الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
قال فضيلة الشيخ – جزاه الله عن والمسلمين خير الجزاء -:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فإن الوتر سنة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وأكده، حتى ذهب العلماء إلى أن الوتر واجب. قال الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله -: "من ترك الوتر فهو رجل سوء، لا ينبغي أن تقبل له شهادة". والوتر ركعة يختم بها الإنسان صلاة الليل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: وأدنى الوتر ركعة، ويوتر بثلاث، وإذا أوتر بثلاث فإن شاء جعلها بسلامين، وإن شاء جعلها بسلام واحد وبتشهد واحد. فإن كان بسلامين فيصلي ركعتين ويسلم، ثم يصلي الثالثة ويسلم، أو بثلاث معاً، فيصلي ثلاثاً فرداً بتشهد واحد وسلام واحد، وبهذا تخرج عن مشابهة المغرب؛ لأن المغرب ثلاث، لكن بتشهدين. ويوتر بخمس، وإذا أوتر بخمس سردها ولم يجلس إلا مرة واحدة ويسلم. فتكون الخمس بسلام واحد وتشهد واحد. ويوتر كذلك بسبع ويسردها وتكون بسلام واحد وتشهد واحد. ويوتر بتسع ويسردها، لكن بتشهد بعد الثامنة ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويسلم. ويوتر بإحدى عشرة ركعة ويسلم من كل ركعتين. فإذا أخر الوتر إلى آخر الليل بناء على أنه سيقوم ولكنه لم يقم فطلع الفجر عليه قبل أن يوتر فماذا يصنع؟ يقضيه، ولكن شفعاً، فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاث قضاه أربعاً، وإذا كان من عادته أن يوتر بخمس قضاه ستاً وهكذا؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة – رضي الله عنها – ووجه ذلك أن الوتر إنما تختم به صلاة الليل. وصلاة الليل قد انتهت، فيقضي الإنسان ورده الذي كان يصليه في الليل ولا يوتر؛ لأن زمن الوتر انقضى. وإذا كان يظن أن لا يقوم من آخر الليل فأوتر في أوله، ثم قدر له القيام من آخر الليل فقام فماذا يصنع؟ قال بعض العلماء: إنه ينقض وتره الأول فيصلي أول ما يصلي إذا استقيظ ركعة واحدة، لتكون مع الركعة التي في أول الليل شفعاً، ثم يصلي ركعتين ركعتين، ثم يوتر بواحدة، ويسمى هذا عند أهل العلم نقض الوتر، ولكن هذا القول ضعيف جداً؛ لأنه لا يمكن أن تبنى ركعة على الأخرى وبينهما هذه المدة الطويلة أو النوم أيضاً. والقول الصحيح إنه إذا أوتر في أول الليل ثم قدر له أن يقوم في آخره فإنه يصلي ركعتين ركعتين حتى يطلع الفجر. فإن قلت: هذا ينافي قـول النبي صلى الله عليه وسلم فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لا تصلوا بعد الوتر، فلو قال "لا تصلوا بعد الوتر" ما صلينا، ولكن قال: وهذا الرجل حين أوتر من أول الليل يعتقد أن هذا آخر صلاة الليل فقد امتثل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم لكن قدر له أن يصلي فصلى، ولذلك لو أوترت ثم أتيت المسجد فإنك تصلي تحية المسجد ولا ينافي هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ولا يجب أن يقرأ الناس في الوتر بـ أيضاً يوجد بعض الأئمة يتركون القنوت في الوتر عمداً، وهذا أيضاً من فقههم ليبينوا للعامة أن القنوت في الوتر ليس بواجب؛ لأن التبيين بالفعل أبلغ من التبيين بالقول. فإذا بين الإمام للناس مثل هذه الأمور بالفعل حصل في هذا خير كثير ومعرفة لشرع الله. وعلى هذا نقول: يجوز للإنسان في صلاة الوتر أن يقرأ (بسبح) و (الكافرون) و (الإخلاص) وأن يقرأ بغيرهما ولا حرج عليهم في ذلك. ويجوز أيضاً أن يترك القنوت في الوتر، بل ذلك أولى من أجل أن يبين للناس أن القنوت ليس بواجب. كيف يكون الوتر إذا أوتر الإنسان بثلاث؟ يكون على وجهين: الوجه الأول: أن يسلم من الركعتين الأوليين، ثم يأتي بالثالثة وحدها. الوجه الثاني: أن يسرد الثلاث جميعاً بتشهد واحد، وهذا هو ظاهر حديث عائشة رضي الله عنها حيث قالت: ولا يصلي الثلاث بتشهدين؛ لأنه لو فعل ذلك لكانت شبيهة بصلاة المغرب، وقد نهى أن تشبه صلاة الوتر بصلاة المغرب. فإذا أوتر بخمس ففي حديث عائشة تقول: وهذا وإن كان اللفظ محتملاً له، لكن ينبغي لطالب العلم أن يكون أفقه واسعاً، وأن يجمع بين أطراف الأدلة حتى لا تتناقض ولا تتنافى، فهذا الظاهر الذي هو كما قلنا يعارضه قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن صلاة الليل قال: بقي قولها نقول: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فكان لابد من أن نقول يصلي أربعاً أي على ركعتين ركعتين، مثنى مثنى، أما الوتر، فالوتر يكون بواحدة، ويكون بالثلاث، لأن الثلاث وتر، ويكون بخمس، وبسبع، وبتسع، وبإحدى عشرة، وحيث ذكرنا الصور للوتر فلابد من أن نذكر كيفية هذه الصورة(8) فالثلاث ذكرنا لها صورتين، والخمس لها صورة واحدة فقط، وهي أن يصلي الخمس جميعاً ولا يسلم إلا في آخرها، والسبع يسردها سرداً بتشهد واحد وسلام واحد. والتسع يسردها سرداً بسلام واحد وبتشهدين بعد الثامنة يجلس ويتشهد ولا يسلم، ثم يأتي بالتاسعة ويتشهد ويسلم. إذن الخمس، والسبع، والتسع، ليس لها إلا جلسة واحدة، وسلام واحد. لكن تمتاز التسع بأن فيها تشهدين، والإحدى عشرة يسلم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة. وهنا سؤال: هل من المستحسن إذا كان الإنسان إماماً في رمضان أن يصلي بالناس خمساً فرداً؟ قد يقول قائل: نعم من المستحسن أن يفعل ذلك ليعلم الناس السنة؛ لأن التعليم بالفعل أبلغ من التعليم بالقول، وقد يقول قائل لا؛ لأن الإيتار بالخمس لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو يصلي وحده في بيته. والإيتار بالخمس أو صلاة الناس بخمس قد يشق عليهم، فلو جاء إنسان ودخل المسجد ووجد الإمام يصلي التراويح خمساً ودخل معه وهو لا يعلم، فقد يكون له شغل، وقد يكون محصوراً احتبس بوله، أو يريد أن يتغوط، أو خروج ريح ففي هذا مشقة على الناس. ولا يخفى علينا جميعاً ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة لمعاذ بن جبل – رضي الله عنه – فمعاذ كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، فشرع ذات ليلة بسورة البقرة وكان معه رجل من أهل المزارع ومن المعلوم أن صاحب الزرع يكون مستعجلاً متعباً يريد النوم، فلما شرع في البقرة انصرف الرجل وترك الصلاة معه وصلى وحده، فتكلم في حقه معاذ بن جبل، ولكن لما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ومعنى "فتاناً" يعني صد الناس عن سبيل الله؛ لأن الإمام إذا طول هذا التطويل ترك الناس الصلاة معه، فتركوا صلاة الجماعة. فهذا الذي يقوم الناس بخمس، أو سبع، أو تسع فرداً، قد ينفر الناس ويشق عليهم. فالإنسان إذا صلى وحده فيصلي ما شاء، وإذا صلى بالناس فلابد أن يراعي أحوال الناس؛ لأنه ولي أمر. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: فالإنسان الذي له ولاية على طائفة من الناس يجب أن يراعي الناس إذا كان إماماً فليخفف، ولكن ما ميزان التخفيف المطلوب؟ ميزانه هي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال أنس: فما تقولون في رجل صلى بالناس صلاة العيد وقرأ في الركعة الأولى سورة (ق) وفي الركعة الثانية سورة (القمر). هل هذا مطول أو مخفف؟ هذا مخفف؛ لأن هذا من السنة، فمن السنة أن تقرأ في صلاة العيد بسورة (ق) في الركعة الأولى، وسورة (القمر) في الركة الثانية وأحياناً بسبح والغاشية، وفي الجمعة أحياناً بسبح والغاشية وأحياناً بالجمعة والمنافقون. إذن ينبغي للإنسان إذا كان ولياً على شيء أن يلاحظ أحوال المولى عليهم. وهذا من تمام الرعاية؛ لأن هذا التخفيف طارئ لعارض ولم يلاحظ للأم دائماً، ولكن لما طرأ هذا الشيء وصاح طفلها خفف الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن ثم أخذ العلماء – رحمهم الله – أن ينبغي للإمام إذا أحس بداخل في الصلاة وهو راكع أخذ العلماء منه أنه ينبغي أن ينتظره لكن بشرط أن لا يشق على المأمومين الذين معه؛ لأنهم أحق بالمراعاة من الداخل. ولكن كما نقول للإمام انتظر قليلاً ليدرك الداخل الركوع، نقول للداخل أيضاً لا تسرع، فبعض الناس إذا دخل ووجد الإمام راكعاً تراه يتنحنح أو يقول: اصبر إن الله مع الصابرين، أو يخبط برجليه، وهذا كله لا ينبغي. فامش بهدوء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: وهذه رخصة من الله، ودخل أبو بكرة – رضي الله عنه – والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فأسرع وركع قبل أن يصل إلى الصف، ودخل في الصف من أجل إدراك الركوع؛ لأنه إذا أدرك الركوع، أدرك الركعة، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم سأل من الذي فعل هذا؟ قال أبو بكرة – رضي الله عنه – أنا يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: وهذا من حسن التعليم منه صلى الله عليه وسلم، فهذا الرجل أسرع وخالف المشروع بإسراعه وركوعه قبل أن يصل إلى الصف ومع ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: وبهذا نعرف أن أبا بكرة – رضي الله عنه – حينما أدرك الركوع يكون قد أدرك الركعة، وتكون هذه الحال مستثناة من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: فنقول: إن فاتحة الكتاب تسقط عن الإنسان إذا أدرك الإمام راكعاً، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل لأبي بكرة اقض الركعة التي لم تدرك قراءة الفاتحة فيها. وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه إنما أسرع من أجل إدراك الركوع الذي به أدراك الركعة، فتكون هذه الصورة مستثناة من عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: هذا وأسأل الله أن يجعلنا جميعاً من عباده المخلصين، ومن حزبه المفلحين، ومن أوليائه المتقين، وأن يجعلنا ممن يغتنمون أوقاتهم في طاعة مولاهم، وأن يتقبل منا جميعاً، إنه هو السميع العليم.
