الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
فأجاب بقوله: الحكم فيمن يدعي علم الغيب أنه كافر، لأنه مكذب لله عز وجل قال الله تعالى: فأجاب بقوله : قبل أن أتكلم عن هذه المسألة أحب أن أبين أنه لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبداً، وأنه إذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة، فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة له، وإما أن يكون القرآن الكريم غير صريح في معارضته، لأن صريح القرآن الكريم وحقيقة الواقع كلاهما قطعي، ولا يمكن تعارض القطعيين أبداً . فإذا تبين ذلك فقد قيل : إنهم الآن توصلوا بواسطة الآلات الدقيقة للكشف عما في الأرحام، والعلم بكونه أنثى أو ذكراً فإن كان ما قيل باطلاً فلا كلام، وإن كان صدقاً فإنه لا يعارض الآية، حيث إن الآية تدل على أمر غيبي هو متعلق علم الله تعالى في هذه الأمور الخمسة، والأمور الغيبية في حال الجنين هي : مقدار مدته في بطن أمه، وحياته، وعمله، ورزقه، وشقاوته أو سعادته، وكونه ذكراً أم أنثى، قبل أن يخلَّق، أما بعد أن يخلق، فليس العلم بذكورته أو أنوثته من علم الغيب، لأنه بتخليقه صار من علم الشهادة، إلا أنه مستتر في الظلمات الثلاثة، التي لو أزيلت لتبين أمره، ولا يبعد أن يكون فيما خلق الله تعالى من الأشعة أشعة قوية تخترق هذه الظلمات حتى يتبين الجنين ذكراً أم أنثى . وليس في الآية تصريح بذكر العلم بالذكورة والأنوثة، وكذلك لم تأت السنة بذلك. وأما ما نقله السائل عن ابن جرير عن مجاهد أن رجلاً سأل النبي، صلي الله عليه وسلم عما تلد امرأته، فأنزل الله الآية. فالمنقول هذا منقطع لأن مجاهداً رحمه الله من التابعين. وأما تفسير قتادة رحمه الله فيمكن أن يحمل على أن اختصاص الله تعالى بعلمه ذلك إذا كان لم يخلق، أما بعد أن يخلَّق فقد يعلمه غيره. قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية لقمان: وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكراً أو أنثى أو شقياً أو سعيداً علم الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء من خلقه . أ.هـ. وأما سؤالكم عن المخصص لعموم قوله تعالى: وإذا كانت الآية لا تتناول ما بعد التخليق وإنما يراد بها ما قبله فليس فيها ما يعارض ما قيل من العلم بذكورة الجنين وأنوثته. والحمد لله أنه لم يوجد ولن يوجد في الواقع ما يخالف صريح القرآن الكريم، وما طعن فيه أعداء المسلمين على القرآن الكريم من حدوث أمور ظاهرها معارضة القرآن الكريم فإنما ذلك لقصور فهمهم لكتاب الله تعالى، أو تقصيرهم في ذلك لسوء نيتهم، ولكن عند أهل الدين والعلم من البحث والوصول إلى الحقيقة ما يدحض شبهة هؤلاء ولله الحمد والمنة. والناس في هذه المسألة طرفان ووسط: فطرف تمسك بظاهر القرآن الكريم الذي ليس بصريح، وأنكر خلافه من كل أمر واقع متيقن، فجلب بذلك الطعن إلى نفسه في قصوره أو تقصيره، أو الطعن في القرآن الكريم حيث كان في نظره مخالفاً للواقع المتيقن. وطرف أعرض عما دل عليه القرآن الكريم وأخذ بالأمور المادية المحضة، فكان بذلك من الملحدين. وأما الوسط فأخذوا بدلالة القرآن الكريم وصدقوا بالواقع، وعلموا أنَّ كلاًّ منهما حق، ولا يمكن أن يناقض صريح القرآن الكريم أمراً معلوماً بالعيان، فجمعوا بين العمل بالمنقول والمعقول، وسلمت بذلك أديانهم وعقولهم، وهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. وفقنا الله وإخواننا المؤمنين لذلك، وجعلنا هداة مهتدين، وقادة مصلحين، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب. فأجاب فضيلته بقوله : خلاصة رأينا حول دوران الأرض أنه من الأمور التي لم يرد فيها نفي ولا إثبات لا في الكتاب ولا في السنة، وذلك لأن قوله تعالى : وقوله: أما رأينا حول دوران الشمس على الأرض الذي يحصل به تعاقب الليل والنهار، فإننا مستمسكون بظاهر الكتاب والسنة من أن الشمس تدور على الأرض دوراناً يحصل به تعاقب الليل والنهار، حتى