الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
249- بيع الكفار ما يقيمون به أعيادهم كبيع العقار للسكنى حرام وبيع ما يفعلون به نفس المحرم كالصليب لا ريب في تحريمه كبيعهم العصير ليتخذوه خمرًا وبناء الكنيسة لهم وبيع ما ينتفعون به في أعيادهم للأكل والشرب واللباس فأصول أحمد تقتضي كراهته والأشبه أنها كراهة تحريم ثم علل ذلك. 259- عبادة الله تعالى بالصلاة والنسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور لو ذبح لغير الله متقربًا به إليه لحرم، وإن قال فيه : باسم الله كما يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة ممن يتقربون إلى الأولياء، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال لكن يجتمع في الذبيحة مانعان ومن هذا ما يفعله بعض الجهال من الذبح للجن. 262- فأما صوم أعياد الكفار مفردة بالصوم فقد اختلف في ذلك من أجل أن المخالفة تحصل بالصوم أو بترك تخصيصه بعمل. ثم ذكر حديث (النهي عن صوم يوم السبت) إلا فيما افترض وقال: لا يقال: يحمل النهي على إفراده يعني من أجل الاستثناء قال:وعلى هذا فالحديث إما شاذ غير محفوظ وإما منسوخ وفي (ص 264) قال أبو داود: قال مالك: (هذا كذب وأكثر أهل العلم على عدم الكراهة). 265- اختلف القائلون بكراهة إفراد صوم السبت فقيل : إنه يوم عيد لأهل الكتاب فقصده بالصوم دون غيره تعظيم له، وهذا التعليل قد يعارض بيوم الأحد وقد يقال: إذا كان يوم عيد فمخالفتهم فيه بالصوم، ثم استدل له. 267- ومن المنكرات في هذا الباب سائر الأعياد والمواسم المبتدعة فإنها من المنكرات المكروهات سواء بلغت الكراهة التحريم أو لم تبلغه فأعياد أهل الكتاب والأعاجم نهي عنها لسببين: المشابهة وكونها من البدع. فما أحدث من المواسم والأعياد فهو منكر وإن لم يكن فيه مشابهة لأهل الكتاب لوجهين: أحدهما: أنه داخل في مسمى البدع والمحدثات ثم ذكر الأحاديث المحذرة من ذلك ودلالة الكتاب والسنة والإجماع على هذه القاعدة وقال: 268- من ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله أو أوجبه بقوله أو فعله من غير أن يشرعه الله فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله ومن تبعه في ذلك فقد اتخذه شريكًا لله شرع له من الدين ما لم يأذن به الله. نعم قد يكون متأولًا في هذا الشرع فيغفر له إذا كان مجتهدًا الاجتهاد الذي يعفى فيه عن المخطئ ويثاب أيضًا على اجتهاده لكن لا يجوز اتباعه في ذلك. 268- ويلحق الذم من يُبَين له الحق فيتركه أو من قصر في طلبه فلم يتبين له أو أعرض عن طلب معرفته لهوى أو كسل أو نحو ذلك. 269- فالأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله. وفي العادات أن لا يحظر منها إلا ما حظره الله. وهذه القاعدة وهي الاستدلال بكون الشيء بدعة على كراهته قاعدة عظيمة.
