الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
فأجاب بقوله : هذا الحديث حديث عظيم ذكر بعض أهل العلم أنه بلغ حد التواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك أنه حديث مستفيض مشهور، وقد شرحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بكتاب مستقل، لما فيه من الفوائد العظيمة، ففيه ثبوت النزول لله سبحانه وتعالى لقوله: فأجاب بقوله: نقول: أصل هذا السؤال تنطع، وإيراده غير مشكور عليه مورده، لأننا نسأل هل أنت أحرص من الصحابة على فهم صفات الله؟ إن قال : نعم فقد كذب . وإن قال : لا . قلنا: فليسعك ما وسعهم، فهم ما سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا : يا رسول الله إذا نزل هل يخلو منه العرش؟ وما لك ولهذا السؤال، قل : ينزل واسكت. يخلو منه العرش أو ما يخلو، هذا ليس إليك أنت مأمور بأن تصدق الخبر ولا سيما ما يتعلق بذات الله وصفاته، لأنه أمر فوق العقول فإذاً نقول :هذا السؤال تنطع أصلاً لا يرد وكل إنسان يريد الأدب كما تأدب الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يورده، فإذا قدر أن شخصاً ابتلي بأن وجد العلماء بحثوا في هذا واختلفوا فيه، فمنهم من يقول يخلو، ومنهم من يقول لا يخلو، ومنهم من توقف، فالسبيل الأقوم في هذا هو التوقف، ثم القول بأنه لا يخلو منه العرش، وأضعف الأقوال القول بأنه يخلو منه العرش، فالتوقف أسلمها وليس هذا مما يجب علينا القول به، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبينه والصحابة لم يستفسروا عنه، ولو كان هذا مما يجب علينا أن نعتقده لبينه الله ورسوله بأي طريق، ونحن نعلم أنه أحياناً يبين الرسول صلى الله عليه وسلم الحق من عنده، وأحياناً يتوقف فينزل الوحي، وأحياناً يأتي أعرابي فيسأل عن شيء، وأحياناً يسأل الصحابة أنفسهم عن الشيء كل هذا لم يرد في هذا الحديث فإذاً لو توقفنا وقلنا : الله أعلم فليس علينا سبيل لأن هذا هو الواقع.
فأجاب بقوله: هذا لا يكون، لأنك لو قلت : إن السماء تقله لزم أنه يكون محتاجاً إليها، كما تكون أنت محتاجاً إلى السقف إذا أقلك، ومعلوم أن الله غني عن كل شيء، وأن كل شيء محتاج إلى الله، فإذاً نجزم بأن السماء لا تقله، لأنها لو أقلته لكان محتاجاً إليها وهذا مستحيل على الله عز وجل. فأجاب بقوله: لا، ونجزم بهذا لأننا لو قلنا بإمكان ذلك لبطلت صفة العلو، وصفة العلو لازمة لله، وهي صفة ذاتية لا تنتفي عن الله ولا يمكن أن يكون شيء فوقه. حينئذ يبقى الإنسان منبهتاً كيف ينزل إلى السماء الدنيا ولا تقله ولا تكون السماوات الأخرى فوقه هل يمكن هذا؟! الجواب: إذا كنت منبهتاً من هذا فإنما تنبهت إذا قست صفات الخالق بصفات المخلوق، صحيح أن المخلوق إذا نزل إلى المصباح صار السطح فوقه وصار سطح المصباح يقله، لكن الخالق لا يمكن أن يقاس بخلقه، فلا تقل : كيف؟ ولم؟ فإذاً هذان السؤالان: هل السماء تقله؟ الجواب: لا لأنك إن فرضت هذا لزم أن يكون الله محتاجاً إلى السماء والله تعالى غني عن كل شيء، وكل شيء محتاج إليه. والسؤال الثاني: هل تكون السماوات فوقه ما عدا السماء الدنيا؟ الجواب: لا لأنك لو فرضت ذلك لزم انتفاء صفة العلو لله مع أن العلو من صفات الله الذاتية التي لا ينفك عنها. فالسؤال هذا من أصله بدعة كما قال مالك للذي سأله عن الاستواء كيف استوى؟ قال: "السؤال عنه بدعة" يعني لأنه ما سأل الصحابة عنه، فأنت الآن ابتدعت في دين الله حيث سألت عن أمر ديني ما سأل عنه الصحابة وهم أفضل منك، وأحرص منك على العلم بصفات الله، لكن مع ذلك لو قال: أنا يساورني القلق أخشى أن أعتقد بصفات الله ما لا يجوز، فبينوا لي وأنقذوني، فحينئذ نبين له لأن الإنسان قد يبتلى بمثل هذه الأمور ويأتيه الشيطان ويوسوس له،ويقول كيف؟ وكيف؟ حتى يؤدي به إلى أحد محذورين: إما التمثيل، وإما التعطيل، فإذا جاءنا يسأل ويقول أنقذوني ما زال هذا يتردد في خاطري ما يكفيني أن تقولوا : بدعة كيف أذهب ما في خاطري وقلبي. نقول : نبين لك.
