جاءتهم آية} يعني كما جاءت من قبلهم من الأمم {ليؤمنن بها} يعني ليصدقن بها {قل} يعني قل يا محمد {إنما الآيات عند الله} يعني أن الله تعالى قادر على إنزالها {وما يشعركم} يعني: وما يدريكم. ثم اختلف في المخاطبين بقوله وما يشعركم فقيل هو خطاب للمشركين الذين أقسموا بالله وقيل هو خطاب للمؤمنين واختلفوا في قوله: {أنها إذا جاءت لا يؤمنون} فقرأ ابن كثير وأهل البصرة وأبو بكر عن عاصي إنها بكسر الألف على الابتداء وقالوا تم الكلام عند قوله وما يشعروكم على معنى وما يدريكم ما يكون منهم ثم ابتداء فقال: {إنها إذا جاءت لا يؤمنون} فمن جعل الخطاب للمشركين قال معناه وما يشعركم أيها المشركون أنها يعني الآيات إنها إذا جاءت آمنتم. ومن جعل الخطاب للمؤمنين قال معناه وما يشعركم أيها المؤمنون إذا جاءت آمنوا لأن المؤمنين كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله أن يريهم ما اقترحوا حتى يؤمنوا فخاطبهم الله بقوله: {وما يشعركم} ثم ابتدأ فقال تعالى إنها: {إذا جاءت لا يؤمنون} وهذا في قوم مخصوصين حكم الله عز وجل عليهم بأنهم لا يؤمنون وذلك لسابق علمه فيهم وقرأ الباقون أنها بفتح الألف وجعلوا الخطاب في ذلك للمؤمنين لأن المؤمنين هم الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنزال الآيات حتى يؤمن المشركون بها إذا رؤوها لأن المشركين كانوا حلفوا أنهم إذا جاءتهم آية آمنوا وصدقوا واتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنزال الآيات لذلك فقال الله تعالى: وما يشعركم أيها المؤمنون أن الآيات إذا جاءت هؤلاء المشركين لا يؤمنون فعلى هذا اختلفوا في لفظة لا من قوله لا يؤمنون فقيل هي صلة والمعنى وما يشعركم إنها إذا جاءت يؤمنون وقيل هي على بابها وفيه حذف والمعنى وما يشعركم أنها إذا جاءتهم يؤمنون أو لا يؤمنون وقيل إن بمعنى لعل في قوله إنها إذا جاءت وكذلك هو في قراءة أبيّ بن كعب لعلها إذا جاءت وهذا سائغ في كلام العرب تقول العرب: أئت السوق أنك تشتري لنا شيئاً، بمعنى لعلك ومنه قول عدي بن زيد:يعني لعل منيتي. .تفسير الآيات (110- 111): {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}قوله تعالى: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} قال ابن عباس: يعني ونحول بينهم وبين الإيمان فلو جئناهم بالآيات التي سألوها لما آمنوا بها. والتقليب هو تحويل الشيء وتحريكه عن وجهه إلى وجه آخر لأن الله تعالى إذا صرف القلوب والأبصار عن الإيمان بقيت على الكفر {كما لم يؤمنوا به أول مرة} يعني كما لم يؤمنوا بما قبل ذلك من الآيات التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل انشقاق القمر وغير ذلك من المعجزات الباهرات، وقيل: أول مرة يعني الآيات التي جاء بها موسى وغيره من الأنبياء.وقال ابن عباس: المرة الأولى دار الدنيا يعني لو ردوا من الآخرة إلى الدنيا نقلب أفئدتهم وأبصارهم عن الإيمان فلا يؤمنون كما لم يؤمنوا به أول مرة قبل مماتهم وفي الآية دليل على أن الله تعالى: {يهدي من يشاء ويضل من يشاء} وأن القلوب والأبصار بيده وفي تصريفه فيقيم ما شاء منها ويزيغ ما أراد منها ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» فمعنى قوله بقلب أفئدتهم نزيغها عن الإيمان ونقلب أبصارهم عن رؤية الحق ومعرفة الصواب وإن جاءتهم الآية التي سألوها فلا يؤمنون بها كما لم يؤمنوا بالله ورسوله وبما جاء من عند الله، فعلى هذا تكون الكناية في به عائدة على الإيمان بالقرآن وبما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل سؤالهم الآيات التي اقترحوها.