270- ومن الناس من يقول: البدع تنقسم إلى قسمين حسنة وقبيحة بدليل قول عمر في التراويح: (نعمت البدعة) وبدليل أشياء من الأقوال والأفعال أحدثت بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وليست مكروهة أو هي حسنة للأدلة الدالة على ذلك من الإجماع أو القياس وهؤلاء يقولون: ليس كل بدعة ضلالة ثم لهم هاهنا مقامان: أحدهما: أن يقولوا: إذا ثبت أن بعض البدع حسن وبعضها قبيح فالقبيح ما نهى عنه الشارع وما سكت عنه فليس بقبيح بل قد يكون حسنًا. المقام الثاني: أن يقولوا عن بدعة سيئة هذه بدعة حسنة : لأن فيها من المصلحة كيت وكيت. والجواب عن المقام الأول: أن القول بأن كل بدعة ضلالة هو نص رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلا يحل لأحد أن يدفع دلالته على ذم البدع ومن نازع في دلالته فهو مراغم. ويقال: ما ثبت حسنه فليس من البدع أو مخصوص من هذا العموم. والمخصص هو الكتاب والسنة والإجماع نصًا أو استنباطًا وأما عادة بعض البلاد أو قول كثير من العلماء فلا يصلح أن يكون معارضًا لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى يخصص به . . لكن لكثرة الجهالة قد يستند إلى مثلها خلق كثير من الناس حتى من المنتسبين إلى العلم والدين. 272- وأيضًا لا يجوز حمل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (كل بدعة ضلالة)، على البدعة التي نهي عنها بخصوصها لأن هذا تعطيل لفائدة الحديث فإن ما نهي عنه قد علم بذلك النهي أنه قبيح محرم سواء كان بدعة أم لا وحمل الحديث على هذا من نوع التحريف والإلحاد وفيه من المفاسد أشياء: · · أحدها: سقوط الاعتماد على هذا الحديث. · · الثاني: أن لفظ البدعة ومعناها يكون اسمًا عديم التأثير. · · الثالث: أنه إذا لم يقصد بهذا الخطاب إلا المنهي عنه كان كتمانًا لما يجب بيانه وبيانًا لما لم يُقصد ظاهره وتلبيسًا محضًا لا يسوغ للمتكلم إلا أن يكون مدلسًا. · · الرابع: أنه لو أريد به ما فيه نهي خاص لكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحالهم في معرفة المراد به على ما لا يكاد يحيط به أحد ولا يحيط بأكثره إلا خواص الأمة وهذا لا يجوز بحال. · · الخامس: أنه لو أريد به ما فيه نهي خاص من البدع لكان أقل مما فيه نهي خاص واللفظ العام لا يجوز أن يراد به الصور القليلة أو النادرة. 274- وأما المقام الثاني/ فيقال: هب أن البدع تنقسم إلى حسن وقبيح فهذا لا يمنع أن يكون الحديث دالًا على قبح الجميع وأكثر ما يقال: إذا ثبت أن هذا حسن فهو مستثنى من العموم لدليل كذا وكذا أو يقال: إن ثبت أنه حسن فليس ببدعة فأما ما يظن أنه حسن ولم يثبت حسنه أو ما يجوز أن يكون حسنًا وأن يكون غير حسن فلا يعارض به الحديث. 275- فأما صلاة التراويح فليست بدعة لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلاها في الجماعة في أول رمضان ليلتين أو ثلاثًا وصلاها في العشر الأواخر في جماعة مرات.