يقوم دليل قطعي يكون لنا حجة بصرف ظاهر الكتاب والسنة إليه - وأنى ذلك - فالواجب على المؤمن أن يستمسك بظاهر القرآن الكريم والسنة في هذه الأمور وغيرها. ومن الأدلة على أن الشمس تدور على الأرض دوراناً يحصل به تعاقب الليل والنهار، قوله تعالى: وأما ما ذكره علماء الفلك العصريون، فإنه لم يصل عندنا إلى حدّ اليقين فلا ندع من أجله ظاهر كتاب ربّنا وسنة نبينا. ونقول لمن أسند إليه تدريس مادة الجغرافيا : يبين للطلبة أن القرآن الكريم والسنة كلاهما يدل بظاهره على أن تعاقب الليل والنهار، إنما يكون بدوران الشمس على الأرض لا بالعكس. فإذا قال الطالب: أيهما نأخذ به أظاهر الكتاب والسنة أم ما يدعيه هؤلاء الذين يزعمون أن هذه من الأمور اليقينيات؟ فجوابه : أنا نأخذ بظاهر الكتاب والسنة، لأن القرآن الكريم كلام الله تعالى الذي هو خالق الكون كله، والعالم بكل ما فيه من أعيان وأحوال، وحركة وسكون، وكلامه تعالى أصدق الكلام وأبينه، وهو سبحانه أنزل الكتاب تبياناً لكل شيء، وأخبر سبحانه أنه يبين لعباده لئلا يضلوا، وأما السنة فهي كلام رسول رب العالمين، وهو أعلم الخلق بأحكام ربه وأفعاله، ولا ينطق بمثل هذه الأمور إلا بوحي من الله عز وجل لأنه لا مجال لتلقيها من غير الوحي وفي ظني والله أعلم أنه سيجيىء الوقت الذي تتحطم فيه فكرة علماء الفلك العصريين كما تحطمت فكرة داروين حول نشأة الإنسان. فأجاب بقوله: ظاهر الأدلة الشرعية تثبت أن الشمس هي التي تدور على الأرض، وبدورتها يحصل تعاقب الليل والنهار على سطح الأرض وليس لنا أن نتجاوز ظاهر هذه الأدلة إلا بدليل أقوى من ذلك يسوغ لنا تأويلها عن ظاهرها. ومن الأدلة على أن الشمس تدور على الأرض دوراناً يحصل به تعاقب الليل والنهار ما يلي: 1. قال الله تعالى عن إبراهيم في محاجته لمن حاجه في ربه : 2. وقال أيضاً عن إبراهيم : 3. قال تعالى : 4. وقال تعالى : 5. وقال تعالى : 6. وقال تعالى: 7. وقال تعالى : 8. وقال تعالى : 9. وقال النبي صلي الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه وقد غربت الشمس: 10. الأحاديث الكثيرة في إضافة الطلوع والغروب والزوال إلى الشمس فإنها ظاهرة في وقوع ذلك منها لا من الأرض عليها. ولعل هناك أدلة أخرى لم تحضرني الآن ولكن فيما ذكرت فتح باب وهو كاف فيما أقصد. والله الموفق.
فأجاب قائلاً : الشهادتان " شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله " هما مفتاح الإسلام ولا يمكن الدخول إلى الإسلام إلا بهما، ولهذا أمر النبي صلي الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن أن يكون أول ما يدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. فأما الكلمة الأولى: " شهادة أن لا إله إلا الله " فأن يعترف الإنسان بلسانه وقلبه بأنه لا معبود حق إلا الله عز وجل لأن إله بمعنى مألوه والتأله التعبد. والمعني أنه لا معبود حق إلا الله وحده، وهذه الجملة مشتملة على نفي وإثبات، أما النفي فهو " لا إله " وأما الإثبات ففي " إلا الله " والله " لفظ الجلالة " بدل من خبر " لا " المحذوف، والتقدير " لا إله حق إلا الله " فهو إقرار باللسان بعد أن آمن به القلب بأنه لا معبود حق إلا الله عز وجل وهذا يتضمن إخلاص العبادة لله وحده ونفي العبادة عما سواه. وبتقديرنا الخبر بهذه الكلمة " حق " يتبين الجواب عن الإشكال الذي يورده كثير من الناس وهو : كيف تقولون لا إله إلا الله مع أن هناك آلهة تعبد من دون الله وقد سماها الله تعالى آلهة وسماها عابدها آلهة قال الله تبارك وتعالى : أما معنى شهادة " أن محمداً رسول الله" فهو الإقرار باللسان والإيمان بالقلب بأن محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي صلى الله عليه وسلم رسول الله عز وجل إلى جميع الخلق من الجن والإنس كما قال الله تعالى : وبهذا المعنى تعلم أنه لا يستحق العبادة لا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من دونه من المخلوقين، وأن