فصل: بَابُ الرَّجْعَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الرَّجْعَةِ:

(قَالَ)، وَإِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فِي الطُّهْرِ أَوْ فِي الْحَيْضِ أَوْ بَعْدَ الْجِمَاعِ فَهُوَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ مَادَامَ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «طَلَّقَ سَوْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا بِقَوْلِهِ اعْتَدِّي ثُمَّ رَاجَعَهَا» «وَطَلَّقَ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا بِالْوَطْءِ» وَيَسْتَوِي إنْ طَالَتْ مُدَّةُ الْعِدَّةِ أَوْ قَصُرَتْ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا بَاقٍ مَا بَقِيَتْ الْعِدَّةُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلْقَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَارْتَفَعَ حَيْضُهَا سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ مَاتَتْ فَوَرِثَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْهَا وَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَبَسَ مِيرَاثَهَا عَلَيْك فَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ قَبْلَ الرَّجْعَةِ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّ الرَّجْعَةِ وَبَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْهُ، وَهُوَ خَاطِبٌ مِنْ الْخُطَّابِ يَتَزَوَّجُهَا بِرِضَاهَا إنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ.
وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَأَحْسَنُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَغْشَاهَا حَتَّى يُشْهِدَ شَاهِدَيْنِ عَلَى رَجْعَتِهَا وَالْإِشْهَادُ عَلَى الرَّجْعَةِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا، وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى شَرْطٌ لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ إلَّا بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا عَجِيبٌ مِنْ مَذْهَبِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجْعَلُ الْإِشْهَادَ عَلَى النِّكَاحِ شَرْطًا وَيَجْعَلُ الْإِشْهَادَ عَلَى الرَّجْعَةِ شَرْطًا لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِدَامَةٌ لِلنِّكَاحِ وَالْإِشْهَادُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ وَبَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الرَّجْعَةَ إمْسَاكًا، وَهُوَ مَنْعٌ لِلْمُزِيلِ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَلَا يَكُونُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا شَرْطًا كَالْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ الِاسْتِحْبَابُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الرَّجْعَةِ وَالْفُرْقَةِ وَأَمَرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِمَا ثُمَّ الْإِشْهَادُ عَلَى الْفُرْقَةِ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ فَكَذَلِكَ عَلَى الرَّجْعَةِ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} ثُمَّ الْبَيْعُ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ وَلَيْسَ فِي الرَّجْعَةِ عِوَضٌ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ لِلْمِلْكِ فَلَا يَسْتَدْعِي عِوَضًا وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ رِضَاهَا وَلَا رِضَى الْمَوْلَى لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الزَّوْجَ أَحَقَّ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} وَإِنَّمَا يَكُونُ أَحَقَّ إذَا اسْتَبَدَّ بِهِ وَالْبَعْلُ هُوَ الزَّوْجُ، وَفِي تَسْمِيَتِهِ بَعْلًا بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ دَلِيلُ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا فَالْمُبَاعَلَةُ هِيَ الْمُجَامَعَةُ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ وَطْأَهَا حَلَالٌ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا إنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ وَلَكِنْ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الْإِشْهَادِ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجِعًا لَهَا مِنْ غَيْرِ شُهُودٍ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا مَا لَمْ يُرَاجِعْهَا وَلِهَذَا شُرِطَ الْإِشْهَادُ عَلَى الرَّجْعَةِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِاسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا} وَالْإِصْلَاحُ يَكُونُ بَعْدَ تَمَكُّنِ الْفَسَادِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْفَسَادُ هُنَا بِزَوَالِ أَصْلِ الْمِلْكِ عَرَفْنَا أَنَّهُ تَمَكَّنَ الْفَسَادُ بِحُرْمَةِ الْوَطْءِ وَيَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ حُرْمَةَ الْوَطْءِ مَعَ قِيَامِ أَصْلِ الْمِلْكِ كَمَنْ كَاتَبَ أَمَتَهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا وَإِنْ بَقِيَ الْمِلْكُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ مَهْرٌ جَدِيدٌ بِالْوَطْءِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبَةِ وَلِأَنَّ هَذَا طَلَاقٌ وَاقِعٌ فَيَحْرُمُ الْوَطْءُ كَالْوَاقِعِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْأَقْرَاءَ يُحْتَسَبُ بِهَا مِنْ الْعِدَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَمَعَ بَقَاءِ مِلْكِ النِّكَاحِ مُطْلَقًا لَا يُحْتَسَبُ بِالْأَقْرَاءِ مِنْ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لِصِيَانَةِ الْمَاءِ وَصَوْنُ الْمَاءِ بِالنِّكَاحِ أَبْلَغُ مِنْهُ بِالْعِدَّةِ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ لِتَبَيُّنِ فَرَاغِ الرَّحِمِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ هِيَ مَشْغُولَةً بِمَا يُبَيِّنُ فَرَاغَ رَحِمِهَا وَيَكُونُ الزَّوْجُ مُسَلَّطًا عَلَى شُغْلِ رَحِمِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ إلَى سَنَتَيْنِ يُجْعَلُ هَذَا مِنْ عُلُوقٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَلَوْ بَقِيَ الْحِلُّ بَيْنَهُمَا لَكَانَ يَسْتَنِدُ الْعُلُوقُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الرَّجْعَةَ إمْسَاكًا وَذَلِكَ اسْتِدَامَةٌ لِلْمِلْكِ فَدَلَّ أَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمِلْكُ النِّكَاحِ لَيْسَ إلَّا مِلْكَ الْحِلِّ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَيْنَهَا وَلَا مَنَافِعَهَا فَبَقَاءُ مِلْكِ النِّكَاحِ مُطْلَقًا يَكُونُ دَلِيلَ بَقَاءِ حِلِّ الْوَطْءِ إلَّا بِعَارِضٍ يَحْرُمُ بِهِ الْوَطْءُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ كَالْحَيْضِ وَالظِّهَارِ وَاخْتِلَافِ الدِّينِ وَبِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً لَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَاشْتَرَاهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ كَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا فَكَذَلِكَ لَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ فِي مِلْكِ النِّكَاحِ وَالدَّلِيلُ عَلَى بَقَاءِ الْمِلْكِ مُطْلَقًا أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَاتِ كَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَأَنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ الِاعْتِيَاضَ بِالْخُلْعِ وَمِلْكُ الِاعْتِيَاضِ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ بَقَاءِ أَصْلِ الْمِلْكِ وَأَنَّهُ الرَّجْعَةُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَالرَّجْعَةُ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِحِلِّ الْوَطْءِ مَقْصُودًا حَتَّى لَا يُعْتَبَرَ فِيهَا الْمَهْرُ وَلَا رِضَاهَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَاقِعٌ فَلَوْ كَانَ حُكْمُ الطَّلَاقِ زَوَالَ الْمِلْكِ بِهِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْمُزَالَ لَا يُزَالُ وَكَمَا أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّانِيَ وَاقِعٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزُولَ الْمِلْكُ بِهِ فَكَذَلِكَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ لِلطَّلَاقِ رَفَعَ الْحِلَّ عَنْ الْمَحَلِّ إذَا تَمَّ ثَلَاثًا.