276- وتسمية عمر لها بدعة تسمية لغوية لأن البدعة لغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق. والبدعة الشرعية: (كل ما لم يدل عليه دليل شرعي). فإذا كان نص رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد دل على استحباب فعل أو إيجابه بعد موته أو دل عليه مطلقًا ولم يعمل به إلا بعد موته صح أن يسمى بدعة في اللغة لأنه عمل مبتدأ فلفظ البدعة في اللغة أعم من لفظ البدعة في الشريعة. 277-278- ذكر أمثلة من البدع كجمع القرآن ونفي عمر ليهود خيبر ونصارى نجران ورد العطاء من أولي الأمر وقتال أبي بكر لمانعي الزكاة. 278- والضابط في هذا والله أعلم أن يقال: إن الناس لا يحدثون شيئًا إلا يرونه مصلحة فما رأوه مصلحة فلينظر إلى السبب المحوج إليه فإن كان أمرًا حدث بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وليس لتفريط منا فقد يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه . ولذلك إن كان المقتضي لفعله في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائمًا لكن تركه لمعارض زال بموته أي فإنه يجوز فعله مثل كتابة القرآن وقيام رمضان جماعة فأما ما كان المقتضي لفعله موجودًا ولا معارض له في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه لا يجوز إحداثه مثل الأذان لصلاة العيدين. وكذلك ما أحدث بتفريط من الناس كتقديم الخطبة على الصلاة في العيدين فإنه لما فعله بعض الأمراء أنكره المسلمون فاعتذر من أحدثه بأن الناس ينفضون قبل سماع الخطبة بخلافهم في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يخطبهم لتبليغهم وهدايتهم ونفعهم وأنت تقصد إقامة رئاستك فهذه المعصية منك لا تبيح لك إحداث معصية أخرى بل الطريق إلى ذلك أن تتوب إلى الله تعالى وتتبع سنة نبيه، فيستقيم الأمر وإن لم يستقم فلا يسألك الله تعالى إلا عن عملك لا عن عملهم. 281- بين ما يحصل للأمراء والعلماء والعباد بإقامة الشرع واتباع السنة. 282- الوجه الثاني/ في ذم المواسم والأعياد المحدثة ما تشتمل عليه من الفساد في الدين فمن ذلك: 1- 1- أن من أحدث عملًا خص به زمانًا أو مكانًا فلا بد أن يصحب ذلك اعتقاد وهذا الاعتقاد إذا لم يكن له أصل يثبت به كان مفسدة، ثم استدل لذلك بنهي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (عن تخصيص ليلة الجمعة بالقيام ويومها بالصيام) ثم قال: ومعلوم أن مفسدة هذا العمل بالتخصيص وإلا لنهى عنه مطلقًا أو لم ينه عنه كيوم عرفة فظهر أن المفسدة تحصل من تخصيص مالا خصيصة له. 288- العمل المبتدع مستلزم إما لاعتقاد هو ضلال في الدين وإما لعمل دين لغير الله تعالى والتدين بالاعتقادات الفاسدة أو لغير الله لا يجوز. 289- ثم هذا الاعتقاد يتبعه أحوال في القلب من التعظيم والإجلال وتلك الأحوال أيضًا باطلة ليست من دين الله تعالى. فعلمت أن فعل هذه البدع تناقض الاعتقادات الواجبة وتنازع الرسل فيما جاؤوا به عن الله تعالى وتورث القلب نفاقًا، وإن كان خفيفًا. فمن تدبر هذا علم يقينًا ما في حشو البدع من السموم المضعفة للإيمان.
290- فإن قيل: هذا يعارضه أن هذه المواسم فعلها قوم من أولي العلم والفضل وفيها فوائد يجدها المؤمن في قلبه وغير قلبه من رقة القلب وإجابة الدعاء ونحوه، قلنا: لا ريب أن من فعلها متأولًا مجتهدًا ومقلدًا كان له أجر على حسن قصده وعلى عمله من حيث ما فيه من المشروع، وكان ما فيه من البدعة مغفورًا له، إذا كان في اجتهاده أو تقليده من المعذورين لكن هذا لا يمنع كراهتها والنهي عنها والاعتياض عنها بالمشروع الذي لا بدعة فيه. 291- ثم يقال: إذا فعلها قوم فقد تركها قوم معتقدين كراهتها وأنكرها آخرون وهم ليسوا دون الفاعلين في الفضل ومعهم عامة المتقدمين الذين هم أفضل من المتأخرين. وما فيها من المنفعة يعارضه مفاسد البدعة الراجحة على منفعتها فمنها: 1- 1- المفسدة الحالية أو الاعتقادية. 2- 2- أن القلوب تستعذبها وتستغني بها عن كثير من السنن. 3- 3- أن الخاصة والعامة تنقص بسببها عنايتهم بالسنن والفرائض وتفتر رغبتهم فيها. 4- 4- أن المعروف يصير منكرًا والمنكر معروفًا. 5- 5- اشتمالها على كثير من المكروهات في الشريعة. 