فأجاب فضيلته بقوله: القنوت في الفرائض لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا في أحوال مخصوصة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على رعل وذكوان الذين قتلوا القراء السبعين الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم تركه(16) ولكن القول الراجح: أنه يقنت الإمام العام الذي هو رئيس الدولة، ويقنت أيضاً غيره من أئمة المساجد، وكذلك من المصلين وحدهم، إلا أني أحب أن يكون الأمر منضبطاً بحيث لا يعن لكل واحد من الناس أن يقوم فيقنت بمجرد أن يرى أن هذه نازلة وهي قد تكون نازلة في نظره دون حقيقة الواقع، فإذا ضبط الأمر وتبين أن هذه نازلة حقيقية تستحق أن يقنت المسلمون لها ليشعروا المسلم بأن المسلمين في كل مكان أمة واحدة، يتألم المسلم لأخيه ولو كان بعيداً عنه، ففي هذه الحال نقول: إنه يقنت كل إمام، وكل مصل ولو وحده. وأما عدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فإن فعله عليه الصلاة والسلام سنة يقتدى بها، ونحن مأمورون بالاقتداء به، قال الله تعالى: وأهم شيء أن يكون الأمر منضبطاً بحيث لا يكون فوضى وأن يرجع في ذلك إلى أهل الرأي في هذه الأشياء وهم أهل العلم.
فأجاب فضيلته بقوله: هذا السؤال تضمن ثلاث مسائل: المسألة الأولى: القنوت في صلاة الفجر، وهذه المسألة قد اختلف فيها أهل العلم وهي مبنية على ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت شهراً يدعو لقوم أو يدعو على قوم؛ فقنت يدعو للمستضعفين من المؤمنين في مكة، وقنت يدعو على من قتلوا أصحابه القراء عليه الصلاة والسلام قنت شهراً يدعو الله عليهم(19) والذي نراه أن الحوادث المهمة يقنت وقت حدوثها ثم إذا صارت مستمرة فلا يقنت. المسألة الثانية: حكم القنوت في الوتر: القنوت في الوتر سنة، لكن الاستمرار عليه دائماً ليس من السنة بل إذا قنت أحياناً فهو خير، وإذا ترك فهو خير؛ لأن القنوت علمه عليه الصلاة والسلام ابن ابنته الحسن بن علي بن أبي طالب – رضي الله عنهما(20) المسألة الثالثة: قول السائل: هل يصلي الوتر كصلاة المغرب؟ فهذا لا ينبغي، فإذا أوتر الإنسان بثلاث ركعات فإنه مخير بين أن يصليها بتسليمتين يعني يصلي ركعتين ثم يسلم، ثم يصلي الثالثة وحدها، أو أن يسردها جميعاً بتشهد واحد عند السلام، وأما أن يسردها بتشهدين فتشبه صلاة المغرب فهذا قد روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في النهي عنه(21)
فأجاب فضيلته بقوله: من صلى خلف إمام يقنت في صلاة الفجر فليتابع الإمام في القنوت في صلاة الفجر ويؤمن على دعائه بالخير، وقد نص على ذلك الإمام أحمد – رحمه الله تعالى -.
فأجاب فضيلته بقوله: الذي نرى أن لا قنوت في الفرائض إلا في النوازل، لكن من صلى خلف إمام يقنت فليتابعه درءاً للفتنة، وتأليفاً للقلوب.
فأجاب فضيلته بقوله: القنوت في الفرائض ليس بمشروع ولا ينبغي فعله، لكن إن قنت الإمام فتابعه لأن الخلاف شر. وإن نزل بالمسلمين نازلة فلا بأس بالقنوت حينئذ لسؤال الله تعالى رفعها. حرر في 24/7/1401هـ.
فأجاب فضيلته بقوله: القول الراجح في هذه المسألة أنه لا قنوت في صلاة الفجر؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت في الفرائض إلا بسبب نوازل نزلت بالأمة الإسلامية، ثم ترك القنوت عليه الصلاة والسلام فلم يقنت حتى توفاه الله عز وجل. لكن من ائتم بإمام يقنت في صلاة الفجر فلا ينفرد عنه، بل يتابعه ويقف، ويؤمن على دعائه، هكذا نص عليه الإمام أحمد – رحمه الله – وإنما نص – رحمه الله – على هذا؛ لأن الخلاف شر، والخروج عن الجماعة شر. وانظر إلى كلام ابن مسعود – رضي لله عنه – لما كره إتمام عثمان بمنى كان يصلي خلفه أربعاً، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن ما هذا؟ يعني كيف يصلي أربعاً وأنت تنكر على عثمان؟ فقال – رضي الله عنه -: "الخلاف شر"(22) وهي أنه ينبغي للإنسان أن لا يخالف إخوانه ولا يشذ عنهم، ولقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يرسل البعوث للدعوة إلى الله أو للجهاد في سبيل الله ويأمرهم أن يتطاوعوا؛ يعني يؤمر أميرين ويقول لهما: ولهذا نهى عن كل معاملة تكون سبباً للتعادي والتباغض؛ فنهى عن البيع على بيع المسلم، ونهى عن الخطبة على خطبة المسلم، ونهى عن السوم على سوم أخيه(24)
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه المكرم...
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
جـ1: أشكركم على التهنئة بعيد الفطر، وأسأل الله أن يجزيكم عنا خيراً، وأن يتقبل منا ومنكم ومن جميع المسلمين، وأن يعيده علينا جميعاً بخير.
جـ2: تابعوا إمامكم في القنوت في صلاة الفجر، وأمنوا على دعائه بالخير. وفق الله الجميع لما فيه الخير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته /1412هـ.