فَأَمَّا زَوَالُ الْمِلْكِ بِهِ مُعَلَّقٌ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ الرَّجْعَةِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عَدَمُ قَبْلِهِ وَإِنَّمَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الرَّجْعَةَ رَدًّا وَإِصْلَاحًا لِأَنَّهُ يُعِيدُهَا بِالرَّجْعَةِ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى حَتَّى لَا تَبِينَ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا لِأَنَّهُ يُعِيدُهَا إلَى الْمِلْكِ وَمِلْكُ النِّكَاحِ لَيْسَ نَظِيرَ مِلْكِ الْيَمِينِ فَإِنَّ صِفَةَ الْحِلِّ هُنَاكَ تَنْفَصِلُ عَنْ أَصْلِ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً كَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَهُنَا صِفَةُ الْحِلِّ تَنْفَصِلُ عَنْ أَصْلِ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً مَعَ أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ صَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا بِمَا الْتَزَمَتْ مِنْ الْعِوَضِ وَهُنَا الزَّوْجُ أَحَقُّ بِهَا وَوِزَانُ هَذَا مِنْ الْمُكَاتَبَةِ أَنْ لَوْ طَلَّقَهَا بِعِوَضٍ.
وَكَوْنُ الطَّلَاقِ وَاقِعًا لَا يَكُونُ دَلِيلَ حُرْمَةِ الْوَطْءِ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ كَمَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَبْقَى وَاقِعًا وَالْوَطْءُ حَلَالٌ وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْإِزَالَةَ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ وَالْمُسْقِطُ يَكُونُ مُتَلَاشِيًا لَا يُتَصَوَّرُ إعَادَتُهُ وَالِاحْتِسَابُ بِالْأَقْرَاءِ مِنْ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ صَارَ غَيْرَ مُرِيدٍ لَهَا بِالطَّلَاقِ وَكَمَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ ثُمَّ أَرَادَ بَيْعَهَا يَسْتَبْرِئُهَا مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ وَالْحِلِّ وَاسْتِنَادِ الْعُلُوقِ إلَى أَبْعَدِ الْأَوْقَاتِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ إثْبَاتِ الرَّجْعَةِ بِالشَّكِّ فَإِنَّا لَوْ أَسْنَدْنَا الْعُلُوقَ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَجَعَلْنَاهُ مُرَاجِعًا لَهَا بِالشَّكِّ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مَذْهَبِنَا أَنَّ جِمَاعَهُ إيَّاهَا فِي الْعِدَّةِ رَجْعَةٌ مِنْهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ رَجْعَةً وَاعْتُبِرَ الرَّجْعَةُ بِأَصْلِ النِّكَاحِ فَكَمَا لَا يَثْبُتُ أَصْلُ النِّكَاحِ بِالْفِعْلِ فَكَذَلِكَ لَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ عِنْدَهُ الرَّجْعَةَ سَبَبٌ لِاسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ وَرَفْعِ الْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي الْمِلْكِ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَوْلِ.
وَالْجِمَاعُ قَبْلَ الرَّجْعَةِ حَرَامٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْحِلِّ وَعِنْدَنَا الرَّجْعَةُ اسْتِدَامَةٌ لِلْمِلْكِ وَالْفِعْلُ الْمُخْتَصُّ بِهِ يَكُونُ أَدَلَّ عَلَى اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ مِنْ الْقَوْلِ، وَهُوَ نَظِيرُ الْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ فَإِنَّهُ مَنْعٌ لِلْمُزِيلِ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْجِمَاعِ وَنَقُولُ أَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ أَنَّ الطَّلَاقَ مُزِيلٌ لِلْمِلْكِ وَلَكِنَّ الْمُزِيلَ مَتَى ظَهَرَ وَأَعْقَبَ خِيَارَ الِاسْتِبْقَاءِ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ يَكُونُ مُسْتَبْقِيًا لِلْمِلْكِ بِالْوَطْءِ كَمَنْ بَاعَ أَمَتَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ وَطِئَهَا صَارَ بِالْوَطْءِ مُسْتَبْقِيًا لِلْمِلْكِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ هُنَاكَ يُحْتَاجُ إلَى فَسْخِ السَّبَبِ الْمُزِيلِ وَهُنَا لَا يُحْتَاجُ إلَى رَفْعِ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ الْمُوجِبِ لِلْحِلِّ كَالْوَطْءِ فَتَكُونُ مُبَاشَرَتُهُ دَلِيلَ اسْتِبْقَاءِ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى فِي ثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ جُعِلَتْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الرَّجْعَةِ وَالْأَحْسَنُ لَهُ أَنْ يُشْهِدَ شَاهِدَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ هَكَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حِينَ سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُعْلِمْهَا حَتَّى غَشِيَهَا فَقَالَ طَلَّقَهَا لِغَيْرِ السُّنَّةِ وَرَاجَعَهَا عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ وَلْيُشْهِدْ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ.