6- 6- مسارقة الطبع إلى الانحلال من ربقة الاتباع. أما الزمان فثلاثة أنواع: * أحدها: يوم لم تعظمه الشريعة أصلًا ولم يكن له ذكر في وقت السلف ولا جرى فيه ما يوجب تعظيمه مثل أول خميس من رجب وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب، فإن تعظيم هذا اليوم والليلة إنما حدث بعد المئة الرابعة وفيه حديث موضوع باتفاق العلماء. 293- النوع الثاني: ما جرى فيه حادثة ولم توجب أن يكون موسمًا ولم يعظمه السلف كثامن عشر ذي الحجة الذي 294- وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى، وإما محبة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتعظيمًا له من اتخاذ مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عيدًا مع اختلاف الناس في مولده فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له وعدم المانع ولو كان خيرًا محضًا أو راجحًا لكان السلف أحق به منا فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان. 296- عليك بأدبين: أحدهما: حرصك على اتباع السنة باطنًا وظاهرًا في خاصتك وخاصة من يطيعك. الثاني: أن تدعو الناس إلى السنة بحسب الإمكان.
298- فتفطن لحقيقة الدين وانظر ما اشتملت عليه الأفعال من المصالح الشرعية والمفاسد.. بحيث تقدم عند التزاحم أعرف المعروفين فتعزو إليه وتنكر أنكر المنكرين وترجح أقوى الدليلين فإن هذا خاصة العلماء بهذا الدين. 299- فالمؤمن يعرف المعروف وينكر المنكر ولا يمنعه من ذلك موافقة بعض المنافقين له ظاهرًا في الأمر بذلك المعروف والنهي عن ذلك المنكر ولا مخالفة بعض علماء المؤمنين. · · النوع الثالث: ما هو معظم في الشريعة كيوم عاشوراء فهذا قد يحدث فيه ما يعتقد أن له فضيلة كما أحدث بعض أهل الأهواء فيه التعطش والتحزن والتجمع .. وأحدث بعض الناس فيه أشياء مستندة إلى أحاديث موضوعة لا أصل لها مثل فضل الاغتسال فيه.. وقد روي في التوسع به على العيال آثار معروفة .. والأشبه أن هذا وضع لما ظهرت العصبية بين الناصبة والرافضة فإن هؤلاء أعدو يوم عاشوراء مأتمًا فوضع أولئك آثارًا تقتضي التوسع فيه وكلاهما باطل. 301- وهؤلاء فيهم بدع وضلال وأولئك فيهم بدع وضلال وإن كانت الشيعة أكثر كذبًا وأسوأ حالًا. 302- ومن هذا الباب ليلة النصف من شعبان روي في فضلها أحاديث ومن السلف من يخصها بالقيام ومن العلماء من السلف وغيرهم من أنكر فضلها وطعن في الأحاديث الواردة فيها، لكن الذي عليه كثير من أهل العلم أو أكثرهم على تفضيلها. فأما صوم يوم النصف مفردًا فلا أصل له، بل إفراده مكروه وكذلك اتخاذه موسمًا تصنع فيه الأطعمة. وما أحدث ليلة النصف من الاجتماع للصلاة الألفية فإن هذا الاجتماع مكروه لم يشرع. 308- فأما الحديث المرفوع في هذه الصلاة الألفية فكذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث. وقد يحدث في اليوم الفاضل مع العيد العملي المحدث العيد المكاني مثل قصد قبر من يحسن الظن به يوم عرفة للاجتماع عند قبره والسفر إلى بيت المقدس للتعريف فيه.. فأما قصد الرجل مسجد بلده للدعاء والذكر فهذا هو التعريف في الأمصار الذي اختلف فيه العلماء وذكر خلافهم وتعليلهم. 312- وأما ما أحدث في الأعياد من ضرب البوقات والطبول فإن هذا مكروه في العيد وغيره ... فينبغي إقامة المواسم على ما كان السابقون الأولون يقيمونها من الصلاة والخطبة المشروعة والتكبير والصدقة في الفطر والذبح في الأضحى فإن من الناس من يقصر في التكبير المشروع ومن الأئمة من يترك أن يخطب للرجال ثم النساء.. ومنهم من لا ينحر بعد الصلاة بالمصلى وهو ترك للسنة إلى أمور أخر من غير السنة فإن الدين فعل المعروف والأمر به وترك المنكر والنهي عنه. 312- والأعياد المكانية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أحدها: ما لا خصوص له في الشريعة فلا فضل له ولا فيه ما يوجب تفضيله فقصده أو قصد الاجتماع به لصلاة أو غيرها ضلال بين ثم إن كان فيه بعض آثار الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم كان أقبح وأقبح.
