الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **
1 - عن أنس عن أبي طلحة (أنه قال يا رسول اللّه أني اشتريت خمراً لا يتام في حجري فقال أهرق الخمر واكسر الدنان). رواه الترمذي والدارقطني. 2 - وعن ابن عمر قال (أمرني النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن آتيه بمدية وهي الشفرة فاتيته بها فأرسل بها فأرهفت ثم أعطانيها وقال اغد علي بها ففعلت فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة وفيها زقاق الخمر قد جابت من الشام فأخذ المدية مني فشق ما كان من تلك الزقاق تحضرته ثم أعطانيها وأمر الذين كانوا معه أن يمضوا معي ويعاونوني وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته ففعلت فلم أترك في أسواقها زقا إلا شققته). رواه أحمد. 3 - وعن عبد اللّه بن أبي الهذيل قال (كان عبد اللّه يحلف باللّه ان التي أمر بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حين حرمت الخمر أن تكسر دنانه وإن تكفأ لمن التمر الذبيب). رواه الدارقطني. حديث أنس عن أبي طلحة رجال إسناده ثقات وأصله في صحيح مسلم وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث أنس قال الترمذي وهو أصح. وحديث ابن عمر أشار إليه الترمذي وذكره الحافظ في الفتح وعزاه إلى أحمد كما فعل المصنف ولم يتكلم عليه وقال في مجمع الزوائد أنه رواه أحمد بإسنادين في احدهما أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط وفي الآخر أبو طعمة وقد وثقه محمد بن عبد اللّه بن عمار الموصلي وبقية رجاله ثقاتز وحديث عبد اللّه رواه الدارقطني من طريق شيخه العباس بن العباس بن المغيرة الجوهري بإسناد رجاله ثقات وقد أشار إليه الترمذي أيضا ـ وفي الباب ـ عن جابر وأبي سعيد. وأحاديث الباب تدل على جواز اهراق الخمر وكسر دنانها وشق ازقاقها وإن كان مالكها غير مكلف وقد ترجم البخاري في صحيحه لهذا فقال باب هل تكسر الدنان التي فيها خمر وتخرق الزقاق قال في الفتح لم يثبت الحكم لأن المعتمد فيه التفصيل فإن كان الاوعية بحيث يراق ما فيها فإذا غسلت طهرت واتتفع بها لم يجز اتلافها وإلا جاز ثم ذكر أنه أشار البخاري بالترجمة إلأى حديث أبي طلحة وابن عمر وقال إن الحديثين ان ثبتا فإنما أمر بكسر الدنان وشق الزقاق عقوبة لاصحابها وإلا فالانتفاع بها بعد تطهيرها ممكن كما دل عليه حديث سلمة المذكور في البخاري وغيره في غسل القدور التي طبخت فيها الخمر واذنه صلى اللّه عليه وآله وسلم بذلك بعد أمره بكسرها قال ابن الجوزي أراد التغليظ عليهم في طبخهم مانهى عن أكله فلما رأى أذعانهم اقتصر على غسل الأواني وفيه رد على من زعم أن دنان الخمر لا سبيل إلى تطهيرها لما يداخلها من الخمر فإن الذي دخل القدور من الماء الذي طبخت به الخمر نظيره وقد أذن صلى اللّه عليه وآله وسلم في غسلها فدل على إمكان تطهيرها.
1 - عن جابر (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفقة). رواه أحممد والبخاري. وفي لفظ (إنما جعل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الشفعة) الحديث. رواه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه:وفي لفظ (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) رواه الترمذي وصححه. 2 - وعن أبي هريرة (قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا قسمت الدار وحدت فلا شفعة فيها) رواه أبو داود وابن ماجه بمعناه. 3 - وعن جابر (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به). رواه مسلم والنسائي وأبو داود. حديث أبي هريرة رجال إسناده ثقات. قوله (قضى بالشفعة) قال في الفتح الشفعة بضم المعجمة وسكون الفاء وغلط من حركها وهي مأخوذة لغة من الشفع وهو الزوج وقيل من الزيادة وقيل من الإعانة. وفي الشرع انتقال حصة شريك إلى شريك كانت انتقلت إلى أجنبي بمثل العوض المسمى ولم يختلف العلماء في مشروعيتها إلا ما نقل عن أبي بكر الأصم من إنكارها اه. قوله (في كل ما لم يقسم) طاهر هذا العموم ثبوت الشفعة في جميع الأشياء وأنه لا فرق بين الحيوان والجماد والمنقول وغيره. وقد ذهب إلى ذلك العترة ومالك وأبو حنيفة وأصحابه وسياتي تفصيل الخلاف في ذلك. قوله: (فإذا وقعت الحدود) أي حصلت قسمة الحدود في المبيع واتضحت بالقسمة مواضعها قوله: (وصرفت) بضم الصاد وتخفيف الراء المكسورة وقيل بتشديدها أي بينت مصارفها وكأنه من التصريف والتصرف. قال ابن مالك معناه خلصت وبانت وهو مشتق من الصرف عنه الخلط فعلى هذا صرف مخفف الراء وعلى الأول أي التصريف والتصرف مشدد. قوله (فلا شفعة) استدل به من قال أن الشفعة لا تثبت إلا بالخلطة لا بالجوار وقد حكى في البحر هذا القول عن علي وعمر وعثمان وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعمنر بن عبد العزيز وربيعة ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وعبيد اللّه بن الحسن والإمامية وحكى في البحر أيضا عن العترة وأبي حنيفة وأصحابة والثوري وابن أبي ليلى وابن سيرين ثبوت الشفعة بالجوار وأجابوا عن حديث جابر بمن قاله أبو حاتم أن قوله (إذا وقعت الحدود) الخ مدرج من قوله ورد ذلك بأن الأصل أن كل ما ذكر في الحديث فهو منه حتى يثبت الإدراج بدليل ورود ذلك في حديث غيره مشعر بعدم الإدراج بعدم إخراج مسلم لتلك الزيادة ويجاب عنه بأنه قد يقتصر بعض الأئمة على ذكر بعض الحديث والحكم للزيادة لا سيما وقد أخرجها مثل البخاري على أن معنى هذه الزيادة التي أدعى أهل القول الثاني ادراجها هو معنى قوله في كل ما لم يقسم ولا تفاوت إلا بكون دلالة أحدهما على هذا المعنى بالمنطوق والآخر بالمفهوم. ـ احتج ـ أهل القول الثاني بالأحاديث الواردة في إثبات