وقوله تعالى: {ونذرهم في طغيانهم يعمهون} يعني ونترك هؤلاء المشركين الذين سبق علم الله أنهم لا يؤمنون في تمردهم على الله واعتدائهم عيله يترددون لا يهتدون إلى الحق.قوله عز وجل: {ولو أننا أنزلنا إليهم الملائكة} قال ابن جريج: نزلت في المستهزئين، وذلك أنهم أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قريش، فقالوا: يا محمد ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم عنك أحق ما تقول أم باطل وأرنا الملائكة يشهدن لك أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ائتنا بالله والملائكة قبيلاً فنزلت هذه الآية جواباً لهم. والمعنى: ولو أنا نزلنا إليهم الملائكة حتى يشهدوا لك بالرسالة {وكلمهم الموتى} يعني كما سألوا {وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً} يعني وجمعنا عليهم كل شيء قبلاً قبيلاً، قيل القبيل الكفيل بصحة ما تقول ما آمنوا وهو قوله: {ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله} يعني إلا أن يشاء الله الإيمان منهم وفيه دليل على أن جميع الأشياء بمشيئة الله تعالى حتى الإيمان والكفر، وموضع المعجزة أن الأشياء المحشورة منها ناطق ومنها صامت فإذا أنطق الله الكل حتى يشهدوا له بصحة ما يقول كان ذلك في غاية الإعجاز.وقيل قبلاً من المقابلة والمواجهة، والمعنى: وحشرنا عليهم كل شيء مواجهة ومعاينة {ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله} أخبر الله أن الإيمان بمشيئة الله لا كما ظنوا أنهم متى شاؤوا آمنوا ومتى شاؤوا لم يؤمنوا، وقال ابن عباس: ما كانوا ليؤمنوا هم أهل الشقاء إلا أن يشاء الله هم أهل السعادة الذين سبق لهم في علمه أنهم يدخلون في الإيمان. وصحح الطبري قول ابن عباس قال: لأن الله عم بقوله ما كانوا ليؤمنوا القوم الذين تقدم ذكرهم في قوله: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها} ثم استثنى منهم أهل السعادة وهم الذين شاء لهم الإيمان.قوله تعالى: {ولكن أكثرهم يجهلون} يعني يجهلون أن ذلك كذلك ويحسبون أن الإيمان إليهم متى شاؤوا آمنوا ومتى شاؤوا كفروا، وليس الأمر كذلك بل الإيمان والكفر بمشيئة الله تعالى فمن شاء له الإيمان آمن ومن شاء له الكفر كفر وفي هذا دليل لمذهب أهل السنة أن الأشياء كلها بمشيئة الله تعالى ورد على القدرية والمعتزلة في قوله: إن الله أراد الإيمان من جميع الكفار..تفسير الآيات (112- 113): {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)}قوله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً} قيل هو منسوق على قوله تعالى كذلك زينّا لكل أمة عملهم، أي كما فعلنا ذلك كذلك جعلنا لكل نبي عدواً. وقيل: معناه كما جعلنا لمن قبلك من الأنبياء أعداء كذلك جعلنا لك أعداء وفيه تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم وتسلية له يقول الله تبارك وتعالى: كما ابتليناك بهؤلاء القوم فكذلك جعلنا لكل نبي قبلك عدواً ليعظم ثوابه على ما يكابده من أذى أعدائه وعدو واحد يراد به الجمع يعني جعلنا لكل نبي أعداء {شياطين الإنس والجن} اختلف العلماء في معنى شياطين الإنس والجن على قولين:أحدهما: أن المراد شياطين من الإنس وشياطين من الجن والشيطان كل عات متمرد من الجن والإنس وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء، وهو قول مجاهد وقتادة. قالوا: وشياطين الإنس أشد تمرداً من شياطين الجن لأن شيطان الجن إذا عجز عن إغواء المؤمن الصالح وأعياه ذلك استعان على إغوائه بشيطان الإنس ليفتنه، ويدل على صحة هذا القول ما روي عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هل تعوذب بالله من شيطان الجن والإنس قلت يا رسول الله وهل للإنس من شيطان؟ قال نعم هم شر من شياطين الجن» ذكره البغوي بغير سند وأسنده الطبري. وقال مالك بن دينار: إن شيطان الإنس أشد عليّ من شيطان الجن وذلك أني إذا تعوذت بالله ذهب شيطان الجن وشيطان الإنس يجيئني فيجرني إلى المعاصي.القول الثاني: إن الجميع من ولد إبليس وأضيف الشياطين إلى الإنس على معنى أنهم يغوونهم، وهذا قول عكرمة والضحاك والكلبي والسدي. ورواية عن ابن عباس قالوا: والمراد بشياطين الإنس التي مع الإنس وبشياطين الجن التي مع الجن وذلك أن إبليس قسم جنده قسمين فبعث فريقاً منهم إلى الجن وفريقاً إلى الإنس فالفريقان شياطين الجن والإنس بمعنى أنهم يغوونهم ويضلّونهم وكلا الفريقين أعداء للنبي صلى الله عليه وسلم ولأولياءه من المؤمنين والصالحين. ومن ذهب إلى هذا القول قال: يدل على صحته أن لفظ الآية يقتضي إضافة الشياطين إلى الإنس والجن والإضافة تقتضي المغايرة فعلى هذا يكون في الشياطين نوع مغاير للإنس والجن وهم أولاد إبليس.وقوله تعالى: {يوحي بعضهم إلى بعض} يعني يلقي ويسرّ بعضهم إلى بعض ويناجي بعضهم بعضاً وهو الوسوسة التي يلقيها إلى من يريد إغوائه، فعلى القول الأول: إن شياطين الإنس والجن يسر بعضهم إلى بعض ما يفتنون به المؤمنين والصالحين، وعلى القول الثاني: إن أولاد إبليس يلقى بعضهم بعضاً في كل حين فيقول شيطان الإنس لشيطان الجن أضللت صاحبي بكذا وكذا فأضلَّ أنت صاحبك بمثله ويقول شيطان الجن لشيطان الإنس كذلك فذلك وحي بعضهم إلى بعض.وقوله: {زخرف القول} يعني باطل القول والزخرف هو الباطل من الكلام الذي قد زين ووشي بالكذب وكل شيء حسن مموه فهو زخرف {غروراً} يعني أن الشياطين يغرون بذلك القول الكذب المزخرف غروراً وذلك أن الشياطين يزينون الأعمال القبيحة لبني آدم ويغرونهم بها غروراً {ولو شاء ربك ما فعلوه} يعني ما فعلوا الوسوسة التي يلقيها الشياطين في قلوب بني آدم، والمعنى أن الله تعالى لو شاء لمنعَ الشياطين من إلقاء الوسوسة إلى الإنس والجن ولكن الله يمتحن من يشاء من عباده بما يعلم أنه الأجزل له في الثواب إذا صبر على المحنة {فذرهم وما يفترون} يعني فخلِّهم يا محمد وما زين لهم إبليس وغرهم به من الكفر والمعاصي فإني من ورائهم.قوله تعالى: {ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة} قال ابن عباس: ولتميل إليه وأصل الصغو في اللغة الميل، أصغى إلى كذا مال إليه. ويقال صغوت أصغو وصغيت أصغى لغتان. قال ابن الأنباري: اللام في ولتصغى متعلقة بفعل مضمر معناه وفعلنا بهم ذلك لكي تصغي إلى الباطل أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وقال غيره اللام متعلقة بيوحي تقديره ويوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول ليغروا بذلك ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة والضمير في إليه يرجع إلى زخرف القول، ليغروا بذلك ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة والضمير في إليه يرجع إلى زخرف القول والمعنى أن قلوب الكفار تميل إلى زخرف القول وباطله وتحبه وترضى به وهو قوله: {وليرضوه} يعني يرضون ذلك القول المزخرف الباطل {وليقترفوا ما هم مقترفون} وليكتسبوا من الأعمال الخبيثة ما هم مكتسبون.
|