العبادة ليست إلا لله تعالى وحده فأجاب بقوله : هي تشمل جميع أنواع التوحيد كلها، إما بالتضمن، وإما بالالتزام، وذلك أن قول القائل " أشهد أن لا إله إلا الله " يتبادر إلى الذهن أن المراد بها توحيد العبادة الذي يسمى توحيد الألوهية وهو متضمن لتوحيد الربوبية، لأن كل من عبد الله وحده، فإنه لن يعبده حتى يكون مقراً له بالربوبية، وكذلك متضمن لتوحيد الأسماء والصفات، لأن الإنسان لا يعبد إلا من علم أنه مستحق للعبادة، لما له من الأسماء والصفات، ولهذا قال إبراهيم لأبيه: فأجاب بقوله: قول هذا القائل قول ناقص، فإن هذا معنى من معاني " لا إله إلا الله " ومعناها الحقيقي الذي دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفر به المشركون أنه لا معبود بحق إلا الله، فالإله بمعنى مفعول، وتأتي فِعال بمعنى مفعول وهذا كثير ، ومنه فراش بمعنى مفروش ، وبناء بمعنى مبني، وغراس بمعنى مغروس، فإله بمعني مألوه، أي الذي تألهه القلوب وتحبه وتعظمه ولا يستحق هذا حقّاً إلا الله. فهذا معنى لا إله إلا الله. وقد قسم العلماء التوحيد إلى أقسام ثلاثة : ربوبية، وألوهية، وأسماء وصفات، فتوحيد الربوبية هو إفراد الله سبحانه بالخلق والملك والتدبير، وتوحيد الألوهية هو إفراد الله سبحانه بالعبادة، وتوحيد الأسماء والصفات هو إفراد الله بما يجب له من الأسماء والصفات بأن نثبتها لله تعالى على وجه الحقيقة من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. وقد يقول البعض : إن هذا التقسيم للتوحيد بدعة. ولكن نقول : بتتبع النصوص الواردة في التوحيد وجدناها لا تخرج عن هذه الأقسام الثلاثة، والاستدلال المبني على التتبع والاستقراء ثابت حتىفي القرآن، كما في قوله تعالى: وبعض المتكلمين قالوا : التوحيد أن تؤمن أن الله واحد في أفعاله لا شريك له، واحد في ذاته لا جزء له، واحد في صفاته لا شبيه له، وهذا تقسيم قاصر. فأجاب بقوله: أول واجب على الخلق هو أول ما يدعى الخلق إليه وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه لليمن فقال له : فأجاب قائلاً : قبل أن أتكلم عن هذا السؤال أحب أن أنبه على قاعدة عامة فيما يخلقه الله عز وجل وفيما يشرعه. وهذه القاعدة مأخوذه من قوله تعالى : فأجاب بقوله : العبادة لها مفهوم عام، ومفهوم خاص. فالمفهوم العام: هي " التذلل لله محبة وتعظيماً بفعل أوامره، واجتناب نواهيه على الوجه الذي جاءت به شرائعه". والمفهوم الخاص : يعني تفصيلها. قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية : هي " اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال، والأعمال الظاهرة والباطنة كالخوف، والخشية، والتوكل والصلاة، والزكاة، والصيام، وغير ذلك من شرائع الإسلام" . وقد يكون قصد السائل بمفهوم العبادة ما ذكره بعض العلماء من أن العبادة إمّا عبادة كونية، أو عبادة شرعية، يعني أن الإنسان قد يكون متذللاً لله سبحانه وتعالى تذللاً كونياً وتذللاً شرعياً. فالعبادة الكونية تشمل المؤمن والكافر، والبر والفاجر لقوله تعالى : وأما العبادة الشرعية: فهي التذلل له سبحانه وتعالى شرعاً فهذه خاصة بالمؤمنين بالله سبحانه وتعالى القائمين بأمره، ثم إن منها ما هو خاص أخص كعبودية الرسل، عليهم الصلاة والسلام، مثل قوله تعالى: والعابدون بالعبودية الكونية لا يثابون عليها، لأنهم خاضعون لله تعالى شاؤوا أم أبوا فالإنسان يمرض، ويفقر، ويفقد محبوبه من غير أن يكون مريداً لذلك بل هو كاره لذلك لكن هذا خضوع لله عز وجل خضوعاً كونياً. فأجاب قائلاً : دعاء الإنسان على نفسه بالموت حرام ولا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فأجاب قائلاً : لا ينبغي للإنسان إذا دعا الله سبحانه وتعالى أن يقول " إن شاء الله " في دعائه بل يعزم المسألة ويعظم الرغبة فإن الله سبحانه وتعالى لا مكره له وقد قال سبحانه وتعالى: فنقول: بلى ولكن هذا يظهر أنه ليس من باب الدعاء وإنما هو من باب الخبر والرجاء وليس دعاء