الشفعة بالجوار كحديث سمرة والشريد ابن سويدج وأبي رافع وجابر وستأتي. وأما الأحاديث القاضية بثبوت الشفعة لمطلق الشريك كما في حديث جابر المذكور من قوله في كل شركة وكما في حديث عبادة بن الصامت الآتي فلا تصلح للاحتجاج بها على ثبوت الشفعة للجار إذ لا شركة بعد القسمة وقد أجاب أهل القول الأول عن الأحاديث القاضية بثبوت الشفعة للجار بأن المراد بها الجار الأخص وهو الشريك المخالط لأن كل شيء قارب شيئا يقال له جار كما قيل لامرأة الرجل جارة لما بينهما من المخالطة وبهذا يندفع ما قيل أنه ليس في اللغة ما يقتضي تسمية الشريك جارا. قال ابن المنير ظاهر حديث أبي رافع الآتي أنه كان يملك بيتين من جملة دار سعد لا شقصا شائعا من منزل سعد ويدل على ذلك ما ذكره عمر بن شبة أن سعدا كان اتخذ دارين بالبلاط متابلتين بينهما عشرة أذرع وكانت التي على اليمين المسجد منهما لأبي رافع فاشتراها سعد منه ثم ساق الحديث الآتي فاقتضى كلامه أن سعدا كان جارا لابي رافع قبل أن يشتري منه داره لا شريكا كذا قال الحافظ. وقال أيضا ذكر بعض الحنفية أنه يلزم الشافعية القائلين بحمل اللفظ على حقيقته ومجازه أن يقولوا بشفعة الجار لأن الجار حقيقة لأن الجار حقيقة في المجاور مجاز في الشريك. وأجيب بأن محل ذلك عند التجريد وقد قامت القرينة هنا على المجاز فاعتبر الجمع بين حديثي جابر وأبي رافع فحديث جابر صريح في اختصاص الشفعة بالشريك وحديث أبي رافع مصروف الظاهر اتفاقاً لأنه يقتضي أن يكون الجار أحق من كل أحد حتى من الشريك والذين قالوا بشفعة الجوار قدموا الشريك مطلقا ثم المشارك في الشرب ثم المشارك في الطريق ثم الجار على من ليس بمجاور وأجيب بأن المفضل عليه مقدر أي الجار أحق من المشتري الذي لا جوار له. قال في القاموس الجار المجاور والذي أجرته من أن يظلم والمجير ووالمستجير والشريك في التجارة وزوج المرأة وما قرب من المنازل والمقاسم والحليف والناصر اه. ـ والحاصل ـ أن الجار المذكور في الأحاديث الآتية إن كان يطلق على الشريك في الشيء والمجاور له بغير شركة كانت مقتضية بعمومها لثبوت الشفعة لهما جميعا وحديث جابر وأبي هريرة المذكوران يدلان على عدم ثبوت الشفعة للجار الذي لا شركة له فيخصصان عموم أحاديث الجار ولكنه يشكل على هذا الحديث الشريد بن سويد فإن قوله ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار مشعر بثبوت الشفعة لمجرد الجوار وكذلك حديث سمرة لقوله فيه (جار الدار أحق بالدار) فإن ظاهره أن الجوار المذكور جوار لا شركة فيه ويجاب بأن هذين الحديثين لا يصلحان لمعارضة ما في الصحيح على أنه يمكن الجمع بما في حديث جابر الآتي بلفظ (إذا كان طريقهما واحد) فإنه يدل على أن الجوار لا يكون مقتضيا للشفعة إلا مع اتحاد الطريق لا بمجرده ولا عذر لمن قال بحمل المطلق على المقيد من هذا أن قال بصحة هذا الحديث وقد قال بهذا أعني ثبوت الشفعة للجار مع اتحاد الطريق بعض الشافعية ويؤيده أن شرعية الشفعة إنما هي لدفع الضرر وهو إنما يحصل في الأغلب مع المخالط في الشيء المملوك أو في طريقه ولا ضرر على جار لم يشارك في أصل ولا طريق إلا نادرا واعتبار هذا النادر يستلزم ثبوت الشفعة للجار مع عدم الملاصقة لأن حصول الضرر قد يقع في نادر الحالات كحجب الشمس والإطلاع على العورات ونحوهما من الروائح الكريهة التي يتأذى بها ورفع الأصوات وسماع بعض المنكرات ولا قائل بثبوت الشفعة لمن كان كذلك والضرر النادر غير معتبر لأن الشارع علق الأحكام بالأمور الغالبة فعلى فرض أن الجار لغة لا يطلق إلا على من كان ملاصقا غير مشارك ينبغي تقييد الجوار باتحاد الطريق ومقتضاه أن تثبت الشفعة بمجرد الجوار وهو الحق وقد زعم صاحب المنار أن الأحاديث تقتضي ثبوت الشفعة للجار والشريك ولا منافاة بينها. ووجه حديث جابر بتوجيه بارد والصواب ما حررناه. قوله (في كل شركة) في مسلم وسنن أبي داود في كل شرك وهو بكسر الشين المعجمة وإسكان الراء من أشركته في البيع إذا جعلته لك شريكا ثم خفف المصدر بكسر الأول وسكون الثاني فيقال شرك وشركة كما يقال كلم وكلمة. قوله (ربعة) بفتح الراء وسكون الموحدة تأنيث ربع وهو المنزل الذي يرتبعون فيه في الربيع ثم سمى به الدار والمسكن. قوله: (لا يحل له أن يبيع) الخ ظاهره أنه يجب على الشريك إذا أراد البيع أن يؤذن شريكه وقد حكى مثل ذلك القرطبي عن بعض مشايخه وقال شرح الإرشاد الحديث يقتضي أنه يحرم البيع قبل العرض على الشريك. قال ابن الرفعة ولم أظفر به عن أحد من أصحابنا ولا محيد عنه وقد قال الشافعي إذا صح الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط. وقال الزركشي أنه صرح به الفارقي. قال الأذرعي أنه الذي يقتضيه نص الشافعي وحمله الجمهور من الشافعية وغيرهم على الندب وكراهة ترك الأهلام قالوا لأنه يصدق على المكروه أنه ليس بحلال وهذا إنما يتم إذا كان اسم الحلال مختصا بما كان مباحا أو مندوبا أو واجبا وهو ممنوع فإن المكروه من أقسام الحلال كما تقرر في الأصول. قوله: (فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به) فيه دليل على ثبوت الشفعة للشريك الذي لم يؤذنه شريكه بالبيعع وأما إذا أعلمه الشريك بالبيع فأذن فيه فباع ثم أراد الشريك أن يأخذه بالشفعة فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة والهادوية وابن أبي ليلى والبتي وجمهور أهل العلم أن له أن يأخذه بالشفعة ولا يكون مجرد الأذن مبطلا لها. وقال الثوري والحكم وأبو عبيد وطائفة من أهل الحديث ليس له أن يأخذه بالشفعة بعد وقوع الإذن منه بالبيع وعن أحمد روايتان كالمذهبين ودليل الآخرين مفهوم الشرط فإنه يقتضي عدم ثبوت الشفعة مع الإيذان مع البائع. ودليل الأولين الأحاديث الواردة في سفعة الشريك والجار من غير تقييد وهي منطوقات لا يقاومها ذلك المفهوم ويجاب بأن المفهوم المذكور صالح لتقييد تلك المطلقات عند من عمل بمفهوم الشرط من أهل العلم والترجيح إنما يصار إليه عند تعذر الجمع وقد أمكن ههنا بحمل المطلق عل المقيد. 