314- فمن قصد بقعة يرجو الخير بقصدها ولم تستحب الشريعة ذلك فهو من المنكرات وبعضه أشد من بعض سواء أكانت البقعة شجرة أو غيرها أو قناة جارية أو جبلًا أو مغارة وقد ذكر من (ص 316-319) أمثلة كثيرة ثم قال: 320- وأما إجابة الدعاء (يعني لمن دعا عند هذه المشاهد) فقد يكون سببه اضطرار الداعي وصدق التجائه أو مجرد رحمة الله تعالى له أو يكون أمرًا قضاه الله تعالى لا لأجل دعائه أو يكون لأسباب أخرى وإن كانت فتنة في حق الداعي. 321- النوع الثاني: ماله خصيصة لكن لا تقتضي اتخاذه عيدًا ولا صلاة ونحوها من العبادات عنده مثل قبور الأنبياء والصالحين فقد نهي عن اتخاذها عيدًا. 325- قبر المسلم له من الحرمة ما جاءت به السنة إذ هو بيت المسلم الميت فلا يترك عليه شيء من النجاسات بالاتفاق ولا يوطأ ولا يداس ولا يتكأ عليه ولا يجاور بما يؤذي الأموات من الأقوال والأفعال الخبيثة، ويستحب عند إتيانه السلام على صاحبه والدعاء له، وكلما كان الميت أفضل كان حقه آكد. 328- وهذا النهي (يعني النهي عن شد الرحال لغير المساجد الثلاثة) يعم السفر إلى المساجد والمشاهد وكل مكان يقصد السفر إلى عينه للتقرب والعبادة. 336- ليس على المؤمن ولا له أن يطالب الرسل بتبيين وجوه المفاسد وإنما عليه طاعتهم.
347- كانت طريقة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يأمروا الخلق بما فيه صلاحهم وينهوهم عما فيه فسادهم ولا يشغلوهم بالكلام في أسباب الكائنات كما تفعل المتفلسفة فإن ذلك كثير التعب قليل الفائدة أو موجب للضرر. 348- على أن الكلام في بيان تأثير بعض هذه الأسباب قد يكون فيه فتنة لمن ضعف عقله ودينه بحيث يختلط عقله فيتوله إذا لم يرزق من العلم والإيمان ما يوجب له الهدى واليقين. 352- وإنما يثبت استحباب الأفعال واتخاذها دينًا بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما كان عليه السابقون الأولون. 353- الكرامة في الحقيقة ما نفعت في الآخرة أو نفعت في الدنيا ولم تضر في الآخرة. 365- قال مالك في المبسوط: لا أرى أن يقف عند قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولكن يسلم ويمضي، لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحب أن يصلي إليه.. ومن الناس من يتحرى وقت دعائه استقبال الجهة التي يكون فيها معظمه الصالح سواء أكانت في الشرق أو غيره وهذا ضلال بين وشرك واضح. 366- كره مالك وغيره من أهل العلم لأهل المدينة كلما دخل أحدهم المسجد أن يجيء ويسلم على قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبيه قال: وإنما يكون ذلك لأحدهم إذا قدم من سفر أو أراد سفرًا ونحو ذلك. ورخص بعضهم في السلام عليه إذا دخل المسجد للصلاة ونحوها فأما قصده دائمًا للصلاة والسلام فما علمت أحدًا رخص فيه لأن ذلك نوع من اتخاذه عيدًا .. وأيضًا فإن ذلك بدعة فقد كان المهاجرون والأنصار على عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم يجيئون إلى المسجد كل يوم خمس مرات يصلون ولا يأتون إلى القبر يسلمون عليه لعلمهم بما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكرهه من ذلك وبما نهاهم عنه وأنه يسلمون عليه عند دخول المسجد والخروج منه وفي التشهد. 