فأجاب بقوله: ذكرنا فيما سبق أن الذي ينزل هو الله نفسه، هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الخلق به، وأنصحهم، وأفصحهم مقالاً، وأصدقهم فيما يقول فهو أعلم، وأنصح، وأفصح، وأصدق، وكل هذه الصفات الأربع موجودة في كلامه عليه الصلاة والسلام، فو الله ما كذب في قوله: وهذا التحريف ولا نقول : هذا التأويل فالقول بأن مثل هذا التحريف تأويل تلطيف للمسألة، وكل تأويل لا يدل عليه دليل فهو تحريف، نقول : هذا التحريف لا شك أنه باطل فإذا قلنا : إن الذي ينزل أمر الله في ثلث الليل فمقتضاه: أولاً : أنه في غير ثلث الليل لا ينزل أمر الله، وأمر الله نازل في كل لحظة ثانياً : أمر الله ما ينتهي بالسماء الدنيا قال تعالى: ورحمة الله أيضاً نفس الشيء نقول رحمة الله عز وجل تنزل كل لحظة ولو فقدت رحمة الله من العالم لحظة لهلك فكل لحظة تنزل الرحمة وتنزل إلى الأرض، إذا ما الفائدة لنا بنزول الرحمة إلى السماء فقط، إذا لم تصلنا الرحمة فلا فائدة لنا منها، فبطل تفسيره بالرحمة بل ما يترتب على تفسيره بالأمر أو بالرحمة من اللوازم الفاسدة أعظم مما يتوهمه من صرف اللفظ إلى الأمر أو الرحمة من المفاسد في تفسيره بنزول الله نفسه. ثالثاً: هل يمكن للأمر أو الرحمة أن تقول : من يدعوني فأستجيب له إلخ؟ الجواب: لا يمكن أن تقول رحمة الله : من يدعوني، ولا يمكن أن يقول أمر الله : من يدعوني، فالذي يقول هو الله عز وجل كذلك إذا قيل : إن الذي ينزل ملك من ملائكته نقول : الملك إذا نزل إلى السماء الدنيا لا يمكن أن يقول من يدعوني. أبداً لو قال الملك : من يدعوني صار من دعاة الشرك لأن الذي يجيب الداعي إذا دعاه هو الله عز وجل فلا يمكن للملك أن يقول هكذا، حتى لو فرض أن الله أمره أن يقول لقال :من يدعو الله فيستجيب له، ولا يمكن لملك من الملائكة وهم لا يعصون الله أن يقول من يدعوني فأستجيب له، وبهذا بطل تحريف هذا الحديث إلى هذا المعنى أن يكون النازل ملكاً. وتحريف نصوص الصفات من القرآن والسنة يجري فيها هذا المجرى، يعني أن كل التحريفات إذا تأملتها وجدت أنه يترتب عليها من المفاسد أضعاف ما يترتب على المفاسد التي توهموها لو أجروا اللفظ على ظاهره، ولهذا نجد الصحابة رضي الله عنهم سلموا من هذا فلا يوجد عنهم حرف واحد في تحريف نصوص الصفات، لأنه ليس فيها إشكال عندهم يجرونها على ظاهرها، كما يجرون آيات الأحكام على ظاهرها، والغريب أن هؤلاء الذين يحرفون في نصوص الصفات وهم لا يستطيعون أن يعقلوها لو حرف أحد من نصوص الأحكام مع أن الأحكام مربوطة بالمصالح والمصالح للعقول فيها مدخل لو حرف أحد في نصوص الأحكام لأقاموا عليه الدنيا، وقالوا : ما يمكن أن تخرج اللفظ عن ظاهره، مع أن الأحكام مربوطة بالمصالح والمصالح للعقل فيها مجال، لكن صفات الله غير مربوطة بهذا، صفات الله طريقها الخبر المجرد يعني ما فيه تلقٍّ في صفات الله نفياً، أو إثباتاً إلا من الكتاب والسنة، ومع ذلك نجد من يعلب بنصوص الكتاب والسنة فيما يتعلق بصفات الله ويحرفها حينما يرى أن العقل يقتضي ذلك، مع أن العقل الذي يدعي أنه يقتضي ذلك، عقل من؟ عقل زيد أو عمرو أو بكر.. كل واحد منهم له عقل يقول هذا هو الحق ولهذا تجدهم يتناقضون، بل إن الواحد منهم ينقض كلامه بعضه بعضاً، يؤلف كتاباً فينقض به ما في الكتاب الأول وهكذا. فهم يتناقضون لأنهم على غير برهان وعلى غير أساس، فلهذا نقول : الطريق السليم، والمنهج الحكيم هو: ما درج عليه السلف من إجراء هذه النصوص على ظاهرها. فإذا قال قائل: ظاهرها التمثيل. قلنا له: أخطأت ليس ظاهرها التمثيل، وكيف يكون ظاهرها التمثيل وهي مضافة إلى الله تعالى والله لا يماثله أحد في ذاته فكذلك في صفاته. فمثلاً قوله تعالى: وفي قوله:
