الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
1. أن يريد المال، كمن أذن ليأخذ راتب المؤذن، أو حج ليأخذ المال. 2. أن يريد المرتبة، كمن تعلم في كلية ليأخذ الشهادة فترتفع مرتبته. 3. أن يريد دفع الأذى والأمراض والآفات عنه، كمن تعبد الله كي يجزيه الله بهذا في الدنيا بمحبة الخلق له ودفع السوء عنه وما أشبه ذلك. 4. أن يتعبد لله يريد صرف وجوه الناس إليه بالمحبة والتقدير. وهناك أمثلة كثيرة. تنبيه: فإن قيل: هل يدخل من يتعلمون في الكليات أو غيرها يريدون شهادة أو مرتبة بتعلمهم؟ فالجواب: أنهم يدخلون في ذلك إذا لم يريدوا غرضا شرعيا، فنقول لهم: أولا: لا تقصدوا بذلك المرتبة الدنيوية، بل اتخذوا هذه الشهادات وسيلة للعمل في الحقول النافعة للخلق، لأن الأعمال في الوقت الحاضر مبنية على الشهادات، والناس لا يستطيعون الوصول إلى منفعة الخلق إلا بهذه الوسيلة، وبذلك تكون النية سليمة. ثانيا: أن المراد العلم لذاته قد لا يجده إلا في الكليات، فيدخل كلية أو نحوها لهذا الغرض، وأما بالنسبة للمرتبة، فإنها لا تهمه. ثالثا: أن الإنسان إذا أراد بعمله الحسنيين - حسنى الدنيا وحسني الآخرة -فلا شيء عليه لأن الله يقول: فإن قيل: من أراد بعمله الدنيا كيف يقال: إنه مخلص مع أنه أراد المال مثلا؟ أجيب: إنه أخلص العبادة ولم يرد بها الخلق إطلاقا، فلم يقصد مراءاة الناس ومدحهم، بل قصد أمرا ماديا، فإخلاصه ليس كامل لأن فيه شركا، ولكن ليس كشرك الرياء يريد أن يمدح بالتقرب إلى الله، وهذا لم يرد مدح الناس بذلك، بل أراد شيئا دنيئا غيره. ولا مانع أن يدعو الإنسان في صلاته ويطلب أن يرزقه الله المال، ولكن لا يصلى من أجل هذا الشيء، فهذه مرتبة دنيئة. أما طلب الخير في الدنيا بأسبابه الدنيوية، كالبيع، والشراء، والزراعة، فهذا لا شيء فيه، والأصل أن لا نجعل في العبادات نصيبا من الدنيا، وقد سبق البحث في حكم العبادة إذا خالطها الرياء في باب الرياء. ملاحظة: بعض الناس عندما يتكلمون على فوائد العبادات يحولونها إلى فوائد دنيوية. فمثلا يقولون: في الصلاة رياضة وإفادة الأعصاب، وفي الصيام فائدة إزالة الرطوبة وترطيب الوجبات، والمفروض ألا نجعل الفوائد الدنيوية هي الأصل، لأن الله لم يذكر ذلك في كتابه، بل ذكر أن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر. وعن الصوم أنه سبب للتقوى، فالفوائد الدينية في العبادات هي الأصل والدنيوية ثانوية، لكن عندما نتكلم عند عامة الناس، فإننا نخاطبهم بالنواحي الدينية، وعندما نتكلم عند من لا يقتنع إلا بشيء مادي، فإننا نخاطبه بالنواحي الدينية والدنيوية، ولكل مقام مقال. **** قوله تعالى: {من} قوله تعالى: قوله: {وزينتها}. أي: المال، والبنين، والنساء، والحرث، والأنعام، والخيل المسومة، كما قال الله تعالى: قوله:{نوف إليهم}. فعل مضارع معتل مجزوم بحذف حرف العلة - الياء -لأنه جواب الشرط. والمعني: أنهم يعطون ما يريدون في الدنيا، ومن ذلك الكفار لا يسعون إلا للدنيا وزينتها، فعجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، كما قال تعالى: ولهذا لما بكى عمر حين رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد أثر في جنبه الفراش، فقال: (ما يبكيك؟). قال: يا رسول الله ! كسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من نعيم وأنت على هذا الحال. فقال رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: قوله: قوله: {أولئك}. المشار إليه الذين يريدون الحياة الدنيا وزينتها. قوله: قوله: قوله: فإن قيل: لماذا لا نجعل آية هود حاكمة على آية الإسراء ويكون الله توعد من يريد العاجلة في الدنيا أن يجعل له ما يشاء لمن يريد؟ ثم وعد أن يعطيه ما يشاء؟ أجيب: إن هذا المعنى لا يستقيم لأمرين: أولا: أن القاعدة الشرعية في النصوص أن الأخص مقدم على الأعم، وآية هود عامة، لأن كل من أراد الحياة الدنيا وزينتها وفي إليه العمل وأعطى ما أراد أن يعطي، أما آية الإسراء، فهي خاصة: الثاني: أن الواقع يشهد على ما تدل عليه آية الإسراء: لأن في فقراء الكفار من هو أفقر من فقراء المسلمين، فيكون عموم آية هود مخصوصا بآية الإسراء، فالأمر موكول إلى مشيءئة الله و فيمن يريده. واختلف فيمن نزلت فيه آية هود: 1. قيل: نزلت في الكفار، لأن الكافر لا يريد إلا الحياة الدنيا، ويدل لهذا سياقها والجزاء المرتب على هذا، وعليه يكون وجه مناسبتها للترجمة أنه إذا كان عمل الكافرين يراد به الدنيا، فكل من شاركهم في شيء من ذلك، ففيه شيء من شر كهم وكفرهم. 2. وقيل: نزلت في المرائين، لأنهم لا يعلمون إلا للدنيا، فلا ينفعهم يوم القيامة. 3. وقيل: نزلت فيمن يريد مالا بعمله الصالح. والسياق يدل للقول الأول، لقوله تعالى: تنبيه: اقتصر المؤلف رحمه الله على الإشارة إلى تكميل الآية الأولى، وزدنا الآية التالية سهوا أن يكون خيرا.
*** وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوله: (وفي الصحيح عن أبي هريرة). سبق الكلام على قول المؤلف: (وفي الصحيح) في باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله. قوله (تعس). بفتح العين أو كسرها، أي خاب وهلك. قوله: (عبد الدينار). الدينار: هو النقد من الذهب، والدينار الإسلامي زنته مثقال، وسماه عبد الدينار، لأنه تعلق به تعلق العبد بالرب فكان أكبر همه، وقدمه على طاعة ربه، فيقول في عبد الدرهم ما قيل في عبد الدينار، والدرهم هو النقد من الفضة، وزنة الدرهم الإسلامي سبعة أعشار المثقال، فكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل. وقد أراد المؤلف لهذا الحديث أن يتبين أن من الناس من يعبد الدنيا، أي: يتذلل لها ويخضع لها، وتكون مناه وغايته، فيغضب إذا فقدت ويرضى إذا وجدت، ولهذا سمي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من هذا شأنه عبدا لها، وهذا من يعني بجمع المال من الذهب والفضة، بعمله في الدنيا. قوله (تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة) . وهذا من يعني بمظهره وأثاثه، لأن الخميصة كساء جميل والخميلة فراش وثير، ليس له هم إلا هذا الأمر، فإذا كان عابدا لهذه الأمور لأنه صرف لها لا جهوده وهمته، فكيف بمن أراد بالعمل الصالح شيئا من الدنيا فجعل الدين وسيلة للدنيا؟ فهذا أعظم. قوله: (إن أعطى رضى، وإن لم يعط سخط). يحتمل أن يكون المعطي هو الله فيكون الإعطاء قدريا، أي: أن قدر الله له الرزق والعطاء رضى واشرح صدره، وإن منع وحرم المال سخط بقلبه وقوله، كأن يقول: لماذا كنت فقيرا وهذا غنيا؟ وما أشبه ذلك، فيكون ساخطا على قضاء الله وقدره لأن الله منعه. والله - سبحانه وتعالى - يعطي ويمنع لحكمة، ويعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب، ولا يعطى الدين إلا لمن يحب. والواجب على المؤمن أن يرضى بقضاء الله وقدره، إن أعطي شكر، وأن منع صبر. ويحتمل أن يراد بالإعطاء الشرعي، أي: إن أعطي من مال يستحقه من الأموال الشرعية رضي، وأن لم يعط سخط، وكلا المعنيين حق، وهما يدلان على أن هذا الرجل لا يرضى إلا للمال ولا يسخط إلا له، ولهذا سماه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبدا له. قوله (تعس وانتكس). تعس، أي: خاب وهلك، وانتكس، أي: انتكست عليه الأمور بحيث لا تتيسر له، فكلما أراد شيئا انقلبت عليه الأمور خلاف ما يريد، ولهذا قال: (وإذا شيءك فلا انتفش). أي إذا أصابته شوكة، فلا يستطيع أن يزيل ما يؤذيه عن نفسه. وهذه الجمل الثلاث يحتمل خبرا منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن حال هذا الرجل، وأنه في تعاسة وانتكاس وعدم خلاص من الأذى،ويحتمل أن يكون من باب الدعاء على من هذه حالة، لأنه لا يهتم إلا للدنيا، فدعا عليه أن يهلك، وأن لا يصيب من الدنيا شيئا، وأن لا يتمكن من إزالة ما يؤذيه، وقد يصل إلى الشرك عندما يصده ذلك عن طاعة الله حتى أصبح لا يرضى إلا للمال ولا يسخط إلا له. قوله: طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله). هذا عكس الأول، فهو لا يهتم للدنيا، وإنما يهتم للآخرة، فهو في استعداد دائم للجهاد في سبيل الله. و(طوبى) فُعلى من الطيب، وهي اسم تفضيل، فأطيب للمذكر وطوبى للمؤنث، والمعني: أطيب حال تكون لهذا الرجل، وقيل: إن طوبى شجرة في الجنة، والأول أعم، كما قالوا في ويل: كلمة وعيد، وقيل: واد في جهنم، والأول