(قَالَ) وَلَا يَكُونُ النَّظَرُ إلَى شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهَا سِوَى الْفَرْجِ رَجْعَةً لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ وَلِأَنَّهُ لَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَلِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الْفَرْجِ نَوْعُ اسْتِمْتَاعٍ فَإِنَّ النَّظَرَ إلَى الْفَرْجِ إمَّا لِحُسْنِهِ أَوْ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَلَيْسَ فِي الْفَرْجِ مَعْنَى الْحُسْنِ فَكَانَ النَّظَرُ إلَيْهِ اسْتِمْتَاعًا بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَالنَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لَا يَكُون رَجْعَةً لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْمِلْكِ فَإِنَّ الْقَابِلَةَ تَنْظُرُ وَالْحَافِظَةُ كَذَلِكَ فَأَمَّا إذَا قَبَّلَتْهُ بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَتْهُ بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَتْ إلَى فَرْجِهِ بِشَهْوَةٍ تَثْبُتُ بِهِ الرَّجْعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَثْبُتُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مِنْ الزَّوْجِ دَلِيلُ اسْتِبْقَاءِ الْمِلْكِ وَلَيْسَ لَهَا وِلَايَةُ اسْتِبْقَاءِ الْمِلْكِ فَلَا يَكُونُ فِعْلُهَا رَجْعَةً وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا فِعْلُهَا بِهِ كَفِعْلِهِ بِهَا فَإِنَّ الْحِلَّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَفِعْلُهَا بِهِ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ كَفِعْلِهِ بِهَا فَكَذَلِكَ فِي الرَّجْعَةِ ثُمَّ فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْخِيَارِ فَقَالَ الْأَمَةُ إذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بِالْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ يَكُونُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ وَهُنَا لَا يَكُونُ رَجْعَةً مِنْهَا لِأَنَّ إسْقَاطَ الْخِيَارِ قَدْ يَحْصُلُ بِفِعْلِهَا، وَهُوَ مَا إذَا جَنَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا وَالرَّجْعَةُ لَا تَكُونُ بِفِعْلِهَا قَطُّ وَقَدْ رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ فَقَالَ لَا يَسْقُطُ هُنَاكَ الْخِيَارُ بِفِعْلِهَا.
وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُفَرِّقُ فَيَقُولُ هُنَاكَ يَسْقُطُ الْخِيَارُ بِفِعْلِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَإِثْبَاتُ الْمِلْكِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ إلَيْهَا ذَلِكَ وَهُنَا لَيْسَ فِي الرَّجْعَةِ فَسْخُ السَّبَبِ وَلَا إثْبَاتُ الْمِلْكِ وَلَكِنْ إنَّمَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ بِفِعْلِهَا إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بِشَهْوَةٍ فَأَمَّا إذَا ادَّعَتْ هِيَ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ لَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بِشَهْوَةٍ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهَا وَقَوْلُهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ إذَا أَنْكَرَهُ الزَّوْجُ.
(قَالَ) وَتَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِالشَّرْطِ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ الْإِضَافَةُ إلَى وَقْتٍ حَتَّى إذَا قَالَ رَاجَعْتُك غَدًا أَوْ إذَا جَاءَ غَدٌ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فَلَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ كَأَصْلِ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ مَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ بِهِ وَلَا يَحْلِفُ بِالرَّجْعَةِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَهُوَ نَظِيرُ الْإِذْنِ لِلْعَبْدِ وَالتَّوْكِيلُ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِأَنَّهُ إطْلَاقٌ وَرَفْعٌ لِلْقَيْدِ وَالْحَجْرُ عَلَى الْعَبْدِ وَعَزْلُ الْوَكِيلِ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ.
(قَالَ) وَإِنْ قَالَ كُنْت رَاجَعْتُك أَمْسِ صَدَقَ إنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ بُعْدٌ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ فَلَا يَكُونُ مُتَّهَمًا فِي الْإِخْبَارِ وَلَمْ يُصَدَّقْ إذَا قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ خَبَرٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَإِذَا كَانَ يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ فِي الْحَالِ تَنْتَفِي تُهْمَةُ الْكَذِبِ عَنْ خَبَرِهِ، وَإِذَا كَانَ لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ تَتَمَكَّنُ تُهْمَةُ الْكَذِبِ فِي خَبَرِهِ وَهُوَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قَالَ قَبْلَ الْعَزْلِ كُنْت بِعْته مِنْ فُلَانٍ يُصَدَّقُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بَعْدَ الْعَزْلِ فَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي إخْبَارِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَانَ مُصَدَّقًا لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا وَتَصَادُقُهُمَا عَلَى الرَّجْعَةِ كَتَصَادُقِهِمَا عَلَى أَصْلِ النِّكَاحِ.
