الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
لرفع البلاء أودفعه قوله: (من الشرك)، من هنا للتبعيض؛ أي: أن هذا بعض الشرك، وليس كل الشرك، والشرك: اسم جنس يشمل الأصغر والأكبر، ولبس هذه الأشياء قد يكون أصغر وقد يكون أكبر بحسب اعتقاد لابسها، وكان لبس هذه الأشياء من الشرك؛ لأن كل من أثبت سببًا لم يجعله الله سببًا شرعيًا ولا قدريًا؛ فقد جعل نفسه شريكًا مع الله. فمثلًا: قراءة الفاتحة سبب شرعي للشفاء. وأكل المسهل سبب حسي لانطلاق البطن، وهو قدري؛ لأنه يعلم بالتجارب. والناس في الأسباب طرفان ووسط: الأول: من ينكر الأسباب، وهم كل من قال بنفي حكمة الله؛ كالجبرية، والأشعرية. الثاني: من يغلوفي إثبات الأسباب حتى يجعلوا ما ليس بسبب سببًا، وهؤلاء هم عامة الخرافيين من الصوفية ونحوهم. الثالث: من يؤمن بالأسباب وتأثيراتها، ولكنهم لا يثبتون من الأسباب إلا ما أثبته الله سبحانه ورسوله، سواء كان سببًا شرعيًا أو كونيًا. ولا شك أن هؤلاء هم الذين آمنوا إيمانًا حقيقيًا، وآمنوا بحكمته؛ حيث ربطوا الأسباب بمسبباتها، والعلل بمعلولاتها، وهذا من تمام الحكمة. ولبس الحلقة ونحوها إن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله؛ فهومشرك شركًا أكبر في توحيد الربوبية؛ لأنه اعتقد أن مع الله خالقًا غيره. وإن اعتقد أنها سببًا ولكنه ليس مؤثرًا بنفسه؛ فهو مشرك شركًا أصغر لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسبب سببًا؛ فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سببًا. وطريق العلم بأن الشيء سبب: إما عن طريق الشرع، وذلك كالعسل وإما عن طريق القدر، كما إذا جربنا هذا الشيء فوجدناه نافعًا في هذا الألم أو المرض، ولكن لا بد أن يكون أثره ظاهرًا مباشرًا كما لو اكتوى بالنار فبرئ بذلك مثلًا؛ فهذا سبب ظاهر بين، وإنما قلنا هذا لئلا يقول قائل: أنا جربت هذا وانتفعت به، وهو لم يكن مباشرًا؛ كالحلقة، فقد يلبسها إنسان وهو يعتقد أنها نافعة، فينتفع لأن للانفعال النفسي للشيء أثرًا بينًا؛ فقد يقرأ إنسان على مريض فلا يرتاح له، ثم يأتي آخر يعتقد أن قراءته نافعة، فيقرأ عليه الآية نفسها فيرتاح له ويشعر بخفة الألم، كذلك الذين يلبسون الحلق ويربطون الخيوط، قد يحسون بخفة الألم أو اندفاعه أو ارتفاعه بناءً على اعتقادهم نفعها. وخفة الألم لمن اعتقد نفع تلك الحلقة مجرد شعور نفسي، والشعور النفسي ليس طريقًا شرعيًا لإثبات الأسباب، كما أن الإلهام ليس طريقًا للتشريع.