4 - وعن عبادة بن الصامت (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والدور). رواه عبد اللّه بن أحمد في المسند ويحتج بعمومه من أثبتها للشريك فيما تضره القسمة. 5 - وعن سمرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال (جار الدار أحق بالدار من غيره). رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه. 6 - وعن الشريد بن سويد قال (قلت يا رسول اللّه أرض ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار فقال الجار أحق بسقبه ما كان). رواهأحمد والنسائي وابن ماجه ولابن ماجه مختصر (الشريك أحق بسقبه ما كان). حديث عبادة أخرجه أيضا الطبراني في الكبير وهو من رواية إسحاق عن عبادة ولم يدركه وتشهد لصحته الأحاديث الواردة في ثبوت الشفعة فما هو أعم من الأرض والدار كحديث جابر المتقدم وكحديث ابن عباس عند البيهقي مرفوعا بلفظ (الشفعة في كل شيء) ورجاله ثقات الا أنه أعل بالإرسال. وأخرج الطحاوي له شاهدا من حديث جابر بإسناد لا بأس بروايه كما قال الحافظ ويشهد لحديث عبادة أيضا الأحاديث الواردة بثبوت الشفعة في خصوص الأرض كحديث شريد بن سويد المذكور في خصوص الدار كحديث سمرة المذكور أيضا وهكذا تشهد له الأحاديث القاضية بثبوت الشفعة للجار على العموم وحديث سمرة أخرجه أيضا البيهقي والطبراني والضياء وفي سماع الحسن عن سمرة مقال معروف قد تقدم التنبيه عليه ولكنه أخرج هذا الحديث أبو بكر ابن أبي خيثمة في تاريخه والطحاوي وأبو يعلى والطبراني في الأوسط والضياء عن أنس وأخرجه ابن سعد عن الشريد بن سويد بلفظ حديث سمرة المذكور وحديث الشريد بن سويد أخرجه أيضا عبد الرزاق والطيالسي والدارقطني والبيهقي قال في المعالم إن حديث الجار أحق بسقيه لم يروه أحد غير عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر وتكلم شعبة في عبد الملك من أجل هذا الحديث قال وقد تكلم الناس في إسناد هذا الحديث واضطراب الرواة فيه فقال بعضهم عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع وقال بعضهم عن أبيه عن أبي رافع وأرسله بعضهم والأحاديث التي جاءت في نقيضه أسانيدها جياد ليس في شيء منا اضطراب. قوله: (جار الدار أحق) قال في شرح السنة هذه اللفظة تستعمل فيمن لا يكون غيره أحق منه والشريك بهذه الصفة أحق من غيره وليس غيره أحق منه وقد استدل بهذا القائلون بثبوت الشفعة للجار وأجاب المانعون بأنه محمول على تعهده بالأحسان والبر بسبب قرب داره كذا قال الشافعي ولا يخفى بعده ولكنه ينبغي أن يقيد بما سيأتي من اتحاد الطريق ومقتضاه عدم ثبوت الشفعة بمجرد الجوار. قوله: (أحق بسقبه) بفتح السين المهملة ويجوز فتح القاف واسكانها وهو القرب والمجاورة. وقد استدل بهذا الحديث القائلون بثبوت شفعه الجار وأجاب المانعون بما سلف قال البغوي ليس في هذا الحديث ذكر الشفعة فيحتمل أن يكون المراد به الشفعة ويحتمل أن يكون أحق بالبر والمعونة اه ولا يخفى بعد هذا الحمل لاسيما بعد قوله (ليس لأحد فيها شرك) والأولى الجواب بحمل هذا المطلق على المقيد الآتي من حديث جابر (لا يقال) ان نفي الشرك فيها يدل على عدم اتحاد الطريق فلا يصح تقييده بحديث جابر الآتي لانا نقول إنما الشرك عن الأرض لا عن طريقها ولو سلم عدم صحة التقييد باتحاد الطريق فأحاديث إثبات الشفعة بالجوار مخصصة بما سلف ولو فرض عدم صحة التخصيص للتصريح بنفي الشركة فهي مع مافيها من المقال لا تنتهض لمعارضة الأحاديث القاضية بنفي شفعة الجار الذي ليس بمشارك كما تقدم. 7 - وعن عمرو بن الشريد قال (وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور ابن مخرمة ثم جاء أبو رافع مولى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال ياسعد ابتع مني بيتي في دارك فقال سعد واللّه ما أبتاعها فقال المسور واللّه لتبتاعنها فقال سعد واللّه ما أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة قال أبو رافع لقد أعطيت بها خمسمائة دينار ولولا أني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول الجار أحق بسقبه ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطي بها خمسمائة دينار فأعطاها أياه). رواه البخاري. قوله (ابتع بيتي) بلفظ التثنية أي البيتين الكائنين في دارك. قوله (فقال المسور) في رواية ان أبا رافع سأل المسوران يساعده على ذلك. قوله (منجمة أو مقطعة) شك من الراوي والمراد مؤجله على أقساط معلومة. قوله (أربعة آلاف) في رواية للبخاري في كتاب ترك الحيل من صحيحه أربع مائة مثقال وهو يدل على أن المثقال إذ ذاك كان بعشرة دراهم والحديث فيه مشروعية العرض على الشريك وقد تقدم الكلام على ذلك وفيه أيضا ثبوت الشفعة بالجوار وقد سلف بيانه. قال المصنف رحمه اللّه ومعنى الخبر واللّه أعلم أنما هو الحث على عرض المبيع قبل البيع على الجار وتقديمه على غيره من الزبون كما فهمه الراوي فإنه أعرف بما سمع اه الربن الدفع ويطلق على بيع المزابنة وقد تقدم وعلى بيع المجهول بالمجهول من جنسه وعلى بيع المغابنة في الجنس الذي لا يجوز فيه الغبن أفاد معنى ذلك في القاموس. 