(قَالَ)، وَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَغْتَسِلْ فَالرَّجْعَةُ بَاقِيَةٌ لَهُ عَلَيْهَا وَهَذَا إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ؛ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشَرَةً فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ بِنَفْسِ انْقِطَاعِ الدَّمِ، وَإِذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَمْ نَتَيَقَّنْ بِذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يُعَاوِدَهَا الدَّمُ فَيَكُونَ ذَلِكَ حَيْضًا إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ وَقَدْ قَالَتْ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الزَّوْجُ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ أَوْ مَا لَمْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ وَحِلُّ الصَّلَاةِ يَكُونُ بِالِاغْتِسَالِ، وَإِذَا أَخَّرَتْ الْغُسْلَ حَتَّى ذَهَبَ وَقْتُ أَدْنَى الصَّلَاةِ إلَيْهَا انْقَطَعَ حَقُّ الرَّجْعَةِ عِنْدَنَا وَلَا يَنْقَطِعُ عِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَمَلًا بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَا لَمْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ وَلِبَقَاءِ تَوَهُّمِ مُعَاوَدَةِ الدَّمِ وَكَوْنُ ذَلِكَ حَيْضًا وَلَكِنَّا نَقُولُ بِذَهَابِ الْوَقْتِ صَارَتْ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا وَذَلِكَ مِنْ خَوَاصِّ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ فَإِذَا انْضَمَّ ذَلِكَ إلَى الِانْقِطَاعِ تَقْوَى بِهِ كَالِاغْتِسَالِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَوَهُّمُ مُعَاوَدَةِ الدَّمِ بَعْدَهُ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ وَقِيلَ فِي مَعْنَى قَوْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَتَّى تَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ أَيْ تَحِلَّ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ بِأَنْ تَلْزَمَهَا بِذَهَابِ الْوَقْتِ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ لَهُمْ اللَّعْنَةُ} أَيْ عَلَيْهِمْ اللَّعْنَةُ أَرَأَيْت لَوْ أَخَّرَتْ الِاغْتِسَالَ شَهْرًا طَمَعًا فِي أَنْ يُرَاجِعَهَا الزَّوْجُ أَكَانَ تَبْقَى الرَّجْعَةُ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ هَذَا قَبِيحٌ فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي عِدَّتِهَا قَدْ رَاجَعْتهَا أَوْ أَنَّهُ قَالَ قَدْ جَامَعْتهَا كَانَ ذَلِكَ رَجْعَةً لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْمَسَائِلِ فَإِنَّهُ يُثْبِتُ إقْرَارَ نَفْسِهِ بِالْبَيِّنَةِ بِمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لِلْحَالِّ لَمْ يَكُنْ مَقْبُولًا مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَكَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَهَا فَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا الْيَمِينُ لِأَنَّ هَذَا اسْتِحْلَافٌ فِي الرَّجْعَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَرَى ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي النِّكَاحِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّهَا لَوْ ادَّعَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا تُسْتَحْلَفُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ لَوْ نَكَلَتْ كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُرَاجِعَهَا قُلْنَا ذَلِكَ اسْتِحْلَافٌ فِي الْعِدَّةِ فَإِذَا نَكَلَتْ بَقِيَتْ الْعِدَّةُ وَهِيَ مَحَلُّ الرَّجْعَةِ وَهَذَا اسْتِحْلَافٌ فِي نَفْسِ الرَّجْعَةِ وَالْخَلْوَةُ بِالْمُعْتَدَّةِ لَيْسَتْ بِرَجْعَةٍ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْلُوَ بِذَوَاتِ مَحَارِمِهِ فَلَا يَكُونُ دَلِيلَ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ.
(قَالَ) وَلَوْ كَتَمَهَا الطَّلَاقَ ثُمَّ رَاجَعَهَا وَكَتَمَهَا الرَّجْعَةَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ لِأَنَّهُ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ هُوَ مُسْتَبِدٌّ بِهِ وَكَذَلِكَ فِي الرَّجْعَةِ فَإِنَّهُ اسْتِدَامَةٌ لِمِلْكِهِ وَلَا يَلْزَمُهَا بِهِ شَيْءٌ فَلَا مُعْتَبَرَ بِعِلْمِهَا فِيهِ وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ فِيمَا صَنَعَ حِينَ تَرَكَ الْإِشْهَادَ عَلَى الرَّجْعَةِ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ قَالَ بَلَغَنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا حَتَّى يُشْهِدَ.
(قَالَ)، وَإِذَا قَالَ زَوْجُ الْمُعْتَدَّةِ لَهَا قَدْ رَاجَعْتُكِ فَقَالَتْ مُجِيبَةً لَهُ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَالرَّجْعَةُ صَحِيحَةٌ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ الْعِدَّةَ فَإِنَّ عِدَّتَهَا بَاقِيَةٌ مَا لَمْ تُخْبِرْ بِالِانْقِضَاءِ وَقَدْ سَبَقَتْ الرَّجْعَةُ خَبَرَهَا بِالِانْقِضَاءِ فَصَحَّتْ الرَّجْعَةُ وَسَقَطَتْ الْعِدَّةُ فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْ بِالِانْقِضَاءِ بَعْدَ سُقُوطِ الْعِدَّةِ وَلَيْسَ لَهَا وِلَايَةُ الْإِخْبَارِ بَعْدَ سُقُوطِ الْعِدَّةِ لَوْ سَكَتَتْ سَاعَةً ثُمَّ أَخْبَرَتْ وَلِأَنَّهَا صَارَتْ مُتَّهَمَةً فِي الْإِخْبَارِ بِالِانْقِضَاءِ بَعْدَ رَجْعَةِ الزَّوْجِ فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهَا كَمَا لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ عَزَلْتُك فَقَالَ الْوَكِيلُ كُنْت بِعْته وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ الرَّجْعَةُ صَادَفَتْ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا تَصِحُّ لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ لَيْسَ بِعِدَّةٍ مُطْلَقًا وَشَرْطُ الرَّجْعَةِ أَنْ تَكُونَ فِي عِدَّةِ مُطَلَّقَةٍ وَبَيَانُهُ أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ وَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تُخْبِرَ إلَّا بَعْدَ الِانْقِضَاءِ فَإِذَا أَخْبَرَتْ مُجِيبَةً لِلزَّوْجِ عَرَفْنَا ضَرُورَةَ أَنَّ الِانْقِضَاءَ سَابِقٌ وَأَقْرَبُ أَحْوَالِهِ حِلُّ قَوْلِ الزَّوْجِ رَاجَعْتُك بِخِلَافِ مَا إذَا سَكَتَتْ سَاعَةً فَإِنَّ أَقْرَبَ الْأَحْوَالِ لِلِانْقِضَاءِ هُنَاكَ حَالُ سُكُوتِهَا وَلَا يُقَالُ مُصَادِفَةُ الرَّجْعَةِ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ نَادِرٌ لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُوَافِقَ حَالَةً فَتَارَةً يُوَافِقُ كُلَّهَا وَتَارَةً يَوْمَهَا وَتَارَةً قَوْلَ الزَّوْجِ رَاجَعْتُك وَإِنْ تَمَكَّنَ مَا هُوَ نَادِرٌ، وَهُوَ رَجْعَةُ الزَّوْجِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنَّمَا تَصِيرُ مُتَّهَمَةً إذَا فَرَّطَتْ فِي الْإِخْبَارِ بِالتَّأْخِيرِ وَلَا تَفْرِيطَ مِنْهَا هُنَا لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْإِخْبَارِ إلَّا بَعْدَ الِانْقِضَاءِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ مُفَرِّطٌ فِي الْإِخْبَارِ لِأَنَّ بَيْعَهُ كَانَ قَبْلَ الْعَزْلِ لَا مَعَ الْعَزْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا قَالَ لَهَا قَدْ طَلَّقْتُك فَقَالَتْ مُجِيبَةً لَهُ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي قِيلَ هُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ انْقِضَاءِ عِدَّتِك وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ لِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بِالْوُقُوعِ كَمَا لَوْ قَالَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كُنْت طَلَّقْتُك فِي الْعِدَّةِ كَانَ مُصَدَّقًا فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ.