فإن الدعاء من آدابه أن يجزم به المرء. والله أعلم. فأجاب بقوله: الحديث الأول صحيح، وفي لفظ : منها أن أحداً يكره الله ، ومنها أن مغفرة الله ورحمته أمر عظيم لا يعطيه الله لك ، ولذلك قال: أما ما جاء في الحديث الثاني من قول : " إن شاء الله " فهي أخف وقعاً من قول : إن شئت ، لأن القائل قد يريد بها التبرك لا التعليق. فوجه الجمع أن التعبير بإن شاء الله أهون من إن شئت. ويرد على ذلك أن هذا يفيد أن قول : إن شاء الله منهي عنه لكن دون قول : إن شئت. فكيف يكون منهياً عنه ثم يقوله النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الثاني الذي ذكره السائل؟ وإن كان فيه نظر من حيث الصحة، لكن ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عاد مريضاً يقول: فأجاب رعاه الله بقوله : اختلف في المراد به على قولين: القول الأول: أن المراد لا تسألوا أحداً من المخلوقين بوجه الله فإذا أردت أن تسأل أحداً من المخلوقين لا تسأله بوجه الله، لأنه لا يسأل بوجه الله إلا الجنة، والخلق لا يقدرون على إعطاء الجنة، فإذاً لا يسألون بوجه الله مطلقاً. القول الثاني: أنك إذا سألت الله فإن كان الجنة وما يستلزم دخولها فاسأل بوجه الله، وإن كان من أمور الدنيا فلا تسأل بوجه الله، فأمور الآخرة تسأل بوجه الله كقولك مثلاً : أسألك بوجهك أن تنجيني من النار. والنبي صلى الله عليه وسلم استعاذ بوجه الله لما نزل قوله تعالى: ولو قيل : إنه يحتمل المعنيين جميعاً لكان له وجه. فأجاب فضيلته بقوله : الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وأسأل الله تعالى لي ولإخواني المسلمين التوفيق للصواب عقيدة، وقولاً، وعملاً، يقول الله عز وجل: الشرط الأول: الإخلاص لله عز وجل بأن يخلص الإنسان في دعائه فيتجه إلى الله سبحانه وتعالى بقلب حاضر صادق في اللجوء إليه عالم بأنه عز وجل قادر على إجابة الدعوة، مؤمل الإجابة من الله سبحانه وتعالى. الشرط الثاني: أن يشعر الإنسان حال دعائه بأنه في أمسِّ الحاجة بل في أمس الضرورة إلى الله سبحانه وتعالى وأن الله تعالى وحده هو الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، أما أن يدعو الله عز وجل وهو يشعر بأنه مستغن عن الله سبحانه وتعالى وليس في ضرورة إليه وإنما يسأل هكذا عادة فقط فإن هذا ليس بحري بالإجابة. الشرط الثالث: أن يكون متجنباً لأكل الحرام فإن أكل الحرام حائل بين الإنسان والإجابة كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أولاً : رفع اليدين إلى السماء أي إلى الله عز وجل لأنه تعالى في السماء فوق العرش، ومد اليد إلى الله عز وجل من أسباب الإجابة كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند : ثانياً : هذا الرجل دعا الله تعالى باسم الرب " يا رب يا رب " والتوسل إلى الله تعالى بهذا الاسم من أسباب الإجابة ، لأن الرب هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور فبيده مقاليد السماوات والأرض ولهذا تجد أكثر الدعاء الوارد في القرآن الكريم بهذا الاسم: ثالثاً: هذا الرجل كان مسافراً والسفر غالباً من أسباب الإجابة لأن الإنسان في السفر يشعر بالحاجة إلى الله عز وجل والضرورة إليه أكثر مما إذا كان مقيماً في أهله، وأشعث أغبر كأنه غير معني بنفسه كأن أهم شيء عنده أن يلتجىء إلى الله ويدعوه على أي حال كان هو سواء كان أشعث أغبر أم مترفاً، والشعث والغبر له أثر في الإجابة كما في الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا عشية عرفة يباهي الملائكة بالواقفين فيها يقول هذه الأسباب لإجابة الدعاء لم تجد شيئاً، لكون مطعمه حراماً ، وملبسه حراماً ، وغذي بالحرام، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ثم إن المهم أيضاً أن لا يستبطىء الإنسان الإجابة، فإن هذا من أسباب منع الإجابة أيضاً كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : دعاء مدرس اللغة العربية: اللهم اجعلني فاعلاً للخير