الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
سبب مجيء المؤلف بهذا الباب لدحض حجة من يقول: إن الشرك لا يمكن أن يقع في هذه الأمة، وأنكروا أن تكون عبادة القبور والأولياء من الشرك؛ لأن هذه الأمة معصومة منه؛ لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: والجواب عن هذا سبق عند الكلام على المسألة الثامنة عشرة من مسائل باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما. قوله: (أن بعض هذه الأمة)، أي: لا كلها؛ لأن في هذه الأمة طائفة لا تزال منصورة على الحق إلى قيام الساعة، لكنه سيأتي في آخر الزمان ريح تقبض روح كل مسلم؛ فلا يبقى إلا شرار الناس. وقوله: (تعبد)؛ بفتح التاء، وفي بعض النسخ: (يعبد)؛ بفتح الياء المثناة من تحت. فعلى قراءة (يعبد) لا إشكال فيها؛ لأن (بعض) مذكر. وعلى قراءة (تعبد)؛ فإنه داخل في قوله ابن مالك: ومثلوا لذلك بقولهم: قطعت بعض أصابعه؛ فالتأنيث هنا من أجل أصابعه لا من أجل بعض. وقوله تعالى: فإذا صحت النسخة (تعبد)؛ فهذا التأنيث اكتسبه المضاف من المضاف إليه. قوله: (الأوثان)، جمع وثن، وهو: كل ما عبد من دون الله. * * * ذكر المؤلف في هذا الباب عدة آيات: *الآية الأولى قوله تعالى: (ألم تر)، الاستفهام هنا للتقرير والتعجيب، والرؤية بصرية بدليل أنها عديت بإلى، وإذا عديت بإلى صارت بمعنى النظر. والخطاب إما للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو لكل من يصح توجيه الخطاب إليه، أي: ألم تر أيها المخاطب؟ قوله: {إلا الذين أوتوا}، أي: أعطوا، ولم يعطوا كل الكتاب؛ لأنهم حرموا بسبب معصيتهم؛ فليس عندهم العلم الكامل بما في الكتاب. قوله: والمراد بالكتاب: التوارة والأنجيل. وقد ذكروا مثلا، وهو كعب بن الأشرف حين جاء إلى مكة، فاجتمع إليه المشركون، وقالوا: ما تقول في هذا الرجل (أي: النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ) الذي سفه أحلامنا ورأى أنه خير منا؟ فقال لهم: أنتم: خير من محمد، ولهذا جاء في آخر الآية: قوله: ينكرونهما، فإذا أقر الإنسان هذه الأوثان؛ فقد آمن بها. والجبت: قيل: السحر، وقيل: هوالصنم، والأصح: أنه عام لكل صنم أوسحر أوكهانة أوما أشبه ذلك. والطاغوت: ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع. فالمعبود كالأصنام، والمتبوع كعلماء الضلال، والمطاع كالأمراء؛ فطاعتهم في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله تعد من عبادتهم. والمراد من كان راضيا بعبادتهم إياه، أو يقال: هو طاغوت باعتبار عابديه؛ لأنهم تجاوزوا به حده، حيث نزلوه فوق منزلته التي جعلها الله له، فتكون عبادتهم لهذا المعبود طغيانا؛ لمجاورتهم الحد بذلك. والطاغوت: مأخوذ من الطغيان؛ فكل شيء يتعدى به الإنسان حده يعتبر طاغوتا. وجه الناسبة في الآية للباب لا يتبين إلا بالحديث، وهو * * * *الآية الثانية قوله تعالى: وقوله: {أنبئكم}، أي: أخبركم، والاستفهام هنا للتقرير والتشويق، أي: سأقرر عليكم هذا الخبر. قوله: وقوله: (ذلك) المشار إليه ما كان عليه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه؛ فإن اليهود يزعمون أنهم خير من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى آله وأصحابه وسلم، وأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه ليسوا على الحق؛ فقال الله تعالى: قوله: قال بن مالك: إلى أن قال: والمثوبة: من ثاب يثوب إذا رجع، ويطلق على الجزاء؛ أي: بشر من ذلك جزاء عند الله. قوله: (عند الله)، أي: في عمله وجزائه عقوبة أو ثوابا. قوله: ولعنه؛ أي: طرده وأبعده عن رحمته. قوله: {وغضب عليه}، أي: أحل عليه غضبه، والغضب: صفة من صفات الله الحقيقية تقتضي الانتقام من المغضوب عليه، ولا يصح تحريفه إلى معنى الانتقام، وقد سبق الكلام عليه (ص 418). والقاعدة العامة عند أهل السنة: أن آيات الصفات وأحاديثها تجرى على ظاهرها اللائق بالله ـ عز وجل ـ فلا تجعل من جنس صفات المخلوقين، ولا تحرف فتنفى عن الله؛ فلا نغلو في الإثبات ولا في النفي. قوله: والإشارة هنا إلى اليهود؛ فإنهم لعنوا كما قال تعالى: وجعلوا قردة بقوله تعالى: قوله: {وعبد الطاغوت}، فيها قراءتان في (عبد) وفي {الطاغوت}: الأول: بضم الباء {عبد}، وعليها تكسر التاء في {الطاغوت}؛ لأنه مجرور بالإضافة. الثانية: بفتح الباء {عبد} على أنه فعل ماض معطوف على قوله؛ {لعنه الله} صلة الموصول، أي: ومن عبد الطاغوت، ولم يعد {من} مع طول الفصل؛ لأن هذا ينطبق