الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
وأما من قال: والخطاب قد يكون لفظه له ومعناه عام، كقوله: فإذا كان هـذا مع كـون الصيغـة خاصـة فكيف تجعل الصيغة العامة له وللمؤمنين مختصة به؟ ولفظ {ّمّن}: أبلغ صيغ العموم، لاسيما إذا كانت شرطًا أو استفهامًا، كقوله: وأيضًا، فقد ذكر بعد ذلك قوله: وأما الإشارة إلى معناها فهو أظهر من الضمير، فقوله: ومـن قـال: إن الشاهـد مـن الله هو محمـد كما رواه ابن أبي حاتم، ثنا الأشَجُّ، ثنا أبو أسامة، عن عوف، عن سليمان الفلاني، عن الحسين بن علي: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ} يعني: محمدًا شاهدًا من الله، فهنا معنى كونه شاهدًا من الله هو معنى كونه رسول الله، وهو يشهد المؤمنين بأنهم على حق، وإن كان يشهد لنفسه بأنه رسول الله فشهادته لنفسه معلومة، قد علم أنه صادق فيها بالبراهين الدالة على نبوته،وأما شهادته للمؤمنين فهو أنها إنما تعلم من جهته بما بَلَغَه من القرآن،ويخبر به عن/ ربه،فهو إذا شهد كان شاهدًا من الله. وأما شهادته عليهم بالإيمان والتصديق وغير ذلك، فكما في قوله: ومن قال:إن الشاهد لسان محمد فهو إنما أراد بهذا القول التلاوة أي:أن لسان محمد يقرأ القرآن،وهو شاهد منه أي من نفسه فإن لسانه جزء منه،وهذا القول ونحوه ضعيف، والله أعلم.هذا إن ثبت ذلك عمن نقل عنه،فإن هذا وضده ينقلان عن على بن أبي طالب. وذلك أن طائفة من جُهَّال الشيعة ظنوا أن عليا هو الشاهد منه، أي من النبي صلي الله عليه وسلم، كما قال له: (أنت مني وأنا منك). وهذا قاله لغيره ـ أيضًا ـ فقد ثبت في الصحيحين أنه قال: (الأشعريون هم مني وأنا منهم)، وقال عن جُلَيبِيبِ: (هذا مني وأنا منه)، وكل / مؤمن هو من النبي صلي الله عليه وسلم، كما قال الخليل: وقد رووا عن على ما يعارض ذلك، قال ابن أبي حاتم، ثنا أبي، ثنا عمرو بن على البَاهِلِي، ثنا محمد بن شِوَاص، ثنا سعيد بن أبي عَرُوبَة، عن قتادة، عن عُرْوَة، عن محمد ابن على ـ يعني ابن الحنفـية ـ قال: قلت لأبي:يا أبة قلت: وقد تقدم عن الحسين ابنه أن (الشاهد منه): هو محمد صلي الله عليه وسلم، وإنما تكلم علماء أهل البيت في أنه محمد ردًا على من قال من الجهلة: إنه علي؛ فإن هذه السورة نزلت بمكة، وعلى كان / إذ ذاك صغيرًا لم يبلغ. وكان ممن اتبع الرسول ولو كان ابن رسول الله ليس ابن عمه لم تكن شهادته تنفع. لا عند المسلمين ولا عند الكفار، بل مثل هذه الشهادة فيها تهمة القرابة. ولهذا كان أكثر العلماء على أن شهادة الوالد وشهادة الولد لوالده لا تقبل، فكيف يجعل مثل هذا حجة لنبوة محمد صلي الله عليه وسلم مؤكدًا لها؟ ولذلك قالوا في قوله تعالي: وأما قول من قال من المفسرين: إن (الشاهد): جبريل ـ عليه السلام ـ فقد روي ذلك عكرمة عن ابن عباس، ذكره ابن أبي حاتم عنه، وعن أبي العالية، وأبي صالح، ومجاهد في إحدي الروايات عنه، وإبراهيم، وعِكْرِمَة، والضَّحَّاك، وعطاء الخُرَاسَاِني نحو ذلك. وهؤلاء جعلوا {وَيَتْلُوهُ} : بمعني: يقرأه، أي: ويتلو القرآن الذي هو البينة، شاهد من الله هو، وقيل: بل معنى قولهم: إن القرآن يتلوه جبريل هو شاهد محمد صلي الله عليه وسلم، أي: الذي يتلوه جاء من عند الله. وقد تقدم بيان ضعف هذا القول، فإن كل من فسر يتلوه / بمعنى يقرؤه، جعل الضمير فيه عائدًا إلى القرآن، وجعل الشاهد غير القرآن. والقرآن لم يتقدم له ذكر،إنما قال: والقرآن إنما مدح من كان على بينة من ربه، فهو على هدي ونور وبصيرة، سواء حفظ القرآن أو لم يحفظه، وإن أريد اتباع القرآن فهو الإيمان، وأكثر القرآن لم يكن نزل حين نزول هذه الآية، وقد تقدم إنما يختص به جبريل ومحمد، فهو تبليغ الرسالة عن الله وصدقهما في ذلك. وأما كون رسالة الله حقًا فهذا هو المشهود به من كل رسول، وهما لا يختصان بذلك بل يؤمنان به كما يؤمن بذلك كل ملك وكل مؤمن، وشهادتهما بأن النبي والمؤمنين على حق من هذا الوجه الثاني المشترك، ولو قال: ويبلغه وينزل به رسول من الله لكان ما قالوه متوجهًا، كما قال: وأيضًا، فالشاهد الذي هو من الله هو الكلام، فإن الكلام نزل منه كما يعلمون أنه منزل من ربك بالحق، ويقال في الرسول: إنه منه، كما قال: رسول من الله، ويقَال في الشخص: الشاهد، فيقال فيه: هو من شهداء الله، وإما كونه يقال فيه: شاهد من الله إنها برهان من الله، وآيات من الله في الآيات التي يخلقها الله تصديقًا لرسوله: فهذا يحتاج استعماله إلى شاهد. والقرآن نزل بلغة قريش الموجودة في القرآن، فإنها تُفَسَّر بلغته المعروفة فيه، إذا وجـــدت لا يعدل عن لغته المعروفة مع وجودها، وإنما يحتاج إلى غير لغته في لفظ لم يوجد له نظير في القرآن، كقوله: ثم من العجب أنه يقول: وقيل: المراد الذين أسلموا من أهل الكتاب،وهو على ما فسره لم يتقدم لهم ذكر، فكيف يشار إليهم بقوله:{يُؤْمِنُونَ بِهِ} وأبو الفرج ذكر قولا:أنهم المسلمون،ولم يذكر أن الآية تعم النبي والمؤمنين،ولما ذكر قول من قال: إنهم المسلمون قال: وهذا يخرج على قول الضحاك في البينة أنها رسول الله. وقد ذكر في (البينة) أربعة أقوال: أنها الدين، ذكره أبو صالح عن ابن عباس. وأنها رسول الله، قاله الضحاك. وأنها القرآن، قاله ابن زيد. وأنها البيان، قاله مُقَاتِل. ثم قال: فإن قلنا: المراد: من كان على بينة من ربه: المسلمون، فالمعني: أنهم يتبعون الرسول وهو البينة، ويتبع هذا النبي شاهد منه يصدقه، والمسلمون إذا كانوا على بينة فهي الإيمان بالرسول، ليست البينة ذات الرسول، والرسول ليس هو مذكورًا في كلامه، فقوله: {وَيَتْلُوهُ} لابد أن يعود إلي{مٌَنًه } لكن إعادته إلى البينة أولي. /وفسر البينة بالرسول، وجعل الشاهد يشهد له بصدقه. ثم الشاهد جبريل أو غيره، فلو قال: الشاهد هو القرآن يشهد للمؤمنين، فإنه يتبعهم كما يتبعونه كان قد ذكر الصواب. وهو قد ذكر أقوالاً كثيرة لم يذكرها