الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
المؤلف رحمه الله تعالى أطلق الترجمة، فلم يفصح بحكمه لأجل أن يحكم الإنسان بنفسه على الرياء على ما جاء فيه.
مصدر راءي يرائي، أي عمل عملا ليراه الناس، ويقال مراءاة كما يقال: جاهد جهادا ومجاهدة، ويدخل في ذلك من عمل العمل ليسمعه الناس ويقال له مسمع، وفي حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال:
]
والرياء خلق ذميم، وهو منصفات المنافقين، قال الله تعالى:
والرياء يبحث في مقامين:
المقام الأول: في حكمه.
فنقول: الرياء من الشرك الأصغر، قصد بعبادته غير الله،وقد يصل إلى الأكبر، وقد مثل ابن القيم للشرك الأصغر، فقال: (مثل يسير الرياء)، وهو يدل على أن الرياء كثير قد يصل إلى الأكبر.
المقام الثاني: في حكم العبادة إذا خالطها الرياء، وهو على ثلاثة أوجه:
الأول: أن يكون الباعث على العبادة مراءاة الناس من الأصل، كمن قام يصلى من أجل مراءاة الناس ولم يقصد وجه الله، فهذا شرك والعبادة باطلة.
الثاني: أن يكون مشاركا للعبادة في أثنائها، بمعنى أن يكون الحامل له في أول أمره الإخلاص لله ثم يطرأ الرياء في أثناء العبادة.
فإن كانت العبادة لا ينبني آخرها على أولها، فأولها صحيح بكل حال، وباطل آخرها.
مثال ذلك: رجل عنده مائة ريال قد أعدها للصدقة فتصدق بخمسين مخلصا وراءى في الخمسين الباقية، فالأولى حكمها صحيح، والثانية باطلة.
أما إذا كانت العبادة ينبني آخرها على أولها، فهي على حالين:
أن يدافع الرياء ولا يسكن إليه، بل يعرض عنه ويكرهه، فإنه لا يؤثر عليه شيئا، لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
].
مثال ذلك: رجل قام يصلى ركعتين مخلصا لله، وفي الركعة الثانية أحس بالرياء فصار يدافعه، فإن ذلك لا يضره ولا يؤثر على صلاته شيئا.
2. أن يطمئن إلى هذا الرياء ولا يدافعه، فحينئذ تبطل جميع العبادة، لأن آخرها مبني على أولها ومرتبط به.
مثال ذلك: رجل قام يصلى ركعتين مخلصا لله، وفي الركعة الثانية طرأ عليه الرياء لإحساسه بشخص ينظر إليه، فاطمأن لذلك ونزع إليه، فتبطل صلاته كلها لارتباط بعضها ببعض.
الثالث: ما يطرأ بعد انتهاء العبادة، فإنه لا يؤثر عليها شيئا، اللهم إلا إن يكون فيه عدوان، كالمن والأذى بالصدقة، فإن هذا العدوان يكون إثمه مقابلا لأجر الصدقة فيبطلها، لقوله تعالى:
وليس من الرياء أن يفرح الإنسان بعلم الناس بعبادته، لأن هذا إنما طرأ بعد الفراغ من العبادة. وليس من الرياء أيضا أن يفرح الإنسان بفعل الطاعة في نفسه، بل ذلك دليل على إيمانه، وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
]
وقول الله تعالى:
قوله تعالى:
قوله: {يوحى إلىّ}. الوحي في اللغة: الإعلام بسرعة وخفاء، ومنه قوله تعالى:
وفي الشرع: إعلام الله بالشرع.
والوحي: هو الفرق بيننا وبينه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو متميز بالوحي كغيره من الأنبياء والرسل.
قوله:
قوله تعالى:
الأول: عامة لكل إنسان، قال تعالى:
الثاني: الخاصة بالمؤمنين، وهو لقاء الرضا والنعيم كما في هذه الآية، وتتضمن رؤيته تبارك وتعالى، كما ذكر ذلك بعض أهل العلم.
فقوله:
وهذا وجه الشاهد من الآية.
فالخالص: ما قصد به وجه الله، والدليل على ذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
والصواب: ما كان على شريعة الله والدليل على ذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
ولهذا قال العلماء: هذان الحديثان ميزان الأعمال، فالأول ميزان الأعمال الباطنة. والثاني: ميزان الأعمال الظاهرة.