(قَالَ) وَالتَّوَارُثُ قَائِمٌ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ بَيْنَهُمَا قَائِمَةٌ وَإِنَّمَا انْتَهَتْ بِالْمَوْتِ، وَهُوَ سَبَبُ التَّوَارُثِ وَيَسْتَوِي فِيهِ التَّطْلِيقَةُ وَالتَّطْلِيقَتَانِ وَيَمْلِكُ مُرَاجَعَةَ الْمَرْأَةِ الْكِتَابِيَّةِ وَالْمَمْلُوكَةِ فِي عِدَّتِهَا مِثْلَ مَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةٌ لِلْمِلْكِ كَمَا قُلْنَا وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ لِبَقَاءِ الرِّقِّ الْمُنْصِفِ لِلْحِلِّ فِيهِنَّ وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهَا كَالْمُكَاتَبَةِ.
(قَالَ)، وَإِذَا قَالَ زَوْجُ الْأَمَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كُنْت رَاجَعْتهَا فِي الْعِدَّةِ وَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى وَكَذَّبَتْهُ الْأَمَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ لِأَنَّ بِضْعَهَا مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى وَيَنْزِلُ الْمَوْلَى فِيهَا مَنْزِلَةَ الْحُرَّةِ مِنْ نَفْسِهَا حَتَّى يَصِحَّ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا وَإِقْرَارُهُ بِالنِّكَاحِ عَلَيْهَا فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ بِالرَّجْعَةِ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِ الْحُرَّةِ عَلَى نَفْسِهَا بِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ الرَّجْعَةُ تَنْبَنِي عَلَى سَبَبٍ لَا قَوْلٍ لِلْمَوْلَى فِيهِ، وَهُوَ قِيَامُ الْعِدَّةِ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي الْعِدَّةِ قَوْلُهَا فِي الْبَقَاءِ وَالِانْقِضَاءِ دُونَ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ فِيمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ تَوْضِيحُهُ أَنَّ صِحَّةَ الرَّجْعَةِ حَالَ قِيَامِ الْعِدَّةِ وَلَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى عِنْدَ ذَلِكَ فِي الْبُضْعِ وَلَا تَصَرُّفَ فَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهَا بِخِلَافِ التَّزْوِيجِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي صَدَّقَتْ الزَّوْجَ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى لَمْ تَثْبُتْ الرَّجْعَةُ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلِأَنَّ بُضْعَهَا فِي الْحَالِ خَالِصٌ حَقُّ الْمَوْلَى فَإِنَّ عِدَّتَهَا مُنْقَضِيَةٌ؛ فَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ.
(قَالَ) وَالْمُعْتَدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ تَتَشَوَّفُ وَتَتَزَيَّنُ لَهُ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ بَاقِيَةٌ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مَنْدُوبٌ عَلَى أَنْ يُرَاجِعَهَا وَتَشَوُّفُهَا لَهُ يُرَغِّبُهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ لَا يُرَاجِعَهَا فَأَحْسَنُ ذَلِكَ أَنْ يُعْلِمَهَا بِدُخُولِهِ عَلَيْهَا بِالتَّنَحْنُحِ وَخَفْقِ النَّعْلِ كَيْ تَتَأَهَّبَ لِدُخُولِهِ لَا لِأَنَّ الدُّخُولَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ الِاسْتِئْذَانِ حَرَامٌ وَلَكِنَّ الْمَرْأَةَ فِي بَيْتِهَا فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا فَرُبَّمَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى فَرْجِهَا وَتَقْتَرِنُ بِهِ الشَّهْوَةُ فَيَصِيرُ مُرَاجِعًا لَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَإِذَا صَارَ مُرَاجِعًا وَلَيْسَ مِنْ قَصْدِهِ إمْسَاكُهَا احْتَاجَ إلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا وَتَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ فَيَكُونُ إضْرَارًا بِهَا مِنْ حَيْثُ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَلِهَذَا قَالَ أَكْرَهُ أَنْ يَرَاهَا مُتَجَرِّدَةً إذَا كَانَ لَا يُرِيدُ رَجْعَتَهَا وَإِنْ رَآهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ مَا فَوْقَ الرُّؤْيَةِ، وَهُوَ الْغَشَيَانُ حَلَالٌ لَهُ.
(قَالَ)، وَإِذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ تَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ أَوْ فُرْقَةٍ بِخُلْعٍ أَوْ إيلَاءٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ اخْتِيَارِهَا أَمْرَ نَفْسِهَا أَوْ بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّ حُكْمَ الرَّجْعَةِ عُرِفَ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَالنَّصُّ وَرَدَ بِمُطْلَقِ الطَّلَاقِ فَبَقِيَ الطَّلَاقُ الْمُقَيَّدُ بِصِفَةِ الْبَيْنُونَةِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَهَذَا لِأَنَّ كَوْنَهَا مُطَلَّقَةً حُكْمُ مُطْلَقِ الطَّلَاقِ وَهَذَا لَا يُنَافِي مِلْكَ النِّكَاحِ كَمَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ وَكَوْنُهَا مُبَانَةً أَوْ مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا يُنَافِي مِلْكَ النِّكَاحِ وَالْمُتَنَافِيَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فَإِذَا ثَبَتَتْ الْبَيْنُونَةُ انْتَفَى النِّكَاحُ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَفِي الْخُلْعِ إنَّمَا الْتَزَمَتْ الْعِوَضَ لِتَتَخَلَّصَ مِنْ الزَّوْجِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ وَحَقِّ الرَّجْعَةِ.
(قَالَ)، وَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْخَلْوَةِ، وَهُوَ يَقُولُ لَمْ أَدْخُلْ بِهَا فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِالْبَيْنُونَةِ وَسُقُوطِ حَقِّهِ فِي الرَّجْعَةِ وَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ صَحِيحٌ وَلِأَنَّ الْخَلْوَةَ إنَّمَا جُعِلَتْ تَسْلِيمًا فِي حَقِّ الْمَهْرِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا وَذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الرَّجْعَةِ لِأَنَّهَا حَقُّ الزَّوْجِ، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ غَشَيَانِهَا.