غيره، وذكر في يتْلُوه قولين: أحدهما: يتبعه. والثاني: يقرؤه، وهما قولان مشهوران. وذكر في (هـ) يتلوه قولين: أنها ترجع إلى النبي. والثاني: أنها ترجع إلى القرآن. والتحقيق، أنها ترجع إلى (من)، أو ترجع إلى البينة، والبينة يراد بها القرآن، فيكون المعنى أن الشاهد من القرآن، وإذا رجع الضمير إلى (من)، فإن جعل مختصًا بالنبي صلي الله عليه وسلم ـ وهو القول الذي تقدم بيان فساده ـ عاد الضمير إلى البينة، وإن كانت (من) تتناول كل من كان على بينة من ربه من المؤمنين ـ ورسول الله أولي المؤمنين ـ تناول الجميع. ومما يوضح ذلك، أن رسول الله جاء بالرسالة من الله، وهذا يختص به، وتصديق هذه الرسالة والإيمان بها واجب على الثقلين، والرسول هو أول من يجب عليه الإيمان بهذه الرسالة التي أرسله الله / بها؛ ولهذا قال في سورة يونس: فهو صلى الله عليه وسلم يتعلق به أمران عظيمان: أحدهما: إثبات نبوته وصدقه فيما بلغه عن الله، وهذا مختص به. والثاني: تصديقه فيما جاء به، وأن ما جاء به من عند الله حق يجب اتباعه، وهذا يجب عليه وعلى كل أحد، فإنه قد يوجد فيمن يرسله المخلوق من يصدق في رسالته، لكنه لا يتبعها، إما لطعنه في المرسل، وإما لكونه يعصه، وإن كان قد أُرْسِل بحق، فالملوك كثيرًا ما يرسلون رسولاً بكتب وغيرها يبلغ الرسل رسالتهم، فيصدقون بها.ثم قد يكون الرسول أكثر مخالفة لمرسله من غيره من المرسل إليهم؛ ولهذا ظن طائفة ـ منهم القاضي أبو بكر ـ أن مجرد كونه رسولاً لله لا يستلزم المدح، ثم قال:إن هذا قد يقال فيمن قبل الرسالة وبلغها، وفيمن لم يقبل،لكن هذا غلط، فإن الله لا يرسل رسولاً إلا وقد اصطفاه، فَيبَلِّغ رسالات ربه. ورسل الله /هم أطوع الخلق لله وأعظم إيمانًا بما بعثوا به،بخلاف المخلوق فإنه يرسل من يكذب عليه، ومن يعصيه، ومن لا يعتقد وجوب طاعته والخالق منزه عن ذلك. لكن هؤلاء الذين قالوا هذا، يجوزون على الرب أن يرسل كل أحد بكل شيء، ليس في العقل عندهم ما يمنع ذلك، وإنما ينزهون الرسل عما أجمع المسلمون على تنزيههم عنه عندهم، مما ثبت بالسمع لا من جهة كونه رسولاً، كما قد بُسط هذا في غير هذا الموضع، وبين أن هذا الأصل خطأ. ولما كان هو صلي الله عليه وسلم يتعلق به الأمران: في الأول: يقال: آمنت له، كما قال تعالي: وفي الثاني: يقال: آمنت بالله، فعلينا أن نؤمن له ونؤمن بما جاء به، والله ـ تعإلى ـ ذكر هذين. فذكر أولاً: ما يثبت نبوته وصدقه بقوله: وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ} /ولما كان الذي يمنع الإنسان من اتباع الرسول شيئان: إما الجهل، وإما فساد القصد، ذَكَرَ ما يزيل الجهل، وهو الآيات الدالة على صدقه، ثم ذَكَرَ أهل فساد القصد بقوله: فهذان الأمران هما المانعان للخلق من اتباع هذا الرسول، كما أنه في البقرة ذكر ما يوجب العلم وحسن القصد، فقال: فلما أثبت هذين الأصلين،أخذ بعد هذا في بيان الإيمان به،وحال من آمن ومن