وقول الله تعالى: قوله: (ونحوهما)، كالمرصعات، وكمن يصنع شكلًا معينًا من نحاس أوغيره لدفع البلاء، أويعلق على نفسه شيئًا من أجزاء الحيوانات، والناس كانوا يعلقون القرب البالية على السيارات ونحوها لدفع العين، حتى إذا رآها الشخص نفرت نفسه فلا يعين. قوله: (لرفع البلاء، أودفعه)، الفرق بينهما: أن الرفع بعد نزول البلاء، والدفع قبل نزول البلاء. وشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب لا ينكر السبب الصحيح للرفع أوالدفع، وإنما ينكر السبب غير الصحيح. * * * وقول الله تعالى: {أفرأيتم}؛ أي: أخبروني، وهذا تفسير باللازم؛ لأن من رأى أخبر، وإلا؛ فهي استفهام عن رؤية، قال تعالى: وقوله: (ما)، المفعول الأول لرأيتم، والمفعول الثاني جملة: وقوله: (تدعون)، المراد بالدعاء دعاء العبادة ودعاء المسألة؛ فهم يدعون هذه الأصنام دعاء عبادة، فيتعبدون لها بالنذر والذبح والركوع والسجود، ويدعونها دعاء مسألة لدفع الضرر أو جلب النفع. فالله سبحانه إذا أراد ضرًا لا تستطيع الأصنام أن تكشفه، وإن أراده برحمة لا تستطيع أن تمسك الرحمة؛ فهي لا تكشف الضرر ولا تمنع النفع؛ فلماذا تعبد؟! وقوله: {كاشفات}، يشمل الدفع والرفع؛ فهي لا تكشف الضر بدفعه وإبعاده، ولا تكشفه برفعه وإزالته. وقوله: وقيل العكس، والراجح الأول؛ لوجهين: الأول: أن الأصل عدم التقديم والتأخير. الثاني: أن قولك: حسبي الله فيه حصر الحسب في الله، أي حسبي الله لا غيره؛ فهو كقولك: لا حسب لي إلا الله، بخلاف قولك: الله حسبي؛ فليس فيه الحصر المذكور؛ فلا يدل على حصر الحسب في الله. قوله: والمعنى ان المتوكل حقيقة هو المتوكل على الله، أما الذي يتوكل على الأصنام والأولياء والأضرحة؛ فليس بمتوكل على الله تعالى. عن عمران بن حصين رضي الله عنه؛ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأى رجلًا في يده حلقة من صفر، فقال: (ما هذه)؟ قال: من الواهنة. فقال: وهذا لا ينافي أن يوكل الإنسان إنسانًا في شيء ويعتمد عليه؛ لأن هناك فرقًا بين التوكل على الإنسان الذي يفعل شيئًا بأمرك، وبين توكلك على الله؛ لأن توكلك على الله اعتقادك أن بيده النفع والضر، وأنك متذلل، معتمد عليه، مفتقر إليه، مفوض أمرك إليه. والشاهد من هذه الآية: أن الأصنام لا تنفع أصحابها لا بجلب نفع ولا بدفع ضر؛ فليست أسباب لذلك، فيقاس عليها كل ما ليس بسبب شرعي أوقدري؛ فيعتبر اتخاذه سببا إشراكا بالله. وهناك شاهد آخر في قوله: (حسبي الله)؛ فإن فيه تفويض الكفاية إلى الله دون الأسباب الوهمية، وأما الأسباب الحقيقة؛ فلا ينافي تعاطيها توكل العبد على الله تعالى وتفويض الأمر إليه؛ لأنها من عنده. * * * قوله في عمران: (رأى رجلا). لم يبين اسمه؛ لأن المهم بيان القضية وحكمها، لكن ورد ما يدل على أنه عمران نفسه، لكنه أبهم نفسه. قوله: (ما أفلحت): الفلاح هو النجاة من المرهوب وحصول المطلوب. هذا الحديث مناسب للباب مناسبة تامة؛ لأن هذا الرجل لبس حلقة من صفر؛ إما لدفع البلاء أو لرفعه. والظاهر أنه لرفعه؛ لقوله: ففي الحديث دليل على عدة فوائد: 1-أنه ينبغي لمن أراد إنكار المنكر أن يسأل أولا عن الحال؛ لأنه قد يظن ما ليس بمنكر، ودليله أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (ما هذه). والاستفهام هنا للاستعلام فيما يظهر وليس للإنكار، وقول الرجل: (من الواهنة): من للسببية؛ أي: لبستها بسب الواهنة، وهي مرض يوهن الإنسان ويضعفه، قد يكون في الجسم كله وقد يكون في بعض الأعضاء كما سبق. 2-وجوب إزالة المنكر؛ لقوله: (انزعها)، فامره بنزعها؛ لأن لبسها منكر، وأيد ذلك بقوله: وله عن عقبة بن عامر مرفوعا: فيصبح صحيحا؛ فانفعال النفس بالشيء له أثر بالغ، ولهذا تجد بعض الذين يصابون بالأمراض النفسية يكون أصل إصابتهم ضعف النفس من أول الأمر، حتى يظن الإنسان أنه مريض بكذا أو بكذا؛ فيزداد عليه الوهم حتى يصبح الموهوم حقيقة. فهذا الذي لبس الحلقة من الواهنة لا تزيده إلا وهنا؛ لأنه سوف يعتقد أنها مادامت عليه فهوسالم فإذا نزعها عاد إليه الوهن، وهذا بلا شك ضعف في النفس. 