ومرفوعاً عن الشر. دعاء مدرس الرياضيات: اللهم اجعلني مستقيماً في حياتي ولا تجعل الدنيا حادة عليَّ. دعاء مدرس الجيولوجيا: اللهم أبعدني عن العوامل المؤثرة في النفوس، واجعلني في حبك بركاناً، ولكملتك زلزالاً، واجعلني من معدن صلب وصخر قوي واجعل لي صلابة عالية. فأجاب بقوله : دعاء الله تعالى عبادة يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل لقوله تعالى: والواجب على العبد إن كان صادقاً في دعاء ربه أن يدعو الله عز وجل بأدب وصدق افتقار إليه وأن يدعو الله بما يحتاجه من أمور دينه ودنياه على الوجه الذي جاءت به السنة. أما هذه الصيغ التي ذكرها السائل ففيها عدة محاذير: الأول : أنها تقال على سبيل التندر والتنطع وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : الثاني : أنها لا تنم عن داع يعتبر نفسه مفتقراً إلى الله تعالى يدعوه دعاء خائف راجٍ . الثالث: أن بعضها يحمل معاني فاسدة أو معاني أشبه ما تكون باللغو كما في دعاء مدرس الجيولوجيا. ونصيحتي لهؤلاء أن يتقوا الله ويخافوا مقامه وأن لا يتخذوا آيات الله هزؤاً ، وأن يعلموا أن مقام الرب عظيم لا يخاطب جل وعلا بمثل هذه الكلمات السخيفة المتكلفة نسأل الله لنا ولهم الهداية. فأجاب بقوله : الإخلاص لله تعالى معناه: " أن يقصد المرء بعبادته التقرب إلى الله سبحانه وتعالى والتوصل إلى دار كرامته". وإذا أراد العبد بعبادته شيئاً آخر ففيه تفصيل حسب الأقسام التالية: القسم الأول : أن يريد التقرب إلى غير الله تعالى في هذه العبادة ونيل الثناء عليها من المخلوقين فهذا يحبط العمل، وهو من الشرك. وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى : القسم الثاني : أن يقصد بها الوصول إلى غرض دنيوي كالرئاسة والجاه، والمال دون التقرب بها إلى الله تعالى فهذا عمله حابط لا يقربه إلى الله تعالى لقول الله تعالى : والفرق بين هذا والذي قبله أن الأول قصد أن يثنى عليه من قبل أنه عابد لله تعالى وأما هذا الثاني فلم يقصد أن يثنى عليه من قبل أنه عابد لله ولا يهمه أن يثنى الناس عليه بذلك. القسم الثالث : أن يقصد بها التقرب إلى الله تعالى والغرض الدنيوي الحاصل بها مثل أن يقصد مع نية التعبد لله تعالى بالطهارة تنشيط الجسم وتنظيفه ، وبالصلاة تمرين الجسم وتحريكه ، وبالصيام تخفيف الجسم وإزالة فضلاته، وبالحج مشاهدة المشاعر والحجاج فهذا ينقص أجر الإخلاص، ولكن إن كان الأغلب عليه نية التعبد فقد فاته كمال الأجر، ولكن لا يضره ذلك باقتراف إثم أو زور لقوله تعالى في الحجاج : وإن كان الأغلب عليه نية غير التعبد فليس له ثواب في الآخرة وإنما ثوابه ما حصله في الدنيا، وأخشى أن يأثم بذلك لأنه جعل العبادة التي هي أعلى الغايات وسيلة للدنيا الحقيرة ، فهو كمن قال الله فيهم :
وإن تساوى عنده الأمران فلم تغلب نية التعبد ولا نية غير التعبد فمحل نظر، والأقرب أنه لا ثواب له كمن عمل لله تعالى ولغيره. والفرق بين هذا القسم والذي قبله أن غرض غير التعبد في القسم السابق حاصل بالضرورة فإرادته إرادة حاصلة بعمله بالضرورة وكأنه أراد ما يقتضيه العمل من أمر الدنيا . فإن قيل : ما هو الميزان لكون مقصوده في هذا القسم أغلبه التعبد أو غير التعبد؟ قلنا: الميزان أنه إذا كان لا يهتم بما سوى العبادة حصل أم لم يحصل فقد دل على أن الأغلب نية التعبد والعكس بالعكس . وعلى كل حال فإن النية التي هي قول القلب أمرها عظيم وشأنها خطير فقد ترتقي بالعبد إلى درجة الصديقين وقد ترده إلى أسفل السافلين، قال بعض السلف: "ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص". فنسأل الله لنا ولكم الإخلاص في النية، والصلاح في العمل. فأجاب بقوله : اختلف العلماء هل يُقدم الإنسان الرجاء أو يقدم الخوف على أقوال: فقال الإمام أحمد رحمه الله : " ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحداً، فلا يغلب الخوف ولا يغلب الرجاء". قال رحمه الله :" فأيهما غلب هلك صاحبه " . لأنه