كفر، فقال: وفي الصحيحين عن ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يدني المؤمن منه يوم القيامة حتي يلقي عليه كنفه، ويقول: فعلت يوم كذا كذا وكذا، ويوم كذا كذا وكذا، فيقول: نعم، فيقول: إني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، ثم يعطي كتاب حسناته بيمينه). وأما الكفار والمنافقون، فـ وأما تفسيره بمجرد ما يحتمله اللفظ المجرد عن سائر ما يبين معناه، فهذا منشأ الغلط من الغالطين؛ لا سيما كثير ممن يتكلم فيه بالاحتمالات اللغوية. فإن هؤلاء أكثر غلطًا من المفسرين المشهورين، فإنهم لا يقصدون معرفة معناه، كما يقصد ذلك المفسرون. وأعظم غلطًا من هؤلاء وهؤلاء من لا يكون قصده معرفة مراد الله، / بل قصده تأويل الآية بما يدفع خصمه عن الاحتجاج بها، وهؤلاء يقعون في أنواع من التحريف ، ولهذا جوز من جوَّز منهم أن تتأول الآية بخلاف تأويل السلف، وقالوا: إذا اختلف الناس في تأويل الآية على قولين، جاز لمن بعدهم إحداث قول ثالث، بخلاف ما إذا اختلفوا في الأحكام على قولين، وهذا خطأ، فإنهم إذا أجمعوا على أن المراد بالآية إما هذا ، وإما هذا، كان القول بأن المراد غير هذين القولين خلافًا لإجماعهم، ولكن هذه طريق من يقصد الدفع لا يقصد معرفة المراد، وإلا فكيف يجوز أن تضل الأمة عن فهم القرآن، ويفهمون منه كلهم غير المراد، [ويأتي] متأخرون يفهمون المراد، فهذا هذا. والله أعلم. وقوله: / فإن هذا النوع يبين أن المؤمن على أمر من الله، فاجتمع في هذا اللفظ حرف الاستعلاء، وحرف (من) لابتداء الغاية، وما يستعمل فيه حرف ابتداء الغاية فيقال: هو من الله على نوعين، فإنه إما أن يكون من الصفات التي لا تقوم بنـفسها، ولا بمخلوق، فهذا يكون صفة له، وما كان عينًا قائمة بنفسها، أو بمخلوق فهي مخلوقة. فالأول: كقوله: والنـوع الثاني: كقـولـه: تارة يضاف باعتبار السبب، وتارة باعتبار العاقبة والغاية. فالحسنات: هي النعم، والسيئات: هي المصائب كلها من عند الله، لكن تلك الحسنات أنعم الله بها على العبد، فهي منـه، إحسانًا وتفضـلاً، وهـذه عقـوبة ذنب مـن نفس العـبد، فهي مـن نفسه باعتبار أن عمله السيئ كان / سببها، وهي عقوبة له؛ لأن النفس أرادت تلك الذنوب ووسوست بها. وتـارة يقال باعتبار حسنات العمـل وسيئاته،وما يلقي في القلب من التصورات والإرادات، فيقال للحق: هو من الله ألهمه العبد. ويقال للباطل: إنه من الشيطان وسوس به، ومن النفس ـ أيضًا؛ لأنها إرادته، كما قال عمر وابن عمر وابن مسعود ـ فيما قالوه باجتهادهم ـ: إن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمنا ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه. وهذا لفظ ابن مسعود ـ في حديث بروع بنت واشق، قال ـ : إن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان ؛ لأنه حكم بحكم. فإن كان موافقًا لحكم الله فهو من الله؛ لأنه موافق لعلمه وحكمه، فهو منه