367- كلما ضعف تمسك الأمم بعهود أنبيائهم ونقص إيمانهم عوضوا عن ذلك بما أحدثوه من البدع والشرك وغيره. 370- المنقول عن السلف كراهة الوقوف عند القبر للدعاء وهو أصح. 376- اعتياد قصد المكان المعين في وقت معين عائد بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع هو بعينه معنى العيد. 378- الناس على قولين معروفين: أحدهما: أن ثواب العبادات البدنية من الصلاة والقراءة ونحوهما يصل إلى الميت كما يصل إليه ثواب العبادات المالية بالإجماع وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد وغيرهما وقول طائفة من أصحاب مالك والشافعي وهو الصواب لأدلة كثيرة ذكرناها في غير هذا الوضع. والثاني: أن ثواب العبادة البدنية لا يصل إليه بحال وهو المشهور عند أصحاب الشافعي ومالك. 379- فأما استماع الميت للأصوات من القراءة وغيرها فحق .. ونقلوه عن أحمد وذكروا فيه آثارًا أن الميت يتألم بما يفعل عنده من المعاصي. 383- واعلم أن المقبورين من الأنبياء والصالحين المدفونين يكرهون ما يفعل عندهم كل الكراهة كما أن المسيح يكره ما يفعله النصارى به.
384- ومن أصغى إلى كلام الله وكلام رسول بعقله وتدبره بقلبه وجد فيه من الفهم والحلاوة والهدى وشفاء القلوب والبركة والمنفعة ما لا يجده في شيء من الكلام لا منظومه ولا منثوره .. فعلى العاقل أن يجتهد في اتباع السنة في كل شيء من ذلك ويعتاض عن كل ما يظن من البدع أنه خير بنوعه من السنن فإنه من يتحر الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه. لما ذكر ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يتتبع المواضع التي سلكها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتي صلى فيها اتفاقًا لا قصدًا فيسلكها ويصلي فيها قال: 387- لم يوافقه عليه أحد من الصحابة فلم ينقل عن الخلفاء الراشدين ولا غيرهم من المهاجرين والأنصار يعني أنه يفعل ذلك قال: والصواب مع جمهور الصحابة لأن متابعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تكون بطاعة أمره وفي فعله بأن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعله، فإذا قصد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ العبادة في مكان كان قصد العبادة فيه متابعة له كقصد المشاعر والمساجد، وأما إذا نزل في مكان بحكم الاتفاق لكونه صادف وقت النزول أو غير ذلك مما يعلم أنه لم يتحر ذلك المكان فإنا إذا تحرينا ذلك المكان لم نكن متبعين له فإنما الأعمال بالنيات. 