الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
وسده كل طريق يوصل إلى الشرك قوله: (المصطفى)، أصلها: المصتفى، من الصفوة، وهو خيار الشيء؛ فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أفضل المصطفين لأنه أفضل أولي العزم من الرسل، والرسل هم المصطفون، المراد به: محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ والاصطفاء على درجات أعلاها اصطفاء أولي العزم من الرسل، ثم اصطفاء الرسل، ثم اصطفاء الأنبياء، ثم اصطفاء الصديقين، ثم اصطفاء الشهداء، ثم اصطفاء الصالحين. قوله: (حماية)، من حمى الشيء، إذا جعل له مانعا يمنع من يقرب حوله، ومنه حماية الأرض عن فيها ونحوذلك. قوله: (جناب)، بمعنى جانب، والتوحيد: تفعيل من الوحدة، وهو إفراد الله تعالى بما يجب له من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات. قوله: (وسده كل طريق)، أي: مع الحماية لم يدع الأبواب مفتوحة يلج إليها من شاء، ولكنه سد كل طريق يوصل إلى الشرك؛ لأن الشرك أعظم الذنوب، قال تعالى: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الشرك الأصغر لا يغفره الله؛ لعموم قوله: (أن يشرك به)، وعلى هذا؛ فجميع الذنوب دونه لقوله: وقول الله تعالى: يتهاون به، فالشرك يفسد القلب والقصد، وإذا فسد العمل؛ إذ العمل مبناه على القصد، قال تعالى: إذا؛ فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حمى جانب التوحيد حماية محكمة، وسد كل طريق يوصل إلى الشرك ولومن بعيد؛ لأن من سار على الدرب وصل، والشيطان يزين للإنسان أعمال السوء شيئا فشيئا حتى يصل إلى الغاية. * * * قوله: والخطاب في قوله: {جاءكم} قيل للعرب؛ لقوله: {من أنفسكم}؛ فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من العرب، قال الله تعالى: ويحتمل أن يكون عاما للأمة كلها، ويكون المراد بالنفس هنا الجنس؛ أي: ليس من الجن ولا الملائكة، بل هومن جنسكم؛ كما قال تعالى: وعلى الاحتمال الأول فيه إشكال؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث إلى جميع الناس من العرب والعجم. لكن يقال في الجواب: إنه خوطب العرب بهذا؛ لأن منة الله عليهم به أعظم من غيرهم، حيث كان منهم، وفي هذا تشريف لهم بلا ريب. والاحتمال الثاني أولي؛ للعموم، ولقوله: قوله (رسول)، أي: من الله؛ كما قال الله تعالى و{من أنفسكم}، سبق الكلام فيها. قوله: {عزيز}، أي: صعب؛ لأن هذه المادة العين والزاي في اللغة العربية تدل على الصلابة، ومنه: (أرض عزاز)؛ أي: صلبة قوية، والمعنى: أنه يصعب عليه ما يشق عليكم، ولهذا بعث بالحنيفية السمحة، وما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، وهذا من التيسير الذي بعث به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ. قوله : {ما عنتم}، {ما}: مصدرية، وليست موصولة؛ أي: عنتكم؛ أي: مشقتكم؛ لأن العنت بمعنى المشقة، قال تعالى: والفعل بعد: (ما) يؤول إلى مصدر مرفوع، لكن بماذا هو مرفوع؟ يختلف باختلاف (عزيز) إذا قلنا: بأن (عزيز) صفة لرسول؛ صار المصدر المؤول فاعلا به؛ أي: عزيز عليه عنتكم، وإن قلنا: عزيز خبر مقدم، صار عنتكم مبتدأ، والجملة حينئذ تكون كلها صفة لرسول، أو يقال: عزيز مبتدأ، وعنتكم فاعل سد مسد الخبر على رأي الكوفيين الذي أشار ابن مالك في قوله: وقد يجوز نحو فائز أولو الرشد. قوله: {حريص عليكم} [التوبة: 128]، الحرص: بذل الجهد لإدراك أمر مقصود، والمعنى: باذل غاية جهده في مصلحتكم؛ فهو جامع بين أمرين: دفع المكروه الذي أفاده قوله: قوله: والرأفة: أشد الرحمة وأرقها. والرحمة: رقة بالقلب تتضمن الحنو على المرحوم والعطف عليه بجلب الخير له ودفع الضرر عنه. وقولنا: رقة في القلب هذا باعتبار المخلوق، أما بالنسبة لله تعالى؛ فلا0 نفسرها بهذا التفسير؛ لأن الله تعالى ليس كمثله شيء، ورحمة الله أعظم من رحمة المخلوق لا تدانيها رحمة المخلوق ولا تماثلها؛ فقد ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: فمن يحصي هذه الرحمة التي في الخلائق منذ خلقوا إلى يوم القيامة كمية؟ ومن يستطيع أن يقدرها كيفية؟ لا أحد يستطيع إلا الله ـ عز وجل ـ الذي خلقها؟ فهذه رحمة واحدة، فإذا كان يوم القيامة رحم الخلق بتسع وتسعين رحمة بالإضافة إلى الرحمة الأولى، وهل هذه الرحمة تدانيها رحمة المخلوق؟ الجواب: أبدًا، لا تدانيها، والقدر المشترك بين رحمة الخالق ورحمة المخلوق أنها صفة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، ورحمة الخالق غير مخلوقة؛ لأنها من صفاته، ورحمة المخلوق مخلوقة؛ لأنها من صفاته؛ فصفات الخالق لايمكن أن تنفصل عنه إلى مخلوق لأننا لوقلنا بذلك لقلنا بحلول صفات الخالق بالمخلوق، وهذا أمر لا يمكن؛ لأن صفات الخالق يتصف بها وحده، وصفات المخلوق يتصف بها وحده، لكن صفات الخالق لها آثار تظهر في المخلوق، وهذه الآثار هي الرحمة التي نتراحم بها. وقوله: في قوله: قوله: (فإن تولوا)، أي: أعرضوا مع هذا البيان الواضح بوصف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ. وهذا التفات من الخطاب إلى الغيبة؛ لأن التولي مع هذا البيان مكروه، ولهذا لم يخاطبوا به؛ فلم يقل: فإن توليتم. والبلاغيون يسمونه التفاتًا، ولوقيل: إنه انتقال؛ لكان أحسن. قوله: قوله: {لا إله إلى هو}، أي: لا معبود حق حقيق بالعبادة سوى الله ـ عز وجل ـ. قوله: {عليه توكلت} [التوبة: 129]، عليه: جار ومجرور متعلق بتوكلت، وقدم للحصر. والتوكل: هو الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة به، وفعل الأسباب النافعة. وقوله: {عليه توكلت} [التوبة: 129] مع قوله: قوله: و{رب العرش} [التوبة: 129]؛ أي: خالقه، وإضافة الربوبية إلى العرش ـ وإن كانت ربوبية الله ـ عامة تشريفًا للعرش وتعظيمًا له. ومناسبة التوكل لقوله: وقوله: {العرش} فسره بعض الناس بالكرسي، ثم فسروا الكرسي بالعلم، وحينئذ لا يكون هناك كرسي ولا عرش، وهذا التفسير باطل، والصحيح ان العرش غير الكرسي، وأن الكرسي غير العلم، ولا يصح تفسيره بالعلم، بل الكرسي من مخلوقات الله العظيمة الذي وسع السماوات والأرض، والعرش أعظم وأعظم، ولهذا وصفه بأنه عظيم بقوله تعالى: وفيه دليل على أن كلمة العظيم يوصف بها المخلوق؛ لأن العرض مخلوق، وكذلك الرحيم، والرؤوف، والحكيم. ولا يلزم من اتفاق المسمين، فإذا كان الإنسان رؤوفًا؛ فلا يلزم أن يكون مثل الخالق، فلا تقل: إذا كان الإنسان سميعًا بصيرًا عليمًا لزم أن يكون مثل الخالق؛ لأن الله سميع بصير عليم، كما أن وجود الباري سبحانه لا يستلزم أن تكون ذاته كذوات الخلق؛ فإن أسماءه كذلك لا يستلزم أن تكون كأسماء الخلق، وهناك فرق عظيم بين هذا وهذا. عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وقوله: وهذه الكلمة ـ كلمة الحسب ـ تقال في الشدائد، قالها إبراهيم حين ألقي في النار، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه حيث قيل لهم: * (تنبيــه): في سياقنا للآية الثانية فوائد نسأل الله أن ينفع بها. * * * قوله: (لا تجعلوا)، الجملة هنا نهي؛ فلا ناهية، والفعل مجزوم وعلامة جزمة حذف النون، والواو فاعل. قوله: (بيوتكم)، جمع بيت، وهومقر الإنسان وسكنه، سواء كان من طين أوحجارة أوخيمة أوغير ذلك، وغالب ما يراد به الطين والحجارة. قوله: (قبورًا)، مفعول ثان لتجعلوا، وهذه الجملة اختلف في