الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
**** الآية الأولى ما جعلها ترجمة للباب، وهي قوله تعالى: {أم تر}. الاستفهام يراد به التقرير والتعجب من حالهم، والخطاب للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ. قوله: والذي أنزل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الكتاب والحكمة، قال تعالى: قوله: {إلى الطاغوت}. صيغة مبالغة من الطغيان، ففيه اعتداء وبغي، والمراد به هنا كل حكم خالف حكم الله ورسوله، وكل حاكم يحكم بغير ما أنزل الله على رسوله، أما الطاغوت بالمعنى الأعم فقد حده ابن القيم بأنه: (كل ما تجاوز العبد به حده من معبود أو متبوع أو مطاع) وقد تقدم الكلام عليه في أول كتاب التوحيد. قوله: قوله: {ويريد الشيطان}. جنس يشمل شيءاطين الإنس والجن. قوله: {أن يضلهم ضلالا بعيدا}. أي: يوقعهم في الضلال البعيد عن الحق، ولكن لا يلزم من ذلك أن ينقلهم إلى الباطل مرة واحدة، ولكن بالتدريج. فقوله: (بعيدا). أي: ليس قريبا، لكن بالتدرج شيئا فشيئا حتى يوقعهم في الضلال البعيد. قوله: قوله: قوله: {رأيت المنافقين}. إظهار في موضع الإضمار لثلاث فوائد: الأولى: أن هؤلاء الذين يزعمون الإيمان كانوا منافقين. الثانية: أن هذا لا يصدر إلا من منافق، لأن المؤمن حقا لا بد أن ينقاد لأمر الله ورسوله بدون صد. الثالثة: التنبيه، لأن الكلام إذا كان على نسق واحد قد يغفل الإنسان عنه، فإذا تغير، حصل له انتباه. قوله: (رأيت المنافقين) جواب (إذا)، وكلمة (صد) تستعمل لازمة، أي: يوصف به الشخص ولا يتعداه إلى غيره، ومصدرها صدود، كما في هذه الآية، ومتعدية، أي: صد غيره، ومصدرها صد، كما في قوله تعالى: وقوله: فالدنيوية مثل: الفقر، والجدب، وما أشبه ذلك، فيأتون يشكون إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيقولون: أصابتنا هذه المصائب ونحن ما أردنا إلا الإحسان والتوفيق. والشرعية: إذا أظهر الله رسوله على أمرهم، خافوا وقالوا: يا رسول الله! ما أردنا إلا الإحسان والتوفيق. قوله: وقوله: قوله: فالإنسان يعزم على الشيء ثم لا يدري إلا وعزيمته منتقضة بدون سبب ظاهر. قوله: (فأعرض عنهم) وهذا من أبلغ ما يكون من الإهانة والاحتقار. قوله: {وعظهم}. أي: ذكرهم وخوفهم، ولكن لا تجعلهم أكبر همك، فلا تخافهم، وقم بما يجب عليك من الموعظة لتقوم عليهم الحجة. قوله: الأول: أن الجار والمجرور في أنفسهم متعلق ببليغ، أي: قل لهم قولا بليغا في أنفسهم، أي: يبلغ في أنفسهم مبلغا مؤثرا. الثاني: أن المعنى: انصحهم سرا في أنفسهم. الثالث: أن المعنى: قل لهم في أنفسهم (أي: في شأنهم وحالهم) قولا بليغا في قلوبهم يؤثر عليها، والصحيح أن الآية تشمل المعاني الثلاثة، لأن اللفظ صالح لها جميعا، ولا منافاة بينها، وهذه قاعدة في التفسير ينبغي التنبيه لها، وهي أن المعاني المحتملة للآية والتي قال بها أهل العلم إذا كانت الآية تحتملها وليس بينها تعارض: فإنه يؤخذ بجميع المعاني. وبلاغة القول تكون في أمور: الأول: هيئة المتكلم بأن يكون إلقاؤه على وجه مؤثر. وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا خطب، احمرت عيناه وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيشا، يقول: صبحكم ومساكم [مسلم: كتاب الجمعة / باب تخفيف الصلاة والخطبة.]. الثاني: أن تكون ألفاظه جزلة مترابطة محددة الموضوع. الثالث: أن يبلغ من الفصاحة غايتها بحسب الإمكان، بأن يكون كلامه: سليم التركيب، موافقا لللغة العربية، مطابقا لمقتضى الحال. قال شيءخ الإسلام ابن تميمة: (إن هذه الآيات تنطبق تماما على أهل التحريف والتأويل في صفات الله، لأن هؤلاء يقولون: أنهم يؤمنون بالله ورسوله، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول، يعرضون، ويصدون، ويقولون: نذهب إلى فلان وفلان، وإذا اعترض عليهم، قالوا: نريد الإحسان والتوفيق، وأن نجمع بين دلالة العقل ودلالة السمع) ذكره رحمه الله في (الفتوى الحموية). *** قوله: الآية الثانية قوله تعالى: الإفساد في الأرض نوعان: الأول: إفساد حسي مادي، وذلك مثل هدم البيوت وإفساد الطرق وما أشبه ذلك. الثاني: إفساد معنوي، وذلك بالمعاصي، فهي من أكبر الفساد في الأرض، قال تعالى: وقال تعالى: قوله: ولهذا قال تعالى: وذلك أن التحاكم إلى غير ما أنزل الله من أكبر الفساد في الأرض. الآية الثالثة قوله تعالى: قوله: {بعد إصلاحها}. من قبل المصلحين، ومن ذلك الوقوف ضد دعوة أهل العلم والوقوف ضد دعوة السلف، والوقوف ضد من ينادي بأن يكون الحكم بما في كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ. وقوله {بعد إصلاحها} من باب تأكيد اللوم والتوبيخ، إذ كيف يفسد الصالح وهذا غاية ما يكون من الوقاحة والخبث والشر؟ فالإفساد بعد الإصلاح أعظم وأشد من أن يمضي الإنسان في فساده قبل الإصلاح، وإن كان المطلوب هو الإصلاح قبل بعد الفساد.
|