قال فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء -:
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت إذا رفعت من الركوع قلت عند الرفع: سمع الله لمن حمده، وبعد الرفع: ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً، طيباً مباركاً فيه، ثم دعوت بما اخترته في صلاتي المغربي والفجر في الجماعة: اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا منان، يا بديع السموات والأرض، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، نسألك اللهم بذلك أن تنصر إخواننا المسلمين في الشيشان وفي البوسنة والهرسك، اللهم انصرهم على عدوهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم اغفر لموتاهم، اللهم كن لأراملهم وذرياتهم، اللهم امنحهم رقاب أعدائهم، وأورثهم ديارهم، وأموالهم، وذرياتهم ونساءهم يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا منان، يا بديع السموات والأرض، يا قوي، يا قهار، يا عزيز، يا جبار، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، نسألك اللهم بذلك أن تنزل بعدوهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أهلك طاغيتهم وأفسد أمرهم، وفرق كلمتهم، وألق بينهم العداوة والبغضاء، اللهم شتت شملهم، واهزم جندهم، واجعلهم نكالاً للعالمين، اللهم كما سلطتهم بحكمتك على إخواننا في الشيشان فسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب، ويذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، ويكسر شوكتهم، ويستبيح بيضتهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك. اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا منان، يا بديع السموات والأرض، يا قوي، يا قهار، يا عزيز، يا جبار، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، نسألك اللهم بذلك أن تنزل بالصرب المعتدين بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أهلك طاغيتهم، وأفسد أمرهم، وفرق كلمتهم، واهزم جندهم، وسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب، ويذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم. اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزم كل عدو للمسلمين في كل مكان، اللهم إنا نجعلك في نحور أعدائنا، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وربما حذفت بعضه أو زدت عليه. كتبه محمد الصالح العثيمين في 4/8/1415هـ.
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة التراويح سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة وصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة وكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة، أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: وأما عددها: فإحدى عشرة ركعة، لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: وإن صلاها ثلاث عشرة ركعة فلا بأس، لقول ابن عباس – رضي الله عنهما – والإحدى عشرة هي الثابتة عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كما في الموطأ بإسناد من أصح الأسانيد(28) وإن زاد على ذلك فلا بأس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن صلاة الليل قال: وقد ورد عن السلف في ذلك أنواع، والأمر في ذلك واسع لكن الأفضل الاقتصار على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي الإحدى عشرة أو الثلاث عشرة. ولم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي هو أو أحد من الخلفاء ثلاثاً وعشرين بل الثابت عن عمر – رضي الله عنه – إحدى عشرة، حيث أمر أبي كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة(30) ولا نعلم أن الصحابة رضي الله عنهم زادوا على ثلاث وعشرين ركعة، بل الظاهر خلاف ذلك، وقد سبق قول عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم وأما إجماع الصحابة رضي الله عنهم فلا ريب أنه حجة؛ لأن فيهم الخلفاء الراشدين الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباعهم، ولأنهم خير القرون من هذه الأمة. واعلم أن الخلاف في عدد ركعات التراويح ونحوها مما يسوغ فيه الاجتهاد لا ينبغي أن يكون مثاراً للخلاف والشقاق بين الأمة، خصوصاً وأن السلف اختلفوا في ذلك، وليس في المسألة دليل يمنع جريان الاجتهاد فيها، وما أحسن ما قال أحد أهل العلم لشخص خالفه في الاجتهاد في أمر سائغ: إنك بمخالفتك إياي قد وافقتني فكلانا يرى وجوب اتباع ما يرى أنه الحق حيث يسوغ الاجتهاد. نسأل الله تعالى للجميع التوفيق لما يحب ويرضى. قاله كاتبه محمد الصالح العثيمين في 18/5/1405هـ.
فأجاب فضيلته بقوله: التراويح من القيام. السنة في قيام رمضان أن يؤدى جماعة في المساجد لفعل النبي صلى الله عليه وسلم حين قام بأصحابه ثلاث ليال، ثم تخلف عنهم مخالفة أن تفرض عليهم. والأفضل أن يقتصر على العدد الذي قام به النبي صلى الله عليه وسلم، فقد سئلت عائشة – رضي الله عنها – كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: وإن زاد على هذا العدد فلا حرج، لكن المهم الطمأنينة وعدم السرعة حتى يتمكن المصلون خلفه من إتمام صلاتهم، فإن الإمام مؤتمن عليهم، فعليه أن يراعيهم، وأن لا يحرمهم من الطمأنينة التي يتمكنون بها من فعل الأتم الأكمل.
فأجاب فضيلته بقوله: الذي أرى أنه ينبغي للإنسان أن يحافظ على التراويح والقيام جميعاً، فيصلي مع الإمام الأول حتى ينصرف ويصلي مع الإمام الثاني حتى ينصرف؛ لأن تعدد الأئمة في مكان واحد يجعل ذلك كأن الإمامين إمام واحد، كأن الثاني ناب عن الأول في الصلاة الأخيرة، فالذي أرى في هذه المسألة أن يحافظ الإنسان على الصلاة مع الأول والثاني ليشمله قـول الرسول عليه الصلاة والسلام: فإن قيل: المحافظة على الإمامين تستلزم أن يوتر الإنسان مرتين. فنقول: يزول هذا المحظور بأن تنوي مع الإمام الأول إذا قام إلى الوتر أنك تريد الصلاة ركعتين، فإذا سلم من وتره قمت فأتيت بالركعة الثانية، وتجعل الوتر مع الإمام الأخير، فيشفع الإنسان مع الإمام الأول ويوتر مع الثاني لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أما قولهم: السنة إحدى عشرة ركعة. فنقول: نعم، إذا صليت وحدك فالسنة أن لا تزيد على إحدى عشرة ركعة، أو كنت إماماً فالسنة أن لا تزيد على إحدى عشرة ركعة، لكن إذا كنت مأموماً تابعاً لغيرك فصل كما يصلي هذا الإمام، ولو صلى ثلاثاً وعشرين، أو ثلاثاً وثلاثين، أو تسعاً وثلاثين هذا هو الأفضل وهو الموافق للشرع؛ لأن الشرع يحث على وحدة الأمة الإسلامية واتفاقها، وعدم تنافرها واختلافها، وعموم قوله صلى الله عليه وسلم:
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة التراويح سنة لا ينبغي تركها ودليل ذلك حديث عائشة – رضي الله عنها – المتفق عليه، واللفظ لمسلم: أما عدد ركعاتها فأفضله ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليه، وهي إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة. وقد ثبت في صحيح البخاري أن عائشة – رضي الله عنها – سئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: أو ثلاث عشرة ركعة كما يدل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى من الليل ثلاث عشرة ركعة(38) ولكن لو صلاها الإنسان ثلاث وعشرين ركعة فإنه لا ينكر عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد صلاة الليل بعدد معين، بل سئل كما في صحيح البخاري عن ابن عمر – رضي الله عنهما – عن صلاة الليل ما ترى فيها؟ فقال: ولكن الذي ينكر ما يفعله بعض الأئمة – هدانا الله وإياهم – من السرعة العظيمة في الركوع، والقيام بعد الركوع، والسجود، والجلسة بين السجدتين، والتشهد، فإن بعض الأئمة يسرعون في هذه الأركان إسراعاً عظيماً يمنع كثيراً من المصلين خلفهم من القيام بواجب الطمأنينة، فضلاً عن القيام بالمستحب، وقد ذكر أهل العلم أنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع بعض المأمومين، من فعل ما يسن، فكيف بمن أسرع سرعة تمنع بعض المأمومين أو أكثرهم من فعل ما يجب؟!! وهذه لا شك أنها محرمة، وأنها خلاف أداء الأمانة التي أؤتمن الإمام عليها، فإنه لو لم يكن إماماً لقلنا لا حرج أن تصلي صلاة تقتصر فيها على الواجب ولكن إذا كنت إماماً فإنه يجب عليك أن تراعي المأمومين، وأن تصلي فيهم أفضل صلاة، تمكنهم من مراعاة فعل الواجب والمستحب فيها. وأرجو أن يفهم إخواني الأئمة أنه ليس المقصود سرد عدد الركعات، وإنما المقصود التطوع لله بفعل هذه العبادة، والخشوع فيها وأدائها على وجه الطمأنينة، وإن ركعتين يطمئن الإنسان فيها خير من عشرين لا يطمئن فيها، بل قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي لم يطمئن في صلاته:
فأجاب فضيلته بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. القوم الراجح في عدد الركعات في قيام رمضان أن يكون إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة، لما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عائشة – رضي الله عنها – أنها سئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ولا بأس بالزيادة على ذلك لما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولم يحدد له النبي صلى الله عليه وسلم عدداً مع أن الحال تقتضي ذلك؛ لأن الرجل السائل لا يعلم عن صلاة الليل كمية ولا كيفية، فلما بين له النبي صلى الله عليه وسلم الكيفية وسكت عن الكمية علم أن الأمر في العدد واسع ولهذا اختلف عمل السلف الصالح في ذلك. والقول بأنه لا تجوز الزيادة عن العدد الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم به، وأن الزيادة عليه داخلة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ولكن الأمر الذي ينبغي أن يهتم به التأني في صلاة التراويح، وأن لا يفعل ما يقوم به بعض الناس من الإسراع الذي قد يخل بواجب الطمانينة، أو يمنع بعض المأمومين منها. كتبه محمد الصالح العثيمين في 19/1/1412هـ. فأجاب فضيلته بقوله: عدد الركعات في التراويح أمره واسع وليس فيه شيء واجب لا ثلاث وعشرون، ولا إحدى عشر ولا ثلاث عشرة ركعة، ولا تسع وثلاثون ركعة، الأمر فيه واسع فمن صلى التراويح ثلاثاً وعشرين لم ينكر عليه، ومن صلاها إحدى عشرة لم ينكر عليه، ومن صلاها ثلاث عشرة فلا ينكر عليه، ومن صلاها سبعة عشرة فلا ينكر عليه، ومن صلاها أكثر من ذلك فلا ينكر عليه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل ما ترى في صلاة الليل؟ قال: وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى من الليل ثلاث عشرة ركعة(48) وأما عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فالذي صح عنه أنه أمر تميماً الداري وأبي بن كعب أن يقوم للناس بإحدى عشرة ركعة، هكذا جاء بموطأ الإمام مالك(49) وأما ما روي من حديث ابن عباس من أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ثلاثاً وعشرين فإنه حديث ضعيف(50)
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة التراويح سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، فقد قام بأصحابه ثلاث ليال، ولكنه صلى الله عليه وسلم ترك ذلك خوفاً من أن تفرض عليهم، ثم بقي المسلمون بعد ذلك في عهد أبي بكر – رضي الله عنه – وصدراً من خلافة عمر – رضي الله عنه – ثم جمعهم أمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه – على تميم الداري وأبي بن كعب، فصاروا يصلون جماعة إلى يومنا هذا ولله الحمد، وهي سنة في رمضان. وأما عدد ركعاتها فهي إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة، هذه هي السنة في ذلك. ولكن لو زاد على هذا فلا حرج ولا بأس به لأنه روي في ذلك عن السلف أنواع متعددة في الزيادة والنقص، ولم ينكر بعضهم على بعض فمن زاد فإنه لا ينكر عليه، ومن اقتصر على العدد الوارد فهو أفضل، وقد دلت السنة على أنه لا بأس بالزيادة حيث صح في البخاري وغيره من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – إن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال: والواجب على الإمام أن يتقي الله تعالى فيمن وراءه، ولا يطيل إطالة تشق عليهم، خارجة عن النفس، ولا يخفف تخفيفاً يخل بما يجب أو بما يسن على من وراءه، ولهذا قال العلماء: إنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأموم فعل ما يسن. فكيف بمن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يجب؟! فإن هذه السرعة حرام في حق هذا الإمام.. فنسأل الله لنا ولإخواننا الاستقامة والسلامة.