معناها؛ فمنهم من قال: لا تجعلوها قبورًا؛ أي: لا تدفنوا فيها، وهذا لا شك أنه ظاهر اللفظ، ولكن أورد على ذلك دفن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بيته. وأجيب عنه بأن من خصائصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دفن في بيته لسببين: 1- ما روي عن أبي بكر أنه سمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: 2- 2- ما روته عائشة رضي الله عنهما: وقال بعض العلماء: المراد بـ وكلا المعنيين صحيح؛ فلا يجوز أن يدفن الإنسان في بيته، بل يدفن مع المسلمين؛ لأن هذه هي العادة المتبعة منذ عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى اليوم، ولأنه إذا دفن في بيته؛ فإنه ربما يكون وسيلة إلى الشرك، فربما يعظم هذا المكان، ولأنه يحرم من دعوات المسلمين الذين يدعون بالمغفرة لأموات المسلمين عند زيارتهم للمقابر، ولأنه يضيق على الورثة من بعده فيسأمون منه، وربما يستوحشون منه، وإذا باعوه لا يساوي إلا قليلا، ولأنه قد يحدث عنده من الصخب واللعب واللغووالأفعال المحرمة ما يتنافى مع مقصود الشارع؛ فإن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: وأما أن المعنى: لا تجعلوها قبورا؛ أي: مثل القبور في عدم الصلاة فيها؛ فهو دليل على أنه ينبغي إن لم نقل: يجب أن يجعل الإنسان من صلاته في بيته ولا يخليه من الصلاة. وفيه أيضا: أنه من المتقرر عندهم أن المقبرة لا يصلي فيها. إذا؛ فيكون هذا النهي عن ترك الصلاة في البيوت لئلا تشبه المقابر؛ فيكون دليل واضح على أن المقابر ليست محلا للصلاة، وهذا هوالشاهد من الحديث للباب؛ لأن اتخاذ المقابر مساجد سبب قريب جدا للشرك. واتخاذها مساجد سبق أن له مرتبتين: الأولي: أن يبني عليها مسجدا. الثانية: أن يتخذها مصلى يقصدها ليصلي عندها. والحديث يدل على أن الأفضل: أن المرء يجعل من صلاته في بيته وذلك جميع النوافل؛ لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: قوله: (عيدا)، اسم لما يعتاد فعله، أوالتردد إليه، فإذا اعتاد الإنسان أن يعمل عملا كما لوكان كلما حال عليه الحول صنع طعاما ودعا الناس؛ فهذا يسمي عيدا لأنه جعله يعود ويتكرر. وكذلك من العيد: أن تعتاد شيئا فتتردد إليه، مثل ما يفعل بعض الجهلة في شهر رجب وهو ما يسمي بالزيارة الرجبية، حيث يذهبون من مكة إلى المدينة، ويزورون كما زعموا قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإذا أقبلوا على المدينة تسمع لهم صياحا، وكانوا سابقا يذهبون من مكة إلى المدينة على الحمير خاصة، ولما جاءت السيارات صاروا يذهبون على السيارات. وأيهما المراد من كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: الأول؛ أي العمل الذي يتكرر بتكرر العام،أوالتردد إلى المكان؟ الظاهر الثاني، أي: لا تترددوا على قبري وتعتادوا ذلك، سواء قيدوه بالسنة أوبالشهر أوبالأسبوع؛ فإنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن ذلك، وإنما يزار لسبب، كما لوقدم الإنسان من سفر، فذهب إلى قبره فزاره، أوزاره ليتذكر الآخرة كغيره من القبور. وما يفعله بعض الناس في المدينة كلما صلى الفجر ذهب إلى قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أجل السلام عليه، فيعتاد هذا كل فجر، يظنون أن هذا مثل زيارته في حياته؛ فهذا من الجهل، وما علموا أنهم إذا سلموا عليه في أي مكان؛ فإن تسليمهم يبلغه. قوله: وفضل الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معروف، ومنه أن من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا [مسلم كتاب الصلاة / باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه.].