8 - وعن عبد الملك ابن أبي سليمان عن عطاء عن جابر (قال قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وان كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا). رواه الخمسة إلا النسائي. الحديث حسنه الترمذي قال ولانعلم أحدا روى هذا الحديث غير عبد الملك ابن أبي سليمان عن عطاء عن جابر وقد تكلم شعبة في عبد الملك من أجل هذا الحديث وعبد الملك هو ثقة مأمون عند أهل الحديث اه وقال الشافعي نخاف أن لا يكون محفوظا وقال الترمذي سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال لا أعلم أحدا رواه عن عطاء غير عبد الملك تفرد به ويروى عن جابر خلاف هذا اه قال المصنف رحمه اللّه تعالى وعبد الملك هذا ثقة مأمون ولكن قد أنكر عليه هذا الحديث قال شعبة سها فيه عبد الملك فإن روى حديثا مثله طرحت حديثه ثم ترك شعبة التحديث عنه وقال أحمد هذا الحديث منكر وقال ابن معين لم يروه غير عبد الملك وقد أنكروه عليه قلت ويقوى ضعفه رواية جابر الصحيحة المشهورة المذكورة في أول الباب اه ولا يخفى أنه لم يكن في شيء من كلام هؤلاء الحفاظ ما يقدح بمثله وقد احتج مسلم في صحيحه بحديث عبد الملك بن أبي سليمان وأخرج له أحاديث واستشهد به البخاري ولم يخرجا له هذا الحديث. قوله (ينتظر بها) مبني للمفعول قال ابن رسلان يحتمل انتظار الصبي بالسفعة حتى يبلغ وقد أخرج الطبراني في الصغير والأوسط عن جابر أيضا قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على شفعته حتى يدرك فإذا أدرك فإن شاء أخذ وإن شاء ترك وفي إسناده عبد اللّه بن بزيع. قوله: (وان كان غائبا) فيه دليل على أن شفعة الغائب لا تبطل وان تراخى وظاهره انه لا يجب عليه السير متى بلغه للطلب أو البعث برسول كما قال مالك وعند الهادوية انه يجب عليه ذلك إذا كان مسافة غيبته ثلاثة أيام فما دونها وإن كانت المسافة فوق ذلك لم يجب. قوله (إذا كان طريقهما واحدا) فيه دليل على أن الجوار بمجرده لا تثبت به الشفعة بل لا بد معه من اتحاد الطريق ويؤيد هذا الأعتبار قوله في حديث جابر وأبي هريرة المتقدمين فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة. وقد أسلفنا الكلام على الشفعة بمجرد الجوار. ـ فائدة ـ من الأحاديث الواردة في الشفعة حديث ابن عمر عند ابن ماجه والبزار بلفظ (لاشفعة لغائب ولا لصغير والشفعة كحل عقال) وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن البيلماني وله مناكير كثيرة. وقال الحافظ في إسناده ضعيف جدا وضعفه ابن عدي وقال ابن حبان لا أصل له. وقال أبو زرعة منكر. وقال البيهقي ليس بثابت وروى هذا الحديث ابن حزم عن ابن عمر أيضا بلفظ (الشفعة كحل العقال فإن قيدها مكانه ثبت حقه وإلا فاللوم عليه) وذكره عبد الحق في الأحكام عنه تعقبه ابن القطان بأنه لم يروه في المحلى ولعله في غير المحلى. وأخرج عبد الرزاق من قول شريح إنما الشفعة لمن واثبها وذكره قاسم بن ثابت في دلائله ورواه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والماوردي بلا إسناد بلفظ (الشفعة لمن واثبها) أي بادر إليها ويُروى (الشفعة كنشط عقال).
1 - عن جابر قال (رخص لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به). رواه أحمد وأبو داود. 2 - وعن أنس (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مر بتمرة في الطريق فقال لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها). أخرجاه. وفيه إباحة المحقرات في الحال. حديث جابر في إسناده المغيرة بن زياد قال المنذري تكلم فيه غير واحد وفي التقريب صدوق له أوهام وفي الخلاصة وثقه وكيع وابن معين وابن عدي وغيرهم وقال أبو حاتم شيخ لا يحتج به. قوله (اللقطة) بضم اللام وفتح القاف على المشهور لا يعرف المحدثون غيره كما قال الأزهري وقال عياض لا يجوز غيره. وقال الخليل هي بسكون القاف وأما بالفتح فهو كثير الألتقاط قال الأزهري هذا الذي قاله هو القياس ولكن الذي سمع من العرب وأجمع عليه أهل اللغة والحديث الفتح وقال الزمخشري في الفائق بفتح القاف والعامة تسكنها قال في الفتح وفيها لغتان أيضا لقاطة بضم اللام ولقطة بفتحهما. قوله: (واشباهه) يعني كل شيء يسير قوله: (ينتفع به) فيه دليل على جواز الأنتفاع بما يوجد في الطرقات من المحقرات لا يحتاج إلى تعريف وقيل أنه يجب التعريف بها ثلاثة ايام لما أخرجه أحمد والطبراني والبيهقي والجوزجاني واللفظ لأحمد من حديث يعلى بن مرة مرفوعا من ألتقط لقطة يسيرة حبلا أو درهما أو شبه ذلك فليعرفها ثلاثة أيام فإن كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام زاد الطبراني فإن جاء صاحبها وإلا فليتصدق بها وفي إسناده عمر بن عبد اللّه بن يعلى وقد صرح جماعة بضعفه ولكنه قد أخرج له ابن خزيمة متابعة وروى عنه جماعات وزعم ابن جزم أنه مجهول وزعم هو وابن القطان أن يعلى وحكيمة التي روت هذا الحديث عن يعلى مجهولان. قال الحافظ وهو عجب منهما لأن يعلى صحابي معروف الصحبة قال ابن رسلان ينبغي أن يكون هذا الحديث معمول به لأن رجال إسناده ثقات وليس فيه معارضة للأحاديث الصحيحة بتعريف سنة لأن التعريف سنة هو الأصل المحكوم به عزيمة وتعريف الثلاث رخصة تيسيرا للملتقط لأن الملتقط اليسير والرخصة لا تعارض العزيمة بل لا تكون إلا مع بقاء حكم الأصل كما هو مقرر في الأصول ويؤيد تعريف الثلاث ما رواه عبد الرزاق عن أبي سعيد أن عليا جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بدينار جده في السوق فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عرفه ثلاثا ففعل فلم يجد أحد يعرفه فقال كله اه. وينبغي ايضا أن تقيد مطلق الانتفاع المذكور في حديث الباب بالتعريف بالثلاث المذكور فلا يجوز للملتقط أن ينتفع بالحقير إلا بعد التعريف به ثلاثا حملا للمطلق على المقيد وهذا إذا لم يكن ذلك الشيء الحقير مأكولا جاز أكله ولم يجب التعريف به أصلا كالتمرة ونحوها لحديث أنس المذكور لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد بين أنه لم يمنعه من كل التمرة إلا خشية أن تكون من الصدقة ولولا ذلك لأكلها وقد روى ابن أبي شيبة عن ميمونة زوج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنها وجدت تمرة فأكلتها وقالت لا يحب اللّه الفساد. قال في الفتح يعني أنها لو تركتها فلم تؤخذ فتؤكل لفسدت قال وجواز الأكل هو المجزوم به عند الأكثر اه ويمكن أن يقال أنه يقيد حديث تمرة بحديث التعريف ثلاثا كما قيد به حديث الانتفاع ولكنها لم تجر للمسلمين عادة بمثل ذلك وأيضا الظاهر من قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لأكلتها بعد التعريف بها ثلاثا وقد اختلف أهل العلم في مقدار التعريف بالحقير فحكى في البحر عن زيد بن على والناصر والقاسمية والشافعي أن يعرف به سنة كالكثيرين وحكي عن المؤيد باللّه والإمام يحيى وأصحاب أبي حنيفة أنه يعرف به ثلاثة أيام. ـ واحتج ـ الأولون بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم (عرفها سنة) قالوا ولم يفصل واحتج الآخرون بحديث يعلى بن مرة وحديث على جعلوهما مخصصين لعموم حديث التعريف سنة وهو الصواب لما سلف قال الإمام المهدي قلت الأقوى تخصيصه بمامر للحرج اه يعني تخصيص حديث السنة بحديث التعريف ثلاثا. 3 - وعن عياض بن حمار قال (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل أو ليحفظ عفاصها ووكاءها فإن صاحبها فلا يكتم فهو أحق بها وأن لم يجيء صاحبها فهو مال اللّه يؤتيه من يشاء). رواه أحمد ومسلم. 5 - وعن زيد بن خالد (قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن اللقطة الذهب والورق فقال أعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه وساله عن ضالة الإبل فقال مالك ولها دعها فإ، معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها وسأله عن الشاة فقال له خذها فإنما هي لك ولأخيك أو للذئب). متفق عليه. ولم يقل فيه أحمد الذهب أو الورق وهو صريح في التقاط الغنم: وفي رواية (فإن جاء صاحبها فعرف عصافها وعددها ووكاءها فأعطها اياه وإلا فهي لك) رواه مسلم. وهو دليل على دخوله في ملكه وإن لم يقصد. 6 - وعن أبي بن كعب في حديث اللقطة (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال عرفها فإن جاء أحد يخبرك بدتها ووعائها ووكائها فأعطها اياه وإلآ فاستمتع بها). مختصر من حديث أحمد ومسلم والترمذي. وهو دليل وجوب الدفع بالصفة. حديث عياض بن حمار أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن حبان ولفظه (ثم لا يكتم ولا يغيب فإن جاء صاحبها فهو أحق بها وإلا فهو مال اللّه يؤتيه من يشاء. وفي لفظ للبيهقي (ثم لا يكتم وليعرف) ورواه الطبراني وله طرق. ـ وفي الباب ـ عن مالك بن عمير عن أبيه أخرجه أبو موسى المديني في الذيل قوله: (فليشهد) ظاهر الأمر يدل على وجوب الأشهاد وهو أحد قولي الشافعي وبه قال أبو حنيفة وفي كيفية الاشهاد قولان أحدهما يشهد أنه وجد لقطة ولا يعلم بالعفاص ولا غيره لئلا يتوصل بذلك الكاذب إلى أخذها. والثاني يشهد على صفاتها كلها حتى إذا مات لم يتصرف فيها الوارث واشار بعض الشافعية إلى التوسط بين الوجهين فقال لا يستوعب الصفات ولكن يذكر بعضها قال النووي وهو الأصح والثاني من قولي الشافعي أنه لا يجب الأشهاد وبه قال مالك وأحمد وغيرهما قالوا وإنم يستحب احتياطا لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يأمر به في حديث زيد بن خالد ولو كان واجبا لبينه. قوله (عفاصها) بكسر العين المهملة وتخفيف الفاء وبعد الألف صاد مهملة وهو الوعاء الذي تكون فيه النفقة جلدا كان أو غيره وقيل له العفاص أخذا من العفص وهو الثني لأن الوعاء على ما فيه. وقد وقع زوائد المسند لعبد اللّه بن أحمد في حديث أبي (وخرقتها) بدل عفاصها والعفاص أيضا الجلد الذي يكون على رأس القارورة وأما الذي يدخل فم القارورة من جلدا وغيره فهو الصمام بكسر الصاد المهملة فحيث يذكر العفاص مع الوعاء فالمراد الثاني وحيث يذكر العفاص مع الوكاء فالمراد به الأول كذا في الفتح. والوكاء بكسر الواو والمد الخيط الذي يشد به الوعاء التي تكون في النفقة يقال أوكيته ايكاء فهو موكأ ومن قال الوكا بالقصر فهو وهم. قوله: (فلا يكتم) أي لا يجوز كتم اللقطة إذا جاء لها صاحبها وذكر من أوصافها ما يغلب الظن بصدقه. قوله (يؤتيه من يشاء) استدل به من قال أن الملتقط يملك اللقطة بعد أن يعرف بها حولا وهو أبو حنيفة لكن بشرط أن يكون فقيرا وبه قالت الهادوية واستدلوا على اشتراط الفقر بقوله في هذا الحديث فهو مال اللّه قالوا وما يضاف إلى اللّه إنما يتملكه من يستحق الصدقة وذهب الجمهور إلى أنه يجوز له أن يصرفها في نفسه بعد التعريف سواء كان غنيا أو فقيرا لإطلاق الأدلة الشاملة للغني والفقير كقوله (فاستمتع بها) وفي لفظ فهي كيل مالك. وفي لفظ فاستنفقها وفي لفظ (فهي لك) وأجابوا عن دعوى أن الأضافة تدل على الصرف إلى الفقير بأن ذلك لا دليل عليه فإن الأشياء كلها تضاف إلى اللّه قال اللّه تعالى قوله (لا يأوي الضالة) الخ في نسخة يؤوي وهو مضارع آوى بالمد والمراد بالضال من ليس بمهتد لأن حق الضالة أن يعرف بها فإذا أخذها من دون تعريف كان ضالا وسيأتي بقية الكلام على هذا في آخر الباب. قوله (أعرف عفاصها ووكاءها) الغرض من هذه المعرفة معرفة الآلات التي تحفظ فيها اللقطة ويلتحق بما ذكر حفظ الجنس والصفة والقدر هو الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن والزرع فيما يزرع وقد اختلفت الروايات ففي بعضها معرفة العفاص والوكاء قبل التعريف كما في الرواية المذكورة في الباب. وفي بعضها التعريف مقدم على معرفة ذلك كما في رواية للبخاري بلفظ (عرفها ثم