الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
**** قوله: (أن يهوديا). اليهودي: هو المنتسب إلى شريعة موسى عليه السلام، وسموا بذلك من قوله تعالى: قوله: (إنكم تشركون). أي: تقعون في الشرك أيها المسلمون. قوله: (ما شاء الله وشئت). الشرك هنا أنه جعل المعطوف مساويا للمعطوف عليه، وهو الله - عز وجل - حيث كان العطف بالواو المفيدة للتسوية. قوله: (والكعبة). الشرك هنا أنه حلف بغير الله، ولم ينكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما قاله اليهودي، بل أمر بتصحيح هذا الكلام، فأمرهم إذا حلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، فيكون القسم بالله. وأمرهم أن يقولوا: ما شاء الله، ثم شئت، فيكون الترتيب بثم بين مشيءئة الله ومشيءئة المخلوق، وبذلك يكون الترتيب صحيحا، أما الأول، فلأن الحلف صار بالله، وأما الثاني، فلأنه جعل بلفظ يتبين به تأخر مشيءئة العبد عن مشيءئة الله، وأنه لا مساواة بينهما. ويستفاد من هذا الحديث: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم ينكر على اليهودي مع أن ظاهر قصده الذم واللوم للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه، لأن ما قاله حق. مشروعية الرجوع إلى الحق وإن كان من نبه عليه ليس من أهل الحق. أنه ينبغي عند تغيير الشيء أن يغير إلى شيء قريب منه، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمرهم أن يقولوا: (ورب الكعبة)، ولم يقل: احلفوا بالله، وأمرهم أن يقولوا: (ما شاء الله، ثم شئت). هو أن يقال: كيف لم ينبه على هذا العمل إلا هذا اليهودي؟ جوابه: أنه يمكن أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يسمعه ولم يعلم به. ولكن يقال: بأن الله يعلم، فكيف يقرهم؟ فيبقى الإشكال، ولكن يجاب: إن هذا من الشرك الأصغر دون الأكبر، فتكون الحكمة هي ابتلاء هؤلاء اليهود الذين انتقدوا المسلمين بهذه اللفظة مع أنهم يشركون شركا أكبر ولا يرون عيبهم. وله أيضا عن ابن عباس، ان رجلا قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ما شاء الله وشئت، فقال: قوله في حديث ابن عباس رضى الله عنهما: (أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم. الظاهر أنه قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تعظيما، وأنه جعل الأمر مفوضا لمشيءئة الله ومشيءئة رسوله. قوله: (أجعلتني لله ندا؟!). الاستفهام للإنكار، وقد ضمن معنى التعجب، ومن جعل للخالق ندا فقد أتى شيئا عجابا. والند: هو النظير والمساوي، أي جعلتني لله مساويا في هذا الأمر؟ قوله: (بل ما شاء الله وحده). أرشده النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى ما يقطع عنه الشرك، ولم يرشده إلى أن يقول ما شاء الله ثم شئت حتى يقطع عنه كل ذريعة عن الشرك وإن بعدت. يستفاد من الحديث: 1. أن تعظيم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بلفظ مساواته للخالق شرك، فإن كان يعتقد المساواة، فهو شرك أكبر، وإن كان يعتقد أنه دون ذلك، فهو أصغر وإذا كان هذا شركا، فكيف بمن يجعل حق الخالق للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟ هذا أعظم، لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس له شيء من خصائص الربوبية، بل يلبس الدرع، ويحمل السلاح، ويجوع، ويتألم، ويمرض، ويعطش كبقية الناس، ولكن الله فضله على البشر بما أوحى إليه من هذا الشرع العظيم، قال تعالى: 2. إنكار المنكر وإن كان في أمر يتعلق بالمنكر، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: 3. أن من حسن الدعوة إلى الله - عز وجل - أن نذكر ما يباح إذا ذكرت ما يحرم، لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما منعه من قول: (ما شاء الله وشئت) أرشده إلى الجائز وهو قوله: (بل ما شاء الله وحده). لابن ماجه عن الطفيل ـ أخي عائشة لأمها ـ قال: رأيت كاني أتيت على نفر من اليهود قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: عزيز ابن الله، قالوا: لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ثم مررت بنفر من النصارى، فقلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله، قالوا:لأنتم القوم لولا انكم قوله في حديث الطفيل: (رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود). أي رؤيا في المنام. قوله: (كأن): اسمها الياء، وجملة (أتيت) خبرها. وقوله: (على نفر) من الثلاثة إلى التسعة، واليهود أتباع موسى. قوله: (لأنتم القوم). كلمة مدح، كقولك: هؤلاء هم الرجال. وقوله: (عزيز) هو رجل صالح ادعى اليهود أنه ابن الله، وهذا من كذبهم، وهو كفر صريح، واليهود لهم مثالب كثيرة، لكن خصت هذه لأنها من أعظمها وأشهرها عندهم. تقولون ما شاء الله وشاء محمد،فلما اصبحت أخبرت بها من اخبرت ثم أتيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبرته، قال: قوله: (ما شاء الله وشاء محمد) هذا شرك أصغر، لأن الصحابة الذين قالوا هذا ولا شك أنهم لا يعتقدون أن مشيءئة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مساوية لمشيءئة الله، فانتقدوا عليهم تسوية مشيءئة الرسول بمشيءئة الله - عز وعلا -. قوله: (تقولون: المسيح ابن الله): هو عيسى ابن مريم وسمي مسيحا بمعنى ماسح، وهو فعيل بمعنى فاعل، لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برى بإذن الله، كالأكمه والأبرص. والشيطان لعب بالنصارى فقالوا: هو ابن الله، لأنه أتى بدون أب، كما في القرآن: والروح على الراجح عند أهل السنة: ذات لطيفة تدخل الجسم وتحل فيه كما يحل الماء في الطين اليابس، ولهذا يقبضها الملك عند الموت وتكفن ويصعد بها ويراها الإنسان عند موته، فالصحيح أنها ذات وإن كان بعض الناس يقول: إنها صفة، ولكنه ليس كذلك، والحياة صحيح أنها صفة لكن الروح ذات، إذا نقول لهؤلاء النصارى: إن الله أضاف روح عيسى إليه كما أضاف البيت والمساجد والناقة وما أشبه ذلك على سبيل التشريف والتعظيم، ولا شك أن المضاف إلى الله يكتسب شرفا وعظمة، حتى إن بعض الشعراء يقول في معشوقته: قوله: (فما أصبحت أخبرت بها من أخبرت)، والإبهام قد يكون للتعظيم كما في الآية المذكورة، وقد يكون للتحقير حسب السياق، وقد يراد به معنى آخر. قوله:(هل أخبرت بها أحدا؟). سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا السؤال، لأنه لو قال: لم أخبر أحدا، هذا هو الظاهر، ثم بين الحكم عليه الصلاة والسلام، لكن لما قال: إنه أخبر بها، صار لابد من بيانها للناس عموما، لأن الشيء إذا انتشر يجب أن يعلن عنه، بخلاف إذا كان خاصا، فهذا أخبر بها، صار لابد من بيانها للناس عموما، لأن الشيء إذا انتشر يجب أن يعلن عنه، بخلاف إذا كان خاصا، فهذا يخبر من وصله الخبر. قوله: (فحمد الله). الحمد: وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم. قوله:(وأثني عليه). أي كرر ذلك الوصف. قوله:(أما بعد). سبق أنها بمعنى مهما يكن من شيء بعد، أي: بعد ما ذكرت، فكذا وكذا. قوله: (يمنعني كذا وكذا). أي: يمنعه الحياء كما في رواية أخرى، ولكن ليس الحياء من إنكار الباطل، ولكن من أن ينهى عنها دون أن يأمره الله بذلك، هذا الذي يجب أن تحمل عليه هذه اللفظة إن كانت محفوظة: أن الحياء الذي يمنعه ليس الحياء من الإنكار، لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يستحي من الحق، ولكن الحياء من أن ينكر شيئا درج على الألسنة وألفه الناس قبل أن يؤمر بالإنكار، مثل الخمر