.
(قَالَ) وَإِنْ كَانَتْ حِينَ خَلَا بِهَا حَائِضًا أَوْ صَائِمَةً فِي رَمَضَانَ أَوْ مُحْرِمَةً أَوْ رَتْقَاءَ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْخَلْوَةَ فَاسِدَةٌ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَإِذَا كَانَ حَقُّ الرَّجْعَةِ لَا يَثْبُتُ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ فَبِالْفَاسِدَةِ أَوْلَى وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَقُولُ جَمِيعُ الْمَهْرِ لِأَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ بِالِاتِّفَاقِ وَلَكِنَّا نَقُولُ فِي الْعِدَّةِ مَعْنَى حَقِّ الشَّرْعِ وَهُمَا مُتَّهَمَانِ فِي ذَلِكَ فَأَمَّا الْمَهْرُ حَقُّهَا فَيُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا فُصُولَ الْخَلْوَةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ.
(قَالَ)، وَإِذَا كَانَ عِنِّينًا أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ خَصِيًّا فَخَلَى بِهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَحْلًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْمُرَاجَعَةِ فِي الْعِدَّةِ فَإِذَا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ الدُّخُولِ ظَاهِرًا فِيهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَقُّ الْمُرَاجَعَةِ فِي الْعِدَّةِ.
(قَالَ)، وَإِذَا ادَّعَى الزَّوْجُ الدُّخُولَ بِهَا وَقَدْ خَلَا بِهَا وَأَنْكَرَتْهُ الْمَرْأَةُ فَلَهُ الرَّجْعَةُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْفَحْلِ أَنَّهُ مَتَى خَلَى بِالْأُنْثَى الَّتِي تَحِلُّ لَهُ نَزَا عَلَيْهَا فَإِنْ قِيلَ الظَّاهِرُ حُجَّةٌ لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالزَّوْجُ إنَّمَا يُرِيدُ اسْتِحْقَاقَ الرَّجْعَةِ بِقَوْلِهِ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ بَلْ الزَّوْجُ إنَّمَا يَسْتَبْقِي مِلْكَهُ بِمَا يَقُولُ وَيَدْفَعُ اسْتِحْقَاقَهَا نَفْسَهَا وَالظَّاهِرُ يَكْفِي لِذَلِكَ.
(قَالَ) وَإِنْ لَمْ يَخْلُ بِهَا حَتَّى طَلَّقَهَا وَادَّعَى الدُّخُولَ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَارِضًا لَا يُعْرَفُ سَبَبُهُ وَلِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ لَهُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّ إنْكَارَهَا سَبَبَ الْعِدَّةِ كَإِنْكَارِهَا أَصْلَ الْعِدَّةِ وَالرَّجْعَةُ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْعِدَّةِ.
(قَالَ)، وَإِذَا قَالَتْ إنَّ عِدَّتِي قَدْ انْقَضَتْ وَذَلِكَ فِي وَقْتٍ لَا تَحِيضُ فِيهِ ثَلَاثَ حِيَضٍ لَمْ تُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمِينَ إنَّمَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِيلًا أَوْ مُسْتَنْكَرًا فَإِذَا أَخْبَرَتْ بِمَا هُوَ مُسْتَحِيلٌ أَوْ مُسْتَنْكَرٌ لَمْ تُصَدَّقْ فِي خَبَرِهَا ثُمَّ بَيَّنَ أَدْنَى الْمُدَّةِ الَّتِي تُصَدَّقُ فِيهَا، وَهُوَ شَهْرَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا فِي قَوْلِهِمَا وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِفُرُوعِهَا فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَيْضِ.
(قَالَ) فَإِنْ قَالَتْ قَدْ أَسْقَطْت سَقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ أَوْ بَعْضَ الْخَلْقِ صُدِّقَتْ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهَا مُسَلَّطَةٌ أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ بِمَا فِي رَحِمِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} وَالنَّهْيُ عَنْ الْكِتْمَانِ أَمْرٌ بِالْإِظْهَارِ وَقَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إنَّ مِنْ الْأَمَانَةِ أَنْ تُؤَمَّنَ الْمَرْأَةُ عَلَى مَا فِي رَحِمِهَا فَإِذَا أَخْبَرَتْ بِذَلِكَ وَكَانَ مُحْتَمَلًا وَجَبَ قَبُولُ خَبَرِهَا مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَإِنْ اتَّهَمَهَا الزَّوْجُ حَلَّفَهَا.
(قَالَ) وَكُلُّ سَقْطٍ لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْوَلَدِ بَلْ هُوَ كَالدَّمِ الْمُتَجَمِّدِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُمْتَحَنُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ فَإِذَا ذَابَ فِيهِ فَهُوَ دَمٌ وَإِنْ لَمْ يَذُبْ فَهُوَ وَلَدٌ وَلَكِنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الطِّبِّ لَا مِنْ بَابِ الْفِقْهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ.
(قَالَ)، وَإِذَا قَالَتْ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرَيْنِ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَقَالَ الزَّوْجُ قَدْ أَخْبَرَتْنِي أَمْسِ أَنَّهَا لَمْ تَحِضْ شَيْئًا فَإِنْ كَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهَا مَا لَا يُعْرَفُ سَبَبُهُ وَهِيَ تُنْكِرُ ذَلِكَ وَقَدْ ظَهَرَ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِخَبَرِهَا وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فِي ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالتَّصَادُقِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ وَبَعْدَ مَا أَخْبَرَتْ أَمْسِ أَنَّهَا لَمْ تَحِضْ شَيْئًا فَإِخْبَارُهَا فِي الْيَوْمِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مُسْتَحِيلٌ وَلِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا وَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا.