على موصوف واحد، فلو أعيدت من لأوهم أنهم جماعة آخرون وهم جماعة واحدة؛ فعلى هذه القراءة يكون {عبد} فعلًا ماضيًا والفاعل ضمير مستتر وقوله تعالى: جوازًا تقديره هويعود على {من} في قوله: وبهذا نعرف اختلاف الفاعل في صلة الموصول وما عطف عليه؛ لأن الفاعل في صلة الموصول هو {الله}، والفاعل في عبد يعود على {من}. وعلى كل حال؛ فالمراد بها عابد الطاغوت. فالفرق بين القراءتين بالباء فقط؛ فعلى قراءة الفعل مفتوحة، وعلى قراءة الاسم مضمومة. والطاغوت على قراءة الفعل في {عبد} تكون مفتوحة {عبد الطاغوت}، وعلى قراءة الاسم تكون مكسورة بالإضافة (عبد الطاغوت). وذكر في تركيب (عبد) مع (الطاغوت) أربع وعشرون قراءة، ولكنها قراءات شاذة غير القراءتين السبعيتين (عَبَد) (عَبُد). * * * * الآية الثالثة قوله تعالى: وقوله: * فوائد الآيات السابقة: من فوائد الآية الأولى ما يلي: 1- 1- أن من العجب أن يعطى الإنسان نصيبًا من الكتاب ثم يؤمن بالجبت والطاغوت 2- 2- أن العلم قد لا يعصم صاحبه من المعصية؛ لأن الذين أوتوا الكتاب آمنوا بالكفر، والذي يؤمن بالكفر يؤمن بما دونه من المعصي. 3- 3- وجوب إنكار الجبت والطاغوت؛ لأن الله تعالى ساق الإيمان بهما مساق العجب والذم؛ فلا يجوز إقرار الجبت والطاغوت. 4- 4- ما ساقها المؤلف من أجله أن من هذه الأمة من يؤمن بالجبت والطاغوت لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: * ومن فوائد الآية الثانية ما يلي: 1- تقرير الخصم والاحتجاج عليه بما لا يستطيع إنكاره، بمعنى أنك تحتج على خصمك بأمر لا يستطيع إنكاره؛ فإن اليهود يعرفون بأن فيهم قومًا غضب الله عليهم ولعنهم وجعل منهم القردة والخنازير، فإذا كانوا يقرون بذلك وهم يستهزئون بالمسلمين؛ فنقول لهم: أين محل الاستهزاء؟! الذين حلت عليهم هذه العقوبات أم الذين سلموا منها؟ والجواب: الذين حلت بهم العقوبة أحق بالاستهزاء. 2- اختلاف الناس بالمنزلة عند الله؛ لقوله: 3- 3- سوء حال اليهود الذي حلت بهم هذه العقوبات من اللعن والغضب والمسخ وعبادة الطاغوت. 4- 4- إثبات أفعال الله الاختيارية، وأنه سبحانه يفعل ما يشاء؛ لقوله: (لعنه الله)؛ فإن اللعن من صفات الأفعال. 5- 5- إثبات الغضب لله؛ لقوله: {وغضب عليه}. 6- 6- إثبات القدرة لله؛ لقوله: وهل المراد بالقردة والخنازير هذه الموجودة؟ والجواب: لا؛ لما ثبت في (صحيح مسلم) عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (أن كل أمة مسخت لا يبقى لها نسل) [مسلم: كتاب القدر/باب بيان أن الأرزاق والآجال لا تزيد ولا تنقص عما سبق به القدر.]، وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك، وعلى هذا؛ فليس هذا الموجود من القردة والخنازير هو بقية أولئك الممسوخين. 7- أن العقوبات من جنس العمل؛ لأن هؤلاء الذين مسخوا قردة، والقرد أشبه ما يكون شبهًا بالإنسان، فعلوا فعلًا ظاهرة الإباحة والحل وهو محرم، وذلك أنه حرم عليهم الصيد يوم السبت ابتلاء من الله، فإذا جاء يوم السبت امتلاء البحر بالحيتان، وظهرت على سطح الماء، وفي غيره من الأيام تختفي ولا يأتي منها شيء، فلما طال عليهم الأمد صنعوا شباكًا؛ فصاروا ينصبونها في يوم الجمعة ويدعون الحيتان تدخل فيها يوم السبت، فإذا أتى يوم الأحد أخذوها، وهذه حيلة ظاهرها الحل، ولكن حقيقتها ومعناها الوقوع في الإثم تمامًا، ولهذا مسخوا إلى حيوان يشبه الإنسان وليس بإنسان، وهوالقرد، قال تعالى: 7- 7- أن هؤلاء اليهود صاروا يعبدون الطاغوت؛ لقوله: {وعبد الطاغوت} [المائدة: 60]، ولا شك أنهم حتى الآن يعبدونه؛ لأنهم عبدوا الشيطان وأطاعوه وعصوا الله ورسوله. وفي الآية نكتة نحوية في قوله: (عليه) و(منهم) في قوله تعالى: والجواب: أنه روعي في الإفراد اللفظ، وفي الجمع المعنى، وذلك أن (من) اسم موصول صالحة للمفرد وغيره، قال ابن مالك: ومن وما وال تساوي ما ذكر عن أبي سعيد لما ذكر الأسماء الموصولة من المفرد والمثنى والجمع من مذكر ومؤنث قال: ومن وما... إلخ. وقال: * ومن فوائد الآية الثالثة ما يلي: 1- 1- ما تضمن سياق هذه الآية من القصة العجيبة في أصحاب الكهف وما تضمنته من الآيات الدالة على كمال قدرة الله وحكمته. 