بقي الناس يشربونها حتى حرمت في سورة المائدة، فالرسول صلى الله عليه لما لم يؤمر بالنهي عنها سكت، ولما حصل التنبيه على ذلك بإنكار هؤلاء اليهود والنصارى رأي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه لابد من إنكارها لدخول اللوم على المسلمين للنطق بها. قوله: (قولوا ما شاء الله وحده). نهاهم عن الممنوع، وبين لهم الجائز. فيه مسائل: الأولى: معرفة اليهود بالشرك الأصغر. لقوله: (إنكم لتشركون). الثانية: فهم الإنسان إذا كان له هوى. أي: إذا كان له هوى فهم شيئا، وإن كان هو يرتكب مثله أو أشد منه، فاليهود - مثلا - أنكروا على المسلمين قولهم: (ما شاء الله وشئت)، وهم يقولون أعظم من هذا، يقولون: عزيز ابن الله، ويصفون الله تعالى بالنقائص والعيوب. ومن ذلك بعض المقلدين يفهم النصوص على ما يوافق هواه، فتجده يحمل النصوص على من الدلالات ما لا تحتمل، كذلك أيضا بعض العصريين يحمل النصوص ما لا تحتمله حتى توافق ما اكتشفه العلم الحديث في الطب والفلك وغير ذلك، وكل هذا من الأمور التي لا يحمد الإنسان عليها، فالإنسان يجب أن يفهم النصوص على ما هي عليه، ثم يكون فهمه تابعا لها، فالإنسان يجب أن يفهم النصوص على ما هي عليه، ثم يكون فهمه تابعا لها، لا أن يخضع النصوص لفهمه أو لما يعتقده، ولهذا يقولون: استدل ثم اعتقد، ولا تعتقد ثم تستدل، لأنك إذا اعتقدت ثم استدللت ربما يحملك اعتقادك على أن تحرف النصوص إلى ما تعتقده كما هو ظاهر في جميع الملل والمذاهب المخالفة لما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام ، تجدهم يحرفون هذه النصوص لتوافق ما هم عليه، والحاصل أن الإنسان إذا كان له هوى، فإنه يحمل النصوص ما لا تحتمله من أجل أن توافق هواه. الثالثة: قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (أجعلتني لله ندا؟!) وهو قوله: (ما شاء وشئت). وقوله: (فكيف بمن قال: ما لي ألوذ به سواك...) يشيءر رحمه الله إلى أبيات للبوصيري في البردة - القصيدة المشهورة - يقول فيها: إن لم تكن آخذا يوم المعاد يدي ** عفوا وإلا فقـل يا زلــة الـــــقدم وهذا غاية الكفر والغلو، فلم يجعل لله شيئا، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شرفه بكونه عبد الله ورسوله، لا مجرد كونه محمد بن عبد الله. الرابعة: أن هذا ليس من الشرك الأكبر، لقوله: (يمنعني كذا وكذا) لأنه لو كان من الشرك الأكبر ما منعه شيء من إنكاره. الخامسة: أن الرؤيا الصالحة من أقسام الوحي. تؤخذ من حديث الطفيل، ولقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ]. لأن أول الوحي كان بالرؤيا الصالحة من ربيع الأول إلى رمضان، وهذا ستة أشهر، فإذا نسبت هذا إلى بقية زمن الوحي، كان جزءا من ستة وأربعين جزءا، لأن الوحي كان ثلاثة وعشرين سنة وستة أشهر مقدمة له. والرؤيا الصالحة: هي التي تضمن الصلاح، وتأتي منظمة وليست بأضغاث أحلام. أما أضغاث الأحلام، فإنها مشوشة غير منظمة، وذلك مثل التي قصها رجل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إني رأيت رأسي قد قطع، وإني جعلت أشتد وراءه سعيا. فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ]، وفي رواية: (أمره أن يتوضأ وأن يصلى) [(4) البخاري: كتاب التعبير / باب القيد في المنام. ]. السادسة: أنه قد تكون سببا لشرع بعض الأحكام، من ذلك رؤيا إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه يذبح ابنه، وهذا الحديث، وكذلك أثبت النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا عبد بن زيد في الأذان، وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ] ، وأبو بكر رضى الله عنه أثبت رؤيا من رأى ثابت بن قيس بن شماس، فقال للذي رآه:
|