أعم. وقوله: (آخذ بعنان فرسه). أي: ممسك بمقود فرسه الذي يقاتل عليه. قوله: (في سبيل الله). ضابطه أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا لا للحمية أو الوطنية أو ما أشبه ذلك، لكن إن قاتل وطنية وقصد حماية وطنه لكونه بلدا إسلاميا يجب الذود عنه، فهو في سبيل الله، وكذلك من قاتل دفاعا عن نفسه أو ماله أو أهله، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: قوله: (أشعث رأسه، مغبرة قدماه). أي: رأسه أشعث من الغبار في سبيل الله، فهو لا يهتم بحاله ولا بدنه ما دام هذا الأمر ناتجا عن طاعة الله - عز وجل - وقدماه مغبرة في السير في سبيل الله، وهذا دليل على أن أهم شيء عنده هو الجهاد في سبيل الله، أما أن يكون شعره أو ثوبه نظيفا، فليس له هم فيه. قوله: أحدهما: أنه لا يبالي أين وضع، إن قيل له: احرس، حرس، وإن قيل له: كن في الساقة، كان فيها، فلا يطلب مرتبة أعلى من هذا المحل كمقدم الجيش مثلا. الثاني، إن كان في الحراسة أدى حقها، وكذا إن كان في الساقة، والحديث الصالح لمعنيين، يحمل عليهما جميعا إذا لم يكن بينهما تعارض، ولا تعارض هنا. قوله: والاستئذان: طلب الإذن بالشيء. والحديث قسم الناس إلى قسمين: الأول: ليس له هم إلا الدنيا، أما لتحصيل المال، أو تجميل الحال، فقد استعبدت قلبه حتى أشغلته عن ذكر الله وعبادته. الثاني: أكب همه الآخرة، فهو يسعى لها في أعلى ما يكون مشقة وهو الجهاد في سبيل الله، ومع ذلك أدى ما يجب عليه من جميع الوجوه. ويستفاد من الحديث: 1. أن الناس قسمان كما سبق. 2. أن الذي ليس له هم إلا الدنيا قد تنقلب عليه الأمور، ولا يستطيع الخلاص من أدنى أذية وهي الشوكة، بخلاف الحازم الذي لا تهمه الدنيا، بل أراد الآخرة ولم ينس نصيبه من الدنيا، وقنع بما قدره الله له. 3. أنه ينبغي لمن جاهد في سبيل الله ألا تكون همه المراتب، بل يكون همه القيام بما يجب عليه، إما في الحراسة،أو الساقة، أو القلب، أو الجنب، حسب المصلحة. 4. أن دنو مرتبة الإنسان عند الناس لا يستلزم منه دنو مرتبته عند الله - عز وجل - فهذا الرجل الذي إن شفع لم يشفع وإن استأذن لم يؤذن له قال فيه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ (طوبى له)، ولم يقل إن سأل لم يعط، بل لا تهمه الدنيا حتى يسال عنها، لمن يهمه الخير فيشفع للناس ويستأذن للدخول على ذوي السلطة للمصالح العامة. فيه مسائل: الأولى: إرادة الإنسان الدنيا بعمل الآخرة. وهذا من الشرك، لأنه جعل عمل الآخرة وسيلة لعمل الدنيا، فيطغى قلبه حب الدنيا حتى يقدمها على الآخرة، والحزم والإخلاص أن يجعل عمل الدنيا للآخرة. الثانية: تفسير آية هود. وقد سبق ذلك. الثالثة: تسمية الإنسان المسلم عبد الدينار والدرهم والخميصة. وهذه العبودية لا تدخل في الشرك ما لم يصل بها إلى حد الشرك، ولكنها نوع آخر يخل بالإخلاص، لأنه جعل في قلبه محبة زاحمت محبة الله - عز وجل - ومحبة أعمال الخير. الرابعة: تفسير ذلك بأنه إن أعطى رضى وإن لم يعط سخط. وهذا تفسير لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: الخامسة: قوله (تعس وانتكس). السادسة: قوله: (إذا شيءك فلا انتفش) يحتمل أن تكون الجمل الثلاث خبرا أو دعاء، وسبق شرح ذلك. السابعة: الثناء على المجاهد الموصوف بتلك الصفات. فقوله في الحديث (طوبى لعبد....) يدل على الثناء عليه، وأنه هو الذي يستحق أن يمدح لا أصحاب الدراهم والدنانير وأصحاب الفرش والمراتب. ****
|