إن غلب الرجاء وقع الإنسان في الأمن من مكر الله، وإن غلب الخوف وقع في القنوط من رحمة الله. وقال بعض العلماء :" ينبغي تغليب الرجاء عند فعل الطاعة وتغليب الخوف عند إرادة المعصية"، لأنه إذا فعل الطاعة فقد أتى بموجب حسن الظن، فينبغي أن يغلب الرجاء وهو القبول، وإذا هم بالمعصية أن يغلب الخوف لئلا يقع في المعصية. وقال آخرون : ينبغي للصحيح أن يغلب جانب الخوف وللمريض أن يغلب جانب الرجاء لأن الصحيح إذا غلب جانب الخوف تجنب المعصية، والمريض إذا غلب جانب الرجاء لقي الله وهو يحسن الظن به. والذي عندي في هذه المسألة أن هذا يختلف باختلاف الأحوال وأنه إذا خاف إذا غلب جانب الخوف أن يقنط من رحمة الله وجب عليه أن يرد ويقابل ذلك بجانب الرجاء وإذا خاف إذا غلب الرجاء أن يأمن مكر الله فليرد ويغلب جانب الخوف، والإنسان في الحقيقة طبيب نفسه إذا كان قلبه حيًّا، أما صاحب القلب الميت الذي لا يعالج قلبه ولا ينظر أحوال قلبه فهذا لا يهمه الأمر. فأجاب بقوله : نعم يجوز ذلك لأن كلمات الله من صفاته، ولهذا استدل العلماء بقول النبي صلى الله عليه وسلم :
فأجاب بقوله: الواجب على المؤمن أن يعلق قلبه على الله عز وجل وأن يصدق الاعتماد عليه في جلب المنافع ودفع المضار فإن الله وحده هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله كما قال الله تعالى: ولكن يفعل الأسباب الشرعية والقدرية الحسية التي أمر الله تعالى بها، لأن أخذ الأسباب الجالبة للخير المانعة من الشر من الإيمان بالله تعالى وحكمته ولا تنافي التوكل فها هو سيد المتوكلين محمد، رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخذ الأسباب الشرعية والقدرية فكان يعوذ نفسه عند النوم بالإخلاص والمعوذتين، وكان يلبس الدروع في الحروب، وخندق على المدينة حين اجتمع أحزاب الشرك حولها حماية لها، وقد جعل الله تعالى ما يتقي به العبد شرور الحروب من نعمه التي يستحق الشكر عليها فقال عن نبيه دواد : وعلى هذا فإن أهل البلاد القريبة من مواقع الحرب التي يخشى أن يصيبها من آثاره ليس عليهم حرج في الاحتياط باستعمال الكمامات المانعة من تسرب الغازات المهلكة إلى أبدانهم، والتحصينات المانعة من تسربه إلى بيوتهم، لأن هذا من الأسباب الواقية من الشر المحصنة من البأس، ولا حرج عليهم أن يدخروا لأنفسهم من الأطعمة وغيرها ما يخافون أن يحتاجوا إليه فلا يجدوه، وكلما قويت الخشية من ذلك كان طلب الاحتياط أقوى. ولكن يجب أن يكون اعتمادهم على الله عز وجل فيستعملوا هذه الأسباب بمقتضى شرع الله وحكمته على أنها أسباب أذن الله لهم فيها لا على أنها الأصل في جلب المنافع ودفع المضار، وأن يشكروا الله تعالى حيث يسر لهم مثل هذه الأسباب وأذن لهم بها. والله أسأل أن يقينا جميعاً أسباب الفتن والهلاك، وأن يحقق لنا ولإخواننا قوة الإيمان به والتوكل عليه والأخذ بالأسباب التي أذن بها على الوجه الذي يرضى به عنا إنه جواد كريم و صلى الله عليه وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين. فأجاب حفظه الله بقوله : التعلق بالأسباب أقسام: القسم الأول : ما ينافي التوحيد في أصله، وهو أن يتعلق الإنسان بشيء لا يمكن أن يكون له تأثير ويعتمد عليه اعتماداً كاملاً معرضاً عن الله مثل تعلق عباد القبور بمن فيها عند حلول المصائب وهذا شرك أكبر مخرج عن الملة وحكم الفاعل ما ذكره الله تعالى بقوله : القسم الثاني: أن يعتمد على سبب شرعي صحيح مع غفلته عن المسبِّب وهو الله تعالى فهذا نوع من الشرك ولكن لا يخرج من الملة، لأنه اعتمد على السبب ونسي المسبب وهو الله تعالى. القسم الثالث: أن يتعلق بالسبب تعلقاً مجرداً لكونه سبباً فقط، مع اعتماده الأصلي على الله فيعتقد أن هذا السبب من الله، وأن الله لو شاء قطعه ولو شاء لأبقاه وأنه لا أثر للسبب في مشيئة الله عز وجل فهذا لا ينافي التوحيد لا أصلاً ولا كمالاً. ومع وجود الأسباب الشرعية الصحيحة ينبغي للإنسان أن لا يعلق نفسه بالسبب