فإذا قال قائل : نحن لا نسمع هذا القول؟ فنقول: أخبرنا به من قوله عندنا أشد يقيناً مما لو سمعنا وهو الرسول صلى الله عليه وسلم نعلم علم اليقين بأن الله يقول بخبر أصدق الخلق صلى الله عليه وسلم ونحن لو سمعنا قولاً، لظننا أنه وجبة شيء سقط، أو حفيف أشجار من رياح فنتوهم فيما نسمع لكن ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نتوهم فيه فيكون خبر الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا بمنزلة ما سمعنا بآذاننا، بل أشد يقيناً، إذا صح عنه، وهذا الحديث قد صح عنه فهو متواتر أو هو مشهور مستفيض عند أهل السنة والحديث فلذلك نقول : إن الله يقول هذا فينبغي لك وأنت تتهجد لله في هذا الزمن من الليل أن تشعر بأن الله ينادي يقول من يدعوني فأستجيب له، فتدعو الله تعالى وأنت موقن بهذا والدعاء أن تقول: " يا رب" فهذا دعاء. وقوله: وقوله: فهذا متضمن لثلاثة ، الدعاء في قوله : " اللهم " ، والاستغفار في قوله : " فاغفر لي " ، وفي قوله : "وارحمني " دعاء بالرحمة. قوله: ونحو ذلك من الأسئلة التي تشطح بهم عن تعظيم الله عز وجل وهؤلاء بلا شك سينقص من إجلال الله عز وجل في قلوبهم بقدر ما حاولوا من التعمق في هذه الأمور، وليس إجلالنا لله عز وجل كإجلال الصحابة ولا قريباً منه، وليس حرصنا على العلم بصفات الله كحرص الصحابة وهم ما سألوا هذه الأسئلة ولذلك وأنا أنصحكم لله وأرجو منكم ألا تتعمقوا في هذه الأمور فتسألوا عن أشياء لم يسأل عنها الصحابة. خذوا ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتركوا ما عدا ذلك لئلا يوقعكم الشيطان في أمر تعجزون عن التخلص منه قد يوقعكم في التمثيل ويلزمكم إلزاماً بأن تعتقدوا ذلك، لأن الإنسان الذي يتعمق إلى هذا الحد يخشى عليه، خذوا ما جاء في الكتاب وصحيح السنة واحمدوا الله على العافية واسلكوا سبيل السابقين والله أعلم . فأجاب بقوله: سؤالكم عن الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فجوابه: أنه لا إشكال في ذلك بحمد الله تعالى حتى يطلب الجمع، فإن هذا الحديث من صفات الله تعالى الفعلية، والواجب علينا نحو صفات الله تعالى سواء أكانت ذاتية كالوجه واليدين، أم معنوية كالحياة والعلم، أم فعلية كالاستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا فالواجب علينا نحوها ما يلي: 1. الإيمان بها على ما جاءت به النصوص من المعاني والحقائق اللائقة بالله تعالى. 2. الكف عن محاولة تكييفها تصوراً في الذهن، أو تعبيراً في النطق، لأن ذلك من القول على الله تعالى بلا علم. وقد حرمه الله تعالى في قوله: 3. الكف عن تمثيلها بصفات المخلوقين سواء كان ذلك تصوراً في الذهن، أم تعبيراً في النطق لقوله تعالى: فإذا علمت هذا الواجب نحو صفات تعالى، لم يبق إشكال في حديث النزول ولا غيره من صفات الله تعالى وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أمته أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر مخاطباً بذلك جميع أمته في مشارق الأرض ومغاربها، وخبره هذا من علم الغيب الذي أظهره الله تعالى عليه، والذي أظهره عليه وهو الله تعالى عالم بتغير الزمن على الأرض وأن ثلث الليل عند قوم يكون نصف النهار عند آخرين مثلاً. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب الأمة جميعاً بهذا الحديث الذي خصص فيه نزول الله تبارك وتعالى، بثلث الليل الآخر فإنه يكون عاماً لجميع الأمة، فمن كانوا في الثلث الآخر من الليل تحقق عندهم النزول الإلهي، وقلنا لهم : هذا وقت نزول الله تعالى بالنسبة إليكم ومن لم يكونوا في هذا الوقت فليس ثم نزول الله تعالى بالنسبة إليهم، والنبي صلى الله عليه وسلم حدد نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا بوقت خاص، فمتى كان ذلك الوقت كان النزول، ومتى انتهى انتهى النزول، وليس في ذلك أي إشكال. وهذا وإن كان الذهن قد لا يتصوره بالنسبة إلى نزول المخلوق لكن نزول الله تعالى ليس كنزول خلقه حتى يقاس به ويجعل ما كان مستحيلاً بالنسبة إلى المخلوق مستحيلاً بالنسبة إلى الخالق فمثلاً إذا طلع الفجر بالنسبة إلينا وابتدأ ثلث الليل بالنسبة إلى من كانوا غرباً قلنا : إن وقت النزول الإلهي بالنسبة إلينا قد انتهى. وبالنسبة إلى أولئك قد ابتدأ، وهذا في غاية الإمكان بالنسبة إلى صفات الله تعالى، فإن الله تعالى: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرح حديث النزول: " فالنزول الإلهي لكل قوم مقدار ثلث ليلهم، فيختلف مقداره بمقادير الليل في الشمال والجنوب، كما اختلف في المشرق والمغرب، وأيضاً فإنه إذا كان ثلث الليل عند قوم فبعده بلحظة ثلث الليل عند ما يقاربهم من البلاد، فيحصل النزول الإلهي الذي أخبر به الصادق المصدوق أيضاً عند أولئك، إذا بقي ثلث ليلهم وهكذا إلى آخر العمارة" أ. هـ كلامه رحمه الله. فأجاب بقوله: الواجب علينا أن نؤمن بما وصف الله وسمى به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، فالتحريف في النصوص، والتعطيل في المعتقد، والتكييف في الصفة، والتمثيل في الصفة أيضاً إلا أنه أخص من التكييف لأنه تكييف مقيد بمماثلة، فيجب أن تبرأ عقيدتنا من هذه المحاذير الأربعة. ويجب على الإنسان أن يمنع نفسه عن السؤال بـ"لم "؟ وكيف؟ فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، وكذا يمنع نفسه عن التفكير في الكيفية، وهذا الطريق إذا سلكه الإنسان استراح كثيراً، وهذه حال السلف رحمهم الله ولهذا جاء رجل إلى مالك بن أنس رحمه الله قال: يا أبا عبد الله فأطرق برأسه وعلته الرحضاء وقال: " الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعاً ". وهذا الذي يقول إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة فيلزم من هذا أن يكون كل الليل في السماء الدنيا، لأن الليل يدور على جميع الأرض، فالثلث ينتقل من هذا المكان إلى المكان الآخر. جوابنا عليه أن نقول: هذا سؤال لم يسأله الصحابة رضوان الله عليهم ولو كان هذا يرد على قلب المؤمن المستسلم لبينه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ونقول : ما دام ثلث الليل الأخير في هذه الجهة باقياً فالنزول فيها محقق، ومتى انتهى الليل انتفى النزول ونحن لا ندرك كيفية