عرف عفاصها ووكاءها) قال النووي يجمع بين الروايتين بأن يكون مأمورا بالمعرفة في حالتين فيعرف العلامات وقت الالتقاط حتى يعلم صدق واصفها إذا وصفها ثم يعرفها مرة أخرى بعد تعريفها سنة إذا أراد أن يتملكها ليعلم قدرها وصفتها إذا جاء صاحبها بعد ذلك فردها إليه. قال الحافظ ويحتمل أن تكون ثم في الروايتين بمعنى الواو فلا تقتضي تربيبا فلا تقضي تخالفا يحتاج إلى الجمع ويقويه كون المخرج واحدا والقصة واحدة وإنما يحسن الجمع بما تقدم لوكان المخرج مختلفا أو تعددت القصة وليس الغرض الا أن يقع التعرف والتعريف مع قطع النظرعن أيهما يسبق. قال واختلف العلماء في هذه المعرفة على قولين أظهرهما الوجوب لظاهر الأمر وقيل يستحب. وقال بعضهم يجب عند الالتقاط ويستحب بعده. قوله (ثم عرفها) بتشديد الراء وكسرها أي اذكرها للناس: قال في الفتح قال العلماء محل ذلك المحافل كأبواب المساجد والأسواق ونحو ذلك يقول من ضاعت له نفقة ونحو ذلك من العبارات ولا يذكر شيئا من الصفات. قوله (سنة) الظاهر أن تكون متوالية ولكن على وجه لا يكون على جهة الاستيعاب فلا يلزمه التعريف بالليل ولا استيعاب الأيام بل على المعتاد فيعرف في الأبتداء كل يوم مرتين في طرفي النهار ثم في كل يوم مرة ثم في كل أسبوع مرة ثم في كل شهر ولا يشترط أن يعرفها بنفسه بل يجوز له توكيل غيره ويعرفها في مكان وجودها وفي غيره كذا قال العلماء وظاهره أيضا وجوب التعريف لأن الأمر يقتضي الوجوب ولا سيما وقد سمي صلى اللّه عليه وآله وسلم من لم يعرفها ضالا كما تقدم وفي وجوب المبادرة إلى التعريف خلاف مبناء هل الأمر يقتضي الفور أم لا وظاهره أيضا أنه لا يجب التعريف بعد السنة وبه قال الجمهور وادعى في البحر الإجماع على ذلك. ووقع في رواية من حديث أبي عند البخاري وغيره بلفظ (وجدت صرة فيها مائة دينار فأتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال عرفها حولا فعرفتها فلم أجد من يعرفها ثم أتيته ثانيا فقال عرفها حولا فلم أجد ثم أتيته ثالثا فقال أحفظ وعاءها وعددها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها فأستمتعت فلقيته بعد بمكة فقال لا أدري ثلاثة أحوال أو حولا واحدا) هكذا في البخاري وذكر البخاري الحديث في موضع أخر من صحيحه فزاد (ثم أتيته الرابعة فقال أعرف وعاءها) الخ قال في الفتح القائل فلقيته بعد بمكة هو شعبة والذي قال لا أدري هو شيخه سلمة بن كهيل وهو الرواي لهذا الحديث عن سويد عن أبي بن كعب قال شعبة فسمعته بعد عشر سنين يقول عرفها عاما واحدا وقد بين أبو داود الطيالسي في مسنده القائل فلقيته والقائل لا أدري فقال في أخر الحديث قال شعبة فلقيت سلمة بعد ذلك فقال لا أدري ثلاثة أحوال أوحولا واحدا. وبهذا يتبين بطلان ما قاله ابن بطال ان الذي شك هو أبي بن كعب والقائل هو سويد بن غفلة وقد رواه عن شعبة عن سلمة بن كهيل بغير شك جماعة وفيه ثلاثة أحوال الا حماد بن سلمة فإن في حديثه عامين أو ثلاثة وجمع بعضهم بين حديث أبي هذا وحديث زيد بن خالد المذكور فيه سنة فقط بأن حديث أبي محمول على مزيد الورع عن التصرف في اللقطة والمبالغة في التعفف عنها. وحديث زيد على مالا بد منه وجزم ابن جزم وابن الجوزي بأن الزيادة في حديث أبي غلط. قال ابن الجوزي والذي يظهر لي أن سلمة أخطأ فيها ثم ثبت واستمر على عام واحد ولا يؤخذ إلا بما لم يشك فيه لا بما يشك فيه رواية. وقال أيضا يحتمل أن يكون صلى اللّه عليه وآله وسلم عرف أن تعريفها لم يقع على الوجه الذي ينبغي فأمر ثانيا بإعادة التعريف كما قال للمسئ صلاته (ارجع فصل فإنك لم تصل) قال الحافظ ولا يخفى بعد هذا على مثل أبي مع كونه من فقهاء الصحابة وفضلائهم قال المنذري لم يقل أحد من أئمة الفتوى أن اللقطة تعرف ثلاثة أعوام إلا شريح عن عمر وقد حكاه الماوردي عن شواذ من الفقهاء وحكى ابن المنذر عن عمر أربعة أقوال يعرف بها ثلاثة أحوال. عاما واحدا: ثلاثة أشهر . ثلاثة أيام وزاد ابن حزم عن عمر قولا خامسا وهو أربعة أشهر قال في الفتح ويحمل ذلك على عظم اللقطة وحقارتها. قوله: (فإن لم تعرف فاستنفقها) الخ قال يحيى بن سعيد الأنصاري لا أدري هذا في الحديث أم هو شيء من عند يزيد مولى المنبعث يعني الراوي عن زيد بن خالد كما حكى ذلك البخاري عن يحيى قال في الفتح شك يحيى بن سعيد هل قوله (ولتكن وديعة عنده مرفوع أم لا) وهو القدر المشار إليه بهذا دون ما قبله لثبوت ما قبله في أكثر الروايات وخلوها عن ذكر الوديعة وقد جزم يحيى بن سعيد برفعه مرة أخرى كما في صحيح مسلم بلفظ (فاستنفقها ولتكن وديعة عندك) وكذلك حزم برفعها خالد بن مخلد عن سليمان عن ربيعة عند مسلم وقد أشار البخاري إلى رجحان رفعها فترجم باب إذا جاء صاحب اللقطة ردها عليه لأنها وديعة عنده والمراد بكونها وديعة أنه يجب ردها فتجور بذكر الوديعة عن وجوب رد بدلها بعد الاستنفاق لا أنها وديعة حقيقة يجب أن تبقى عينها لأن المأذون في استنفاق لا تبقى عينه كذا قال ابن دقيق العيد قال ويحتمل أن تكون الواو في قوله ولتكن وديعة بمعنى أواى أما أن تستنفقها وتغرم بدلها وأما أن تتركها عندك على سبيل الوديعة حتى يجيء صاحبها فتعطيها اياه ويستفاد من تسميتها وديعة أنها لو تلفت لم يكن عليه ضمانها قال في الفتح وهو اختيار البخاري تبعا لجماعة من السلف. قوله: (فإن معها حذاءها وسقاءها) الحذاء كسر المهملة بعدها ذال معجمة مع المد أي خفها والمراد بالسقاء جوفها وقيل عنقها وأشار بذلك إلى استغنائها عن الحفظ لها بما ركب في طباعها من الجلادة على العطش وتناول المأكول بغير تعب لطول عنقها فلا تحتاج إلى ملتقط قوله: (لك أو لأخيك أو للذئب) فيه إشارة إلى جواز أخذها كأنه قال هي ضعيفة لعدم الاستقلال