بل يعلقها بالله، فالموظف الذي يتعلق قلبه بمرتبه تعلقاً كاملاً مع الغفلة عن المسبب وهو الله فهذا نوع من الشرك، أما إذا اعتقد أن المرتب سبب والمسبب هو الله سبحانه وتعالى فهذا لا ينافي التوكل، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يأخذ بالأسباب مع اعتماده على المسبب وهو الله عز وجل. فأجاب بقوله : الرقية على المريض المصاب بسحر أو غيره من الأمراض لا بأس بها إن كانت من القرآن الكريم أو من الأدعية المباحة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرقي أصحابه، ومن جملة ما يرقيهم به: وأما كتابة الآيات والأذكار وتعليقها فقد اختلف أهل العلم في ذلك: فمنهم من أجازه، ومنهم من منعه، والأقرب المنع من ذلك، لأن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما الوارد أن يقرأ على المريض، أما أن تعلق الآيات أو الأدعية على المريض في عنقه أو في يده أو تحت وسادته وما أشبه ذلك، فإن ذلك من الأمور الممنوعة على القول الراجح لعدم ورودها، وكل إنسان يجعل من الأمور سبباً لأمر آخر بغير إذن من الشرع، فإن عمله هذا يعد نوعاً من الشرك لأنه إثبات سبب لم يجعله الله سبباً. فأجاب بقوله: التوكل هو صدق الاعتماد على الله عز وجل في جلب المنافع ودفع المضار مع فعل الأسباب التي أمر الله بها، وليس التوكل أن تعتمد على الله بدون فعل الأسباب، فإن الاعتماد على الله بدون فعل الأسباب طعن في الله عز وجل وفي حكمته تبارك وتعالى لأن الله تعالى ربط المسببات بأسبابها، وهنا سؤال: من أعظم الناس توكلاً على الله؟ الجواب: هو الرسول، عليه الصلاة والسلام، وهل كان يعمل الأسباب التي يتقي بها الضرر؟. الجواب: نعم كان إذا خرج إلى الحرب يلبس الدروع ليتوقى السهام، وفي غزوة أحد ظاهر بين درعين، أي لبس درعين كل ذلك استعداداً لما قد يحدث، ففعل الأسباب لا ينافي التوكل، إذا اعتقد الإنسان أن هذه الأسباب مجرد أسباب فقط لا تأثير لها إلا بإذن الله تعالى، وعلى هذا فالقراءة قراءة الإنسان على نفسه، وقراءته على إخوانه المرضى لا تنافي التوكل وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرقي نفسه بالمعوذات وثبت أنه كان يقرأ على أصحابه إذا مرضوا. والله أعلم. فأجاب بقوله : هذه المسألة أعني تعليق الحجب والتمائم تنقسم إلى قسمين: القسم الأول : أن يكون المعلق من القرآن وقد اختلف في ذلك أهل العلم سلفاً وخلفاً. فمنهم من أجاز ذلك ورأى أنه داخل في قوله تعالى : ومنهم من منع ذلك وقال : إن تعليقها لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سبب شرعي يدفع به السوء أو يرفع به ، والأصل في مثل هذه الأشياء التوقيف، وهذا القول هو الراجح وأنه لا يجوز تعليق التمائم ولو من القرآن الكريم، ولا يجوز أيضاً أن تجعل تحت وسادة المريض، أو تعلق في الجدار وما أشبه ذلك، وإنما يدعى للمريض ويقرأ عليه مباشرة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل. القسم الثاني: أن يكون المعلق من غير القرآن الكريم مما لا يفهم معناه فإنه لايجوز بكل حال لأنه لا يدري ماذا يكتب فإن بعض الناس يكتبون طلاسم وأشياء معقدة، حروف متداخلة ما تكاد تعرفها ولا تقرأها فهذا من البدع وهو محرم ولا يجوز بكل حال. والله أعلم. فأجاب بقوله: النفث في الماء علي قسمين: القسم الأول: أن يراد بهذا النفث التبرك بريق النافث فهذا لا شك أنه حرام ونوع من الشرك، لأن ريق الإنسان ليس سبباً للبركة والشفاء ولا أحد يتبرك بآثاره إلا محمد صلى الله عليه وسلم أما غيره فلا يتبرك بآثاره فالنبي صلى الله عليه وسلم يتبرك بآثاره في حياته وكذلك بعد مماته إذا بقيت تلك الآثار كما كان عند أم سلمة رضي الله عنها جلجل من فضة فيه شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم يستشفي بها المرضى فإذا جاء مريض صبت على هذه الشعرات ماء ثم حركته ثم أعطته الماء، لكن غير النبي صلى الله عليه وسلم لايجوز لأحد أن يتبرك بريقه، أو بعرقه، أو بثوبه، أو