3-أن الأسباب التي لا أثر لها يقتضى الشرع أوالعادة أوالتجربة لا ينتفع بها الإنسان. 4-أن لبس الحلقة وشبهها لدفع البلاء أورفعه من الشرك؛ لقوله: سبق لنا عند الترجمة أنه يختلف بحسب اعتقاد صاحبه. 5-أن الأعمال بالخواتيم؛ لقوله: * * * وفي رواية: ولابن أبي حاتم عن حذيفة: (أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى، وتلا قوله: ـ قوله: (من تعلق تميمة): أي: علق بها قلبه واعتمد عليها في جلب النفع ودفع الضرر. والتميمة: شيء يعلق على الأولاد من خرز أو غيره يتقون به العين. وقوله: ومثل ذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: والودعة: واحدة الودع، وهي أحجار تؤخذ من البحر يعلقونها لدفع العين، ويزعمون أن الإنسان إذا علق هذه الودعة لم تصبه العين، أولا يصبه الجن. قوله: (لا ودع الله لـه)، أي: لا تركه الله في دعة وسكون، وضد الدعة والسكون القلق والألم. وقيل: لا ترك الله له خيرا؛ فعومل بنقيض قصده. وقوله: (فقد أشرك)، ذا الشرك يكون أكبر إن اعتقد أنها ترفع أو تدفع بذاتها دون أمر الله، وإلا؛ فهو أصغر. قوله: (من الحمى)، (من) هنا للسببية؛ أي: في يده خيط لبسه من أجل الحمى لتبرد عليه، أو يشفي منها. الأولى: التغليظ في لبس الحلقة والخيط ونحوهما لمثل ذلك الثانية: أن الصحابي لو مات وهي عليه؛ ما أفلح. فيه شاهد لكلام الصحابة: أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر. قوله: (فقطعه) أي: قطع الخيط؛، وفعله هذا من تغيير المنكر باليد، وهذا يدل على غيرة السلف الصالح وقوتهم في تغيير المنكر باليد وغيرها. وقوله: وتلا قوله تعالى: قوله: {وهم مشركون} [يوسف: 106] في محل نصب على الحال؛ أي: وهم متلبسون بالشرك، وكلام حذيفة في رجل مسلم لبس خيطا لتبريد الحمى أوالشفاء منها. وفيه دليل على أن الإنسان قد يجتمع فيه إيمان وشرك،ولكن ليس الشرك الأكبر؛ لأن الشرك الأكبر لا يجتمع مع الإيمان، ولكن المراد هنا الشرك الأصغر، وهذا أمر معلوم * * * الأولى: التغليظ في لبس الحلقة والخيط ونحوهما لمثل ذلك، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: * · الثانية: أن الصحابي لو مات وهي عليه ما أفلح، هذا وهو صحابي فكيف بمن دون الصحابي؟! فهو أبعد عن الفلاح. الثالثة: أنه لم يعذر بالجهالة. قال المؤلف: (فيه شاهد لكلام الصحابة: أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر). قوله: (لكلام الصحابة)؛ أي: لقولهم، وهوكذلك؛ فالشرك الأصغر أكبر من الكبائر، قال ابن مسعود رضي الله عنه: *الثالثة: أنه لم يعذر بالجهالة. هذا فيه نظر؛ لأن قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: هذه المسألة تحتاج إلى تفصيل؛ فنقول: الجهل نوعان: جهل يعذر فيه الإنسان، وجهل لا يعذر فيه، فما كان ناشيءا عن تفريط وإهمال مع قيام المقتضي للتعلم؛ فإنه لا يعذر فيه، سواء في الكفر أوفي المعاصي، وما كان ناشيءا عن خلاف ذلك، أي أنه لم يهمل ولم يفرط ولم يقم المقتضي للتعلم بأن كان لم يطرأ على باله أن هذا الشيء ؛ فإنه يعذر فيه، فان كان منتسبا إلى الإسلام؛ لم يضره، وإن كان منتسبا إلى الكفر؛ فهوكافر في الدنيا، لكن في الآخرة أمره إلى الله على القول الراجح، فإن أطاع دخل الجنة، وإن عصى دخل النار. الرابعة: أنها لا تنفع في العاجلة؛ بل تضر، لقوله: فعلى هذا من نشأ ببادية بعيدة ليس عنده علماء ولم يخطر بباله أن هذا الشيء حرام، أوأن هذا الشيء واجب؛ فهذا يعذر، وله أمثلة: ومنها: رجل بلغ وهوصغير وهوفي بادية ليس عنده عالم، ولم يسمع عن العلم شيئا، ويظن أن الإنسان لا تجب عليه العبادات إلا إذا بلغ خمس عشرة سنة، فبقي بعد بلوغه حتى تم له خمس عشرة سنة وهو لا يصوم ولا يصلي ولا يتطهر من جنابة؛ فهذا لا نأمره بالقضاء لأنه معذور بجهله الذي لم يفرط فيه بالتعلم ولم يطرأ له على بال، وكذلك لوكانت أنثى أتاها الحيض وهي صغيرة وليس عندها من تسأل ولم يطرأ على بالها أن هذا الشيء واجب إلا إذا تم لها خمس عشرة سنة؛ فإنها تعذر إذا كانت لا تصوم ولا تصلي وأما من كان بالعكس كالساكن في المدن يستطيع أن يسأل، لكن عنده تهاون وغفلة؛ فهذا لا يعذر؛ لأن الغالب في المدن أن هذه الأحكام لا تخفى عليه ويوجد فيها علماء يستطيع أن يسألهم بكل سهولة؛ فهومفرط، فيلزمه القضاء ولا يعذر بالجهل. * · الربعة: الإنكار بالتغليظ على من فعل مثل ذلك، أي: ينبغي أن ينكر إنكارا مغلظا على من فعل مثل هذا، ووجه ذلك سياق الحديث الذي أشار إليه المؤلف، وأيضا قوله: السادسة: التصريح بأن من تعلق شيئا؛ وكل إليه. السابعة: التصريح بأن من تعلق تميمة؛ فقد أشرك. الثامنة: أن تعليق الخيط من الحمى من ذلك. التاسعة: تلاوة حذيفة الآية دليل على أن الصحابة يستدلون بالآيات التي في الشرك الأكبر على الأصغر؛ كما ذكر ابن عباس في آية البقرة. * السادسة: التصريح بأن من تعلق شيئا وكل إليه. تؤخذ من قوله: ] * السابعة: التصريح بأن من تعلق تميمة؛ فقد أشرك. وهو إحدى الروايتين في حديث عقبة بن عامر. * الثامنة: أن تعليق الخيط من الحمى من ذلك. يؤخذ من فعل حذيفة أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى فقطعه، وتلا قوله تعالى: * التاسعة: تلاوة حذيفة الآية دليل على أن الصحابة يستدلون بالآيات التي في الشرك الأكبر على الأصغر كما ذكر ابن عباس في سورة البقرة. العاشرة: أن تعليق الودع من العين من ذلك. الحادية عشرة: الدعاء على من تعلق تميمة أن لا يتم له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له؛ أي: ترك له. أي: أن قوله تعالى: وقوله: (كما من ذكر ابن عباس في آية البقرة) وهي قوله تعالى: * العاشرة: أن تعليق الودع من العين من ذلك، وقوله: (من ذلك)؛ أي: من تعليق التمائم الشركية؛ لأنه لا أثر لها ثابت شرعا ولا قدرا. * الحادية عشرة: الدعاء على من تعلق تميمة أن الله لا يتم له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له؛ أي: ترك الله له. تؤخذ من دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على هؤلاء الذين اتخذوا تمائم وودعا، ليس هذا بغريب أن نؤمر بالدعاء على من خالف وعصى؛ فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: فهنا أيضا تقول له: لا أتم الله لك، ولكن الحديث إنما قاله الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على سبيل العموم؛ فلا نخاطب هذا بالتصريح ونقول لشخص رأينا عليه تميمة: لا أتم الله لك، وذلك لأن مخاطبتنا الفاعل بالتصريح والتعيين سوف يكون سببا لنفوره، ولكن نقول: دع التمائم أوالودع؛ فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول:
|