فأجاب فضيلته بقوله: ليس له عدد معين على سبيل الوجوب، فلو أن الإنسان قام الليل كله فلا حرج، ولو قام بعشرين ركعة، أو خمسين ركعة فلا حرج، ولكن العدد الأفضل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله وهو إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، فإن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – سئلت: كيف كان النبي يصلي في رمضان؟ فقالت:
فأجاب فضيلته بقوله: السنة أن يوافق الإمام؛ لأنه إذا انصرف قبل تمام الإمام لم يحصل له أجر قيام الليل والرسول صلى الله عليه وسلم إنما قال: نقول إن متابعة الإمام أوجب في الشرع، والخلاف شر، والخلاف فيما يسوغ فيه الاجتهاد لا ينبغي أن يكون مثاراً للخلاف والشقاق بين الأمة، خصوصاً وأن السلف اختلفوا في ذلك وليس في المسألة دليل يمنع جريان الاجتهاد فيها. يجب على الإنسان تجنب الكذب، والغيبة والنميمة، والقول المحرم، والفعل المحرم إذا كان صائماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
وفي هذا الشهر ينبغي أن نكثر من الصدقة، والصدقة نوعان: صدقة واجبة، وهي الزكاة، وصدقة نافلة، وهي صدقة التطوع. فأكثر من الصدقة في هذا الشهر على الفقراء والمساكين والمدينين وغيرهم من ذوي الحاجات، فإن للصدقة في هذا الشهر مزية على غيره، أما الزكاة فهي صدقة واجبة وهي أفضل من الصدقة النافلة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ربه عز وجل:
فأجاب فضيلته بقوله: هذا عمل مفسد للصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وهنا مسألة وهي: أن بعض الناس فهم من حديث عائشة رضي الله عنها حين سئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ولكن هذا الحديث يحتمل ما ذكر، ويحتمل أن مرادها أنه يصلي أربعاً ثم يجلس للاستراحة واستعادة النشاط، ثم يصلي أربعاً وهذا الاحتمال أقرب أي أنه يصلي ركعتين ركعتين، لكن الأربع الأولى يجلس بعدها ليستريح ويستعيد نشاطه، وكذلك الأربع الثانية يصلي ركعتين ركعتين ثم يجلس ليستريح ويستعيد نشاطه. ويؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام: وأما الوتر فإذا أوتر بثلاث فلها صفتان: - الصفة الأولى: أن يسلم بركعتين ثم يأتي بالثالثة. - الصفة الثانية: أن يسرد الثلاث جميعاً بتشهد واحد وسلام واحد.
بسم الله الرحمن الرحيم وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. إذا قام من يصلي التراويح إلى ثالثة فذكر أو ذكر وجب عليه الرجوع وسجود السهود، ويكون سجود السهو بعد السلام؛ لأنه عن زيادة، فإن لم يرجع بطلت صلاته إن كان عالماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وأما قياس هذا على من قام عن التشهد الأول، وقال إنه لا يرجع إذا استتم قائماً. فلا وجه لقياسه؛ لأن القيام عن التشهد ترك لواجب جاءت السنة بجبره بسجود السهو وهو ترك لا يزيد الرجوع إليه إلا خللاً في الصلاة، لا حاجة إليه لأنه يجبر بسجود السهو، أما من قام إلى زيادة فهو استمرار في زائد غير مشروع. قال ذلك كاتبه محمد الصالح العثيمين في 17/9/1409هـ.
فأجاب فضيلة الشيخ بقوله: هذا الفعل وهو مفارقة الإمام الذي يصلي التراويح أكثر من إحدى عشرة ركعة خلاف السنة، وحرمان لما يرجى من الأجر والثواب، وخلاف ما كان عليه السلف الصالح وذلك أن الذين صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، لم ينصرفوا قبله، وكان الصحابة – رضي الله عنهم – يوافقون إمامهم حتى فيما زاد على ما يرونه مشروعاً، فإن عثمان – رضي الله عنه – لما أتم الصلاة في منى أنكروا عليه، ولكن كانوا يتابعونه في الإتمام، ويقولون: إن الخلاف شر(63) والزيادة على إحدى عشرة ركعة ليست حراماً بل هي من الأمور الجائزة، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن صلاة الليل فقال:
فأجاب فضيلته بقوله: أما قوله: الذي يظهر الاحتمال الثاني – أن كل واحد منهما نائب عن الثاني مكمل له، وعلى هذا فإن كان المسجد يصلي فيه إمامان فإن هذين الإمامين يعتبران بمنزلة إمام واحد، فيبقى الإنسان حتى ينصرف الإمام الثاني، لأننا نعلم أن الثانية مكملة لصلاة الأول. وعلى هذا فالذي أنصح به إخواني أن يتابعوا الأئمة هنا في الحرم حتى ينصرفوا نهائياً، وإن كان بعض الإخوة ينصرف إذا صلى إحدى عشرة ركعة، ويقول: إن هذا هو العدد الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن معه في أن العدد الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم واقتصر عليه هو الأفضل، ولا أحد يشك في هذا، ولكني أرى أنه لا مانع من الزيادة، لا على أساس الرغبة عن العدد الذي اختاره النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن على أساس أن هذا من الخير الذي وسع فيه الشرع، حيث سئل صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال: وإذا كان هذا الأمر مما يسوغ فيه الزيادة فإن الأولى بالإنسان أن لا يخرج عن الجماعة بل يتابع، فالصحابة – رضي الله عنهم – لما أتم عثمان – رضي الله عنه – الصلاة في منى، استرجع بعضهم لما بلغه ذلك(68) والموافقة شأنها عظيم جداً، لا يذهب أحدكم مذهباً ينفرد به عن الجماعة، ويحزب الأمة ويقول: أنت معي أو مع فلان، فهذا خطأ. وعلى هذا فمادام الأمر سائغاً وليس فيه محظور شرعي، فإن موافقة الجماعة لا يظهر فيها ضغائن ولا أحقاد، فمادام الأمر واسعاً، والسلف الصالح روي عنهم في ذلك أولان متعددة كما قال الإمام أحمد، وشيخ الإسلام ابن تيميه – رحمهما الله – فليسعنا ما وسع السلف، وقد سبقنا من السلف من سبقنا فلا ينبغي أن نشذ، وأنا أكرر الدعاء إلى الائتلاف، وعدم الاختلاف فيما يسوغ فيه الاجتهاد، ولكن الإشكال الوارد وهو حقيقة إشكال إن كان هناك وتران في ليلة واحدة، فماذا يصنع المأموم؟ نقول: إذا كنت تريد أن تصلي مع الإمام الثاني التهجد، فإذا أوتر الإمام الأول، فأت بركعة لتكون مثنى مثنى، وإذا كنت لا تريد التهجد آخر الليل، فأوتر مع الإمام الأول، ثم إن قدر لك بعد ذلك أن تتهجد فاشفع الوتر مع الإمام الثاني.