بغير ذلك، بل هذا حرام ونوع من الشرك، فإذا كان النفث في الماء من أجل التبرك بريق النافث فإنه حرام ونوع من الشرك وذلك لأن كل من أثبت لشيء سبباً غير شرعي ولا حسي فإنه قد أتى نوعاً من الشرك، لأنه جعل نفسه مسبباً مع الله، وثبوت الأسباب لمسبباتها إنما يتلقى من قبل الشرع فلذلك كل من تمسك بسبب لم يجعله الله سبباً، لا حسّاً ولا شرعاً، فإنه قد أتى نوعاً من الشرك. القسم الثاني: أن ينفث الإنسان بريق تلا فيه القرآن الكريم مثل أن يقرأ الفاتحة والفاتحة رقية وهي من أعظم ما يرقى به المريض فيقرأ الفاتحة وينفث في الماء فإن هذا لا بأس به وقد فعله بعض السلف وهو مجرب ونافع بإذن الله وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفث في يديه عند نومه بقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس فيمسح بها وجهه وما استطاع من جسده صلوات الله وسلامه عليه والله الموفق. فأجاب بقوله : ذكر بعض العلماء أن هذا مخصوص برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأرض المدينة فقط وعلى هذا فلا إشكال. ولكن رأي الجمهور أن هذا ليس خاصّاً برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بأرض المدينة بل هو عام في كل راق وفي كل أرض ولكنه ليس من باب التبرك بالريق المجرد بل هو ريق مصحوب برقية وتربة للاستشفاء وليس لمجرد التبرك. وجوابنا في الفتوى السابقة هو التبرك المحض بالريق وعليه فلا إشكال لاختلاف الصورتين. فأجاب بقوله: يجب أن نعلم أن كتاب الله عز وجل أعز وأجل من أن يمتهن إلى هذا الحد، كيف تطيب نفس مؤمن أن يجعل كتاب الله عز وجل وأعظم آية في كتاب الله وهي آية الكرسي أن يجعلها في إناء يشرب فيه ويمتهن ويرمى في البيت ويلعب به الصبيان؟! هذا العمل لا شك أنه حرام، وأنه يجب على من عنده شيء من هذه الأواني أن يطمس هذه الآيات التي فيها، بأن يذهب بها إلى الصانع فيطمسها، فإن لم يتمكن من ذلك فالواجب عليه أن يحفر لها في مكان طاهر ويدفنها، وأما أن يبقيها مبتذلة ممتهنة يشرب بها الصبيان ويلعبون بها، فإن الاستشفاء بالقرآن على هذا الوجه لم يرد عن السلف الصالح رضي الله عنهم. فأجاب حفظه الله بقوله: اعلم أن الدواء سبب للشفاء والمسبب هو الله تعالى فلا سبب إلا ما جعله الله تعالى سبباً والأسباب التي جعلها الله تعالى أسباباً نوعان: النوع الأول: أسباب شرعية كالقرآن الكريم والدعاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الفاتحة : النوع الثاني: أسباب حسية كالأدوية المادية المعلومة عن طريق الشرع كالعسل، أو عن طريق التجارب مثل كثير من الأدوية وهذا النوع لابد أن يكون تأثيره عن طريق المباشرة لا عن طريق الوهم والخيال فإذا ثبت تأثيره بطريق مباشر محسوس صح أن يتخذ دواء يحصل به الشفاء بإذن الله تعالى أما إذا كان مجرد أوهام وخيالات يتوهمها المريض فتحصل له الراحة النفسية بناء على ذلك الوهم والخيال ويهون عليه المرض وربما ينبسط السرور النفسي على المرض فيزول، فهذا لا يجوز الاعتماد عليه ولا إثبات كونه دواء، لئلا ينساب الإنسان وراء الأوهام والخيالات، ولهذا نُهي عن لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع المرض أو دفعه، لأن ذلك ليس سبباً شرعياً ولا حسياً، ومالم يثبت كونه سبباً شرعياً ولا حسياً لم يجز أن يجعل سبباً فإن جعله سبباً نوع من منازعة الله تعالى في ملكه وإشراك به حيث شارك الله تعالى في وضع الأسباب لمسبباتها، وقد ترجم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لهذه المسألة في كتاب التوحيد بقوله : " باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لدفع البلاء أو رفعه". وما أظن السوار الذي أعطاه الصيدلي لصاحب الروماتيزم الذي ذكر في السؤال إلا من هذا النوع، إذ ليس ذلك السوار سبباً شرعياً ولا حسياً تعلم مباشرته لمرض الروماتيزم حتى يبرئه فلا ينبغي للمصاب أن يستعمل ذلك السوار حتى يعلم وجه كونه سبباً والله الموفق.
|