391- والشرك وسائر البدع مبناها على الكذب والافتراء ولهذا فإن كل من كان عن التوحيد والسنة أبعد كان إلى الشرك والابتداع والافتراء أقرب كالرافضة الذين هم أكذب طوائف أهل الأهواء وأعظمهم شركًا فلا يوجد في أهل الأهواء أكذب منهم ولا أبعد عن التوحيد، حتى إنهم يخربون مساجد الله التي يذكر فيها اسمه فيعطلونها عن الجمع والجماعات ويعمرون المشاهد التي أقيمت على القبور التي نهى الله ورسوله عن اتخاذها. 400- كره مالك وغيره من العلماء أن يقول القائل : زرنا قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حديث واحد في زيارة قبر مخصوص يريد أنه أمر بزيارة قبر مخصوص أما هو بنفسه فقد زار قبر أمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ. 410- إذا سئل الله تعالى بما جعله سببًا للمطلوب من التقوى والأعمال الصالحة فهذا سؤال وتسبب بما جعله هو سببًا، وأما إذا سئل بشيء ليس سببًا للمطلوب فإما أن يكون إقسامًا به عليه فلا يقسم على الله بمخلوق وإما أن يكون سؤالًا بما لا يقتضي المطلوب فيكون عديم الفائدة. 416- قد يراد بالخطاب والنداء استحضار المنادى بالقلب فيخاطب لشهوده بالقلب، كما يقول المصلي: السلام عليك أيها النبي والإنسان يفعل مثل هذا كثيرًا يخاطب من يتصوره في نفسه إن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب. 421- يفرق بين قول القائل : (الصفات غير الذات) وقوله: (صفات الله غير الله) فإن الثاني باطل لأن مسمى اسم الله يدخل فيه صفاته بخلاف مسمى الذات فإنه لا يدخل فيه الصفات، ولهذا لا يقال: صفات الله الزائدة عليه وإن قيل : الصفات زائدة على الذات.
422- التوسل بالأنبياء والصالحين يكون بأمرين: إما بطاعتهم واتباعهم وإما بدعائهم وشفاعتهم أما مجرد دعاء الداعي وتوسله بهم من غير طاعة منه لهم ولا شفاعة منهم له فلا ينفعه وإن عظم جاه أحدهم عند الله تعالى. 423- الكلام هنا في ثلاث مسائل: · · الأولى: أن يتأسى به (أي بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ) في صورة الفعل الذي فعله من غير أن يعلم قصده فيه أو مع عدم السبب الذي فعله من أجله ففيه نزاع مشهور، وابن عمر رضي الله عنهما مع الآخذين بالتأسي به فيه. · · الثانية: أن يتحرى تلك البقعة ليصلي عندها من غير أن يكون وقتًا لصلاة بل ينشىء الصلاة لأجل البقعة، فهذا لم ينقل عن ابن عمر ولا غيره. · · الثالثة: أن لا تكون تلك البقعة في طريقه بل يعدل عن طريقه إليها أويسافر إليها سفرًا طويلًا أو قصيرًا كمن يذهب إلى جبل حراء أو ثور أو الطور ليصلي فيه أو يدعو، فهذا لم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا أحد من أصحابه يفعلونه، وتعبد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حراء كان قبل المبعث أما بعده فلم يذهب هو ولا أحد من أصحابه إليه.. فمن جعل قصد ذلك عبادة فقد اتبع غير سبيلهم وشرع من الدين ما لم يأذن به الله. 429- المسجد الحرام هو المسجد الذي شرع لنا قصده للصلاة والدعاء والطواف وغير ذلك من العبادات ولم يشرع لنا قصد مسجد بعينه بمكة سواه.