باعتبار أنه ـ سبحانه ـ ألهمه عبده لم يحصل بتوسط الشيطان والنفس، وإن كان خطأ فالشيطان وسوس به، والنفس أرادته ووسوست به، وإن كان ذلك مخلوقًا فيه، والله خلقه فيه، لكن الله لم يحكم به، وإن لم يكن ما وقع لي من إلهام الملَك كما قال ابن مسعود : إن للملك بقلب ابن آدم لمة ، وللشيطان لمة؛ فلَمَّة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق فالتصديق من باب الخبر والإيعاد بالخبر، والشر من باب الطلب والإرادة . قال تعالي: فهذه حسنات العمل من الله ـ عز وجل ـ بهذين الاعتبارين: أحدهما: أنه يأمر بها ويحبها، وإذا كانت خيرًا فهو يصدقها ويخبر بها، فهي من علمه وحكمه، وهي ـ أيضًا ـ من إلهامه لعبده وإنعامه عليه، لم تكن بواسطة النفس والشيطان؛ فاختصت بإضافتها إلى الله مـن جهة أنها من علمه وحكمه، وإن النازل بها إلى العبد ملك، كما اختص القرآن بأنه منه كلام، وقرآن مسيلمة بأنه من الشيطان، فإن ما يلقيه الله في قلوب المؤمنين من الإلهامات الصادقة العادلة، هي من وحي الله، وكذلك ما يريهم إياه في المنام، قال عُبَادة بن الصامت: رُؤْيا المؤمن كلام يكلم به الرب عبده في منامه، وقال عمر: اقتربوا من أفواه المطيعين، واسمعوا منهم ما يقولون، فإنهم يتجلي لهم أمور صادقة، وقد قال تعالي: وأهل السنة يقولون: كلا النوعين من الله، هذا الهدي المشترك / وذاك الهدي المختص، وإن كان قد سماه إلهامًا كما سماه هدي، كما في قوله: وكذلك قوله: لكن تسمية هذا هدي قد يعتذر عنه بأنه هدي مقيد لا مطلق، كما قال: ويقال لضد هذا ـ وهو الخطأ ـ: هذا من الشيطان والنفس؛ لأن الله لا يقوله ولا يأمر به؛ ولأنه إنما يَنْكُتُه في قلب الإنسان / الشيطان، ونفسه تقبله من الشيطان، فإنه يزين لها الشيء فتطيعه فيه، وليس كل ما كان من الشيطان يعاقب عليه العبد، ولكن يفوته به نوع من الحسنات كالنسيان، فإنه من الشيطان، والاحتلام من الشيطان، والنعاس عند الذكر والصلاة من الشيطان، والصعق عند الذكر من الشيطان، ولا إثم على العبد فيما غلب عليه، إذا لم يكن ذلك بقصد منه أو بذنب. فقوله: وأما قوله: / وقد يقال في الشيء: إنه من الله وإن كان مخلوقًا إذا كان مختصًا بالله، كآيات الأنبياء، كما قال لموسي: وقد سمي موسي ذلك بينة من الله فقال: وهذه البينة هنا حجة وآية، ودلالة مخلوقة تجري مجري شهادة الله وإخباره بكلامه، كالعلامة التي يرسل بها الرجل إلى أهله وكيله، قال سعيد بن جبير في الآية: هي كالخاتم تبعث به، فيكون هذا بمنزلة قوله: صدقوه فيما قال، أو أعطوه ما طلب. فالقرآن والهدي منه، وهو من كلامه وعلمه وحكمه الذي هو قائم به غير مخلوق، وهذه الآيات دليل على ذلك، كما يكتب كلامه في / المصاحف، فيكون المراد المكتوب به الكلام يعرف به الكلام، قال تعالي: ولهذا يكون لهذه الآيات المعجزات حرمة، كالناقة وكالماء النابع بين أصابع النبي صلي الله عليه وسلم ونحو ذلك. والله ـ سبحانه ـ أعلم.
|