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، يجوز لمن لم يكن حولهم مسجد يصلون فيه أن يقيموا صلاة التراويح ولو كانوا اثنين، أو ثلاثة، أو أربعة، بل لو كان واحداً فله أن يقوم بذلك؛ لأن التراويح هي قيام رمضان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يشرع للمرأة أن تصلي صلاة التراويح إما في بيتها، وإما في المسجد. وإذا أتاها الحيض فإنها لا تقضيها، وذلك لأن الصلاة لا تقتضى لا فرضها ولا نفلها بالنسبة للحائض فلا يشرع لها أن تقضيها إذا ظهرت. والله أعلم.
قال فضيلة الشيخ – حفظه الله ورعاه -:
بسم الله الرحمن الرحيم
التراويح: قيام الليل جماعة في رمضان، ووقتها من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان حيث قال: والسنة أن يقتصر على إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين؛ لأن عائشة رضي الله عنها سئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: وإن زاد على إحدى عشرة ركعة فلا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قيام الليل فقال: وأما ما يفعله بعض الناس من الإسراع المفرط فإنه خلاف المشروع، فإن أدى إلى الإخلال بواجب أو ركن كان مبطلاً للصلاة. وكثير من الأئمة لا يتأنى في صلاة التراويح، وهذا خطأ منهم فإن الإمام لا يصلي لنفسه فقط، وإنما يصلي لنفسه ولغيره، فهو كالولي يجب عليه فعل الأصلح. وقد ذكر أهل العلم أنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يسن فكيف بمن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يجب؟ وينبغي للناس أن يحرصوا على إقامة هذه التراويح، وأن لا يضيعوها بالذهاب من مسجد إلى مسجد فإن ولا بأس بحضور النساء صلاة التراويح إذا أمنت الفتنة بشرط أن يخرجن محتشمات غير متبرجات بزينة ولا متطيبات.
فأجاب فضيلته بقوله: لا أعلم أن للختمة عند انتهاء القرآن أصلاً من السنة، وغاية ما ورد في ذلك ما ذكر عن أنس بن مالك – رضي الله عنه –
فأجاب فضيلته بقوله: لا أعلم في ختمة القرآن في قيام الليل في شهر رمضان سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه أيضاً، وغاية ما ورد في ذلك أن أنس بن مالك – رضي الله عنه -: ثم إن في هذه الختمة مع كونها لم يثبت لها أصل من السنة فيها أن الناس ولاسيما النساء يكثرون في هذا المسجد المعين ويحصل بذلك من الاختلاط بين الرجال والنساء عند الخروج ما هو معلوم لمن شاهده. ولكن بعض أهل العلم قال إنه يستحب أن يختم القرآن بهذا الدعاء. ولو أن الإمام جعل الختمة في القيام في آخر الليل وجعلها مكان القنوت من الوتر وقنت لم يكن في هذا بأس؛ لأن القنوت مشروع.
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه المكرم....
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.... وبعد: كتابكم المؤرخ في/1398هـ ورديفه المؤرخ في 6 منه قرأتهما كليهما، وفهمت ما فيهما، وإني لأشكر أخي على ما أبداه من النصح ومحبة الخير، وأسأل الله لي وله التوفيق لما فيه الخير والصلاح والإصلاح، ثم أقول له: إنني حينما تكلمت على مسألة الدعاء عند ختم القرآن وبينت أنه لم يتبين لي فيها سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن المسألة تحتاج إلى نظر وتحقيق ليحكم عليها بما تستحق من تصويب أو تخطئة، إنما تكلمت به عرضاً لا قصداً، لأني لما ذكرت الإنكار على من يرفعونها فوق المنابر بمكبر الصوت كان من المعلوم أن الناس، أو الكثير سيفهمون أن أصل هذا الدعاء من السنن المطلوبة فيما أرى، فتحرجت من ذلك الفهم وذكرت أن المسألة تحتاج إلى نظر وتحقيق. ثم يا أخي تعلم أن المسالة ليست مما علم ثبوته بالضرورة من الدين حتى يكون التوقف فيها على النظر والتحقيق من الأمر الذي لا ينبغي، بل هي من المسائل التي لم يعلم لها أصل ثابت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا كرهها من كرهها من أهل العلم، كمالك – رحمه الله – إمام دار الهجرة، فالواجب النظر والتحقيق اتباعاً لقوله تعالى: وأما ما ذكرت من أن الأدعية التي يدعى بها عند ختم القرآن أدعية نبوية. فما كان منها كذلك فإنه لا يتوقف فيما ثبت منها عن النبي صلى الله عليه وسلم أو كان من الأدعية المباحة غير الواردة، وإنما التوقف في اتخاذ ذلك الدعاء سنة رابتة عند ختم كتاب الله بدون سنة مأثورة، حتى إن بعض العوام يكاد يظن أنها واجبة، وإذا كان كثير من أهل العلم كرهوا المداومة على ما تسن قراءته من بعض السور المعينة في الصلاة خوفاً من أن يظن وجوبها، فما بالك في هذا الدعاء المعتاد عند ختم كتاب الله عز وجل؟! وأما ما ذكرت من أن مشائخنا المرضيين كانوا يفعلونها. فلنعم المشائخ من ذكرت، وإذا كانوا على سنة ماثورة فنرجو الله تعالى الذي بيده الفضل أن يتفضل علينا بالهداية إليها، ويوفقنا للعمل بها، والدعوة إليها فإنها لها طالبون، ولما تقتضيه إن شاء الله متبعون. وأما ما ذكرت من اعتراض بعض الناس عليّ. فإني أسأل الله تعالى أن يرزقني الصبر على ما يقولون، وأن يرزقني وإياكم الثبات على الحق، ويجعلنا ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، وأن يبعدنا عن طريق من إذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله. ويا أخي إن كلام الناس في مثل ذلك ليس بغريب، فأنت تعلم كلامهم في شيخنا عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – وفي شيخه الشيخ صالح وفي غيرهما من أهل العلم والأئمة، بل كلامهم في أشرف الخلق، واعظمهم قدراً، وأعلمهم بالله، وأنصحهم لعباد الله سول الله محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال الكافرون: وأما ما ذكرت من سماعك بعض الناس يقولون: هو يظن أنني نبي نتعطل لما يعلمنا برايه. فهذا القول الذي يقولونه خطير جداً نسأل الله أن يعفو عنا وعنهم، وكان عليهم أن يقولوا بما قاله المؤمنون إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم: وأنت قد سمعت ما قلت في الخطبة من أن المسألة تحتاج إلى بحث وتحقيق، هل لها أصل من السنة أو لا أصل لها؟ وهذا واجب المؤمن في الأمور كلها إذا لم تكن معلومة. وأما ما ذكرت في كتابك المردف من الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم: فالحديث لا يدل على مثل مسألتنا، وإنما المراد به – والله أعلم – واحد من أمرين: أحدهما: أن يراد بالسنة الطريقة الموصلة إلى أمر مشروع ثبت شرعه بكتاب الله، أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كبناء المدارس لجمع الطلبة، وتصنيف السنة لتقريبها على طالبيها، ووضع الدواوين لرزق الجند ونحو ذلك من الوسائل الموصلة إلى أمر مشروع وهي كثيرة جداً. الثاني: أن يراد بمن سن سنة حسنة: من سبق إلى العمل بها فيكون المراد بالسنة سنة العمل لا سنة التشريع كما جاء ذلك مبيناً في سياق الحديث، فعن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في صدر النهار فجاء قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم حث الناس على الصدقة ولو بشق تمرة، فتصدق الناس حتى اجتمع عنده كومان من طعام وثياب، فتهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه مذهبة، فقال: ومن المعلوم من سياق الحديث أن الصحابة – رضي الله عنهم – لم يأتوا بشرع جديد، أو عبادة جديدة سنوها من عند أنفسهم، وإنما أتوا بما أمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقة وحثهم عليه. والرواية الثانية تدل بوضوح على أن المراد بالسنة المذكورة سنة العمل والسبق إلى تنفيذ ما أمر به الشارع حيث أبطأ الناس حتى جاء الأنصاري بصدقته