430- لما ذكر السفر للمساجد الثلاثة قال: وما سوى هذه المساجد لا يشرع السفر إليه باتفاق أهل العلم. 433- وليس في المدينة مسجد يشرع إتيانه إلا مسجد قباء. 433-435- كلام جيد عن بيت المقدس وصخرته. 436- كلام عن كعب الأحبار وفضائل الشام. 437- عن الحديث المرسل والمعلق وما يروى عن أهل الكتاب. 438- أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من السابقين الأولين والذين اتبعوهم بإحسان .. أعلم بالدين وأتبع له ممن بعدهم وليس لأحد أن يخالفهم فيما كانوا عليه. 454- لفظ الإسلام يتضمن الاستسلام والانقياد ويتضمن الإخلاص. 459- غلط في مسمى التوحيد طوائف من أهل النظر والكلام ومن أهل العبادة والإرادة، فطائفة ظنت أن التوحيد نفي الصفات بل نفي الأسماء الحسنى أيضًا وسموا أنفسهم أهل التوحيد وأثبتوا ذاتًا مجردة عن الصفات وموجودًا مطلقًا بشرط الإطلاق، وقد علم بصريح المعقول الموافق لصحيح المنقول أن ذلك لا يكون إلا في الأذهان لا في الأعيان. 460- وطائفة ظنوا أن التوحيد هو الإقرار بتوحيد الربوبية وأن الله خلق كل شيء .. وأن الإلهية هي القدرة على الاختراع .. ولم يعلموا أن مشركي العرب كانوا يقرون بهذا التوحيد.. ولا يخلص بمجرده من الإشراك الذي هو أكبر الكبائر. 461- والإله هو المألوه الذي تألهه القلوب وكونه يستحق الإلهية مستلزم لصفات الكمال.
وطائفة ممن تكلم في التوحيد على طريقة أهل التصوف ظنوا أن توحيد الربوبية هو الغاية والفناء فيه هو النهاية، وأنه إذا شهد ذلك سقط عنه استحسان الحسن واستقباح القبيح فآل بهم الأمر إلى تعطيل الأمر والنهي والوعد والوعيد. 463- أولئك المبتدعون الذين أدخلوا في التوحيد نفي الصفات وهؤلاء الذين أخرجوا عنه متابعة الأمر، إذا حققوا القولين أفضى بهم الأمر إلى أن لا يفرقوا بين الخالق والمخلوق بل يقولون بوحدة الوجود كما قاله أهل الإلحاد... الذين يقول عرافهم: السالك في أول أمره يفرق بين الطاعة والمعصية أي نظرًا إلى الأمر ثم يرى طاعة بلا معصية أي نظرًا إلى القدر ثم لا طاعة ولا معصية أي نظرًا إلى أن الوجود واحد ولا يفرق بين الواحد بالعين والواحد بالنوع فإن الموجودات مشتركة في مسمى الوجود.. مع العلم الضروري أنه ليس عين وجود هذا الإنسان هو عين وجود هذا الفرس.. لكن بينهما قدر مشترك تشابها فيه قد يسمى كليًا مطلقًا وقدرًا مشتركًا ونحو ذلك. 465- والله سبحانه بعث أنبياءه بإثبات مفصل ونفي مجمل فأثبتوا له الأسماء والصفات ونفوا عنه مماثلة المخلوقات ومن خالفهم من المعطلة المتفلسفة وغيرهم عكسوا القضية فجاؤوا بنفي مفصل وإثبات مجمل، يقولون : ليس كذا ليس كذا ليس كذا، فإذا أرادوا إثباته قالوا: وجود مطلق بشرط النفي أو بشرط الإطلاق، وهم يقرون في منطقهم اليوناني أن المطلق بشرط الإطلاق لا يكون في الخارج.
466- وأما الرسل فطريقتهم طريقة القرآن قال الله تعالى : 467- فليجتهد المؤمن في تحقيق العلم والإيمان وليتخذ الله هاديًا ونصيرًا وحاكمًا ووليًا فإنه نعم المولى ونعم النصير وكفى بربك هاديًا ونصيرًا. وإلى هنا انتهى ما أردنا نقله من كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) متحرين نقل كلامه بلفظه غالبًا وربما سقناه بالمعنى أسأل الله تعالى أن يجعل فيما نقلناه بركة وأن ينفع به كما نفع بأصله، وأن يوفقنا والمسلمين لما فيه الخير والصلاح، إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
تم نقله يوم الاثنين الموافق للثامن والعشرين من شهر الله المحرم سنة 1400 أربعمائة وألف
|