قوله: (ولا يشرك). لا: ناهية، والمراد بالنهي الإرشاد.
قوله:
وقوله: (أحدا) نكرة في سياق النهي، فتكون عامة لكل أحد.
والشاهد من الآية: أن الرياء من الشرك، فيكون داخلا في النهي عنه.
وفي هذه الآية دليل على ملاقاة الله تعالى، وقد استدل بها بعض أهل العلم على ثبوت رؤية الله، لأن الملاقاة معناها المواجهة.
وفيه دليل على أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشر لا يستحق أن يعبد، لأنه حصر حاله بالبشرية، كما حصر الألوهية بالله.
وعن أبي هريرة مرفوعا: قال: قال الله تعالى:
قوله في حديث أبي هريرة: (قال الله تعالى). هذا الحديث يرويه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ربه، ويسمى هذا النوع بالحديث القدسي.
قوله: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك). قوله: (أغنى). اسم تفضيل، وليست فعلا ماضيا، ولهذا أُضيفت إلى الشركاء.
يعني:إذا كان بعض الشركاء يستغني عن شركته مع غيره، فالله أغنى الشركاء عن المشاركة.
فالله لا يقبل عملا له فيه شرك أبدا، ولا يقبل إلا العمل الخالص له وحده، فكما أنه الخالق له وحده، فكيف تصرف شيئا من حقه إلى غيره !فهذا ليس عدلا، ولهذا قال الله عن لقمان:
قوله: (عملا). نكرة في سياق الشرط، فتعم أي عمل من صلاة، أو صيام، أو حج، أو جهاد، أو غيره.
قوله: (تركته وشركه). أي: لم أثبه على عمله الذي أشرك فيه.
وقد يصل هذا الشرك إلى حد الكفر، فيترك الله جميع أعماله، لأن الشرك يحبط الأعمال إذا مات عليه.
والمراد بشركه: عمله الذي أشرك فيه، وليس المراد شريكه، لأن الشريك الذي أشرك به مع الله قد لا يتركه، كمن أشرك نبيا أو وليا،فإن الله لا يترك ذلك النبي والولي.
ويستفاد من هذا الحديث:
1. بيان غنى الله تعالى، لقوله: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك).
بيان عظم حق الله وأنه لا يجوز لأحد أن يشرك أحدا مع الله في حقه.
بطلان العمل الذي صاحبه الرياء، لقوله: (تركته وشركه)
تحريم الرياء، لأن ترك الإنسان وعمله وعدم قبوله يدل على الغضب، وما أوجب الغضب، فهو محرم
أن صفات الأفعال لا حصر لها، لأنها متعلقة بفعل الله، ولم يزل الله ولا يزال فعالا.
***
وعن أبي سعيد مرفوعا:
قوله في حديث أبي سعيد: (ألا).أداة عرض، والغرض منه تنبيه المخاطب، فهو ابلغ من عدم الإتيان بها.
قوله: (بما هو). ما: اسم موصول بمعني الذي.
قوله: (أخوف عليكم عندي). أي عند الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من رحمته بالمؤمنين يخاف عليهم كل الفتن، واعظم فتنة في الأرض هي فتنة المسيح الدجال،لكن خوف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من فتنة هذا الشرك الخفي أشد من خوفه من فتنة المسيح الدجال، وإنما كان كذلك، لأن التخلص منه صعب جدا، ولذلك قال بعض السلف: (1)
1]، ولا يكفي مجرد اللفظ بها، بل لا بد من إخلاص وأعمال يتعبد بها الإنسان لله - عز وجل -.
قوله: (المسيح الدجال). المسيح، أي: ممسوح العين اليمنى، فذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عيبين في الدجال:
أحدهما حسي، وهو أن الدجال أعور العين اليمنى، كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
والثاني معنوي، وهو الدجال، فهو صيغة مبالغة، أو يقال بأنه نسبة إلى وصف الملازم له، وهو الدجل والكذب والتمويه، وهو رجل من بني آدم، ولكن الله - سبحانه وتعالى - بحكمته يخرجه ليفتن الناس به، وفتنة عظيمة، إذ ما في الدنيا منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أشد من فتنة الدجال.