2- 2- أن من أسباب بناء المساجد على القبور الغلو في أصحاب القبور؛ لأن الذين غلبوا على أمرهم بنوا عليهم المساجد؛ لأنهم صاروا عندهم محل الاحترام والإكرام فغلبوا فيهم. 3- 3- أن الغلوفي القبور وإن قل قد يؤدي إلى ما هو أكبر منه، ولهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعلي حين بعثه: * * * عن أبي سعيد قوله في الحديث: (لتتبعن)، اللام موطئة للقسم، والنون للتوكيد، فالكلام مؤكد بثلاثة مؤكدات: القسم المقدر، واللام، والنون، والتقدير: والله لتتبعن. قوله: (سنن من كان قبلكم)، فيها روايتان: (سنن) و(سنن). أما (سنن)؛ بضم السين: جمع سنة، وهي الطريقة. وأما (سنن)؛ بالفتح: فهي مفردة بمعنى الطريق. وفعل تأتي مفردة مثل: فنن جمعها أفنان، وسبب جمعها أسباب. وقوله: (من كان قبلكم)، أي: من الأمم. وقوله: (لتتبعن سنن من كان قبلكم) ليس على ظاهره؛ بل هو عام مخصوص؛ لأننا لوأخذنا بظاهره كانت جميع هذه الأمة تتبع سنن من كان قبلها، لكننا نقول: إنه عام مخصوص؛ لأن في هذه الأمة من لا يتبع كما أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق، وقد يقال: إن الحديث على عمومه وأنه لا يلزم أن تتبع هذه الأمة الأمم السابقة في جميع سننها، بل بعض الأمة يتبعها في شيء وبعض الأمة يتبعها في شيء آخر، وحينئذ لا يقتضي خروج هذه الأمة من الإسلام، وهذا أولى لبقاء الحديث على عمومه، ومن المعلوم أن من طرق من كان قبلنا ما لا يخرج من الملة، مثل: أكل الربا، والحسد، والبغي، والكذب. ومنه ما يخرج من الملة: كعبادة الأوثان. السنن: هي الطرائق، وهي متنوعة، منها ما هواعتداء على حق الخالق، ومنها ما هواعتداء على حق المخلوق، ولنستعرض شيئًا من هذه السنن: فمن هذه السنن: عبادة القبور والصالحين؛ فإنها موجودة في الأمم السابقة وقد وجدت في هذه الأمة، قال تعالى عن قوم نوح: ومن ذلك الغلو في الصالحين كما وجد في الأمم السابقة وجد في هذه الأمة. ومنها: دعاء غير الله، وقد وجد في هذه الأمة. ومنها: بناء المساجد على القبور موجود في السابقين، وقد وجد في هذه الأمة. ومنها: وصف الله بالنقائض والعيوب؛ فقد قالت اليهود: عنه ولا متصلًا به ولا منفصلًا عنه؛ فوصفوه بما لا يمكن وجوده، ومنهم من قال: لا تجوز الإشارة الحسية إليه، ولا يفعل، ولا يغضب، ولا يرضى، ولا يحب، وهذا مذهب الأشاعرة. ومنها: أكل السحت؛ فقد وجد في الأمم السابقة ووجد في هذه الأمة. ومنها: أكل الربا؛ فقد وجد في الأمم السابقة ووجد في هذه الأمة. ومنها: التحيل على محارم الله؛ فقد وجد في الأمم السابقة ووجد في هذه الأمة. ومنها: إقامة الحدود على الضعفاء ورفعها عن الشرفاء؛ فقد وجد في هذه الأمم السابقة ووجد في هذه الأمة. ومنها: تحريف كلام الله عن مواضعه لفظًا ومعنى؛ كاليهود حين قيل لهم: قال ابن القيم: إن اللام في استولى مزيدة زادها أهل التحريف كما زاد اليهود النون في (حطة) فقالوا: (حنطة). وكذلك الجهمي قيل له استوى ** فأبى وزاد الحرف للنقصـان ووجد في الأمم السابقة من اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله، ووجد في هذه الأمة من يعارض قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقول شيخه. فإذا تأملت كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجدته مطابقًا للواقع: الجواب: لا شك أنه للتحذير وليس للإقرار؛ فلا أحد: سأحسد وسأكل الربا، وسأعتدي على الخلق؛ لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ذلك، فمن قال ذلك؛ فإننا نقول له: أخطأت؛ لأن قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا شك أنه للتحذير، ولهذا قال الصحابة: اليهود والنصاري؟ قال: فمن؟ ثم نقول لهم أيضًا: إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبر بأشياء ستقع، ومع ذلك أخبر بأنها حرام بنص القرآن. فمن ذلك أنه أخبر أن الرجل يكرم زوجته ويعق أمه، وأخبر أن الإنسان يعصي أباه ويدني صديقه [الترمذي: كتاب الفتن / باب ما جاء في علامة حلول المسخ والخسف، قال الألباني: (ضعيف) السلسلة الضعيفة.]، وهذا ليس بجائز بنص القرآن، لكن قصد التحذير من هذا العمل. ووجد في الأمم السابقة من يقول للمؤمنين: إن هؤلاء لضالون، ووجد في هده الأمة من يقول للمؤمنين: إن هؤلاء لرجعيون. فالمعاصي لها أصل في الأمم على حسب ما سبق، ولكن من وقفه الله للهداية اهتدى. والحاصل: أنك لا تكاد تجد معصية في هذه الأمة إلا وجدت لها أصلا في الأمم السابقة. ولا تجد معصية في الأمم السابقة إلا وجدت لها وارثا في هذه الأمة. فلأنه لما عبدت الأمم السابقة الأصنام والأوثان؛ فسيكون في هذه الأمة من يعبد الأصنام والأوثان. قوله: والقذة: هي ريشة السهم، السهم له ريش لا بد أن تكون متساوية تماما، وإلا؛ صار الرمي به مختلا. قوله: وجحر الضب من أصغر الجحور، ولودخلوا جحر أسد من باب أولي أن ندخله؛ قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك على سبيل المبالغة؛ كقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: قوله: (قالوا اليهود والنصارى) يجوز فيها وجهان: الأول: نصب اليهود والنصارى على أنه مفعول لفعل محذوف تقديره: أتعني اليهود والنصارى؟ الثاني: الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره: أهم اليهود والنصارى؟ وعلى كل تقدير؛ فالجملة إنشائية لأنهم يسألون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهي استفهامية، والاستفهام من باب الإنشاء. واليهود: أتباع موسى عليه الصلاة والسلام، وسموا يهودا نسبة إلى يهوذا من أحفاد إسحاق، أولأنهم هادوا إلى الله؛ أي: رجعوا إليه بالتوبة من عبادة العجل. والنصارى: هم أتباع عيسى عليه الصلاة والسلام، وسموا بذلك نسبة إلى بلدة تسمى الناصرة، وقيل من النصرة؛ كما قال الله تعالى: قوله: (قال فمن)، من هنا: اسم استفهام، والمراد به التقرير؛ أي: فمن أعني غير هؤلاء، أو فمن هم غير هؤلاء؟ فالصحابة رضي الله عنهم لما حدثهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذا الحديث كأنه حصل في نفوسهم بعض الغرابة، فلما سألوا قرر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنهم اليهود والنصارى. *من فوائد الحديث: 1 - ما أراده المؤلف بسياقه، وهو أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان؛ لأنه من سنن من قبلنا، وقد أخبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ أننا سنتبعهم. 2-ويستفاد أيضا من فحوى الكلام التحذير من متابعة من قبلنا في معصية الله. 3- أنه ينبغي معرفة ما كان عليه من كان قبلنا مما يجب الحذر منه لنحذره، وغالب ذلك ـ ولله الحمد ـ موجود في القرآن والسنة. 4-استعظام هذا الأمر عند الصحابة؛ لقولهم اليهود النصارى، فإن الاستفهام للاستعظام؛ أي: استعظام الأمر أن نتبع سنن من كان قبلنا بعد أن جاءنا الهدى من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ. 5-أنه كلما طال العهد بين الإنسان وبين الرسالة؛ فإنه يكون أبعد من الحق؛ لأنه أخبر عن مستقبل ولم يخبر عن الحاضر، ولأن من سنن من قبلنا أنه لما طال عليهم الأمد قست قلوبهم، قال تعالى: فإذا كان طول الأمد سببا لقسوة القلب فيمن قبلنا؛ فسيكون فينا، ويشهد لذلك ما جاء في (البخاري) من حديث أنس رضي الله عنه؛ أنه قال: سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: والجواب: جنس الرجال خير، قال الله تعالى: فإذا نظرنا إلى مجموع القرن كله نجد أن ما بعد القرن شر منه، لا باعتبار الأفراد ولا باعتبار مكان دون مكان، فقد تكون أمة في الجهات يرتفع الناس فيها من حسن إلى أحسن، كما لو نشأ فيها علماء نفع الله بهم؛ فإنهم ولمسلم [كتاب الفتن / باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض.] عن ثوبان (رضي الله عنه)؛ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: أما الصحابة؛ فلا أحد يساويهم في فضل الصحبة، حتى أفرادهم لا يمكن لأحد من التابعين أن يساويهم فيها مهما بلغ من الفضل؛ لأنه لم يدرك الصحبة. مسألة: ما هي الحكمة من ابتلاء الأمة بهذا الأمر: (لتتبعن سنن ...) إلخ، وأن يكون فيها من كل مساوئ من سبقها؟ الجواب: الحكمة ليتبين بذلك كمال الدين؛ فإن الدين يعارض كل هذه الأخلاق، فإذا كان يعارضها دل هذا على أن كل نقص في الأمم السابقة، فإن هذه الشريعة جاءت بتكميله؛ لأن الأشياء لا تتبين إلا بضدها؛ كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء. *(تنبيه): قوله: * * * قوله: (زوى لي)، بمعنى جمع وضم؛ أي: جمع له الأرض وضمها. قوله: (فرأيت)، أي: بعيني؛ فهي رؤية عينية، ويحتمل أن يكون رؤية منامية. قوله: (مشارقها ومغاربها)، وهذا ليس على الله بعزيز؛ لأنه على كل شيء قدير، فمن قدرته أن يجمع الأرض حتى يشاهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما سيبلغ ملك أمته منها. وهل المراد هنا بالزوي أن الأرض جمعت، وأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوي نظره حتى رأى البعيد؟ الأقرب إلى ظاهر اللفظ: أن الأرض جمعت، لا أن بصره قوي حتى رأى البعيد. وقال بعض العلماء: المراد قوة بصر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أي: أن الله أعطاه قوة بصر حتى أبصر مشارق الأرض ومغاربها، لكن الأقرب الأول، ونحن إذا أردنا تقريب هذا الأمر نجد أن صورة الكرة الأرضية الآن مجموعة يشاهد الإنسان فيها مشارق الأرض ومغاربها؛ فالله على كل شيء قدير؛ فهو قادر على أن يجمع له ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأرض حتى تكون صغيرة فيدركها من مشارقها إلى مغاربها. *اعتراض وجوابه: فإن قيل: هذا إن حمل على الواقع؛ فليس بموافق للواقع؛ لأنه لوحصرت الأرض بحيث يدركها بصر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المجرد؛ فأين يذهب الناس والبحار والجبال والصحارى؟ والجواب: بأن هذا من الأمور الغيبية التي لا يجوز أن تورد عليها كيف ولم، بل نقول: إن الله على كل شيء قدير؛ إذ قوة الله ـ سبحانه ـ أعظم من قوتنا وأعظم من أن نحيط بها، ولهذا أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم [البخاري: كتاب الاعتكاف / باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه، ومسلم: كتاب السلام / باب يستحب لمن رؤي خاليا بامرأة.....]؛ فلا يجوز أن نقول: كيف يجري مجرى الدم؟ فالله أعلم بذلك. وهذه المسائل التي لا ندركها يجب التسليم المحض لها، ولهذا نقول في باب الأسماء والصفات: تجرى على ظاهرها مع التنزيه عن التكييف والتمثيل، وهذا ما اتفق عليه أهل السنة والجماعة. وقوله: قوله: قوله: والكنزان: هما الذهب والفضة كنوز كسرى وقيصر؛ فالذهب عند قيصر، والفضة عند كسرى، وكل منهما عنده ذهب وفضة، لكن الأغلب على كنوز قيصر الذهب، وعلى كنوز كسرى الفضة. وقوله: (أعطيت) هل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعطيها في حياته، أم بعد موته؟ الجواب: بعد موته أعطيت أمته ذلك، لكن ما أعطيت أمته؛ فهو وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد! كالمعطى له؛ لأن امتداد ملك الأمة لا لأنها أمة عربية كما يقوله الجهال، بل لأنها أمة إسلامية أخذت بما كان عليه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ. قوله: السنة: الجدب والقحط، وهو يهلك ويدمر، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وعامة؛ أي: عموما تعمهم، هذه دعوة. قوله: ومعنى: (يستبيح): يستحل، والبيضة: ما يجعل على الرأس وقاية من السهام. والمراد: يظهر عليهم ويغلبهم. قوله: اعلم أن قضاء الله نوعان: 1-قضاء شرعي قد يرد؛ فقد يريده الله ولا يقبلونه. إني إذا قضيت قضاء؛ فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة، وأن لا أسلط عليهم من بأقطارهم، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا). 2- قضاء كوني لا يرد، ولابد أن ينفذ. وكلا القضاءين قضاء بالحق، وقد جمعهما قوله تعالى: ومثال القضاء الشرعي: قال تعالى: ومثال القضاء الكوني: قوله تعالى: والمراد بالقضاء في هذا الحديث: القضاء الكوني؛ فلا أحد يستطيع رده مهما كان من الكفر والفسوق؛ فقضاء الله نافذ على أكبر الناس عتوا واستكبارا، فقد نفذ على فرعون وأغرق بالماء الذي كان يفتخر به، وعلى طواغيت بني آدم فأهلكهم الله ودمرهم. وفي قوله: واعلم أن قضاء الله كمشيئته بالحكمة؛ فهولا يقضي قضاء إلا والحكمة تقتضيه، كما لا يشاء شيئا إلا والحكمة تقتضيه، ويدل عليه قوله تعالى: خلافا لمن أنكر حكمة الله من الجهمية وغيرهم، فقالوا: إنه لا يفعل الأشياء إلا لمجرد المشيئة، فجعلوا على زعمهم المخلوقين أكمل تصرفا من الله؛ لأن كل عاقل من المخلوقين لا يتصرف إلا لحكمة، ولهذا كان الذي يتصرف بسفه يحجر عليه، قال تعالى: فنحن نقول: إن الله ـ جل وعلاـ لا يفعل شيئا ولا يحكم بشيء إلا لحكمة، ولكن هل يلزم من الحكمة أن نحيط بها علما؟ الجواب: لا يلزم؛ لأننا أقصر من أن نحيط علما بحكم الله كلها، صحيح أن بعض الأشياء نعرف حكمتها، لكن بعض الأشياء تعجز العقول عن إدراكها. والمقصود من قوله: والقضاء قد يتوقف على الدعاء، بل إن كل قضاء أو أكثر القضاء له أسباب إما معلومة أو مجهولة؛ فدخول الجنة لا يمكن إلا بسبب يترتب دخول الجنة عليه، وهوالإيمان والعمل الصالح. كذلك حصول المطلوب، قد يكون الله ـ عز وجل ـ منعه حتى نسأل، لكن من الأشياء ما لا تقتضي الحكمة وجوده، وحينئذ يجازى الداعي بما هو أكمل، أو يؤخر له ويدخر له عند الله ـ عز وجل ـ أويصرف عنه من السوء ما هو أعظم، والدعاء إذا تمت فيه شروط القبول ولم يجب؛ فإننا نجزم بأنه ادخر له. وقوله: والثانية: قوله: وهذه الإجابة قيدت بقوله: وهذه هي الحكمة من تقديم قوله: ومن نعمة الله أن هذه الأمة لن تهلك بسنة بعامة أبدا؛ فكل من يدين بدين الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه لن يهلك، وإن هلك قوم في جهة بسنة؛ فإنه لا يهلك الآخرون. فإذا صار بعضهم يقتل ويسبي بعضهم بعضا؛ فإنه يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، وهذا هو الوقع؛ فالأمة الإسلامية حين كانت أمة واحدة عونا في الحق ضد الباطل كانت أمه مهيبة، ولما تفرقت وصار بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا؛ سلط الله عليهم عدوا من سوى أنفسهم، وأعظم ورواه البرقاني في (صحيحه)، وزاد: (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وقع عليهم السيف؛ لم يرفع إلى يوم القيامة، من سلط عليهم فيما أعلم التتار، فقد سلطوا على المسلمين تسليطا لا نظير له؛ فيقال: إنهم قتلوا في بغداد وحدها أكثر من خمسمائة عالم في يوم واحد، وهذا شيء عظيم، وقتلوا الخليفة، وجعلوا الكتب الإسلامية جسرا على نهر دجلة يطؤونها بأقدامهم ويفسدونها، وكانوا يأتون إلى الحوامل ويبقرون بطونهن ويخرجون أولادهن يتحركون أمامهم فيقتلونهم، وهي حية تشاهد ثم تموت. قال ابن الأثير في (الكامل): (لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها كارها لذكرها فأنا أقدم رجلا وأوخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه نعي الإسلام والمسلمين؟! ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟! فيا ليت أمي لم تلدني! ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ! إلا أني حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها وأنا متوقف، ثم رأيت أن ذلك لا يجدي ...)، وذكر كلاما طويلا ووقائع مفجعة، ومن أراد مزيدا من ذلك؛ فليرجع إلى حوادث سنة 617 من الكتاب المذكور. وفي الحديث دليل على تحريم القتال بين المسلمين، وإهلاك بعضهم بعضا، وسبي بعضهم بعضا، وأنه يجب أن يكونوا أمة واحدة حتى تبقى هيبتهم بين الناس وتخشاهم الأمم. قوله: والأئمة: جمع إمام، والإمام قد يكون إماما في الخير أو الشر، قال ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم تعالى في الخير: وقال تعالى عن آل فرعون أئمة: والذي في الحديث الباب: (الأئمة المضلين)، أئمة الشر، وصدق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن أعظم ما يخاف على الأمة الأئمة المضلون؛ كرؤساء الجهمية والمعتزلة وغيرهم الذين تفرقت الأمة بسببهم. والمراد بقوله: (الأئمة المضلين): الذين يقودون الناس باسم الشرع، والذين يأخذون الناس بالقهر والسلطان؛ فيشمل الحكام الفاسدين، والعلماء المضلين، الذين يدعون أن ما هم عليه شرع الله، وهم أشد الناس عداوة له. قال الإمام أحمد رحمه الله: لوكان لي دعوة مستجابة؛ لصرفتها للسلطان؛ فإن بصلاحه صلاح الأمة. قوله: قوله: وهل المراد باللحوق هنا اللحوق البدني، بمعنى أنه يذهب هذا الحي إلى المشركين ويدخلون فيهم، أواللحوق الحكمي، بمعنى أن يعملوا بعمل المشركين أوالأمران معا؟ الظاهر أن المراد جميع ذلك. وأما الحي؛ فالظاهر أن المراد به الجنس، وليس واحد الأحياء، وإن قيل: إن المراد واحد الأحياء؛ فلابد أن يكون لهذا الحي أثره وقيمته في الأمة الإسلامية، بحيث يتبين ويظهر، وربما يكون لهذا الحي إمام يزيغ ـ والعياذ بالله ـ ويفسد؛ فيتبعه كل الحي، ويتبين ويظهر أمره. قوله: قوله: وقوله: الجواب: ظهر بعضهم، وبعضهم ينتظر؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يحصرهم في يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي، زمن معين، وما دامت الساعة لم تقم؛ فهم ينتظرون. قوله: قوله: قوله: هذا من نعمة الله، فلما ذكر أن حيا من الأحياء يلتحقون بالمشركين، وأن فئاما يعبدون الأصنام، وأن أناسا يدعون النبوة؛ فيكون هنا الإخلال بالشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله بالشرك، وأن محمدا رسول الله بادعاء النبوة، وذلك أصل التوحيد، بل أصل الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فلما بين ذلك لم يجعل الناس ييأسون، فقال: والطائفة: الجماعة. وقوله: (على الحق)، جار ومجرور خبر تزال. قوله: (منصورة)، خبر ثان، ويجوز أن يكون حالا، والمعنى: لا تزال على الحق، وهي كذلك أيضا منصورة. قوله: قوله: الشاهد من هذا الحديث: قوله في رواية البرقاني: وقوله: فالمهم أن لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله. مسألة: قال بعض السلف: إن الطائفة المنصورة هم أهل الحديث؛ فما مدى صحة هذا القول؟ الجواب: هذا ليس بصحيح على إطلاقه، بل لابد من التفصيل، فإن أريد بذلك أهل الحديث المصطلح عليه، الذين يأخذون الحديث رواية ودراية وأخرج منهم الفقهاء وعلماء التفسير وما أشبه ذلك؛ فهذا ليس بصحيح؛ لأن علماء التفسير والفقهاء الذين يتحرون على الدليل هم في الحقيقة من أهل الحديث، ولا يختص بأهل الحديث صناعة؛ لأن العلوم الشرعية تفسير، وحديث، وفقه ... إلخ. فالمقصود: إن كل من تحاكم إلى الكتاب والسنة؛ فهو من أهل الحديث بالمعنى العام. وأهل الحديث هم: كل من يتحرى العمل بسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيشمل الفقهاء الذين يتحرون العمل بالسنة، وإن لم يكونوا من أهل الحديث اصطلاحا. فشيخ الإسلام ابن تيمية مثلا لا يعتبر اصطلاحا، من المحدثين، ومع ذلك؛ فهورافع لراية الحديث. والإمام أحمد رحمه الله تنازعه طائفتان: أهل الفقه قالوا: إنه فقيه، وأهل الحديث قالوا: إنه محدث. الأولى: تفسير آية النساء. الثانية: تفسير آية المائدة. الثالثة: تفسير آية الكهف. وهو إمام في الفقه والحديث والتفسير، ولاشك أن أقرب الناس تمسكا بالحديث هم الذين يعتنون به. ويخشى من التعبير بأن الطائفة المنصورة هم أهل الحديث أن يظن أنهم أهل الحديث الذين يعتنون به اصطلاحا، فيخرج غيرهم. فإذا قيل: أهل الحديث بالمعنى الأعم الذين يأخذون بالحديث، سواء انتسبوا إليه اصطلاحا واعتنوا به أولم يعتنوا، لكنهم أخذوا به؛ فحينئذ يكون صحيحا. * * * *الأولى: تفسير آية النساء، وهي قوله تعالى: *الثانية: تفسير آية المائدة، وهي قوله تعالى: *الثالثة: تفسير آية الكهف، يعني: قوله تعالى: الرابعة: وهي أهمها: ما معنى الإيمان بالجبت والطاغوت؟ هل هو اعتقاد قلب؟ أوموافقة أصحابها مع بغضها ومعرفة بطلانها؟ الخامسة: قولهم:إن الكفار يعرفون كفرهم أهدى سبيلا من المؤمنين. السادسة: وهي المقصود بالترجمة: أن هذا لابد أن يوجد في هذه الأمة كما تقرر في حديث أبي سعيد. السابعة: تصريحه بوقوعها ـ أعني: عبادة الأوثان ـ.
*الرابعة: ـ وهي أهمها ـ: ما معنى الإيمان بالجبت والطاغوت؟ هل هو اعتقاد القلب، أو موافقة أصحابها مع بغضها ومعرفة بطلانها؟ أما إيمان القلب واعتقاده؛ فهذا لاشك في دخوله في الآية. وأما موافقة أصحابها في العمل مع بغضها ومعرفة بطلانها؛ فهذا يحتاج إلى تفصيل، فإن كان وافق أصحابها بناء على أنها صحيحة؛ فهذا كفر، وإن كان وافق أصحابها ولا يعتقد أنها صحيحة؛ فإنه لا يكفر، لكنه لاشك على خطر عظيم يخشى أن يؤدي به الحال إلى الكفر والعياذ بالله. *الخامسة: قولهم إن الكفار الذين يعرفون كفرهم أهدى سبيلا من المؤمنين، يعني: إن هذا القول كفر وردة؛ لأن من زعم أن الكفار الذين يعرف كفرهم أهدى سبيلا من المؤمنين؛ فإنه كافر لتقديمه الكفر على الإيمان. *السادسة ـ وهي المقصود بالترجمة ـ: أن هذا لابد أن يوجد في هذه الأمة كما تقرر في حديث أبي سعيد. *السابعة: تصريحه بوقوعها؛ أعني: عبادة الأوثان، والترجمة التي أشار الثامنة: العجب العجاب: خروج من يدعي النبوة؛ مثل المختار، مع تكلمه بالشهادتين، وتصريحه بأنه من هذه الأمة، وأن الرسول حق، وأن القرآن حق، وفيه أن محمدا خاتم النبيين، ومع هذا يصدق في هذا كله، مع التضاد الواضح، وقد خرج المختار في آخر عهد الصحابة، وتبعه فئام كثيرة. إليهما رحمه الله هي قوله: (باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان)، وحديث أبي سعيد هو قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وهذا يتضمن التحذير من أن تقع هذه الأمة في مثل ما وقع فيه من سبقها. *الثامنة: العجب العجاب: خروج من يدعي النبوة، مثل المختار مع تكلمه بالشهادتين، وتصريحه بأنه من هذه الأمة، وأن الرسول حق، وأن القرآن حق، وفيه أن محمدا خاتم النبيين، ومع هذا يصدق في هذا كله، مع التضاد الواضح، وقد خرج المختار في آخر عهد الصحابة، وتبعه فئام كثيرة. والمختار هوابن أبي عبيد الثقفي، خرج وغلب على الكوفة في أول خلافة ابن الزبير رضي الله عنه، وأظهر محبة آل البيت، ودعا الناس إلى الثأر من قتلة الحسين؛ فتتبعهم، وقتل كثيرا ممن باشر ذلك أوأعان عليه، فانخدع به العامة، ثم ادعى النبوة وزعم أن جبريل يأتيه. ولاشك أن هذه المسألة من العجب العجاب أن يدعي النبوة وهو يؤمن التاسعة: البشارة بأن الحق لا يزول بالكلية كما زال فيما مضى، بل لا تزال عليه طائفة. العاشرة: الآية العظمى: أنهم مع قلتهم لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم. الحادية عشرة: أن ذلك الشرط إلى قيام الساعة. الثانية عشرة: ما فيه من الآيات العظيمة: أن القرآن حق، وفي القرآن أن محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاتم النبيين؛ فكيف يكون صادقا، وكيف يصدق مع هذا التناقض؟ ! ولكن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور. *التاسعة: البشارة بأن الحق لا يزول بالكلية كما زال فيما مضي، بل لا تزال عليه طائفة، يعني: من هذه الأمة منصورة إلى يوم القيامة. يؤخذ من آخر الحديث: *العاشرة: الآية العظمى أنهم مع قتلهم لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، وهذه آية عظمى: أن الكثرة الكاثرة من بني آدم خلاف ذلك، ومع ذلك لا يضرونهم، *الحادية عشرة: أن ذلك الشرط إلى قيام الساعة، قد سبق. *الثانية عشرة: ما فيه من الآيات العظيمة، أي: ما في هذا الحديث من الآيات العظيمة، والآيات: جمع آية، وهي العلامة، والآيات التي يؤيد الله بها رسله عليهم الصلاة والسلام هي العلامات الدالة على صدقهم. منها إخباره بأن الله زوى له المشارق والمغارب، وأخبر بمعنى ذلك فوقع كما أخبر؛ بخلاف الجنوب والشمال. وإخباره بأنه أعطي الكنزين. وإخباره بإجابة دعوته لأمته في الاثنتين. وإخباره بأنه منع الثالثة. وإخباره بوقوع السيف، وأنه لا يرفع إذا وقع. وإخباره بإهلاك بعضهم بعضا، وسبي بعضهم بعضا. وخوفه على أمته من الأئمة المضلين. وإخباره بظهور المتنبئين في هذه الأمة. وإخباره ببقاء الطائفة المنصورة. وكل هذا كما أخبر، مع أن كل واحدة منها أبعد ما يكون في العقول. فما في هذا الحديث: إخباره بأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ زوى له المشارق والمغارب، وأخبر بمعنى ذلك؛ فوقع كما أخبر بخلاف الجنوب والشمال، فإن رسالة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ امتدت نحوالشرق والغرب أكثر من امتدادها نحوالجنوب والشمال، وهذا من علم الغيب الذي أطلع الله رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليه. ومنها: إخباره أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعطي الكنزين، وهما كنز كسرى وقيصر. ومنها: إخباره بإجابة دعوته في الاثنتين، وهما ألا يهلكها بسنة بعامة، وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم حتى يكون بعضهم يهلك بعضا... إلخ، ومنع الثالثة، وهي ألا يجعل بأس هذه الأمة بينها؛ فإن هذا سوف يكون كما صرح به حديث عامر بن سعد عن أبيه: (إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أقبل ذات يوم من العالية، حتى إذا مر بمسجد بني معاوية؛ فركع فيه ركعتين وصلينا معه، ودعا دعاء طويلا، وانصرف إلينا؛ فقال: الثالثة عشرة: حصر الخوف على أمته من الأئمة المضلين. ومن هذه الآيات التي تضمنها هذا الحديث: إخباره بوقوع السيف في أمته، وأنه إذا وقع؛ فإنه لا يرفع حتى تقوم الساعة، وقد كان الأمر كذلك؛ فإنه منذ سلت السيوف على المسلمين من بعضهم بعض بقي هذا إلى يومنا هذا. ومنها: إخباره بإهلاك بعضهم بعضا وسبي بعضهم بعضا، هذا واقع. ومنها: خوفه على أمته من الأئمة المضلين، والأئمة: جمع إمام، والإمام: هومن يقتدى به، إما لعلمه، وإما لسلطته، وإما لعبادته. ومنها: إخباره بظهور المتنبئين في هذه الأمة، وأنهم ثلاثون، قال ابن حجر: (1) قلت: فيكون ذكر الثلاثين لبيان الحد الأدنى؛ أي: أنهم لا ينقصون عن ذلك العدد، وإنما عدلنا عن ظاهر اللفظ للأمر الواقع، وهذا ـ والله أعلم ـ هوالسر في ترك المؤلف رحمه الله العدد في مسائل الباب مع أنه صريح في الحديث. ومنها: إخباره ببقاء الطائفة المنصورة، وهذا كله وقع كما أخبر. قال الشيخ رحمه الله: (2) *الثالثة عشرة: حصر الخوف على أمته من الأئمة المضلين، ووجه هذا الرابعة عشرة: التنبيه على معنى عبادة الأوثان. الحصر أن الأئمة ثلاثة أقسام: أمراء وعلماء وعباد؛ فهم الذين يخشى من إضلالهم لأنهم متبوعون؛ فالأمراء لهم السلطة والتنفيذ، والعلماء لهم التوجيه والإرشاد، والعباد لهم تغرير الناس وخداعهم بأحوالهم؛ فهؤلاء يطاعون ويقتدى بهم، فيخاف على الأمة منهم؛ لأنهم إذا كانوا مضلين ضل بهم كثير من الناس، وإذا كانوا هادين اهتدى بهم كثير من الناس. *الرابعة عشرة: التنبيه على معنى عبادة الأوثان، يعني أن عبادة الأوثان لا تختص بالركوع والسجود لها، بل تشمل اتباع المضلين الذين يحلون ما حرم الله فيحله الناس، ويحرمون ما أحله الله فيحرمه الناس. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. * * *
|