فتتابع الناس في ذلك فكان الأنصاري الذي سبق إلى الصدقة هو الذي سن هذه السنة الحسنة، وإنما كانت حسنة لأمر الشارع بها، ويدل على ذلك لفظ الرواية الثالثة: وعلى هذا فإن السنة في الإسلام إذا لم يكن متبعاً فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فليست صالحة، فلا تكون حسنة، وإن استحسنها من سنها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ولا يمكن أن يراد بقوله صلى الله عليه وسلم: أحدهما: أن هذا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم: الثاني: انتشار معنى السنة الحسنة، وعدم انضباطه بضابط يرجع إليه ويتميز به ما كان حسناً مما كان سيئاً، فإن كل صاحب بدعة يدعي أنه سن في الإسلام سنة حسنة. فالمعتزلة الذين ابتدعوا تحريف نصوص الكتاب والسنة في أسماء الله وصفاته بتأويلها إلى معان مجازية يزعمون أنهم سنوا بذلك سنة حسنة، حيث قربوا بزعمهم نصوص الكتاب والسنة إلى المعقول فيما يجب لله تعالى، وأبعدوا بذلك التحريف ما يتوهمونه فيها من التمثيل والتخييل. والصوفية الذين ابتدعوا عدداً معيناً لذكر الله تعالى، وصفة معينة حين القيام بذلك، يزعمون أنهم سنوا بذلك سنة حسنة لحمل النفوس بزعمهم على القيام بهذا العدد المعين من ذكر الله تعالى وتنشيطها على العمل إذا كان على تلك الصفة من الهز والتمايل والرقص والتلحين ونحو ذلك. والذين ابتدعوا المواسم والأعياد بذكرى ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الانتصارات الإسلامية يزعمون أنهم سنوا بذلك سنة حسنة بالثناء على النبي صلى الله عليه وسلم، وكثرة الصلاة عليه، وتذكير النفوس بنعمة الله على المسلمين بولادته وانتصار الإسلام ونحو ذلك. بل المنافقون الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما أنزل من قبله وأرادوا أن يتحاكموا إلى الطاغوت وهو كل ما خالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول صدوا وأعرضوا يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً. فبماذا نزن هذه المناهج والطرق إذا كان كل من سلكها يدعي أنه سن بها سنة حسنة، وأورد على ما يدعي في ذلك شبهة؟! والجواب على ذلك: أن نزنها بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا لم توجد في كتاب الله تعالى، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم مع قيام المقتضي لها في عهده علم يقيناً أنها ليست من دين الله تعالى، ولا من شريعته، وأن دعوى أنها سنة حسنة دعوى باطلة؛ لأنها لو كانت كذلك لجاءت في كتاب الله تعالى، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من قوله، أو سانها أنها سنة حسنة، ولم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من اصحابه في عهده فيكون عليها إقرار الله تعالى، أو إقرار نبيه صلى الله عليه وسلم علم أنها ليست سنة حسنة في الإسلام، وإن استحسنها سانها، بل هي مما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم من البدع ولذلك تجد أنه يترتب على هذه البدع من الشرور والمفاسد أكثر مما يحصل فيها من الخير والمصلحة، وهذا من آيات الله تعالى الدالة على كمال شريعته. ولهذا تجد الصحابة – رضي الله عنهم – ينكرون مثل هذه الأمور وإن كان ظاهرها الخير والإحسان. فقد أنكر ابن عباس – رضي الله عنهما – على معاوية – رضي الله عنه – استلام أركان الكعبة فقال له معاوية: "ليس شيء من البيت مهجوراً"، فقال ابن عباس – رضي الله عنه -: وفي السنن من حديث سعيد بن طارق الأشجعي قال: قلت لأبي يا أبتي إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر وعثمان، وعلي – رضي الله عنهم – ههنا في الكوفة منذ خمس سنين أفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: "أي بني محدث"(85) ولذلك لو أراد الإنسان أن يتعبد لله تعالى بصلاة كصلاة الكسوف بدون حدوث كسوف. لقلنا له: هذا بدعة، وإن كان أصل صلاة الكسوف عبادة؛ لأنها عبادة مقيدة بسبب فلا تكون مشروعة مع عدمه. ولو أراد أن يتعبد لله بالوقوف بعرفة في غير وقته. لقلنا: هذا بدعة، وإن كان أصل الوقوف بعرفة عبادة؛ لأنه عبادة مقيدة بوقت فلا تكون مشروعة في غيره. ولو أراد أن يتعبد لله تعالى بالاعتكاف في منزله، أو مدرسته. لقلنا: هذا بدعة، وإن كان أصل الاعتكاف عبادة؛ لأنه عبادة مقيدة بمكان وهو المسجد فلا تكو مشروعة في غيره. ولو أراد أن يتعبد لله تعلى بصلاة ركعتين كلما دخل بيته. لقلنا: هذا بدعة، وإن كان أصل الصلاة عبادة؛ لأنها عبادة مقيدة بدخول المسجد فلا تكون مشروعة بدخول غيره. ولو أراد أن يتعبد لله تعالى بقوله عند إزالة النجاسة من بدنه أو ثوبه: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين. لقلنا: هذا بدعة، وإن كان أصل الذكر والدعاء عبادة؛ لأنه ورد مقيداً بعد إسباغ الوضوء فلا يكون مشروعاً بعد التطهر من النجاسة. والأمثلة على ذلك كثيرة وكلها يتضح بها أن ما ورد من العبادة مطلقاً فإن تقييده بمكان، أو وقت، أو سبب بدون دليل شرعي يجعله من البدع سواء كان ذكراً أم دعاء. وعلى هذا فنقول: الدعاء الذي يدعو به من يختم القرآن عند ختمه وإن كان أصله مما ورد بعينه أو بجنسه، فإنما ورد عاماً غير مقيد بختم القرآن، فجعل ختم القرآن سبباً للدعاء به تقييد له بسبب لم يرد به الشرع فإنه من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن ويختمه ولم ينقل عنه أنه كان يدعو عند ختمه. فعلم أنه لم يفعله، ولما لم يفعله علم أنه ليس من سنته، إذ لو كان من سنته لفعله، أو أقر عليه ثم نقل ذلك للأمة؛ لأن الله تعالى تكفل ببيان شريعته وحفظها، ولم يكن الله تعالى ليدع أمراً محبوباً إليه ثابتاً من دينه بدون بيان لعباده فلا يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه في عهده فيقر عليه، أو يفعل ذلك ولا ينقل للأمة فإن هذا خلاف قوله تعالى: وبعد، فهذا ما انتهى علمنا إليه في هذه المسألة الآن، ولا تزال تحت البحث والتحقيق، فنرجو إذا وجدتم زيادة علم أن تخبرونا به وأنا قد مر عليّ أن الدعاء مستجاب عند قراءة القرآن، ولكني نسيت موضعه، ولفظه، ومرتبته فنرجو أن تبحثوا عنه. وأما قولك – حفظك الله – في الكتاب الثاني: أني إذا كنت ما أرى الختمة أن لا أختم وأترك الناس كل بهواه. فيا محب تعلم أنه إذا تبين للإنسان الحق بدليله فقد أخذ الله تعالى عليه العهد والميثاق بما أعطاه من العلم أن يبينه للناس ولا يكتمه، لاسيما في الأمور التي يفعلها الناس، ويقدر أنها ليست على صواب، فإن بيان حكمها يكون أوكد ليتمشى الناس فيها على الصواب. هذا وأسأل الله لي ولك الزيادة من العلم والفقه في دين الله تعالى، وإخلاص العبادة له، والاتباع لهدي نبيه، وأن يجعلنا هداة مهتدين، ومن دعاة الحق وأنصاره، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حرر في/1398هـ.
فأجاب فضيلته بقوله: سبق أن قلنا إنه روي عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه إذا ختم القرآن جمع أهله ودعى(86) وأما الدعاء المنسوب إلى شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – فلا أظنه يصح عنه؛ لأنه لم يذكر في مصنفاته.
فأجاب فضيلته بقوله: نقول إن الأفضل صلاة التراويح؛ لأن صلاة التراويح إذا تركها وطاف، فإنها تفوته مع الجماعة ومع الإمام ويفوته قيام الليل كله؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: وعلى هذا فنقول الأفضل للإنسان أن يصلي مع الإمام حتى يكتب له قيام ليله.
فأجاب فضيلته بقوله: المذهب لا تصح صلاته سواء كان جاهلاً أم لا، والصحيح صحتها سواء كان جاهلاً أم لا.