نزول الله ولا نحيط به علماً ونعلم أنه سبحانه ليس كمثله شيء، وعلينا أن نستسلم وأن نقول: سمعنا، وامنا، واتبعنا، وأطعنا هذه وظيفتنا. فأجاب بقوله: لقد وددت أن الكاتب لم يستعجل بكتابة مثل هذا الجواب، لأن المقام خطير حيث يتعلق بصفة من صفات الله تعالى، وهذه الجملة التي وقع عنها السؤال لعلها سهو أو سبقة قلم، فإن نزول الله تعالى في وقت معلوم، حدده وعينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلث الليل، وهو واضح لا إشكال فيه، ولا يقع فيه إشكال إلا على من تصور أن نزول الله تعالى كنزول المخلوقين، أما من قدر الله تعالى حق قدره وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق بمثل هذه الأمور الغيبية إلا بما أظهره الله عليه، وأنه صادق فيما أخبر به من ذلك، فإنه لن يشكل عليه هذا الحديث، فإنه يقول نزول الله تعالى ليس كنزول غيره، فإنه يكون نازلاً إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر بالنسبة لمن كانوا في ذلك الوقت، وليس نازلاً بالنسبة لمن لم يكونوا فيه، هذا مقتضى الحديث، وليس فيه إشكال. لذا أرجو أن يكون فيما كتبت كفاية، وأن يعيد الكاتب كتابة الجواب حسبما يتبين له من هذه الكتابة التي هي مقتضى الحديث وعين دلالته، لا أقول : لمن تأمله لأنه بمنتهى الوضوح بدون تأمل والله الموفق.
فأجاب قائلاً: يقول الله عز وجل في القرآن الكريم حين ذكر القيامة: أما من زعم أن الله لا يرى بالعين وأن الرؤية عبارة عن كمال اليقين فإن قوله هذا باطل مخالف للأدلة ويكذبه الواقع، لأن كمال اليقين موجود في الدنيا أيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير الإحسان: فأجاب بقوله: رؤية الله عز وجل في اليقظة لم تثبت، حتى ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينه. ولا يمكن لأحد أن يرى الله تعالى في الدنيا بعينه يقظة لأن موسى لما قال: أما في المنام فقد ورد حديث في السنن صححه كثير من الحفاظ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه في المنام وقد شرح ابن رجب هذا الحديث في رسالة مختصرة فأحيل السائل عليها. فأجاب بقوله : ما ذكرته في شرح لمعة الاعتقاد لا ينافي ما ذكره الشيخ الشنقيطي وغيره من أن رؤية الله تعالى في الدنيا ممكنة، فإن قولي: " إنه مستحيل" أي بحسب خبر الله عز وجل بأنه لن يراه، إذ لا يمكن أن يتخلف مدلول خبره تعالى ، وقد جاءت بمثل ذلك السنة ، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث عن الدجال : ثم اعلم أن المستحيل في حق الله تعالى نوعان: أحدهما: مستحيل لكونه لا يليق بجلاله كالجهل والعجز ونحوهما، فهذا لا يمكن لمن عرف الله تعالى وقدره حق قدره أن يخطر بباله جوازه أو ينطق لسانه بسؤاله. الثاني: مستحيل بالنسبة لغيره لكمال صفات الله تعالى، كرؤية الإنسان ربه في الدنيا، فإن هذا مستحيل لكون البشر لا يطيق أن يرى الله تعالى في الدنيا لنقص حياة البشر حينئذ. ولذلك تكون الرؤية ممكنة يوم القيامة لأن حياة البشر حينذاك أكمل. وعلى كل حال فقد دلت النصوص وإجماع السلف على أن الله تعالى لم يره أحد في الدنيا يقظة، وإن كان قد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ما ظاهره أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم رأى الله تعالى، فالله أعلم.
|