(قَالَ) فَإِنْ كَانَتْ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ لِصِغَرٍ أَوْ إيَاسٍ فَحَاضَتْ اُنْتُقِضَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا بِالشُّهُورِ وَكَانَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ أَمَّا فِي الْآيِسَةِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهَا لَمَّا حَاضَتْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ آيِسَةً وَإِنَّمَا كَانَتْ مُمْتَدًّا طُهْرُهَا وَأَمَّا فِي الصَّغِيرَةِ إذَا حَاضَتْ فَلِأَنَّهَا قَدَرَتْ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْأَصْلِ تَمْنَعُ اعْتِبَارَ الْبَدَلِ وَلَا يَكْمُلُ مَعَ الْأَصْلِ لِأَنَّهُمَا لَا يَلْتَقِيَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِئْنَافِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً فَحَاضَتْ وَطَهُرَتْ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِأَنَّ الْفَصْلَ بِالشَّهْرِ بَيْنَ الطَّلَاقَيْنِ كَانَ قَبْلَ ظُهُورِ الْحَيْضِ.
.
(قَالَ) وَكَذَلِكَ لَوْ حَاضَتْ حَيْضَةً ثُمَّ أَيِسَتْ مِنْ الْحَيْضِ اعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْحَيْضَةِ لِأَنَّ إكْمَالَ الْأَصْلِ بِالْبَدَلِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِئْنَافِ وَإِيَاسُهَا أَنْ تَبْلُغَ مِنْ السِّنِّ مَا لَا يَحِيضُ فِيهِ مِثْلُهَا لِأَنَّهُ مَعْنًى فِي بَاطِنِهَا لَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ السَّبَبِ الظَّاهِرِ فِيهِ، وَإِذَا بَلَغَتْ مِنْ السِّنِّ مَا لَا يَحِيضُ فِيهِ مِثْلُهَا وَهِيَ لَا تَرَى الدَّمَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا آيِسَةٌ وَلَمْ يُقَدَّرْ السِّنُّ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى التَّقْدِيرُ بِخَمْسِينَ سَنَةً، وَفِي رِوَايَةٍ سِتِّينَ سَنَةً وَفَصَلَ فِي رِوَايَةٍ بَيْنَ الرُّومِيَّاتِ وَالْخُرَاسَانِيَّات فَفِي الرُّومِيَّاتِ التَّقْدِيرُ بِخَمْسِينَ سَنَةً لِأَنَّ الْهَرَمَ يُسْرِعُ إلَيْهِنَّ، وَفِي الْخُرَاسَانِيَّات التَّقْدِيرُ بِسِتِّينَ سَنَةً وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى التَّقْدِيرِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى خَمْسِينَ سَنَةً فَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إذَا جَاوَزَتْ الْمَرْأَةُ خَمْسِينَ سَنَةً لَمْ تَرَ فِي بَطْنِهَا قُرَّةَ عَيْنٍ.
(قَالَ)، وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً ثُمَّ رَاجَعَهَا فِي الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ الطُّهْرِ وَتَرَكَهَا حَتَّى حَاضَتْ الثَّالِثَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ الطُّهْرِ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ بَعْدَ التَّطْلِيقَةِ الثَّالِثَةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ قَدْ صَحَّتْ لِمُصَادَفَتِهَا الْعِدَّةَ فَإِذَا طَلَّقَهَا كَانَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ وَقَدْ أَسَاءَ فِيمَا صَنَعَ لِأَنَّهُ طَوَّلَ الْعِدَّةَ عَلَيْهَا وَجَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} أَنَّهُ نَزَلَ فِيمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} إنَّمَا نَزَلَتْ فِيمَا إذَا خَطَبَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَأَبَى أَوْلِيَاؤُهَا أَنْ يَتْرُكُوهَا.
(قَالَ)، وَإِذَا اغْتَسَلَتْ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ غَيْرَ أَنَّهُ بَقِيَ مِنْهَا عُضْوٌ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَالزَّوْجُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَلَوْ بَقِيَ مَا دُونَ الْعُضْوِ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ قَالَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ غَيْرَ أَنِّي أَسْتَحْسِنُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ نَصًّا مَوْضِعَ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ فِي الْقِيَاسِ يَنْقَطِعُ لِأَنَّهَا مُغْتَسِلَةٌ وَقَدْ غَسَلَتْ أَكْثَرَ الْبَدَنِ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَنْقَطِعُ لِأَنَّ الْعُضْوَ الْكَامِلَ وَرَدَ الْخِطَابُ بِتَطْهِيرِهِ شَرْعًا فَبَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَلِأَنَّ الْعُضْوَ الْكَامِلَ لَا يَقَعُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ عَادَةً فَلَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ عَادَةً بِخِلَافِ مَا دُونَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِيمَا دُونَ الْعُضْوِ فِي الْقِيَاسِ يَبْقَى حُكْمُ الرَّجْعَةِ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْحَدَثِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ» وَلِأَنَّهُ لَمْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ فَكَانَ هَذَا وَبَقَاءُ عُضْوٍ كَامِلٍ سَوَاءٌ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ لِأَنَّ مَا دُونَ الْعُضْوِ لِقِلَّتِهِ يُسْرِعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ فَلَا يَتَيَقَّنُ بِعَدَمِ إصَابَةِ الْمَاءِ؛ فَلِهَذَا يُؤْخَذُ فِيهِ بِالِاحْتِيَاطِ فَتَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ حَتَّى تَغْسِلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ احْتِيَاطًا لِأَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَصِلْ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ.
(قَالَ) وَلَوْ تَرَكَتْ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فِي الِاغْتِسَالِ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِبَقَاءِ عُضْوٍ كَامِلٍ وَتَنْقَطِعُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ احْتِيَاطًا لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فِي الِاغْتِسَالِ سُنَّةٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي قَطْعِ الرَّجْعَةِ.