فأجاب فضيلته بقوله: نعم. ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، والصحيح أنها تنتقل كما قال ذلك ابن حجر – رحمه الله – في (فتح الباري) وكما دلت عليه السنة أيضاً، فقد تكون في ليلة إحدى والعشرين، وفي ليلة ثلاث وعشرين، وفي ليلة خمس وعشرين، وفي ليلة سبع وعشرين، وفي ليلة تسع وعشرين، وقد تكون في الأشفاع، كل هذا ممكن أن تكون فيه ليلة القدر، والإنسان مأمور بأن يحرص فيها على القيام سواء مع الجماعة إن كان في بلد تقام فيه الجماعة فهو مع الجماعة أفضل، وإلا إذا كان في البادية في البر فإنه يصلي ولو كان وحده. واعلم أيضاً أنه من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً نال أجرها سواء علم بها أو لم يعلم، حتى لو فرض أن الإنسان ما عرف أماراتها، أو لم ينبه لها بنوم أو غيره، ولكنه قامها إيماناً واحتساباً فإن الله تعلى يعطيه ما رتب على ذلك، وهو أن الله تعالى يغفر له ما تقدم من ذنبه ولو كان وحده.
فأجاب فضيلته بقوله: ليلة القدر لا شك أنها في رمضان لقول الله تعالى: وإذا تأملنا الأدلة الواردة في ليلة القدر تبين لنا أنها تنتقل من ليلة إلى أخرى وأنها لا تكون في ليلة معينة كل عام، فالنبي صلى الله عليه وسلم
فأجاب فضيلته بقوله: أحرى الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين، ولكنها ليست هي ليلة القدر جزماً بل هي أرجاها ومع ذلك فإن القول الراجح عند أهل العلم: أن ليلة القدر تنتقل تارة تكون في ليلة إحدى وعشرين، وتارة تكون في ليلة ثلاث وعشرين وفي ليلة خمس وعشرين، وفي ليلة سبع وعشرين، وفي ليلة تسع وعشرين، وفي الأشفاع قد تكون، وقد أخفاها الله عز وجل على عباده لحكمتين عظيمتين: إحداهما: أن يتبين الجاد في طلبها الذي يجتهد في كل الليالي لعله يدركها، أو يصيبها، فإنها لو كانت ليلة معينة لم يجد الناس إلا في تلك الليلة فقط. والحكمة الثانية: أن يزداد الناس عملاً صالحاً يتقربون به إلى ربهم وينتفعون به. أما أفضل دعاء يدعى فيها فسؤال العفو كما في حديث عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت:
وأما علاماتها: فإن من علاماتها أن تخرج الشمس صبيحتها صافية لا شعاع(94)
فأجاب فضيلته بقوله: إذا صلى رجل صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح فلما سلم الإمام من التراويح أتم الرجل صلاة العشاء فهذا جائز ولا بأس به، وقد نص على جوازه الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – وصح عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، فتكون له نافلة، ولمن خلفه فريضة(95) لكن إن كان مع هذا الرجل جماعة فالأولى أن يصلوا وحدهم صلاة العشاء في جانب من المسجد ليدركوا الصلاة كلها من أولها إلى آخرها في الجماعة.
فأجاب فضيلته بقوله: حمل المصحف لهذا الغرض فيه مخالفة للسنة وذلك من وجوه: الوجه الأول: أنه يفوت الإنسان وضع اليد اليمنى على اليسرى في حال القيام. الوجه الثاني: أنه يؤدي إلى حركة كثيرة لا حاجة إليها، وهي فتح المصحف، وإغلاقه، ووضعه في الإبط وفي الجيب ونحوهما. الوجه الثالث: أنه يشغل المصلي في الحقيقة بحركاته هذه. الوجه الرابع: أنه يفوت المصلي النظر إلى موضع السجود وأكثر العلماء يرون أن النظر إلى موضع السجود هو السنة والأفضل. الوجه الخامس: أن فاعل ذلك ربما ينسى أنه في صلاة إذا كان لم يستحضر قلبه أنه في صلاة، بخلاف ما إذا كان خاشعاً واضعاً يده اليمنى على اليسرى، مطأطأ رأسه نحو سجوده، فإنه يكون أقرب إلى استحضار أنه يصلي وأنه خلف إمام.
فأجاب فضيلته بقوله: متابعة الإمام في المصحف معناه أن المأموم يأخذ المصحف ليتابع الإمام في قراءته، وهذا إن احتيج إليه بحيث يكون الإمام ضعيف الحفظ فيقول لأحد المأمومين: أمسك المصحف حتى ترد عليّ إن أخطأت فهذا لا بأس به لأنه لحاجة. وأما إذا لم يكن على هذا الوجه فإنني لا أرى أن الإنسان يتابع الإمام من المصحف؛ لأنه يفوت مطلوباً ويقع في غير مرغوب فيه، فيفوت النظر إلى موضع سجوده، وكذلك وضع اليدين على الصدر وهو من السنة، ويقع في غير مرغوب فيه وهو الحركة بحمل المصحف، وفتحه، وطيه، ووضعه، وهذه كلها حركات لا حاجة إليها، وقد قال أهل العلم: إن الحركة في الصلاة إذا لم يكن لها حاجة مكروهة؛ لأنها تنافي كمال الخشوع. بل قال بعض العلماء: إن حركة البصر تبطل الصلاة؛ لأن البصر سوف يتابع القراءة من أول السطر إلى آخره ومن أول الثاني إلى آخره وهكذا مع أن فيه حروفاً كثيرة وكلمات كثيرة فيكون حركة كثيرة للبصر، وهذا مبطل للصلاة. فنصيحتي لإخواني أن يدعوا هذا الأمر ويعودوا أنفسهم الخشوع بدون أن ينظروا إلى المصحف.
فأجاب فضيلته بقوله: نعم معروف عندي وعند غيري ما يحصل برفع الصوت في الميكرفون من المنابر أثناء صلاة التراويح وغيرها من التشويش على أهل البيوت والمساجد القريبة، وقد روى الإمام مالك – رحمه الله – في الموطأ 1/167 من شرح الزرقاني في (باب العمل في القراءة) عن البياضي فروة بن عمرو – رضي الله عنه – ففي هذين الحديثين النهي عن الجهر بالقراءة في الصلاة حيث يكون فيه التشويش على الآخرين وأن في هذا أذية ينهى عنها، قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله 23/61 من مجموع الفتاوى، ليس لأحد أن يجهر بالقراءة بحيث يؤذي غيره كالمصلين، وفي جـواب له 1/305 من الفتاوى الكبرى ط قديمة: ومن فعل ما يشوش به على أهل المسجد أو فعل ما يفضي إلى ذلك منع منه. أهـ. وأما ما يدعيه من يرفع الصوت من المبررات فجوابه من وجهين: الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجهر بعض الناس على بعض في القرآن وبين أن ذلك أذية، ومن المعلوم أنه لا اختيار للمؤمن ولا خيار له في العدول عما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: ومن المعلوم أيضاً أن المؤمن لا يرضى لنفسه أن تقع منه أذية لإخوانه. الوجه الثاني: أن ما يدعيه من المبررات – إن صح وجودها – فهي معارضة بما يحصل برفع الصوت من المحذورات فمن ذلك: 1- الوقوع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن جهر المصلين بعضهم على بعض. 2- أذية من يسمعه من المصلين وغيرهم ممن يدرس علماً أو يحفظه بالتشويش عليهم. 3- شغل المأمومين في المساجد المجاورة عن الاستماع لقراءة إمامهم التي أمروا بالاستماع إليها. 4- أن بعض المأمومين في المساجد المجاورة قد يتابعون في الركوع والسجود الإمام الرافع صوته، لاسيما إذا كانوا في مسجد كبير كثير الجماعة، حيث يلتبس عليهم الصوت الوافد بصوت إمامهم، وقد بلغنا أن ذلك يقع كثيراً. 5- أنه يفضي إلى تهاون بعض الناس في المبادرة إلى الحضور إلى المساجد؛ لأنه يسمع صلاة الإمام ركعة ركعة وجزءاً جزءاً فيتباطأ اعتماداً على أن الإمام في أول الصلاة فيمضي به الوقت حتى يفوت أكثر الصلاة أو كلها. 6- أنه يفضي إلى إسراع المقبلين إلى المسجد إذا سمعوا الإمام في آخر قراءته كما هو مشاهد، فيقعون فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من الإسراع بسبب سماعهم هذا الصوت المرفوع. 7- أنه قد يكون في البيت من يسمع هذه القراءة وهم في سهو ولغو كأنما يتحدون القارئ، وهذا على عكس ما ذكره رافع الصوت من أن كثيراً من النساء في البيوت يسمعن القراءة ويستفدن منها، وهذه الفائدة تحصل بسماع الأشرطة التي سجل عليها قراءة القراء المجيدين للقراءة. وأما قول رافع الصوت إنه قد يؤثر على بعض الناس فيحضر ويصلي لاسيما إذا كان صوت القارئ جميلاً. فهذا قد يكون حقاً ولكنه فائدة فردية منغمرة في المحاذير السابقة. والقاعدة العامة المتفق عليها أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد وجب مراعاة الأكثر منها والأعظم، فحكم بما تقتضيه، فإن تساوت فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح. فنصيحتي لإخواني المسلمين أن يسلكوا طريق السلامة، وأن يرحموا إخوانهم المسلمين الذين تتشوش عليهم عبادتهم بما يسمعون من هذه الأصوات العالية، حتى لا يدري المصلي ماذا قال ولا ماذا يقول في الصلاة من دعاء، وذكر، وقرآن، ولقد علمت أن رجلاً كان إماماً وكان في التشهد وحوله مسجد يسمع قراءة إمامه فجعل السامع يكرر الشيء؛ لأنه عجز أن يضبط ما يقول فأطال على نفسه وعلى من خلفه. ثم إنهم إذا سلكوا هذه الطريق وتركوا رفع الصوت من على المنارات حصل لهم مع الرحمة بإخوانهم امتثال قول النبي صلى الله عليه وسلم: ولا يخفى ما يحصل للقلب من اللذة الإيمانية في امتثال أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وانشراح الصدر لذلك وسرور النفس به. وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب، وصلى الله وسلم على عبده، ورسوله محمد وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان. كتبه الفقير إلى ربه محمد الصالح العثيمين في 9/9/1407هـ.