والصلاة من الله على رسوله ليس معناها كما قال بعض أهل العلم: إن الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الآدميين الدعاء. فهذا ليس بصحيح، بل إن الصلاة على المرء ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، كما قال أبوالعالية وتبعه على ذلك المحققون من أهل العلم. ويدل على بطلان القول الأول قوله تعالى: فمن صلى على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرة أثنى الله عليه في الملأ الأعلى عشر مرات، وهذه نعمة كبيرة. قوله: كيف تبلغه الصلاة عليه؟ الجواب: نقول: إذا جاء مثل هذا النص وهومن أمور الغيب؛ فالواجب أن يقال: الكيف مجهول لا نعلم بأي وسيلة تبلغه، لكن ورد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رواه أبوداود بإسناد حسن ورواته ثقات [مسند الإمام أحمد (2/367)، وسنن أبي داود: كتاب المناسك / باب زيارة القبور، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم): إسناده حسن،و قال النووي (إسناده صحيح).]. قوله: (رواه أبوداود بإسناد حسن، ورواته ثقات)، هذا التعبير من الناحية الاصطلاحية، ظاهره أن بينهما اختلافا، ولكننا نعرف أن الحسن: هوأن يكون الراوي خفيف الضبط؛ فمعناه أن فيه نوعا من الثقة، فيجمع بين كلام المؤلف رحمه الله وبين ما ذكره عن رواية أبي داود بإسناد حسن: أن المراد بالثقة ليس غاية الثقة؛ لأنه لو بلغ إلى حد الثقة الغاية لكان صحيحا؛ لأن الراوي تعود على تحقيق الوصفين فيه، وهما: العدالة والضبط، فإذا خف الضبط خفت الثقة، كما إذا خفت العدالة أيضا تخف الثقة فيه. فيجمع بينهما على أن المراد: مطلق الثقة، ولكنه لاشك فيما أروى أنه إذا أعقب قوله: (حسن) بقوله: (رواته ثقات) أنه أعلى مما لو اقتصر على لفظ: (حسن). ومثل هذا ما يعبر به ابن حجر في (تقريب التهذيب) بقوله: (صدوق يهم)، وأحيانا يقول: (صدوق)، وصدوق أقوي؛ فيكون توثيق الرجل الموصوف بصدوق أشد من توثيق الرجل الذي يوصف بأنه يهم. لا يقول قائل: إن كلمة يهم لا تزيده ضعفا؛ لأنه ما من إنسان إلا ويهم. فنقول: هذا لا يصح؛ لأن قولهم: (يهم) لا يعنون به الوهم الذي لا وعن على بن الحسين رضي الله عنه؛ أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيدخل فيها، فيدعو، فنهاه، وقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: يخلومنه أحد، ولولا أن هناك غلبة في أوهامه ما وصفوه بها. * * * قوله: (وعن على بن الحسين)، هوعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، يسمى بزين العابدين، من أفضل أهل البيت علما وزهدا وفقها. والحسين معروف: ابن فاطمة رضي الله عنها، أبوه: على رضي الله عنه. قوله: (يجيء إلى فرجة)، هذ الرجل لاشك أنه لم يتكرر مجيئه إلى هذه الفرجة إلا لاعتقاده أن فيها فضلا ومزية، وكونه يظن أن الدعاء عند القبرله مزية فتح باب ووسيلة إلى الشرك، بل جميع العبادات إذا كانت عند القبر؛ فلا يجوز أن يعتقد أن لها مزية، سواء كانت صلاة أودعاء أو قراءة، ولهذا نقول: تكره القراءة عند القبر إذا كان الإنسان يعتقد أن القراءة عند القبر أفضل. قوله: (فنهاه)، أي: طلب منه الكف. قوله: (ألا أحدثكم حديثا)، قال أحدثكم والرجل واحد؛ لأن الظاهر أنه كان عند أصحابه يحدثهم، فجاء هذا الرجل إلى الفرجة. و(ألا): أداة عرض؛ أي: أعرض عليكم أن أحدثكم. وفائدتها: تنبيه المخاطب إلى ما يريد أن يحدثه به. قوله: (عن أبي عن جدي)، أبوه: الحسن، وجده: علي بن أبي طالب. قوله: (عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ)، السند متصل وفيه عنعنة لكنها لا تضر؛ لأنها من غير مدلس، فتحمل على السماع. قوله: قوله: (ولا بيوتكم قبورا)، سبق معناه. قوله: والمعنى: صلوا علي وسلموا؛ فإن تسليمكم وصلاتكم تبلغني، وكأنه ذكر الفعلين والعلتين، لكن حذف من الأولى ما دلت عليه الثانية، ومن الثانية ما دلت عليه الأولى. وقوله: الأولى: تفسير آية براءة. الثانية: إبعاده أمته عن هذا الحمى غاية البعد. قوله: (يبلغني)، تقدم كيف يبلغه ـ صلى الله عليه وسلم ـ. قوله: (رواه في المختارة)، الفاعل مؤلف المختارة، والمختارة: اسم الكتاب؛ أي: الأحاديث المختارة. والمؤلف هو عبد الغني المقدسي، من الحنابلة. وما أقل الحديث في الحنابلة، يعني المحدثين، وهذا من أغرب ما يكون، يعني أصحاب الإمام أحمد أقل الناس تحديثا بالنسبة للشافعية. فالحنابلة غلب عليهم رحمهم الله الفقه مع الحديث؛ فصاروا محدثين وفقهاء، ولكنهم رحمهم الله بشر، فإذا أخذ من هذا العلم صار ذلك زحاما للعلم الآخر، أما الأحناف؛ فإنهم أخذوا بالفقه، لكن قلت بضاعتهم في الحديث، ولهذا يسمون أصحاب الرأي (يعني: العقل والقياس)؛ لقلة الحديث عندهم، والشافعية أكثر الناس عناية بالحديث والتفسير، والمالكية كذلك، ثم الحنابلة وسط، وأقلهم في ذلك الأحناف مع أن لهم كتبا في الحديث. * * *
|