والمسيح الدجال ثبتت به الأحاديث واشتهرت حتى كان من المعلوم بالضرورة، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر أمته أن يتعوذوا بالله منه في كل صلاة، وقد حاول بعض الناس إنكاره وقالوا: ما ورد من صفته متناقض ولا يمكن أن يصدق به، ولكن هؤلاء يقيسون الأحاديث بعقولهم وأهوائهم، وقدرة الله بقدرتهم، ويقولون كيف يكون اليوم عن سنة والشمس لها نظام لا تتعداه؟ وهذا لا شك جهل منهم بالله، فالذي جعل هذا النظام هو الله، وهو القادر على أن يغيره متى شاء، فيوم القيامة تكور الشمس، وتتكدر النجوم، وتكشط السماء،كل ذلك بكلمة (كن)، ورود هذه الأحاديث بمثل هذه التعالي دليل على ضعف الإيمان وعدم تقدير الله حق قدره، قال تعالى:
فالذي نؤمن به أنه سيخرج في آخر الزمان، ويحصل منه كل ما ثبت عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
ونؤمن أن الله على كل شيء قدير، وأنه قادر على أن يبعث على الناس من يفتنهم عن دينهم، ليتميز المؤمن من الكافر والخبيث من الطيب، مثل ما ابتلى الله بني إسرائيل بالحيتان يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم، ومثل ما ابتلى الله المؤمنين بأن أرسل عليهم الصيد وهم حرم، تناله أيديهم ورماحهم ليعلم الله من يخافه بالغيب، وقد يبتلى الله أفراد الناس بأشياء يمتحنهم بها، قال تعالى:
قوله: (الشرك الخفي). الشرك قسمان خفي وجلي.
فالجلي: ما كان بالقول مثل الحلف بغير الله أو قول ما شاء الله وشئت، أو بالفعل مثل: مثل الانحناء لغير الله تعظيما.
والخفي: ما كان في القلب، مثل: الرياء، لأنه لا يبين، إذ لا يعلم ما في القلوب إلا الله، ويسمى أيضا (شرك السرائر) وهذا هو الذي بينه الله بقوله:
البخاري: كتاب بدء الخلق / باب صفة النار، ومسلم: كتاب الزهد / باب عقوبة من يأمر بمعروف ولا يفعله.
].
قوله:
قوله: (فيزين صلاته). أي: يحسنها بالطمأنينة، ورفع اليدين عند التكبير، ونحو ذلك.
قوله: (لما يرى من نظر الرجل إليه). (ما) موصولة، وحذف العائد، أي: للذي يراه من نظر رجل، وهذه هي العلة لتحسين الصلاة، فقد زين صلاته ليراه هذا الرجل فيمدحه بلسانه أو يعظمه بقلبه، وهذا شرك.
****
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية الكهف. الثانية: الأمر العظيم في رد العمل الصالح إذا دخله شيء لغير الله. الثالثة: ذكر السبب الموجب لذلك، وهو كمال الغنى. الرابعة: أن من السباب أنه تعالى خير الشركاء. الخامسة: خوف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أصحابه من الرياء
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية الكهف وسبق الكلام عليها.
الثانية: الأمر العظيم في رد العمل الصالح إذا دخله شيء لغير الله. وذلك لقوله: (تركته وشركه)، وصار عظيما، لأنه ضاع على العامل خسارا، وفحوى الحديث تدل على غضب الله - عز وجل - من ذلك.
الثالثة: ذكر السبب الموجب لذلك، وهو كمال الغنى. يعني: الموجب للرد هو كمال غنى الله - عز وجل - عن كل عمل فيه شرك، وهو غني عن كل عمل، لكن العمل الصالح يقبله ويثيب عليه.
الرابعة: أن من السباب أنه تعالى خير الشركاء. أي: من أسباب رد العمل إذا أشرك فيه العامل مع الله أحدا، أن الله خير الشركاء، فلا ينازع من جعل شريكا له فيه.
الخامسة: خوف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أصحابه من الرياء. وذلك لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
السادسة: أنه فسر ذلك بأن يصلى المرء لله، لكن يزينها لما يرى من نظر رجل إليه. وهذا التفسير ينطبق تماما على الرياء، فيكون أخوف علينا عند رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من المسيح الدجال.
ولم يذكر المؤ
****
|