فأجاب فضيلته بقوله: لا ينبغي حمل المأموم للمصحف، بل لو قيل بكراهيته لكان له وجه؛ لأن ذلك يؤدي إلى حركة لا حاجة إليها، فالإنسان يتحرك لفتح المصحف، وإغلاقه، وحمله وتفوته سنة وضع اليدين على الصدر ويكون منه حركة بصرية كثيرة؛ لأن عينيه تجول في الصفحات ولهذا ذهب بعض العلماء إلى بطلان صلاة الإنسان إذا قرأ من المصحف، والصحيح أن الصلاة لا تبطل، لكن لا شك أن متابعة الإمام في المصحف إذا لم يكن هناك حاجة مكروه، أما لو كان الإمام محتاجاً إلى من يتابعه لكونه ضعيف الحفظ فطلب من أحد المصلين أن يتابعه ليقرأ عليه إن أخطأ فإن ذلك لا بأس به.
فأجاب فضيلته بقوله: حمل المصحف والإمام يقرأ ينافي الخشوع وفيه عدة محاذير: المحذور الأول: أنه يحول بين المصلي وبين رؤية محل سجوده، والمشروع للمصلي أن ينظر إلى محل سجوده عند أكثر العلماء، وهذا الذي بيده المصحف لا ينظر إليه. المحذور الثاني: أنه يحول بين المصلي وبين اتباع السنة في وضع اليدين؛ لأن المشروع للمصلي في حال القيام قبل الركوع وبعد الركوع أن تكون يده اليمنى على اليسرى، وهذا الذي أخذ المصحف لا يتمكن من ذلك كما هو معلوم. المحذور الثالث: أن فيه حركة لا داعي لها، والحركة في الصلاة مكروهة؛ لأنها عبث، وهذا يحرك المصحف في تقليبه، وفي حمله، وفي وضعه حركة لا داعي لها. المحذور الرابع: أنه يشغل بصره بحركات كثيرة فهو ينظر إلى الآيات، وإلى كل كلمة، وكل حرف، وكل حركة، وكل سطر، وكل صفحة، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن الإنسان المصلي إذا قرأ في المصحف بطلت صلاته، وعللوا بذلك بكثرة الحركات، وهذا المتابع لا شك أن حركات عينيه تكثر كثرة عظيمة. المحذور الخامس: أنني أشعر أن الذي يتابع الإمام سوف يذهب عن قلبه أنه في صلاة، يعني ينشغل بالمتابعة عن كونه يصلي يشعر كأن إمامه رجلاً يقرأ وهو يتابعه، ما كأنه في صلاة، لكن إذا كان الإنسان قد وضع يده اليمنى على اليسرى، وأخبت لله، ووضع بصره موضع سجوده، فإنه يجد من الإنابة إلى الله والخشوع ما لا يجده عند تقليب المصحف، ولهذا أنصح إخواني بترك هذه العادة، اللهم إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك كما لو كان الإمام غير حافظ فطلب من بعض المأمومين حمل المصحف ليرد عليه عند الخطأ فهذه حاجة ولا بأس بها.
فأجاب فضيلته بقوله: نعم تصلون التراويح، وتقومون الليل، وتصلون صلاة الضحى وغيرها من النوافل، لكن لا تصلون راتبة الظهر، أو المغرب أو العشاء.
فأجاب فضيلته بقوله: الذي أرى أنه إذا كان هذا العمل في الحدود الشرعية بدون غلو فإنه لا باس به، ولا حرج فيه، ولهذا قال أبو موسى الأشعري للنبي صلى الله عليه وسلم:
فأجاب فضيلته بقوله: لا حرج في أن يذهب الإنسان إلى المسجد الحرام كي يصلي فيه التراويح، لأن المسجد الحرام مما يشد إليه الرحال، ولكن إذا كان الإنسان موظفاً، أو كان إماماً في مسجد فإنه لا يدع الوظيفة، أو يدع الإمامة ويذهب إلى الصلاة في المسجد الحرام، لأن الصلاة في المسجد الحرام سنة، وأما القيام بالواجب الوظيفي فإنه واجب ولا يمكن أن يترك الواجب من أجل فعل السنة، وقد بلغني أن بعض الأئمة يتركون مساجدهم ويذهبون إلى مكة من أجل الاعتكاف في المسجد الحرام، أو من أجل صلاة التراويح، وهذا خطأ لأن القيام بالواجب واجب، والقيام والذهاب إلى مكة لإقامة التراويح أو الاعتكاف ليس بواجب.
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الحديث فيما أعرفه مختلف في صحته وعلى تقدير ثبوته فإنه يحمل على ما إذا كان في ذلك تفريق للمصلين عن المسجد الذي حولهم، وإلا فمن المعلوم أن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يرتادون المسجد النبوي ليصلوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم بل كان معاذ – رضي الله عنه – يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي(100) وارتياد الإنسان المسجد من أجل حسن القراءة، واستعانته بحسن قراءة إمامه على القيام لا بأس به، اللهم إلا إذا خشي من ذلك فتنة، أو خشي من ذلك إهانة للإمام الذي حوله، مثل أن يكون هذا الرجل من كبراء القوم وانصرافه عن مسجده إلى مسجد آخر يكون فيه شيء من القدح في الإمام، فهنا قد نقول: إنه ينبغي أن يراعي هذه المفسدة فيتجنبها.
فأجاب فضيلته بقوله: نعم لهذا التحديد أصل وهو أن ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون ليلة للقدر كما جاء ذلك في صحيح مسلم من حديث أبي بن كعب – رضي الله عنه -(101) ولكن القول الراجح من أقوال أهل العلم التي بلغت فوق أربعين قولاً أن ليلة القدر في العشر الأواخر، ولاسيما في السبع الأواخر منها، فقد تكون ليلة سبع وعشرين، وقد تكون ليلة خمس وعشرين، وقد تكون ليلة السادس والعشرين، وقد تكون ليلة الرابع والعشرين، ولذلك ينبغي للإنسان أن يجتهد في كل الليالي حتى لا يحرم من فضلها وأجرها، فقد قال الله تعالى:
فأجاب فضيلته بقوله: إذا ثبت الهلال ليلة الثلاثين من رمضان، فإنها لا تقام صلاة التراويح، ولا صلاة القيام، ذلك لأن صلاة التراويح والقيام إنما هي في رمضان، فإذا ثبت خروج الشهر فإنها لا تقام.
فأجاب فضيلته بقوله: لا يكتب لهذا قيام ليلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
فأجاب فضيلته بقوله: لا شك أن البكاء من خشية الله عز وجل من صفات أهل الخير والصلاح، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخشع في صلاته ويكون لصدره أزيز كأزيز المرجل(103) فالبكاء عند قراءة القرآن، وعند السجود، وعند الدعاء من صفات الصالحين، والإنسان يحمد عليه، والأصوات التي تسمع أحياناً من بعض الناس هي بغير اختيارهم فيما يظهر، وقد قال العلماء رحمهم الله: إن الإنسان إذا بكى من خشية الله، فإن صلاته لا تبطل، ولو بان من ذلك حرفان فأكثر. لأن هذا أمر لا يمكن للإنسان أن يتحكم فيه، ولا يمكن أن نقول للناس لا تخشعوا في الصلاة ولا تبكوا. بل نقول: إن البكاء الذي يأتي بتأثر القلب مما سمع، أو مما استحضره إذا سجد؛ لأن الإنسان إذا سجد استحضر أنه أقرب ما يكون إلى ربه عز وجل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
|