معرضة للّهلاك مترددة بين أن تأخذها أنت أو أخوك قال الحافظ والمراد به ماهو أعم من صاحبها أو من ملتقط آخر. والمراد بالذئب جنس ما يأكل الشاة من السباع وفيها حث على أخذها لأنه إذا علم أنها إذا لم تؤخذ بقيت. للذئب كان ذلك أدعى له إلى أخذها وفيه رد على ما روى عن احمد في رواية إن الشاة لا تلتقط وتمسك به مالك في أنه يملكها بالأخذ ولا تلزمه غرامة ولو جاء صاحبها واحتج على ذلك بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سوى بين الذئب والملتقط والذئب لا غرامة عليه فكذلك الملتقط وأجيب بأن اللام ليست للتمليك لأن الذئب لا يملك وقد أجمعوا على أنه لو جاء صاحبها قبل أن يأكلها الملتقط كان له أخذها فدل على أنها باقية على ملك صاحبها ولا فرق بين قوله في اللقطة شأنك بها أو خذها وبين قوله هي لك أو لأخيك أو للذئب بل الأول أشبه بالتمليك لأنه لم يشرك معه ذئبا ولا غيره. قوله: (فإن جاء أحد يخبرك) الخ فيه دليل على أنه يجوز للملتقط أن يرد اللقطة إلى من وصفها بالعلامات المذكورة من دون إقامة البينة وبه قال المؤيد باللّه والامام يحيى وبعض أصحاب الشافعي وأبو بكر الرازي الحنفي قالوا لأنه يجوز العمل بالظن لاعتماده في أكثر الشريعة إذا لا تفيد البينة إلا الظن وبه قال مالك وأحمد وحكى في البحر عن القاسمية والحنفية والشافعية أن اللقطة لا ترد للواصف وإن ظن الملتقط صدقه إذ هو مدع فلا تقبل. وحكى في الفتح عن أبي حنيفة والشافعي أنه يجوز له الرد إلى الواصف إن وقع في نفسه صدقه ولا يجبر على ذلك الا ببينة قال الخطابي إن صحت هذه الفظة يعني قوله فإن جاء صاحبها يخبرك الخ لم يجز مخالفتها وهي فائدة قوله أعرف عفاصها إلى آخره وإلا فالأحتياط مع من لم يرى الرد إلا بالبينة قال ويتأولون قوله أعرف عفاصها على أنه أمره بذلك لئلا تختلط بماله أو لتكون الدعوة فيها معلومة وذكر غيره من فوائد ذلك أيضا أن يعرف صدق المدعي من كذبه وإن فيها تنبيها على حفظ المال وغيره وهو الوعاء لأن العادة جرت بإلقائه إذا أخذت النفقة وأنه إذا نبه على حفظ الوعاء كان فيه تنبيه على حفظ النفقة من باب الأولى قال الحافظ قد صحت هذه الزيادة فتعين المصير إليها اه وهذا هو الحق فترد اللقطة لمن وصفها بالصفات التي أعتبرها الشارع وأما إذا ذكر صاحب اللقطة بعض الأوصاف دون بعض كأن يذكر العفاص دون الوكاء أو العفاص دون العدد فقد أختلف في ذلك فقيل لا شيء له إلا بمعرفة جميع الأوصاف المذكورة وقيل تدفع إليه إذا جاء ببعضها وظاهر الحديث الأول وظاهره أيضا أن مجرد الوصف يكفي ولا يحتاج إلى اليمين وهذا إذا كانت اللقطة لها عفاص ووكاء وعدد فإن كان لها البعض من ذلك فالظاهر أنه يكفي ذكره وإن لم يكن لها شيء من ذلك فلا بد من ذكر أوصاف مختصة بها تقوم مقام وصفها بالأمور التي أعتبرها الشارع. قوله (وإلا فاستمتع بها) الأمر فيه للإباحة وكذا في قوله (فاستنفقها) وقد اختلف العلماء فيما إذا تصرف الملتقط في اللقطة بعد تعريفها سنة ثم جاء صاحبها هل يضمنها له أم لا فذهب الجمهور إلى وجوب الرد إن كانت العين موجودة أو البدل إن كانت استهلكت وخالف في ذلك الكرابيسي صاحب الشافعي ووافقه صاحباه البخاري وداود بن علي امام الظاهرية لكن وافق داود الجمهور إذا كانت العين قائمة ومن أدلة قول الجمهور ماتقدم بلفظ (ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها) الخ وكذلك قوله (فإن صاحبها فلا تكتم فهو أحق بها) الخ وفي رواية للبخاري من حديث زيد بن خالد (فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها فإن جاء صاحبها فأدها) إليه أي بدلها لأن العين لا تبقى بعد أكلها وفي رواية لأبي داود (فإن جاء باغيها فأدها إليه وإلا فأعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها فإن جاء باغيها فأدها إليه) فأمر بأدائها إليه قبل الأذن في أكلها وبعده. وفي رواية لأبي داود أيضا (فإن جاء صاحبها دفعتها إليه وإلا عرفت وكاءها وعفاصها ثم أقبضها في مالك فإن جاء صاحبها فأدفعها إليه) والمراد بقوله أقبضها في مالك أجعلها من جملة مالك وهو بالقاف وكسر الباء من الإقباض. قال ابن رشد اتفق فقهاء الأمصار مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي أن له أن يتصرف فيها ثم قال مالك والشافعي له أن يتملكها وقال أبو حنيفة ليس له إلا أن يتصدق بها. وروي مثل قوله عن علي وابن عباس وجماعة من التابعين وقال الأوزاعي إن كان مالا كثيرا جعله في بيت المال وروي مثل قول مالك والشافعي عن عمر وابن مسعود وابن عمر وكلهم متفق على أنه إن أكلها ضمنها لصاحبها إلا أهل الظاهر اه . قال في البحر مسألة ولا يضمن الملتقط إجماعا إلا لتفريق أو جناية إذا هو أمين حيث لم يأخذ لغرض نفسه فإن جني أو فرط فالأكثر يضمن وداود والكرابيي لا يضمن لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم فإن جاء صاحبها الخبر ولم يذكر وجوب البدل قلنا أمر علي عليه السلام بغرامة الدينار في الخبر المشهور وخبركم محمول على من آيس من معرفة صاحبها اه وحديث علي الذي أشار إليه أخرجه أبو داود عن بلال عن يحيى العبسي عنه أنه (التقط دينارا فاشترى به دقيقا فعرفه صاحب الدقيق فرد عليه الدينار فأخذه علي فقطع منه قيراطين فاشترى به لحما) قال المنذري في سماع بلال بن يحيى من على نظر. وقال الحافظ إسناده حسن ورواه أيضا أبو داود عن أبي سعيد الخدري (أن علي بن أبي طالب وجد دينارا فأتى به فاطمة فسألت عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال هو رزق اللّه فأكل منه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأكل علي وفاطمة فلما كان بعد ذلك أتته امرأة تنشد الدينار فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يا علي أد الدينار) وفي إسناده رجل مجهول وأخرجه أبو داود أيضا من وجه آخر عن أبي سعيد وذكره مطولا وفي إسناده موسى بن يعقوب الزمعي وثقه ابن معين. وقال ابن عدي لا بأس به وقال النسائي ليس بالقوي وروى هذا الحديث الشافعي عن الدارا وردي عن شريك بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد وزاد أنه أمره أن يعرفه ورواه عبد الرزاق من هذا الوجه فجعل أجل الدينار وشبهه ثلاثة أيام وفي إسناد هذه الزيادة أبو بكر بن أبي سبرة وهو ضعيف جدا وقد أعل البيهقي هذه الروايات لاضطرابها ولمعارضتها لأحاديث اشتراط السنة في التعريف قال ويحتمل أن يكون آثما أباح له الأكل قبل التعريف للاضطرار. وعن عبد الرحمن بن عثمان قال نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن لقطة الحاج. رواه أحمد ومسلم وقد سبق قوله في بلد مكة ولا يحل لقطتها إلا لمعرف واحتج بهما من قال لا تملك لقطة الحرم بحال بل تعرف أبدا. الحديث الثاني قد سبق في باب صيد الحرم وشجره من كتابا الحج قوله: (نهى عن لقطة الحاج) هذا النهي تأوله الجمهور بأن المراد به النهي عن التقاط ذلك للملك وأما للإنشاد بها فلا بأس ويدل على ذلك قوله في الحديث الآخر (ولا تحل لقطتها إلا لمعرف) وفي لفظ آخر (ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد). قوله (إلا لمعرف) قد استشكل تخصيص لقطة الحاج بمثل هذا مع أن التعريف لا بد منه في كل لقطة من غير فرق بين لقطة الحاج وغيره وأجيب عن هذا الإشكال بأن المعنى أن لقطة الحاج لا تحل إلا لمن يريد التعريف فقط من دون تملك فأما من أراد أن يعرفها ثم أن يتملكها فلا. وقد ذهب الجمهور إلى أن لقطة مكة لا تلتقط للتملك بل للتعريف خاصة. قال في الفتح وإنما اختصت بذلك عندهم لا مكان إيصالها إلى أربابها لافها إن كانت للمكي فظاهر وإن كانت للآفاق فلا يخلوا أفق غالبها من وارد إليها فإذا عرفها واجدها في كل عام سهل التوصل إلى معرفة صاحبها قال ابن بطال وقال أكثر المالكية وبعض الشافعية هي كغيرها من البلاد وإنما تختص مكة بالمبالغة في التعريف بأن الحاج يرجع إلى بلده وقد لا يعود فاحتاج الملتقط لها إلى المبالغة في التعريف واحتج ابن منير لمذهبه بظاهر الاستثناء لأنه نفى الحل واستثنى المنشد فدل على أن الحل ثابت للمنشد لأن الاستثناء من النفي إثبات قال ويلزم على هذا أن مكة وغيرها سواء والسياق يقتضي تخصيصها قال الحافظ والجواب أن التخصيص إذا وافق الغالب لم يكن له مفهوم والغالب إن لقطة مكة بيأس ملتقطها من صاحبها وصاحبها من وجدانها لتفرق الخلق في الآفاق البعيدة فربما داخل الملتقط الطمع في تملكها من أول وهلة ولا يعرفها فنهى الشارع عن ذلك وأمر أن لا يأخذها الا من عرفها. وقال إسحاق بن راهوية معنى قوله في الحدث (الا لمنشد) أي من سمع ناشدا يقول من رأى كذا فحينئذ يجوز لواجد اللقطة أن يرفعها ليردها على صاحبها وهو أضيق من قول الجمهور لانه قيده بحالة للمعروف دون حالة ويرد عليه قوله الا لمعرف والحديث يفسر بعضه بعضا. وقد حكى في البحر عن العترة وأبي حنيفة وأصحابه وأحد قولي الشافعي أنه لافرق بين لقطة الحرم وغيره واحتج لهم بأن الأدلة لم تفصل. 7 - وعن منذر بن جرير (قال كنت مع أبي جرير بالبوازيج في السواد فراحت البقر فرأى بقرة أنكرها فقال ما هذه البقرة قالوا بقرة لحقت بالبقر فأمر بها فطردت حتى توارت ثم قال سمعت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول لا يأوي الضالة الا ضال). رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. ولمالك في الموطأ عن ابن شهاب قال (كانت ضوال الأبل في زمن عمر بن الخطاب ابلا مؤبلة تتناتج لا يمسكها أحد حتى إذا كان عثمان أمر بمعرفتها ثم تباع فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها). حديث منذر أخرجه أيضا النسائي وأبو يعلى والطبراني في الكبير والضياء في المختارة ويشهد له ما في صحيح مسلم من حديث زيد بن خالد بلفظ (لا يأوي الضالة الا ضال) وقد تقدم قوله: عن منذر بن جرير ـ يعني ابن عبد اللّه البجلي. وقد أخرج لمنذر مسلم في الزكاة والعلم من صحيحه. قوله (بالبوازيج) بفتح الباء الموحدة وبعد الألف زاي معجمة بعدها تحتية ثم جيم كذا ضبطه البكري في معجم البلدان ثم قال كذا اتفقت الروايات فيه عند أبي داود قال ولا أعلم هذا الاسم ورد الا في هذا الحديث وصوابه عندي الموازج بالميم وهو المحفوظ قال والموائج من ديار هذيل وهي متصلة بنواحي المدينة. وقال ابن السمعاني بوازيج بالباء الموحدة وبعد الالف زاي بلدة قديمة فوق بغداد خرج منها جماعة من العلماء قديما وحديثاه. وقال المنذري بوازيج الأنبار فتحها جرير بن عبد اللّه وبها قوم من مواليه وليست بوازيج الملك التي بين تكريت واربل. قوله (لا يأوي الضالة) الخ قد تقدم ضبطه وتفسيره والمراد بالضالة هنا ما يحمي نفسه من الأبل والبقر ويقدر على الأبعاد في طلب المرعى والماء بخلاف الغنم فالحيوان الممتنع من صغار السباع لا يجوز التقاطه سواء كان لكبر جثته كالأبل والخيل والبقر أو يمنع نفسه بطيرانه كالطيور المملوكة أن بنابه كالفهود ولا يجوز لغير الامام ونائبه أخذها ويمكن أن يقيد مطلق هذا الحديث بما تقدم في حديث زيد بن خالد لقوله فيه مالم يعرفها ويكون وصف الذي يأوي الضالة بالضلال مقيدا بعدم التعريف وأما التقاط الأبل ونحوها فقد استفيد المنع منه من قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم (مالك ولها دعها). قوله (مؤبلة) كمعظمة أي كثيرة متخذة للقنية. وفي هذا الأثر جواز التقاط الأبل للامام وجواز بيعها وإذا جاء مالكها ذفع إليه الامام ثمنها.
|