(قَالَ)، وَإِذَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ بَعْدَ مَا طَهُرَتْ وَأَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَتَيَمَّمَتْ وَصَلَتْ مَكْتُوبَةً أَوْ تَطَوُّعًا فَقَدْ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهَا حِينَ جَوَّزْنَا صَلَاتَهَا بِالتَّيَمُّمِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَضَى عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ وَهُنَاكَ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ فَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنْ وَجَدَتْ الْمَاءَ بَعْدَ هَذَا اغْتَسَلَتْ وَلَمْ يُعَدَّ حَقُّ الرَّجْعَةِ لِأَنَّ صَلَاتَهَا تِلْكَ بَقِيَتْ مُجْزِئَةً وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا عَاوَدَهَا الدَّمُ لِأَنَّ بِمُعَاوَدَةِ الدَّمِ تَبَيَّنَ أَنَّ الِانْقِطَاعَ لَمْ يَكُنْ طُهْرًا وَبِوُجُودِ الْمَاءِ لَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فَأَمَّا إذَا تَيَمَّمَتْ وَلَمْ تُصَلِّ فَلِلزَّوْجِ عَلَيْهَا حَقُّ الرَّجْعَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ اسْتِحْسَانًا، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الِاغْتِسَالِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ فِيمَا يُبْنَى أَمْرُهُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ بِدَلِيلِ حِلِّ أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَهَا وَحِلِّ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالْحُكْمُ بِسُقُوطِ الرَّجْعَةِ يُؤْخَذُ فِيهِ بِالِاحْتِيَاطِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ اغْتَسَلَتْ وَبَقِيَ عَلَى بَدَنِهَا لَمْعَةٌ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ عَنْهَا احْتِيَاطًا وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَدَاءُ الصَّلَاةِ فَهُنَا أَوْلَى وَكَذَلِكَ لَوْ اغْتَسَلَتْ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَلَمْ تَجِدْ غَيْرَهُ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ احْتِيَاطًا وَلَمْ يَحِلَّ لَهَا أَدَاءُ الصَّلَاةِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ فَهُنَا أَوْلَى أَنْ تَنْقَطِعَ الرَّجْعَةُ وَقَدْ حَلَّ لَهَا أَدَاءُ الصَّلَاةِ وَهَذَا لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} فَإِذَا أَتَتْ بِهِ لَمْ تَبْقَ مُخَاطَبَةً بِالتَّطْهِيرِ فَتَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ كَالنَّصْرَانِيَّةِ تَحْتَ مُسْلِمٍ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ بِنَفْسِ الِانْقِطَاعِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِالتَّطْهِيرِ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا التَّيَمُّمُ طَهَارَةٌ ضَعِيفَةٌ فَلَا تَنْقَطِعُ بِهِ الرَّجْعَةُ كَنَفْسِ الِانْقِطَاعِ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَا يُرْفَعُ الْحَدَثُ إلَّا بِيَقِينٍ حَتَّى أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ كَانَ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ تَلْوِيثٌ وَتَغْيِيرٌ وَهَذَا ضِدُّ التَّطْهِيرِ وَإِنَّمَا جُعِلَ طَهَارَةً حُكْمًا لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ فَكَانَ طَهَارَةً فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ، وَفِيمَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِ الصَّلَاةِ خَاصَّةً كَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حُكْمِ الرَّجْعَةِ فَكَانَ التَّيَمُّمُ فِي حُكْمِ الرَّجْعَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ كَهُوَ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ تَوْضِيحُهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ مَشْرُوعٌ لِمَقْصُودٍ، وَهُوَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ لَا رَفْعُ الْحَدَثِ بِهِ وَلِهَذَا لَا يُؤْمَرُ بِهِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَفِي الْوَقْتِ أَيْضًا يُنْتَظَرُ آخِرَ الْوَقْتِ وَمَا كَانَ مَشْرُوعًا لِمَقْصُودٍ فَقَبْلَ انْضِمَامِ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ إلَيْهِ كَانَ ضَعِيفًا فَلَا يَزُولُ بِهِ الْمِلْكُ كَشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الطَّلَاقِ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِهِ فَمَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْقَضَاءُ لَا يَكُونُ مُزِيلًا لِلْمِلْكِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَ عَلَى بَدَنِهَا لَمْعَةٌ لِأَنَّ قَطْعَ الرَّجْعَةِ هُنَاكَ لِتَوَهُّمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَسُرْعَةِ الْجَفَافِ فَكَانَتْ طَهَارَةً قَوِيَّةً فِي نَفْسِهَا وَالِاغْتِسَالُ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا طَهَارَةٌ قَوِيَّةٌ لِكَوْنِهَا اغْتِسَالًا بِالْمَاءِ وَلَكِنَّهَا تُؤْمَرُ بِضَمِّ التَّيَمُّمِ إلَى ذَلِكَ فِي حُكْمِ حِلِّ الصَّلَاةِ احْتِيَاطًا لِاشْتِبَاهِ الْأَدِلَّةِ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ وَقَدْ كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الطَّهَارَةَ وَلِهَذَا لَوْ اغْتَسَلَتْ بِهِ مَعَ وُجُودِ مَاءٍ آخَرَ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ أَيْضًا لِكَوْنِهَا طَهَارَةً قَوِيَّةً، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الطَّهَارَةَ قَوِيَّةٌ جَاءَ مَوْضِعُ الِاحْتِيَاطِ فَقُلْنَا بِأَنَّهُ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ احْتِيَاطًا وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ حَتَّى تَغْتَسِلَ بِمَاءٍ آخَرَ أَوْ تَتَيَمَّمَ وَتُصَلِّيَ لِاحْتِمَالِ نَجَاسَةِ ذَلِكَ الْمَاءِ احْتِيَاطًا وَهَذَا بِخِلَافِ النَّصْرَانِيَّةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا اغْتِسَالٌ أَصْلًا فَكَانَ نَفْسُ الِانْقِطَاعِ كَطَهَارَةٍ قَوِيَّةٍ فِي نَفْسِهَا وَهُنَا الِاغْتِسَالُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا بَعْدَ التَّيَمُّمِ وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ وَلَمْ يَذْكَرْ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا تَيَمَّمَتْ وَشَرَعَتْ فِي الصَّلَاةِ.
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَنْقَطِعُ مَا لَمْ تَفْرُغْ مِنْ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْحَالَ بَعْدَ شُرُوعِهَا فِي الصَّلَاةِ كَالْحَالِ قَبْلَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا إذَا رَأَتْ الْمَاءَ لَا يَبْقَى لِتَيَمُّمِهَا أَثَرٌ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ فَإِنَّهَا وَإِنْ رَأَتْ الْمَاءَ تَبْقَى صَلَاتُهَا مُجْزِئَةً وَتَأْوِيلُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الزَّوْجُ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا مَا لَمْ تَحِلَّ الصَّلَاةُ لَهَا وَحِلُّ الصَّلَاةِ بِالِاغْتِسَالِ فَإِنَّهُ صَحَّ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى التَّيَمُّمَ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.